شهد التنظيم الدولى لحقوق الإنسان تطوره الأساسى بعد نشأة منظمة الأمم المتحدة عام 1945، حيث تم فى هذه الحقبة من تطور البشرية صياغة الاعلان العالمى لحقوق الإنسان وصدوره فى عام 1948، والذى يعد الوثيقة الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان. وانطلاقا من هذا الإعلان وفى ظله تم التوصل الى اتفاقيات عديدة لجوانب معينة من حقوق الإنسان .
لكن ذلك لا يعنى أنه لم يكن ثمة وثائق أو أفكار دولية لحقوق الإنسان قبل ذلك التاريخ. فعصبة الأمم، على سبيل المثال، التى نشأت عقب الحرب العالمية الأولى عام 1918، جاء فى وثائقها الأساسية ما يفيد أنها أولت حقوق الإنسان أهمية فائقة ، حيث كان الهدف الرئيسى لتأسيس العصبة منع اندلاع حروب أخرى بعد الحرب العالمية الأولى التى كانت أوسع كارثة يشهدها العالم الحديث ، وما أنطوت عليه أو تسببت فيه من ازهاق أرواح ملايين البشر وتشريدهم .
والواقع أنه قبل أن يدخل العالم طور الحداثة، عرف وثائق دولية تنص على حماية حقوق الإنسان فى التفاعلات الدولية المختلفة، خاصة فى زمن الحرب. ففكرة حقوق الإنسان فكرة قديمة منذ بدء ظهور الخليقة، لكون هذه الحقوق لصيقة أصلا بالإنسان وجودا وعدما .
لكن المؤكد أن الطفرة الهائلة التى شهدها مفهوم حقوق الإنسان قد تحققت منذ منتصف القرن الماضى وعقب صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، ثم تطور هذا المفهوم عبر سلسلة من الاتفاقات الدولية التى تدعمه. وتأكدت هذه الحقوق فى اعقاب تنامى فكرة التدخل الدولى لحماية حقوق الإنسان، والتى تمثل إحدى القضايا الأساسية للنظام العالمى الجديد الذى نشأ عقب انهيار الاتحاد السوفيتى وسقوط المعسكر الشيوعى.
أولا : تطور حقوق الإنسان على الصعيد الدولى :
أياً كان الاختلاف والتنوع فى النظر الى مفهوم حقوق الإنسان، فإنه من الثابت أن القيم التى يتضمنها هذا المفهوم تجد اصولها فى كافة المذاهب السياسية والاجتماعية والدينية، وذلك على النحو الذى يحملنا علي التسليم بأن حقوق الإنسان فى صورتها الحالية ليس الا نتاجا لمساهمات كافة الديانات والثقافات والحضارات.
وإذا كانت حقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من النظام الداخلى للدول ، فإن تطور الحياة الإنسانية وتعرض الإنسان فى العديد من الدول لانتهاك حقوقه قد حول مشكلة حماية هذه الحقوق من مشكلة داخلية محضة إلى مشكلة دولية، وذلك بعد أن ثبت للضمير العالمى عجز النظم الداخلية فى كثير من الاحيان عن حماية الحد الأدنى من هذه الحقوق، ومن هنا نشأت فكرة التدخل الدولى لحماية حقوق الإنسان.
ومع أن الاهتمام الدولى بحقوق الإنسان يتخذ - للأسف - فى كثير من الأحيان الطابع السياسى ، إلا أن ما نشهده اليوم من وثائق دولية متنوعة تتعلق بهذه الحقوق يؤكد على وجود قانون دولى حقيقى لحقوق الإنسان يسعى عن طريق التعاون والتنسيق عبر الدول من خلال المنظمات الدولية بصفة خاصة ، الى ضمان احترام المجتمع الدولى لعدد من القيم التى يؤدى التمسك بها ومنع انتهاكها الى تحقيق حقوق الإنسان .
وهكذا ، فإن القانون الدولى لحقوق الإنسان والذى يعبر عن مصلحة إنسانية عامة ومشتركة ، هو بهذا الوصف يتسم بالتطور المستمر لكى يلبى تطور مفهوم حقوق الإنسان ، وهو قبل هذا يعتبر اشتقاقا من القانون الداخلى للدول.
وبمنطق التسلسل التاريخى ، يمكن القول أن حقوق الإنسان منذ قديم الأزل وحتى الأن قد شهدت ثلاث مراحل للتطور سجلها د. يوسف صبح وهى : مرحلة العصور القديمة ومرحلة العصور الوسطى ثم العصر الحديث.
ففى مرحلة العصور القديمة، كان المجتمع يقوم على مبدأ الحق للقوة. فالقوى يتمتع بجميع الحقوق، والضعيف حقوقه مستباحة، بل ومفقودة فى غالب الأحيان، ولم تكن هناك حماية لحقوق الافراد ، فلم تكن الحرية الشخصية ولا غيرها من الحريات معروفة ولا ثابتة، بل كان نظام الرق معروفا كشئ مألوف وكانت حرية العمل مقيدة والنظام الطبقى هو الأساس لبناء المجتمع.
وبعد أن تقدمت الحضارة، ظهرت مرحلة جديدة، أخذت على عاتقها تدوين بعض القوانين المكتوبة والتى هى عبارة عن أعراف سادت فى تلك الحقبة من الزمن .
ففى بابل ، فى القرن العشرين قبل الميلاد تقريبا ، ظهر قانون حمورابى ملك بابل والذى اكتشفته بعثة أثرية فرنسية فى أوائل القرن العشرين فى مدينة شوس فى شمال العراق. وهو منقوش على نصب حجرى ، ويعتبر أقدم شريعة مدونة ومعروفة. وقانون حمواربى عبارة عن تدوين للعادات الشائعة فى عصره ، ويتطرق الى مسائل العقوبات ويبنيها على قاعدة القصاص ، أى العين العين والسن بالسن وهكذا. وقد كان يتصف هذا القانون بالقوة فى معاملة المجرمين والمديونين والأرقاء، فمثلا يعاقب بالإعدام من يرتكب جريمة السرقة ، والزنا أو الاغتصاب بالقوة أو الخطف، أو الافتراء أو الشهادة الكاذبة فى القضايا المعاقب عليها بالإعدام، وقد تطرق هذا القانون كذلك الى امتيازات الموظفين وعقود التجارة ، ونقل البضائع والوكالة ، والدين والحجز ومسائل العائلة والأرقاء . كما ورد فى قانون حمورابى احترام بعض الحقوق الاساسية منها حرية الملكية الفردية واعتمد قاعدة الاصل برأة الذمة .
أما فى اليونان فكانت هناك تشريعات صولون الاغريقى ، الذى عاش بين القرنين السادس والسابع قبل الميلاد (640 - 560( وقد انتخبه أهالى اثينا حاكما فقام بإصلاحات تشريعية وإدارية عديدة منها الافراج عن المسجونين بسبب الدين . ثم منع استرقاق المديونين وتحرير الاراضى والفلاحين وإعطاء المرأة بعض الحقوق الارثية .
وفى روما صدر قانون الالواح الاثنى عشر فى أوائل عصر الجمهورية على إثر ثورة عامة الشعب على طبقة الأعيان فى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد ، حيث جمعت العادات الرومانية السائدة فى ذلك الوقت ، ثم نقشت على اثنى عشر لوحا نحاسيا وتعتبر هذه الالواح نواة لكل تشريع رومانى لاحق، حيث الغيت الفوارق بين الشعب الرومانى ووضعت أصول المحاكمات والعقوبات التى امتازت بالقسوة، فمثلا نص على اعدام السارق المتلبس بجريمة السرقة، وكذلك بحث قانون الالواح الاثنى عشر فى حق الملكية ومسائل الأحوال الشخصية .
لكن مبدأ المساواة الذى أقره القانون الرومانى فى الداخل انهار فى الخارج مع قيام الامبراطورية الرومانية ، التى ضمت معظم شعوب البحر الأبيض المتوسط، لأن روما كانت تنظر الى علاقاتها مع الشعوب الأخرى نظرة الرئيس الى المرءوس ، ولأن علاقات الشعوب الأخرى بها كانت علاقات التبعية فى صور مختلفة .
واذا انتقلنا من العصور القديمة، فإننا نجد أن العصور الوسطى فى أوروبا تميزت بقيام نظام الاقطاع ، الذى يقوم علي خاصتين أساسيتين ، وهما الاقطاعية العقارية من جهة، والتبعية الشخصية من جهة ثانية .
فالأرض كانت متصلة بالشخص اتصالا لا ينفصم لدرجة أن الشخص كان لا يجد أسباب كيانه، وبالتالى تحديد حقوقه وواجباته، الا فى وضعيته الاقطاعية الناتجة عن الأرض التى خلق عليها. وهكذا كان التسلسل مزدوجا بين الارض من ناحية، وبين الأشخاص من الناحية الأخرى، كما كان تسلسلاً عموديا، ويبدأ بعبيد الأرض (الأقنان( فيمر بالنبلاء أصحاب الدرجات المتفاوتة، لينتهى فى أعلى قمته برباط الولاء للملك، الذى كان يمثل المرتبة العليا ليس لأنه ملك ورئيس دولة ، وإنما بوصفه السيد الاقطاعى الأسمى للهيكل الهرمى الذى يتألف منه النظام.
وفى مثل هذا النظام لم يكن للأفراد حقوق أوحريات يعترف بها، حيث تندمج السلطة فى شخص سيد الاقطاع . لذا من الصعب أن نقول بأنه كان يوجد حقوق وحريات للإنسان فى ظل نظام الاقطاع الذى ساد أوروبا فى العصور الوسطى
المصدر: أ. احمد منيسي - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN72.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
284,167
ساحة النقاش