1- مفهوم التقويم

التقويم في أبسط معانيه يعني إجراء الفحص للتحري عن الأخطاء ونواحي القصور التي تشوب أية عملية تنفيذية أو ذهبية ومن ثم وضع الخطط والإجراءات الكفيلة بإصلاح الخطأ ونواحي القصور موضع التنفيذ وفي العمليات الإدارية والإنتاجية يمكن إجراء التقويم بصورة مستمرة منذ البدء بالتنفيذ وحتى إعلان النتائج وقياس آثارها.

أما بمعناه الأوسع فإن التقويم يشمل التحري عن الإيجابيات التي تتسم بها العمليات التنفيذية إضافة إلى ذلك وفي مجال العلاقات العامة يعتبر التقويم عملية إيجابية هامة يتوقف على نجاحها استمرار المؤسسة بتقديم خدماتها المتخصصة وتواجدها في حالة التوازن والاستقرار بين المؤسسات الأخرى التي تتنافس معها في تقديم عين السلع والخدمات التي تنتجها ، كما أن نجاح المؤسسة في تقويم علاقاتها العامة بردي إلى غاية هامة من الغايات التي تسعى إليها المؤسسات الاقتصادية ألا وهي الاحتفاظ بجماهيرها من (العاملين في المؤسسة والمستهلكين والمجهزين والوكلاء والمجتمع ككل).

إن عملية التقويم هي المرحلة الأخيرة من مراحل عمليات العلاقات العامة والتي مر ذكرها وهي: البحث وجمع المعلومات والتخطيط والاتصال، وتأتي مرحلة التقويم لتوافق عملية تنفيذ خطة العلاقات العامة منذ بداياتها وتستمر حتى بعد انتهاء عملية التنفيذ وذلك لقياس نتائج وآثار النشاطات المنجزة.

ولقد كانت هناك ممارسات في الماضي تتجاهل عملية التقويم وتقصر فعاليات العلاقات العامة على البحث والتخطيط والاتصال وتنفيذ الخطة دون إجراء أية مراجعات لآثارها ونتائجها، ولقد أثبتت التجارب خطأ هذا الاتجاه وأكدت على أن مرحلة التقويم لا غنى عنها ليس في مجال العلاقات العامة فحسب ، وإنما في جميع النشاطات التي تعتمد على تنفيذ الخطط المتعلقة بالبرامج التنفيذية ، وزاد في أهمية التقويم ظهور الوسائل والطرق الحديثة الآلية في الإحصاء وجمع المعلومات والتخطيط وقياس النتائج والرقابة ... الخ.

إن تجاهل عملية التقويم يردي إلى وضع خطط غير عملية وغير ملائمة للظروف الموضوعية المحيطة بالمؤسسة، وكنتيجة حتمية لهذا القصور تفشل جهود العلاقات العامة في اكتشاف نقاط الضعف المحتملة في تقويم نشاط العلاقات العامة.

وتختلف نشاطات العلاقات العامة من حيث تقويمها عن النشاطات الإنتاجية، فالأولى هي نشاطات نوعية أما الثانية فهي نشاطات كمية يمكن قياسها بمختلف المقاييس المادية كالمقاييس الحجمية والطولية والمساحة والوزنية وبذلك يمكن التوصل على أساسها إلى تقويم وقياس النتائج ، ولهذا فإن نشاطات العلاقات العامة تشوبها صعوبة ملموسة من حيث قابليتها على التقويم نظراً لأنها تتعلق بردود الفعل الذهنية والنفسية للجمهور الذي يكون هدفاً لعملية الاتصال ، ولما كانت معرفة ما في أذهان أو نفوس الأفراد غاية في الصعوبة والتعقيد _ لأسباب كثيرة _ فإن عملية التقويم تبقى من العمليات المعقدة والتي يتوقف نجاحها إلى درجة كبيرة على مهارة مسئول العلاقات العامة وقابليته على جمع المعلومات وتحليلها وقدرته الفائقة على التنبؤ ودقة الملاحظة.  إن هذه الطبيعة الخاصة التي تتصف بها العلاقات العامة تؤلف نقطة ضعف بارزة في عملية التقويم .

وهناك نقاط ضعف شائعة في المؤسسات الإنتاجية وناتجة عن النظرة الخاطئة من الإدارة إلى وظيفة العلاقات العامة والتي تحدد كلاً من نشاطات العلاقات العامة ومدى صلاحية أساليب تقويمها ومن ذلك ما يلي:

<!--قصور الفهم بالنسبة لوظيفة العلاقات العامة وعدم الاهتمام بها.

<!--قلة عدد العاملين بالعلاقات العامة وعدم وجود من يقوم بعملية التقويم.

<!--عدم وجود ميزانية ، وعدم الاهتمام بعملية التقويم (من حيث التخصيصات المالية).

<!--المؤسسة تتلمس نتائج أعمالها أولاً بأول دون حاجة إلى تقويم.

<!--أهداف العمل بالعلاقات العامة محددة ومعروفة ولا تحتاج إلى تقويم.

<!--عمل العلاقات العامة روتيني (أي أسلوبي) ولا يحتاج إلى تقويم.

<!--نشاط العلاقات العامة معنوي ويصعب تقويمه.

<!--عدم أهمية عملية التقويم بالنسبة لنشاط المنشأة في ظل انعدام المنافسة بين المنشآت .

<!--جهاز العلاقات العامة يغفل وظيفة التقويم.

<!--الاهتمام بالجواب الإنتاجية على حساب الجوانب الإنشائية (يضع العلاقات علامة وتقويمها بمستوى ثانوي).

2- الأساليب المتبعة في التقويم:

هناك عدد من الأساليب المتبعة في عملية التقويم ، وهي مشابهة للأسباب المتبعة في عملية الاتصال إلى حد كبير، ومن هذه الأساليب ما يلي:

<!--التقارير الدورية ومتابعة الأعمال (المتعلقة بتنفيذ خطط العلاقات العامة).

<!--المقارنة بين الخطة الموضوعية والنتائج التي تحققت.

<!--الاجتهادات الشخصية (نتيجة الملاحظة الشخصية لسير العمليات التنفيذية).

<!--الاستفتاءات.

<!--الاجتماعات الدورية، وتقارير إدارة التخطيط والمتابعة ، والمؤتمرات.

<!--المناقشات في الاجتماعات الرسمية أو المقابلات أو الاحتفالات التي تقيمها المؤسسة.

<!--قياس فعالية الإعلان (وذلك بمدى تحقيقه للغرض الذي نشر من أجله).

<!--المقارنة بالأعوام السابقة.

يظهر من هذه الأساليب السالفة الذكر _ عدا ما يتعلق بالتقارير وربما بقياس فعالية الإعلان أيضاً _ إنها أساليب تقليدية تتسم بعدم مسايرة التقدم العلمي الحديث في مجالات تقييم بحوث العمليات والطرق الإحصائية والرقابية العلمية التي تستخدم فيها الآلات الحديثة كالحاسبات الإلكترونية والطرق العلمية الخاصة بتحليل شبكات العمال كطريفة بيت (PERT) والتي تعني (تقويم البرامج وفن المراجعة) وطريقة (CPM) والتي تعنى (المسار الحرج).

لقد تم التوصل إلى طريقة بيرت (Technique Program Evaluation Review) أثناء الإعداد لإطلاق الصاروخ الأمريكي بولا ريس في سنة 1958، وتستخدم هذه الطريقة في الوقت الحاضر في الرقابة على الأداء وفي التقويم وتتضمن الطريقة بإيجاز ما يلي على افتراض أن هناك خطة عمل موضوعة بهدف التنفيذ:

<!--تقسيم خطة إلى أجزائها الرئيسية مع توصيف كل جزء نت الأجزاء التنفيذية وترتيبها ترتيباً تسلسلياً مع تثبيت الغايات الفرعية لكل جزء من هذه الأجزاء.

<!--تقدير الفترة الزمنية اللازمة لإنجاز خطة العمل الكلية وفقاً للغاية العامة للخطة.

<!--مراقبة العمليات التحضيرية والتنفيذية لكل جزء من أجزاء العمل المترابط.

<!--ملاحظة (المتغيرات) التي يحتمل أن تؤثر على سير التنفيذ كالعوامل الخارجية مثل الأحوال الجوية والظروف الاقتصادية والسياسية غير المتوقعة، وكذلك العوامل الداخلية كالمحددات المادية والفنية والإدارية غير المتوقعة.

<!--إجراء التقييم وملافاة نواحي القصور في حالة وجودها.

<!--أما طريقة المسار الحرج (Critical Path Method) فلا تختلف كثيراً عن طريقة بيرت ولكنها تركز على سير العمل وذلك بتحديد وتثبيت العمليات الفرعية التي تؤدي بالطبع إلى خلق نقاط حرجة (اختناقات) تعرقل انسياب العمليات التنفيذية في مسارها المرسوم بموجب الخطة الموضوعة ، ومن ثم تتخذ الإجراءات الكفيلة بإزالة أسباب هذه المعوقات توقيت

3- عملية التقويم:

على الرغم من حقيقة كون عملية التقويم مستمرة تتزامن مع جميع العمليات التحضيرية والتخطيطية والتنفيذية، إلا أن هناك ممارسات مختلفة تتبعها المؤسسات في توقيت عملية التقويم ولهذا ففيما يتعلق بالتوقيت هناك ثلاثة أنواع من التقويم نوجزها بما يلي آخذين بنظر الاعتبار أن عملية التنفيذ هي الأساس في القياس الزمني:

<!--التقويم السابق:

يعني التقويم السابق إجراء الفحص أو الاختبار على وسائل أو أدوات الاتصال في مجال العلاقات العامة قبل اعتمادها كوسيلة أو أداة مقررة لتنفيذ خطة العلاقات العامة وهذا يقتضي بالضرورة إجراء التجربة على عينة أو عينات مختارة لمعرفة ردود الفعل ومدى نجاح الوسيلة أو الأداة المراد استخدامها وذلك قبل تعميم استخدامها فإذا أثبتت التجربة، الوسيلة ناجحة في محتواها وتوقيتها فإنها تصبح وسيلة معتمدة لتنفيذ خطة العلاقات العامة ، وعلى العكس إذا أثبتت قصورها فإنها تستبدل بوسيلة أخرى أكثر ملاءمة من حيث المحتوى والتوقيت على ضوء النتائج المحصلة من التجربة.

ومن الأمثلة المتوافرة في ميدان العلاقات العامة، التقويم الذي أجري في الولايات المتحدة الأمريكية لنشرة إعلامية بالصور الكاريكاتيرية قامت بإعدادها إحدى المؤسسات ووزعتها على عينة مختارة من 160 شخصاً لمعرفة مدى ملاءمتها للغاية التي أعدت من أجلها وذلك قبل تعممها ، لقد كانت هذه الصور الكاريكاتيرية تهدف إلى نبذ التمييز العنصري وتدعو للمساواة في الحقوق المدنية، وعند استلام ردود الفعل لدى أفراد العينة المختارة تبين أن حوالي ثلثي أفراد العينة لم يفهموا الغاية من هذه الصور ، أما الثلث الآخر فقد فهمها كدعوة إلى التمييز العنصري وليست كدعوة إلى نبذه.

على أنه حتى في حالة نجاح التقويم السابق في تحقيق الغاية التي أعد من أجلها يجب على خبراء العلاقات العامة التأكد من ثبوت جميع العوامل المتغيرة التي رافقت التقويم السابق واستمرار ثبوتها في الوقت الذي سيجري تعميم الوسيلة المستخدمة، حيث أن أي تغير في الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو النفسية لاحقاً (أي في فترة تعميم استخدام الوسيلة المفحوصة بالتقويم السابق يجعل الوسيلة عميقة وربما مدعاة للضرر على أقل تقدير).

<!--التقويم المتزامن:

ويعني إجراء الفحص والاختبار على برامج العلاقات العامة خلال مرحلة تنفيذها ، إن هذا التقويم ضروري جداً لمواجهة التغيرات غير المتوقعة والتي لم تكن في الحسبان أثناء وضع خطة العلاقات العامة .

فقد توضح خطة إعلامية لتسويق سلعة ما ، ولكن قد تحصل تغيرات بعد تسويقها في أذواق الجمهور أو قد تطرح سلعة منافسة لها من قبل إحدى المؤسسات الإنتاجية وبصورة غير متوقعة ، الأمر الذي يؤدي إلى وقوع خطة الإعلان قيد التنفيذ في حالة عدم التوازن والفشل .

إن برامج العلاقات العامة تتطلب فترات زمنية طويلة للانتهاء من تنفيذها ، ومن الطبيعي أن تتخلل فترة البرنامج بعض الوقفات المرحلية التي تحتمها طبيعة الظروف المحيطة بتنفيذه ، وفي هذه الحالة يكون من الملائم استغلال هذه الوقفات بين مراحل البرنامج لتقويم كل مرحلة أولاً بأول للتعرف على مواطن القصور في المرحلة السابقة وتلافيها في المراحل التالية للبرنامج .

ومن الأمثلة التي توضح أسلوب التقويم المرحلي ذلك البحث الذي أجرته جامعة مشيجان في نيسان عام 1974 لدراسة أثر إحدى حلقات البرنامج التلفزيوني الهادف المسمى (VD Bluse) ، وقد اختيرت عينة عشوائية منتظمة قوامها 1436 من البالغين، وتم توجيه الأسئلة بالهاتف عقب إذاعة البرنامج مباشرة ولمدة ثلاث ساعات متواصلة بين السابعة والعاشرة مساءً.

كما قد يتم الاتصال الهاتفي مع المشاهدين أثناء فترة إذاعة أو نشر البرنامج أما إذا نفذ البرنامج بوسائل الاتصال الأخرى فيجري التقويم خلال فترة التنفيذ بالتعرض للجمهور والاتصال بهم بحسب الأحوال .

<!--التقويم اللاحق:

ويقصد به إجراء الفحص والاختبار لبرنامج العلاقات العامة بعد الانتهاء من تنفيذه كلياً، ويستحسن إجراء التقويم اللاحق بعد الانتهاء من تنفيذها مباشرة لئلا تتغير الظروف المحيطة بالتنفيذ ويصعب إجراء التقويم وقياس النتائج بدقة.

إن التقويم اللاحق يتعلق ببرنامج متكامل للعلاقات العامة بعد انتهائه، ويهدف إلى معرفة نواحي القصور التي أدت إلى عدم تحقيق الأهداف المرسومة للبرنامج ويهدف في الوقت عينه إلى تثبيت النواحي الإيجابية للاستفادة منها في تنفيذ البرامج المقبلة.

وفي جميع أنواع التقويم السالفة الذكر يجب أن لا يقوم أي برنامج بمعزل عن ظروف البيئة المحيطة به سواء كانت سياسية، اقتصادية، اجتماعية أو نفسية، .. وكما ذكرنا في بداية المبحث، إن برامج العلاقات العامة ليست نشاطات كمية وإنما هي نشاطات نوعية يصعب قياسها بوسائل القياس المادية، وأكثر من ذلك فإن نشاطات العلاقات العامة تدور في ظروف حساسة غاية في التقلب والتغير وذلك لأنها تستهدف على الأقل الأذهان والعواطف الإنسانية المتقلبة والعنيدة.

ولهذا فإن نجاح التقويم لا يتم إلا باستخدام المهارة البشرية المتخصصة والأجهزة والأساليب العلمية المتطورة في إدارات العلاقات العامة.

المصدر: د. أحمد السيد كردي
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 28 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,913,386

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters