تشهد الكثير من الدول وفي ظل العولمة (تغيرات كبيرة) تنعكس ليس فقط على القطاعين الحكومي والخاص وإنما أصبحت واقعاً ملموساً للقطاعين المكملين للمجتمع وهما القطاع الأسري والقطاع غير الربحي. والسؤال الذي يطرح نفسه أمام المؤسسات الخيرية العربية هو موقعنا اليوم؟ وإلى أين نتجه؟ وكيف نصل إلى أهدافنا في ظل ظروف متغيرة كثيرة؟ الدكتور فريد ياسين القرشي الأستاذ المساعد للتسويق والمنظمات غير الربحية كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية قدم بحثاً مستفيضاً في هذا المجال تحت عنوان "الإدارة والتخطيط الاستراتيجي وأساليب تنمية الموارد في المؤسسات الخيرية" لمؤتمر الخير العربي الذي عقد مؤخراً في بيروت حيث استهدفت الورقة عدداً من المحاور:

أولها_ إبراز أهمية تقييم المنظمات الأهلية غير الربحية لذاتها.
وتمثل هذه النقطة أهمية التأمل والتوقف بعد مرور سنتين على المنظمة لتقييم الذات في ظل المتغيرات المتواصلة على الساحة العربية والعالمية.
ثانيها_ إبراز أهمية الإدارة والتخطيط الاستراتيجي للمنظمات غير الربحية العربية.
وتمثل هذه النقطة (البنية التحتية) لتطوير أساليب تنمية الموارد والتي بدونها قد تفقد المؤسسة فرصاً كثيرة في تحقيق رسالتها وربما تجد نفسها خارج الساحة.
ثالثها_ تطوير أساليب تنمية الموارد للمنظمات غير الربحية.
وتبرز النقطة الثالثة هذه أهمية تطوير أساليب تنمية الموارد للمنظمات غير الربحية والتي يتوقف عليها تنفيد برامج ومشروعات المنظمة, واستعرض الباحث كل نقطة بالتفصيل:

أولاً_ تقييم المنظمة أساليب من أساليب تنمية الموارد.

إن رأس مال المنظمة غير الربحية هو ثقة المجتمع بكافة فئاته في مجلسها ولجانها, وتعتبر من أبرز مسؤوليات مجلس الإدارة دعم الجهاز الإداري الذي يتولى تنفيذ مشاريع وبرامج المنظمة. وتوجيه دفة المنظمة إلى الطريق الذي ينبغي أن تسير عليه وإليه, وهنا نذكر بالوظائف الإدارية التالية: التخطيط التنظيم والتوجيه والتنسيق والرقابة ونضيف إليها وظيفة التقييم لأهميتها.

التوجيـه

لعل أهم وظيفة من وظائف الإدارة في المؤسسة الخيرية هي التوجه (القيادة) وكما يقول د.مدني علاقي في كتابه الإدارة "دراسة تحليلية للوظائف والقرارات الإدارية ص 243" إن مضمون التوجيه يتلخص في الكيفية أو الأسلوب الإداري الذي يستطيع من خلاله الرئيس تحفيز مرؤوسيه للعمل بأقصى طاقاتهم وفق الخطط المحددة وذلك في إطار مناخ يحقق من خلاله إشباع احتياجاتهم.

إن رئيس مجلس الإدارة ينبغي أن يشجع أعضاء المجلس, ورئيس اللجنة مسؤول عن تحفيز المدير التنفيذي, والمدير التنفيذي مسؤول عن تحفيز مدراء الإدارات التابعة له وهكذا تستمر عمليه التحفيز لتشمل كل العاملين (موظفين ومتعاونين ومتطوعين), لكن التحفيز يتوقف على ممارسة الرئيس دور القائد وليس الموظف الإداري ... والقائد بطبعه قدوة في التضحية والتفاني والعطاء وما لم يكن كذلك انعكس ذلك على من دونه ... وكل مسؤول في المؤسسة الخيرية قائد على مجموعته وخير أنماط الإدارة في المنظمات غير الربحية الإدارة بروح الفريق.

ويعتبر مجلس الإدارة المسؤول الأول عن رفع الروح المعنوية وتوجيه دفة المؤسسة الخيرية. هذا المجلس أشبه بالقاطرة الرئيسية التي تسحب ورائها العربات الأخرى وفي اللحظة التي يتخلى المجلس عن دوره التوجيهي يخرج القطار عن الخط. ولكم أن تتصوروا لو أن قائد القاطرة الرئيسية لا يعرف إلى أين تتجه الرحلة؟ ولكم أن تتصوروا ماذا يحدث لو أن العربة التي بعدها والتي يقودها المدير التنفيذي أصبحت هي التي توجه القاطرة؟ إنها حتماً ستدفع أمامها العربة الرئيسية حتى تجهد نفسها وتسحب ورائها العربات الأخرى حتى تتوقف.

التنظيـم

تهدر الكثير من المنظمات غير الربحية جهداً كبيراً في تحديدها هيكلها التنظيمي وفي وضع اللوائح الداخلية وقد لا تهتم كثيرا بالعديد من المشاكل التي تنشأ في المؤسسة الخيرية في ظل غياب تنظيم فعّال يوازن بين التنظيم الرسمي بضوابطه والتنظيم غير الرسمي بمرونته, ومن أبرزها على سبيل المثال:
 عدم تحديد صلاحيات مجلس الإدارة ولجانها بوضوح.
 عدم تحديد صلاحيات الجهاز التنفيذي بوضوح.
 عدم تحقيق التوازن بين المسؤوليات والصلاحيات.
 عدم الاهتمام في اللوائح بنظام للحوافز للمتطوعين (أدبية - مادية).
 الصراع المحتمل بين مجلس الإدارة ولجانه.
 الصراع المحتمل في الجهاز التنفيذي بين العاملين (المتفرغين والعاملين المتعاونين والمتطوعين).

التنسيـق

تستهدف وظيفة التنسيق توحيد جهود الإدارات واللجان داخل الجمعية والتنسيق مع المنظمات التي تشترك في الأنشطة. ونشير هنا إلى أن هناك مجالات كثيرة يمكن من خلالها أن تتعاون المنظمات غير الربحية لتوفير نفقاتها ولتنمية مواردها نذكر منها على سبيل المثال:
 تعاون المؤسسات الخيرية ذات النشاط (المشترك) والإقليم الجغرافي (المشترك) في التوصل إلى لوائح موحدة تسترشد باللوائح الاسترشادية التي تقترحها الجهة الرسمية المرتبطة بها الجمعية في بلادها. وهنا قد تتفق المنظمات إلى إسناد هذه المهمة إلى خبراء ويتم اقتسام التكاليف بين المؤسسات وفق ما يتفق عليه.
 إعداد ورش عمل (مشتركة) لهذه المؤسسات لمناقشة مشاكلهم والتعرف على الفرص المتاحة أمامهم وتبادل الخبرات فيما بينهم.
 المشاركة في تنظيم حملات تسويقية وتروجية شاملة تبرز أنشطة هذه المؤسسات أو تلفت النظر لقضية أو قضايا محل اهتمامها.

وهنا أيضاً يتم المشاركة في تكاليف هذه الحملات مع التوصل لصيغة تخدم أهداف المؤسسة وتساعد في تنمية مواردها.

إن كل هذه الأسئلة سالفة الذكر من شأنها هدر جهود العاملين في المنظمة وانشغالهم بمشاكل المؤسسة بدلاً عن التصدي للقضايا التي أنشئت من أجلها المنظمة, وهذه تؤدي إلى إضاعة الفرص أمام المؤسسة لتنمية مواردها البشرية والمالية ولحسن أداء تنفيذ مشاريعها.

الرقابـة

وتبرز أهمية الرقابة على الأداء الإداري والمالي بعد سنوات من إنشاء المؤسسة الخيرية, وهذه وظيفة قد ينظر إليها على المدى القصير أنها قيد على المنظمة غير الربحية وتؤثر على مرونتها, ولكن من ناحية أخرى وعلى المدى الطويل يمكن اعتبارها وسيلة لتنمية الموارد, إذ أن ما يبدل من جهود لتنمية الموارد قد يتأثر سلباً في حالة الأداء السلبي للإدارة كالفشل في تنفيذ مشروع التزمت به المؤسسة ربما لعدم قدرتها على التنفيذ أو لأخطاء إدارية أو تتأثر سلباً لممارسات خاطئة مالية.

وهنا يصبح لزاماً على مجلس الإدارة أن لا يكتفي بالمراجع الخارجي والمراجع الداخلي اللذان يرتبطان بالمجلس, وإنما ينبغي تشجيع المدير التنفيذي, ولا سيما في المؤسسات الخيرية الكبرى, على أن يرتبط به مراجع داخلي خاص به, وفي كل الأحوال ينبغي على أجهزة الرقابة أن تعمل من أجل تصحيح الانحرافات وتجنب حدوثها مستقبلاً وليس على تصيد الأخطاء.
ونؤكد أنه في الوقت الذي يمكن أن نجد في المؤسسة الحكومية أو في شركات القطاع الخاص في العالم العربي بعض الممارسات المالية الخاطئة, إلا أن هذه الممارسات تصبح أكثر تأثيراً في حالة حدوثها في المنظمات غير الربحية (الخيرية).

التقييـم

 بعد مرور عشر سنوات على مشروع خيري لتنمية الموارد لاحظت المنظمة انخفاض التبرعات لصالح المشروع, لماذا ؟ هل نحن في حاجة لتقييم المشروع؟.
 بعد مرور أربعين سنة لاحظت منظمة خيرية شعبية أنها بدأت تفقد مكانتها ودورها في مناطق عملها, لماذا؟ هل نحن في حاجة لتقييم المنظمة؟.
 بعد مرور ثلاثين عاماً لوحظ أن بعض المنظمات التي كانت من أنشط المؤسسات في المجتمع قد أصبحت ضعيفة, وأن بعض المنظمات الناشئة آنذاك كبرت وازدهرت وأن مؤسسات قديمة قد اختفت من المجتمع في حين بدأت تظهر مؤسسات جديدة على الساحة.
 هل المؤسسات تمر بدورة حياة كدورة حياة الإنسان؟
إن العالم يتغير والياباني قبل أكثر من أربعين سنة كان عاجزاً أن ينافس الشركات الغربية, واليوم رأينا كيف احتلت السيارة اليابانية نصيباً كبيراً من سوق السيارات العالمي بعد أن استجاب لحاجة السوق وطورت منتجاتها لتوائم احتياجات العميل وليس رغبات المنتج.

وكذلك الحال للمنظمات غير الربحية, ففي ظل العولمة هناك تحديات كثيرة ولكن هناك فرص كثيرة أيضاً ولا سيما أمام كل منظمة تدرك أهمية التقييم وخاصة تلك التي جعلت من التقييم وظيفة استراتيجية فهي تقيم أدائها سنوياً, ولكن الأهم من ذلك أنها في كل خمس سنوات على الأكثر تسخر كل إمكانياتها لتقييم ذاتها سواء بالاستعانة بشخصيات من داخل المنظمة أو بمزيج من الاثنين.

الآن ... هل تقوم مؤسستك بتقييم ذاتها؟
ولعل أهم الأسئلة التي يجب أن تسألها أي منظمة غير ربحية لتقييم أدائها هي الخمسة أسئلة التي اقترحها بيتر دركر لتساعد المنظمات غير الربحية على تقييم الذات.
ما هي رسالة منظمتنا؟ مادا نرغب أن نحقق (أهدافنا) وما هي نقاط ضعفنا وقوتنا؟ هل نحتاج أن نعيد النظر في رسالتنا, وهل تغير عملائنا؟ هل يجب أن نتخلى عن أو نضيف بعض العملاء؟ من هم عملائنا؟ من هم عملائنا الأساسين ومن هم العملاء المساندين وهل تغير عملائنا؟ وما هي الأشياء التي يعتبرها العميل قيمة؟ ماذا يريد العميل وليس ماذا نريد (نحن)؟ كذلك يحب معرفة إلى أي مدى نستجيب (لها) وإلى أي مدى يمكن أن نستخدم ما يعتبره العملاء (قيمة) لنكون أكثر فعالية؟ وهل هناك معلومات أكثر نحتاجها لتحقيق هذا الهدف؟ ما هي النتائج التي حققتها منظمتنا؟ وكيف نعرف النتائج؟ وإلى أي مدى حققناها وإلى أي مدى نحن نحسن استخدام مصادرنا؟ ما هي خطتنا؟

كما أن تقييمنا لمؤسستنا بطريقة موضوعية وعلمية يتطلب منا الإجابة على الأسئلة التالية: ماذا تعلمنا؟ وما هي توصياتنا؟ وإلى أين ينبغي أن نركز جهودنا؟ ما هي الخطة (الفرعية) لكل إدارة أو فرع أو قطاع من أجل تحقيق النتائج على مستواه الإداري؟ وما هي خطتنا (الشاملة) لمنظمتنا؟

ثانياً_ التخطيط الاستراتيجي

وأشار د.القرشي إلى أن أكثر المؤسسات غير الربحية تنظر إلى لحظة الحدث وتتفاعل معه, وتعتبر بعض المؤسسات أنها حققت وظيفة التخطيط عن طريق الميزانية التقديرية للعام القادم على خطط قصيرة الأجل تقتضيها ظروف وحاجة المنظمة الملحة ونؤكد هنا على الارتباط الوثيق بين التخطيط الإستراتيجي وتنمية الموارد لأنه من أهم الأسباب التي تساعد على تنمية الموارد وليس العكس حيث يجنب المنظمة الانحراف عن رسالتها وبالتالي عن أهدافها.

ثالثا_ أساليب تنمية الموارد في المؤسسات الخيرية.

يجب على المؤسسة الخيرية دراسة مفهوم تدبير التمويل وجمع التبرعات من خلال الإجابة على ثلاث تساؤلات.
لماذا نجمع المال؟ ولمن؟ وكيف؟
تبرز الإجابة على هذه الأسئلة مفهوم تدبير التمويل, وجمع التبرعات.

لماذا نجمع المال؟
يفتح لنا هذا السؤال آفاقاً كبيرة لتنمية الموارد, وأي مؤسسة تقوم عادة بجمع المال لإنفاقه على أربع فئات: العاملين والمتبرعين والموردين والمستفيدين (المستخدمين) ولصالح أربع وجوه تعكسها حسابات المؤسسة أو الجمعية الخيرية التقديرية والختامية.
الأساليب العملية التي يمكن من خلالها توفير التمويل لمشروعات المنظمات الأهلية.
تشكل قطاعات المجتمع الأربعة (القطاع الأسري والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي والقطاع الحكومي) مصادر خصبة لتنمية الموارد المالية للجمعيات والمؤسسات الأهلية, وفيما يلي استعراض لهذه المصادر الأربعة والأساليب التي يمكن اتباعها للحصول على تمويل منها والذي من خلاله يمكن أن نحاول الإجابة على السؤال الهام (كيف نجمع المال؟).

القطاع الأسري والأفراد

يعتبر هذا القطاع المصدر الرئيسي لأغلبية التبرعات في العالم العربي والإسلامي حيث يميل الأفراد إلى التبرع غالباً بصفتهم كأعضاء (أسرة) وليس من خلال انتماءاتهم الوظيفية أياً كان القطاع الذي يعملون به

من هم الأفراد؟
يمثل الأفراد المصدر الرئيسي لجمع التبرعات في العالم فعلى سبيل المثال تبرع الأفراد في عام 1992 نسبة 82% تقريباً من إجمالي 42.3 مليار دولار كما بلغت وصايا الإرث 6.6% أي أن مساهمات الأفراد زادت عن 88.6% لصالح أنشطة الجمعيات الخيرية.

وللحصول على تبرعات الأفراد لابد لأي جمعية خيرية غير ربحية من النظر في مفهوم تسويقي لعملائها لتكون Marketing Oriented فالتسويق وظيفة هامة ليس فقط للمنظمة الربحية وإنما أيضاً للمنظمة غير الربحية.

ومن المنطلق التسويقي لا بد من التعرف بدقة على ما هو (مستهلكنا) وما هو طبيعة (سوقنا) وما هو المزيج التسويقي الذي نتعامل معه (السلعة والسعر والترويج والتوزيع).

إن المستهلك الذي يشتري القلم أو الفاكهة يلمس مادياً السلع التي يشتريها ويشعر بها, كما أن السائح الذي يشتري خدمة الطيران أو يسكن فندق فهو إذن يستطيع أن يحكم بنفسه على السلعة أو الخدمة التي يدفع ثمنها كما أنها تعود عليه بالمنفعة بشكل مباشر وملموس.

وأما المستهلك في الجمعية الخير فهو يختلف على سبيل المثال من حيث:
- أن من يدفع قيمة الخدمة هو المتبرع وأن من يستفيد من هذه الخدمة غالباً هو غير المتبرع (يتيم أو معاق أو مطالب).

رابعا_ أدوار تنموية جديدة مرتقبة للجمعيات الخيرية في العالم العربي.

في ظل العولمة التي يشهدها العالم والاتجاه الإيجابي لمزيد من مشاركة المنظمات غير الربحية مع قطاعات المجتمع الأخرى ولا سيما القطاعين الحكومي والخاص فإن أمام المؤسسات الخيرية في العالم العربي فرصاً عديدة ولكن يسبق الوصول إليها نجاحها في البناء المؤسساتي وفي قدرتها على تبني استراتيجيات جديدة للتعامل مع هذا العالم المتغير تقوم على أساس التوجه لمساعدة التنمية.

المصدر: نشرة بيت الخير, تصدر عن جمعية بيت الخير – دبي – الإمارات العربية المتحدة, العدد الثامن, السنة الرابعة, إبريل 2002.
  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 2956 مشاهدة
نشرت فى 20 يوليو 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,718,855

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters