الرمال السوداء .. كنز مصري مكنون
<!-- /#content-header -->الأحد, 5 سبتمبر 2010 الساعة 08:53عصام بدوي -
القاهرة: تحتضن الشواطئ المصرية بمساحات شاسعة كنزاً اسمه الرمال السوداء، حيث تعتبر المصدر الأساسي لكثير من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية التي يمكن أن تعود على مصر بملايين الدولارت سنوياً، وحسب آخر مسح جوي قامت به هيئة المواد النووية المصرية كشف عن امتلاك مصر لما يقرب من 11 موقعاً على السواحل الشمالية تنتشر بها الرمال السوداء بتركيزات مرتفعة، كما كشفت آخر دراسة جدوى قامت بها شركة (روش) الاسترالية عن أن العائد الاقتصادي من موقع واحد فقط من الـ11 موقعاً ستعود على مصر بأكثر من 255 مليون جنيه سنوياً، أي ما يعادل أكثر من 46.5 مليون دولار، فاستغلالها يوفر على مصر ملايين الدولارات التي تنفقها في استيراد واحد فقط من تلك المعادن كالزيركون الذي يعتبر أحد العناصر الأساسية في صناعة السيراميك التي تزدهر بها مصر، بالإضافة إلى معادن أخرى أهمها الحديد والغرانيت والمونازيت ومعدن التيتانيوم الذي يستخدم في صناعة أجساد الطائرات والغواصات وقضبان السكك الحديدية.
ورغم أن أستراليا والهند والبرازيل والولايات المتحدة تستغل تلك الرمال استغلالاً اقتصادياً يعود عليها بملايين العملات الصعبة في حين أن مصر تملك أكبر احتياطي من الرمال السوداء في العالم، إلا أن تلك الصناعة متوقفة فيها منذ العام 1969، وليس هناك سوى بعض الدراسات لتطوير تلك الصناعة لكنها مجرد حبر على ورق وحبيسة الأدراج وآخرها دراسة (روش) الموجودة حالياً على مكتب رئيس الوزراء للبت فيها والتي كلفت الحكومة المصرية 5.2 مليون جنيه.
ومن هذا المنطلق قالت الهيئة العامة للتنمية الصناعية التابعة لوزارة التجارة والصناعة المصرية للرؤية الاقتصادية إن الهيئة بالفعل قامت بطرح مناقصة عالمية لإنشاء أول مصنع خاص باستخراج المعادن من الرمال السوداء وخصوصاً في منطقة البرلس الواقعة بمحافظة كفر الشيخ (120 كيلومتراً شمال شرق القاهرة بشمال الدلتا على البحر المتوسط)، وإن نهاية يوليو الماضي كان آخر موعد لتلقي طلبات وعروض الشركات الراغبة في المنافسة على رخصة استغلال الرمال السوداء بمنطقة ساحل البرلس شمال الدلتا.
وقال المهندس عمرو عسل رئيس الهيئة إن عدد الشركات التي تقدمت للمناقصة حتى وقت إغلاق التقدم للمناقصة بلغ 4 شركات هي شركة «المنار» السعودية و«المجموعة المصرية - الأوروبية» بالإضافة إلى شركة «أوراسكوم» للإنشاء بالتعاون مع بيت خبرة أسترالي وشركة «كريستل» السعودية، وإنه سيتم الإعلان عن الشركة الفائزة بالمشروع فور الانتهاء من دراسة العروض.
وأضاف عسل إن المشروع يستهدف استغلال المعادن الموجودة بالرمال السوداء بمنطقة ساحل البرلس بكفر الشيخ (130 كيلومتراً شمال القاهرة على ساحل الدلتا) وتشمل معادن التيتانيوم والزركون والغارنيت والماغنيتايت وذلك بالتنسيق مع وزارة الكهرباء والطاقة، مشيراً إلى أنه وفقاً لكراسة الشروط يتم دفع ٢٥ بالمئة من قيمة المشروع عند رسو المزاد والباقي يسدد على ٣ سنوات، حيث تصل التكلفة الاستثمارية للمشروع إلى ١٢٥ مليون دولار، مؤكداً أنه سيتم الاشتراط على المستثمر الذي تقع عليه المزايدة تسليم جميع العناصر المشعة لهيئة الطاقة النووية، كما سيتم وضع جميع الضوابط الفنية والقانونية اللازمة للمشروع.
