لم يعد قطاع التعليم منعزلا عن الانتشار العالمي للتكنولوجيا الرقمية التي أنتجت نمطا جديدا يطلق عليه "التعليم الإلكتروني" e-learning . ونجح هذا النمط في تخطي الحواجز الزمنية والمكانية للعملية التعليمية، وخلق أسواقا وفرصا استثمارية لم يستطع التعليم التقليدي الوصول إليها أو إنتاجها.
بل إن التعليم الإلكتروني يتم ربطه بتعزيز مصادر النمو الاقتصادي في الدول، بسبب انخفاض تكلفته مقارنة بالتعليم التقليدي، وهو ما يؤدي لتقليل النفقات الحكومية، خاصة في المرحلة الجامعية.
كما يمكن لهذا التعليم تعويض النقص في الكوادر التدريبية في بعض القطاعات التعليمية، عن طريق الفصول الافتراضية Virtual Classes، فضلا عن تطوير الأشخاص لمهاراتهم التي تؤهلهم للحصول على فرص عمل أفضل.
وما زالت السوق العربية تتحسس طريقها ببطء إلى هذا النمط من الاستثمارات التعليمية، غير أن التوقعات تشير إلى أن المستقبل سيكون واعدا حال تلافي العوائق التي تواجهه.
إذن.. فثمة سوق عربية آخذة في النمو من خلال المبادرات الحكومية أو الخاصة، بل إنه يطرح فرصا استثمارية بأشكال مختلفة الحجم سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، ولكن يظل التساؤل مطروحا حول متطلبات فرص الاستثمار في هذا المجال، حتى يكتب لها النجاح، خاصة في ظل وجود معوقات مطروحة تبطئ من نمو هذا القطاع في الفترة الحالية.
متطلبات الفرصة
ما دام للعملية الإنتاجية عناصر أربعة (رأس المال، والعمل، والأرض، والمنظم)، فإن للتعليم الإلكتروني أيضا عناصر رئيسة يتكون منها، وهي: التكلفة أو التمويل، والمدخلات، والنتائج المتوخاة، والعائد.
ويعد التمويل العنصر الرئيسي في عملية دراسة الجدوى لأي مشروع للتعليم الإلكتروني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحديد حجم التمويل المخصص إلا في إطار تحديد الأهداف الخاصة والشريحة المستهدفة، ومدى توافر البنية التحتية اللازمة، والتي تتمثل في توافر تكنولوجيا الاتصالات في البلد المقام به المشروع، والشريحة المستهدفة أيضا.
وبالنسبة للبنية التحتية، فيرى العديد من الخبراء، أنها لا تشكل في الوقت الراهن عائقا لدى معظم الدول العربية، فتقنية المعلومات والاتصالات وصلت مستوى معقولا في دول كمصر ودول الخليج وتونس والمغرب.
ومع اختلاف التقديرات الاستثمارية للقيام مثلا بمشروع مركز تعليمي عبر أحد المواقع على شبكة الإنترنت، فإن هناك عدة عوامل تتحكم في تكلفة المكونات اللازمة لتصميم نظام تعليم إلكتروني، وهي:
1. شراء الأجهزة الأساسية والبرامج الخاصة بإدارة عمليات التعليم.
2. تصميم البرامج التربوية.
3. الدعم الفني والصيانة.
4. تدريب المعلمين والإداريين على الاستفادة من الموقع.
5. التسويق والتوعية الإعلامية لهذا الأمر.
6. المقومات البشرية.
وبالنظر إلى الاحتياجات التقديرية لمشروع للتعليم الإلكتروني، فلا بد من توافر جهازين بشكل مبدئي بمواصفات عالية تقدم برامج الوسائط المتعددة والرسومات، بالإضافة إلى أجهزة مساندة مثل: ماسحات ضوئية وكاميرات رقمية وأجهزة مكتبية، ويشمل التجهيز أيضا عددا من البرمجيات العامة والخاصة لتأليف المقررات الإلكترونية.
التعليم التفاعلي
ومن اللافت أن تكلفة بعض الأنماط في التعليم الإلكتروني، خاصة التعليم التفاعلي عبر ما يعرف بالمؤتمرات المرئية Video Conferencing قد تكون مرتفعة لدرجة أن البعض يعتبرها من موانع انتشار هذا النوع من التعليم.
إلا أنه غالبا ما يتم التغلب على هذه المشكلة، حسبما يشير الدكتور محمد الهادي رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لنظم المعلومات وتكنولوجيا الحاسبات بتقنيات بديلة مثل: استخدامات برامج المحادثة (Internet Relay Chat) في التعليم.
ويمكّن هذا النظام المعروف اختصارا بـ (IRC) مستخدمه من الحديث مع المستخدمين الآخرين في وقت حقيقي (Real time)، ويجمع المستخدمين من أنحاء العالم للتحدث كتابة وصوتا، فضلا عن إمكانية رؤية الآخرين عن طريق استخدام كاميرا فيديو، وبالتالي يمكن بث المحاضرات من مقر عقدها إلى أي مكان في العالم أو في أنحاء البلد، أي يمكن نقل وقائع محاضرة على الهواء مباشرة بدون تكلفة تذكر.
متطلبات بشرية
وفيما يتعلق بالاحتياجات البشرية، فيحتاج المشروع المقترح إنشاؤه إلى طاقم مكون من: مدير للمركز، واثنين من مصممي البرامج التربوية، وثلاثة من مصممي الرسومات، واثنين من المبرمجين.
وتعمل منظومة التعليم الإلكتروني في وجود أكثر من فريق:
فريق الدعم الفني:
وهؤلاء الأفراد هم الأساس الذي يحافظ على تنسيق الجهود وترابطها معا في مجال التعليم الإلكتروني، ففي معظم البرامج الناجحة للتعليم الإلكتروني يتم توحيد مهام الخدمات الداعمة لتشمل تسجيل الطلاب، ونسخ وتوزيع المواد، وتأمين الكتب، وحماية حقوق الطبع، ووضع البرامج، وعمل التقارير الخاصة بالدرجات، وإدارة التقنية.
الإداريون:
فرغم أنهم يؤثرون عادة في التخطيط لبرنامج التعليم الإلكتروني، إلا أنهم كثيرا ما يفقدون السيطرة لصالح المديرين الفنيين، حالما يصبح البرنامج قيد التنفيذ.
والإداريون الفعالون في مجال التعليم الإلكتروني هم أكثر من مجرد أناس يقدمون الأفكار، وإنما يقومون بعملية البناء، وصنع القرار، ويعملون عن قرب مع القائمين على الأمور الفنية، وعلى الخدمات الداعمة لضمان أن المصادر التكنولوجية قد تم الاستفادة منها في المهمة التعليمية للمؤسسة بفاعلية.
وبما أن العنصر البشري المدرب هو أساس نجاح مشروع التعليم الإلكتروني، فإن هناك حاجة ملحة إلى وجود خطة تدريب مكثفة تستهدف أعضاء المراكز المقترحة، وتنفذ من قبل أحد مسئولي المشروع المقترح أو المؤسسات التعليمية أو التدريبية العالمية قبل البدء في المشروع. ويجب أن يشمل التدريب ما يلي:
1- التصـميم التدريبي Instructional Design.
2- التصميم الرسومي Graphic Design.
3- البرمجة بلغة HTML, XHTML.
4- أدوات التأليف Authoring Tools.
5- أنظمة إدارة التعلم Learning Management Systems.
وفي هذا السياق لا يمكن إغفال نقطة في غاية الأهمية ألا وهي أن العائد على نظم التعليم الإلكتروني يتوقف على السياق التنظيمي والإداري، إذ إنه نسق أعقد من التعليم التقليدي، ومن ثم يحتاج إلى أنظمة أكفأ وإدارة أرقى. والمعروف أن الإدارة التعليمية التقليدية تميل للمركزية والجمود، بينما يكمن نجاح التعليم الإلكتروني في اللامركزية والمرونة اللازمين لتكامل عديد من المكونات المتباينة في نسق متكامل يسعى لبلوغ غاية مشتركة.
عوائق مطروحة
غير أن ثمة عوائق ما زالت تقف عائقا أمام فرص الاستثمار في التعليم الإلكتروني الذي بدأ تفعيله قبل نحو أعوام قليلة في بعض الدول العربية، منها ما يرتبط
بمدخلات المشروع التعليمي واعتماده على صناعات المحتوى، ومنها ما يتعلق بثقافة المجتمع، كما يقول محمد السعيد الخبير في مجال النظم التكنولوجية.
ويرى السعيد أن العديد من المحتويات العربية على سبيل المثال تعاني من الفقر الواضح، وعدم تلاؤمها للأهداف التعليمية، بسبب تصميماتها الضعيفة للمواد التربوية والتعليمات الموجهة للدارس. يضاف إلى ذلك ضعف التصميمات البرمجية غير الملائمة، وبالتالي فإن هناك حاجة إلى نشر محتويات على مستوى عالٍ من الجودة، خاصة في ظل انفتاح المنافسة بشكل عالمي.
كما تقع العديد من المشروعات التعليمية الإلكترونية في خطأ كبير، عندما لا تراعي قرارات التقنيين أو الفنيين مصلحة المستخدم، لذلك عندما يتعلق الأمر بالتعليم فلا بد من وضع خطة وبرنامج معياري، لأن ذلك يؤثر بصورة مباشرة على المعلم (كيف يعلم؟) وعلى الطالب (كيف يتعلم؟)، وبالتالي لا بد من ضم التربويين والمعلمين والمدربين في عملية اتخاذ القرار.
فضلا عن ذلك، فإن التعليم الإلكتروني يفتقد إلى وجود إطار تشريعي محدد ينظمه ويدعم تواجده والاعتراف به، فضلا عن انعدام الوعي بهذا النمط التعليمي.
وقد أجرى المركز الإلكتروني لاستطلاع الرأي العام التابع لمجلس الوزراء المصري مؤخرا استطلاعا حول التعليم الإلكتروني، أشار فيه إلى أن 64% من المبحوثين يرون أن عدم وجود وعي هو سبب عدم انتشار هذا التعليم، بينما أرجع 18% السبب إلى التكلفة المرتفعة لأجهزة الكمبيوتر التي لا يستطيع المواطن العادي تحملها، ثم جاءت التكلفة المرتفعة لاستخدام الإنترنت بنسبة 16%.
ورغم التحديات التي تواجهها الدول العربية، فإن قلة منها لديها رؤية واضحة لتوفير بيئة لاستثمار التعليم الإلكتروني، فقد انطلقت تجارب ناجحة عدة، ففي دبي أعلن عن إنشاء مدينة دبي للإنترنت، ومنها انبثقت الكلية الإلكترونية للجودة الشاملة، وبرامج متعددة في جامعات وكليات الإمارات، وجامعة آل لوتاه العالمية في دبي التي تقدم على شبكة الإنترنت دراسات جامعية متنوعة.