يبدو أن المدراء يطالبون مرؤوسيهم بتأدية حجم أكبر من الأعمال دون الالتفات إلى أهمية تدريبهم وتعزيز مهاراتهم وخبراتهم. هذا ما أظهره مؤخرا استطلاع أجريناه عبر موقعنا الإلكتروني itp.net والذي أشارت نتائجه إلى أن النسبة العظمى من موظفي الشركات يعملون هذا العام لساعات أكثر من العام الماضي ولا يحصلون على التدريب الكافي، كما أن مسألة التدريب لا تزال أسفل القائمة في أولويات الشركات المحلية. ولذا فـأنه من المحتمل، على ضوء تلك النتائج، أن يحزم أولئك الموظفين حقائبهم ويغادروا إلى بلدان أخرى بعيدا عن المنطقة في حال عادت الأسواق العالمية للانتعاش كسابق عهدها.
أشار ما نسبته 51% من المشاركين بالاستطلاع إلى أنهم يعملون لساعات اكثر هذا العام مقارنة مع العام الفائت. وتعلق على ذلك ماريا شافر، مديرة برنامج قسم الموارد البشرية في ميتا غروب Meta Group، بالقول: ''تنطبق هذه المسألة على معظم الشركات حول العالم، فمدراء الشركات يجدون أنفسهم مجبرين على إنجاز حجم العمل نفسه هذا العام مع عدد أقل من الموظفين من العام الذي مضى، هذا بدوره يولد مشاكل كثيرة''.
عندما يتم إثقال كاهل الموظف بقدر كبير من الأعمال فوق طاقته، لا بد من أن يؤثر ذلك على إنتاجيته، هذا ما يشير إليه محمد حسون، المدير الإقليمي لهيومن سوفت HumanSoft الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي قال: ''إذا قمنا بتكليف الموظفين بإنجاز أعمال كثيرة تفوق قدراتهم، لن يتمكنوا من إنجازها على النحو المطلوب لأنهم لن يجدوا الوقت اللازم لإتمام تلك الأعمال. وعلى الرغم من ذلك يحاول هؤلاء الضغط على أنفسهم والقيام بتلك الأعمال خوفا من أن يتم فصلهم من عملهم''.
على الصعيد العالمي، يكمن السبب الرئيسي وراء إجبار العاملين في ميدان تقنية المعلومات على العمل بجهد أكبر هو الخمول الاقتصادي الذي تعانيه معظم الدول الغربية، والتي باتت فيها الشركات مجبرة على تسريح أعداد كبيرة من العاملين وتجميد عمليات التوظيف. أما منطقة الشرق الأوسط فلا تعاني كثيرا من هذه المشكلة بدليل استمرار عمليات التوظيف وتزايد الحاجة لخبراء التقنية في كافة المجالات، وقد أشار الاستطلاع إلى أن 25% من المشاركين يتوقعون ترك وظيفتهم الحالية خلال فترة لا تتجاوز العامين، ما يشير إلى أنهم ليسوا متعلقين كثيرا بوظيفتهم الحالية وليس لديهم أدنى خوف من أن يتم تسريحهم.
وتشير تقارير المؤسسات التي تعنى بالتدريب إلى أن الغالبية العظمة من الطلاب الذين يخضعون للقليل من التدريب يحصلون على وظائف في السوق المحلية، على الرغم من أن خبراتهم لا يمكن أن توصف إلا بأنها ''ضئيلة''. ''هناك نقص كبير في الكفاءات، والكثير من الناس لا يأبهون إلى أن الطلب يتزايد بتزايد العرض''، وفقا لنديم يونس، مدير نيو هورايزونز New Horizons الإمارات.
على الرغم من أن المتدربين ذوي الخبرات الضئيلة يحصلون بسهولة على عمل، إلا أن الطلب يتزايد على أصحاب الشهادات العليا مثل Cisco Certified Network Professional (CCNP)، أو Microsoft Certified Professional (MCP). هذا مرتبط بالعرض والطلب في المنطقة، إلا أن الشركات المحلية أيضا تسعى كما الشركات العالمية إلى التركيز على أصحاب الكفاءات والشهادات العليا عندما تفتح باب التوظيف. هذا ما أكده راجندر بالي، مدير قسم العمليات في إكزكيو ترين ExecuTrain الشرق الأوسط بالقول: ''ربما يكون هناك نمو كبير في عدد الفرص لجميع الكفاءات، إنما في الوقت نفسه هناك توجه إلى الانتقائية من قبل الشركات التي باتت تبحث عن الأشخاص ذوي الكفاءة الأعلى لتوظيفهم لديها، فهم يفضلون من لديه خبرة أكبر في مجال العمل ولديه الاطلاع الكافي على سير الأعمال في المنطقة''. ويتفق مع ذلك ميلاد غابرييل، رئيس مجلس إدارة شركة سينرجي Synergy Professional Services الذي قال: ''تعاني المنطقة على الدوام من مشكلة نقص الخبرات والكفاءات، إلا أن المشكلة تزداد تفاقما على صعيد أصحاب الشهادات والخبرات العليا''
على الرغم من حاجة الشركات إلى أشخاص ذوي كفاءة أعلى، إلا أنهم أيضا يغفلون مصدرا جيدا لتلك الكفاءات، ألا وهو الكادر الحالي من العاملين في الشركة. وبينما تنفق الشركات العالمية الغربية الكثير من الأموال على تدريب موظفيها، لا زالت الشركات المحلية تغفل أهمية تدريب كوادرها الحالية وتطوير مهاراتهم، وتتردد في صرف الأموال على الدورات التدريبية. هذه المشكلة أشار إليها حسون بالقول: ''الكثير من الشركات في المنطقة لا تأبه لأهمية التدريب لنمو الشركة، حتى أنهم عندما يقومون بوضع خطة للعمل لا تكون مسألة التدريب حاضرة على جدول أعمالهم، وإن حضرت فلا تحتل إلا أسفل القائمة، وهذا يعد خطأ كبيرا''.
تنصح معظم شركات التدريب الشركات الأخرى بأن تتيح للعاملين في تقنية المعلومات لديها الحصول على أربعة أسابيع من التدريب كل عام، وبذلك تضمن هذه الشركات تطوير خبرات عامليها وصقلها على نحو دوري. إلا أن استجابة الشركات لتلك النصيحة ضعيفة ولا يزال هناك تقصير كبير في مجال التدريب في المنطقة. ما يؤكد ذلك هو ما أشار إليه الاستطلاع من نتائج، حيث أشار 46% من المشاركين إلى أنهم لم يتلقوا أي تدريب في العام الفائت. حتى الشركات التي وعت أهمية هذه المسألة تجد في إرسال موظفيها لإجراء دورات مضيعة كبيرة لوقتهم وربما تؤدي إلى كثير من المشاكل.
تحظى مسألة التدريب الدوري لموظفي تقنية المعلومات في الشركات بأهمية كبيرة نتيجة للتغير الدائم الذي يشهده هذا القطاع يوما بعد يوم. وفي المقابل غالبا ما تتسبب الحاجة إلى ترك الموظفين لعملهم مدة شهر واحد في العام من أجل التدريب بمشاكل كثيرة في مواعيد وأعمال الشركات، لا يستثنى من ذلك الشركات التي تركز على مسألة تدريب موظفها وتحرص عليها. وفي هذا الإطار يقول حسون: ''تبدأ المشكلة عندما تنوي الشركة تدريب موظفيها، فمعظم المدراء لا يجدون وقتا كافيا متاحا يحصل خلاله الموظفون على التدريب المطلوب، ما يدفعهم إلى إلغاء هذه العملية من الأساس''. وتتفاقم هذه المشكلة طبعا في حالة الشركات التي تمتلك فريقا صغيرا في قسم تقنية المعلومات لديها، والتي ربما لا يكون فيها إلا خبير واحد في مجال الشبكات مثلا. إلا أن هناك حلولا لهذه المشكلة، وذلك عبر اعتماد طرق خاصة في التدريب، كاعتماد طريقة مزدوجة من خلال الدروس التقليدية مع المدرس والتعليم الإلكتروني عبر الإنترنت والوسائط المتعددة، بحيث يتم خفض عدد الساعات التي يغيب فيها الموظف عن عمله. ووفقا لغابرييل: ''يمكن لهذه الطريقة أن تكون الحل الناجع لمثل تلك الشركات الصغيرة، بحيث يتم تدريب العاملين في مجال التقنية دون الابتعاد عن مكاتبهم ما يجعلهم قريبين عند الحاجة''.
لا بد أن الموظفين سيسعدون، إذا أتيحت لهم الفرصة، للخضوع لدورات تدريبية من شأنها أن تزيد من خبراتهم وربما تفيدهم في المستقبل أيضا عند الانتقال من شركة إلى أخرى. ما يؤيد ذلك هو ما أشار إليه ما نسبته 38% من المشاركين في الاستطلاع إلى أنهم ربما يتركون عملهم الحالي وينتقلون إلى عمل آخر أكثر تحديا. هذا يعكس أهمية التدريب الذاتي لأولئك واهتمامهم الكبير بتطوير مهاراتهم وخبراتهم. هذا ما أشارت إليه شافر بالقول: ''عندما لا تتوفر البيئة الملائمة للتطور في الشركات التي يعمل فيها الموظف، لا بد أنه سيسعى إلى عمل آخر. فالحصول على مقدار أكبر من المال ليس الدافع الأوحد وراء الانتقال إلى شركة أخرى، إذ أن الأهم من ذلك هو الانضمام إلى شركة يجدون فيها الجو الملائم لتطوير خبراتهم ومهاراتهم''.
هذا وتتطلع الغالبية العظمى من العاملين في قطاع التقنية في المنطقة إلى التدريب، سيما أنهم يؤمنون بأهميته لمستقبلهم وعملهم الحالي. ولما كانت الشركات لا تزال غير آبهة بالاستثمار في هذه المسألة، فيبدو أن هؤلاء العاملين لن يحصلوا على ما يريدون مما سيؤدي إلى تركهم لعملهم. تدلل شافر على مدى خطورة تلك المسألة قائلة: ''لا بد أن تفقد الشركات الكثير من كوادرها إذا بقيت على تلك الحال من إنكار أهمية التدريب وعدم صرف الأموال عليه، ذلك أن هؤلاء العاملين سيسعون إلى الانتقال إلى أماكن أخرى تؤمن لهم تطوير خبراتهم ومهاراتهم على النحو المطلوب''.