كيف أوفر المال من الراتب الشهري؟
هل يمكن حقا أن أوفر جزءا من راتبي وأدخره للمستقبل؟ وما هو السبيل إلى ذلك؟ أسئلة تدور في أذهان الكثيرين ممن يعملون في وظائف براتب شهري. وكثيرا ما نسمع أشخاصا يتذمرون ويشتكون من أن رواتبهم تتبخر ولا تكاد تكفيهم لأسبوع أو أسبوعين على الأكثر.
ما هو السبب يا ترى؟ هل يجهل هؤلاء طرق الادخار ويفتقرون للوسائل المناسبة للتوفير من رواتبهم؟ الواقع أن أمثال هؤلاء لا يعانون من الجهل أو عدم المعرفة بتلك الوسائل؛ بل إنهم يعانون من الفوضى المالية والتأثر بثقافة الاستهلاك، وغياب ثقافة الادخار والترشيد. وإذا ما علمنا أن النسبة العظمى من الناس تعتمد على الراتب الشهري في تصريف شؤون حياتها، يصبح من الضروري بذل المزيد من الجهد في سبيل التعرف على الخطوات العملية الواجب اتباعها للتوفير والادخار لجزء من الراتب. سنحاول أن ندلكم على الطريق والخطوات التي من شأنها أن تساعكم في تحقيق ذلك الهدف في هذه المقالة الشيقة والمفيدة.
كيف تدخر جزءا من راتبك في 6 خطوات
هناك 6 خطوات متسلسلة يمكن من خلال اتباعها تحقيق الهدف المنشود. ويقسم خبراء الاقتصاد والمال هذه الخطوات إلى شقين: الشق النظري، وهو يتكون من 4 خطوات. أما الشق التطبيقي فيتكون من خطوتين. ودعونا نبدأ بالشق النظري أولاً.
أولاً، الشق النظري:
قبل أن تبدأ بمحاولاتك الفعلية للادخار من راتبك عليك أن تهيئ نفسك ذهنيا؛ من خلال زيادة الوعي المالي، وفهم واستيعاب مفاهيم الادخار الأساسية، والعوامل المؤثرة على إدارة نفقاتك، وتحديد مصادر الدخل الشخصي، ووضع ميزانية شخصية. وسوف نبدأ الحديث عن الخطوات الأربعة الأولى التي تعمل على تهيئتك نفسيا وتوسيع مداركك حول الادخار.
1. بناء ثقافة ترشيد الاستهلاك:
لقد أدى التنافس بين الشركات الى ظهور الكثير من الأنماط الاستهلاكية غير الصحية؛ فكل منها يحاول إغراء المستهلكين بمنتجاتها وإقناعهم بشرائها، مما أدى إلى جعل الناس مولَعين بالاستهلاك على حساب التوفير والادخار.
إذا كنت جادا في السعي نحو توفير جزء من راتبك فإن عليك أن تتخلص من ترديد بعض العبارات الخاطئة الموروثة؛ مثل ” اصرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب” و “عيش يومك ولا تنظر إلى الغد”. إن مثل هذه العبارات ستسيطر على أفكارك وعقلك الباطن، وستنعكس على سلوكك بصورة مباشرة، كما أنها سوف تدفعك إلى الإسراف في النفقة.
لذا يجب التوقف عن ترديد هذه العبارات وتصديقها، واستبدالها بعبارات تشجع على الادخار؛ مثل “على قد بساطك مد رجليك” و “وفر قرشك الأبيض ليومك الأسود”. وستجد بعد وقت قصير أن قناعاتك قد بدأت بالتغير، وأنك تبتعد عن الإسراف والإنفاق بسبب وبدون سبب، وتتجه إلى التخلي عن ثقافة الاستهلاك واستبدالها بخطوات واعية من شأنها تحقيق التوازن بين الدخل والإنفاق والادخار.
2. الوعي الإنفاقي:
من المعلوم أن احتياجاتنا متنوعة؛ فبعضها ضروري وبعضها كمالي. ولا يستطيع أي إنسان الاستغناء عن احتياجاته الضرورية مثل الطعام والشراب والمأوى واللباس، ولا يمكن أن تستقيم حياته بدونها. أما الكماليات فتشمل كل ما من شأنه جعل الحياة أكثر راحة ورفاهية، ولكن في الوقت ذاته لا يؤثر فقدها على اختلال الحياة أو استحالتها. وإذا ما استطعت أن تحقق الوعي بأوجه الإنفاق، فإنك ستتمكن حينئذ من التمييز بين ما تحتاجه فعلا وبين ما ترغب فيه. ولا شك أن ما تحتاجه أهم بكثير مما ترغب فيه؛ لأن ما ترغب فيه يمكنك الاستغناء عنه إذا اقتضت الظروف.
3. خلق ثقافة الادخار:
يؤدي غياب ثقافة الادخار إلى الكثير من المشكلات المالية في حياة الأفراد؛ حيث يتحولون إلى مجرد مستهلكين ينفقون دخلهم من دون أي تخطيط أو تدبير. وقد يؤدي بهم الأمر إلى اللجوء إلى الاقتراض من الأهل والأصدقاء أو الاشتراك في جمعية كي يتمكنوا من تدبير شؤونهم حتى حلول موعد استلام الراتب؛ فيدورون في حلقة مفرغة لا نهاية لها.
اقرا ايضا : مفاتيح الادخار الخمسة لتوفير وادخار المال بنجاح
مما يجب التأكيد عليه أن ترسيخ ثقافة ترشيد الاستهلاك يعد مطلبا أساسيا يجب تحقيقه لبناء ثقافة الادخار. كما أن الادخار ليس مجرد تجميع أو تكديس للأموال بلا هدف؛ بل هو برنامج مخطط يهدف إلى اقتطاع جزء من الراتب الشهري من أجل تحسين جودة حياتك وحياة من تعول. وفي المحصلة، فإن خلق ثقافة الادخار سيؤدي إلى القدرة على تحديد ميزانية شهرية تغطي كافة احتياجاتك الضرورية، وتمنحك هامشا ادخاريا مناسبا.
4. تغيير نمط الاستهلاك:
إذا أردت أن تنجح في ادخار جزء من راتبك فعليك أن تُقلِع فورا عن بعض العادات الضارة، مثل: الاستهلاك المفتوح (الإنفاق بدون مبرر)، والتفاخر والمباهاة أمام الآخرين، ومحاولة مجاراة الآخرين والتنافس معهم في الإنفاق، وإطلاق العنان للحصول على أشياء كمالية على حساب الضروريات. عليك أن تعيش وفق قدراتك وأن تكون قنوعا؛ فالقناعة كنز لا يفنى. وأخيرا، إذا استطعت أن تغير من نمط الاستهلاك الخاص بك، فإنك ستفاجأ بقدرتك على ادخار أموال لم يكن ليخطر في بالك توفيرها.
ثانيا، الشق التطبيقي:
وصلنا الآن إلى الجانب التطبيقي الذي سيساعدك في تنظيم شؤونك المالية والحد من الفوضى المالية. وإذا استطعت أن تنفذ الخطوات القادمة فسوف تنجح في السيطرة على نفقاتك، وتوزيع راتبك على بنود الإنفاق الضرورية، والأهم من ذلك هو أنك ستنجح في ادخار جزء من راتبك باستمرار.
اقرا ايضا : نصائح تساعدك في التخطيط المالي الشخصي وضبط معدل إنفاقك
5. توزيع الراتب بين بنود الإنفاق والادخار:
ستحتاج في هذه الخطوة إلى إنشاء ميزانية بسيطة تتكون من جانبين: الأول، الدخل الشهري، والثاني، النفقات والادخار. وتشمل عناصر الإنفاق والادخار ما يلي:
– المبلغ المخصص لسداد الديون والأقساط الشهرية: ابدأ باقتطاع قيمة الأقساط الشهرية، حتى لا تنسى سدادها؛ وبالتالي يترتب عليها المزيد من الفوائد والمصاريف، مما قد يعيق نجاح خطتك المالية.
– تحديد المبلغ المرغوب في ادخاره: ويأتي ذلك قبل النفقات، كي تتمكن من وضع خطوط عريضة لنفقاتك خلال الشهر. وربما يكون لديك أكثر من هدف للادخار؛ كأن تدخر من أجل شراء الأصول (سيارة أو منزل)، أو لحالات الطوارئ، أو للتقاعد أو للاستثمار وغيره.
– ترتيب النفقات حسب الأولوية: ويمكن ذلك عن طريق إعداد قوائم للنفقات الشهرية مثل: النفقات الثابتة (الايجار وفواتير الكهرباء والاتصالات والمياه وما شابه)، والنفقات الأساسية المتغيرة (الطعام والشراب والمواصلات ومصاريف الأبناء وغيرها)، والنفقات الطارئة (أجور الأطباء والعلاج وإصلاح الأعطال…الخ)، والنفقات الإضافية (الرحلات والترفيه والهدايا وغيرها).
إذا اتبعت هذه الطريقة في توزيع دخلك حسب الأولويات المشار إليها سابقا، ودونت جميع نفقاتك مهما كان حجمها، فإنك ستكتشف مقدار الهدر في أموالك الذي كان من الممكن ادخاره. وإذا التزمت بهذه الاستراتيجية لعدة شهور بإصرار ومثابرة فإنك ستصل – بدون شك – إلى وضع مالي أفضل.
6. تقسيم الراتب الشهري:
عليك أن تقسم راتبك منذ استلامه في بداية الشهر؛ لأن ذلك سيضع حدا للفوضى المالية التي كنت معتادا عليها، كما أنه سيسهم في تلبية جميع احتياجاتك على مدار الشهر كله، ويجنبك من الوقوع في عجز الميزانية، ولن تكون مضطرا إلى الاقتراض من أي مصدر كان. وفوق ذلك كله، فإنك ستتمكن من ادخار جزء من راتبك. وسنذكر لك طريقتين مناسبتين لتقسيم الراتب.
– طريقة المظاريف: وبناء على هذه الطريقة، يتم توزيع الراتب على بنود الإنفاق والادخار؛ حيث يوضع المبلغ المخصص لكل بند في مظروف مستقل، ولا نتجاوزه إلى مظروف آخر مهما كانت الأسباب. وهكذا ستُعوّد نفسك على نمط إنفاق سليم، تغيب عنه جميع النفقات غير الضرورية.
– الادخار الإلكتروني: بفضل التطور التكنولوجي أصبح بالإمكان استخدام التقنية الحديثة في إدارة الشؤون المالية؛ حيث يوجد عدد من التطبيقات الذكية التي تساعد في تنظيم وضبط نفقاتنا الشهرية من خلال الاحتفاظ بجميع المشتريات في فئات منظمة وتَتبُّع طرق الإنفاق والفواتير والأقساط المستحقة بكل دقة؛ الأمر الذي ييسر ضبط الميزانية. وبغض النظر عن طريقة توزيع الراتب على النفقات والاحتياجات، يجب أن يكون الهدف في النهاية التّحكم في الإنفاق وتسديد الأقساط والادخار.
يهمك : أفضل 7 تطبيقات لإدارة وضبط ميزانيتك الشخصية
وفي النهاية، إن مسألة ادخار المال سهلة عند التخطيط لها وصعبة عند محاولة تطبيقها، فالكل يعرف أن توفير المال أمر مفيد على المدى البعيد ولكن الكثير منا يواجه صعوبة في توفير المال بالفعل. وعليه فإن التخطيط المالي الشخصي المدروس والمستمر للادخار و لزيادة دخلك الشهري هو من أهم أولوياتك في هذه المرحلة.
يمكنك الاطلاع على قسم الوعي المالي و زيادة الدخل للحصول على المزيد من الافكار.