لم تعد فكرة المساواة القانونية هي الهدف النهائي الذي يمثل العصا السحرية لحل مشاكل المرأة عامة والمصرية خاصة، فالقانون المتقدم الضامن لمباديء وتكافؤ الفرص والمساواه لا يكفي لتحويل هذا المبدأ إلي ممارسة يومية, خاصة في ظل هذه المتغيرات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع المصري، أول هذه المتغيرات أن الدولة التي أقرت هذه القوانين المتقدمة وصاغتها في أيام سابقة لم تعد هي الجهة الوحيدة التي تضعها في التطبيق والممارسة في يومنا الحاضر. تخرج الدولة الآن من مواقع القيادة الاقتصادية وبالتالي ينتقل التطبيق, في مجاله الاقتصادي المهم, منها إلي من يمسك بالقيادة الجديدة، في عامين متتاليين إرتفعت مساهمة القطاع الخاص في الناتج الاجمالي القومي المصري من%65 عام1999 إلي73% في عام2000. وهو متغير مهم و أساسي، حدث ذلك نتيجة لتراجع دور القطاع العام ونتيجة للتقدم أو للنمو البطيئين لدور القطاع الخاص، مما يشكل متغيرا هاما يحيط بالمرأة المصرية ويوجد لها ظروفا جديدة في سوق العمل المصرية. نعرف جميعا أن المساواة في القانون لا تقود تلقائيا إلي المساواة في التطبيق. يعطي القانون السند والمساندة للنضال والتحرك الثقافيين والسياسيين من أجل تحقيق الهدف أي تحويل القانون إلي ممارسة يومية دائمة، فوجود الأساس القانوني للمساواة يعد خطوة مهمة وأساسية وأولية للمساعدة علي ايجاد مناخ أكثر ديمقراطية ورحابة، ولكنه يستمر خطوة علي الطريق. يصبح التحرك في هذا المناخ سهلا إذا إستمرت الدولة في مواقعها القيادية في الإقتصاد, تحديدا, لأنها تكون مسئولة و ملتزمة بتنفيذ القوانين التي تضعها، أما إذا إنسلخت الدولة عن القيادة الاقتصادية ومنحتها لقطاع إجتماعي غيرها فإن تنفيذ القانون وتحويله إلي ممارسة, سواء كان خاصا بحقوق المرأة أو بحقوق العمال الأجراء, يحتاج إلي الجهد المتواصل والمضاعف الذي كانت الطبقات والشرائح والمجموعات ذات المصلحة فيه تحتاجه سابقا. لقد إنعكس هذا المتغير المهم الأساسي, أي نمو القطاع الخاص في وقت يتراجع فيه دور كل من القطاعين العام والحكومي, علي واقع وحال المرأة في سوق العمل المصرية. ونحن نهتم دائما بواقع وحال وظروف المرأة في سوق العمل لأن هذه العوامل مجتمعة تصبح مؤشرات حساسة وصادقة لمدي مشاركة المرأة في الإقتصاد وبالتالي لمدي ما إكتسبته من إمكانيات نمو وإستقلال إقتصادي وإجتماعي وثقافي، كما تشير هذه المؤشرات إلي مدي تفاعل المرأة مع ظروف مجتمعها سلبا أو إيجابا وأخذا وعطاء، وعندما نتحدث عن واقع المرأة المصرية في سوق العمل الحالية, فإننا نتحدث عن سوق عمل مصرية نامية تتجه إلي تسييد المشروع الخاص بكل ما له وبكل ما عليه، نحن نتحدث هنا عن سوق عمل تضم جميع القطاعات المتعارف عليها والتي تتحرك فيما بينها حسب ظروف الإزدهار أو الإنكماش أو التضخم وهكذا، في هذه الحالة فإن ما ينطبق علي الرجل ينطبق علي المرأة ولكننا هنا نركز أكثر علي النساء لأنهن يمثلن النسبة الأكبر من المتعطلات ولأنهن بتن معيلات لأسر كثيرة لم تعد تضم فقط الأبناء وإنما باتت تضم في أحيان كثيرة الإخوة والوالدين. كما نهتم بالنساء لأنهن حديثات العهد بالعمل المنظم ولأنهن لايملكن القدرات المهنية التي إكتسبها الرجل منذ القدم، ولأنهن أكثر أمية ولأنهن أكثر فقرا من الرجال إذا ما قارنا ظروف المجموعتين, مجموعة الإناث ومجموعة الذكور, ككتلتين وليس كأفراد، بالإضافة إلي أنهن لايملكن الصوت المرتفع الذي يمثلهن وبالتالي يدافع عنهن وعن مطالبهن في دوائر إتخاذ القرار، والقطاعات التي تضمها أي سوق عمل في أي مكان هي القطاع المنظم والقطاع غير المنظم، ثم بالنسبة للقطاع المنظم فإننا نتحدث عن القطاع الحكومي والقطاع العام ثم القطاع الخاص. وإذا جئنا إلي القطاع غير المنظم فإننا نجد أعدادا هائلة من العاملين فيه في الريف والحضر من النساء ومن الذكور, ثم نجد في هذه السوق شريحة واسعة من العاملين لصالحهم. وبالنسبة لسوق العمل المصرية فإننا قد نلاحظ غياب الحدود بين هذا القطاع وذاك، نلاحظ التداخل الشديد بين القطاعات وعدم إستقرار كل قطاع علي حاله لفترات كثيرة، بمعني وجود حركة دائمة وقد تكون حركة سريعة بين القطاعات، تحكم هذه الحركة عوامل التخلف العام التي لاتزال تعيش في مجتمعنا، وهو تداخل يؤثر بالفعل علي العاملين وعلي الناشيطين في هذه السوق، ويزداد تأثيره علي النساء الناشيطات فيها لأنهن أضعف حلقاته، وهذه سمة أساسية من سمات سوق العمل في البلدان النامية أو في بلدان العالم النامي. مشكلة المرأة المصرية أنها في إطار هذه السوق نجدها كأغلبية تنشط في القطاع الأقل إستقرارا من ناحية الدخل المنتظم أو الحقوق الاجتماعية المكفولة للآخرين وللآخريات العاملين في القطاع الرسمي الكبير سواء كان قطاعا حكوميا أو قطاعا خاصا أو قطاعا عاما في طريقه إلي الزوال، وهذه مشكلة في حد ذاتها. في دراسة قيمة للبنك الدولي حملت عنوان تقييم النوع الاجتماعي في مصر, أراد فريق العمل الذي رأسته الدكتورة هناء خير الدين إلقاء الضوء علي الفروق الفاصلة بين حال الرجل وحال المرأة في مصر في المجالات المختلفة, ظهر بوضوح هذا الميل العام لتكدس النساء في أقل القطاعات حظا ودخلا وحقوقا، فبالرغم من إرتفاع نسبة مشاركة المرأة المصرية في سوق العمل ووصول هذه النسبة في إحصاء عام1999 إلي21,4% من قوة العمل المصرية وتضاعفها عما كانت علية في منتصف العقد السبعيني, إلا أنها تستمر ضعيفة بالمقارنة بالعدد الكلي للإناث المصريات في الإحصاء العام، كما تستمر غير متوازنة في توزيعها بين الريف والحضر وكذلك بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، وبالتالي تستمر المرأة المصرية تحصل علي النصيب الأصغر من الأجور والدخول التي تسمح لها بمواجهة أعبائها الأسرية المتزايدة. ولا نتوقع أن تتلاشي حالة عدم التوازن هذه في التوزيع علي القطاعات, في الفترة القريبة القادمة, أو حتي في الفترة ما بعد القريبة، ذلك لأن سوق العمل المصرية في حالة عدم ثبات أو الأصح في حالة تغير وحركة بسبب التغيرات الهيكلية التي تجري الأن علي الإقتصاد المصري، فالقطاع العام, أحد القطاعات الاقتصادية الصديقة للمرأة, في حالة إنكماش فاسحا مكانه للقطاع الخاص الذي يتعامل مع المرأة بريبة وبحرص شديدين. يذكر التقرير المعد من البنك الدولي أن القوي العاملة المصرية من15 إلي64 سنة بلغت عام1999 عدد18,2 مليون عامل وعاملة، يشكل الذكور نسبة78,6% منها في حين تشكل الإناث نسبة21,4% فيها، وهي نسبة تسجل تقدما بالمقارنة بنسب العقدين السبعيني والثمانيني بالرغم من أنها لا تتوزع علي الأقاليم المختلفة بشكل عادل أو متساو، فالريفيون العاملون في محافظات مصر الزراعية والقائمون علي العمل الزراعي وملحقاته من أعمال, لا يزالوا يحتلون النسب الأعلي في هذا العدد، فنسبة الريفيين, نساء ورجالا, تصل إلي54% من هذا العدد الكلي البالغ, كما ذكرنا18,2 مليون مواطن. والفكرة الأساسية أن هذه النسبة من الريفيين الذين تسجلهم البيانات والتي تشير القرائن إلي إحتلال المرأة العاملة فيها كما كبيرا, لا تغطي بشكل كامل أو حتي جزئي واقع المرأة الريفية في مصر، فالإحصاء العام أو حتي المسوح العادية لسوق العمل المصرية تتبع المعايير التقليدية في التعامل مع المرأة الريفية، فهي لا تحتسب إلا العاملات مقابل الأجر الثابت في الزراعة أو في الخدمات أو في الصناعة، و لا تدخل في معاييرها الريفيات العاملات في الزراعة العائلية الصغيرة أو في الزراعات الأخري المسماة بالزراعة للإستهلاك أو تلك المنخرطات في القطاع غير الرسمي أو العاملات الريفيات بدون أجر، وعندما تسقط هذه المعايير العمالة النسائية المهمة هذه فإنها تسقط الإعتراف بدورها في الإقتصاد الزراعي وكذلك تسقط حقوقها علي المجتمع الذي تعيش فيه. وبالتالي لا تنصف المرأة إقتصاديا أو إجتماعيا بسبب عدم إحتساب قيمة جهدها ووقتها المبذولين بشكل يومي والمحققين لعائد مالي، وهو ما يشكل إنكار المجتمع لهذا الجهد وذلك الوقت.. يحدث هذا في الوقت الذي يشير فيه التقرير إلي تزايد معدلات الهجرة الداخلية من الريف إلي الحضر خلال العقد التسعيني عن تلك المعدلات التي رصدت في العقدين السابقين له, السبعيني والثمانيني، مما قد يعني أن الهجرة تحدث من الذكور الريفيين الذين يتركون أسرهم وربما البعض من أعمالهم الصغيرة, لتدار شئونها من النساء، وتتحمل النساء التبعتين معا, حتي لو تمت هجرة الذكور كمقدمة وقتية لحين لحاق الأسرة بهم في مهجرهم الداخلي الجديد. توضح المؤشرات أن المرحلة القادمة لا تمثل فترة وردية أو مزدهرة بالنسبة لنساء مصر الساعيات إلي العمل، وكما ذكرنا أن السبب الرئيسي لذلك هو تراجع النشاط الاستثماري للدولة والذي كان يتم في القطاع العام القديم. وهو القطاع الذي فتح قديما أبوابه واسعة للمرأة وجعلها تنخرط وتعمل في فروع وفنون الصناعة المختلفة, وهو القطاع الذي بات الأن في مراحل تصفيته النهائية حتي إنخفضت نسبة النساء المشتغلات فيه إلي2,8%. وإذا أضفنا إلي ذلك أن القطاع الحكومي يحد من تعييناته بحيث أصبح هو الآخر محدود الفاعلية أمام عمل المرأة، فيمكن القول أن المرأة المصرية تفقد مجالين مهمين من مجالات التوظف والعمل. والمعروف أن كلا من القطاع الحكومي والقطاع العام هما أكثر القطاعات دنوا من طبيعة وواقع النساء لأنهما عادة ما يكونان أكثر قبولا إجتماعيا لما يوفرانه من حماية ورعاية وحقوق للمرأة العاملة, خاصة في البلدان النامية وكذلك في المناطق غير الحضرية تفضل أسر الطبقة الوسطي الصغيرة أن تعمل بناتها لدي رب عمل عام بدلا من رب عمل خاص غير مضمون، بالإضافة إلي أن القطاعين معا, الحكومي والعام, هما أكثر القطاعات الاقتصادية التي تسمح بالنمو وبالترقي المهني والأدبي للنساء العاملات, كجموع عاملة, وبالتالي فهي أنشط القطاعات في إتاحة فرص بناء الكوادر والقيادات النسائية في المجتمع، كما أنهما أنشط القطاعات في تحقيق الإستمرارية في هذا البناء بحيث تتواصل أجيال العاملين فيهما بإنتقال الخبرات من جيل سابق إلي آخر لاحق له، وقد إتضح ذلك بشكل واضح في الإنتخابات النقابية العمالية الأخيرة عندما تراجع عدد العاملات المنتخبات في مجالس النقابات العمالية وخاصة في وحدات القطاع الخاص. وعندما نشير إلي الصعوبات التي تواجه عمل المرأة الأن والتي سوف تواجهها في المستقبل القريب فإننا نسجل ما ورد في التقرير حول علاقة القطاع الخاص بعمل المرأة، يشير التقرير إلي أن القطاع الخاص كقطاع واسع التركيب, يضم نسبة56,5% من مجمل عدد العاملات في مصر، ولكن الخطورة أن%62 من هذه النسبة تعمل في القطاع الخاص غير الرسمي أي القطاع الخاص العامل خارج الإطار القانوني أو المؤسسي، أي القطاع الذي لا يقدم للمرأة الحقوق المكفولة لها في قوانين العمل المختلفة بدءا من الأجر والأجازات وساعات العمل إلي عضوية النقابات إلي الحقوق التأمينية المتعارف عليها، والأكثر خطورة أن التوزيع الجغرافي للنساء العاملات في القطاع غير الرسمي يميل بكل الثقل نحو الريف والمناطق الزراعية، فإذا كان المعدل القومي لنسبة النساء المصريات العاملات في القطاع غير الرسمي يصل كما ذكرنا إلي56,5% من مجمل عددهن العامل فإن74,8% من هذه النسبة القومية تعمل في المناطق الريفية حيث تتعاظم الأمية وتتجسد المشاكل الاجتماعية الأخري. ويقول التقرير بكل صراحة أن القطاع الخاص الرسمي والذي هو في حالة نمو ونشاط في البلاد يقف من عمل المرأة موقفا سلبيا حيث أن نسبتها فيه لا تزيد سنويا إلا بمعدل%1,6. بالإضافة إلي أنها تتراجع فيه عن مواقعها الصناعية والفنية القديمة التي كانت تحتلها في القديم, لتتمركز مرة أخري في الخدمات والتجارة. ومن هنا جاء الإستنتاج العام الذي أشرنا إليه سابقا والذي يؤكد أن المرأة العاملة المصرية تدفع دفعا إلي الإلتحاق بأقل قطاعات العمل دخلا وحقوقا وإستقرارا. كما أن نساء مصر مقدمات علي مرحلة إقتصادية وإجتماعية لا تحمل المناخ العام الذي يساعد علي فرز الكوادر المهنية والفنية النسائية التي تحتاجها البلاد في الحياة السياسية والاجتماعية والتي نسعي جميعا إلي زيادة عددها وفاعليتها في هذه الحياة، ولذا ذكرنا أنها مرحلة غير وردية
|