ومن جانبه قال الدكتور أكثم أبوالعلا وكيل وزارة الكهرباء والطاقة المصرية، أن هذا المشروع سيقام بغرض فصل المعادن التي توجد في الرمال للاستفادة منها في إقامة صناعات ضخمة وهو ما دعا وزارة الكهرباء والطاقة للتأكيد على ضرورة استغلال هذه الثروة حيث قدر الاحتياطي التعديني المؤكد في هذه الرمال بحوالي 285 مليون طن تحتوي على متوسط قدره 3.4 بالمئة من المعادن الثقيلة بطول 22 كيلومتراً في القطاع الغربي الذي يقع شرق البرلس كما يوجد احتياطي تعديني مؤكد في القطاع الشرقي بحوالي 48 مليون طن تحتوي على متوسط 2.1 بالمئة من المعادن الثقيلة به بخلاف امتدادات مستقبلية للخام وهي أرقام اقتصادية بشكل جيد طبقا للدراسات التي أجريت وأكواد التعدين الدولية.
وتحتوي الرمال السوداء على نسب عالية من التيتانيوم الذي يستخرج منه الألمنيت عالي الجودة ويتم استخدامها في صناعات الأصباغ وتغليف أنابيب البترول تحت سطح الأرض وتبطين الأفران، والصلب المقاوم للحرارة، بالإضافة للصناعات التقليدية مثل البلاستيك والمطاط والسيراميك وأدوات التجميل.
مسح جوي للرمال
ومن جانبه حدد الدكتور أبو الهدى الصرفي رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق مكان وجود الرمال السوداء في الكثبان الرملية الممتدة من الاسكندرية إلى رفح، كاشفاً عن نتيجة آخر مسح جوى قامت به الهيئة وهو امتلاك مصر لحوالي 11 موقعاً للكثبان رملية بها تكثيفات عالية من الرمال السوداء والمعادن مثل شمال بحيرة المنزلة في بوررسعيد وعلى مسافة 38 كيلومتراً ومكان آخر غرب البرلس بمتوسط تركيز عام للمعادن يحقق عائداً اقتصادياً عالياً.
وقال الصرفي إن الدراسة الخاصة بالشركة الأسترالية أحدثت جدوى اقتصادية جيدة من جراء استغلال الكثبان الرملية على منطقة واحدة فقط ممتدة لمسافة 20 كيلومتراً في بلطيم بمحافظة كفر الشيخ من ضمن 11 موقعاً تحتضنها سواحل مصر الشمالية وتضاهيها في الجدوي الاقتصادية إن لم تكن أكثر، وأن الدراسة أخذت في الاعتبار كافة النواحي الفنية والبيئية بالإضافة إلى العائد الاقتصادي الذي حددته الدراسة حيث سيعود على مصر ما يقرب من 46.5 مليون دولار (أكثر من 255 مليون جنيه مصري سنوياً) واصفاً الدراسة بأنها تحقق هدفا استراتيجياً.
وأضاف الصيرفي إن هذه الثروة يمكن على أثرها إنشاء مجمع صناعي متكامل لفصل المعادن من الرمال السوداء كل معدن يقام عليه صناعة حيث يمكن إقامة مجمع صناعي لأكثر من 22 صناعة كصناعة البويات القائمة على معدن كالإلمنيت بالإضافة إلى إنشاء صناعة الحديد الزهر والسبائك والكريستال والصناعات الحربية، ما يساعد على تنمية محافظة كفر الشيخ.
استثمار متوقف
ومن جانب آخر قال الدكتور جودة علي دبور، أستاذ متفرغ بهيئة الطاقة الذرية، إنه عل الرغم من أن رواسب الرمال السوداء المصرية تمثل أكبر احتياطي من هذه الرواسب في العالم، وكان يتم استغلالها في الأربعينات بواسطة شركة الرمال السوداء المصرية حتى تم تأميمها العام 1961 تحت اسم الشركة المصرية لمنتجات الرمال السوداء، فإنه منذ ذلك التاريخ أخذت الشركة في التعثر وتوقف الإنتاج وتمت تصفيتها العام 1969 تحت اسم مشروع تنمية واستغلال الرمال السوداء.
وذكر دبور أنه قد تم عمل دراسة سابقة من قبل شركة استرالية إنجليزية في العام 1984 كلفت الحكومة وقتها بما يعادل نصف مليون جنيه، مشيراً إلى أنه على الرغم من توافر هذه الرمال وما بها من معادن ذات الأهمية الاقتصادية فإن مصر تستورد بملايين العملات الصعبة أحد هذه المعادن وهو الزيركون أحد العناصر الأساسية في صناعة السيراميك, ويمكن استخراجه من الرمال السوداء المصرية، بجانب معادن أخرى ذات أهمية اقتصادية مثل معادن الحديد والتيتانيوم ( الماغنيتيت والإلمنيت والليكوكزين والروتيل) بالإضافة إلى معدني الغارنيت والمونازيت.
وأضاف دبور : تنتشر التركيزات العالية من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية في الرمال الشاطئية في أربع مناطق على ساحل البحر الأبيض المتوسط حول مصبات فرعي نهر النيل رشيد ودمياط الحاليين أو الفروع السبعة القديمة المطمورة وهي السهل الساحلي على جانبي مصبي فرعي رشيد ودمياط، كما تحتوي التلال الرملية الشاطئية التي تقع شرق بوغاز بحيرة البرلس على كميات هائلة من تلك المعادن، وكذلك السهل الساحلي الممتد من شرق بحيرة البردويل حتى مدينة العريش شمال سيناء يمثل رابع هذه المناطق.
وقال إن الاحتياطي الجيولوجي لرواسب الرمال السوداء المصرية يقدر بنحو مليار ومئة مليون متر مكعب من الرمال الجافة تكفي لتشغيل مصنع لاستخراج المعادن الاقتصادية لمدة مئة وخمسين عاماً بطاقة استهلاك للخام مقدارها ألف متر مكعب في الساعة على مدي أربع وعشرين ساعة في اليوم، أي 24000 متر مكعب يومياً، وعلى مدار 300 يوم تشغيل في السنة، وهذا الاحتياطي موزع على الأربع مناطق على النحو التالي:
500 مليون متر مكعب في منطقة رشيد
300 مليون متر مكعب في منطقة دمياط
200 مليون متر مكعب في منطقة بلطيم
100 مليون متر مكعب في منطقة شمال سيناء
ويمكن ترتيب هذه المواقع حسب الإمكانات والمميزات التصنيعية على النحو التالي: منطقة بلطيم تليها منطقة رشيد ثم منطقة دمياط ثم منطقة شمال سيناء.
حماية الدلتا من التآكل
ومن جانبه حذر الدكتور جابر بركات أستاذ العلوم بجامعة القاهرة من أنه رغم استغلال الكثبان الرملية لاستخراج الرمال السوداء يعد مجزياً اقتصادياً فإنه يضيع خط حماية شواطئ الدلتا لتركز الكثبان الرملية في منطقة برج البرلس وبلطيم وجمصة والعياش بمحافظة كفر الشيخ ودمياط وإنه رغم أن استغلال الرمال السوداء لا يعنى التخلص نهائياً من الكثبان الرملية التي تعتبر خط حماية الدلتا فإن استخلاص المعادن منها سيؤثر في كفاءتها في حماية الدلتا من التآكل، ما يؤدي في النهاية إلى اختلال في الاتزان البيئي ما يعرض الدلتا إلى عمليات ليست في الصالح العام.
وفي المقابل عقب الدكتور جودة دبور رغم ثبوت وجود تآكل رهيب بالساحل الشمالي الغربي والواضح في المنطقة ما بين رشيد وحتى العريش إلا أن معالجة هذا الأمر يمكن أن تتم بوضع كتل خراسانية على شكل صوابع لكسر الأمواج والتي تم عملها ونجحت في مصيف بلطيم، وذلك حتى لا نعطل مشروع مثل هذا استفادة مصر منه ستكون كبيرة.
وأوضح بركات أن النيل هو مصدر إنتاج الرمال السوداء قبل العام 1962 ليتوقف بعدها من ترسيبها مع آخر فيضان بعد إنشاء السد العالي، وأن مناطق تواجدها تتمركز في شمال الدلتا وخصوصاً في الشرق من فرع رشيد لأن التيارات تتجه من الغرب إلى الشرق فهي تأخذ حمولة النهر من الغرب لترسبها شرقاً بما فيها من طمي ورمال لتترسب الرمال الثقيلة وتظل الناعمة عالقة فتترسب الرمال السوداء والكوارتز على مدار السنين حسب كثافة المعادن وحسب طبيعة الشاطئ والأمواج والتيارات والمد والجذر.
وقال بركات إن مصر شهدت بدايات استغلال الرمال السوداء على يد كان يوناني (جريكي) في حجر النواتية بالاسكندرية كان ينقل الرمال السوداء من رشيد عبر ترعة المحمودية إلى حجر النواتية ثم يفصل المعادن بطريقة بدائية ويوزعها بشكل بسيط بعدها تحول المشروع لشركة قطاع عام وأصبحت بالفعل شركة للرمال السوداء آخر شارع النبي دانيال.
وأضاف إن هذه الشركة انفضت في السبعينات بعد خلاف حاد بين هيئة المساحة الجيولوجية وهيئة الطاقة الذرية بالإضافة إلى أن مصدر الرمال السوداء وهو الفيضان قد انتهى بعد بناء السد العالي واستقرارها جنوب السد العالي حيث إن البحر يركز المواد القديمة في رشيد والغريب أن فيضانات النيل القديمة قد تسببت بوجود رمال سوداء في غزة وشمالاً وصولاً لطرطوس وبانياس.
ساحة النقاش