من خلال الاستقراء ظهر أن لباس المرأة محكوم بثلاثة ضوابط شرعية، لابد أن تتقيد بها المرأة حتى يحصل لها المقصود الأسمى من اللباس، وتسلم أخلاقها وتصوراتها من الانحراف، وذلك على النحو التالي:

أولاً: ضابط العورة: بحيث يستر اللباس من جهة إسباغه، وصفاقته، وسعته عورة المرأة حسب الوسط الاجتماعي الذي تقع فيه، فلا يكشف عن عورتها بقصَره، ولا يشفُّ عنها برقَّته، ولا يصفُها بضيقه،مع التَّحصُّن بالسراويل الطويلة،والبطائن تحت الثياب الرقيقة؛حفاظاً على عورتها من الانكشاف؛ فإن العلاقة في  غاية القوة بين فنِّ اللباس والزينة، وبين الجاذبية الجنسية في سلوك الإنسان,وقد قيل إن الأصل في ظهور الملابس وتطورها يرجع إلى رغبة كل من الجنسين في جذب الجنس الآخر. فلا يصح من المرأة المسلمة أن ترتدي من الملابس ما يثير الشهوة في صدور الرجال من الأجانب أو المحارم, أو يبعث الشذوذ في سلوك النساء, فإن هي تقيَّدت بهذه الشروط: فإن لها بعد ذلك أن تلبس وتستمتع بما شاءت من : الأنواع, والأشكال, والألوان حسب ما يروق لها, إلا أنه يُفضل لها أن تتحاشى من الألوان البياض؛ لأنه غالب لباس الرجال, وأن تعتاد لجلبابها وخمارها السواد؛ لأنه اختيار نساء السلف, وأبعد ما يكون عن الفتنة والإغراء؛ فإن للَّون تأثيراً خاصاً في الأشخاص, وله معان يحملها للناظرين.

وأما حذاء الفتاة فإنه من مواقع جمالها المُلْفت وجاذبيتها الخاصة, كما أن القلنسوة على رأس الرجل من تمام جماله, وحسن مظهره,ولعل هذا السبب الذي جعل من أحذية النساء في هذا العصر فتنة كما كانت من قبْل في بعضالشعوب المتقدمة،حيث يتحكم ارتفاع الحذاء ونوع هيئته في أسلوب مشيتهن،ويُظْهر من مفاتن أبدانهن الخفية، ومعالم أجسادهن ما واراه الجلباب،ويُنبِّه بقَرْعِهِ عن مكنون زينتهنَّ، وما أخْفينَهُ من جمالهن.وربما اتخذته إحداهن تتطاول به، فقد قال عليه الصلاة والسلام حاكياً حال بعض نساء بني إسرائيل: "… كانت المرأة تتخذ النعلين من خشب تحاذي بها المرأة الطويلة".فالحذاء المرتفع المصنَّع للإغراء والفتنة إن لم يكن بمجمل هذه المحظورات ممنوعاً شرعاً، فإن أقل ما فيه الكراهة,خاصة وأن ضرره الصحي ثابت عند الأطباء. وفي العموم فإن غالب ألبسة النساء في هذا العصر وُضعت للفتنة والإغراء، أكثر من كونها وُضعت لصحة الأبدان.

ثانياً: ضابط التشبه: بحيث تتميَّز ملابس المرأة وأزياؤها عن ملابس الكفار عموماً، وعن ملابس الذكور خصوصاً،حتى في لُبْس النَّعل، وعصْب الرأس. فإن الأمة الإسلامية اليوم تعاني تخلفاً كبيراً أمام الدول المتقدمة في ميدان صناعة ملابس النساء وتصاميمها، حتى سيطر إنتاج دور الأزياء الأجنبية على ذوق المرأة المسلمة، وأسلوب تأنُّقها، فأصبح زي كثير من النساء المسلمات المعاصرات هو زي المرأة الغربية المتبرِّج. مما اضطر إحدى المنظمات الإسلامية: أن توصي بإنشاء "مؤسسات لتصميم الأزياء الإسلامية حماية لقيم الإسلام… ورعاية للأذواق الجمالية السليمة، وسداً لذريعة ينفذ منها الموبؤون، وأعداء الإسلام على بعض نساء المسلمين ممن ينقصهن النضج والوعي السليم".

إن خطورة إشراف الأجانب على لباس الفتيات المسلمات لا تكمن فقط في كون أزيائهم تحمل - أحياناً– معلماً دينياً لهم كالصليب ونحوه؛ بل إنها تزيد على ذلك في كونها تتوجه بقوة خفية، عبر أساليب التصميم الماكرة لإعطاء ملابس الإناث صبغة ذكورية، بحيث تدخل أشكال أزيائهن تحت أنماط أزياء الرجال بصورة متدرجة. حتى أصبح مجتمع اليوم - بصورة تلقائية– لا يستنكر ظهور المرأة في ملابس الذكور، في حين لا يزال حتى الآن يستهجن، ويستنكر بروز الذكور في ملابس النساء، ويعاقبهم على ذلك قانوناً. ولاشك أن في هذا خطراً على مسلك المرأة الفطري؛ فإن نهاية تشبهها بالرجال هو انتقالها إلى طباع الرجال، فلا تتحرك فيها طباع جنسها الفطرية.

إن التصور الإسلامي لا يفرِّق بين الأمرين، فكل مسالك التشبُّه بين الجنسين داخلة في المذمة الشرعية. وليس في تعامل السلف ما يدل على التفريق بينهما؛ بل كانوا في غاية الصرامة والشدة مع الفتيات المتشبهات في ملابسهن بالذكور. فلابد أن تراعي المرأة المسلمة هذا الضابط الشرعي في ارتداء الملابس؛ فإن " قضية اللباس والأزياء ليست منفصلة عن شرع الله ومنهجه للحياة"؛بل مرتبطة به كل الارتباط.

ثالثاً: ضابط الإسراف: بحيث تعتدل المرأة في استهلاك الملابس من جهة النوع ومن جهة الكم، فتعرف كيف تلبس، وتتأنق بما يليق بمثلها؛ فإن من " المروءة أن يكون الإنسان معتدل الحال في مراعاة لباسه، من غير إكثار ولا إهمال، فإن إهمال مراعاتها، وترك تفقدها: مهانة وذل، وكثرة مراعاتها، وصرف الهمة إلى العناية بها: دناءة ونقص". فالجواز هو الأصل في اتخاذ الملابس المباحة، والتجمل بها، حتى وإن كانت نفيسة الأثمان، فقد كسا رسول الله r نساءه الحرير، ولبسه بناته, وكان يقول لأصحابه: " … حقُّهن عليكم أن تُحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن".

وقد كان السلف يمتثلون أمر الرسول r في ذلك، فعن محمد بن ربيعة بن الحارث قال: " كان أصحاب رسول الله r يُوسِّعون على نسائهم في اللباس الذي يُصان ويُتجمَّل به، ثم يقول: رأيت على عثمان مِطْرَفَ خزٍ*ثمنَ مائتي درهم، فقال هذا لنائلة كَسَوْتُها إياه، فأنا ألبسُهُ أسرُّها به"،إلا أنَّ الضابط في هذا أن تُستهلك الملابس استخداماً،ولا تصل أنواعها وأشكالها بالمرأة إلى حدِّ التميُّز الاجتماعي والافتضاح؛ فإن ثوب الشهرة مذموم شرعاً، والاستكثار المفرط من ملابس النساء مكروه في حد ذاته خاصة الجميلة منها؛ لأنها كثيراً ما تُرغِّب إليهن  الخروج، والبروز، والتبرج، وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: " استعينوا على النساء بالعري؛ إن إحداهن إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتُها: أعجبها الخروج".

إن زمناً ليس ببعيد كان الثوب الحسن يبقى مع المرأة دهراً طويلاً،حتى إنها ربما ورَّثته بعض بناتها، أو أعارته جاراتها، وربما لم يكن لإحداهن إلا الثوب الواحد تحيض فيه وتطهر. فلم يكن يُعرف - إلى عهد قريب - الإسراف في الملابس حتى ظهر تفنُّن دور الأزياء النسائية في إنتاج الجديد من أنواع الملابس، ففُرض على النساء نظام "الموضة" - بصورة غير مباشرة– بحيث تخضع أنواع الأزياء، وأشكالها المختلفة إلى مواسم خاصة: فصلية وسنوية، تصبح بعدها الأزياء –حتى وإن كانت جديدة– مهملة في نظر المرأة لا قيمة لها، ضمن صور متشابهة متكررة، وحِلَق دائرية مفرغة من التجديد والتطوير، لا نهاية لها إلا مزيداً من هوس الشراء، واستهلاك المال. وقد كان الشواب من النساء ولم يزلن ضمن فتنة الموضة: أكثر فئات المجتمع تأثراً بها، وخضوعاً لمتطلباتها.

وتشمل الموضة المؤثرة في المجتمع كافة المجالات والأنشطة في العلوم والفنون والآداب والهندسة والترفيه والمآكل والمشارب، إضافة إلى الأزياء وأنواع الملبوسات المختلفة، حيث تتحكم فيها روح العصر المتجددة، التي تشمل تغيير الأشكال والأنماط والقوالب الفنية والأدبية السائدة، وغالباً ما يلجأ إلى التلبس بها أهل الترف من الأغنياء للخروج عن المألوف، والرغبة في التجديد.

إن من الضروري أن تعرف المرأة: أن نظام الإسلام التربوي في مثل هذه المواقف الاجتماعية يأمرها بالنظر إلى من هنَّ دونها في المرتبة والمكانة وليس لمن هنَّ فوقها؛ وذلك حتى تقنع بما عندها وترضى، فإن مجاراة المتْرفات المتنعِّمات
لا تزيدها إلا هماً وغماً، كما أن خضوعها واستسلامها لنظام الموضة، وما تفرضه من أنواع الأزياء يُعتبر نوعاً من العبودية المقيتة؛ فإن رسول الله r يقول: " تعس عبد الدينار والدرهم، والقَطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يُعط لم يرض". كما ينبغي عليها أن تعلم: أن هذه الموضوعات غالباً ما تنتشر في الأوساط الاجتماعية المختلَّة، التي ضعُفت فيها الثوابت والمبادئ، فيسعى " أعضاؤها للحصول على اعتراف بالمكانة، وللإعراب عن الذات عن طريق تقليد الصفوة". فلا يليق بالمرأة المسلمة أن تنساق إلى مثل هذه المزالق الاجتماعية الخطيرة، فتستهلك أوقاتها، وطاقاتها الجسمية، وثروتها المالية في غير طائل.

المصدر: موقع الدكتور عدنان باحارث .
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 699 مشاهدة
نشرت فى 8 أغسطس 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,685,667

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters