مما لاشك فيه أن هناك مشكلات عديدة تنشأ عند تعريف مفهوم الإرهاب وتحديد أبعاده، حيث تختلف نظرة كل مجتمع من المجتمعات للمفهوم، ومن ثم لمن هو الإرهابى. فالإرهابى فى نظر البعض مناضل أو مكافح أو مجاهد، وهو مجرم فى نظر البعض الآخر، وفى محاولة لتحديد المفهوم نتناول النقاط التالية:
أولا: التأصيل التاريخى لظاهرة الإرهاب
عرف العالم الإرهاب فى صوره المختلفة منذ أقدم العصور، فتحدثت البرديات المصرية القديمة عن الصراع الدموى بين الكهنة وصور القسوة التى سادت بينهم بسبب تنافسهم على المناصب الكهنوتية. وسجل التاريخ صراع الأحزاب فى المدن اليونانية القديمة، والعصابات التى شكلها بعض النبلاء فى أوروبا فى العصور الوسطى للإخلال بالأمن فى ربوع إقطاعيات خصومهم.
وكانت أول منظمة إرهابية عرفها التاريخ هى منظمة السيكارى التى شكلها بعض المتطرفين من اليهود من طائفة الزيلوت الذين وفدوا إلى فلسطين فى نهاية القرن الأول قبل الميلاد بهدف إعادة بناء الهيكل الذى عرف بالمعبد الثانى. وتميزت هذه الحركة باستخدام وسائل غير تقليدية فى عملياتها، فكانت تستخدم سيوفاً قصيرة تسمى سيكا- ومنها اشتق اسمها- كانوا يخبئونها تحت عباءاتهم ويرتكبون أعمالهم فى وضح النهار وأثناء الاحتفالات العامة كى ينشروا الرعب بين الناس. وفى نهاية القرن التاسع عشر ظهرت أول بوادر الإرهاب الحديث فى روسيا بظهور منظمة الأرض والحرية فى عام 1876، ثم منظمة الإرادة الشعبية التى تشكلت عام 1879، والتى جعلت الإرهاب جزءاً متكاملاً من العملية الاجتماعية الروسية.
وكان أول استخدام للقنبلة فى العمليات الإرهابية من جانب الثوار الايرلنديين فى العقد الثامن من القرن التاسع عشر فى عملية الفرار من سجن كلير كنوبل فى لندن. وكان الإرهاب فى مظهره الحديث من ابتداع الثورة الفرنسية التى قامت فى عهد روبسبير وجان جيست بقطع رأس 140 ألف فرنسى، وسجن 300 ألف آخرين. كما أن الاغتيال السياسى أسلوب قديم ابتداء من اغتيال يوليوس قيصر فى قلب ميدان كورى بروما، مروراً باغتيال هنرى الرابع، والملك الاسكندر ملك يوغوسلافيا .. وغيرها وصولا إلى أشهر عمليات الاغتيال السياسى فى القرن العشرين والتى من أهمها حادثة اغتيال الأمير رودلف ولى عهد النمسا على يد متطرف صربى وكانت سبباً لاشتعال الحرب العالمية الأولى، وعملية اغتيال الرئيس المصرى أنور السادات فى 6 أكتوبر عام 1981، واغتيال اسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى فى 4 نوفمبر عام 1995 .
وكانت الحرب العالمية الثانية نقطة تحول وخطاً فاصلاً بين تاريخين للإرهاب، فقد أصبح للصراع السياسى داخل الدول وفيما بين الدول والحكومات أشكال جديدة لم تكن معروفة من قبل، وتعاظم دور الإرهاب وأصبح ظاهرة مختلفة تماماً عن تلك الظاهرة التى كانت تعرفها البشرية قبل منتصف القرن العشرين.
وعرفت أوروبا خلال مرحلة الحرب الباردة منذ بداية خمسينيات القرن العشرين ما سمى بالإرهاب الأحمر أو الإرهاب اليسارى الذى ارتبط بالتنظيمات الشيوعية التى وجهت عملياتها ضد الدول الغربية، وبصفة خاصة ضد الولايات المتحدة. كما عرفت ما سمى بالإرهاب الأسود الذى ارتبط بالتنظيمات الفاشية والنازية فى إيطاليا وألمانيا والنمسا، وكذلك الإرهاب الانفصالى الذى تقوم به إحدى الجماعات الانفصالية بهدف تحقيق انفصال أقلية معينة تقطن إقليماً معيناً عن الدولة الأم كما فى حالة الجيش الجمهورى الايرلندى فى بريطانيا، وحركة ايتا فى إقليم الباسك بأسبانيا وحزب العمال الكردستانى فى تركيا ..الخ.
ساحة النقاش