أن قوة الدولة ذات طبيعة ديناميكية ، بمعنى أن التغير فى ثقل أحد العناصر المكونة لها لابد وأن تترتب عليه تغيرات فى حجم قوة الدولة سلبا أو إيجابا ، فتغير أسعار البترول بالنسبة لدولة تعتمد عليه كمورد قوة ، يؤثر فى قدراتها المالية ، وقد يدفع فى اتجاه إلغاء أو عقد بعض الصفقات التسليحية الخارجية ، ومن الصعب تحديد تأثيرات التفاعلات سريعة التغير. كما أن قوة الدولة (وهى ذات طبيعة نسبية مقارنة) تتأثر بالتغيرات التى تتعرض لها قوة الدول المجاورة لها ، حتى إذا ثبتت على ماهى عليه ، وبالتالى يصعب تصور إمكانية التوصل الى نتائج دقيقة ، وإنما فقط مؤشرات تقريبية للقوة ، استنادا على القياس .

2 - أن أوزان تأثير بعض العناصر الرئيسية للقوة تتغير مع الزمن ، من حيث أهميتها ضمن أسس القوة أو درجة فعاليتها فى التأثير، بفعل تطور وسائل الاتصال وأدوات الحرب وأساليب التجارة ، وغيرها . وقد وضح ذلك فى الجدال الخاص بوراثة الإقتصاد للقوة العسكرية ووراثة المعرفة للاقتصاد ، إلا أن بعض عناصر القوة الثابتة ذاتها قد لحقت بها تغيرات أساسية . فقد تقلصت الأهمية الاستراتيجية للموقع الجغرافى إلى حد كبير ، ولم يعد متاحا للدول أن تغلق الممرات المائية إلا بثمن كبير ، كما لم تعد الحدود الطبيعية تشكل منعة دفاعية غير مشكوك فيها ، فى ظل تطور أشكال الحرب (خاصة الجوية) ، وانتشار الصواريخ أرض ـ أرض القادرة على الاختراق . كما لم تعد الموارد أو المحاصيل الرئيسية التى اصطلح على وصفها بالاستراتيجية ، كالبترول والقمح ، تحوز نفس أهميتها السابقة التى اكتسبتها عبر المنح أو المنع ، بفعل انفتاح الأسواق وتعدد الموردين وسهولة النقل ووجود البدائل . وقد تمكنت دول مختلفة من تجنب بعض التأثيرات السلبية لنقص مورد أو ضعف عنصر معين، كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل أو سنغافورة .
3 - أن التأثيرات المحتملة لكثير من مقومات القوة لا تسير ـ كما سبقت الإشارة ـ فى اتجاه واحد ، بحيث لا يعنى امتلاك عنصر قوة معين وجود مقدار محدد حتمى من التأثير فى اتجاه ما، والمثال الواضح فى كل الكتابات بهذا الشأن هو حجم السكان، فعدد سكان الدولة قد يشكل ميزة تدعم قوتها ، وقد يمثل عبئا يؤدى إلى إضعافها ، تبعا لحالة التجانس أو مستوى التعليم والصحة ، لكن الأكثر دلالة هو الموقع الجغرافى ، فموقع الدولة الإستراتيجى قد يمثل أساسا قويا لتأثيراتها (بل وسيطرتها) فى المنطقة المحيطة بها ، لكنه قد يعرضها بشكل دائم لمحاولات الغزو والإحتلال والضغط الخارجى المستمر ، تبعا لمستوى عناصر قوتها الأخرى . كما أن هناك ما يشبه نفقة فرصة بديلة أو تأثيرات جانبية تحيط بكثير من أدوات القوة ، فامتلاك الدولة قوة عسكرية ضخمة يمكن أن يؤدى إلى تأثيرات قوية فى الأطراف المحيطة ، بما يدعم الأمن والمكانة ، لكنه قد يرهق اقتصاد الدولة بشدة ، إذا لم يترجم ـ ولا يحدث ذلك بالضرورة ـ فى شكل عوائد مالية ، وهو ما طرح دائما معضلة الخبز والبنادق .
4 - أن التأثير يرتبط بكيفية تقييم النظم السياسية لهذه القوة أو تلك ، فما يؤثر فى واقع الأمر ليس القوة ، وإنما القوة المدركة أو المتصورة ، بكل ما يمكن أن يحيط بالمدركات من إعاقات . وثمة حالة نموذجية توضح ذلك هى الحرب العراقية - الإيرانية خلال الثمانينات، فعلى الرغم من توازن عناصر القوة الثابتة (باستثناء عدد السكان) نسبيا بين الطرفين ، إلا أن تقديرات القيادة العراقية لقوة إيران قد استندت فى الأساس على وجود خلخلة داخلية ، فى أعقاب الثورة ، تعرقل قدرة النظام الجديد على تعبئة موارد قوته ، بما يتيح للعراق تحقيق انتصار سريع متعدد الأبعاد ، إلا أن أساس التقييم (الخلخلة الداخلية) كان أكبر أخطائه، فقد أدى عنصر الإرادة القومية إلى ضبط التوازن ، بما جر البلدان لثمانى سنوات من الحرب انتهت بدون منتصر أو مهزوم بعد مقتل مليون فرد ، فالإدراك يمثل مشكلة ، ويصعب قياس اتجاهاته .
وتظل هناك نقطة أساسية تمت الإشارة إليها بشكل مختصر من قبل ، وهى أن الدول لا تمتلك بالضرورة إمكانية تحويل أو ترجمة موارد القوة المتاحة لها إلى أدوات قوة محددة ، يمكن استخدامها مباشرة فى التأثير ، بحكم مشكلة الخصائص النوعية لها ، فأية مقارنة لأعداد السكان أو المساحات الجغرافية أو الموارد الطبيعية بين الدول العربية وإسرائيل لا تعبر على الإطلاق عن النتائج التى أسفرت عنها اللقاءات الفعلية المستندة فى الأساس على أدوات القوة ، بين الطرفين . كما أن الموارد ـ حتى إذا كانت قابلة من الناحية النوعية / الفنية للتحويل ـ لا تحدد استخداماتها ( اتجاهات تأثيراتها المحتملة) بنفسها ، فالقدرات النووية يمكن أن تستخدم لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر أو إنتاج أسلحة نووية ، تبعا للقرار السياسى . يضاف إلى ذلك وجود متغيرات وسيطة تحكم العلاقة بين امتلاك أدوات القوة ذاتها والقدرة على التأثير، وإن كانت بعض الدراسات تشير ـ استنادا على قراءة تحليلية لوقائع عديدة ـ إلى أن الناتج المحلى الإجمالى
GDP تحديدا ، يمثل أهمية خاصة فى تقييم قوة الدول، ونتائج التفاعلات الجارية بينها على المدى الطويل ، وأن القوة العسكرية تمثل أهم عناصر قوة الدول، وقدرتها على التأثير فى المدى الزمنى المباشر ، خاصة وأن حجمها ونوعيتها يمكن أن يوضحا حالة عناصر القوة القومية الأخرى للدولة .
باختصار ، فإن من الممكن توقع احتمال تحقق نتيجة معينة لمباراة كرة قدم بين فريقين من المحترفين ، على أساس المقارنة بين مجموع أسعار اللاعبين فى كل فريق ، لكن لا توجد ضمانات ـ أو بتعبير آخر حتمية ـ بأن يحدث ما تم تصوره أو توقعه بالفعل .

 

 

المصدر: أ. محمد عبد السلام - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN65.HTM
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,134