تعد ماليزيا واحدة من أهم الدول الإسلامية في الشرق الآسيوي، وهذه الدولة ومنذ عام 1970م وهي تعمل بخطى متقدمة لتحسين الوضع العام في البلاد خصوصا الاقتصادي، فقد عملت من خلال خطط خمسية متعاقبة لترتقي بمستوى المعيشة لدى المجتمع، حيث كان تقريبا أكثر من 70 في المائة من الشعب حينها دون مستوى الفقر، خصوصا الملايويين الذين يمثلون الأغلبية لسكان ماليزيا، ومع العمل المتواصل استطاعت ماليزيا أن تصل إلى الحلم الذي أسهم في علاج المشكلة الاقتصادية التي يعانيها المجتمع, بالتوسع في قطاع الصناعة وفتح مجالات واسعة للاستثمار الأجنبي وإيجاد فرص كبيرة لتحسين مستوى الدخل للأفراد، وإيجاد فرص أكبر للعمل وتحقيق مستوى جيد للدخل.

إن التجربة الماليزية أصبحت اليوم تصدر إلى العالم، وأصبحت تستقطب المتميزين من العلماء والباحثين في مجال المصرفية في العالم من خلال العمل في ماليزيا أو من خلال تقديم تجاربهم من خلال المؤتمرات وورش العمل والمحاضرات أو الاستشارات، للإسهام في نهضة هذا القطاع.

ومن اللافت للانتباه الاهتمام الكبير على المستوى الحكومي بقطاع المصرفية الإسلامية، حيث دعمت الحكومة على مستوى الأنظمة والتشريعات البنك المركزي لإيجاد نظام يتناسب مع وضع المصرفية، إضافة إلى النظام الأساس الذي وضع للبنوك التقليدية، كما أن البنك المركزي دعم إنشاء مركز للتدريب والتعليم والبحث وهو الإنسيف INCEIF، وذلك باستقطاب عديد من العلماء والخبراء في مجال المصرفية، حيث إن هذا المركز يعمل فيه عديد من أبرز الباحثين في هذا القطاع، وهذا المركز يقدم الآن عديدا من المنح للطلاب من الماليزيين أو من خارج ماليزيا سواء كان بغرض الدراسة أو البحث، وذلك من خلال التعاون مع عدد من المؤسسات التعليمية والبنوك لتقديم البرامج التعليمية سواء للجامعات أو المعاهد وغيرها.

كما أن ماليزيا فتحت أبوابها للمصارف الإسلامية في العالم لتقديم خدماتها المصرفية داخل ماليزيا، فلديها اليوم خمسة بنوك إسلامية لا تقدم إلا المنتجات المتوافقة مع الشريعة، ثلاثة منها من خارج ماليزيا مثل بيت التمويل الكويتي وبنك الراجحي وبنك قطر الإسلامي، كما أن لديها بنكين محليين هما بنك معاملات وبنك إسلام، إضافة إلى عديد من البنوك التقليدية التي تقدم منتجات متوافقة مع الشريعة، وهذه البنوك ملزمة بتعيين هيئات شرعية تشرف على عملها، كما أن لدى البنك المركزي هيئة شرعية مستقلة تابعة له للإشراف على ما تقدمه البنوك من منتجات ترى أنها متوافقة مع الشريعة.

كما أن ماليزيا اليوم تعد من أكثر الدول في العالم التي تقدم الصكوك التي تعتبرها متوافقة مع الشريعة، والتي تنبني على عقود مثل المشاركة والإجارة والمرابحة، وما زالت تصمم العقود والمنتجات والدورات والبرامج الأكاديمية التي لا تستهدف فقط ماليزيا بل لها انتشار أكثر في العالم خصوصا الخليج العربي.

وهذه التجربة لا يمكن أن نصفها بالكمال، إذ إنه من دواعي التقدير أن تكون هناك تجربة حديثة متكاملة، ولكن هذه التجربة لم تتجاهل النقص الحاصل فيها، بل إن هناك اتجاها كبيرا لتشجيع المتخصصين في العلوم الشرعية لدخول هذا القطاع وتقديم البحوث والدراسات والتأصيل الشرعي لقضايا المصرفية الإسلامية، وبالحديث مع كثير من المتخصصين في مجال المصرفية الإسلامية تجد أن هناك تأكيدا وبرامج عملية الآن لتحفيز طلبة العلم الشرعي للدخول إلى هذا القطاع، كما أن هناك حرصا على تضييق مساحة الخلاف بين العلماء في ماليزيا والعلماء في منطقة الخليج، خصوصا في مسائل مثل ما يتعلق بمسألة العينة وبيع الدين.

وتشهد ماليزيا منذ عقود اهتماما متزايدا بالصناعة المالية فقد تأسس فيها أول بنك إسلامي (يسمونه بنك إسلام ماليزيا) سنة 1983م وبذلك تكون ماليزيا إحدى أوائل الدول الإسلامية التي اهتمت بالصناعة المالية الإسلامية, وكانت التجربة قد بدأت في العصر الحديث في مصر بتأسيس بنك ناصر الاجتماعي سنة 1971م لكن الصناعة بدأت نشأتها الواضحة مع تأسيس البنك الإسلامي للتنمية سنة 1975م ثم بنك دبي الإسلامي الذي تأسس في السنة نفسها ثم بيت التمويل الكويتي 1977م, وبدأت الصناعة بعد ذلك تنتشر في أنحاء العالم الإسلامي وخارجه.

اهتمت ماليزيا اهتماما كبيرا بالصناعة المالية الإسلامية , فعلى مستوى التشريعات أصدر البنك المركزي التشريعات الضرورية لتمكين البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية من ممارسة أنشطتها بصورة طبيعية. وكما ذكرنا فقد تأسس أول بنك إسلامي في ماليزيا سنة 1983م ولكن تأسس قبله صندوق الحج وهو اليوم إحدى كبريات المؤسسات المالية في ماليزيا, وجاء تأسيسه استجابة لرغبة الحجاج الماليزيين في إيجاد قناة مقبولة شرعا يحفظون فيها مدخراتهم المخصصة لأداء الركن الخامس بعدما قاطعوا المؤسسات المصرفية التقليدية التي تتعامل بالربا. وازداد عدد المصارف الإسلامية في ماليزيا (مصارف إسلامية ومؤسسات تكافل - تأمين) خلال السنوات الماضية. وتبلغ حصة المؤسسات المالية الإسلامية من السوق المصرفية اليوم 17.4 %, من ضمنها ما يعرف بنظام النوافذ (Windows).

ماليزيا أسست بنى تحتية متكاملة

كما ذكرنا تهتم ماليزيا اهتماما بالغا بالصناعة المالية الإسلامية, وقد تجلى ذلك في الاهتمام بالنواحي التشريعية والتنظيمية, فضلا عن تأسيس عديد من المؤسسات التعليمية والتدريبية والبحثية المتخصصة في مجال التمويل الإسلامي مثل: المركز الدولي لتعليم التمويل الإسلامي (INCEIF), وهو مؤسسة جامعية متخصصة أسسها البنك المركزي الماليزي سنة 2006م بهدف دعم صناعة التمويل الإسلامي من خلال تكوين الكوادر التي تحتاج إليها وإكسابهم المهارات والمعارف المتخصصة في هذا المجال وهي تمنح درجتي الماجستير والدكتوراه في التمويل الإسلامي.

ماليزيا إحدى أوائل الدول الإسلامية التي اهتمت بالصناعة المالية الإسلامية

الأكاديمية الشرعية الدولية للبحوث في مجال التمويل الإسلامي (ISRA)

تهدف الأكاديمية إلى تطوير الأبحاث التطبيقية في مجال التمويل الإسلامي وتأطير الآراء والفتاوى من خلال عدة وسائل مثل إعداد الدراسات حول القضايا المعاصرة المتعلقة بقضايا التمويل الإسلامي. وهي تهدف أيضا إلى تعزيز الموارد البشرية لقطاع التمويل الإسلامي وتأسيس منتدى بحثي للعلماء والعاملين في القطاع والمشرعين والباحثين من خلال الحوار والبحوث محليا وعالميا, والأكاديمية عملها مكمل لبرنامج (INCEIF).

المركز الماليزي المالي الإسلامي الدولي وهو مركز أسسته الحكومة الماليزية لخدمة الصناعة المالية الإسلامية

الجامعة الإسلامية الدولية بماليزيا

إضافة لهذه المؤسسات تقدم الجامعة الإسلامية الدولية التي تعد إحدى حسنات الدكتور مهاتير محمد إذ إنه هو صاحب فكرتها, وضمّن منهجها برنامجا خاصا للمالية الإسلامية من مرحلة البكالوريوس إلى مرحلة الدكتوراه.

مجلس الخدمات المالية الإسلامية

يوجد أيضا في ماليزيا مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي أسسه البنك الإسلامي للتنمية مع مجموعة من المؤسسات المالية الإسلامية والبنوك المركزية. ومن ضمن مهامه إصدار المعايير الخاصة بالتنسيق والعلاقة بين البنوك المركزية والبنوك التجارية.

بين الحلال والحرام .. اللون الأخضر واللون الأحمر

أحد المصارف الذي يجمع بين النظامين (Dual system) وهذا الجمع يعني وجود شبابيك توفر الخدمات المالية الإسلامية وشبايبك أخرى توفر الخدمات التقليدية (Conventional).

يلبس الموظفون العاملون في القسم الإسلامي زيا أخضر اللون بينما يلبس موظفو المنتجات التقليدية زيا أحمر اللون. وسئل رئيس البنك إن كانوا شعروا ببعض الانعكاسات الاجتماعية لهذا التصنيف أو التمايز عندما تكون فئة من الموظفين تتسلم رواتبها من "الحلال" بينما يتسلم زملاؤهم رواتبهم من "الحرام".

أجاب الرئيس التنفيذي للبنك بأنه جاء إلى هذا البنك من مصرف إسلامي بنية التغيير وأن الأمر إذا لم يتم بهذه الطريقة فلن ينجز تحول كبير على صعيد "أسلمة" البنوك الربوية.. وبالنسبة لمصدر الراتب إجاب بأنها قريبة, في ظاهرها, من المعنى الذي يقوله الفرنسيون (l’argent n’a pas d’odeur) , وهو هنا يقصد أن الأوراق النقدية لا يمكن فصل بعضها عن بعض إلا أن النظامين متباينان تماما وإن كان بينهما بعض تشابه من الناحية الفنية .

وهنا يمكن أن يثار نقاش قديم جديد حول هل الأفضل أن تبدأ تطبيق المعاملات المالية الإسلامية بطريقة تدريجية فتأخذ ما تيسر وتخطو خطوة بعد أخرى, أو تنتظر حتى تتهيأ لك الظروف لتأسيس نظام إسلامي متكامل .. ولكل فريق أنصاره, وفي تقديري أن التدرج من سنن الحياة ولو انتظرت البنوك الإسلامية الخيار الثاني لما وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.

الوعي بقضية الربا

اما عن سبب تدني حصة المصارف الإسلامية من السوق المصرفي في ماليزيا على الرغم من الجهود الكبيرة رسميا وشعبيا فيعزى ذلك إلى أمرين: الأول تدني الوعي الديني أو عدم إدراك خطورة التعامل بالربا (من الناحية العقدية) أما السبب الآخر فيتمثل في أن بعض المتعاملين يهتمون بمستوى الأداء والجودة أكثر من الاعتبارات الدينية. وهذا الأمر يقودنا إلى إثارة بعض التساؤلات حول حرمة الربا وحرمة الفوائد المصرفية.

تجربة الأسواق المالية في ماليزيا

أضحى النظام المالي الإسلامي في ماليزيا النموذج الأمثل للاقتصاد الإسلامي المتطور, وساعده على هذا التنامي الاقتصادي الكبير ووجوده في بيئة تتصف بمزيد من الحرية والتنافس، وذلك تماشياً مع الاندماج المتزايد بين النظام المالي الإسلامي الماليزي والساحة المالية الإسلامية العالمية. وقد شهد نمو السوق المالية الإسلامية أبعادا دولية شملت إنشاء مجالس وهيئات مالية ونقدية لها أبعاد دولية، ومن ذلك مجلس الخدمات المالية الإسلامية وفتح فروع لبنوك دولية إسلامية، وقد شهدت عملية تحرير السوق المصرفي الإسلامي افتتاح أول مصرف إسلامي أجنبي منح له الترخيص بموجب قانون الصيرفة الإسلامية لسنة 1983م في أغسطس 2005م.

الأداء المالي

أما من ناحية الأداء المالي، فلقد أبدت الصناعة المصرفية الإسلامية بصورة كلية نتائج إيجابية في عام 2005م حيث سجلت كل من الربحية والأصول لأول مرة مبلغاً قدره بليون رنجت ماليزي و100 بليون رنجت ماليزي على التوالي. لقد ازداد مبلغ الأصول ليسجل 111.8 بليون رنجت ماليزي، الأمر الذي يعكس نمواً قوياً بنسبة 17.7 في المائة ويمثل 11.3 في المائة من إجمالي الأصول في النظام المصرفي. كما ازدادت حصة السوق من الودائع والتمويلات الإسلامية إلى نسبة قدرها 11.7 في المائة و12.1 في المائة على التوالي للصناعة.

أما إجمالي التمويلات القائمة فلقد ازدادت بنسبة 16.5في المائة، وذلك بسبب الزيادة في التمويلات الجديدة التي تمت الموافقة عليها وإصدارها بنسبة 55.1 في المائة و19.4 في المائة على التوالي في حين انخفضت نسبة التمويلات غير العاملة إلى 4.8 في نهاية عام 2005م, كما ظلت رسملة القطاع المصرفي الإسلامي في حالة جيدة, حيث سجل معدل رأس المال المرجح بالمخاطر RWCR نسبة تفوق 12 في المائة على مدار السنة.

استغلال الإمكانات المصرفية الإسلامية استغلالا أقصى

يمنح قانون الصيرفة الإسلامية لسنة 1983 ترخيصاً شاملاً للمصارف الإسلامية المرخصة، فبموجب هذا القانون يسمح للمصارف الإسلامية بممارسة الأنشطة المصرفية بجميع نواحيها وفقاً لمبادئ الشريعة، ابتداء من أنشطة مصارف التجزئة التجارية حتى الأنشطة المصرفية الاستثمارية الأكثر تعقيداً, التي تضم جملة أمور .. تمويل الشركات والأنشطة المتعلقة بإدارة حقوق الملكية والثروات الخاصة. وحتى الآن، ما زالت الأنشطة المصرفية التي تمارسها المصارف الإسلامية في ماليزيا تعتمد إلى حد كبير على نموذج المصرف التقليدي. وكذلك الوضع بالنسبة لأنشطة الصيرفة الإسلامية التي تمارسها المؤسسات المصرفية التقليدية المشاركة في برنامج الصيرفة الإسلامية, حيث إن نحو 70 في المئة من التمويلات التي تقدمها المؤسسات المصرفية الإسلامية هي تمويلات عن طريق البيع أو الاستئجار تستهدف قطاع التجزئة لتمويل شراء الممتلكات السكنية والسيارات.

د. حمد السياري محافظ النقد السعودي السابق و د. أختر زيتي محافظة البنك المركزي الماليزي

أما بالنسبة لإدارة السيولة، فقد قدم البنك المركزي الماليزي أداة مالية إسلامية جديدة تعرف باسم "صكوك إجارة البنك المركزي الماليزي". تم إصدار هذه الصكوك في فبراير 2006م بواسطة شركة لعرض خاص BNM Sukuk Berhad. ويبلغ حجم هذا الإصدار 400 مليون رنجت ماليزي. ولقد تم استخدام إيرادات هذه الصكوك لشراء أصول البنك المركزي الماليزي التي تم إيجارها من جديد للبنك مقابل رسوم استئجار ستوزع بين المستثمرين كعوائد على أساس نصف سنة.

تعزيز الأطر الشرعية

أما من حيث الإشراف الشرعي فقد استمر البنك المركزي في تقييم مدى التزام المؤسسات المالية الإسلامية بمبادئ الشريعة والإجراءات الإدارية الرشيدة. يقوم البنك المركزي الماليزي بالتأكد من قيام اللجان الشرعية بدورها بصورة فاعلة في تقديم النصائح المناسبة والتأكد من التزام العمليات المصرفية اليومية بالشريعة الإسلامية في إجراءاتها اليومية، كمراقبة مدى فاعلية جدار الحماية للتأكد من عدم وجود أي اختلاط بين الأموال الإسلامية والأموال التقليدية في عمليات "النافذة الإسلامية". كما يطلب من المدققين الداخليين القيام بدورهم بصورة دقيقة للتأكد من التزام المؤسسات المصرفية الإسلامية بمبادئ الشريعة، وذلك بصياغة برنامج شامل لمراقبة مدى توافق العمليات مع ألأحكام الشريعة، وبتزويد أنفسهم بالعلوم الضرورية للقيام بمهامهم. وخلال عام 2005 اتخذ المجلس الاستشاري الشرعي SAC التابع للبنك المركزي الماليزي عدة قرارات منها:

1 - الموافقة على آلية الصرف الآجل للعملات الأجنبية.

2 - فرض رسوم التعويض للتأخر في سداد الديون الثابتة بحكم القانون.

3 - إعادة النظر في تطبيق مبدأ القرض الحسن في المعاملات المصرفية الإسلامية.

4 - تطبيق عقد الكفالة لبرنامج الضمان في الصيرفة الإسلامية.

التقدم إلى الأمام

نتيجة لنمو النظام المالي الإسلامي الشامل الذي يتسم بمزيد من الحرية والتكامل في النظام المالي الدولي أصبحت ماليزيا في وضع جيد لأن تكون مركزاً مالياً إسلامياً دولياً. ومن أجل مواجهة التحديات المتزايدة سيتم التركيز على تعزيز القدرة الابتكارية والتنافسية لصناعة الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا ويدعم ذلك المواهب العالية والمرافق ذات المستوى العالمي وأفضل المعايير الدولية.

إن ماليزيا على استعداد تام للقيام بدور البوابة الرئيسية للمستثمرين المؤسسين ومستثمري القيمة الصافية العالية لاستغلال الفرص الاستثمارية المتوافرة في هذه المنطقة الآخذة في النمو السريع.

الأنشطة التمويلية

ونظرا لزيادة عدد التمويلات المعتمدة بنسبة 55.1 في المائة ازدادت نسبة التمويلات المصروفة أيضاً بقدر 19.4 في المائة, كما سجلت تسديدات التمويلات الممولة زيادة بنسبة 25.3 في المائة نظراً للتحسن الاقتصادي بصورة عامة. ونتيجة للأنشطة التمويلية النشطة، ازداد إجمالي التمويلات بنسبة 16.5 في المئة أو 9.5 بليون رنجت ماليزي في عام 2005م (19.0 في المئة أو 9.2 بليون رنجت ماليزي في عام2004). وبدعم قوي من إنفاقات المستهلكين استمر قطاع تمويل المستهلكين في احتلال القسط الأكبر (36.2 في المئة) من التمويلات التي قدمتها المؤسسات المصرفية الإسلامية، حيث إن معظم التمويلات المذكورة كانت لشراء سيارات الركاب. ويلي ذلك قطاع تمويل العقارات العامة الذي مثل 34.0 في المئة من إجمالي التمويلات، حيث إن معظم هذه التمويلات كانت لشراء العقارات السكنية . وفي عام 2005م مثلت التمويلات لشراء سيارات الركاب 29.9 في المئة من إجمالي التمويلات، في حين مثلت التمويلات لشراء العقارات السكنية 23.8 في المئة. لقد ازدادت طلبات السوق نتيجة للبرامج التمويلية المتنافسة والجذابة التي قدمتها المؤسسات المصرفية الإسلامية. أما في قطاع الأعمال التجارية، فمثلت التمويلات المقدمة لقطاع التصنيع 11.2 في المئة من إجمالي التمويلات في نهاية عام 2005م (في نهاية عام 2004: 10.6 في المئة). أما من حيث المفاهيم التمويلية، فظلت التمويلات المبنية على مفهوم "البيع بثمن آجل" هي السائدة، وذلك بنسبة قدرها 40.7 في المئة من إجمالي التمويلات رغم انخفاضها في النسبة المئوية مقارنة بالعام الماضي.

التحسن في الأرباح

حقق القطاع المصرفي الإسلامي قدراً كبيراً من التحسن في الربح المتحصل قبل الضريبة والزكاة، وذلك نظراً لزيادة مقدار الدخل وانخفاض مقدار التمويلات غير العاملة رغم الزيادة في النفقات العامة وتكاليف الموظفين.

ففي عام 2005م سجل القطاع المصرفي الإسلامي زيادة في الدخل الصافي لأنشطة التمويل والأوراق المالية بمقدار 712.5 مليون رنجت ماليزي أو 28.7 في المئة (2004: 307.0 مليون رنجت ماليزي أو 14.1 في المئة) في حين ازدادت أنواع الدخل الأخرى بمقدار 47.4 مليون رنجت ماليزي أو 12.9 في المئة (2004: 88.0 مليون رنجت ماليزي أو 11.8 في المئة). وفي الوقت نفسه ازدادت النفقات العامة بمقدار 259.3 مليون رنجت ماليزي أو 61.5 في المئة (2004: 37.0 مليون رنجت ماليزي أو 9.6 في المئة) بينما ازدادت تكاليف الموظفين بمقدار 164.8 مليون رنجت ماليزي أو ما يعادل 61.7 في المئة (2004: 38.0 مليون رنجت ماليزي أو 16.6 في المئة). وبعد وضع الخسائر التمويلية والمخصصات الأخرى البالغة 0.9 بليون رنجت ماليزي (2004: 1.2 بليون رنجت ماليزي) في الحساب، سجل قطاع الصيرفة الإسلامية ربحاً قبل الضريبة والزكاة قدره 1.6 بليون رنجت ماليزي للسنة التقويمية 2005م (988.1 مليون رنجت ماليزي في عام 2004).

أما بالنسبة للأوراق المالية القائمة، فلقد استمرت سوق الأوراق المالية الإسلامية في تسجيل نمو إيجابي بنسبة 22.9 في المئة أو ما يعادل 24.5 بليون رنجت ماليزي، حيث إن الأوراق المالية الخاصة القائمة التي بلغت 112.2 بليون رنجت ماليزي في نهاية عام 2005م مثلت 40 في المئة من إجمالي سندات الدين الخاصة القائمة في سوق الديون.

قامت المؤسسات التجارية بصورة نشيطة بالبحث عن التمويلات المتوافقة مع المبادئ الإسلامية من أجل تثبيت تكلفة التمويل بواسطة إصدار الأوراق المالية الخاصة الإسلامية ذات المدى الأطول, حيث توقعت حدوث زيادة محتملة في معدل الفائدة في نهاية السنة. من بين التطورات المهمة في سوق الأوراق المالية الإسلامية الماليزية عقب تحرير أنظمة صرف العملات الأجنبية, صدور أدوات الدين الإسلامية من فئة الرنجت بقدر 700 بليون رنجت ماليزي من مؤسسة مالية دولية متعددة الأطراف.

لضبط التعامل في الأسواق المالية وتنظيمها تنشئ جميع الدول ما يسمى بالجهات الإشرافية وأحياناً يطلق على هذه الجهات "السوق المالية", وقد تناولنا في العدد السابق أسباب وأهمية نشأة السوق المالية الإسلامية والأدوات المالية الإسلامية التي تعمل وفق الضوابط الشرعية ويتم استخدامها في السوق، وسوف نتعرف حاليا على واقع السوق المالية الإسلامية.

بورصة كوالالمبور

واقع السوق المالية الإسلامية

إن السوق الإسلامية حقيقة واقعة ويتزايد حجمها يوماً بعد يوم وتتعدد فيها الصكوك الإسلامية، وتمتد جغرافياً في جميع أنحاء العالم حيث يتم التعامل في هذه الصكوك إصداراً في عديد من الدول، ويتم تداولها في عديد من البورصات العالمية, وهذا ما سوف نتعرف عليه بإيجاز على سبيل المثال في الفقرات التالية:

أولاً: لقد بلغ حجم الأموال في السوق الإسلامية حوالي 180 بليون دولار أمريكي رغم حداثة إنشائها، وتتنوع هذه الأموال بين إصدارات عديدة مثل صكوك الإجارة والسلم والاستصناع والمشاركة والمضاربة ويطلق عليها أحياناً في الأسواق العالمية السندات الإسلامية.

ثانياً: أمثلة على بعض الإصدارات التي تبين التنوع والامتداد الجغرافي لهذه السوق وتعامل المؤسسات التقليدية وغير المسلمين فيها, ومن أهم هذه الأمثلة ما يلي:

أ ـــ تعتبر ماليزيا من أوائل وكبار الدول التي تنشط فيها السوق المالية الإسلامية حيث تمثل الإصدارات الإسلامية فيها أكثر من ثلثي الإصدارات الخاصة في سوقها المالي، إذ تبلغ حوالي 8.2 بليون دولار وبدأت الإصدارات فيها منذ عام 1990م بإصدار صكوك إسلامية من قبل شركة بترول بمبلغ 500 مليون دولار، كما أصدرت شركة باوستهد القابضة في ماليزيا صكوكا بمبلغ 3.1 بليون دولار لإنشاء محطة طاقة. ولقد كانت ماليزيا من أوائل الدول التي قامت بتنظيم التعامل بالإصدارات الإسلامية من خلال جهة رسمية أطلق عليها سوق المال الإسلامية الماليزية.

ب ـــ بدأت حكومة البحرين التعامل بالصكوك الإسلامية بدءاً من عام 2001م حيث أصدرت منذ ذلك التاريخ وحتى الآن عشرة إصدارات لصكوك إجارة بلغ مجموعها 750 مليون دولار، هذا إلى جانب إصدار صكوك سلم بمبلغ 25 مليون دولار، ولا ننسى أن البحرين تمثل مركزاً مالياً إسلامياً عالمياً, إضافة إلى إنشاء عدة مؤسسات مساندة للتمويل الإسلامي بشكل عام سبق ذكرها, وكونها أيضاً مقراً للسوق المالية الإسلامية الدولية السابقة الإشارة إليها.

جـ ـــ كان البنك الإسلامي للتنمية – وهو بنك دولي تشارك في عضويته الدول الإسلامية أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي – من الجهات السباقة لإصدار صكوك إسلامية بلغت حوالي 400 مليون دولار عام 2003م إلى جانب مشاركته كمدير في إصدار صكوك لدولة قطر بمبلغ 600 مليون دولار، ويأتي ثاني إصدار له عام 2005م بمبلغ 500 مليون دولار.

د ـــ باكستان من أوائل الدول التي تعاملت في السوق المالية الإسلامية حيث أصدرت الحكومة صكوكاً إسلامية بمبلغ 600 مليون دولار, ونظراً للإقبال الشديد عليها وصل الاكتتاب فيها إلى مبلغ 2.1 بليون دولار.

هـ ـــ في دولة الإمارات العربية المتحدة عدة إصدارات إسلامية من أهمها إصدار لصالح شركة طيران الإمارات بمبلغ 500 مليون دولار، وفي عام 2006م قام بنك دبي الإسلامي بإصدار صكوك إجارة لصالح هيئة الطيران المدني بدبي لتطوير وتوسيع مطارها وبلغ حجم الإصدار 2.750 بليون درهم إماراتي (750 مليون دولار أمريكي) إضافة إلى إصدار صكوك بقيمة 25 مليون دولار لصالح وزارة الأوقاف لإعمار بعض ممتلكات الوقف.

و ـــ تركيا أصدرت عام 1984م صكوك مشاركة بمبلغ 200 مليون دولار لتمويل بناء جسر معلق على مضيق البوسفور, كما أصدرت سندات إسلامية عام 2003م بقيمة 500 مليون دولار.

ز ـــ في قطر بجانب الإصدار الذي يديره البنك الإسلامي للتنمية لصالح الحكومة القطرية السابقة الإشارة إليه، أصدرت أيضاً صكوكاً إسلامية بقيمة 700 مليون دولار.

ح ـــ تعتبر الأردن سباقة منذ زمن طويل, حيث أصدرت صكوك مقارضة لتمويل إعمار بعض أراضي الوقف بالبناء عليها تحت اسم سندات المقارضة, التي نظم إصدارها بقانون.

ط ـــ امتدت الإصدارات إلى أوروبا, ففي مارس 2004م أصدرت ولاية سكسونيا في ألمانيا صكوكاً إسلامية بمبلغ 100 مليون يورو (120 مليون دولار) مدتها خمس سنوات وهي صكوك إجارة.

كما قامت جامعة كوبورج Cobrag في ألمانيا بمشاركة عدة جامعات أخرى بالبدء عام 2004م في إنشاء مركز متخصص للتمويل الإسلامي لمواجهة المدّ الأوروبي والغربي عامة بالتعامل بهذا التمويل، واتصلت هذه الجامعة بمركزنا للمساعدة في إعداد الدراسات الأولية.

هذه هي مجرد أمثلة توضح الانتشار الجغرافي والتنوع في الصكوك, ومع مراعاة أن هذه الصكوك يتم تداولها في جميع بورصات العالم وهو الأمر الذي دفع إلى إصدار مؤشرات لهذه السوق بواسطة كبريات المؤسسات المحققة, وهو ما نوضحه في الفقرة التالية.

المؤشرات الدولية لسوق المال الإسلامية

المؤشرات هي أرقام قياسية تعد بطريقة إحصائية لقياس أداء الأسواق المالية, يدخل في تكوينها عينة من أسهم الشركات التي عليها تعامل نشط، ويعد المؤشر يومياً بما يمكن المتعاملين من التعرف على أحوال الأسواق المالية ومدى تقدمها, وذلك بمقارنة المؤشر لليوم الحالي مع الأيام السابقة، وأصبحت المؤشرات الآن جزءاً لا يتجزأ من أركان أو عناصر الأسواق المالية. ونظرا لتنامي السوق المالية أو الإسلامية وانتشارها على مستوى العالم قامت مؤسسة داو جونز في الولايات المتحدة الأمريكية, التي تصدر عددا من المؤشرات العالمية المعروفة باسمها بإصدار مؤشرات للسوق المالية والإسلامية تعرف بـ Islamic dow Jones Indexes بلغت حتى الآن حوالي ستين مؤشرا موزعة على أسواق العالم التي يتم التعامل فيها إسلاميا مثل:

مؤشرات داو جونز الإسلامي الأمريكي – والياباني – والإنجليزي – والأوروبي – والكندي – والآسيوي – والماليزي، وهكذا ... كما تعد مؤشرات حسب النشاط الاقتصادي, وتوجد أيضا مؤشرات داو جونز الإسلامية للتكنولوجيا، والاتصالات، والصناعة ، والنفط والغاز، والخدمات المالية.

وتقوم هذه المؤشرات على أخذ الأسهم التي تصدرها شركات لا تتعامل في أعمال أو مواقع تتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية مثل التعامل بأي شكل في الخمور أو الكحول والتبغ ولحوم الخنزير والبنوك التقليدية وشركات التأمين وشركات إنتاج الأسلحة والفنادق وشركات الطيران التي فيها صالات قمار أو تقدم خمورا والشركات التي تتعامل في الأدب والفن المكشوف، وهي ما يطلق عليها إجمالاً "أسهم الخطيئة", كما تشمل تلك المؤشرات الصكوك الإسلامية التي تصدرها المؤسسات المالية الإسلامية. ومن الجدير بالذكر أن شركات المؤشر ليست من الدول الإسلامية فحسب، ولكنها من حوالي 30 دولة في العالم ومنها الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد كوَّنت مؤسسة داو جونز مجلسا شرعيا لمراجعة أعمال الشركات التي تدخل أسهمها في تكوين المؤشر الإسلامي من الناحية الشرعية من عدد من علماء الشريعة المتخصصين الذين لهم خبرة طويلة وكبيرة في أعمال هيئات الرقابة الشرعية في عديد من المؤسسات المالية والإسلامية وهم (د. عبد الستار أبو غدة - د. محمد داود بكر- د. محمد القري – د. يوسف طلال – الشيخ محمد تقي العثماني - والشيخ أحمد ماكو).

المصدر: د. زيد عيادات
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 84/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 6184 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,835,519

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters