تمارس البرلمانات عددا من الوظائف، تتراوح فى مجالها ونطاقها من دولة الى أخرى، وذلك حسب الإطار الدستورى السائد وأسلوب توزيعه لاختصاصات الحكومة، وكذلك تبعا لمدى التطور الديمقراطى وقوة البرلمان وقدرات أعضائه.
وبوجه عام، هناك نوعان من تلك الوظائف، الأول عام، تمارسه البرلمانات كهيئة ممثلة للشعب، كدورها فى صنع السياسات العامة وخطط التنمية، والثانى فنى، وهو ما يعرف بالدور التشريعى والرقابى، الذى تقوم به فى مواجهة السلطة التنفيذية (حيث لا تخضع السلطة القضائية للبرلمان أو السلطة التنفيذية، تطبيقا لمبدأ استقلال القضاء وحصانته، وكحكم بين السلطات أيضا). وفيما يلى نبذة عن كل هذه الوظائف:
1- الترشيح لمنصب رئاسة الدولة:
تتولى البرلمانات فى النظم النيابية ترشيح رئيس الحكومة، وذلك تطبيقا لفكرة الحكم بواسطة الأغلبية البرلمانية. وكذلك، ففى بعض الدول التى تجمع بين خصائص النظام البرلمانى والنظام الرئاسى، يقوم البرلمان بترشيح رئيس الدولة ثم يقرر الناخبون ترشيحه فى هيئة استفتاء عام، كما هو الحال فى مصر.
وبهذا المعنى، فإن البرلمان يقوم فقط بترشيح رئيس الدولة أو رئيس الحكومة، وليس اتخاذ قرار تعيين أى منهما. ففى حالة النظام الملكى، يتولى الملك منصبه بالوراثة، ولا يوجد للبرلمان دور فى ذلك، أما فى حالة النظام الجمهورى فإن البرلمان قد يقوم فقط بترشيح رئيس الجمهورية، ثم يترك القرار النهائى للناخبين.
وفى النظم الرئاسية، يتولى رئيس الدولة منصبه عن طريق الانتخاب المباشر للمواطنين، بدون أى تدخل من جانب البرلمان، كما هو الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية مثلا.
أى أن البرلمان لا يقرر من الشخص الذى يتولى منصب رئيس الدولة، سواء كان ملكا أم رئيس جمهورية، وذلك تطبيقا لفكرة الفصل بين السلطات.
وحتى فى الدول الملكية التى تتبع النظام البرلمانى، مثل بريطانيا، فإن الملك هو الرئيس الرسمى للسلطة التنفيذية، حتى وإن كان ذلك شكليا، وهو الذى يصدر قرار تكليف زعيم الأغلبية البرلمانية بتشكيل الوزارة، حتى وإن كان بناءً على فوز حزبه بأغلبية مقاعد البرلمان.
2- صنع وإقرار السياسة العامة:
مع تضخم دور السلطة التنفيذية فى ظل التقدم الصناعى وتزاحم العمل الحكومى، بحيث أصبحت الإدارات التنفيذية أكثر انشغالا وتعقيدا فى مهام الحياة اليومية وتفصيلات الأداء الإدارى، برز دور البرلمان فى التأثير على السياسة العامة، نظرا لما يتمتع به من قدرة على التعبير عن المطالب الشعبية وأولويات الرأى العام.
3 - الوظيفة المالية:
حصلت البرلمانات على سلطتها المالية عبر مرحلة صراع طويل مع الحكومة منذ القرن التاسع عشر، حتى أصبحت تلك السلطة من أهم مصادر قوتها فى مواجهة الحكومة.
وتتمثل السلطة المالية للبرلمان فى تحديد حجم نفقات الدولة، واتخاذ الوسائل الضرورية لتغطية العجز المالى فى الميزانية سواء عن طريق الضرائب أو طرق أخرى.
4 - التأثير فى الرأى العام:
ارتبطت مسيرة التطور السياسى ونمو الاتجاهات الديمقراطية فى مختلف أنحاء العالم بدور البرلمان، حيث كان نقطة الإنطلاق لأفكار الحرية والمساواة والمشاركة السياسية الشعبية فى الحكم. كما أن البرلمان كان منبع الحركة الوطنية والمطالبة بالاستقلال فى الدول النامية خلال الفترة الاستعمارية، وهو ما اتضح فى الحركة الوطنية المصرية، مثلا، منذ أوائل القرن العشرين.
كذلك، فإن البرلمانات تساهم فى تشكيل الرأى العام، وبلورة الاتجاهات السياسية العامة حول النظام السياسى، وأداء أجهزة الدولة.
فباعتبارها هياكل نيابية، فإن البرلمانات لديها الفرصة فى التأثير على مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية المتباينة داخل الدولة، والتأثير بالتالى فى الرأى العام ككل.
كما يعد البرلمان مكانا لعقد المناقشات الدائمة بين المواطنين الذى يعبر عنهم والحكومة، بين المعارضة والأغلبية، أى يعد منبرا عاما يعبر عن الاتفاق والاختلاف، وكثيرا ما تبث وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية هذه المناقشات .
ولا يقتصر تأثير البرلمان فى الرأى العام على النطاق الداخلى وإنما قد يمتد الى النطاق الخارجى، فيما يسمى الدبلوماسية الشعبية، التى أصبحت إحدى العلامات البارزة فى العلاقات الدولية المعاصرة، واستطاعت أن تشكل قنوات تأثير على الرأى العام الدولى.
وتتميز الدبلوماسية البرلمانية بالمرونة والحركية، فهى لا تتم بين أشخاص رسميين يعبرون عن وجهة نظر جامدة للدولة، أو يحملون أوراق تفويض فى مسائل معينة، وإنما بين أحزاب وقوى سياسية متباينة فى برامجها وأهدافها فى داخل دولها، بغض النظر عن كون هذه الأحزاب فى الحكم أم لا.
وفى هذا الإطار تبرز الدبلوماسية البرلمانية كأرقى أنواع الدبلوماسية الشعبية. وأطراف الدبلوماسية البرلمانية يتمتعون بتفويض قانونى من قبل شعوبهم مصدره ما حازوا عليه من ثقة الناخبين، كما أن احتكاكهم المستمر بأبناء دوائرهم يجعلهم معبرين عن اتجاهات الرأى العام.
وعلى الرغم من أن ما يصدر عن الدبلوماسية البرلمانية من توصيات وقرارات ليس له صفة الإلزام للحكومات، إلا أنها تعد منابر هامة لمخاطبة الرأى العام وإثارة اهتمامه بالقضايا المختلفة فى العالم وزيادة وعيه بها.
ساحة النقاش