5 -
الوساطة بين المواطنين وأجهزة السلطة التنفيذية:
يقوم عضو البرلمان بنوعين من الأدوار النيابية، الأول هو تمثيل الشعب فى مجموعه، وذلك من خلال عمله البرلمانى فى أمور التشريع والرقابة على الحكومة، وتمثيل مصالح الناخبين فى دائرته المحلية والعمل على تلبية مطالبهم.
بعبارة أخرى، فإن أعضاء البرلمان يقومون بدور الوساطة بين دوائرهم الانتخابية من ناحية والحكومة والأجهزة الإدارية والرسمية من ناحية أخرى.
بهذا المعنى الأخير، فإن النائب وسيط بين الناخبين وبين الحكومة، فهو يتدخل لدى الإدارة والحكومة والوزراء ليلفت نظرهم إلى بعض القرارات غير الملائمة التى يعود أثرها بالضرر على المواطنين، كذلك يطالب بتحقيق بعض المطالب الخاصة لأبناء دائرته.
وهناك جدل كبير ومستمر حول هذا النوع من تمثيل المصالح المحلية، التى تأخذ معنى الوساطة بين المواطنين وأجهزة الدولة. فالبعض يرى أن النائب قد ينشغل بهذا الدور للحصول على تأييد ورضاء ناخبيه المحليين، ولو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية العامة، أو على حساب مناطق أخرى فى المجتمع، ربما لا يكون لها نواب على نفس القدر من المهارة فى الحصول على الخدمات لدوائرهم.
ولكن البعض الآخر يرى أن عمل الحكومة فى الوقت الراهن قد أصبح معقدا للغاية، وأن قدرة المواطن العادى على التأثير فى أجهزة الدولة، وخصوصا الأجهزة الخدمية كالمرافق والخدمات الأساسية، الأمر الذى يفرض على عضو البرلمان القيام بإيصال مطالب المواطنين الى أجهزة صنع القرار، لما له من قدرة على ذلك، وفرصة فى الاتصال بهم.
ومن ناحية أخرى، فكثيرا ما ينتخب المواطنون نوابهم للوفاء بوعود انتخابية وتلبية مطالبهم المحلية التنموية، وإذا عجز النائب عن تحقيقها أو انشغل عنها تماما بأداء المهام البرلمانية الأخرى فإنه يفقد تأييدهم.
وفى الحقيقة، لم يعد هذا الدور الخدمى المحلى للنائب محلا للتساؤل فى الحياة البرلمانية المعاصرة، وإنما الأمر يتعلق بنطاق هذا الدور، وما إذا كان النائب قادرا على الجمع بينه وبين الأدوار البرلمانية العامة الأخرى، كالتشريع والرقابة.
وقد استقر الأمر على قبول هذا الدور وتنظيمه على نحو متوازن، حيث تعرف مختلف برلمانات العالم ما يسمى مكاتب المطالبة أو الطلبات، التى تقوم بتلقى طلبات المواطنين وطلبات جماعات المصالح وطلبات الفئات المعترضة على قرار حكومى ما.
وقد يكون تنظيم عمل هذه المكاتب مركزيا، أى فى مقر البرلمان ذاته، أو محليا، أى تنتشر فى الدوائر الانتخابية والمناطق المحلية ذاتها فى هيئة مكاتب لنواب تلك الدوائر. وفى مصر هناك لجنة برلمانية دائمة لتلقى طلبات واقتراحات وشكاوى المواطنين عموما، تعرف بإسم لجنة الاقتراحات والشكاوى، كما يستطيع النواب إنشاء مكاتب خاصة بدوائرهم الانتخابية للمعاونة فى القيام بهذا الدور أيضا.

6-
الوظيفة التشريعية:
تعد هذه الوظيفة من أهم وظائف البرلمانات، تاريخيا وسياسيا. فمن الناحية التاريخية، تجسدت قيم الديمقراطية فى إنشاء نظام للحكم يعتمد على تمثيل الشعب، وتحقيق حرية المشاركة والمساواة بين المواطنين، وارتكز هذا النظام على وجود هيئة تقوم بدور النيابة عن هذا الشعب فى تقرير أمور حياته.
وبلا شك، فإن أهم أمور تنظيم حياة المجتمع هى وضع القواعد التى يجب أن تسير عليها الكافة من أجل حماية قيم الحرية والمساواة. ولهذا، فإن دور البرلمان الأول أصبح هو وضع تلك القواعد، أى القوانين.
واليوم، تعتبر وظيفة التشريع أبرز ما يقوم به البرلمان، حتى أن التسمية المرادفة للبرلمان فى مختلف الثقافات المعاصرة هى المؤسسة أو السلطة التشريعية.
وبرغم أن المبادرة باقتراح القوانين وصياغتها فى هيئة مشروعات تأتى غالبا من جانب السلطة التنفيذية، فإن ذلك لا ينفى دور البرلمان فى مناقشتها وتعديلها قبل الموافقة عليها، وكذلك اقتراح قوانين جديدة.
ومن المهم معرفة أن القوانين ليست مجرد رخص وعقوبات يصدرها المشرع، وإنما القانون تعبير عن إرادة المجتمع وأولوياته، التى يجسدها المشرع فى صورة قواعد عامة تحكم التفاعلات بين الأفراد والجماعات وتنظم العمل والعيش المشترك بينهم. فالتشريع يأتى تاليا لوضع الأولويات السياسية وتحديد ملامح السياسات العامة المرغوبة، ولا يتم فى فراغ، ومن هنا، نستطيع التحدث عن سياسة تشريعية. والذى يعبر عن تلك السياسة التشريعية هو منظومة القواعد والقوانين الموضوعة وكيفية وضعها وطريقة إنفاذها.
ومن المهم، أيضا، معرفة نطاق الوظيفة التشريعية التى يمارسها البرلمان فى إصدار القوانين. فالقاعدة العامة أن الإطار القانونى له مكونات عديدة، على رأسها الدستور، ثم القوانين، واللوائح التنفيذية، والقرارات الوزارية والتعليمات الإدارية، بالإضافة الى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى توقع عليها الدولة.
فبالنسبة للدستور، فمرجعه الأصلى هو الشعب، لأن الدستور أعلى مرتبة من القوانين، وهو الذى يعبر عن القيم الأساسية للمجتمع وطبيعة نظام الحكم ككل، وبالتالى لابد أن يكون للشعب الرأى المباشر فيه. أما دور البرلمان فيتمثل فى مناقشة تعديل الدستور قبل عرضه على الشعب فى استفتاء عام.
وبالنسبة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فإن السلطة التنفيذية هى التى توقع عليها، لأنها المتحدث بإسم الدولة أمام العالم الخارجى، ويكون دور البرلمان هو الموافقة على تلك الاتفاقيات والمعاهدات قبل التوقيع عليها نهائيا، أو التصديق عليها بعد التوقيع فعلا.
وسلطة تصديق البرلمان على المعاهدات تجعله فاعلا مؤثرا فى ترسيم حدود النشاط الدبلوماسى للحكومة أى لعلاقات الدولة مع الدول الأخرى، وخصوصا المعاهدات التى تؤثر على سيادة الدولة أو موارد المجتمع، مثل معاهدات التحالف أو التجارة أو القروض الكبيرة أو تعديل الحدود أو أراضى الدولة.
من هنا، تنصرف الوظيفة التشريعية للبرلمان الى وضع القوانين أساسا. وهذه الوظيفة هى التى تجعل البرلمان من أهم سلطات الدولة، باعتباره ممثل الأمة والمعبر عن نبض أعماقها، ولأنه الذى يسن القوانين ويعدلها ويلغيها، ومن الضرورى موافقته على كل المشروعات بقوانين التى تقدمها إليها السلطة التنفيذية.
أضف الى ذلك أن تنفيذ سياسة الوزارة يتوقف عادة على ثقة البرلمان، وأن القوانين هى التى تحدد مجالات النشاط الحكومى. كما أن مبدأ الشرعية يقيد قدرة السلطة التنفيذية على تعديل هذه القوانين من تلقاء نفســها، وإن كانت تستطــيع - فقط - أن تحدد تطبيقها. كذلك، فإن السلطة القضائية لا تطبق إلا القوانين التى تقرها السلطة التشريعية.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 203 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,186