الحمد لله رب العالمين وكفي والصلاة علي من أصطفي وبعد..
هناك ثلاثة عوائق تعصف وتعكر علي السعادة الزوجية بين الزوج وزوجه
وهذه العوائق الثلاثة تحتاج منا لبيان وتوضيح لأهميتها , ونبدأ ونقول بحول الله وقوته.

- العائق الأول: سوء الاختيار

الاختيار السيئ الذي يتم علي هوي النفس دون الوضع في الاعتبار أثاره السيئة علي مستقبل العلاقة الزوجية لأمر يجب أن يراعي لأهميته .
ومن ثم فان الاختيار السليم لكل من الرجل والمرأة أمر ليس بالسهولة بمكان بل هو أصعب من مشوار الزواج التي تعتريه عوائق وعقبات جمة ومشاكل لا أول لها ولا أخر .
وينبغي أن يعرف كل من الرجل والمرأة أن الحياة الزوجية السعيدة ليس في اختيار ذات الجمال أو الحسب أو النسب بالنسبة للرجل , ولا في المال والمركز الاجتماعي المرموق والوسامة بالنسبة للمرأة ..
فمثل هذا وما أشبهه لا يبني بيتا سعيدا قائما علي المودة والرحمة... قطعاً لا
لماذا؟
لأنه اختيار قائم علي الهوي وحب الدنيا ,وهو زواج لا يدوم ابدأ , والسُنة بينت لكل من الرجل والمرأة كيفية اختيار شريك الحياة علي أسس وصفات تثري الحياة الزوجية وتعينها علي الاستقرار والاستمرار لا العكس, ومنها بالنسبة للرجل :

- حث النبي النبي صلي الله عليه وسلم الرجل بحسن اختيار المرأة وقد ثبث عنه قوله " تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " ([1])
قال النووي في شرح الحديث:
الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين , فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين .... ثم قال:
وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم .اهـ
-و ثبت عنه أيضا عن جابر قال تزوجت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتزوجت يا جابر قلت نعم قال بكرا أم ثيبا فقلت ثيبا قال فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك"([2])
-قال المباركفوري في تحفة الأحوزي :
قوله : ( هلا جارية ) أي بكرا ( تلاعبها وتلاعبك ) فيه أن تزوج البكر أولى , وأن الملاعبة مع الزوح مندوب إليها , قال الطيبي : وهو عبارة عن الألفة التامة , فإن الثيب قد تكون معلقة القلب بالزوج الأول فلم تكن محبتها كاملة ; بخلاف البكر . اهـ
-وأيضا ثبت عنه إنه قال :" تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم "([3])
وبناء علي هذه الوصايا ممن لا ينطق عن الهوي صلي الله عليه وسلم نستطيع أن نقول أن المرأة المحجبة المحتشمة الملتزمة التي تعرف حق الله تعالي هي جوهرة نفيسة تشع بضوئها الأخاذ عش الزوجية فتبعث البهجة والسعادة علي أهل بيتها من زوج وأولاد , لأن حياتها وتربيتها قائمة علي تعظيم الدين, وطاعة الله ورسوله صلي الله عليه وسلم هو محور حياتها الذي لا ترضي عنهما بديلاً ..لا عادات ولا تقاليد تمنعها من أتباع الحق وهو أحق أن يتبع.
أما أن ترك الرجل لهواه أن يضله وتزوج ذات الجمال أو الحسب أو النسب وليس عندها دين يردعها عن الزهو بجمالها ولفت الأنظار إليها بتبرجها وسفورها ,أو دين يردعها عن التكبر عليه بمالها أو شرفها لما لها من حسب أو نسب فلا ريب أن مثل هذه الزوجة ستجعل حياة زوجها جحيم لا يطاق وسوف تعين الدهر عليه ولا تعينه علي الدهر.
أما ما جاء في الحث علي اختيار الولودة والبكر فهذا لدوام السعادة كما لا يخفي, ولكن لا يمنع ذلك البتة من الترغيب في الزواج من غيرهما شريطة أن يكون الدين هو الأساس وبدونه لن تستقر حياة زوجية أبدا.
ومن ثم لاغرو أن الحياة الزوجية السعيدة بذرتها قبل الحصاد هو حسن اختيار الرجل لزوجته علي أساس الدين.
وما يقال للرجل يقال أيضا للمرأة ,ولقد أوصي النبي صلي الله عليه وسلم المرأة ومن يتولي أمرها علي اختيار الدين والخلق الحسن .
-عن أبي هريرة قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض "([4])
قال المباركفوري([5]) في شرح الحديث ما مختصره:
قوله : ( إذا خطب إليكم ) أي طلب منكم أن تزوجوه امرأة من أولادكم وأقاربكم ( من ترضون ) أي تستحسنون ( دينه ) أي ديانته ( وخلقه ) أي معاشرته ( فزوجوه ) أي إياها ( إلا تفعلوا ) أي إن لم تزوجوا من ترضون دينه وخلقه وترغبوا في مجرد الحسب والجمال أو المال ( وفساد عريض ) أي ذو عرض أي كبير , وذلك لأنكم إن لم تزوجوها إلا من ذي مال أو جاه , ربما يبقى أكثر نسائكم بلا أزواج , وأكثر رجالكم بلا نساء , فيكثر الافتتان بالزنا , وربما يلحق الأولياء عار فتهيج الفتن والفساد , ويترتب عليه قطع النسب وقلة الصلاح والعفة . اهـ
ولا ريب أن الدين وحسن الخلق في الرجل هي جواز المرور لقلب المرأة فلا فائدة من رجل لا يعرف ربه وقلبه فارغ من ذكره , يعتمد علي الناس ولا يتوكل علي رب الناس .
فالوسامة والمال والمركز والحسب والنسب وما أشبه ذلك لا تبني بيتا سعيداً قط وكلها صفات قد تسعد المراة وهي لا بأس بها , ولكن إن لم يهيمن علي هذه الصفات دين يردع صاحبه فلا خير فيه وان ظنت المرأة أن في ذلك سعادتها فهي واهمة لأنها سعادة زائفة إلي حين !!
ومن ثم نصيحتي للمرأة المسلمة أن تجعل أساس اختار شريك حياتها الدين والخلق الحسن , وأن كان الأهل وولي أمرها يسأل عن حاله وماله وحسبه ونسبه ,فلتطلب هي السؤال عن علاقته بربه .. هل يصلي الفروض ؟.. هل يحضر الجمع والجماعات ؟ .
هل هو من أهل القران ؟.. وما أشبه ذلك
- وما أجمل ما قاله الحسن بن علي –رحمه الله لرجل سأله فقال: إن لي بنتا فمن تري أن أزوجها , قال : زوجها ممن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وان كرهها لم يظلمها .

العائق الثاني: عدم مرعاة الكفاءة بين الرجل والمراة.

الكفاءة معناها في اللغة : المساواة والمماثلة , والمقصود أن يكون كل من الرجل والمرأة متساويان في الدين والحسب والمال والعلم وغير ذلك , والكفاءة في الزواج معتبرة شرعا وأن اختلف الفقهاء فيها ولكن الكفاءة في الدين هي المعيار الصحيح في القبول أو الرفض وغيره اجتهاد لا دليل عليه.
- قال ابن القيم في الزاد ([6])ما مختصره :
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13) } -الحجرات
- وفي الترمذي : عنه صلى الله عليه وسلم : [ إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالوا : يا رسول الله ! وإن كان فيه ؟ فقال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ] ثلاث مرات ([7]).
وزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه وزوج فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية من أسامة ابنه وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف .. ثم قال:
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا فلا تزوج مسلمة بكافر ولا عفيفة بفاجر ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمرا وراء ذلك فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث ولم يعتبر نسبا ولا صناعة ولا غنى ولا حرية فجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفا مسلما وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات وللفقراء نكاح الموسرات
وقد تنازع الفقهاء في أوصاف الكفاءة فقال مالك في ظاهر مذهبه إنها الدين وفي رواية عنه : إنها ثلاثة : الدين والحرية والسلامة من العيوب
وقال أبو حنيفة : هي النسب والدين
وقال أحمد في رواية عنه : هي الدين والنسب خاصة وفي رواية أخرى : هي خمسة : الدين والنسب والحرية والصناعة والمال
وقال أصحاب الشافعي : يعتبر فيها الدين والنسب والحرية والصناعة والسلامة من العيوب المنفرة
ثم قال –رحمه الله- بعد كلام- فإنه لم يقل أحمد ولا أحد من العلماء : إن نكاح الفقير للموسرة باطل وإن رضيت ولا يقول هو ولا أحد : إن نكاح الهاشمية لغير الهاشمي والقرشية لغير القرشي باطل وإنما نبهنا على هذا لأن كثيرا من أصحابنا يحكون الخلاف في الكفاءة هل هي حق لله أو للآدمي ؟ ويطلقون مع قولهم : إن الكفاءة هي الخصال المذكورة وفي هذا من التساهل وعدم التحقيق ما فيه. اهـ
قلت: إن الكفاءة في الدين معتبرة شرعا وفي غيرها كالحسب والنسب والغني ..الخ فقد اختلف الفقهاء كما ذكر ابن القيم .
وأننا نريالأخذ بالكفاءات الأخرى مع الدين كالحسب والنسب والعلم والمال وما أشبه ذلك , وننبه أنه ليس شرطا في صحة النكاح من عدمه .. قطعا لا .. فإذا تزوجت المرأة المتعلمة ولنقل حاصلة علي الماجستير مثلاً من رجل أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة اللهم إلا صنعه يرتزق منها ورضيت به زوجا لها, هل يكون هذا النكاح باطل ؟
قطعاً لا... مادام تتوفر فيه شروطه الشرعية من صداق وموافقة ولي وإعلان وشهود ..الخ
وإنما المقصود هو هل تستمر العشرة والسعادة رغم الاختلاف بينهما ؟ .. ربما نعم.. وربما لا!!
ولكن أكثر التجارب والأبحاث الاجتماعية تشير إلي صعوبة استمرارها لعشرات من الأسباب وما قلته عن العلم نقوله عن الحسب والنسب والمال ...الخ.. وأكرر القول أن الدين هو الأساس وغيره اجتهاد لا دليل عليه ولكن ليس هناك ما يمنع البتة من الأخذ بالكفاءة في أمور أخري قطعاً.
وعمدتي في قولي هذا قصة أم المؤمنين زينب بنت جحش –رضي الله عنها-فقد أراد النبي صلي الله عليه وسلم من مولاه زيد أن يتزوج من زينب بنت جحش , ولكن زينب ما كانت تستطيع أن تتزوج وهي علي ماهي عليه من حسب ونسب من مولي من الموالي , وقالت يومئذ لا أتزوجه ابدأ علي الرغم من حرصها علي طاعة النبي صلي الله عليه وسلم,حتي نزل قوله تعالي:
(ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً (36)-الأحزاب
فتزوجته طاعة لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم ثم حدث ماحدث من حكمة الله وطلاقها منه ليتزوجها النبي صلي الله عليه وسلم ليقضي النبي علي عادة تحريم زواج زوجة ابنه بالتبني .
قال ابن كثير في تفسيره لأية الأحزاب التي ذكرناها أنفا :
قال ابن لهيعة عن ابن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : [ خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة رضي الله عنه فاستنكفت منه وقالت : أنا خير منه حسبا وكانت امرأة فيها حدة فأنزل الله تعالى : { ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ } ] الآية
وهكذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان أنها نزلت في زينب بنت جحش رضي الله عنها حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه فامتنعت ثم أجابت. اهـ
ومن ثم نكرر القول بأهمية الكفاءة في الدين بصفة خاصة وغيره بصفة عامة لدوام العشرة والتفاهم واستقرار الحياة الزوجية والله أعلم.

العائق الثالث: عجز الرجل عن القوامة علي أهله

قال تعالي (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )-النساء/34
فالوضع الصحيح هو قوامة الرجل علي المرأة وذلك بقدرته علي الإنفاق وبحكم خلقته التي خلقها الله عليه من قوة وتحمل, وجعله مسئولاً عن السعي للرزق والعمل علي توفير حياة كريمة لأسرته , ولا يلزم المرأة أن تعمل للأنفاق علي زوجها بحكم خلقتها وضعفها , ولكن عليها القيام بمهامها من خدمة الزوج ورعاية أبنائه وما أشبه ذلك, وهذا هو الوضع الطبيعي والمعيار الصحيح لاستقرار السعادة والخلل في ذلك يؤدي إلي فساد العلاقة الزوجية حتماً.
ولكن في هذا الزمن خرجت المرأة تنافس الرجل في السعي للرزق والإنفاق لضرورة وبغير ضرورة حباً في إثبات الذات والتحرر!!
حتي جلس كثيراً من الرجال في بيوتهم عاطلين بلا عمل بيما نسائهم يعملن ولا يخفي ما في ذلك من المفاسد العظيمة.
وللألباني في آداب الزفاف(1/250) كلام نفيس وفيه ما شفي وكفي.. قال ما مختصره:
"ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها وما هو إلا خدمتها إياه ولا سيما أنه القوام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق وإذا لم تقم هي بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها وهذا يجعلها هي القوامة عليه وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى فثبت أنه لا بد لها من خدمته وهذا هو المراد.
وأيضا فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح وتبقى المرأة في بيتها عطلا عن أي عمل يجب عليها القيام به ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين في الحقوق بل وفضلت الرجل عليها درجة .اهـ
ومن ثم كانت تلك العوائق الثلاثة من الأمور التي ينبغي أن لا يجهلها الكثير من المسلمين عند الزواج لأنها تؤدي بالتبعة إلي الكثير من حالات الفشل في العلاقات الزوجية فتنتهي بالطلاق أو الخلع وهو النهاية المتوقعة للجهل بمثل هذه الأمور .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

المصدر: الكاتب والداعية الإسلامي المصري سيد مبارك
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 906 مشاهدة
نشرت فى 23 يناير 2012 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,873,997

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters