عز الدين فرحات
الزواج من السنن الإسلامية التي شرعها الإسلام لمقاصد سامية، ولتحقيق غايات عظيمة جليلة، منها: أنه وسيلة من وسائل العفاف والإحصان، كما أنه سبب لبقاء النوع البشري والإنساني. والزواج ـ بلا شك ـ وسيلة إيجابية لتحقيق الأمومة والأبوة وصناعة الأجيال المتلاحقة لإقامة المجتمع المسلم، وقطعًا هذه الأهداف وتلك الغايات السامية تختل وتضطرب إذا انتشرت العنوسة وتعطلت مسيرة الزواج.
وبنظرة سريعة على بعض الإحصاءات الرسمية حول نسبة الفتيات غير المتزوجات في بعض الدول العربية يتضح لنا أن من أهم أسبابها : غلاء المهور ، و نفقات الزواج الباهظة ، وعادات وتقاليد مرهقة ماديا خصوصا للشباب المقبل على الزواج في بداية حياته.
الحاجة أم الاختراع
حين يستشري في الجسم داء، فهناك دائماً من يعنيه أن يبحث عن الدواء، ومن هنا نشأت فكرة حفلات الزواج الجماعي ، والتي انتشرت في عدد كبير من البلاد العربية والإسلامية حيث تمثل شكلًا من أشكال المساهمة الفعّالة في زواج الشباب والفتيات بل تمثل حلاً عصرياً لمشكلة ارتفاع نفقات الزواج ، بالإضافة إلى أنها تكتسي ثوبًا إسلاميًا بعيدًا عن المخالفات الشرعية التي تشهدها معظم حفلات الزواج .
شيرين يونس: ألغيت زواجي بسبب التكاليف
تقول شيرين يونس – من مصر- (مقبلة على الزواج): إن إقامة مثل هذه المشروعات والحفلات أمر جيد حيث تقتصد في تكاليف الفرح خاصة أن الشباب المقبل على الزواج يكون في بداية حياته وغير قادر على إقامة حفلة زواجه بتكاليف كبيرة.
وتضيف: أنا شخصيًا ألغيت فكرة إقامة حفل زواجي الذي تقرر قريبًا لأن تكاليف الفرح بلغت عدة آلاف في وقت لم يزد عن ثلاث ساعات، والحفلات التي يقيمها بعض الأفراد تتكلف مبالغ باهظة وتعتمد في مجملها على المظاهر فقط، وبخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشباب هذه الأيام.
فأنا لا أمانع من إقامة مثل هذه الحفلات وأشارك فيها مع آخرين فرحتهم؛ فإن هذا سيقلل من التوتر والضغط النفسي الذي قد يصيب البعض في هذه الأثناء.
ويرى عبد الفتاح حنفي أن التجربة رائعة تغرس القيم الدينية والاجتماعية ، وتيسر على الشباب غير القادر على اختصار نفقات الزواج الباهظة .
أما إبراهيم حمد - من الكويت- فيقول : لن يلجأ الشباب بعد اليوم للاستدانة من أجل إقامة حفل العرس ؛ فالأعراس الجماعية كلفتها في متناول الشاب ذي الدخل المحدود والذي لا يملك سوى راتبه.
ويتفق معه علي الديحاني من أن الأعراس الجماعية حدت من المغالاة في إقامة حفلات الأعراس والولائم ، إضافة إلى أن تدخل لجنة شرعية أدّى إلى خفض المهور المُغالَى فيها لدرجة أظهرت عجز الشباب على الاقتران في السن المناس !
الأردن: جمعية العفاف رائدة في الوطن العربي
كانت فكرة جمعية العفاف، فكرة ريادية غير مسبوقة على نطاق الوطن العربي، لاقت رواجاً واستحساناً، وتلقفتها الكثير من الدول العربية في مصر والسودان والإمارات العربية والسعودية وسورية .. إلخ.
وبدأت باكورة الأزواج المشاركين في العرس الجماعي الأول بأربعة أزواج، والآن أصبح عدد المشاركين يتجاوز المئة، وهذا العام سوف تقيم الجمعية عرسها الجماعي العاشر وستقدم هذه المناسبة بتميز خاص.
وقد كان الحفل الجماعي الأول الذي شارك فيه أحد المهندسين المتحمسين للفكرة، الحالة الريادية التي كسرت حاجز الرهبة وغلاف العيب الذي كان المجتمع يقوقع نفسه داخل صدفتها، وانفتحت بعد ذلك آفاق الوعي الاجتماعي لتصبح الفكرة مقبولة جداً في محيط واسع من المجتمع، وليصبح موسم الصيف محطة الانتظار لهذا الفرح الشعبي العارم، تتضافر من خلاله عدة جهات اجتماعية لإنجاحه وإظهاره بالمظهر اللائق.
لجنة زكاة العثمان أول تجربة كويتية
ورغم الصعاب في درب الزواج الجماعي فإنه أثبت جدواه في الكويت، وأكد قدرته على الاستمرار بالزخم المحيط به، وإذا كانت لجنة زكاة العثمان أطلقته إلى النور، فإنه أصبح يافعاً بعد خمس سنوات ، فقامت مجموعة من رجال الأعمال ومسؤولي الجمعيات الأهلية والخيرية بتأسيس "صندوق الزواج" أسوة بدولة الإمارات وذلك للتوفيق بين الراغبين في الزواج ، واستهدف المشروع إيصال رأس مال الصندوق إلى عشرة ملايين دينار لإعطاء قروض بدون فوائد ، وميسرة السداد للراغبين في الزواج مع إقامة حفلات زواج جماعي لكل مجموعة في أحد الفنادق .
ويتلقى الصندوق تبرعات من الأفراد والشركات ودعماً حكومياً لتلبية نفقات الراغبين في الزواج باعتباره جزءًا أساسيًا من علاج ظاهرة العنوسة .
الإمارات: 70 ألف إمارات استفاد من صندوق الزواج
تجربة الإمارات التي بدأت حفلات الزواج الجماعي من سنوات طويلة ، وتخطط سنوياً لإضافة الجديد لتحقيق التجربة الناجحة كاملة ، وتصبح الفوائد جمة ، وتحقيق أكبر استفادة لشريحة عريضة من الشباب للقضاء على العنوسة .
وحسب الإحصاءات فهناك نحو 70 ألف إماراتي وإماراتية استفادوا من صندوق الزواج منذ تأسيسه العام 1993 حيث يمنح الشباب مبلغا ماليا عقب عقد القران مباشرة ومبلغا آخر عقب إتمام مراسيم الزواج ليساعدهم على بدء حياة جديدة .
كما أصدر رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان قراراً بقصر الفرح على يوم واحد ، وحفلة واحدة للرجال وأخرى للنساء توفيراً للنفقات ، وحدد عدد الذبائح بتسعة قعدان (جمال صغيرة) لأي عرس من أعراس الإماراتيين ، ووضع غرامة مالية لمن يخالف ذلك .
السعودية: تم انتفاع أكثر من 18 ألف شاب من الفكرة
فضلا عن وجود مشروع ابن باز الخيري لمساعدة الشباب على الزواج ، فهناك نماذج أخرى للزواج الجماعي منها ما اعتادت عليه محافظة الإحساء وقراها من إقامة مهرجانات للزواج الجماعي مع بداية كل إجازة صيفية، حتى باتت خطوة مألوفة لدى بعض القرى في المحافظة وانتشرت منذ 15 عاماً ، وزوجت أكثر من 18 ألف شاب وفتاة من مختلف مدن وقرى المحافظة.
وقد تكرر ذلك في كل من الرياض وجدة ومكة وغيرها من مدن المملكة برعايه أمراء المناطق ومحافظي المحافظات .
مصر: مسابقات والجائزة اشتراك في عرس جماعي
يقول أسامة طه خبير الإعلان المصري ومدير شركة "رؤية" إن حفلات الزواج الجماعي هي مشروعات لها قيمة وهدف كبير في المجتمع، وهي تعد محاولة لحل جزء من الأمراض الاجتماعية التي انتشرت في مجتمعاتنا الآن ، ومنها: تأخر سن الزواج لعدم قدرة الشباب على تحمل تكاليف ونفقات ذلك، مما يكون له أثر سلبي من الناحية الإنسانية والاجتماعية.
من هنا جاءت هذه الفكرة؛ فمع وجود شريحة كبيرة من الشباب مقبلة على الزواج ويسعدون بأي مشاركة جماعية ولو بسيطة، فكرنا في إقامة مسابقة دينية عن سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأذيعت بالفعل على القناة الثانية في التليفزيون المصري رمضان قبل الماضي، وكانت جوائزها رحلة عمرة وإقامة حفل زفاف جماعي للفائزين المقبلين منهم على الزواج، ومنهم بالفعل الذين طالت خطبتهم عدة سنوات.
حفلات الزواج الجماعي تزيد من ترابط المجتمع وتزيد من حس الانتماء له؛ فالشاب أو الفتاة الذي يعرف أن المجتمع لم يدر ظهره له ، بل شجعه وساعده سيزداد احترامًا له وتعلقًا به ، ويكون حريصًا على الحفاظ عليه، وقد جاءت آراء الشباب متوافقة مع هذا الأمر.
شريف همام (ضابط) وأحد الذين شاركوا في هذه المسابقة وفاز بحضور الحفل يقول: "إنها فكرة رائعة حقًا أن تقوم إحدى الشركات أو المؤسسات بعمل فرح جماعي لشباب مقبل على الزواج بغض النظر عن قدراتهم وإمكاناتهم المادية، فهناك فئات كثيرة مستواها المادي مرتفع وقادر على إقامة حفلة زواج كبيرة ولكن مع ذلك حضروا الحفل ضمن عدد كبير من الأهل والأصدقاء.
علماء الاجتماع: أي عمل جماعي لابد أن يكون ذو فائدة
يرى علماء الاجتماع أبعادًا أخرى للأعراس الجماعية بخلاف المساهمة في حل أزمة العنوسة ، وهي زرع قيم التضامن وعدم الإسراف في نفوس الشباب والفتيات المشاركين في الزواج الجماعي بعد سنوات طويلة من اتجاه المجتمع إلى وضع شروط تعجيزية لإتمام الزواج بفرض مهور لا قِبَـل للشباب بها إضافة إلى تجهيز بيت وأثاث وفق شروط قاسية .
يؤكد د. عبد الغني عبّود ـ الأستاذ بكلية أصول التربية- ، جامعة عين شمس: "إن أي عمل جماعي أيًا كان لونه شيء مفيد ومجزٍ، وإذا كان العمل لمشروع زواج جماعي فأجل فائدة أساسية له هي تقليل التكلفة لمتطلبات الزواج من شقة وشبكة ومصاريف وغيرها .. والأهم هنا أن نرى أبناءنا وبناتنا على الرضا وتقبل الحياة البسيطة والتي لا تستحق كل هذا التعقيد ...فليس بالضرورة أن تنتظر الفتاة الشاب الثري الذي لديه شقة فاخرة وسيارة فارهة وراتب مرتفع، ولكن عليها أن تحسن اختيار من ستتزوجه بأن يكون صاحب دين وخلق فهذا هو الأمان الحقيقي لها ، ومشروع حفلات الزواج الجماعي يعد أحد الحلول العملية لمشكلة تأخر الزواج ، فجزى الله كل من يساهم أويشارك فيه خيرا ..
وتؤيد د. إجلال حلمي أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب (جامعة عين شمس) فكرة حفلات الزواج الجماعي ، وتنادي كذلك بإنشاء صندوق للزواج تتبناه الجمعيات الأهلية ويتوجه له جزء من أموال الزكاة ، ويساهم فيه رجال الأعمال والشركات .
فليس هناك مانع من إنشاء جمعية خيرية في كل حي من الأحياء تقوم بدراسة حالة الشباب المقبل على الزواج ، ومعرفة متطلباته ، ومحاولة الإسهام في حل مشاكله حتى يبدأ الشاب حياته الزوجية بلا ديون تنغص عليه حياته، وتقلل من فرحته بالزواج كي يعيش مستقرًا نفسيًا واجتماعيًا .