إن إعلام "الأنا" في ظل التحديات المعاصرة ومعطيات الواقع يُعاني ضعفين، فأمَّا الأول فيتمثل في ضعف العرض؛ نتيجةَ انعدام القُدرة على تصنيع الأدوات التقنية، فضلاً عن المعرفة بثقافة صناعة التأثير والتوجيه من خلال وسائل الإعلام، هذا فضلاً عن التمكُّن في عرض الحقيقة والمضمون.
وأمَّا الضَّعف الثاني، فيتمثل في ضعف في الرد، فضلاً عن المواجهة والمقاومة لحملات التشويه لفكر وثقافة الأنا، وذواتها وكياناتها التي تجري في منابر الإعلام الغربي؛ لتظل الأنا في ظل هذين الضعفين عاجزة عن العرض والرد في عصر السَّمَوات المفتوحة والحرب الثقافية الشَّرسة، التي تفوق في أبعاد تأثيرها حرب الترسانة العَسكريَّة؛ وذلك لأن الأولى تقضي على العقول والثقافات، وأما الثانية فتقضي على الأجساد والأرواح.
أولاً: ضعف في عرض الصورة فضلاً عن الحقيقة والمضمون:
لا شكَّ أن الإعلام الإسلامي أصبح يعاني عدمَ القُدرة على القيام بما يخدم القضايا الحساسة للأمة الإسلامية؛ وذلك لأنه يشكو من مرضٍ عضال استشرى فيه، وهو مرض التفاهة الإعلاميَّة، فلا تكادُ تَجد أي فضائية عربية أو إسلامية تسخِّر إمكانيَّاتِها لخدمة الفكر الإسلامي، بل تجد ما يطرح في غالب الأحيان قضايا لا تَمس التطوير للكيان، والعمل على نقل مبادئه عبر الوسائل المعلوماتيَّة المختلفة، ولا شك أن هذا المرض العضال سيستشري إذا لم يتم احتواؤُه، والعمل على القيام بما يصلح من شأن الإعلام الإسلامي في تناوله لقضايا الفكر الإسلامي.
إنَّ وحدة الفكر، والعقيدة المشتركة، والسياسة التربوية الموحَّدة، واستمرار التراث، والحفاظ على إرث التاريخ، كلها تتوسَّل الفن الإعلامي، وكلُّها ضرورات أساسية للحفاظ على شخصية المجتمع واستمراره.
لقد أصبح الناس اليوم يشعرون شعورًا متزايدًا بأهمية التواصُل الإعلامي؛ وذلك من أجل الحفاظ على وَحْدَتِهم المجتمعية، ومن أجل توسيع هذه الوحدة والاطمئنان على سلامتها، ثم إنَّ الإعلام ما هو إلا وسيلة للتوجيه والإرشاد بقصد تثبيت الشخصية المتكاملة[1] .
يؤكِّد عمر عبيد حسنة في كتابه "مراجعات في الفكر والدعوة والحركة": أنَّ التوجيه والتطوير في الإعلام له دَوْر كبير في تكوين الثقافات المختلفة، وإيصال المفاهيم عبر وسائل الإعلام المختلفة، وأن ذلك لا يحصل في ظل غياب لأي تطوُّر في الإعـلام الإسـلامي، مع أن قضية الإعـلام اليـوم، والمدى الذي وصل إليه من التحكُّم والاختراق، ومن ثم الاحتواء - باتت من أخطر القضايا الثقافية وأبعدها تأثيرًا في تشكيل الفكر على مستوى الأفراد والجماعات، فقد أصبح الإعلام هو الذي يحضِّر الأمم، وهو الذي ينشئ عندها فُقدان الذات دون أن تدري أنها لا تملك أمرها.
ثم يقرر أنَّه لا يعد من المغالاة، عندما نقرر أنَّنَا نعيشُ اليومَ مرحلة الدولة الإعلاميَّة الواحدة التي ألغت الحدود، وأزالت السُّدود، واختزلت المسافات والأزمان، واخترقت التاريخ، وتكاد تلغي الجغرافيا، حتى بات الإنسانُ يرى العالم، ويسمعه من مقعده، ولم يقتصر ذلك على إلغاء الحدود السياسية، والسدود الأمنية، وإنَّما بدأ يتجاوز الحدود الثقافية، ويتدخَّل في الخصائص النفسية، وتشكيل القناعات العقدية، فيعيد بناءها وفق الخطط المرسومة لصاحب الخطاب الأكثر تأثيرًا، والبيان الأكثر سحرًا، والتحكُّم الأكثر تقنية، وأنه بالإمكان القول: إنَّ المعركة الحقيقية والفاصلة اليوم هي معركة الإعلام، وذلك بعد أن سكتت أصوات المدافع، وتوارى أصحابها، وبَقِيَ الإعلام هو أخطر الأسلحة ذات الدمار الشامل، بعد أن أصبحَ ثَمَرة تشارك في إنضاجها كل المعارف والعلوم، وتوظِّف لها أرقى الخبرات، بل أصبحتْ في كثير من الدول تدعم بميزانية تفوق الميزانية المخصَّصة للدعم الغذائي الذي به قوام الحياة، ولئن كان الإعلام في الماضي يوظَّف للترفيه والتسلية، ويعيش على هوامش المجتمع، فهو اليوم من صميم المجتمع، وأصبح يوظَّف لأداء رسالة، وإيصال فكرة، وتشكيل عقل، وصناعة ذوق عام.
ثم يؤكد أنَّ مشكلة التخلف الإعلامي، التي تعانيها الأمة المسلمة هي مظهر للمشكلة الأساسية التي تعانيها على مختلف الأصعدة، بل لعل الإعلام هو أحد إفرازاتها، وتبقى المشكلة الأساسية هي مشكلة التخلُّف؛ حيث لا يتصوَّر نمو في جانب، وتخلُّف في الجوانب الأخرى.
ومن هنا كان لا بُدَّ من إدراك الأبعاد المتعدِّدة والخطيرة للعملية الإعلاميَّة، والتي تبدأ بالتسلل إلى داخل الأُمَّة فتخترقها، ثم تعمل على التحكُّم فيها واحتوائها، وبذلك تلقي القبض على عقلها وعواطفها واهتماماتها، فتعيد تشكيلها وَفْقًا للخطط المرسومة، وأخطر ما في هذا الاختراق والتحكُّم الإعلامي توهُّم الأمم المخترَقة أنَّها تمتلك إرادتها، وتصنع رأيها، وتتَّخذ قرارها بنفسها، وذلك دون أن تشعر بأنها تدور في فلك نفسها، وتحرَّك بالريموت عن بُعد.
وقد أكد حسنة بأن الحصار الإعلامي اليوم - قبل مرحلة أقمار البث المباشر، والتي تنوي الدول القوية زراعتها فوق رُؤوسنا، وتسليطها على حواسِّنا حيثما كنَّا – يطبق علينا من كل جانب، وأن الاستهلاك الإعلامي في العالم الإسلامي للمواد المصنَّعة في الخارج يزيد عن 80 % من المطروح يوميًّا، ويأتي في معظمه محاكاة لأفكار وإنتاج وإخراج الدول المتحكِّمة إعلاميًّا، وشأننا في ذلك هو شأن الإنسان الاستهلاكي لأشياء الحضارة، العاجز عن إنتاجها الذي سوف ينتهي - شاء أم أبى - به إلى لون من الارتهان الإعلامي والثقافي والحضاري؛ وذلك لأن الإعلام لم يعد يقتصر على إيصال المعلومة، وإنَّما يُسهم في تشكيل الإنسان، وإعداده لقبول المعلومة التي يريد دون أن يدعَ له الفرصة لفحصها واختبارها لقبولها أو ردِّها.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فلا تخرج العمليَّة الإعلاميَّة في عمومها عن غيرها من عمليات التحكُّم المتعدِّدة، والتي تُمَارس من عالم الأقوياء على عالم الضُّعفاء؛ وذلك للحيلولة دون ردم فجوة التخلُّف، وإلغاء التبعية الفكرية والإعلامية والثقافية والسياسية والاقتصادية، فالقدرات والقابليات الإعلامية المبدعة، التي قد تشكِّل الأمل للخروج من دائرة التحكُّم - لا تجد لها مكانًا ولا مناخًا في العالم الإسلامي؛ لذلك ترى استمرار استنزاف الطاقات وامتصاص تلك القدرات المبدعة، الأمر الذي يجعل العالم الإسلامي على وجه الخصوص، والعالم الثالث بشكل عام - صدًى لأفكار الغرب ومنتجاته الإعلاميَّة، والتي تمهِّد لتسويق أفكاره وأشيائه معًا؛ ليستمر الفقر الإعلامي والفقر الفكري، إلى جانب مظاهر الفقر الأخرى، ونتيجة لضعف العملية الإعلاميَّة لدى المسلمين، فقد نتج ضعف في الخطاب والحوار الإسلامي؛ وذلك لعدم وجود انطلاقة لدى المسلمين ينطلقون منها لبَثِّ روح التجديد والتطوير في كل مجالات الحياة[2] .
ويحذر محمود حمدي زقزوق "وزير الأوقاف المصري" من التحدِّيات الكبيرة التي تواجه الإسلام والمسلمين في الوقت الحاضر، مشيرًا إلى أنَّه تم تجنيد ترسانة الإعلام الغربي لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في مُختلف أنحاء العالم، وأن الإعلام الإسلامي يتحمَّل مسؤولية ضخمة في هذا المجال؛ حيث عليه أن يوقظ الهمم، ويسد الفراغ، ولا يكتفي بالضرب على أوتار القلوب وإلهاب المشاعر؛ بل ينبغي أن يُخاطب العقول، وأن يسهم بفاعلية في مكافحة السلبيات، والتركيز على الأولويَّات، والارتفاع بوعي شباب الأمة، وعدم الدخول في جدل عقيم حول الهامشيات.
ويتوقَّف زقزوق لبيان واجبات الإعلام الإسلامي لمواجهة المشكلات والتحديات التي تواجهه؛ حيث يقرر أنَّ من أهمها ضرورة مواجهة الفراغ الفكري لدى شباب الأمة بالأفكار الإيجابية الإسلامية، وإلا سيصبح الشباب عرضة لتقبُّل ما يرد إليه من أفكار مُختلفة يروِّجها الآخرون، كما لا بد من وضع خطَّة مزدوجة للمواجهة الفكرية تسير في اتِّجاهين متوازيين، أحدهما: توضيح المفاهيم الإسلامية، والكشف عن الأخطاء الشائعة، وثانيها: مناقشة الأفكار الهدَّامة، وإبراز الرد العلمي عليها.
ويؤكِّد زقزوق على ضرورة ألاَّ يغفل الإعلام الإسلامي مواجهة التأثيرات العميقة للإعلام الغربي في عقلية أبناء الأقليات المسلمة، وأنَّ هذه الأجيال من أبناء المسلمين في الغرب تكاد تفقد صلتها بثقافتها الإسلاميَّة.
أما أحمد عمر هاشم "رئيس جامعة الأزهر سابقًا"، فيؤكِّد أنَّ عصرنا هذا هو عصر السَّموات المفتوحة والتحدِّي الحضاري؛ مما ينبغي معه وجود ميثاق شرف بين وسائل الإعلام والدول، وأن تكون هناك مواجهة حقيقية لهذا البثِّ الذي يحمل المخاطر من كل جانب، وأنه لا يُمكن الإيفاء بهذا الواجب العظيم إلاَّ بإعلام إسلامي غيور مُخلص يجعل كل جهوده لنشر الإسلام وتوحيد الأمة.
ومن جانبه يؤكِّد علي عجوة "عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة" على ضرورة بناء إستراتيجية مستقبلية للإعلام الإسلامي، وذلك في ضوء التيارات المتلاحقة، التي تفرض على المخططين والمنفِّذين الموائمة المستمرة بين الخطط التفصيلية والتطورات الإعلامية السريعة في عالم الغد، وخاصَّة مع التفوُّق الكبير لوكالات الأنباء العالمية على وكالات الأنباء المحلية في جمع ونشر الأخبار والأفكار والمعلومات.
وأضاف: إنَّ التحدِّيات التي تواجه الإعلام الإسلامي يمكن حصرها في أربعة أمور كُبرى، تحتاج إلى جهود كبيرة لمواجهتها، وإضعاف أثارها محليًّا؛ تمهيدًا للتغلب عليها، وتحقيق التفوُّق في المستقبل القريب تتمثَّل في:
- قوة الاتصال الغربي، والسيطرة التي يتفوَّق من خلالها على العالم كله.
- الدعاية الصهيونية التي تستفيد من دعاية الإعلام الغربي، وتتحكَّم فيه؛ لتحقيق أهدافها الخاصَّة.
- ما تُسهِم به أوضاعنا في إضعاف الإعلام وإتاحة فرص التفوُّق للدعاية المضادَّة.
- الإرساليات التنصيريَّة وما يدعمها من قوى سياسية واقتصادية.
ويرى عجوة أنَّ مواجهة تلك التحدِّيات تستلزم قيام الإعلام الإسلامي على دعائم مهمَّة، كالمصداقية، والواقعية، والتركيز على الأحداث الحقيقية ذات الأهمية بالنسبة للمجتمع المسلم.
ويشدِّد من جانب آخر فاروق أبو زيد "عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة" على حتمية وجود جهاز إعلامي إسلامي، يهدف إلى وضع أسس إصلاح المجتمعات الإسلامية، طبقًا لتعاليم الدين الإسلامي، كما أكد أنَّ الإعلام الإسلامي اليومَ بمختلف قنواته التي تمثله قد أهمل الدعوة والتعريف بالإسلام حتَّى بين المسلمين، وأنه لا بد أن يفهم العاملون بجهاز الإعلام الإسلامي أنَّ المسؤوليَّة هنا مسؤولية شرعية، وليس عملاً هامشيًّا؛ بل هو من صميم الدعوة وركيزة أساسية لمن يركِّز، أو يعارض مبادئ الدين، فالمسؤولية خطيرة؛ لأنها دعوة لأمة مثالية تُضاهي الدول الكُبرى في ظل تطوُّرات العصر، فلا بد من مترجم يعرِّف حقائق الإسلام للغير.
كما أكَّد على ضرورة التخطيط الجيِّد للإعلام الإسلامي، مع ضرورة وجود "ديوان الترجمة الإسلامي"، والذي يكون به قسم خاص بالموسوعات لفقه الإسلام وترجمة المصطلحات الدينية بكل اللغات الأجنبية، إضافةً إلى ترجمة كل ما يكتب في بلاد العالم عن الإسلام وشعوبه، وتوزيع هذه الكتب المترجمة على المسؤولين وأجهزة الإعلام، وكذلك العمل على إصدار نشرات باللغات الأجنبية يكتبها العلماء المتخصِّصون من المسلمين في الموضوعات التي تهم المجتمعات الحديثة، وترد على ما يشيعه أعداء الإسلام، هذا إضافة إلى القيام بالدراسات المقارنة بين ما جاء به الإسلام، وما جاءت به الفلسفات والنظريات، وكذلك ضرورة جمع وتصنيف وتحقيق التراث الإسلامي، وعرضه بطريقة مبسَّطة للتعريف بمبادئ الدين، مع ضرورة أن يشرف على ذلك علماء الدين، والسياسة والاقتصاد والإعلام؛ وذلك للاستفادة من علمهم وخبرتهم.
ويشير محمَّد عمارة إلى أن محطَّات الإذاعة في دول الشرق الأقصى عليها طلب مكثَّف من أصحاب الاتجاهات المختلفة في العالم؛ وذلك لاستئجار وقت فيها لبث برامجها، وعلى رأس المستأجرين دعاة التبشير في العالم، وقد أشار إلى أنه من خلال رصده لظاهرة الاستقبال البرامجي في البلاد الغربية تبيَّن أنَّ الكثيرين يشاهدون البرنامج المسيحي، كما يَحرصون على مشاهدة البرنامج اليهودي، وأن البرنامج الإسلامي لا يعرف به أحدٌ؛ لعدم الاعتناء بحسن عرضه كالبرنامج المسيحي واليهودي، وذلك حتى غدا غير معروف لدى المستمع.
كما أكَّد عمارة على أهمية دور الجمعيات والهيئات الخيرية الإسلامية للقيام بدور فعَّال، في التعريف بوجود إذاعات تبث برامج إسلامية هادفة، إضافة إلى ضرورة استقبال العاملين في مجال السينما والتلفاز، وحثِّهم على إنتاج برامج إسلامية تعيد تثقيف تلك الشعوب.
أما أحمد كمال أبو المجد "وزير الإعلام السابق"، فيرى أنَّ الإعلام الإسلامي هو السبيل إلى مجتمع القوَّة، وذلك باستجلاء معاني الإسلام التي ما زالت خافية، وأن من الضرورة وجود التصوُّر السابق لما يَجب أن تكون عليه الأوضاع مستقبلاً، وهذا يعني تحديد الفارق بين التخطيط، وبين استشراف آفاق المستقبل، بقصد التهيؤ لاستقبال الغد والتعامل معه، فلا سبيل لتحقيق هذا الدور إلاَّ إذا خرجنا من الذات الإقليمية للتواصل مع الآخرين، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية، وقبل ذلك لا بد أن يستقر في وعي المسلمين أنَّ رسالتهم موجَّهة إلى كل الناس، وأنه من الضَّروري المشاركة بحضارتنا العربية والإسلامية من جديد في صنع التاريخ وترشيد سيرته[3] .
ثانيًا: ضعف في الرد على حملات التشويه، فضلاً عن مواجهتها ومقاومتها:
كما يُعاني الإعلام الإسلامي من ضعف في عرض الصورة، فضلاً عن عرض الحقيقة والمضمون والفلسفة للخصوصيَّة الثقافيَّة، وللرسالة الربانية التي خَصَّه بها المولى - عز وجل - فإنه يظل عاجزًا بناء على ضعفه الأول بضعفٍ يترجمه في القُدرة في الرد على حملات التشويه لصورة الدين ولحقائقه وللمسلمين، فضلاً عن مواجهتها ومقاومتها؛ ذلك أن من عجز عن الرد لا يُمكنه المواجهة والمقاومة، ولا شك أن هذا الضعف انعكست آثاره على تلك الأقليات المسلمة والعربية، التي تصل اليوم إلى عشرات الملايين، كما ذكرت آنفًا، والمنتشرين في مُختلف الدول من ذلك العالم.
إنَّ الإعلام الغربي اليومَ يقوم في تكوينه للتوجه عند الإنسان الغربي بدَوْرٍ كبيرٍ في تشكيل عقليته، وقد رصد محمد بشاري صورة الإسلام في الإعلام الغربي، وخرج من خلال قراءته بعدد من الملاحظات تمثلت في:
- من خلال تحليل مضمون هذه الوسائل، فإنَّ الحقيقة تشير إلى أن الخوف من الإسلام ليس بالأمر الطَّارئ أو الجديد، غَيْرَ أنَّ هناك عواملَ عديدة تزيد من هذا الشعور حاليًّا، وتجعل الأوروبيين يرون في الإسلام خطرًا كبيرًا وتحديًا أكبر أمام الغرب؛ ولذلك كانت حصيلة تأمل؛ نتيجة الدراسات الإعلامية، التي تناولت صورة المسلمين في الوسائل الأوروبية المقروءة والمسموعة والمرئية سلبية في أغلب الأحيان.
- توجد بعض التغطيات غير المتحيزة أحيانًا؛ ولكنها قليلة قياسًا على الصورة غير الصحيحة عن المسلمين، السائدة في الإعلام الغربي؛ نتيجة المعالجات المغرضة.
- إن وقوع بعض الأحداث المرتبطة بالمسلمين عمومًا تزيد فيها المعالجة غير الموضوعية، سواء كانت هذه الأحداث متعلقة بالأقليات الإسلاميَّة في القارة الأوروبية، أم في بعض الدول العربية والإسلامية.
- تعكس الصورة النمطية للإسلام أو المسلمين في الإعلام الغربي أنَّهم يتبنون التطرف والعنف والجهاد، ونبذ العلمانية ورفض الاندماج، كما يتم تشويه مفهوم الجهاد في الإسلام في الإعلام الغربي، ومن ذلك تأكيد البعض على أنَّ الإسلام هو دين حرب، وقد أصبح يكفي أن تتم الإشارة في أيِّ مقال لمصطلح الجهاد مقرونة بترجمة في اللغة الفرنسية "الحرب المقدسة"؛ لكي تثار الزوابع والهواجس والمخاوف، فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة (لونوفيل أوبزرفاتير) مقالاً عمَّا وصفته بانفجار الحالة الإسلامية في فرنسا، وأن هناك في تلك الفترة أكثر من ألف مسجد، وأكثر من ستمائة جمعية إسلامية، وأن هذا انفجار يعود إلى حوالي 17 سنة، ويضيف صاحب المقال المذكور أنَّ تكرار العمليات الإرهابية واختطاف الرَّهائن تندرج ضمن إستراتيجيِّة مضادة للغرب، وذلك عبر تمرير خطاب الجهاد في معناه العدواني.
ولا تختلف الصورة في بريطانيا عنها في فرنسا وباقي الدول الأوروبية؛ حيث تصف وسائل الإعلام الدين الإسلامي بالدين البدائي والإرهابي، وأنَّه هو الدين الذي يتعارض مع الحضارة، والبديل عن الشيوعية وإيديولوجياتِها، خاصَّةً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ومن ذلك:
- نشرت صحيفة صنداي تايمز مقالاً لكاتب يدعى بيير جرين دورتون بعنوان: "الوجه القبيح للإسـلام"، والذي قال فيه: إنَّ الإسلام الذي كان حضارة عظيمة تستحقُّ الحوار معها قد انحط، وأصبح عدوًّا بدائيًّا لا يستحق إلا الإخضاع.
- استثارة الفزع من الإسلام بداخل القارئ الأوروبي، وذلك من خلال العناوين المخيفة في الصحف، مثل: "المسلمون قادمون، الحروب الصليبية مستمرة، سيف الإسلام يعود من جديد، العالم يتحكم فيه بدو الصحراء وشيوخ البترول"، وما زالت هذه الحملات الإعلامية تظهر بين الفينة والأخرى؛ مما يُسهم بطبيعة الحال في تنميط صور مغلوطة تمامًا عن الإسلام بوصفه دينًا للكراهية والتعصب والعنف، ولعل أبلغ تعبير عن وضعية الإسلام في الإعلام والإدراك الغربيين ظاهرة (الإسلاموفوبيا)، وهي الكلمة التي دخلت قاموس السياسة الأوروبية، وتحولت إلى مفردة لها معانٍ محددة في عصرنا كما حصل في القرن التاسع عشر مع مفردة اللاسامية، وتحت مفردة (الإسلاموفوبيا)، وهي كلمة يقصد بها "الإرهاب الإسلامي"، كمصطلح لمعنى الخوف من الإسلام بدأت تعقد المؤتمرات السياسية، وتدار الندوات الفكرية لمعالجة مواضيع المخاوف من الإسلام وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
- في دراسة قامت بها الباحثة مارلين نصر عن صورة العرب والإسلام في الكتب المدرسية الفرنسية، والصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في العام 1995، أكدت من خلال محاور دراستها أنَّ المناهج التربوية الفرنسية تقدِّم العرب والمسلمين باعتبارهم "المتمردين والنهابين والمخربين والسفاحين"، ولا تأتي على ذكر أيَّة صفة من صفاتهم المعروفة، مثل: "الشرف، والشجاعة، والشهامة، والعرفان بالجميل، وكرم الضيافة، والتعاون، والقناعة، وقوة التحمل وغير ذلك".
- صارت الصحافة الفرنسية مثلاً - وذلك بحسب ما توصلت إليه دارسة أحد الباحثين الجامعيين، وهو صادق سلام - تضع على عاتق المسلمين الأزمة الاقتصادية برُمَّتها، والبطالة، واختلال الأمن، والإرهاب، كما أصبح الناخبون الفرنسيُّون في مواقع عدة يصوِّتون لأكثر المرشحين عدوانيةً ضد الإسلام، كما لاحظ الباحث - إضافةً إلى ذلك - أنَّ المجلات الفرنسية التي تخصص أعدادًا تدور مَحاورها حول الإسلام ترتفع معدَّلات مبيعاتها 15 بالمائة؛ لذلك باتت المجلات التي تعاني الركودَ تلجأ إلى توظيف محاور تحريضية معادية للإسلام؛ لكي تحل أزمتها الاقتصادية.
كما أنَّ هناك قسيسًا إنجيليًّا معروفًا يُدعى (جيري فالويل) يقيم في منطقة (لينشبرج) في منطقة (فيرجينيا)، له برنامج أسبوعي إذاعي وتلفزيوني يصل إلى أكثر من 10 ملايين منزل أسبوعيًّا، وله جامعة خاصة أصولية، تُسمى جامعة الحرية - يهاجم من خلالها النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلال وسائل إعلامية أمريكية كُبرى، إضافة إلى موقعه الخاص على (الإنترنت) www.falwell.com ؛ حيث وضع في صفحته الأولى تاريخًا زائفًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن أقواله التي ذكرها في برنامجه الذي استغرق مدة "60 دقيقة" في 6 أكتوبر 2002: "أنا أعتقد أن محمدًا كان إرهابيًّا، في اعتقادي المسيح وضع مثالاً للحبِّ، كما فعل موسى، وأنا أعتقـد أن محمـدًا وضع مثالاً عكسـيًّا، وأنه كان لصًّا وقاطعَ طريق"[4].
وبناء على ما سبق؛ فإنَّ هناك من يتعمَّد الإساءة للإسلام، ولرموز المسلمين، ولا نجد لـه ما يبرر فعله، وهناك من يتعمَّد الإساءة؛ نتيجةً لتراكمات من هنا وهناك نجمت عنها هذه النظرة، التي جعلته يقر في وجدانه هذه الصورة عن الإسلام والمسلمين، فأمَّا بالنسبة للفئة الأولى فلا بدَّ أن ننتصر عليها وندحضها، وأمَّا بالنسبة للفئة الثانية، فلا بد من بذل جهود مخلصة لإيصال الصورة الناصعة لفكر المسلمين وثقافتهم، ودلالات تعاليم دينهم، ويقع في ذلك دَوْر كبير لتجاوز المحنة على المسلمين ممن يعيش بين أكناف الغربيين، فهم المعنيُّون قبل غيرهم، وبمساندة الشعوب المسلمة في ديارهم بتغيير الصُّورة، وإلا فهم المتضرِّرون مُإن إعلام "الأنا" في ظل التحديات المعاصرة ومعطيات الواقع يُعاني ضعفين، فأمَّا الأول فيتمثل في ضعف العرض؛ نتيجةَ انعدام القُدرة على تصنيع الأدوات التقنية، فضلاً عن المعرفة بثقافة صناعة التأثير والتوجيه من خلال وسائل الإعلام، هذا فضلاً عن التمكُّن في عرض الحقيقة والمضمون.
وأمَّا الضَّعف الثاني، فيتمثل في ضعف في الرد، فضلاً عن المواجهة والمقاومة لحملات التشويه لفكر وثقافة الأنا، وذواتها وكياناتها التي تجري في منابر الإعلام الغربي؛ لتظل الأنا في ظل هذين الضعفين عاجزة عن العرض والرد في عصر السَّمَوات المفتوحة والحرب الثقافية الشَّرسة، التي تفوق في أبعاد تأثيرها حرب الترسانة العَسكريَّة؛ وذلك لأن الأولى تقضي على العقول والثقافات، وأما الثانية فتقضي على الأجساد والأرواح.
أولاً: ضعف في عرض الصورة فضلاً عن الحقيقة والمضمون:
لا شكَّ أن الإعلام الإسلامي أصبح يعاني عدمَ القُدرة على القيام بما يخدم القضايا الحساسة للأمة الإسلامية؛ وذلك لأنه يشكو من مرضٍ عضال استشرى فيه، وهو مرض التفاهة الإعلاميَّة، فلا تكادُ تَجد أي فضائية عربية أو إسلامية تسخِّر إمكانيَّاتِها لخدمة الفكر الإسلامي، بل تجد ما يطرح في غالب الأحيان قضايا لا تَمس التطوير للكيان، والعمل على نقل مبادئه عبر الوسائل المعلوماتيَّة المختلفة، ولا شك أن هذا المرض العضال سيستشري إذا لم يتم احتواؤُه، والعمل على القيام بما يصلح من شأن الإعلام الإسلامي في تناوله لقضايا الفكر الإسلامي.
إنَّ وحدة الفكر، والعقيدة المشتركة، والسياسة التربوية الموحَّدة، واستمرار التراث، والحفاظ على إرث التاريخ، كلها تتوسَّل الفن الإعلامي، وكلُّها ضرورات أساسية للحفاظ على شخصية المجتمع واستمراره.
لقد أصبح الناس اليوم يشعرون شعورًا متزايدًا بأهمية التواصُل الإعلامي؛ وذلك من أجل الحفاظ على وَحْدَتِهم المجتمعية، ومن أجل توسيع هذه الوحدة والاطمئنان على سلامتها، ثم إنَّ الإعلام ما هو إلا وسيلة للتوجيه والإرشاد بقصد تثبيت الشخصية المتكاملة[1] .
يؤكِّد عمر عبيد حسنة في كتابه "مراجعات في الفكر والدعوة والحركة": أنَّ التوجيه والتطوير في الإعلام له دَوْر كبير في تكوين الثقافات المختلفة، وإيصال المفاهيم عبر وسائل الإعلام المختلفة، وأن ذلك لا يحصل في ظل غياب لأي تطوُّر في الإعـلام الإسـلامي، مع أن قضية الإعـلام اليـوم، والمدى الذي وصل إليه من التحكُّم والاختراق، ومن ثم الاحتواء - باتت من أخطر القضايا الثقافية وأبعدها تأثيرًا في تشكيل الفكر على مستوى الأفراد والجماعات، فقد أصبح الإعلام هو الذي يحضِّر الأمم، وهو الذي ينشئ عندها فُقدان الذات دون أن تدري أنها لا تملك أمرها.
ثم يقرر أنَّه لا يعد من المغالاة، عندما نقرر أنَّنَا نعيشُ اليومَ مرحلة الدولة الإعلاميَّة الواحدة التي ألغت الحدود، وأزالت السُّدود، واختزلت المسافات والأزمان، واخترقت التاريخ، وتكاد تلغي الجغرافيا، حتى بات الإنسانُ يرى العالم، ويسمعه من مقعده، ولم يقتصر ذلك على إلغاء الحدود السياسية، والسدود الأمنية، وإنَّما بدأ يتجاوز الحدود الثقافية، ويتدخَّل في الخصائص النفسية، وتشكيل القناعات العقدية، فيعيد بناءها وفق الخطط المرسومة لصاحب الخطاب الأكثر تأثيرًا، والبيان الأكثر سحرًا، والتحكُّم الأكثر تقنية، وأنه بالإمكان القول: إنَّ المعركة الحقيقية والفاصلة اليوم هي معركة الإعلام، وذلك بعد أن سكتت أصوات المدافع، وتوارى أصحابها، وبَقِيَ الإعلام هو أخطر الأسلحة ذات الدمار الشامل، بعد أن أصبحَ ثَمَرة تشارك في إنضاجها كل المعارف والعلوم، وتوظِّف لها أرقى الخبرات، بل أصبحتْ في كثير من الدول تدعم بميزانية تفوق الميزانية المخصَّصة للدعم الغذائي الذي به قوام الحياة، ولئن كان الإعلام في الماضي يوظَّف للترفيه والتسلية، ويعيش على هوامش المجتمع، فهو اليوم من صميم المجتمع، وأصبح يوظَّف لأداء رسالة، وإيصال فكرة، وتشكيل عقل، وصناعة ذوق عام.
ثم يؤكد أنَّ مشكلة التخلف الإعلامي، التي تعانيها الأمة المسلمة هي مظهر للمشكلة الأساسية التي تعانيها على مختلف الأصعدة، بل لعل الإعلام هو أحد إفرازاتها، وتبقى المشكلة الأساسية هي مشكلة التخلُّف؛ حيث لا يتصوَّر نمو في جانب، وتخلُّف في الجوانب الأخرى.
ومن هنا كان لا بُدَّ من إدراك الأبعاد المتعدِّدة والخطيرة للعملية الإعلاميَّة، والتي تبدأ بالتسلل إلى داخل الأُمَّة فتخترقها، ثم تعمل على التحكُّم فيها واحتوائها، وبذلك تلقي القبض على عقلها وعواطفها واهتماماتها، فتعيد تشكيلها وَفْقًا للخطط المرسومة، وأخطر ما في هذا الاختراق والتحكُّم الإعلامي توهُّم الأمم المخترَقة أنَّها تمتلك إرادتها، وتصنع رأيها، وتتَّخذ قرارها بنفسها، وذلك دون أن تشعر بأنها تدور في فلك نفسها، وتحرَّك بالريموت عن بُعد.
وقد أكد حسنة بأن الحصار الإعلامي اليوم - قبل مرحلة أقمار البث المباشر، والتي تنوي الدول القوية زراعتها فوق رُؤوسنا، وتسليطها على حواسِّنا حيثما كنَّا – يطبق علينا من كل جانب، وأن الاستهلاك الإعلامي في العالم الإسلامي للمواد المصنَّعة في الخارج يزيد عن 80 % من المطروح يوميًّا، ويأتي في معظمه محاكاة لأفكار وإنتاج وإخراج الدول المتحكِّمة إعلاميًّا، وشأننا في ذلك هو شأن الإنسان الاستهلاكي لأشياء الحضارة، العاجز عن إنتاجها الذي سوف ينتهي - شاء أم أبى - به إلى لون من الارتهان الإعلامي والثقافي والحضاري؛ وذلك لأن الإعلام لم يعد يقتصر على إيصال المعلومة، وإنَّما يُسهم في تشكيل الإنسان، وإعداده لقبول المعلومة التي يريد دون أن يدعَ له الفرصة لفحصها واختبارها لقبولها أو ردِّها.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فلا تخرج العمليَّة الإعلاميَّة في عمومها عن غيرها من عمليات التحكُّم المتعدِّدة، والتي تُمَارس من عالم الأقوياء على عالم الضُّعفاء؛ وذلك للحيلولة دون ردم فجوة التخلُّف، وإلغاء التبعية الفكرية والإعلامية والثقافية والسياسية والاقتصادية، فالقدرات والقابليات الإعلامية المبدعة، التي قد تشكِّل الأمل للخروج من دائرة التحكُّم - لا تجد لها مكانًا ولا مناخًا في العالم الإسلامي؛ لذلك ترى استمرار استنزاف الطاقات وامتصاص تلك القدرات المبدعة، الأمر الذي يجعل العالم الإسلامي على وجه الخصوص، والعالم الثالث بشكل عام - صدًى لأفكار الغرب ومنتجاته الإعلاميَّة، والتي تمهِّد لتسويق أفكاره وأشيائه معًا؛ ليستمر الفقر الإعلامي والفقر الفكري، إلى جانب مظاهر الفقر الأخرى، ونتيجة لضعف العملية الإعلاميَّة لدى المسلمين، فقد نتج ضعف في الخطاب والحوار الإسلامي؛ وذلك لعدم وجود انطلاقة لدى المسلمين ينطلقون منها لبَثِّ روح التجديد والتطوير في كل مجالات الحياة[2] .
ويحذر محمود حمدي زقزوق "وزير الأوقاف المصري" من التحدِّيات الكبيرة التي تواجه الإسلام والمسلمين في الوقت الحاضر، مشيرًا إلى أنَّه تم تجنيد ترسانة الإعلام الغربي لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في مُختلف أنحاء العالم، وأن الإعلام الإسلامي يتحمَّل مسؤولية ضخمة في هذا المجال؛ حيث عليه أن يوقظ الهمم، ويسد الفراغ، ولا يكتفي بالضرب على أوتار القلوب وإلهاب المشاعر؛ بل ينبغي أن يُخاطب العقول، وأن يسهم بفاعلية في مكافحة السلبيات، والتركيز على الأولويَّات، والارتفاع بوعي شباب الأمة، وعدم الدخول في جدل عقيم حول الهامشيات.
ويتوقَّف زقزوق لبيان واجبات الإعلام الإسلامي لمواجهة المشكلات والتحديات التي تواجهه؛ حيث يقرر أنَّ من أهمها ضرورة مواجهة الفراغ الفكري لدى شباب الأمة بالأفكار الإيجابية الإسلامية، وإلا سيصبح الشباب عرضة لتقبُّل ما يرد إليه من أفكار مُختلفة يروِّجها الآخرون، كما لا بد من وضع خطَّة مزدوجة للمواجهة الفكرية تسير في اتِّجاهين متوازيين، أحدهما: توضيح المفاهيم الإسلامية، والكشف عن الأخطاء الشائعة، وثانيها: مناقشة الأفكار الهدَّامة، وإبراز الرد العلمي عليها.
ويؤكِّد زقزوق على ضرورة ألاَّ يغفل الإعلام الإسلامي مواجهة التأثيرات العميقة للإعلام الغربي في عقلية أبناء الأقليات المسلمة، وأنَّ هذه الأجيال من أبناء المسلمين في الغرب تكاد تفقد صلتها بثقافتها الإسلاميَّة.
أما أحمد عمر هاشم "رئيس جامعة الأزهر سابقًا"، فيؤكِّد أنَّ عصرنا هذا هو عصر السَّموات المفتوحة والتحدِّي الحضاري؛ مما ينبغي معه وجود ميثاق شرف بين وسائل الإعلام والدول، وأن تكون هناك مواجهة حقيقية لهذا البثِّ الذي يحمل المخاطر من كل جانب، وأنه لا يُمكن الإيفاء بهذا الواجب العظيم إلاَّ بإعلام إسلامي غيور مُخلص يجعل كل جهوده لنشر الإسلام وتوحيد الأمة.
ومن جانبه يؤكِّد علي عجوة "عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة" على ضرورة بناء إستراتيجية مستقبلية للإعلام الإسلامي، وذلك في ضوء التيارات المتلاحقة، التي تفرض على المخططين والمنفِّذين الموائمة المستمرة بين الخطط التفصيلية والتطورات الإعلامية السريعة في عالم الغد، وخاصَّة مع التفوُّق الكبير لوكالات الأنباء العالمية على وكالات الأنباء المحلية في جمع ونشر الأخبار والأفكار والمعلومات.
وأضاف: إنَّ التحدِّيات التي تواجه الإعلام الإسلامي يمكن حصرها في أربعة أمور كُبرى، تحتاج إلى جهود كبيرة لمواجهتها، وإضعاف أثارها محليًّا؛ تمهيدًا للتغلب عليها، وتحقيق التفوُّق في المستقبل القريب تتمثَّل في:
- قوة الاتصال الغربي، والسيطرة التي يتفوَّق من خلالها على العالم كله.
- الدعاية الصهيونية التي تستفيد من دعاية الإعلام الغربي، وتتحكَّم فيه؛ لتحقيق أهدافها الخاصَّة.
- ما تُسهِم به أوضاعنا في إضعاف الإعلام وإتاحة فرص التفوُّق للدعاية المضادَّة.
- الإرساليات التنصيريَّة وما يدعمها من قوى سياسية واقتصادية.
ويرى عجوة أنَّ مواجهة تلك التحدِّيات تستلزم قيام الإعلام الإسلامي على دعائم مهمَّة، كالمصداقية، والواقعية، والتركيز على الأحداث الحقيقية ذات الأهمية بالنسبة للمجتمع المسلم.
ويشدِّد من جانب آخر فاروق أبو زيد "عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة" على حتمية وجود جهاز إعلامي إسلامي، يهدف إلى وضع أسس إصلاح المجتمعات الإسلامية، طبقًا لتعاليم الدين الإسلامي، كما أكد أنَّ الإعلام الإسلامي اليومَ بمختلف قنواته التي تمثله قد أهمل الدعوة والتعريف بالإسلام حتَّى بين المسلمين، وأنه لا بد أن يفهم العاملون بجهاز الإعلام الإسلامي أنَّ المسؤوليَّة هنا مسؤولية شرعية، وليس عملاً هامشيًّا؛ بل هو من صميم الدعوة وركيزة أساسية لمن يركِّز، أو يعارض مبادئ الدين، فالمسؤولية خطيرة؛ لأنها دعوة لأمة مثالية تُضاهي الدول الكُبرى في ظل تطوُّرات العصر، فلا بد من مترجم يعرِّف حقائق الإسلام للغير.
كما أكَّد على ضرورة التخطيط الجيِّد للإعلام الإسلامي، مع ضرورة وجود "ديوان الترجمة الإسلامي"، والذي يكون به قسم خاص بالموسوعات لفقه الإسلام وترجمة المصطلحات الدينية بكل اللغات الأجنبية، إضافةً إلى ترجمة كل ما يكتب في بلاد العالم عن الإسلام وشعوبه، وتوزيع هذه الكتب المترجمة على المسؤولين وأجهزة الإعلام، وكذلك العمل على إصدار نشرات باللغات الأجنبية يكتبها العلماء المتخصِّصون من المسلمين في الموضوعات التي تهم المجتمعات الحديثة، وترد على ما يشيعه أعداء الإسلام، هذا إضافة إلى القيام بالدراسات المقارنة بين ما جاء به الإسلام، وما جاءت به الفلسفات والنظريات، وكذلك ضرورة جمع وتصنيف وتحقيق التراث الإسلامي، وعرضه بطريقة مبسَّطة للتعريف بمبادئ الدين، مع ضرورة أن يشرف على ذلك علماء الدين، والسياسة والاقتصاد والإعلام؛ وذلك للاستفادة من علمهم وخبرتهم.
ويشير محمَّد عمارة إلى أن محطَّات الإذاعة في دول الشرق الأقصى عليها طلب مكثَّف من أصحاب الاتجاهات المختلفة في العالم؛ وذلك لاستئجار وقت فيها لبث برامجها، وعلى رأس المستأجرين دعاة التبشير في العالم، وقد أشار إلى أنه من خلال رصده لظاهرة الاستقبال البرامجي في البلاد الغربية تبيَّن أنَّ الكثيرين يشاهدون البرنامج المسيحي، كما يَحرصون على مشاهدة البرنامج اليهودي، وأن البرنامج الإسلامي لا يعرف به أحدٌ؛ لعدم الاعتناء بحسن عرضه كالبرنامج المسيحي واليهودي، وذلك حتى غدا غير معروف لدى المستمع.
كما أكَّد عمارة على أهمية دور الجمعيات والهيئات الخيرية الإسلامية للقيام بدور فعَّال، في التعريف بوجود إذاعات تبث برامج إسلامية هادفة، إضافة إلى ضرورة استقبال العاملين في مجال السينما والتلفاز، وحثِّهم على إنتاج برامج إسلامية تعيد تثقيف تلك الشعوب.
أما أحمد كمال أبو المجد "وزير الإعلام السابق"، فيرى أنَّ الإعلام الإسلامي هو السبيل إلى مجتمع القوَّة، وذلك باستجلاء معاني الإسلام التي ما زالت خافية، وأن من الضرورة وجود التصوُّر السابق لما يَجب أن تكون عليه الأوضاع مستقبلاً، وهذا يعني تحديد الفارق بين التخطيط، وبين استشراف آفاق المستقبل، بقصد التهيؤ لاستقبال الغد والتعامل معه، فلا سبيل لتحقيق هذا الدور إلاَّ إذا خرجنا من الذات الإقليمية للتواصل مع الآخرين، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية، وقبل ذلك لا بد أن يستقر في وعي المسلمين أنَّ رسالتهم موجَّهة إلى كل الناس، وأنه من الضَّروري المشاركة بحضارتنا العربية والإسلامية من جديد في صنع التاريخ وترشيد سيرته[3] .
ثانيًا: ضعف في الرد على حملات التشويه، فضلاً عن مواجهتها ومقاومتها:
كما يُعاني الإعلام الإسلامي من ضعف في عرض الصورة، فضلاً عن عرض الحقيقة والمضمون والفلسفة للخصوصيَّة الثقافيَّة، وللرسالة الربانية التي خَصَّه بها المولى - عز وجل - فإنه يظل عاجزًا بناء على ضعفه الأول بضعفٍ يترجمه في القُدرة في الرد على حملات التشويه لصورة الدين ولحقائقه وللمسلمين، فضلاً عن مواجهتها ومقاومتها؛ ذلك أن من عجز عن الرد لا يُمكنه المواجهة والمقاومة، ولا شك أن هذا الضعف انعكست آثاره على تلك الأقليات المسلمة والعربية، التي تصل اليوم إلى عشرات الملايين، كما ذكرت آنفًا، والمنتشرين في مُختلف الدول من ذلك العالم.
إنَّ الإعلام الغربي اليومَ يقوم في تكوينه للتوجه عند الإنسان الغربي بدَوْرٍ كبيرٍ في تشكيل عقليته، وقد رصد محمد بشاري صورة الإسلام في الإعلام الغربي، وخرج من خلال قراءته بعدد من الملاحظات تمثلت في:
- من خلال تحليل مضمون هذه الوسائل، فإنَّ الحقيقة تشير إلى أن الخوف من الإسلام ليس بالأمر الطَّارئ أو الجديد، غَيْرَ أنَّ هناك عواملَ عديدة تزيد من هذا الشعور حاليًّا، وتجعل الأوروبيين يرون في الإسلام خطرًا كبيرًا وتحديًا أكبر أمام الغرب؛ ولذلك كانت حصيلة تأمل؛ نتيجة الدراسات الإعلامية، التي تناولت صورة المسلمين في الوسائل الأوروبية المقروءة والمسموعة والمرئية سلبية في أغلب الأحيان.
- توجد بعض التغطيات غير المتحيزة أحيانًا؛ ولكنها قليلة قياسًا على الصورة غير الصحيحة عن المسلمين، السائدة في الإعلام الغربي؛ نتيجة المعالجات المغرضة.
- إن وقوع بعض الأحداث المرتبطة بالمسلمين عمومًا تزيد فيها المعالجة غير الموضوعية، سواء كانت هذه الأحداث متعلقة بالأقليات الإسلاميَّة في القارة الأوروبية، أم في بعض الدول العربية والإسلامية.
- تعكس الصورة النمطية للإسلام أو المسلمين في الإعلام الغربي أنَّهم يتبنون التطرف والعنف والجهاد، ونبذ العلمانية ورفض الاندماج، كما يتم تشويه مفهوم الجهاد في الإسلام في الإعلام الغربي، ومن ذلك تأكيد البعض على أنَّ الإسلام هو دين حرب، وقد أصبح يكفي أن تتم الإشارة في أيِّ مقال لمصطلح الجهاد مقرونة بترجمة في اللغة الفرنسية "الحرب المقدسة"؛ لكي تثار الزوابع والهواجس والمخاوف، فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة (لونوفيل أوبزرفاتير) مقالاً عمَّا وصفته بانفجار الحالة الإسلامية في فرنسا، وأن هناك في تلك الفترة أكثر من ألف مسجد، وأكثر من ستمائة جمعية إسلامية، وأن هذا انفجار يعود إلى حوالي 17 سنة، ويضيف صاحب المقال المذكور أنَّ تكرار العمليات الإرهابية واختطاف الرَّهائن تندرج ضمن إستراتيجيِّة مضادة للغرب، وذلك عبر تمرير خطاب الجهاد في معناه العدواني.
ولا تختلف الصورة في بريطانيا عنها في فرنسا وباقي الدول الأوروبية؛ حيث تصف وسائل الإعلام الدين الإسلامي بالدين البدائي والإرهابي، وأنَّه هو الدين الذي يتعارض مع الحضارة، والبديل عن الشيوعية وإيديولوجياتِها، خاصَّةً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ومن ذلك:
- نشرت صحيفة صنداي تايمز مقالاً لكاتب يدعى بيير جرين دورتون بعنوان: "الوجه القبيح للإسـلام"، والذي قال فيه: إنَّ الإسلام الذي كان حضارة عظيمة تستحقُّ الحوار معها قد انحط، وأصبح عدوًّا بدائيًّا لا يستحق إلا الإخضاع.
- استثارة الفزع من الإسلام بداخل القارئ الأوروبي، وذلك من خلال العناوين المخيفة في الصحف، مثل: "المسلمون قادمون، الحروب الصليبية مستمرة، سيف الإسلام يعود من جديد، العالم يتحكم فيه بدو الصحراء وشيوخ البترول"، وما زالت هذه الحملات الإعلامية تظهر بين الفينة والأخرى؛ مما يُسهم بطبيعة الحال في تنميط صور مغلوطة تمامًا عن الإسلام بوصفه دينًا للكراهية والتعصب والعنف، ولعل أبلغ تعبير عن وضعية الإسلام في الإعلام والإدراك الغربيين ظاهرة (الإسلاموفوبيا)، وهي الكلمة التي دخلت قاموس السياسة الأوروبية، وتحولت إلى مفردة لها معانٍ محددة في عصرنا كما حصل في القرن التاسع عشر مع مفردة اللاسامية، وتحت مفردة (الإسلاموفوبيا)، وهي كلمة يقصد بها "الإرهاب الإسلامي"، كمصطلح لمعنى الخوف من الإسلام بدأت تعقد المؤتمرات السياسية، وتدار الندوات الفكرية لمعالجة مواضيع المخاوف من الإسلام وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
- في دراسة قامت بها الباحثة مارلين نصر عن صورة العرب والإسلام في الكتب المدرسية الفرنسية، والصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في العام 1995، أكدت من خلال محاور دراستها أنَّ المناهج التربوية الفرنسية تقدِّم العرب والمسلمين باعتبارهم "المتمردين والنهابين والمخربين والسفاحين"، ولا تأتي على ذكر أيَّة صفة من صفاتهم المعروفة، مثل: "الشرف، والشجاعة، والشهامة، والعرفان بالجميل، وكرم الضيافة، والتعاون، والقناعة، وقوة التحمل وغير ذلك".
- صارت الصحافة الفرنسية مثلاً - وذلك بحسب ما توصلت إليه دارسة أحد الباحثين الجامعيين، وهو صادق سلام - تضع على عاتق المسلمين الأزمة الاقتصادية برُمَّتها، والبطالة، واختلال الأمن، والإرهاب، كما أصبح الناخبون الفرنسيُّون في مواقع عدة يصوِّتون لأكثر المرشحين عدوانيةً ضد الإسلام، كما لاحظ الباحث - إضافةً إلى ذلك - أنَّ المجلات الفرنسية التي تخصص أعدادًا تدور مَحاورها حول الإسلام ترتفع معدَّلات مبيعاتها 15 بالمائة؛ لذلك باتت المجلات التي تعاني الركودَ تلجأ إلى توظيف محاور تحريضية معادية للإسلام؛ لكي تحل أزمتها الاقتصادية.
كما أنَّ هناك قسيسًا إنجيليًّا معروفًا يُدعى (جيري فالويل) يقيم في منطقة (لينشبرج) في منطقة (فيرجينيا)، له برنامج أسبوعي إذاعي وتلفزيوني يصل إلى أكثر من 10 ملايين منزل أسبوعيًّا، وله جامعة خاصة أصولية، تُسمى جامعة الحرية - يهاجم من خلالها النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلال وسائل إعلامية أمريكية كُبرى، إضافة إلى موقعه الخاص على (الإنترنت) www.falwell.com ؛ حيث وضع في صفحته الأولى تاريخًا زائفًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن أقواله التي ذكرها في برنامجه الذي استغرق مدة "60 دقيقة" في 6 أكتوبر 2002: "أنا أعتقد أن محمدًا كان إرهابيًّا، في اعتقادي المسيح وضع مثالاً للحبِّ، كما فعل موسى، وأنا أعتقـد أن محمـدًا وضع مثالاً عكسـيًّا، وأنه كان لصًّا وقاطعَ طريق"[4].
وبناء على ما سبق؛ فإنَّ هناك من يتعمَّد الإساءة للإسلام، ولرموز المسلمين، ولا نجد لـه ما يبرر فعله، وهناك من يتعمَّد الإساءة؛ نتيجةً لتراكمات من هنا وهناك نجمت عنها هذه النظرة، التي جعلته يقر في وجدانه هذه الصورة عن الإسلام والمسلمين، فأمَّا بالنسبة للفئة الأولى فلا بدَّ أن ننتصر عليها وندحضها، وأمَّا بالنسبة للفئة الثانية، فلا بد من بذل جهود مخلصة لإيصال الصورة الناصعة لفكر المسلمين وثقافتهم، ودلالات تعاليم دينهم، ويقع في ذلك دَوْر كبير لتجاوز المحنة على المسلمين ممن يعيش بين أكناف الغربيين، فهم المعنيُّون قبل غيرهم، وبمساندة الشعوب المسلمة في ديارهم بتغيير الصُّورة، وإلا فهم المتضرِّرون مُباشرة بسبب ذلك.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] لاوند، محمد رمضان، بحث مقدم في اللقاء الثالث لمنظمة الندوة العالمية للشباب الإسلامي، مرجع سبق ذكره، ص53.
[2] عمر عبيد حسنة، مراجعات في الفكر والدعوة والحركة، من سلسلة قضايا الفكر الإسلامي، الإصدار رقم (7)، ط: 2، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الدوحة – قطر، ص 36.
[3] تحقيق صادر من وكالة الصحافة العربية بالقاهرة، والذي نشر في صحيفة أخبار الخليج، العدد (3639)، 16 رمضان 1424 - 11 نوفمير 2003، مدينة عيسى – البحرين، ص11.
[4] بشاري، محمد، "صورة الإسلام في الإعلام الغربي"، دراسة منشورة على الموقع الإلكتروني: www.islameiat.com ، وتاريخ دخول الموقع هو: 5 / 4 / 2008.