معنى الرقيب *ورد اسم الله الرقيب في القرآن ثلاث مرات في قوله تعالى ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلَّ شَيْءٍ شَهِيد ﴾ . [المائدة : ۱۱۷]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾. [النساء : ١]، وقوله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ﴾. [الأحزاب : ٥٢] وقيل رقيب: أي مطلع على العباد في حال حركاتهم وسكونهم، وسرهم وعلنهم، وجميع أحوالهم، مراقبا لهم فيها مما يوجب مراقبته، وشدة الحياء منه، بلزوم تقواه.
وقال القرطبي، في تفسير اسم الرقيب: رقيب، بمعنى: راقب، فهو من صفات ذاته راجعة إلى العلم والسمع والبصر، فإن الله تعالى رقيب على الأشياء بعلمه المقدس عن مباشرة النسيان، ورقيب للمبصرات ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ورقيب للمسموعات بسمعه المُدرك لكل حركة وكلام، فهو سبحانه رقيب عليها بهذه الصفات، تحت رقبته الكليات والجزئيات وجميع الخفيات في الأرضين والسماوات ولا خفي عنده، بل جميع الموجودات كلها على نمط واحدٍ في أنها تحت رقبته التي هي من صفته.
الآيات الكريمة التي دلت على الرقابة [صراحة ومعنى] في القرآن الكريم
تركز الرقابة في القرآن الكريم على تنمية الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس أولاً بأول، ثم مراقبة الله عز وجل في كل ما يفعل الإنسان سواء في العمل أو في العبادة أو التعاملات، كما أن الله سبحانه وتعالى لا يريد إلا بالناس خيراً وهو أرحم بهم من أمهاتهم اللاتي ولدنهم، لذا فباب التوبة مفتوح لعلاج الخطأ والاستغفار من الذنوب، كما أن التركيز يتمحور حول المسئولية الفردية عن الخطأ الذي يرتكبه الشخص
ويمكننا الإشارة إلى عدد من الآيات القرآنية التي تناولت معنى الرقابة وتفسيرها ومن هذه الآيات قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾. [الأعراف : ١٦٥]. وفي ظل تسلسل المستويات داخل المنظمة، فإن كل رئيس لوحدة تنظيمية قد يكون مرؤوساً أمام رئيس أعلى منه، ومن هنا يستطيع الرئيس أن يباشر الرقابة على المجموعة من الأفراد الذين يشرف عليهم.
إن القرآن يغرس في النفس رقيباً دائماً يقظاً من مخافة الله واطلاعه على السر وأخفى. من ذلك قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾. [المجادلة : ٦]، يقول الإمام الطبري، أحصى الله ما عملوه فعده عليهم وأثبته ونسيه عاملوه ،كل شيء عملوه وغيره من أمر خلقه شهيد يعني شاهد ويحيط به فلا يعزب عنه شيء منه".
يقول سيد قطب رحمه الله إن كانوا هم نسوه فإن الله أحصاه بعلمه واطلاعه وشهوده وحضوره فهو شاهد حاضر للعون والرعاية وهو شاهد حاضر للحرب والنكاية، فليطمئن بشهوده وحضوره المؤمنون وليحذر من شهوده وحضوره الكافرون. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يعلم ما فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. [المجادلة : ٧].
ونخرج مما سبق بأن الرقابة ثبتت مشروعيتها في القرآن الكريم في آيات عدة، وضعت أسس الرقابة الاقتصادية، والمالية في الإسلام، منها قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ﴾ وقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾. [آل عمران : 161].
ومما قاله الطبري معلقا بعد أن أورد هذه الآية: "ما كان لنبي أن يغل، يقول: ما كان ينبغي له أن يخون، فكما لا ينبغي له أن يخون فلا تخونوا".
وذكر الفخر الرازي ما نصه: "واعلم أن الخيانة مع كل أحد محرمة، وتخصيص النبي بهذه الحرمة فيه فوائد،
أحدها: أن المجني عليه كلما كان أشرف وأعظم درجة كانت الخيانة في حقه أفحش، والرسول أفضل البشر، فكانت الخيانة في حقه أفحش،
وثانيها: أن الوحي كان يأتيه حالا فحالا، فمن خانه فربما نزل الوحي فيه، فيحصل له مع عذاب الآخرة فضيحة في الدنيا،
وثالثها: أن المسلمين كانوا في غاية الفقر في ذلك الوقت، فكانت تلك الخيانة هناك أفحش".
ومن نصوص القرآن التي تتحدث عن الرقابة قوله تعالى ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾. [إبراهيم : 42]. يقول الإمام ابن كثير رحمه الله" يقول الله ولا تحسبن الله يا محمد غافلاً عما يعمل الظالمون، أي لا تحسبنه إذا أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم لا يعاقبهم على صنعهم بل هو يحصي ذلك عليهم ويعده عليهم غداً"