منذ بداية الستينيات عانى المجتمع الدولى من أشد العمليات الإرهابية خطورة وقسوة وهى تلك التى تمارس ضد الطائرات المدنية التى تستخدم فى نقل الركاب عبر الدول والسيطرة عليها وإجبارها بالقوة على تغيير مسارها وحجز ركابها داخلها لتحقيق مطالب معينة لخاطفيها الذين أطلق عليهم قراصنة الجو. وكان أول حادث اختطاف طائرة مدنية فى بيرو عام 1930. ولكن الظاهرة لم تستفحل إلا فى النصف الثانى من القرن العشرين.
ولقد كانت المنظمات الإرهابية خلال السبعينيات إما يسارية أو فوضوية، وهى حركات تسعى إلى الحكم وأشهرها الألوية الحمراء فى إيطاليا، وبادرماينهوف الألمانية، ولواء الغضب البريطانية، والعمل المباشر الفرنسية، وتوباماروس فى أمريكا الجنوبية، .. واستخدمت هذه التنظيمات العنف ضد الحكومات وأهداف مختارة من المنشآت أو الأشخاص بقصد بث الذعر ونشر الرعب لتحقيق شعار ارهب عدوك وانشر قصتك أى أقل عدد من الضحايا وأكبر عدد من الناس يشاهدون. أما فى الثمانينيات فقد شهد الإرهاب تحولا ليس فى استراتيجيته فقط ، بل أيضاً فى نوعية القائمين به فأصبحت مخابرات بعض الدول الكبرى والصغرى تمارس الإرهاب أحياناً . وتحولت استراتيجية الإرهاب من مجرد بث الذعر والخوف إلى أحداث التدمير وإيقاع الخسائر الكبيرة بالخصم بقصد التأثير على القرار السياسى وإظهار الدولة الخصم بمظهر العجز عن حماية مواطنيها، أما فى عقد التسعينيات وحتى نهاية القرن العشرين، ومع أفول توترات الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتى، تراجع إلى حد كبير استخدام الإرهاب كبديل للحرب التقليدية بين الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتى السابق والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة. وتحولت استراتيجيات الإرهاب فى عقد التسعينيات من عمليات تهدف إلى الإضرار العام مثل عملية نشر غاز السارين فى أحد أنفاق طوكيو التى ارتكبتها جماعة دينية متطرفة هى جماعة أوم شينريكيو أو الحقيقة السامية ، وعملية أوكلاهوما سيتى بالولايات المتحدة التى وقعت فى 19 أبريل عام 1995 وقتل فيها 168 شخصاً، والعمليات الإرهابية المتكررة بالجزائر.
ثانيا: الاتجاهات الرئيسية فى تعريف الإرهاب
على الرغم من أهمية تعريف الإرهاب كأساس لتحديد معالم الظاهرة إلا أنه لا يوجد تعريف محدد متفق عليه لتعريف ظاهرة الإرهاب.
والإرهاب ليس مجرد عمليات مثيرة، إنما هو نمط من أنماط استخدام القوة فى الصراع السياسى، وهو استخدام قد تمارسه الجماعات السياسية أو الحكومات من أجل التأثير على القرار السياسى لغيرها، وهناك العديد من المشاكل التى تحيط بالمفهوم وتجعل من الصعب إيجاد تعريف محدد للإرهاب. ومن أهم هذه المشاكل تشعب ظاهرة الإرهاب وتعدد أشكاله وأهدافه وتنوع الدوافع لارتكاب هذه الجريمة، فضلاً عن ممارسات القوى الكبرى وبعض الدول التى تستخدمه أو تشجع عليه واختلاف مصالح الدول ومحاولة كل مجموعة دولية فرض وجهة نظر تتفق مع مصالحها أو خلفياتها التاريخية، إضافة إلى اختلاط صور العنف السياسى بالإرهاب، كما أصبح الفرق غير واضح بين الإرهاب وبين الجرائم السياسية والجريمة المنظمة وديكتاتورية الدولة، بل تجاوز الأمر إلى اختلاط مفهوم الإرهاب مع بعض صور الحرب والأشكال الأخرى للعنف ومنها حركات التمرد والعصيان والانقلابات وغيرها ..
1 - التعريف اللفظى أو اللغوى:
هناك اتجاه لدى بعض الباحثين لتعريف مفهوم الإرهاب تعريفاً لغويا بمعنى التركيز من قبل عدد من الباحثين أو الدارسين لظاهرة الإرهاب على المعنى اللغوى للمفهوم.
ظهرت كلمة إرهاب TERREUR لأول مرة فى اللغة الفرنسية عام 1355 وجاءت من اللغة اللاتينية TERROR ولها ما يقابلها فى جميع اللغات الأوروبية وهى تعنى فى الأصل خوفا أو قلقاً متناهياً من تهديد غير مألوف وغير متوقع. ويعرفه قاموس اكسفورد بأنه مصطلح سياسى يرجع إلى جماعة اليعقوبيين التى عرفت بأعمالها الإرهابية العنيفة إبان الثورة الفرنسية ما بين 1793و 1794. والإرهابى هو كل من يحاول تعزيز أفكاره وآرائه باستخدام التهديد والإكراه بالعنف. وأصبح مفهوم الإرهاب TERRORISM حالياً مفهوماً شائعاً فى أوساط وسائل الإعلام العالمية لكنه لا يتسم بتحديد صارم لمعناه.
ويثير الفحص اللغوى للإرهاب مجموعة من المشكلات يتعلق أولها بالفرق بين التطرف والإرهاب. فالتطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتعارف عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية متطرفة أو عنيفة فى مواجهة المجتمع أو الدولة. أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادى أو التهديد بالعنف- كما سيأتى ذكره- فإنه يتحول إلى إرهاب، إذ أن التطرف دائما فى دائرة الفكر، أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك من اعتداء على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل تنظيمات مسلحة تستخدم العنف فى مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب.
وهناك أيضاً فرق بين الإرهاب والأصولية الدينية. إذ أن الأخيرة هى إحدى دوائر التطرف السابق ذكرها وهى ليست مقصورة على الأصولية الإسلامية وإنما تشمل كافة الأصوليات الدينية السماوية وغير السماوية فى العالم ومنها أصوليات مسيحية ويهودية وهندوسية، وأخرى عقائدية يسارية كالشيوعية أو يمينية متطرفة كالنازية والفاشية .. الخ. ويعد التطرف الفكرى فى حد ذاته الأساس العقيدى أو الفكرى أو الأيديولوجى لموجة الإرهاب فى العالم.
ساحة النقاش