يعلق بأذهان الكثير من الناس، عندما يتحدثون عن الطاقة النووية أنها مقصورة على المفاعلات النووية أو ربما الأسلحة النووية، ولكن قليل من الناس يعرفون المدى الرحب لاستخدامات النظائر المشعة والتي ساهمت في تغير حياتنا من منذ عشرات السنين. فانه

باستخدام مفاعلات نووية صغيرة لأغراض خاصة يمكن إنتاج مواد إشعاعية متنوعة (النظائر) بتكلفة زهيدة، ولهذا السبب فان استخدام النظائر المشعة المنتجة صناعيا قد أصبح واسع الانتشار منذ أوائل الخمسينيات ،حيث يوجد الآن حوالي 270 مفاعل بحثي في 59 دولة ينتجون تلك النظائر.

النظائر المشعة

نحتاج في حياتنا اليومية إلي الطعام والماء والصحة الجيدة، وتلعب النظائر المشعة في وقتنا الحالي دورا هاما في التقنيات التي تمدنا بهذه المنظومة الثلاثية، ويتم إنتاج النظائر المشعة بواسطة قذف كميات صغيرة من بعض العناصر بواسطة النيوترونات.

ففي الأغراض الطبية يتسع استخدام النظائر المشعة في تشخيص الأمراض والبحوث ذات الصلة كما يلي:

-   فمثلا الصبغات الكيميائية المشعة تصدرا أشعة جاما والتي تعطى معلومات هامة لتشخيص الأمراض لبعض أجزاء الجسم وكفاءة بعض الأعضاء الخاصة، كذلك فان العلاج بالأشعة يستخدم النظائر المشعة في معالجة بعض الأمراض مثل السرطان. كما تستخدم أشعة جاما التى تنبعث من مصدر قوى في تعقيم السرنجات والشاش وبعض الأجهـــزة الطبيـــة الأخرى .

-  أما التطبيقات في حفظ الأطعمة فان النظائر المشعة تستخدم في منع إنبات جذور المحاصيل بعد حصادها وذلك لقتل الطفيليات والآفات المؤذية التى يمكن أن توجد بها، كذلك تستخدم في التحكم في إنضاج الفواكه والخضراوات المخزنة ومدة صلاحيتها . ومن

    الجدير بالذكر أن الأطعمة المشععة أصبحت مقبولة من الهيئات الصحية والعالمية للاستهلاك البشرى في عدد من الدول ومن أمثلة ذلك البطاطس والحبوب والفواكه والمعلبات.وتسهم عملية تشعيع الأغذية في مقاومة الطفيليات وجراثيم التسمم الغذائي (3)

-   كذلك تلعب النظائر المشعة في الحفاظ على نباتات المحصولات وعمليات الإكثار الخاصة بها، فهي تستخدم لزيادة الإنتاجية ومكافحة الآفات والتغيرات المناخية في العديد من المحصولات، وفى دراسة كيف تؤثر الأسمدة والمبيدات في تلك المحاصيل لزيادة إنتاجية وصحة حيوانات التسمين .

-   وتستخدم النظائر المشعة أيضا في الصناعة  والتعدين ، حيث تستخدم لفحص اللحامات للكشف عن مواقع التسرب في مواسير خطوط البترول والوحدات الصناعية المتقدمة ، كذلك تستخدم في دراسة معدلات تآكل الفلزات ، وفى التحاليل الخاصة بالعديد من المعادن والوقود، وهناك العديد من الاستخدامات الأخرى ، حيث تستخدم النظائر المشعة المشتقة من البلوتونيوم الذي يتكون في المفاعلات في الأجهزة المنزلية الخاصة بالكشف عن الدخان. كذلك تلعب المعالجة الإشعاعية دورا هاما في تنقية مخلفات الصرف الصحي (3)

  -   وتستخدم النظائر المشعة بواسطة رجال الشرطة في مكافحة الجريمة، وذلك بالكشف والتحليل للملوثات في البيئة وفى دراسة حركة المياه السطحية، وقياس معدل سريان المياه من الأمطار والثلوج كذلك في قياس معدلات سريان المياه في الروافد والأنهار.

مفاعلات أخرى

-   هناك استخدامات أخرى للمفاعلات  حيث يوجد اكثر من 200 مفاعل نووي صغير بقوة 150 تستخدم في السفن ومعظم الغواصات والطائرات. وذلك يمكنها من البقاء في البحر أو الفضاء لمدة طويلة بدون تزويدها بالوقود.

 

-   كذلك يمكن استخدام الحرارة الناتجة من المفاعلات النووية مباشرة زيادة على استخدامها في توليد الكهرباء - ففي السويد وروسيا على سبيل المثال - لتسخين المساكن وإمداد العديد من العمليات الصناعية بالحرارة اللازمة مثل محطات إزالة ملوحة مياه البحر.

 

الأسلحة الحربية

لقد استخدم اليورانيوم والبلوتونيوم لصناعة القنابل قبل أن تظهر أهميتهما في إنتاج الطاقة الكهربائية والنظائر المشعة، ولكن هناك اختلاف بين نوع اليورانيوم والبلوتونيوم الذين يستخدمان في صناعة الأسلحة النووية والذي يستخدم في محطات الطاقة النووية. وتجدر الإشارة إلي أن اليورانيوم القابل للاستخدام في صناعة القنابل لابد أن يكون عالي الإثــراء ( اكثر من 90% يورانيوم -235 ) بدلا من 5, 3  %. أما البلوتونيوم المناسب لانتاج القنابل فلابد أن يكون عالي النقاوة ( اكثر من 90 % بلوتونيوم 239 ) ويتم تحضيره في مفاعلات خاصة.

        في هذه الأيام ولأسباب الحد من انتشار الأسلحة النووية، فإن الكثير من اليورانيوم  الحربي قد أصبح متاحا لإنتاج الكهرباء  حيث يخفف اليورانيوم الحربي بنسبة 25 :1 باليورانيوم المستنفذ (معظمه يورانيوم -238) خلال عمليه الإثراء وذلك قبل استخدامه في  محطات القوى النووية. وتجدر الإشارة إلي أن عدد المحطات النووية العاملة علي مستوي العالم قد وصل إلي 435 بالإضافة إلي 33 تحت الإنشاء حسب بيانات عام 1998(شكل1-8).

ولأهمية البلوتونيوم واستخداماته المتعددة فقد تم تناوله بشيء قليل من التفصيل كما يلي:

تعريفة

يمثل البلوتونيوم عنصرا مشعا من صنع الإنسان وترتيبه الثاني بين مجموعات عناصر اليورانيوم، ورقمه الذرى 94 ووزنه الذري 244 . وقد تم إنتاجه لأول مرة عام 1940 بواسطة جلين سيبورك ومساعديه في جامعة كاليفورنيا ببركلي بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك باستخدام السيكلوترون للحصول على نظير البلوتونيوم 238 كناتج من قذف اليورانيوم 235 بالنيوترونات . ومنذ ذلك الوقت ، فقد  أصبح  للبلوتونيوم  أهميه خاصة وذلك بسبب دوره في المفاعلات والأسلحة النووية.

 

والبلوتونيوم عبارة عن فلز فضي اللون ، ينصهر عند درجة حرارة 85 ,639 درجة مئوية (1184 درجة فهر نهيت) ويصل درجة الغليان عند 3230 درجة مئوية (5846 درجة فهر نهيت) وكثافته 8 ,19 جم / سم 3 . والبلوتونيوم من مجموعة عناصر "الاكتينيدات" ويشبه الأرضيات النادرة ، ويمكنه أن يمر بخمسة حالات بين درجة حرارة الغرفة ودرجة حرارة الغليان، ويدخل في السبائك مع العديد من الفلزات مثل الألومنيوم والبريليوم والكوبالت والحديد والمنجنيز والنيكل والفضة. وقد تم تحضير العديد من مركبات البلوتونيوم مثل أكسيد البلوتونيوم وعدة مركبات هالوجينية.

نظائر البلوتونيوم

يوجد البلوتونيوم بكمية شحيحة في خامات اليورانيوم الطبيعية، وتعتبر المفاعلات النووية والمعامل هي المصدر الحقيقي لهذا العنصر. ويتم إنتاج على الأقل 15  نظيرا مشعا للبلوتونيوم تنحصر أوزانها الذرية بين 232 إلى 246 ، ويمثل البلوتونيوم 239 أهمها . ويتميز هذا النظير بقابليته للانشطار عند تعرضه لمقذوفات نيوترونية ببطيء، ويتم تحضيره في المفاعلات النووية. وتبدأ عملية إنتاج البلوتونيوم 239 باستيلاء اليورانيوم 238 على النيوترونات ويتبع ذلك تحلل إشعاعي بخروج 2 جزئ بيتا. والبلوتونيوم239  - والذي تبلغ فترة نصف العمر له 000 24   سنة - يتحلل بانبعاث جزيئات ألفا، ويتحول إلى يورانيوم 235. وهناك نظيرا آخر هام للبلوتونيوم هو البلوتونيوم 238 والذي  يتحلل بانبعاث جزيئات ألفا ، ويبلغ نصف العمر له 88 سنه، ويعتبر   البلوتونيوم 242 أطول نصف عمر حيث يصل إلي 37600 سنة (4)

 الاستخدامات

إن خاصية الانشطار للبلوتونيوم 239 وإمكانية إنتاجه بكميات كبيرة في المفاعلات النووية جعله  من المناسب كمادة نووية انشطارية، وكعامل انشطاري في القنابل الذرية والهيدروجينية، وقد استخدم البلوتونيوم 239 لصناعة القنابل الذرية التي ألقيت فوق هيروشيما وناجازكى في عام 1945.

إن مفاعل كبير يعمل بالماء الخفيف ويستخدم يورانيوم 235 كوقود يمكنه أن ينتج سنويا 225 كيلو جرام (495رطل) بلوتونيوم كناتج ثانوي غالبيته بلوتونيوم 239. ويؤخذ هذا المنتج الثانوي ليستخدم في قضبان الوقود التي تحتوى على أكسيد البلوتونيوم وأكسيد اليورانيوم، كذلك يستخدم البلوتونيوم 239 كوقود في بعــض مفاعلات الولود السريع التي تسمي الــ:

                     Liquid-metal-cold fast breeder reactor (LMFBR)

وعلى هذا يمكن أن يستثمر البلوتونيوم في المستقبل في إنتاج الطاقة الكهربية. وله استخدام أخر، حيث أن الحرارة الناتجة عن التحلل الإشعاعي للبلوتونيوم 238 قد زودت سفينة الفضاء ابوللو  والأقمار الصناعية بالطاقة الحراري - كهربية. ويستخدم هذا النظير أيضا كمادة مساعدة لتقوية القلب في تجارب القلوب الصناعية. ومن بين النظائر الأخرى لهذا العنصر فان البلوتونيوم 242 والبلوتونيوم 244قد ثبت أهميتهما في البحوث الكيميائية وبحوث الفلزات.

تحضيره

تعتمد طرق فصل وتنقيه البلوتونيوم من نفايات الوقود المحترق في المفاعلات النووية على خاصية إمكانية وجود البلوتونيوم في الأشكال الثلاثية والرباعية والخماسية والسداسية  من حالات الأكسدة، حيث أن كلا منها يختلف في الخواص الكيمائية . في إحدى طرق الفصل يتم استخدام طريقة الـ  redox  ( الاختزال –الأكسدة ) فان اليورانيوم والبلوتونيوم الناتج من المفاعل يذاب في حامـض النيتريك ، ويتـم أكسدته إلى الحالــة السداسية ويتم استخلاصــه بمــادة الهـكسون  (Hexane methyl-n-butyl ketone) ، وبهذا يتم فصلها عن النواتج الانشطارية الأخرى. ثم يوضع الهيكسون مع محلول نترات الألومنيوم الذي يحتوى على عامل اختزال، وهذه الخطوة لا تؤثر على اليورانيوم ولكنها تحول البلوتونيوم إلي حالة الأكسدة الثلاثية وتجعله قابل للاستخلاص كمحلول. ويمكن أكسدة البلوتونيوم ثانية بتكرار ذلك، وتستخدم مراحل متتابعة لتنقية البلوتونيوم إلى  الدرجة المطلوبة (5):

 (Encyclopedia Americana, 1982, vol. 22, p.261).

 تأثيره على الإنسان

يعتبر البلوتونيوم سام للغاية ، إذا وصلت كميه ضئيلة ( ميكروجرام) إلي جروح في الجلد فإنها تسبب السرطان . و يكون أكسيد البلوتونيوم جزيئات صغيرة للغاية تبقى عالقة في الهواء ويحتمل أن تسبب سرطان الرئة عند استنشاقها أثناء التنفس، فإذا وصلت داخل الجسم فإن البلوتونيوم يمتص بشراهة في العظام ويسبب سرطان العظام.

 التأثيرات البيئية

إن الإشعاع الصادر من البلوتونيوم الناتج من وقود المفاعلات النووية المستنفذ يستمر لمئات الآلاف من السنين، وهذا  يحتم اتخاذ إجراءات صارمة لتخزين هذه النفايات ومنعها من التسرب إلى البيئة. ويجدر القول بأن بعض التلوث البيئي بالبلوتونيوم قد حدث بالفعل نتيجة تنفيذ برامج الأسلحة الذرية في العديد من الدول.

المصدر: من كتابي: العصر النووي
absalman

دكتور / عبدالعاطي بدر سالمان جيولوجي استشاري، مصر [email protected]

  • Currently 112/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
38 تصويتات / 1241 مشاهدة

ساحة النقاش

دكتور: عبدالعاطي بدر سالمان

absalman
Nuclear Education Geology & Development »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,349,842