قطعت مصر شوطاً لا بأس به في العديد من المجالات ذات الصلة بالشفافية ومكافحة الفساد، نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر إصلاح نظام المشتريات الحكومية وإدخال المزيد من الشفافية عليه عن طريق الإعلان عن جميع المناقصات الحكومية علي شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) ناهيك عن التطوير الذي حدث في الموازنة العامة للدولة والحسابات الختامية، من تبويب أو نشر بحيث أصبحت متاحة للجميع علي موقع وزارة المالية، فضلاً عن التطورات العديدة التي أدخلتها وزارة التنمية الإدارية في التعاملات الحكومية وربط معظم الخدمات الجماهيرية بشبكة الإنترنت، مما قلل كثيرا من التعاملات المباشرة بين الجمهور ومؤدي الخدمة. ورغم تلك الجهود وغيرها إلا أن هناك الكثير مما يحتاج إلي العمل في العديد من المجالات.. بعضها يتعلق بالأوضاع الحالية والبعض يتطلب إدخال تشريعات جديدة في المجتمع خاصة أن التجارب الدولية المختلفة التي نجحت قد ارتبطت أساساً بتدعيم آليات المشاركة الشعبية والديمقراطية والشفافية، وتطبيق مبادئ الإدارة الرشيدة عند وضع السياسات المختلفة، وبمعني آخر فإن التحول الطامح إلي اقتصاد السوق يتطلب بالضرورة وجود حزمة من القوانين المدنية والجنائية الواضحة والمعلن عنها بالقدر الكافي، مع إنفاذ القواعد القانونية والتنظيمية ووجود جهاز قضائي مستقل، وتعزيز النظام الضريبي والإدارة الضريبية، وزيادة شفافية المالية العامة، وتفعيل إجراءات المحاسبة المالية، وتطوير الجهاز الإداري للدولة، مع تفعيل المنافسة.. ورغم أن هذه الإجراءات وغيرها قد تستغرق بعض الوقت، إلا أنها تعتبر ضرورة قصوي لإنجاح هذه العملية.. وقد أثبتت الدراسات أن البلدان التي تتمتع بحريات سياسة واسعة، مع استبعاد أثر المتغيرات الأخري، قد حققت أداء أفضل في توفير التعليم الأساسي والصحة ومستوي التنمية البشرية.

في هذا السياق توجد عدة محاور للعمل علي المزيد من تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد منها:

 1 - المزيد من شفافية مالية الحكومة:

إذ أثبتت الدراسات أن الطريقة التي تنفق بها الحكومات مواردها المالية تبدو أكثر أهمية من حجم ما تنفقه من أموال أو الغرض الذي تنفق هذه الأموال من أجله، وبالتالي فإن الكشف العلني والواضح عن هذه المسألة يتطلب النشر الكامل للبيانات المالية للدولة، في الوقت المناسب، كما يجب أن تكون تلك البيانات موثقة وعلي درجة عالية من الدقة، ويمكن الرجوع إليها بحيث يسهل فهمها، كما يجب أن تكون حديثة وتتفق مع المعايير الدولية المتبعة في البلدان الأخري.

من هذا المنطلق نطرح بعض المقترحات المتعلقة بربط أسلوب إدارة الموازنة العامة بالأهداف والإطار القانوني لإعداد الموازنة والعلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية وكذلك علاقة وزارة المالية بالوزارات الأخري، وأخيراً الشمولية والشفافية، وذلك من خلال عدة خطوات: - تضمين قانون الموازنة بابا جديدا عن شفافية الموازنة يحتوي علي القواعد العامة والشروط التي يجب الالتزام بها في إعداد قانون الموازنة وجميع التقارير المتعلقة بالمالية العامة علي النحو الذي يضع إطاراً موحداً ومتسقاً لكيفية إعداد وثائق الموازنة.

- تقديم معلومات كافية عن جميع الكيانات الاقتصادية العامة والتي تقوم بأنشطة خارج الموازنة ولكنها تؤثر علي السلامة المالية للدولة مثل الهيئات الاقتصادية وبنك الاستثمار القومي.

- تحديد موعد ثابت لوزيري المالية والتنمية الاقتصادية لإلقاء كل منهما بيانه (عن الموازنة والخطة) علي ألا يتجاوز شهرا من تقديم مشروع الموازنة وذلك لأن مجلسي الشعب والشوري لا يبدآن مناقشة جدية لهذه البيانات إلا عقب هذه العملية وبالتالي فإن تأخر إلقاء البيان يؤدي إلي تأخر المناقشة وبالتالي فقدان الأثر الإيجابي من التعديلات.

- تحديد المسئولية عن نشر بيانات الموازنة والمالية ودعم شرعية ومؤسسية نشر تقارير الموازنة وتقارير المتابعة الشهرية والنصف سنوية.

- إلزام وزارة المالية بنشر موازنة المواطن، وهي نسخة مبسطة وسهلة من الموازنة العامة للدولة، يستطيع المواطن العادي قرأتها وفهمها.

- إلزام الحكومة بعمل وتبني إطار لسياسة الموازنة متوسطة الأمد تعكس الأهداف والتوجهات الاستراتيجية علي المدي المتوسط وآليات تحقيقها.

- ضرورة العمل علي إصدار بيان ما قبل الموازنة تعرض فيه الحكومة الثوابت التي تستند عليها لصياغة مشروع الموازنة مثل تقديرات النمو وتكونه ومعدل التضخم المتوقع وكذلك معدلات الفائدة والبطالة، وأوضاع الميزان الجاري بميزان المدفوعات وغيرها من الأمور المرتبطة به.

- تحديد سياسة واضحة للإفصاح عن المخاطر المالية المحتملة وآثارها المختلفة، مثل الدين العام وإدارته وكذلك المتأخرات والضمانات الحكومية.

- وضع معايير محددة للحكم علي مدي نجاعة وكفاءة السياسة المالية، وبالتالي عدم الاقتصار علي مجرد عرض بيانات صماء عن الموازنة وأرقام، دون الدخول في بعض التفاصيل المهمة، أي نشر بيانات غير مالية مثل عدد المستفيدين من برامج التأمينات الاجتماعية وعدد المدارس والمستشفيات وغيرها.

2 - تعديل قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998:

يعد هذا القانون من أهم القوانين المساعدة علي الحد من الفساد في المجتمع، إذ أنه يقوم أساساً بتنظيم جميع الإجراءات والأمور المرتبطة بالمشتريات والمبيعات الحكومية، أي تلك التي تبرمها جهات الجهاز الإداري للدولة من وزارات ومصالح ووحدات الحكم المحلي والهيئات العامة، خدمية كانت أو اقتصادية وكذلك الأجهزة ذات الموازنات الخاصة.

وقد أشار القانون إلي ضرورة أن تخضع كل المناقصات العامة والممارسات العامة لمبادئ العلنية وتكافؤ الفرص والمساواة وحرية المنافسة. ووضع العديد من الشروط التي تحول دون الاستفادة من هذه الأمور.

ولذلك نصت المادة ( 39) من القانون المذكور علي الحظر علي العاملين بالجهات التي تسري عليها أحكام القانون التقدم بالذات أو بالواسطة بعطاءات أو عروض لتلك الجهات.

كما لا يجوز شراء أشياء منهم أو تكليفهم بالقيام بأعمال. واستثنت من ذلك شراء كتب من تأليفهم أو تكليفهم بالقيام بأعمال فنية كالرسم أو التصوير وما يماثلهما أو شراء أعمال فنية منهم إذا كانت ذات صلة بالأعمال المصلحية.

كما حظرت علي هؤلاء الدخول في المزايدات أو الممارسات بأنواعها إلا إذا كانت الأشياء المشتراه لاستعمالهم الخاص وكانت مطروحة للبيع عن غير جهات عملهم ولا تخضع لإشراف هذه الجهات.

وحسنا فعلت الحكومة المصرية حينما قررت ضرورة نشر جميع المناقصات والمشتريات الحكومية علي شبكة الإنترنت.

وهو ما يزيد من الشفافية ويحد من إمكانيات التلاعب، ولكن مما يؤخذ علي هذا القانون أنه في أحوال كثيرة وضع العديد من الاستثناءات علي هذه العمليات وأجاز لرئيس مجلس الوزراء والوزراء العديد من الاستثناءات التي أفرغت القانون من مضمونه، وهو ما يتطلب التدخل العاجل للحد من هذه الاستثناءات وقصرها علي الحدود الدنيا، كما يجب إجراء تحديث جذري في الفلسفة التي تستند إليها نظم المشتريات الحكومية حتي يتم تفعيل قدرات وطاقات العنصر البشري وإعادة تأهيل وتدريب الفئات والأجهزة المرتبطة بها بما يساعد علي الحد من ظاهرة الفساد في هذه العملية. وذلك بالعمل علي وضع أطر جديدة ونظم مختلفة تساعد علي تطوير العمل، ولابد أن تتوافر لهم المؤسسات والآليات المناسبة التي تمكنهم من التعامل السليم مع الأجهزة الحكومية ومساءلتها ومحاسبتها وذلك بالعمل علي ما يلي:

- تجنب وضع الحواجز غير الضرورية التي قد تقلل من عدد مقدمي العطاءات والتأكد من أن المبالغ المطلوبة للعطاءات توضع بشكل مناسب للجميع ومتسقة مع الهدف المراد الحصول عليه.

 - تسهيل إجراءات التقدم للمشتريات الحكومية والسماح لها بوقت كاف لكي تتمكن من تقديم العطاءات مع العمل علي نشر التفاصيل من خلال الصحف والمواقع الإلكترونية.

- تحديد الشروط بأقصي قدر ممكن من الوضوح والشفافية عند طرح المناقصة.

- تحديد المواصفات بما يسمح بموجود منتجات بديلة كلما أمكن ذلك.

- العناية باختيار المعايير كما يجب ألا تؤدي إلي إعاقة أصحاب المشاريع الصغيرة أو متوسطة الحجم.

- وضع أطر وقواعد واضحة تضمن لجميع الأطراف حقوقها وتتيح تأدية الخدمة الحكومية في أقصر وقت وبأقل تكلفة وبأعلي مستوي من الإنتاجية.

- إنشاء آلية منظمة وفاعلة لتقديم الشكاوي من جانب الشركات للإبلاغ عن أي مشكلة تتعلق بالشفافية أو الممارسة مع الأخذ بالحسبان وجود نظام لحماية الشهود والمبلغين.

- إحكام الرقابة والسيطرة التنظيمية علي الأسواق بما يرفع من كفاءة الخدمة العامة ويقضي علي الممارسات السلبية.

- القضاء علي التعارض والتداخل القائم حاليا في القوانين السائدة.

3- الإسراع بإصدار قانون جديد للمعلومات:

لاشك أن سرعة إصدار قانون جديد للمعلومات سوف يتيح الفرصة كاملة للحصول علي البيانات والمعلومات الصحيحة مع مراعاة التوازن الدقيق بين حرية تداول المعلومات والأمور المرتبطة بالأمن القومي للدولة أو لصون صحة الأفراد وحقوقهم مع ضمان توفر المعلومات الدقيقة في مواقيتها.

وإفساح المجال أمام الجميع للاطلاع علي المعلومات الضرورية والموثقة

ويجب أن تنشر بعلانية ودورية من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومحاصرة الفساد من جهة والمساعدة علي اتخاذ القرارات الصالحة في السياسة العامة من جهة أخري.

4 - الحد من تضارب المصالح:

لا يخفي ما لتعارض المصالح من آثار علي المجتمع ككل إذ تؤدي إلي فقدان الفعالية وتقليل المنافسة والحد من المتقدمين إلي العطاءات الحكومية، مما يزيد من تكاليف الحصول علي الخدمة أو السلعة الحكومية مع ما يؤديه ذلك من زيادات في التكاليف والأعباء عن المالية العامة للدولة، ومن ثم آثاره قد يؤدي إلي تقويض النمو الاقتصادي ويعوق التنمية الاقتصادية ويقوض الشرعية السياسية، وهي عواقب تفاقم بدورها من الفقر وعدم الاستقرار السياسي كما يحدث تعارض المصالح الكثير من الآثار السلبية ومن ثم يعيق عملية النمو الاقتصادي، إذ إنه يمكن أن يضر بمناخ الاستثمار وبيئة الأعمال، حيث يشوه عملية وضع السياسات علي نطاق واسع وتقوض مصداقية الحكومة، كما أنه في المستويات الدنيا للإدارة يمكن أن تمثل ضريبة إضافية علي نشاط الأعمال وتعمل علي تحويل الموارد بعيدا عن الخزانة العامة، ولاشك أن الارتفاع في التكاليف لا يقلل فقط من حجم الاستثمارات الجديدة والقائمة وفاعليتها، بل يؤثر أيضا علي الاستثمارات الأجنبية، مما ينعكس سلبا علي النمو الاقتصادي بالبلاد.

إذ إن استغلال المصالح في المشاريع الحكومية الكبري يعد عقبة في طريق التنمية المستدامة، حيث تسبب خسائر فادحة في المال العام اللازم للإنفاق علي الصحة والتعليم ولتخفيف الفقر، ومن ثم يرتبط بتراجع مؤشرات التنمية البشرية، كما يسهم استغلال النفوذ في تدني كفاءة الاستثمار العامة وإضعاف مستوي الجودة في البنية التحتية العامة، وذلك بسبب الرشاوي التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من تكلفتها بالإضافة إلي انتشار الوسطات والغش مما يؤدي إلي تدني المشروعات العامة، كما يساعد تعارض المصالح علي زيادة التدهور في توزيع الدخول والثروات مما يقلل من الكفاءة المجتمعية، ويزيد حالات الانقسام في المجتمع.

5- العمل علي حماية المبلغين والشهود :

علي الرغم من وجود بعض المواد المتناثرة في القوانين المصرية لحماية الشهود والمبلغين، إلا أنها في الغالب الأعم لا تحقق لهم هذه الحماية بل أحيانا ما تكون عكس ذلك تماما إذ تنص بعض المواد القانونية علي ذكر جميع البيانات الخاصة بالمبلغ ومحل إقامته، مما يجعله عرضة للمجرمين وفي هذا الصدد أصبح من الضروري العمل علي وضع أطر قانونية جديدة تضمن الحماية الكاملة لهؤلاء وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص وثيقي الصلة بهم مثل تغيير محال إقامتهم أو إخفاء بياناتهم عن الآخرين أو استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في هذا المجال.

 6- تفعيل دور المجتمع المدني :

لاشك أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب بالضرورة تفعيل دور المجتمع المدني والأحزاب المصرية وتطويرها بغية جعلها قادرة علي المشاركة الفعالة في بناء جدول أعمال المستقبل وهي مسألة مهمة خاصة أن ظروف الحياة السياسية في مصر ووضعها الحالي قد أديا إلي العديد من المشكلات الحزبية بعضها داخلي يظهر في الانقسامات والانشقاقات داخل هذه الأحزاب نفسها وبعضها خارجي يتعلق بالبيئة السياسية التي تعمل في إطارها خاصة انسداد إمكانية التطور السياسي لها نتيجة لانسداد أفق تداول السلطة في المجتمع وغياب دور المؤسسات المحايدة ومشكلة الديمقراطية وضعف الطبقة الوسطي وأزمة الثقة في الرأسمالية المصرية وغيرها من القضايا.

وكلها أمور أدت إلي بروز ما يمكن أن نطلق عليه ( المعارضة الدائمة ) وبالتالي المزايدة السياسية علي جميع القضايا المطروحة بما فيها قضية الإصلاح الاقتصادي والأهم من ذلك غياب ثقافة البرامج الحزبية ودورها في جذب الجماهير مع زيادة التركيز علي قضايا السياسة بأكثر بكثير من القضايا الاقتصادية.

المصدر: د. عبد الفتاح الجبالى
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 336/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
112 تصويتات / 2179 مشاهدة
نشرت فى 20 يوليو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,875,403

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters