لقد أحدث التطور التقني الكبير، والتغيُّر الاقتصادي الهائل هزَّة عنيفة للأسرة وتماسكها، حيث صاحب ذلك انتشار التصنيع، وخروج المرأة للعمل، وذهاب النشء إلى المدرسة، وتأخر سن الزواج، وارتفاع مستوى المعيشة، والتوسع في التعليم، وقرب المسافات بالاتصالات والمواصلات: مما أدَّى بالتالي إلى صراعات نفسية وفكرية، واضطرابات أخلاقية: أثرت على كيان الأسرة وترابطها، ولم يعد أمام المصلحين سوى تأهيل الأفراد من جديد صغاراً وكباراً؛ لإعادة مكانة الأسرة ودورها الاجتماعي، من خلال التربية الجادة، فهي "السبيل الأساس للتقدم الاجتماعي، وركيزة الإصلاح"؛ فإن الرؤية الإسلامية تعتبر الأسرة "وحدة أساسية من وحدات المعمار الكوني، وبناءً ضرورياً من أبنية المجتمع الإسلامي، وفطرة كونية، وسنة اجتماعية؛ بحيث يؤدي الإعراض عن الالتزام بأحكامها الشرعية، وآدابها الخلقية إلى انفراط عقد المجتمع وانهياره"، وقد ورد من بين بنود حقوق الإنسان التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م أن: "الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة".

لا شك أن التربية في مرحلة الطفولة ضرورية لإرساء قواعد الأخلاق والقيم بصفة عامة، وتعويد الصغار عليها، يقول أرسطو: "إذا كان من اللازم… ليصير المرء فاضلاً يوماً ما: أن تكون قد أحسنت تربيته في البداية، وأن يكون قد اعتاد عادات حساناً"، فالشباب من الجنسين يتأثرون بالمعايير الخلقية التي تلقوها في الطفولة، ويميلون إلى الالتزام بها، ويشعرون بالحرج إذا خالفوها، إلا أن هذه المعايير الخلقية لا يمكن أن تكون كافية تماماً لإعدادهم للقيام بالمهام المطلوبة منهم في السنوات اللاحقة؛ لأن من بدهيات مفاهيم التربية: أنها عملية مستمرة دائمة، مرتبطة بالفرد الإنساني عبر حياته كلها، لا تختص بمرحلة دون أخرى، فكما أن التربية التي لم تبدأ منذ الطفولة لا تتحقق أهدافها بصورة جيدة، فكذلك التربية التي لا امتداد لها في مرحلة الشباب لن تحقق –هي الأخرى- أهدافها بصورة حسنة.

ولقد أصبحت سنوات طفولة الإنسان المعاصر أطول من ذي قبل، فقد تصل في بعض المجتمعات إلى الثلاثين أو أكثر، يحيا فيها الشاب معتمداً على أسرته، بسبب تعقيد الحياة الصناعية، وزيادة طرائق المجتمع ووسائله في مواجهة مطالب الحياة، مما يزيد من مهام الأسرة وأعبائها، ويؤكد دورها في مرحلة الشباب، وأهميتها في ترسيخ المفاهيم الخلقية الصحيحة لدى النشء، وتهيئة الأجواء الأسرية التربوية لممارستها وتنميتها بصورة أعمق وأوسع، وعدم الاكتفاء بالتلقين السابق في مرحلة الطفولة، أو الاعتماد على دور المدرسة، فإن "الأسرة وحدها… هي المدرسة التي تكون الخلق الكامل"، مما يؤكد دور الأسرة التربوي، رغم الهجمة الشرسة  التي تواجه نظام الأسرة، من خلال مؤتمرات دولية تسعى إلى تقويض بنائها، وتحطيم كيانها.

ولقد أكد كثير من الدراسات: أن غالب الجانحين يأتون من بيوت مفككة، وأن هناك علاقة واضحة بين الوضع العائلي المضطرب وجنوح الأحداث، فالشباب لا يتكلفون من تلقاء أنفسهم الأزمات والمشكلات، إنما يعكسون بسلوكهم تأثير البيئة الاجتماعية من حولهم، فليست مرحلة البلوغ بالضرورة مرحلة عواصف واضطرابات نفسية، فليس هناك علاقة بين البلوغ والانحراف، إنما تنشأ العلاقة بينهما عندما تفقد البيئة دورها التربوي، فتهيء للبالغين المندفعين أسباب الانحراف، ومن هنا كان دور الأسرة مهماً؛ إذ تُشكِّل عنصراً أساساً وفعَّالاً في ضبط سلوك الشباب وتوجيههم.

وقد تأكد لدى العقلاء: "أن جميع المشكلات الاجتماعية في هذا العصر، كالطلاق، وحمل المراهقات، والإدمان، وجرائم العنف في المدارس والشوارع، وإيذاء الزوجات والأطفال، والانتشار الرهيب للأمراض التي تنتقل عن طريق الجنس، بما فيه الاتصال الجنسي غير المشروع بين البالغين والأطفال، كلها تنجم في الواقع عن انحلال الأسرة كوحدة اجتماعية يبنيها الوالدان الأب والأم"، ولن يصلح حال الذرية – مهما كانت الوسائل- بغير إصلاح دور الأسرة، وتمكينها من القيام بمهامها التربوية تجاه النشء الجديد، من الذكور والإناث.

وقد أدركت حكومة روسيا الشيوعية – في وقتها- أهمية دور الأسرة في الاستقرار العاطفي والوجداني للنشء فأعادت نظامها من جديد بعد أن كانت قد ألغته، وقيدت نظام الطلاق بعد أن كان الحصول عليه من أسهل ما يكون.

المصدر: عدنان باحارث .
  • Currently 125/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
41 تصويتات / 3800 مشاهدة
نشرت فى 9 أغسطس 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,721,073

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters