من أغرب المظاهر الخطيرة الشائعة التي نعانيها في مؤسساتنا المختلفة هي الشيخوخة الإدارية حيث أصبحت السمة الغالبة لرجال الإدارة العليا والمسئولين والقادة وصناع القرار أن يكونوا من كبار السن والمعمرين في مناصبهم الإدارية منذ سنوات يصل بعضها لعشرات السنين حتى أصبحت في بعض المؤسسات ثقافة سائدة أن لا يصلح للقيادة إلا كبار السن وأصحاب الشعر الأبيض والخبرة الطويلة.
لا شك أن القيادات الإدارية القديمة تتمتع برصيد وافر من الخبرات التراكمية السابقة، ولكن السؤال المهم جدا:
هل نحتاج لهذه الخبرات في واقعنا الحالي؟
أم أنها بطبيعية الحال أصبحت في جزء كبير منها متقادمة ولم نعد في حاجة إليها في ظل تغير وتطور آليات العصر ...
لا مانع من الاحتفاظ بها كما فعلت الإدارة اليابانية كإستشاريين يرجع إليهم في بعض الشئون التي تناسب خبرات كل منهم وليفسحوا الطريق لرجال المرحلة من الشباب صاحب العقل والفكر والرؤى الجديدة و القوة والحيوية والاستعداد للبذل والعطاء خاصة إذا كان مؤهلا علميا ومهاريا لأداء دوره وواجبه...
ولا شك أن لهذه الظاهرة السنية آثارا بالغة السوء على المؤسسات الإدارية المختلفة نبوّب بعضها من خلال رصدنا لكثير من المؤسسات التي تعاني هذه الظاهرة:
1-الطموح لدى هذه القيادات وربما توقف طموحهم على المحافظة على الأوضاع الحالية كما هي وبقائهم في هذه المناصب حتى حضور ملك الموت.
مما يعني ضعف إنتاج مؤسساتهم وتخلفها وربما خروجها من السوق نهائيا بفعل المنافسة الشرسة في السوق.
2- استخدامها لأساليب نمطية وتقليدية في الإدارة والإنتاج.
3- التعامل مع حركة الحياة المتجددة بنظرية ثابتة قديمة تحرم المؤسسة من كثير من فرص النجاح.
4- بحكم قيادتها التاريخية تمثل ثقلا كبيرا في المؤسسة مما يعني فرض سطوتها ورأيها على الآخرين مما يعني إدارة المؤسسة بشكل فردي
مطلق.
5- محاربة الأفكار الجديدة والكفاءات الشابة الجديدة حفظا لمكانتها وبقائها واستمرارها لآخر لحظة.
6- التضحية بكثير من الكفاءات الجديدة لحرمانها من ممارسة دورها في أخصب فترات حياتها؛ وبالتالي حرمانها من أخذ حقها في العمل والنضج.
7- ضيق أفق هذه القيادات والإدارات بالمقارنة بالقيادات والإدارات الحديثة المتفتحة.
8-العبء الكبير والتكلفة المادية العالية لمرتبات هذه القيادات حيث تكون قد قضت فترة كبيرة في العمل مما يعني تضخم رواتبها ومكافآتها.
9- عبء الحيثية التاريخية لهذه الإدارات والقيادات وآثاره السلبية على كبت وتحييد آراء الآخرين.
10- ارتباط الأفراد الإمعات ذوي الثقافة والقدرات المحدودة داخل المؤسسة بهذه القيادات والدوران في فلكها؛ مما يشكل جبهة ومركز قوة كبيرا يصعب معها تطوير العمل.
11- ضعف القدرات البدنية والذهنية لهؤلاء الأفراد مما يقلل من حجم نشاطهم وحركتهم في مقابل القيادات الشابة المتحمسة.
12- تأثر المؤسسة بالرؤى والقناعات الخاصة لهذه القيادات والتي ربما قد تشكلت في ظروف وبيئات مختلفة عن بيئة وظروف الواقع الحالي؛ مما يحدث فجوة كبيرة وتخلفا كبيرة في إدارة العمل.
13- افتقار هذه القيادات لمعارف ومهارات الإدارة الحديثة وآليات العصرالجديد والتكنولوجية الحديثة نظرا لطبيعة دراستهم وثقافاتهم وتأهيلهم في
العهود السابقة.
ومن اللافت للانتباه أن ترى في أوربا وأمريكا واليابان مديرين ورؤساء لشركات دون الثلاثين من العمر ولا نرى في مؤسساتنا إلا قادة ومديرين بعد الستين في حين أن الغرب يعاني خللا في تركيبته السكانية لقلة عدد الشباب وتناقصه بشكل مستمر ونهائي، وفي مجتمعاتنا العربية بطالة مقنعة بين الشباب.