ومع انتهاء العصور الوسطى بدأ التطور التاريخى لحقوق الإنسان فى أوروبا يتخذ مرحلة جديدة، حيث بدأت حقوق الإنسان تأخذ طريقها إلى دساتير الدول الغربية تحت تأثير النهضة الفكرية وبضغط بعض الثورات المشهورة التى قامت فى سبيل حقوق الشعوب وتحريرها من طغيان الدولة .
ففى أنجلترا صدرت الوثيقة الكبرى (الماجنا كارتا( على إثر ثورة الشعب والاكليروس على طغيان الملك عام 1215، وقد الحق بهذه الوثيقة وثائق اخرى أهمها عريضة الحق لسنة 1628 وإعلان الحقوق لسنة 1689 وقانون التسوية لسنة 1701.
وبناء على هذه الوثائق وما بنى عليها من قوانين خاصة وسوابق قضائية، تم اعتراف الملك بحقوق عامة الشعب، وتثبيت نظام الديموقراطية البرلمانية، ومبدأ الشرعية أو سيادة القانون وما يترتب على ذلك من مساواة وحريات وضمانات عملية .
وفى الولايات المتحدة الامريكية، صدر اعلان الاستقلال سنة 1776 وهو من أهم البيانات لحقوق الإنسان فى العالم الغربى حيث تضمن المساواة بين الناس، وتمتعهم بحقى الحياة والحرية وطلب السعادة. وهو يتضمن اعتبار صلاحية الدولة لاقرار هذه الحقوق مستمدة من الشعب، كما اجاز حق الشعب، فى التمرد على انحراف الدولة عن هذا الهدف . وبعد ذلك الإعلان صدر الدستور الامريكى فى عام 1787 ثم تعدل مرارا وأطلقت على التعديلات العشرة الأولى اسم اعلان الحقوق، وقد صدرت بين سنة 1789 وسنة 1791 لتنص على حرية العقيدة، وحرية النفس والمال والمنزل، وضمانات حرية التقاضى وعدم التجريم بدون محاكمة عادلة، وضبط القوى المسلحة وشروط حمل السلاح. ونصت تعديلات لاحقة على تحريم الرق وتحرير الأرقاء، وعلى المساواة فى حق الانتخاب من دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس.
وفى فرنسا وعلى إثر الثورة الفرنسية ، صدر فى عام 1789 إعلان حقوق الإنسان والمواطن، وألحق بدستور سنة 1791 الذى نص على أن الناس خلقوا ويظلون أحرارا ومتساوين فى الحقوق وأن هدف كل دولة هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية، التى لا تقبل السقوط وهى الحرية والملكية والأمن ومقاومة الاضطهاد، وأن الشعب هو مصدر السلطات. كما نص الإعلان كذلك على تأكيد حرية الفكر والرأى وعلى عدم جواز نزع الملكية الا للضرورة العامة ومقابل تعويض عادل مسبق.
ورغم أن الثورة البلشفية فى روسيا عام 1917 أهدرت الحقوق السياسية والمدنية للإنسان، إلا أنها أعلت من شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
أما فى الدولة العثمانية فى القرن التاسع عشر وعلى اثر النهضات الفكرية والقومية والاجتماعية فى الغرب ، وتحت ضغط المطالبات الشعبية أقرت الدولة العثمانية ما سمى بعهد الاصلاح والتنظيمات ، فأصدرت الوثيقة الدستورية الاولى فى عام 1839 بإسم خط كونحانه الشريف ثم تلتها الوثيقة الثانية فى عام 1856 بإسم الخط الهمايونى، وقد تضمنت الوثيقتان اعلان بعض حقوق الإنسان وأهمها الحرية الشخصية وحرية الملكية الفردية، وحرية العقيدة مع تثبيت الامتيازات الملية الممنوحة منذ الفتح العثمانى للمواطنين غير المسلمين ، والمساواة بين جميع العثمانيين أمام القانون مع حق تولى المناصب من دون تفضيل لملة أو لعنصر.
وهكذا، فإن العصور الوسطى التى بدأت بداية مظلمة لحقوق الإنسان، قد أنتهت نهاية مبشرة لتدعيم هذه الحقوق فى المستقبل مع ظهور العديد من الوثائق الدولية التى حملت هذا المعنى.
والواقع أن هذه النهاية المبشرة لعصور الظلام الوسطى كانت الأساس الذى أنطلقت منه عملية تأكيد حقوق الإنسان خلال القرنين اللاحقين الى أن وصل العالم الى منتصف القرن العشرين ، حيث كانت الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها، وبدأ العالم يفكر فى تأسيس منظمة دولية بديلة لعصبة الأمم التى تأسست فى أعقاب الحرب العالمية الأولى ولم تستطع منع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 ، فكانت نشأة منظمة الأمم المتحدة عام 1945 فى العام الذى انتهت فيه الحرب العالمية الثانية، والتى حملت معها ثورة فى مفاهيم حقوق الإنسان.

ثانيا: الأمم المتحدة وحقوق الإنسان :
أوجدت الأمم المتحدة نظاما دوليا متكاملا لحقوق الإنسان، وهناك عدة أطر يجرى فيها تناول قضايا حقوق الإنسان ولكل منها طبيعتها الخاصة، ومن ثم يختلف اسلوب التعامل معها وتختلف ايضا نظرتها لحقوق الإنسان فى كل دولة ، أو ازاء كل قضية . وأهم هذه الأطر:
1 - الإطار الأعم وهو إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تبحث اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية التابعة للجمعية العامة والمعروفة بإسم اللجنة الثالثة فى اجتماعاتها السنوية شتى الموضوعات الخاصة بحقوق الإنسان، وتعتبر هذه اللجنة المرآة التى تعكس فيها الدول توجهاتها المستقبلية بالنسبة لقضايا حقوق الإنسان بهدف تهيئة الرأى العام لتناول قضية ما من قضايا حقوق الإنسان، سواء كانت هذه القضية ذات طابع عام مثل مناهضة التعذيب، أو كانت ذات طابع محدد تختص بحالة دولة. كما تبحث الجمعية العامة تقارير كافة الأجهزة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة والتى تعالج قضايا حقوق الإنسان .
2 - الإطار المتخصص ويتمثل فى اجتماعات المجلس الاقتصادى والاجتماعى وما يتفرع عنه من لجان متخصصة مثل لجنة حقوق الإنسان التى تعقد اجتماعاتها سنويا فى مقر الأمم المتحدة فى جنيف، وتعد أكثر الأجهزة تركيزا فى مداولاتها على قضايا حقوق الإنسان.
3 - الإطار الفنى وهو إطار لجان الخبراء الذين يتابعون موقف كل دولة إزاء اتفاقيات حقوق الإنسان التى تدخل طرفا فيها ويدرسون التقارير التى تقدمها ويناقشون مدى الوفاء، أو عدم الوفاء بالالتزامات المترتبة على عضوية الدولة فى تلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
4 - الإطار الدولى العام ، ويتمثل فى المؤتمرات الدولية التى تعقد من حين لآخر وتبحث بعض قضايا حقوق الإنسان مثل المؤتمر العالمى لحقوق الإنسان الذى سبق وإنعقد فى طهران عام 1968 ، والمؤتمر الذى عقد فى فيينا فى يونية 1993 .
ومن ناحية أخرى، هناك الإطار غير الحكومى ويتمثل فى نشاط منظمة العفو الدولية وتقاريرها الخاصة بحقوق الإنسان فى مختلف دول العالم، وكذلك الإطار الإقليمى ويتمثل فى نوعين من المنظمات ذات الطابع الإقليمى وهى منظمات إقليمية ذات طابع حكومى مثل اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان التى تعمل فى إطار جامعة الدول العربية، ومنظمات إقليمية للخبراء مثل اللجنة الأفريقية المعنية بحقوق الإنسان والشعوب ، ومنظمات إقليمية غير حكومية مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
وبالتركيز على دور الأمم المتحدة تحديدا فى إطار النظام الدولى لحقوق الإنسان، فإن هناك عدة مستويات لاهتمام الأمم المتحدة بهذه الحقوق.
- المستوى الأولى : ويشمل الجمعية العامة والمجلس الاقتصادى والاجتماعى .
- المستوى الثانى : ويضم أجهزة أخرى تتعلق بعض نشاطاتها بحقوق الإنسان .
- المستوى الثالث : ويشمل الوكالات المتخصصة .
1 - الجمعية العامة :
تنص المادة 13 من الميثاق على أن من بين الأعمال التى تقوم بها الأمم المتحدة بدء الدراسات ووضع التوصيات بقصد توطيد التعاون الدولى فى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية والاعانة على تحقيق حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للناس عامة بدون تمييز بينهم بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أوالديانة .
وتحال معظم البنود المتعلقة بحقوق الإنسان إلى اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية. كما سبقت الإشارة إلى أن بعض هذه البنود تحال الى اللجان الرئيسية الأخرى التابعة للجمعية. فالبنود التى تتسم بصفة أساسية بالطابع السياسى ، تحال الى اللجنة الاولى أو إلى اللجنة السياسية الخاصة، بينما تحال البنود التى تتسم بصفة أساسية بالطابع الإقتصادى الى اللجنة الثانية.
وقد قامت الجمعية العامة فى بعض الاحيان بتأسيس أجهزة فرعية، ذات طابع مؤقت أو خاص ، وكذلك لجان خاصة من أجل مساعدتها فى تأدية المهام الملقاة على عاتقها فيما يتعلق بحقوق الإنسان مثل اللجنة الخاصة بسياسة التفرقة العنصرية فى جنوب أفريقيا فى الماضى.
2 - المجلس الاقتصادى والاجتماعى :
طبقا للمادة 62 من الميثاق يجوز للمجلس الاقتصادى والاجتماعى أن يضع التوصيات الخاصة بتوطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع ومراعاة التقيد بها كما يجوز له إعداد مشاريع اتفاقيات لعرضها على الجمعية العامة والدعوة الى مؤتمرات دولية وتشكيل اللجان من أجل توطيد حقوق الإنسان. ومن اللجان التى شكلها المجلس الاقتصادى والاجتماعى فى عام 1946 لجنة حقوق الإنسان التى تقوم بوضع الدراسات والتوصيات والتزويد بالمعلومات وغير ذلك من الخدمات التى يتطلبها المجلس الاقتصادى والاجتماعى، ولها أن تقدم للمجلس توصيات خاصة بشأن اية لجنة فرعية ترى ضرورة إنشائها. وقد أنشأت لجنة حقوق الإنسان، اللجنة الفرعية الخاصة بمعالجة منع التمييز وحماية الأقليات. وتقوم هذه اللجنة بوضع الدراسات الخاصة فى ضوء الإعلان العالمى لحقوق الإنسان حول منع التمييز من أى نوع.
اما اللجنة الثانية التى أسسها المجلس الاقتصادى والاجتماعى فى عام 1946 فهى اللجنة الخاصة بمركز المرأة وتقوم بإعداد التوصيات والتقارير للمجلس الاقتصادى والاجتماعى حول توطيد حقوق المرأة فى المجالات السياسية والاقتصادية والمدنية والاجتماعية والثقافية ووضع التوصيات للمجلس حول المشاكل العامة العاجلة التى تتطلب عناية فى مجال حقوق المرأة بهدف تطبيق مبدأ المساواة فى الحقوق بين الرجال والنساء.
3 - أجهزة الأمم المتحدة الأخرى :
هناك ثلاثة أجهزة رئيسية أخرى من أجهزة الأمم المتحدة يمكن أن تكون مهتمة، من وقت لآخر وبدرجات متفاوتة، بأمور تتصل بحماية حقوق الإنسان وهى:
أ - مجلس الأمن :
مجلس الأمن، بحكم الميثاق، هو الجهاز الذى يتحمل المسئولية الأساسية فى صيانة السلام والأمن الدوليين واتخاذ الإجراءات المناسبة لهذا الغرض، بما فى ذلك العمل الذى يستهدف تسوية المنازعات بالطرق السلمية وكذلك العمل الوقائى والتنفيذى. وقد أدت انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الأساسية أو انكارها الى قيام أوضاع شغلت مجلس الأمن ، ومنها على وجه الخصوص سياسات التفرقة العنصرية لحكومة جنوب افريقيا فى الماضى.

المصدر: أ. احمد منيسي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN72.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 181 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,491