عناصر الموضوع :

1- حال الأمة اليوم وواجب الدعاة في رفع المعنويات

2- صور من القرآن والسنة في رفع معنويات الأمة

3- من ذاكرة التاريخ الإسلامي في رفع المعنويات

4- مبشرات للأمة وأسباب هلاك الأعداء

 حال الأمة اليوم وواجب الدعاة في رفع المعنويات

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: غربتنا شديدة لا يعلمها إلا الله، يتلفت المسلم حوله فيرى كفراً مسيطراً، وشراً مستطيراً، وعدواً متجبراً. الأعداء كثير، والتخطيط محكم، سلاحهم قوي، حاملات، وطائرات، وصواريخ، وقنابل، وأقمار ترقب، وعدو يترقب، حاملات يهودية وأخرى صليبية، أحاطوا بالأمة إحاطة السوار بالمعصم، ووضعوا حبال مكرهم وبطشهم حول رقبتها، وشدوا الحبل ليخنقوها، يتلفت المسلم فيرى حوله في بلاد المسلمين خراباً ودماراً، أيتاماً وأيامى، أرامل ومفجوعين، بيوت تهدم، وأعراض تنتهك، وحمىً يستباح، وثروات تنهب، وهيمنة وتسلط واستبداد، وظلم وحكم القوي على الضعيف، والجبار على الأسير. وهكذا يرى المسلم هذا الظلم المنتشر والأمة متخبطة متفرقة متناحرة، يرى قلة الناصر وضعف المعين فيقول: { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ }  [إبراهيم:21] وأن الهلاك هو العقوبة. وهذه الكلمات ليست للتخدير ولا لمحاولة نسيان الواقع المر، وإنما هي للنهوض بالنفوس لئلا تقع فريسة لليأس القاتل والقنوط المقعد عن العمل، بل لتنطلق بهذه المبشرات إلى الجد والاجتهاد، يحدوها حادي الرجاء في وعد الله القادم. إن من واجب الدعاة إلى الله في ظل الظلمات الواقعة اليوم أن يشيعوا نور الأمل، ويخبروا الناس بحقيقة الفجر السَّاطع الذي لا يأتي إلا بعد شيوع ظلمة الليل. إن هذه الكلمات انطلاقة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بشِّروا ولا تنفروا)) هكذا كان حال الرعيل الأول من المؤمنين لا تزيدهم الفتن والبلاء إلا ثباتاً وإيماناً: { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } [الأحزاب:22] وذلك أنهم مهما وقع عليهم من البلاء والضيم فهم الأعلون كما قال الله: { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران:139]. المؤمن يعرف كيف يتصرف، كيف ينهض ويعمل؛ ليصل بالواقع المتدني إلى المستوى المطلوب، وليس من الصحيح أن يصدر الحكم على الأمة بالهزيمة، وأنها تنتظر رصاصة الرحمة، وأنها قاعدة بلا حولٍ ولا قوة، كلا. إنه يترفع عن ذلك، ولا يطلق عليها وصف الهلاك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكُهم)) ((فهو أهلكَهم)) رواه مسلم ، هاتان الروايتان على الرفع: ((أهلكُهم)) معناها: أشدهم هلاكاً، وعلى النصب ((أهلكُهم)) فمعناها: هو جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة. فأما ما في هذا الحديث فإن معناه: أن الرجل لا يزال يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول: فسدوا وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل فهو أهلكهم أي: أسوأ حالاً منهم؛ لما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم، فلا يدخل في هذا من قالها تحزناً لما يرى في نفسه وفي واقع الناس من نقص أمر الدين.

صور من القرآن والسنة في رفع معنويات الأمة  

أيها المسلمون! أيها الإخوة! إن المسلم عندما يرى هذا البلاء المسيطر فإنه بالرغم من ذلك ينظر إلى بصيص الأمل، ويعلم أن الأيام يداولها الله بين الناس، وأن الاستضعاف مرحلة لا بد أن تأتي بعدها القوة، فهو وإن نظر إلى انتشار الفواحش والمعاصي فلا يحكم على الناس جميعاً بالهلاك، ولا يقول: لا مخرج ولا فائدة، فإن هذا من سوء الظن بالله، وإحباطٍ لمعنوياتِ الأمة والدعاة والمصلحين. إننا نحتاج في هذه الآونة إلى رفع المعنويات كثيراً في غمرة الظلم الذي ربما يزداد، والقتل الذي ربما يكثر، والتهجير والتشريد الذي ربما يحلُّ بالمسلمين في أماكن من الأرض ومنها فلسطين . إن رفع المعنويات في هذا الزمان مهم جداً لنا للعمل، إنه المتنفس، لقد كان القرآن الكريم يرفع من معنويات المؤمنين بكلام الله الذي ينزل على نفوسهم برداً وسلاماً، حتى في لحظات البلاء والشدائد: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }  [البقرة:214]. فعندما نعلم ما أصاب الذين سبقونا نوقن بأن الطريق واحد، وأنه مهما أصاب هذه الأمة فإنه لحكَمٍ يريدها الله سبحانه وتعالى.

وتبشير القرآن بقرب النصر والفرج 

من رفع المعنويات في القرآن: أنه كان يبشر بقرب النصر والفرج به إذا حصل، كان ذلك للمؤمنين المضطهدين في مكة تحت الحصار والجوع والقتل والتعذيب والتشويه الإعلامي؛ فكان يقال لهم: { الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ } [الروم:1-5]. لما أصيب المسلمون بالإحباط في غزوة أحد عندما قتل منهم سبعون! مآسٍ حصلت، الدواب تحمل بالجثث منطلقة إلى المدينة، هذه تخبر بأنها قد أصيبت بأبيها وأخيها وزوجها، وهذه بابنها، وتلك بخالها وعمها، أيتام وأرامل، ألمٌ نفسي، وهمٌ عظيم أصاب المسلمين في أحد ، ماذا سيقول العرب الذين ينظرون؟ ماذا يجري بينهم وبين كفار قريش؟ وسيقول العرب: هؤلاء هزموا، ودينهم لم ينصرهم، فماذا سيكون من التولي إذن، والقوة للكفار؟ ومع ذلك تأتي الآيات ترفع المعنويات وتحيي الأمل في النفوس، يذكرهم أولاً: بأن نصراً قريباً قد حصل: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [آل عمران:123] ويعدهم بنصرٍ ومدد فيقول: { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ } [آل عمران:124]، بل هناك زيادة: { بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ } [آل عمران:125]. بعد الغزوة كان الصحابة يحتاجون أحوج ما كانوا إلى رفع المعنويات, بعد الذي لاقوه من الهزيمة والجراحات والقتل؛ فقال الله لهم مخففاً ومسلياً ورافعاً لنفوسهم: { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ } [آل عمران:139] وإن هزمتم بالسلاح فأنتم الأعلون منهجاً وديناً .. أنتم الأعلون شرعةً وشريعةً .. أنتم الأعلون بما في نفوسكم من الإيمان بالله عز وجل الذي تضعون به جباهكم لرب العالمين ساجدين:  { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران:139]. ويذكرهم بما لحق الكفار من المصائب ويقول لهم: { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ } [آل عمران:140] كما أصابكم ما أصابكم فقد أصاب الكفار أيضاً قتل وجراح، وهذه أشياء نشهدها حتى اليوم في حال المسلمين المستضعفين في فلسطين ، بالرغم مما يصيبهم فإنه يصيب اليهود أيضاً قتل ودمار، يصيبهم أيضاً في اقتصادهم وأمنهم، وهكذا يداول الله الأيام بين الناس: { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [آل عمران:140].

 

تسلية الله لنبيه ورفع معنوياته بالقصص والإسراء والمعراج   

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل عليه من الأذى يسليه ربه، ويخفف عنه، وينعش فؤاده وقلبه، فيخبره أن ما أصابك قد أصاب الرسل من قبلك، فلا تبتئس بما كانوا يعملون: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام:112] يقول له: هذا يوسف انظر إليه! ماذا جرى عليه من حسد إخوته وكيدهم له، وإلقائه في الجب وبيعه واسترقاقه وسجنه وبعده عن أبيه وأخيه واتهامه وهو بريء، وفي نهاية الأمر يظهر الله براءته ويمكن له في الأرض, ويجمع له أهله, ويجمعه بأبويه وإخوانه! خذ قصة موسى .. يتلو عليه جبريل الآيات، انظر ماذا فيها من البلاء الذي حصل والفتنة، وما كان عليه الأمر من الشدة حتى في أوله، ويلقى في اليم وهو صغير، وينجو من القتل، ويفر من البلد بعد ذلك، ويعمل أجيراً في رعي الغنم، ثم يمكن الله له ويجعله في أمنٍ، وينصره على فرعون بعدما ذاق منه خوفاً وتهديداً وأذىً شديداً، وهكذا يصيبه من بني إسرائيل ما يصيبه بعدما عبروا البحر، ولكنه يصبر لأمر الله سبحانه وتعالى. وعندما يصاب النبي عليه الصلاة والسلام بأمرٍ شنيع من الأذى، تأتي حادثة الإسراء والمعراج لإنعاش النفوس ورفع المعنويات, وما حصل له عليه الصلاة والسلام من التسلية العظيمة بسببها، فمات عمه الذي كان ينصره، وماتت زوجته الوفية خديجة ، وضيق عليه وحوصر وقتل من أصحابه من قتل، وأغارت قريش بالغارات الإعلامية عليه بأنه: ساحر، كذاب، مجنون، شاعر، به جنة، يريد مُلكاً، ويريد ويريد، ويقول عليه الصلاة والسلام لـعائشة لما سألته: (هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال: ((لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي, فلم أستفق إلا وأنا بـقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلتني)) )  بعد هذا الهم والغم يرسل الله له أمراً لرفع المعنويات. الملائكة تسأله: ماذا يريد؟ ماذا يأمر لينفذوا؟ بعث الله إليه ملك الجبال ليأمره بما شاء فيجيب وينفذ في كفار قريش. وتكون رحلة المواساة العظيمة إلى السماوات العلى, بعدما صلى بالأنبياء في بيت المقدس ليرى سدرة المنتهى، والبيت المعمور، ويرى جبريل على صورته الحقيقية.

التذكير بمصير الشهداء 

كانت آيات الله تعالى بمصير المؤمنين الشهداء ترفع معنويات المجتمع الذي أصيب بهمّ في بئر معونة لما قتل سبعون من خيار المسلمين؛ يصومون النهار ويقومون الليل، من الحفاظ الزهَّاد العبَّاد، من أهل الصفة، من أهل المسجد، من أصحاب القناديل المعلقة فيه، ماذا أنزل الله؟ قرآناً كان يتلى حتى رفع ونسخ: (بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا رضي الله وأرضانا). كانت البشائر من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في مكة في الاضطهاد لرفع المعنويات، يأتي خباب مصاباً بإحباطٍ وبشدة يقول: (يا رسول الله! ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ ألا ترى ما نزل بنا؟! قال عليه الصلاة والسلام: ((كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه)) ). إذاً: هذا حصل لمن قبلكم، فخذوا العبرة، الطريق واحد، فيه أذى وخاصة في بدايته. ثم يأتيه بالبشارة ويقول: ((والله ليتمن هذا الأمر, حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)). ((قد كان من قبلكم)): تسلية وإشارة إلى الصبر حتى تنقضي المدة المقدرة من الله عز وجل، والمسلمون تحت الشدة والحصار والبأس الشديد, لكنكم تستعجلون، ويبشرهم بأن الله معهم لرفع المعنويات. أبو بكر الصديق في الغار كيف كان حاله؟ كيف كان وضعه النفسي؟ يصف التأزم الشديد الذي كان فيه ويقول: (يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما ظنك يا أبا بكر ! باثنين الله ثالثهما)) ) رواه البخاري . والنبي صلى الله عليه وسلم ينقل لأصحابه البشارة، ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً أمام نحوٍ من ألف من المشركين هم أكثر عدةً وعدداً منهم، يقول: ((أبشر يا أبا بكر ! أتاك نصر الله، هذا جبريل على ثناياه النقع)). وبعد هزيمة أحد لماذا أصر النبي عليه الصلاة والسلام على الرجوع لتحدي قريش؟! رفعاً لمعنويات المسلمين. ويذهب إلى حمراء الأسد بالمسلمين الذين فيهم جراحات، لماذا؟! إظهاراً لقوة المسلمين، وإلقاءً للرعب في صفوف الأعداء. قال الطبري : إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهباً للعدو، وليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم.

مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في حفر الخندق     

كان من رفع المعنويات: مشاركة القائد للجنود، كان ينقل معهم التراب في الخندق ويقول:

((والله لولا الله مـا اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينةً عـلينا وثبت الأقدام إن لاقينا))

عمل ودعاء! كان هناك جهد وسؤال وطلب من الله عز وجل في بناء المسجد، ترتفع المعنويات بمشاركته عليه الصلاة والسلام لهم وهو يقول معهم:

((اللهـم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة))

حتى شعارات المسلمين في معاركهم كانت تنبئ عن معنويات مرتفعة، ولذلك ورد في سنن أبي داود في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه في معركة من المعارك قبل أن تحدث وهو يخشى عليهم من العدو: ((إن بُيِّتُمْ -يعني: قصدوكم بالليل ليقتلوكم وليأخذوكم على حين غرَّة- بغتة -وحصل اختلاط- فاجعلوا شعاركم حم لا ينصرون؛ ليميز المسلم أخاه)) هذه الكلمة التي تقال، ثم فيها الفأل أن الكفار لا ينصرون.

عدم نشر الأخبار السيئة وإشاعتها   

كانت المعنويات يحافظ عليها بعدم نشر الأخبار السيئة وإشاعتها في لحظات الشدة، ولذلك يقول ابن هشام في قصة غزوة الأحزاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث السعدين سعد بن عبادة و سعد بن معاذ ، قال: ((انطلقوا حتى تنظروا أحقٌ ما بلغنا عن هؤلاء القوم من نكث العهد -اليهود- فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس)). وكان التفاؤل بتغيير الحال وتغيره، وأن الأمر لم يعد مثلما كان من قبل ليبث الأمل في النفوس، بعد غزوة الأحزاب ماذا قال عليه الصلاة والسلام: ((الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم)). عندما يخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن هوازن قد جمعوا له في حنين، وخرجوا عن بكرة أبيهم بضعنهم ونعمهم وشائهم حتى الغنم والنساء والأولاد، ماذا يقول عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم؟ ((تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله)) صحيح أبي داود.

ثناء الرسول على المحسنين من أصحابه   

كان عليه الصلاة والسلام يثني على المحسنين من أصحابه، ويبث الأمل في نفوسهم ويرفع من معنوياتهم، ويقول لـعمار وهو ينقل لبنتين لبنتين (يمسح عن رأسه، ((ويح عمار -كلمة ترحم لحاله- تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار)) ) وهكذا كان يقول لـعلي رضي الله عنه عندما مسح عنه الوجع الذي كان في عينيه، ويقول كذلك للأنصار لما ذهب الناس بالشاء والبعير: ((أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم -تذهبون به معكم-؟ قالوا: بلى. قال: لو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم)).

الإيمان بالقدر وتصبير الرسول لأصحابه   

كان الإيمان بالقضاء والقدر مما يرفع المعنويات، حتى عند المصائب الشديدة، يقول الله للمؤمنين: { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً } [آل عمران:145] وكانت عقيدة الثواب أن الله يثيب الطائعين ويعطيهم الأجر العظيم، هذا مما كان يدفع إلى العمل: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ } [التوبة:111]. ما الذي كان يرفع معنويات آل ياسر ، ياسر زوجته سمية أم عمار وهم يضطهدون على بطحاء مكة الحارة وعلى الحصى والرمل والصخر الحار؟ ماذا كان يثبتهم ويرفع معنوياتهم وهم في استضعاف تحت التعذيب؟! كلمات ((صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)). إذاً: الوعد بالثواب من الله عز وجل هو الذي كان يصبرهم. ما الذي كان يصبر المؤمنين على القتال في صفوف المعركة؟ أيها الإخوة! إن الشهداء كانوا يقتلون في سبيل الله، يضحي الإنسان بنفسه في المعارك تحت ظلال السيوف؛ لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله, ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل)) وهكذا عليه الصلاة والسلام يخبرهم عما ينال المجاهد من الأجر؛ ليصبروا عند اللقاء. وهكذا كان يصبر المصابين في أبنائهم وأهاليهم وأصحابهم، هذا حارثة لما قتل يوم بدر بسهم طائش لا يدرى من رماه، ماذا جاءت أمه تقول؟ ماذا قالت أم الربيع بنت البراء وأم حارثة بن سراقة؟ تقول: (يا رسول الله! إن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء -فكانت الكلمات كافية في تثبيتها وإشاعة الأمل في نفسها- ((يا أم حارثة! إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى)) ).

 

قوة الله وضعف الكفار  

إن قوة الله وضعف الكفار هو المبدأ الذي كان يرفع من معنويات المسلمين، ويقال للنبي صلى الله عليه وسلم: { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }  [النساء:84] .. { إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد:7] .. { إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ } [آل عمران:160]. وهكذا كان ما أصاب المسلمين مع ما أصاب الكفار، وإن تماثل في الصورة لكن الفرق يرفع معنويات المسلمين, وقال لهم ربهم: { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ } [النساء:104] لكن ما هو الفرق؟ { وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ } [النساء:104] كانت قضية التثبيت في المعارك, ورفع المعنويات بالرغم من قلة عدد المؤمنين وكثرة عدد الكفار، عندما يقول المؤمنون للمرجفين المخذلين الذين يقولون: { لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } [البقرة:249] ماذا قال لهم أولئك؟ { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة:249].

مواقف الثابتين ترفع المعنويات

إن المواصلة وعدم القعود بالرغم من حجم المصيبة ترفع المعنويات، هذا المبدأ الذي مثله أنس بن النضر وهو يقول للمسلمين عندما أشيع قتل النبي عليه الصلاة والسلام، فقعد بعضهم محبطاً يائساً قال: [ما تنتظرون؟ قالوا: قُتل رسول الله، قال: فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا فموتوا على ما مات عليه] فوجد الرجال الذين يَثبتون ويُثبتون. لما فرَّ من فرَّ من المسلمين في حنين والنبي عليه الصلاة والسلام على بغلته البيضاء، وأبو سفيان آخذٌ بلجامها، والنبي عليه الصلاة والسلام يستصرخ العباس لكي يصرخ بالمسلمين ليرجعوا وهو يقول: ((أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)) وهكذا فإن مواقف الثابتين ترفع المعنويات.

من ذاكرة التاريخ الإسلامي في رفع المعنويات   

الملك المظفر قطز مع التتار  

إذا نظرنا في تاريخ المسلمين في أحوال الشدة التي كانت مسلَّطة عليهم من قبل التتر، الذين اجتاحوا العالم الإسلامي وقتلوا الملايين من المسلمين، ولما اجتمعت العساكر الإسلامية في الديار المصرية؛ ألقى الله تعالى في قلب الملك المظفر قطز الخروج لقتالهم بعد أن كانت القلوب قد أيست من الانتصار على التتار؛ لكثرة عددهم، واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، معظم بلاد المسلمين في فترة من الفترات كانت تحت حكم التتر الذين اجتاحوا أكثر العالم الإسلامي، وما قصدوا إقليماً إلا فتحوه، ولا عسكراً إلا هزموه، لم يبق خارجاً عن حكمهم في الجانب الشرقي من العالم الإسلامي إلا الديار المصرية و الحجاز و اليمن ، وهربت جماعة من المغاربة الذين كانوا بـمصر إلى المغرب وهرب جماعة من الناس إلى اليمن ، والباقون في وجلٍ عظيم وخوفٍ شديد، يتوقعون دخول العدو وأخذ البلاد. وصمم الملك المظفر رحمه الله على لقاء التتر، وخرج بالجحافل الشامية والمصرية وسافر إلى بلاد الشام للقائهم، ونزل بـالغور بـعين جالوت وفيه جموع التتر في يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان. اصطف الفريقان، والتحم الجيشان، وتقاتلا قتالاً شديداً لم ير مثله، حتى قتل من الطائفتين جماعة كثيرة، وانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة -كما يقول صاحب النجوم الزاهرة في وصف المعركة- فحمل الملك المظفر رحمه الله بنفسه في طائفة من عساكره، وأردف الميسرة حتى تحايوا ورجعوا، واقتحم المظفر القتال وباشره بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم بلاءً حسناً، وعظمت الحرب وثبت كلٌ من الفريقين مع كثرة التتر، و المظفر يشجع أصحابه، ويحسن إليهم الموت، ويكرُّ بهم كرة بعد كرة، حتى نصر الله الإسلام وأعزه، وانكسرت التتر، وولوا الأدبار على أقبح وجهٍ بعد أن قتل معظم أعيانهم، وأصيب قائدهم كتبغانيين فإنه لما عظم الخطب باشر القتال بنفسه فأخزاه الله، وقتل شر قتلة، وكان الذي حمل عليه وقتله الأمير جمال الدين آقوش الشمسي رحمه الله. وولى التتار الأدبار لا يلوون على شيء، واعتصمت طائفة منهم في التلِّ المجاور لمكان الوقعة، فأحدقت بهم عساكر المسلمين، وصابروهم حتى أفنوهم قتلاً، ونجا من نجا، وتبعهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقاري في جماعة من الشجعان المسلمين إلى أطراف البلاد، واسترجعوا البلاد والضياع التي أخذها التتر، وقتل منهم مقتلة عظيمة جداً. وهكذا كانت الحال عندما يثبت المسلمون أمام الكفار. ومما لا شك فيه أنه لا يقدر على الجهاد كل الناس، فيبقى أناس من المعذورين أصحاب العاهات، وربما كان عندهم شيء من القنوط والهم والغم الذي ركبهم، وكانت الآية: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبل الله } فجاء ابن أم مكتوم يقول: [يا رسول الله! لو أستطيع الجهاد لجاهدت] وكان رجلاً أعمى، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم:  { غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ } [النساء:95] ثلاث كلمات من أجل أصحاب العاهات؛ حتى لا تكون معنوياتهم منخفضة، وإنما: ((إن بـالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم)).

ثبات الدعاة والعلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية     

للعلماء للدعاة للخطباء للمربين دورٌ كبيرٌ في رفع المعنويات، لما قال بنو إسرائيل:  { لَنْ نَدْخُلَهَا } [المائدة:24] .. { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } [المائدة:24] ماذا قال الرجلان من أولئك: { مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ }  [المائدة:23] اقتحموا والله يأتي بالنتائج وبالنصر، افعلوا ما طلب منكم وما أمرتم به، قاتلوا واقتحموا: { ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ } [المائدة:23]. دورٌ عظيم يقوم به العلماء. كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: أبو عمر البزار: كان من أشجع الناس وأقواهم قلباً. يا إخوان! لا بد أن نأخذ العبرة من هذا، لا ندري متى تكون مواجهتنا مع العدو، فإذا واجهناهم فلا بد أن يكون هناك في المسلمين من يوقد الحمية في القلوب للقتال, ويكون عنصراً مثبتاً لهؤلاء في المواجهة. كان أثبت الناس جأشاً، ولا أعظم عناءً في جهاد العدو منه، يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم. وأخبر غير واحد أن الشيخ رضي الله عنه كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم وقطب ثباتهم، إن رأى من بعضهم هلعاً أو رقةً أو جبناً شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة، وبين له فضل الجهاد والمجاهدين، وإنزال الله عليهم السكينة، كان إذا ركب الخيل يتحنك, ويجول في العدو كأعظم الشجعان, ويثبت ويقوم كأثبت الفرسان, ويكبر تكبيراً أنكى في العدو من كثيرٍ من الفتك بهم، ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت. وحدثوا أنهم رأوا منه في فتح عكة أموراً من الشجاعة يعجز الواصفون عن وصفها، ولقد كان السبب في تملك المسلمين عكة بفعله ومشورته وحسن نظره كما ذكر في الأعلام العلية وقال: ولما ظهر السلطان غازان على دمشق جاءه ملك الكرج وهو ملك كافر معه كفار يطلب من غازان أن يملكه من رقاب المسلمين ليفتك بهم، ووصل الخبر إلى الشيخ؛ فقام من فوره، وشجع المسلمين، ورغبهم في الشهادة، ووعدهم على قيامهم بالنصر والظفر والأمن وزوال الخوف، وانتدب منهم رجالاً من وجوههم وكبرائهم فخرجوا إلى غازان ، فلما رآهم السلطان قال: من هؤلاء؟ قيل: إنهم رؤساء دمشق. فأذن لهم، وحضروا بين يديه، ثم تقدم الشيخ أولاً، فلما أن رآه السلطان أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة، حتى أدناه من مجلسه، وأخذ الشيخ في الكلام أولاً في عكس رأيه عن تسليط المخذول ملك الكرج على المسلمين، يريد ألا يوافق على هذا، وأخبره بحرمة دماء المسلمين، وذكره ووعظه، فأجابه إلى ذلك طائعاً، وحقنت بسببه دماء المسلمين، وصين حريمهم. وكان -رحمه الله- لما وقع الخوف في دمشق وقال الناس: لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتر لكثرتهم، يعني: لو اجتمعت العساكر المصرية والشامية لن تقف أمام التتر، وأن عليهم الانسحاب، وتحدث الناس بالأراجيف، واجتمع الأمراء يوم الأحد بالميدان، وتحالفوا على لقاء العدو، وشجعوا أنفسهم، ونودي بالبلد ألا يرحل أحد منه، فسكن الناس، وجلس القضاة بالجامع، وحلف جماعة من الفقهاء والعامة على القتال، وحلفوهم عليه، وتوجه الشيخ تقي الدين بن تيمية إلى العسكر الواصل من حماة فاجتمع بهم فأعلمهم بما تحالف عليه الناس من لقاء العدو، فأجابوا إلى ذلك وحلفوا معهم. وكان الشيخ تقي الدين رحمه الله يحلف للأمراء والناس: إنكم في هذه الكرة منصورون، فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله عز وجل مثل قوله تعالى: { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ } [الحج:60] وهكذا كان يدور على الجيش ويفتيهم، وكانت المعركة في رمضان فيفتي بالفطر مدة قتالهم، ويأكل هو بنفسه أمام الناس أشياء ويقول: أفطروا فالفطر أقوى لكم، ويستدل لهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم. ولما صارت سنة سبعمائة للهجرة، وحصلت الفتنة في دمشق وهرب أكثر الناس من البلد، وجرت خبطة قوية، ووردت الأخبار بقصد التتر بلاد الشام، وأنهم عازمون على دخول مصر أيضاً، انزعج الناس، وازدادوا ضعفاً على ضعفهم، وطاشت عقولهم وألبابهم، وشرع الناس في الهرب إلى بلاد مصر و الكرج و الشوبك والحصون المنيعة، حتى بلغ ثمن الحمار الذي يوصل إلى مصر خمسمائة دينار، وبيع الجمل بألف دينار والحمار بخمسمائة، وبيعت الأمتعة والثياب بأرخص الأثمان، لأن الناس تبيع متاعها وتهرب من البلد. أما الشيخ تقي الدين بن تيمية فقد جلس بمجلسه في الجامع وحرض الناس على القتال، وساق لهم الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، ونهى عن الإسراع في الفرار، ورغب في إنفاق الأموال في الذب عن المسلمين وبلادهم وأموالهم، وأن ما ينفق في أجرة الهرب إذا أنفق في سبيل الله كان خيراً، وأوجب جهاد التتر حتماً، وتابع المجالس في ذلك، كما ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية . هذا دور العلماء، هذا دور طلبة العلم، إذا جد الجد وحصل الالتحام مهما كان الكفار أكثر عدداً وعدةً فعند ذلك لا بد من نفخ روح الحمية للقتال في الناس والصبر وعدم الهرب.

أثر التوحيد على الثبات في زمن الفرقة    

كانت قدرة المسلمين على التوحد بالرغم من الخلافات التي تكون بين بعضهم في عدد من المواقف هي الأمر الذي كان يرد الكفار. يكتب معاوية إلى ملك الروم الذي أوشك على اقتحام بلاد المسلمين؛ انتهازاً للفرصة بالخلاف بين علي و معاوية رضي الله عنهما، فقال له معاوية في رسالته: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين! لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت؛ فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف، وبعث يطلب الهدنة. هكذا كان التوحد في زمن الفرقة عاملاً مهماً من عوامل الثبات، فـالمعتمد بن عباد يرسل إلى يوسف بن تاشفين : أيها السلطان! ناشدتك الله إن سقطت إشبيليا لم يبق للإسلام في تلك الجزيرة في الأندلس اسم ولا رسم؛ فالحق بنا وأنقذنا. يقول له وزيره وهو يكتب الرسالة: أيها السلطان! كيف ترسل إلى يوسف بن تاشفين فغداً إذا جاء وانتصر وصار الملك، تصير أنت عنده أجيراً، أترضى بذلك وأنت السلطان؟! فنظر المعتمد بن عباد إليه وقال له: يا هذا! أنت وزيري تنصحني بما يملأني وزراً، والذي نفسي بيده لأن أكون راعياً للجمال عند مسلم اسمه يوسف بن تاشفين خير من أن أرعى الخنازير للفونسو غداً. وهكذا يكون التفاؤل أيضاً باعثاً على رفع المعنويات.

حسن الظن بالله   

{ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } [الحج:15] الذي يقول: إن الله لا ينصر المسلمين؛ يأخذ حبلاً يعلقه في السقف -في سماء الغرفة- ويربطه حول عنقه ويشنق نفسه. إذاً.. فالله ينصر المؤمنين، وقد توعد بنصرهم، وأخبر أن نصره قريب، وأن نصره ينزل عليهم، إذا رجعوا إليه سبحانه. لماذا كان التفاؤل من السنة؟! لماذا كان عليه الصلاة والسلام يتفاءل بالاسم الحسن؟! إن التفاؤل يشحذ الهمم للعمل، ويغذي القلب بالطمأنينة والأمل، ولا شك أن هذا من أهم عوامل النجاح, لما يقبل الإنسان على القيام بعمل ما وهو متفائل، النتيجة تختلف تماماً عما إذا قام يعمل وهو متشائم. ووسط هذا الظلام الدامس الذي يعيش فيه المسلمون اليوم يلتفتون يمنة ويسرة، وتثور في النفوس تساؤلات كثيرة: أما آن لهذا الليل أن ينجلي، ولهذه الغمامة أن تنقشع؟ متى يأتي نصر الله؟ { أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة:214]. وإذا تأملت ما يكون من أنواع النصر من الله لوجدت شيئاً عجيباً! فقد نصر رسله: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ } [القمر:10] فنصره الله، وهكذا انتقم من المكذبين ولو بعد حين. الله عز وجل قد يمكن للكفار مدة من الزمن، لكن بعد ذلك لا بد أن ينكسروا. والذين حاولوا قتل عيسى وصلبه انتقم الله منهم بتسليط الروم عليهم فساموهم أشد العذاب. عندما ترى صور انتصار الموحدين .. انتصار المبدأ .. انتصار المنهج كما في قصة الغلام مع الملك في أصحاب الأخدود، كان ثبات المؤمنين إلى النهاية هو نصر بحد ذاته. إبراهيم يقذف في النار وهو يقول: حسبي الله ونعم الوكيل. هذا قمة الانتصار. بلال عندما كان تحت الصخرة يقول: [أحدٌ أحدْ] ولا يتراجع. هذا انتصار. آل ياسر عندما يصبرون على الرمضاء. انتصار. الإمام أحمد عندما يصبر على القول: بأن القرآن كلام الله. ولا يجيب إلى القول بخلقه، مع كون الحديد في رجليه، والضرب الشديد الذي يقول فيه السلطان للجندي: اضرب، شدّ قطع الله يدك. ومع ذلك يصبر، هذا انتصار؛ لأن الحق عند الناس في المجتمع ظاهر لم ينهزم، لم يرضخ فلان، لم يسكت فلان، لم يتراجع فلان عن مبدئه، هذا انتصار، انتصار الحجة مهم جداً: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } [الأنعام:83]. لما قال إبراهيم للنمرود : { فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } [البقرة:258] هذا انتصار، ولو كان النمرود عنده الجنود والسلاح والسلطان والهيلمان. هذا انتصار. لا بد أن نعرف معنى الانتصار الشرعي، وليس فقط أنه انتصار السلاح.

مبشرات للأمة وأسباب هلاك الأعداء

هناك مبشرات كثيرة للأمة بأن الله لا يمكن أن يبقي الكفار في تمكين وإلا تفسد الأرض، لكن مداولة للأيام بين الناس. وهكذا نقول اليوم لأنفسنا: متى تنكسر شوكة هؤلاء اليهود والصليبين؟!

غطرسة الأمم الكافرة   

إنهم ينفقون الأموال الطائلة والمخططات: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ } [الأنفال:36] هل الغلبة ستكون في الدنيا، أو في الآخرة فقط؟ { فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } [آل عمران:56] لقد استوفت الأمة الظالمة اليوم المستكبرة في الأرض أسباب الهلاك، لقد ادعوا دعاوى الألوهية، وتغطرسوا كثيراً، ومارسوا طريقة فرعون: { أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى } [النازعات:24] ولكن ماذا كانت نتيجة فرعون؟ { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [الأعراف:137]. تألوا على الله، وزعموا أنه أخرجهم لقيادة العالم، وكذبوا على الله، وزعموا أنه اختارهم ليخلصوا البشرية ويقودوها في مطلع القرن الحادي والعشرين، وقالوا: فليباركنا الرب. وألف فوكوياما كتابه نهاية التاريخ مغروراً يعني: أن هذه الأمة عندهم (الكفرة) وصلت إلى القمة وليس هناك بعدها شيء. هذه هي النهاية، والسيطرة، والتمكين، والغلبة لهم، (نهاية التاريخ) بكل غرور قالوها، فلذلك حققوا عدداً من أسباب الهلاك والله يقصم ظهور هؤلاء ولا بد.

كثرة الذنوب والمعاصي عند الغرب الكافر 

ومن أسباب ذلك: الذنوب والمعاصي. لقد صاروا قادة العالم في الموبقات، والجنس والقذارة، وأنواع الفواحش، والآراء الضالة التي فرضوها، والسياسة والاقتصاد والثقافة، وعالم السينما والإعلان، وغير ذلك، والله عز وجل يأخذ المذنبين، ألم يقل: { فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } [آل عمران:11]؟ هذه الأمة الغربية التي صالت وجالت في العالم, قال عز وجل عن قوم لوط: { وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } [هود:83] فهو يهلك الظلمة، كفروا النعمة، جحدوها، استعملوها في الطغيان، والله عز وجل قال: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ } [القصص:58]. ألم يقعوا في الترف والإسراف في المآكل والمشارب والمساكن والمراكب والأثاث وصناعة الترفيه والسياحة والرياضة والأفلام؟! إن ذلك مؤذنٌ بتدمير دولتهم. ألم يقل الله:  { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } [الإسراء:16]؟! ألم يغتروا بقوتهم ويقولوا كما قالت عاد: { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [فصلت:15]؟ ماذا فعل الله بعاد؟! { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [فصلت:16]. هذه الأمة الغربية المجرمة اليوم بيت الجريمة في العالم فيها وتصدره لغيرها، أجرموا، وسفكوا الدماء، وقتلوا الأبرياء، ودنسوا حرمات المساكين، وهؤلاء الأطفال الذين يموتون من جرَّاء جرائمهم، الله عز وجل وعد بأنه سيجزي القوم المجرمين وأنه سيهلكهم، وسنته ماضية: { فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }  [البقرة:59] إن الله لا يصلح عمل هؤلاء؛ لأنهم مفسدون: { إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } [يونس:81]. أليسوا أصحاب مكر، وحيل، وخداع، وخطط، ودهاء، وأساليب، سيناريوهات وإخراجات لضرب أهل الإسلام؟! يتشدقون اليوم، ويتبجحون ويقولون: سنحتل وننصب منا رجلاً، هؤلاء لا شك أن مكرهم سيكون دماراً عليهم، والدليل قوله تعالى: { اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ } [فاطر:43] ينتظرون { إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً } [فاطر:43] .. { وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } [النمل:50-51] هؤلاء كل أسباب إهلاك القرى في القرآن اجتمعت في هذه الأمة الملعونة، فماذا ينتظرون إلا أن يأتي أجلهم: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ } [الأعراف:34].

شهادة أعدائنا بتفوق هذا الدين 

ولنعلم بأن مما يرفع نفوسنا، ويقوي هممنا، ويشحذ عزائمنا؛ أن هؤلاء الكفرة بأنفسهم قد شهدوا لنا بالتفوق، ولديننا بالعلو، يقول لورنس براون: إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي. ويقول جلادستون : ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين, فلن تستطيع أوروبا السيطرة على المشرق. قال الشيوعيون وهم في سدة الحكم: من المستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق الإسلام نهائياً. أشعايا بومن في مقالٍ نشره قال: لم يتفق قط أن شعباً مسيحياً دخل في الإسلام ثم عاد نصرانياً. بن جوريون اليهودي يقول: إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد. ونحن نعرف أن محمداً عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء، لكنه يقصد قائداً جديداً. وهكذا يقول إرل بورجر الكاتب الصهيوني: إن المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية هو أن العرب لا بد أن يبادروا ذات يوم إلى التعاون معها، ولكي يصبح هذا التعاون ممكناً, فيجب القضاء على جميع العناصر التي تغذي شعور العداء ضد إسرائيل في العالم العربي وهي عناصر رجعية، تتمثل في رجال الدين والمشايخ. وهكذا يقول إسحاق رابين : إن مشكلة الشعب اليهودي هي أن الدين الإسلامي ما زال في دور العدوان والتوسع، وليس مستعداً للمواجهة، وأن وقتاً طويلاً سيمضي قبل أن يترك الإسلام سيفه. وقد مات وهلك والإسلام لن يترك سيفه. يقول براون : كان قادتنا يخوفوننا بشعوبٍ مختلفة، لكننا بعد الاختبار لم نجد مبرراً لمثل تلك المخاوف، خوفونا بـاليابان الأصفر، والخطر البلشفي، و.. إلى آخره! وتبين لنا أن هؤلاء حلفاؤنا وهؤلاء أصدقاؤنا وهؤلاء..! لكننا وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام, وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته المدهشة! هانوتر الفرنسي يقول: لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر. ألبرن شاذر يقول: من يدري ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين، يهبطون إليها من السماء لغزو العالم مرة ثانية، وفي الوقت المناسب، يقول: لست متنبئاً لكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة، ولن تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقف تيارها، إن المسلم قد استيقظ، وأخذ يصرخ: هاأنا ذا، إنني لم أمت، ولن أقبل بعد اليوم أن أكون أداةً تسيرها العواصم الكبرى. ويقول أشعايا بومن أيضاً: إن شيئاً من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي من الإسلام, لهذا الخوف أسباب: منها: أن الإسلام منذ ظهر بـمكة لم يضعف عددياً، بل إن أتباعه يزدادون باستمرار. من أسباب الخوف: أن هذا الدين من أركانه الجهاد. هكذا قال في مقالة نشرها في مجلة العالم الإسلامي التبشير والاستعمار . أنطوني ناتنج يقول في كتابه العرب : منذ أن جمع محمد -صلى الله عليه وسلم- أنصاره في مطلع القرن السابع الميلادي وبدأ أول خطوات الانتشار الإسلامي, فإن على الغرب أن يحسب حساب الإسلام كقوة دائمة صلبة تواجهنا عبر المتوسط. يقول سالازار في مؤتمر صحفي: إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيرون نظام العالم. ويقول آخر: إن العالم الإسلامي عملاق مقيد، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً، فهو حائر وقلق وكاره لانحطاطه وتخلفه، وراغب رغبة يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن وحرية أوفر. وهكذا يقول مورو برجر: إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في القارة الأفريقية. ويقول هانوتو: رغم انتصارنا على أمة الإسلام وقهرها, فإن الخطر لا يزال موجوداً في انتفاض المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم؛ لأن همتهم لم تخمد بعد. ويقول: مرمديوك باكتل: إن المسلمين يمكن أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها بها سابقاً بشرط: أن يعودوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول؛ لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم. وهكذا يقولون: إنه إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر قوةً عظمى في العالم مرةً أخرى. ويقول جب: إن الحركات الإسلامية تتطور عادةً بصورةٍ مذهلة تدعو إلى الدهشة! تنفجر انفجاراً مفاجئاً قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها ليدعوهم إلى الاستراب في أمرها، فهذه لا ينقصها إلا ظهور صلاح الدين جديد.

دراسات غربية تدل على قوة انتشار الإسلام والمسلمين 

هناك أشياء كثيرة درسوها هم وتبينت لهم تدل على قوة المسلمين القادمة. فمن الدراسات التي أعدت شارلز ويليم أنه في دراسته بعنوان الشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين لمعهد الشرق الأوسط بـواشنطن ، ويهيمن عليه اليهود ويؤثر في توجيه سياسات القوم هناك: كان المسلمون يشكلون في عام (1980م) حوالي (18%) من سكان العالم، وبحلول نهاية الربع الأول من القرن القادم من المتوقع أن يشكلوا أكثر من (30%) وفي الشرق الأوسط نفسه من المتوقع أن يستمر هذا المعدل السريع في النمو، وهكذا فإن مصر من المتوقع أن تصعد من مستوى سكان أقل من سبعين مليون نسمة اليوم إلى قرابة مائة وعشرين مليوناً بحلول منتصف القرن القادم، ومن المتوقع أن تزيد السعودية ثلاثة أضعاف في حجم السكان, فتزيد من واحد وعشرين مليوناً إلى واحد وستين مليون نسمة، وسوف تصبح سوريا قوة سكانية كبرى حيث سيصل سكانها إلى خمسين مليوناً تقريباً عام (2050م.

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد - كانول وحدة المعرفة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,682,592

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters