بسم الله الرحمن الرحيم
 إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله.
 أمّا بعد فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار ، وبعد:


تعريف الحضارة : في اللغة: مظاهر الرقي العلمي والفني والأدبي والاجتماعي في الحَضَر، وقد أقر هذا التعريف مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، المعجم الوسيط ص181.
وفي الاصطلاح : هي طريقة للحياة العلمية أكثر تقدّما ، مثل النظم الاقتصادية والحكومية والاجتماعية ، وتكون هذه الطريقة في المدن  أو المجتمعات المنَظّمة على شكل دول. فتشمل الحضارة –بهذا المعنى- : الفن، والعادات، والتقنية، وشكل السلطة، وكل ما يدخل في طريقة حياة المجتمع، وبهذا التعريف تكون الحضارة مماثلة للثقافة ، إلا أنّ الفرق بينهما أن الثقافة كلمة عامة لأسلوب الحياة سواء كان هذا الأسلوب سهلاً أم معقدًا، فتشمل الثقافة  الفنون، والمعتقدات، والأعراف، والتقاليد، والاختراعات، واللغة، والتقنية، وأما الحضارة فتشمل أساليب الحياة المُعقدة فقط. (نقلا عن الموسوعة العربية العالمية( 8/38 ) و (9/423) باختصار وتصرف.

1-عقيدة التوحيد. 2- وحدة الأمة على أساس التقوى والسمع والطاعة. 3- وحدة مصدر الدّين. 4-العلم النافع.     5- العمل الصالح. 6- العدل. 7-الأخلاق الحسنة. 8- احترام الوقت. 9- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.  10 - القوة العسكرية التي تحمي تلك الحضارة.


1-عقيدة التوحيد: بالإيمان بوجود الله الخالق الرازق المالك والمدبّر، الذي يستحق العبادة وحده وأداء تلك العبادة لله، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، قال الله تعالى (رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميّا) [مريم:65]، تلك العقيدة الخالصة الصافية علّمت أصحابها قيمتهم في هذا الكون، وأرشدتهم إلى واجباتهم، وأخرجتهم من الشرك والخرافات والأباطيل، فأفرزت تلك العقيدة بطولات نادرة، وقدوات عالية.

2- وحدة الأمة على أساس التقوى، والسمع والطاعة لولاة الأمور المسلمين ولو كان فيهم نقائص وقصور، قال الله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) [الحجرات:13]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله أذهب عنكم عُبِّيّة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقيّ، أو فاجر شقيّ، الناسُ كلّهم بنو آدم، وآدم خُلق من تراب» رواه أحمد (8736)، وأبو داود (5116)، والترمذي (4233)، وهو حديث صحيح، كما في صحيح الجامع الصغير للألباني (5482). ومعنى عُبِّيّة : الكِبْر، والنخوة، والافتخار، والتعاظم. وقال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [آل عمران: 102]. وقال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء:59]، وقال صلى الله عليه وسلم:«من خلع يدًا من طاعة، لقيَ الله يوم القيامة لا حجّة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات مِيتة جاهلية» رواه مسلم (1851). وقال صلى الله عليه وسلم:«من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عُمِّيّة، يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية، فقُتل، فقِتلته جاهلية، ومن خرج على أمّتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عُهدة عهده، فليس منّي، ولستُ منه» رواه مسلم (1848)، وقال صلى الله عليه وسلم:«من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت، إلا مات ميتة جاهلية» رواه البخاري (7053]، ومسلم (1849)، وقال صلى الله عليه وسلم:«ثلاث لا يغِلّ عليهنّ قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لوُلاة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم» رواه أحمد (16738)، والترمذي (2658)، وغيرهما، وهو حديث صحيح.

3- وحدة المصدر الذي تؤخذ منه الأحكام، وتستنبط منه المسائل، إنه القرآن الكريم، والسُّنَّة النبوية الصحيحة، وما كان في معناهما مما لا يخالفهما كالإجماع والقياس وغير ذلك، وذلك الاستنباط يكون عن طريق العلماء الثّقات، قال تعالى( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) [الحشر:7]، وقال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [الأنبياء:7]، وقال تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) [النساء:83]، وقال صلى الله عليه وسلم:«وإن العلماء ورثة الأنبياء» رواه أحمد، وغيره، وهو حديث صحيح، كما في صحيح الجامع (6297).
4- العلم النافع: جاء الإسلام ليعيد ترتيب العقل الإنساني، ثم يُطلقه ليعرف ربَّه من خلال آياته في الكون والنفس بقصد البناء. وكان أول ما نزل من الوحي يختص بالعلم، وهو قوله تعالى : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [القلم:1].
وامتن الله على محمد صلى الله عليه وسلم بالعلم في مواضع كثيرة من القرآن، وامتن على المسلمين بأن بعث فيهم محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولاً كما في قوله تعالى: ( لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) [آل عمران:164 ] وفضَّل الله العلماء على غيرهم.ومن دلائل اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالعلم، أنه جعل فداء بعض أسرى بدر تعليم الواحد منهم عشرة من أبناء الأنصار القراءة والكتابة. ووردت أحاديث كثيرة في الحث على تحصيل العلم النافع، مما كان له الأثر الفعال في بناء حضارة إسلامية رائدة. [الموسوعة العربية العالمية (9/425)].
5- العمل الصالح: لما كان العمل هو الذي يشيّد صرح الحضارة، فقد علّم الإسلام المؤمنين المثابرة على العمل، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوّذ من العجز والكسل، وقرر عليه الصلاة والسلام أن الذي يخرج لطلب الرزق لأبويه الشيخين أو لذريته الضعاف أو ليعفّ نفسه من مذلة السؤال، فهو في سبيل الله. وارتقى الإسلام بالعمل إلى مرتبة العبادة، إذْ جعل أي عمل يبتغي فيه المؤمن وجه الله عبادة. [الموسوعة العربية العالمية (9/425 -426)].
وحثّ الإسلام الناس على العمل لعمارة الأرض في شتّى الميادين الاقتصادية مثل: استصلاح الأرض الموات، انطلاقاً من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق). ولذا شهدت وقائع التاريخ الإسلامي حركة عظيمة لاستصلاح الأرض وتحسين أساليب الزراعة وتنويع المزروعات، ومثل التعدين والإنتاج الصناعي، انطلاقاً من توجيه القرآن أنظار المؤمنين إلى أهمية المعادن وفي مقدمتها الحديد: ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ) [الحديد:25 ]، ومثل النشاط التجاري الذي انطلق من حث الله الناس للضرب في الأرض ابتغاء فضله.
6- العدل: لقد عبرت بعض نصوص القرآن والسنة عن العدل، وطبّقه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة (رضي الله عنهم). ومن الأمثلة القرآنية: قول الله تعالى: ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) [النساء: 58 ] وقوله: ( ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا ) [المائدة: 8 ]، وقوله: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم )[ الممتحنة: 8].ومثال ذلك ما جاء في السُّنة، من قول الرسول صلى الله عليه وسلم «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ـ وكلتا يديه يمين ـ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم ما ولوا» رواه مسلم. وذم الله والرسول الظلم. [الموسوعة العربية العالمية (9/425)].
7- الأخلاق الحسنة: إن آيات القرآن دستور شامل لتربية الأفراد والجماعات تربية صحيحة في شتى مجالات الحياة، وهذا ما حدا بالمستشرق كارليل إلى أن يقول: "إن الإحساسات الصادقة الشريفة والنيات الطاهرة الكريمة تظهر في فضل القرآن والفضل الذي هو أول وآخر فضل وُجد في كتاب ونتجت عنه جميع الفضائل على اختلافها ".
كانت كل القيم التي أسست لقيام الحضارة الإسلامية في العهد النبوي من آثار تلك التربية الإسلامية الصحيحة للفرد والجماعة.وتميزت هذه التربية التي بدأت بدار الأرقم بن أبي الأرقم بمكة بأنها تربية أخلاقية شمولية تتناول كل شأن من شؤون المسلم، وبأنها قرنت القول بالعمل، وبدأت تنمية الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية تجاه نصرة دين الله . وكان لحمتها وسداها الأخلاق الإنسانية الراقية التي يلحظها الإنسان في جميع أحكام الإسلام من فروض وسنن ومندوبات ومستحبات. وتمثل ذلك كله في شمائل الرسول وصحابته. ويدرك الناظر في كتاب " الأنوار في شمائل النبي المختار " للإمام البغوي هذه الحقيقة، إذ يكفي دلالة أن تعلم أنه أورد 1257 حديثًا وأثرًا، معظمها في الأخلاق. [الموسوعة العربية العالمية (9/426)].
8- احترام الوقت: لا يختلف اثنان مع المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي ـ يرحمه الله ـ في تحليله لشروط النهضة الحضارية عمومًا حين قال: إن مشكلة الحضارة تنحل إلى ثلاث مشكلات أولية؛ مشكلة الإنسان ومشكلة التراب ومشكلة الوقت. فالإسلام يربّي الإنسان المؤمن به على محاسبة نفسه على كل لحظة يعيشها واستغلال كل لحظة للصالح العام والخاص. قال عليه الصلاة والسلام: (من أحس قيام الساعة وبيده فسيلة فليغرسها)، ومن أول ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة عمره فيم أبلاه. [الموسوعة العربية العالمية (9/426)].
9- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هو أصل أصيل في الإسلام للمحافظة على قوّة الأمّة في الدّاخل، والحفاظ على الدّين من الدّخيل، وإرجاع الضّالّين إلى الصراط المستقيم، ونشر النور في العالمين، قال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) [التوبة:71]، وقال تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) [آل عمران:104]، وقال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) [آل عمران:110].
وقال صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهوُنّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثمّ لَتَدْعُنَّهُ فلا يستجيب لكم» رواه أحمد (23301)، والترمذي (2169)، وهو حديث حسن، كما في صحيح الجامع (7070).
10- القوّة العسكرية التي تحمي تلك الحضارة والمتمثّلة في الجهاد في سبيل الله بكلّ أنواعه وبشروطه، ذلك أن الحقّ لابدّ له من قوة تحميه، وتدافع عنه وتنصره وتنشره كما قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) [الحديد:25]، وقال تعالى (لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ) [البقرة:256]، وقال تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) [الأنفال:60]، وقال تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) [البقرة:217]، وقال تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) [البقرة:193]، وقال تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [التوبة:29].
كان الجهاد ـ بجميع ميادينه ومعانيه ـ أعظم وسيلة وأقوى أساس لتحقيق العمل بالدين بما في هذا نشر مبادئ العدل والمساواة والإخاء والحرية وحماية الدين بالنفس والمال. ولذا رغَّب فيه الإسلام ترغيبًا شديدًا، حين جعل ثواب المجاهدين الشهداء في المرتبة الأولى من مراتب الأعمال الصالحة.
والتزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعهود والمواثيق في جهاده ضد المشركين في حالتي الحرب والسلم، مهما كلّفه ذلك، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها أن جماعة من المسلمين المستخْفِين بإسلامهم خرجوا من مكة للحاق بالمسلمين بالمدينة أثناء حصار الأحزاب لها، ولكن لم يسمح لهم كفار قريش بدخولها، إلا إذا التزموا بعدم الحرب مع المسلمين. فلما أخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «نفي بعهدهم ونستعين بالله عليهم» رواه مسلم. وعندما هاجر إلى المدينة، خلَّف وراءه عليًا ليؤدي عنه أمانات الكفار التي كانت بيده، ولم يستحل لنفسه الاستيلاء عليها [الموسوعة العربية العالمية (9/425)].
لقد تفوق المسلمون على غيرهم، وحققت حضارة المسلمين أيام ازدهارها كثيرا من الإنجازات في كل الميادين خصوصا في مجالات الرياضيات والفلك والطبّ والعمارة والجغرافيا والفيزياء والهندسة، وغيرها،لكن تلك الحضارة لم تُهمِل الروح، ولم تتنكّر للدّين، وبذلك سعد الناس واطمأنّوا، بخلاف الحضارة الغربية المعاصِرة التي اهتمّت بالآلة، واعتنت بالمادة، وأهملت الرّوح، وتنكّرت للدّين، فانتشر القلق، وساد الخوف، وفشت الاضطرابات، وكثرت الأزمات في العالم، كما قال تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) [طه:124]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وجُعِلَ الذلّ والصغارُ على من خالف أمري» رواه أحمد (5114)، وغيره. وهو حديث صحيح، كما في صحيح الجامع (2831).
إن الأسس التي قامت عليها الحضارة الإسلامية مازالت موجودة، وهي مازالت صالحة لإرجاع الأمّة الإسلامية إلى سالف مجدها، وغابِر عِزّها، وليس كما يظن بعض المنهزِمين المتشائمين الذين يظنون أن قوّة الأمّة لن تعود في عصر التكنولوجيا، ألا فَلْيَعلم هؤلاء وغيرهم أنَّ الحضارة الوحيدة في العالم التي ضعفت وستعود هي حضارة المسلمين، قال الله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون) [الصف:9]، ولكن بشرط (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) [ الرعد:11]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«تركتُ فيكم شيئين، لن تَضِلُّوا بعدهما: كتاب الله، وسنّتي، ولن يتفرّقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض» رواه الحاكم، وهو حديث صحيح، كما في صحيح الجامع الصغير (2937).وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنّا أذلة فأعزّنا اللهُ بالإسلام، فمهما ابتغينا العزّة بغير الإسلام أذلّنا الله. وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: لا يُصْلح آخر هذه الآمة إلا ما أصلحَ أوّلها.
 فعودة حميدة إلى الدّين الإسلامي الصافي والواضح في الكتاب والسّنّة بفهم سلفنا الصالح، فلا تقدّم إلى الأمام إلا بالرجوع إلى الماضي للقفز إلى الحاضر والوصول بخير وعزّة إلى المستقبل والحمد لله ربّ العلمين.

الإنسـان مدنيّ بطبعه :  إن الإنسان مدني بطبعة أي إنه يُحِبُّ العيش في مجتمع، وسميّ إنسانا لحبه الأنس بمثله ، وحيث إن حاجاته تَتَنوّع وتتزايد، فهو يبحث عن كل وسيلة لإشباعها، ويحتاج إلى من يساعده على ذلك، فينتقل من مكان إلى مكان أو يستقر في مكان ، فيحتاج إلى نُظُم تنظم حياته مع الأشياء ، ومع أخيه الإنسان، والناس يختلفون في مداركهم ، وتختلف رغباتهم، فكان لا بد لهم من نُظم تحدّد الحقوق والواجبات ، وتقضي على النزاعات والخلافات، قال الله تعالى : (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) [هود:119] ، قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره: «ومحصول الآية أن أهل الباطل مختلفون، وأهل الحق متّفقون، فخلق الله أهل الحق للاتّفاق، وأهل الباطل للاختلاف» اهـ.  والعقل البشري لا يستقل بنفسه في معرفة ما يَصْلُحُ وما لا يصلح، فهو محدود العلم والطاقة ، قصير الخِبرة والمعرفة ، معَ ما رُكّبَ الإنسان عليه من الهوى وما تشتهيه الأنفس ، فكان لزاما أن يوجد نظام يُخرج الإنسان من داعية هواه، وذلك النظام يجب أن يكون من مصدر أقوى من عقل الإنسان ومعارفه ، وأرفع من علم الإنسان ومداركه ، مصدر لا يميل مع الهوى ، ولا يختلف ولا يضطرب ، ذلك المصدر هو الوحي الذي ينزله الله العليم الخبير على أنبيائه ورسله، ليسير الناس على هديه، وينهلوا من خيره وبركاته، لأنه من عند الله الذي يعلم الغيب والشهادة، ويرشد إلى الكمال والسعادة، قال الله تعالى ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [الملك:14] ، وقال تعالى (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) [ المائدة:50] وقال تعالى (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون) [المؤمنون: 71] ، ولقد ختم الله الوحي على أنبيائه ببعثة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فجعله رحمة للعالمين ، وأنزل عليه كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، أرسله بدين الإسلام الذي يصلح في كل زمان ومكان، دين سمح متوازن يأمر بالاعتناء بالدنيا والآخرة ، وبتسيير الحياة على منهج الشريعة الإسلامية المُيسرة، شريعة تعتني بالروح والجسد، بطريقة عادلة لا إفراط فيها ولا تفريط، شريعة انبثقت منها ثقافة نافعة، وحضارة رائدة لم تعرف البشرية لها مثيلاً، وكان أحسن من أظهر هذه الحضارة هو رسول الله محمد     صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه وبعده، ثم الأجيال بعدهم التي اتبعت هداهم، وارتسمت خُطاهم من أهل القرون (الأجيال) الثلاثة المفضلة.

 إن رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم بنى مصانع ، لكنها ليست من الحديد والإسمنت ، بل هي من نوع آخر ،  إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى الإنسان صاحب العقيدة الصافية، والأعمال الصالحة، والأخلاق النبيلة، تلك المصانع مبنية في قوله تعالى (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه  فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) [الفتح:29]، وفي قوله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (63) والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما (64) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما (65) إنها ساءت مستقرا ومقاما(66)) [الفرقان:63-66  ] وفي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم(54) إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [المائدة: 54-55] ، وفي قوله تعالى (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون(219) في الدنيا والآخرة) [البقرة: 219-220]، إلى غير ذلك من الآيات ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بُعِثْتُ من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه . رواه البخاري (3557) ، وقال صلى الله عليه وسلم  :خير  الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . الحديث رواه البخاري (3651) ومسلم (2533).
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسّس دولة حضارية ، وبنى أمّة قدوة ، تسير على هدي القرآن والسنة، ذلك الوحي الذي نزل لتسيير الدنيا بالدين، وجعل الدنيا مزرعة للآخرة يوم لقاء رب العالمين، فسار على ذلك الصحابة، فعبدوا إلهاً واحداً، وانتظموا تحت شريعة واحدة، رسّخت أسس الحضارة الإسلامية في الفرد والمجتمع، تلك الحضارة التي أعادت صياغة الإنسان في الجزيرة العربية في معتقداته وأفكاره، وأنشأت الروابط المتينة بين الأمّة، ثم حمل المسلمون تلك الحضارة إلى العالم ليُخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن ضِيق الدنيا إلى سِعَة الدنيا والآخرة، ومِنْ جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، قال الله تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) [النحل:97].

 أسس الحضارة في الإسلام: إن من أبرز الأسس التي قامت عليها الحضارة الإسلامية:

أسس الحضارة في الإسلام: إن من أبرز الأسس التي قامت عليها الحضارة الإسلامية:

1-عقيدة التوحيد. 2- وحدة الأمة على أساس التقوى والسمع والطاعة. 3- وحدة مصدر الدّين. 4-العلم النافع.     5- العمل الصالح. 6- العدل. 7-الأخلاق الحسنة. 8- احترام الوقت. 9- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.  10 - القوة العسكرية التي تحمي تلك الحضارة.


المصدر: أبو سعيد بلعيد بن أحمد الجزائري
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 50/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 258 مشاهدة
نشرت فى 20 يوليو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,152,767

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters