<!-- ملكية الأموال في الإسلام

الملكية لغة. المُلك والمَلك والمِلك، [بضم الميم وفتحها وكسرها]: تعني احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به.

وملكية المال في الاصطلاح: عرف الفقهاء الملك بتعريفات كثيرة، تتقارب في معناها وإن اختلفت في ألفاظها، فعرفه كمال الدين بن الهمام بقوله: " الملك هو قدرةٌ يثبتها الشارع ابتداء على التصرف"، وعرفه القراني بقوله:" حكم شرعي مقدّر في العين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك وبالعوض عنه ويؤخذ من هذه التعريفات ما يلي:

<!--إن الملك لا يثبت إلا بإثبات الشارع وتقديره وهذا أمر متفق عليه بين جميع الفقهاء، لأن الحقوق كلها ومنها حق الملكية لا يثبت إلا بإثبات الشارع له، وتقريره لأسبابها، فالحق ليس ناشئاً عن طبائع الأشياء، ولكنه ناشئ عن إذن الشارع.

<!-- إن هذه التعريفات مهما اختلفت ألفاظها فإنما ترمي إلى معنى واحد وهو أن الملك هو العلاقة التي أقرها الشارع بين الإنسان والمال، وجعله مختصاً به، بحيث يتمكن من الانتفاع به بكل الطرق السائغة له شرعاً، وفي الحدود التي بينها الشارع الحكيم.

<!-- أما عن نظرة الإسلام إلى الملكية الفردية فيمكن القول: وجدت الملكية منذ وجد الإنسان على ظهر هذه الأرض، حيث وجد فيها من المعادن والحيوان والنبات ما يشبع رغباته، ويلبي حاجاته.

ولما كان الانتفاع الكامل بهذه النعم لا يتم ولا يكمل إلا مع المؤسسة والشيوع وتزاحم الرغبات، فقد مال الإنسان بمقتضى غريزته وفطرته إلى الحيازة الفردية أو الملكية الفردية. وفي ذلك ما يدفعه إلى الجد والعمل.

وكانت هذه الحيازة أول طور للملكية الفردية، وكانت مجرد حادثة مادية تتمثل في استيلاء الإنسان على ما تصل إليه يده من مال أو متاع، ثم انتهى الأمر فيها بمرور الزمن إلى أن أصبحت نظاماً اجتماعياً يقوم على أسس اجتماعية واقتصادية وبخاصة بعد أن تأيدت تلك الحيازة وتأصلت بالعمل في المال المحوز، بعد أن كانت تقوم على مجرد الاستيلاء.

وعندما جاء الإسلام أقر الملكية الفردية، ولكنه أعطى نظام التملك مفهوماً خاصاً، يقوم على المبادئ التالية:

<!--أن كل ما يستولي عليه الإنسان في هذا الكون من مال ومتاع على اختلاف ألوانه وأنواعه إنما هو لله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير﴾. [المائدة : ۱۸]. وقد سخر هذا المال وكل ما في الكون لمصلحة العباد ومنفعتهم بدليل قوله تعالى: ﴿ وَسَخَّر لكم ما في السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا منه ﴾. [الجاثية : ١٣].

<!--أن تلك الملكية ليست إلا نوعاً من الخلافة عن المالك الحقيقي لكل ما على ظهر الأرض، وما وصلت إليه يد الإنسان، بدليل قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ليَبْلُوَكُمْ فِي مَا ءاتاكم ﴾. [الأنعام : ١٦٥].

 ومن لوازم هذه الخلافة أن يكون الإنسان مسؤولاً بين يدي من استخلفه خاضعاً لرقابته في جميع تصرفاته وأعماله، وفي هذا يقول سبحانه: ﴿ وَءَاتُوهُم مِّن مَالِ الله الذِي ءَاتَاكُم﴾ [النور : ۳۳]. وقوله: ﴿ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمُ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه ﴾. [الحديد : ٧].

<!--التأكيد على أن هذا المال ليس غاية في ذاته بل وسيلة لتحقيق مصالح الإنسان في الدنيا والآخرة، وقد قال . ﷺ.: " وهل لك يا ابن آدم! مِنْ مَالك إلا ما أكلتَ فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت.

وحديث عبد الله بن الشخير أنه قال: أتيت النبي ﷺ، وهو يقرأ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ قال: يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟!، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس أخرجه مسلم في صحيحه  

<!--بيان ما تقضيه خلافة الإنسان في هذا المال، وذلك بإضافة المال الخاص إلى الجماعة في مثل قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ فِيمَا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا معروفا ﴾. [النساء : ٥]، وقوله: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ﴾. [البقرة : ۱۸۸].

وبالإنفاق منه في سبيل الله، دلّ على ذلك آيات كثيرة منها قوله سبحانه: ﴿ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأُنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرِ يُوَفَّ اليَكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾. [البقرة : ۲۷۲]. وقوله: ﴿ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّن خيْرٍ تَجدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾. [المزمل : ۲۰]. والنهي عن إفساده والتبذير فيه، وعن حبسه واكتنازه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾. [الإسراء : ۲۷]. وقوله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِرُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أليم ﴾. [التوبة : ٣٤].

وهكذا نجد أن النظام المالي في الإسلام يعدّ فريداً في بابه ومعجزاً في أحكامه، فهو يلبي حاجات الفرد. ويحقق مصالح الجماعة في تعادل وتوازن كاملين. وبهذا تختلف نظرة الإسلام للملكية الفردية عن الذي لا يعترف بالملكية الفردية، وهو بذلك يقضي على نوازع الفطرة، وحوافز العمل، وتختلف أيضاً عن النظام الرأسمالي الغربي، حيث يكون للمالك فيه الحرية المطلقة فيما يملك بغير قيود.

<!-- حث الإسلام على العمل

اهتم الإسلام بالعمل وحثّ عليه في تحصيل مصالح الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن  ِرزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور﴾. [الملك : ١٥]. وقوله [فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه] الأمر هنا للإباحة، ولكن التقديم لهذا الأمر بقوله تعالى [هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فيه امتنان من الله على خلقه، مما يشعر أن في هذا الأمر مع الإباحة توجيهاً وحثاً للأمة على السعي والعمل والجد]. وقال سبحانه: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ ﴾. [الجمعة : ١٠]. روي عن بعض السلف أنه قال: من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة بارك الله له سبعين مرة، لهذه الآية  وقال: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُه وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾. [التوبة : ١٠٥].

هذه النصوص وأمثالها تعطي قيمة أخلاقية للإنتاج والعمل، وتؤكد أن الله تعالى ندبنا إلى استخراج كل كنوز الأرض، والاستفادة منها لتوفير السلع للناس وتحسين مستواهم المادي، وقد تعهد ربنا – سبحانه أن يُوجد في الأرض الخيرات والأقوات التي تكفي البشر، وتزيد عن حاجتهم مهما تزايدوا وكثروا، قال سبحانه: ﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾. [هود : ٦].

وجاءت السنة مؤيدة لهذا المفهوم ومعززة له، ومن ذلك قوله . ﷺ .: " ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ". [رواه البخاري]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " لان يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيُعطيه أو يمنعه " [متفق عليه]. وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ". [رواه الشيخ الألباني في السلسلة]. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تحث الناس على السعي طلباً للرزق، على أن يكون من وجه مباح بعيداً عن الظلم والتعدي وأكل الأموال بالباطل. فيجوز التكسب بالحلال المشروع من كافة الأعمال التي أجازها الشارع الحنيف، كالزراعة والصناعة والتجارة التي تعد أصول المكاسب.

وقد نقل ابن حزم الاتفاق على ذلك بقوله وأجمعوا أن اكتساب المرء من الوجوه المباحة مباح. واتفقوا أن كسب القوت من الوجوه المباحة له ولعياله فرض إذا قدر على ذلك  وإذا كان الإسلام يرسم الطرق الشرعية للحصول على المال حلالاً طيباً، فإنه يؤكد صيانته والمحافظة عليه، واحترام ملكية المالكين له.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي . ﷺ . قال: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله،. رواه البخاري. وفي الوقت نفسه منع الإسلام اكتساب المال من كل وجه محرم يعود على النفس والمال والعرض والجماعة بالفساد والضرر، كالربا والرشوة والاختلاس والغش والتدليس وخيانة الأمانة، والحصول عليه من البيوع المحرمة وأكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: ﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾. [النساء : ۲۹].

وفي هذه الآية الكريمة ينهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل، وهذا يشمل أكلها بالغصوب والسرقات وأخذها بالقمار والمكاسب الرديئة. وكما احترم الإسلام العمل، احترم أيضاً حق العامل في تملكه ثمرة جهده، تشجيعاً له على العمل والإنتاج، ثم فرض عليه في الإنتاج لكل عاجز عن العمل، أو عمله لا يكفي من يعولهم كما دعا رب العمل إلى الوفاء بحق العامل.

 

وأنذر من استعمل أجيراً ثم الله تعالى، فقال عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي . ﷺ .  قال: " قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامةرجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ".] رواه البخاري].

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 35 مشاهدة
نشرت فى 1 مايو 2024 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,754,800

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters