اليـورانـيوم
إن الثروات الطبيعية الهائلة المخزونة في الأرض غالبا ما تشكل الدعامة الأساسية لاقتصاد بلد ما. ولقد استخدم الإنسان عبر مسيرته الحضارية المعادن بدرجات متفاوتة تتناسب والتقدم العلمي الذي أحرزه وتمكن من توظيف ثرواته الطبيعية بما يخدم متطلبات بناء حضارته ، وضمن هذا الإطار ، استمرت فتوحات الإنسان العلمية إلى أن توجت باكتشاف ظاهرة النشاط الإشعاعي ثم استعمال المواد المشعة لتوليد الطاقة النووية الهائلة والتي أصبحت سمة من سمات حضارة الإنسان المعاصر.
ومع تزايد الحاجة للكشف عن مكامن خامات العناصر المشعة تم توظيف جوانب من علم الفيزياء النووية في توجيه عمليات التنقيب الجيولوجية في الكشف عن مواقع وجود هذه الخامات في مختلف صخور القشرة الأرضية بالاعتماد على صفة الإشعاع التي تنفرد بها العناصر المكونة للمعادن المشعة. وتم تصميم أنواع كثيرة من أجهزة الكشف عن الإشعاع سهلة الحمل لأغراض المسح الإشعاعي الحقلي مثل عداد جيجر وعداد الوميض (Scintillation Counter) وعداد أطياف أشعة جاما وغيرها لقياس شدة الإشعاع المنبعثة من مختلف الصخور في أماكن وجودها وتثبيت مناطق الشاذات الإشعاعية (Radioactive Anomalies) وتحديد العناصر الباعثة لهذه الإشعاعات بواسطة تحديد مستويات طاقاتها المختلفة.
وسوف نعالج في هذا الجزء من القسم الأول خواص اليورانيوم وتطبيقاته المختلفة من توليد الكهرباء واستخداماته الأخرى السلمية والحربية. هذا بالإضافة إلي التعرض لعنصر البلوتونيوم بشيء من التفصيل لما له من أهمية وخاصة في المجالات العسكرية والمدنية. تم سرد التطور الزمني للعصر النووي بما فيه من أحداث جسام منذ اكتشاف اليورانيوم والإشعاع إلي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين بالقنابل الذرية، وتطور الاستخدامات السلمية والحربية لليورانيوم في دول النادي النووي والدول التي تحاول أن تلحق بهذا النادي.
1-1-1: خواص اليورانيوم
اليورانيوم فلز عالي الكثافة يمكن استخدامه كمصدر هام لإنتاج الطاقة المركزة، وتبلغ درجة انصهار اليورانيوم 1132 ْم. ويوجد اليورانيوم في معظم الصخور بتركيز يترواح بين 2 إلى 4 جزء في المليون ، وهو من الفلزات المألوفة في القشرة الأرضية مثل الصفيح والتنجستين والموليبدنيوم . كذلك يوجد اليورانيوم في مياه البحار ويمكن استخلاصه من مياه المحيطات لو ظهر ارتفاع ملحوظ في أسعار اليورانيوم. وقد اكتشف اليورانيوم عام 1789 بواسطة" مارتن كلا بروث"- وهو كيميائي ألماني - في معدنه المسمى بالبتشبلند . وترجع تسميته بهذا الاسم إلى كوكب اورانوس والذي كان قد تم اكتشافه منذ ثماني سنوات قبل ذلك. واليورانيوم ليس مكونا أساسيا في عناصر المجموعة الشمسية، ويمثل تحلله الإشعاعي مصدرا أساسيا للحرارة داخل الأرض مسببا تيارات الحمل وتباعد القارات. وتميز اليورانيوم بكثافته العالية يجعل له استخدامات أخرى في هيكل قواعد اليخوت ووحدات الاتزان والتوجيه في الطائرات مثل الدفة والروافع.
ذرة اليورانيوم
مقارنة بثقل النواة يعتبر اليورانيوم الأكثر ثقلا بين جميع العناصر الطبيعية ( أخفها الهيدروجين)، وتبلغ كثافة اليورانيوم 7 ,18 مرة مثل كثافة المياه. ومثل بعض العناصر الأخرى ، يوجد اليورانيوم في أشكال مختلفة تعرف بالنظائر ، تختلف عن بعضها البعض في ( النيترونات ) في النواة (شكل1-1) ، ويتكون اليورانيوم الطبيعي الموجود في القشرة الأرضية من خليط من نظيرين هما: يورانيوم 238 ويشكل 3و 99% واليورانيوم 235 الذي يكون حوالي 7 ,. % من اليورانيوم. ويعتبر النظير يورانيوم 235 مهما لقابليته للانقسام مخلفا طاقة هائلة ، ولذلك يسمى منشطرا ، وقد دعانا ذلك إلى استخدام تعبير الانشطار النوى. وفى نفس الوقت ، مثل كل النظائر المشعة فانه يتحلل. ويتحلل اليورانيوم 238 ببطئي شديد ، ونصف العمر الخاص به يساوى عمر الأرض ( 450 مليون سنة ) وهذا يعنى انه مشع بالكاد، اقل من كثير من النظائر الموجودة في الصخور والرمال . وبالرغم من ذلك فهو يولد 1,.وات / طن، وهذا كافيا لتسخيـن لب الأرض.
الطاقة المنبعثة من ذرة اليورانيوم
تحتوى نواه اليورانيوم -235 على 92 بروتون و143 نيوترون ( 92 + 143 + 235 ) وعندما تتعرض نواه اليورانيوم 235 إلى نيوترون فإنها تنقسم إلى اثنين( انشطار ) مخلفة بعض الطاقة على شكل حرارة، كذلك يخرج منها في نفس الوقت اثنين أو ثلاثة . وإذا تمكن عدد كافي من تلك النيوترونات بالقيام بعملية انشطار لأنويه ذرات أخرى مخلفة نيوترونات أخرى، فانه ينتج عن ذلك سلسلة من التفاعل الانشطار (شكل 1-2)، وعندما يحدث ذلك ويتكرر ملايين المرات فينتج عن ذلك كميات هائلة من الحرارة من كمية صغيرة من اليورانيوم. خلال هذه الطريقة يتم حرق اليورانيوم في المفاعل النووي وتستخدم الحرارة الناتجة في إنتاج البخار الذي يستخدم في توليد الكهرباء.
<!--
شكل 1-2: التفاعل المتسلسل لانشطار ذرة اليورانيوم
وفى داخل المفاعل النووي يستخدم وقود اليورانيوم بطريقة يتم فيها التحكم في سلسلة التفاعل الانشطاري، وتستخدم الحرارة الناتجة عن انشطار ذرات اليورانيوم 235 في إنتاج البخار الذي يقوم بلف التربينة التي تقوم بالتالي بتشغيل المولد لنتاج الكهرباء
وينتمي عنصر اليورانيوم إلى مجموعة الأكتينيدات (Actinides)، وهى مجموعة من العناصر التي تمتاز بتقارب شديد في أحجامها الأيونية فمثلا قيمة نصف قطر أيون اليورانيوم U+4 هو (05, 1 A0 ) ونصف قطر أيون الثور يوم +4Th هو( 1 ,1 A0 ) وكنتيجة لهذا التقارب في أنصاف الأقطار الأيونية وعدد من الصفات والخواص الطبيعية الأخرى نلاحـــظ ترافق وجود العنصرين في الطبيعة باستمرار. ويعتبـر عنصر اليورانيـوم من الناحية الجيـوكيميائية مـن مجموعة عناصر الليثوفاـيل (Lithophile Elements ) وتعرف كذلك بعنـاصر الأوكسيفـــيل (Oxyphile Elements) وهى العناصر التي تنتمي إلى الطور السليكاتى في صخور القشرة الأرضية، وتتميز بقابليتها العالية للأكسدة بالمقارنة مع عنصر الحديد، حيث توجد على شكل أكسيد أو أملاح مؤكسدة مع المعادن السليكاتية.
ويوجد اليورانيوم في الطبيعة على هيئة نظائر غير مستقرة تتحلل طبيعا. ، ونذكر هنا سلسلة تحلل النظيرين 238U و 235U لأهمية وجودهما في الطبيعة. وتدعى سلسلة تحلل اليورانيوم238U بسلسلة عائلة اليورانيوم ـ راديوم. ومن أهم نتائج تحلل النظائر لهذه السلسة هو عنصر الراديوم Ra . وينبعث عن هذه السلسة بالتحلل المستمر (Continuos Disintegration) ثمان جزيئات ألفا وستة جزيئات بيتا ويكون نظير الرصاص 206Pb هو الناتج المستقر النهائي لهذه السلسلة كما هو موضح في المعادلة التالية:
238U ►------------------- 84He + 206Pb
أما سلسلة تحلل عنصر اليورانيوم 235 المعروفة بسلسة اليورانيوم ـ أكتينيوم فتتضمن سبعة جزيئات ألفا وأربعة جزيئات بيتا ويكون نظير الرصاص 207 الناتج النهائى المستقر لهذه السلسلة كما هو موضح في المعادلة التالية:
235U ►------------------- 74He + 207Pb
وتتم عمليات التحول هذه بفترات زمنية تختلف باختلاف العنصر المشع ، وحسب قيمة نصف العمر له (half life) ، وهى التي تعرف بأنها الفترة الزمنية اللازمة لتحلل نصف عدد ذرات أي كمية من المادة المشعة وتحولها إلى نظير آخر في سلسلة التحلل لذلك العنصر. فمثلا نجد أن نصف العمر لليورانيوم 238U هو ما يقارب 109 x 5, 4 سنة ولليورانيوم 235U هو 108x1,7 سنة. ومن هنا فإن دراسة وتثبيت نسبة العنصر الأساسي إلى العنصر المستقر النهائي مثل 2206Pb /238U و 207Pb /235U في صخور التكوينات الجيولوجية المختلفة تمثل القاعدة الأساسية لتعيين الأعمار الجيولوجية بالطرق الإشعاعية (Radiogeochronology) وبالرغم من أن اليورانيوم يعتبر من العناصر التي توجد بنسبة ضئيلة في الطبيعة (حوالي جزأين بالمليون) إلا أن خصائصه الجيوكيمائية تسمح بتركيزه بنسب عالية جدا ترقى إلى 6000 جزء بالمليون وأكثر كما هو مبين في أنواع ترسباته الموضحة بالجدول 1-1. ولا يعتبر اليورانيوم متماثل التوزيع في صخور القشرة الأرضية ولكنه قد يتركز في داخل بعض التكوينات الفلزية الأصل أو متحدا مع بيئات متميزة أو صخور مضيفة. والجدول التالي يبين نسب وجود اليورانيوم في صخور القشرة الأرضية المختلفة (جدول 1-2).
جدول 1-1 : نسب وجود اليورانيوم فى أنواع رواسبه المختلفة
تركيز اليورانيوم (جزء بالمليون) |
أنواع رواسب اليورانيوم |
|
6000 |
رواسب عرقيه |
Vein type deposits |
2000 |
رواسب الصخور الرمليه |
Sandstone deposits |
1000 |
رواسب الرصيص |
Conglomerate deposits |
380 |
الاسكايت |
Alaskite deposits |
250 |
رواسب الفوسفات |
Phosphate deposits |
65 |
رواسب الطفل الاسود |
Black shale deposits |
11 |
رواسب البوكسيت |
Bauxite deposits |
جدول 1-2 : نسب وجود اليورانيوم في صخور القشرة الأرضية المختلفة
نوع الصخور |
معدل التركيز (جزء بالمليون) |
|
1- الصخور فوق القاعدية |
Ultra basic rocks |
0,001 |
2- الصخور القاعدية |
Basic rocks |
0,5 |
3- صخور السيانيت |
Syenitic rocks |
3 |
4- صخور الجرانيت |
Granite rocks |
3,5 |
5- صخور الطفل الأسود |
Black shale |
3,2 |
6- الصخور الرملية |
Sandstones |
0,45 |
7- الصخور الجيرية |
Limestones |
2,2 |
|
النفط 0,1 |
|
|
مياه البحار 0,003 |
|
ساحة النقاش