حتى العصر الحديث كانت المشاركة السياسية مقتصرة فى الغالب على أثرياء القوم ووجهائهم من أصحاب المولد النبيل. أما الأغلبية الساحقة فكانت بعيدة عن المشاركة.
ومنذ مطلع عصر النهضة حتى القرن السابع عشر بدأ الاتجاه نحو مزيد من المشاركة السياسية. وبلغ هذا الاتجاه ذروته أثناء الثورة الصناعية فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ولعل ذلك يرجع إلى العوامل التالية :
1 -
التصنيع ونمو المدن وازدياد التعليم والذى ترتب عليه ظهور قوى اجتماعية جديدة (عمال ـ تجار ـ أصحاب مهن حرة) استشعرت فى نفسها القدرة على تشكيل مصيرها فطالبت بجزء من القوة السياسية.
2 -
ظهور الدعوات التى حمل لواءها المثقفون من فلاسفة وكتاب وصحفيين والتى تنادى بقيم المساواة والحرية والمصلحة العامة بشكل أدى إلى تغذية المطالبة بمشاركة أوسع فى العملية السياسية.
3 -
التطور فى وسائل النقل والمواصلات والاتصالات والذى أدى إلى انتشار الأفكار الجديدة حول الديمقراطية والمشاركة بسرعة وسهولة نسبية.
4 -
الصراع بين القيادات السياسية. ففى ظل التنافس على السلطة تناضل القوى المتصارعة فى سبيل كسب التأييد الشعبى وهذا فى حد ذاته يعطى الشرعية لفكرة المشاركة الجماهيرية.
5 -
التدخل الحكومى المتزايد فى الشئون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والذى أصبحت معه الحياة اليومية للأفراد تتوقف على أعمال الحكومة بصورة حاسمة، وبدون الحق القانونى فى المشاركة السياسية يصبح الفرد بلا حول ولا قوة فى مواجهة الحكومة التى قد تضر بمصالحه. من هنا كانت المطالبة بمنح الحقوق السياسية للأفراد وتهيئة امكانية ممارستها بفاعلية، وذلك للحد من سطوة الحكومة ونفوذها.
وتختلف مسميات المشاركة. فهناك من يطلق عليها المشاركة الجماهيرية وهناك من يسميها المشاركة الشعبية أو المشاركة العامة.
وبالرغم من اختلاف هذه المسميات إلا أنها تدور كلها حول معنى واحد ألا وهو مساهمة كل فرد من أفراد المجتمع ـ فى كل الأعمال وفى كل المستويات ـ فى مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، أى المشاركة المباشرة للجماهير فى شئون المجتمع، وليس عن طريق المشاركة النيابية كممثلى الشعب أو المجالس المنتخبة والتى تعتبر مشاركة غير مباشرة . ويمكن التعرض لقضية المشاركة السياسية من خلال المحاور التالية :

أولاً : تعريف المشاركة السياسية :
يقتضى الاقتراب من مفهوم المشاركة السياسية توضيح المقصود بمصطلح المشاركة بصفة عامة، تمهيداً لطرح مفهوم المشاركة السياسية.
فالمشاركة قد تعنى أى عمل تطوعى من جانب المواطن، بهدف التأثير على اختيار السياسات العامة وإدارة الشئون العامة أو اختيار القادة السياسيين على أى مستوى حكومى أو محلى أو قومى.
وهناك من يعرفها على أنها عملية تشمل جميع صور اشتراك أو اسهامات المواطنين فى توجيه عمل أجهزة الحكومة أو أجهزة الحكم المحلى أو لمباشرة القيام بالمهام التى يتطلبها المجتمع سواء كان طابعها استشارياً أو تقريرياً أو تنفيذياً أو رقابياً، وسواء كانت المساهمة مباشرة أو غير مباشرة.
وهى قد تعنى لدى البعض الجهود التطوعية المنظمة التى تتصل بعمليات اختيار القيادات السياسية وصنع السياسات ووضع الخطط، وتنفيذ البرامج والمشروعات، سواء على المستوى الخدمى أو على المستوى الانتاجى، وكذلك على المستوى المحلى أو المستوى القومى.
كما تعنى المشاركة اسهام المواطنين بدرجة أو بأخرى فى إعداد وتنفيذ سياسات التنمية المحلية سواء بجهودهم الذاتية أو التعاون مع الأجهزة الحكومية المركزية والمحلية.
كما قد تعنى تلك الجهود المشتركة الحكومية والأهلية فى مختلف المستويات لتعبئة الموارد الموجودة أو التى يمكن إيجادها لمواجهة الحاجات الضرورية وفقاً لخطط مرسومة، وفى حدود السياسة الاجتماعية للجميع.
ويمكن تقسيم المشاركة الجماهيرية إلى ثلاثة أنواع رئيسية: المشاركة الاجتماعية والمشاركة الاقتصادية والمشاركة السياسية. وإن كانت هناك صعوبة عند الفصل بين هذه الأنواع فى الواقع العملى لارتباط هذه الأنواع مع بعضها ارتباطاً قوياً وتداخلها تداخلاً قوياً وتأثير كل نوع فى النوعين الآخرين وتأثره بهما تأثراً كبيراً.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 669 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,213