7 -
سلطة الرقابة :
يقوم النظام الديمقراطى على فكرة التوازن بين سلطات الحكم، التشريعية والتنفيذية والقضائية، حتى لا تجور إحداها على الأخرى، وتستأثر بالسلطة، وبالتالى تهدد مصالح المجتمع وتؤثر سلبيا على نظام الحكم.
وهناك ثلاث صور أساسية للرقابة، يكمل بعضها البعض حتى تستقر الديمقراطية ويتحقق التوازن بين السلطات وكذلك الإرادة الشعبية للمواطنين. الأولى هى الرقابة من البرلمان على الحكومة، والثانية من الحكومة على البرلمان، والثالثة من الرأى العام على البرلمان.
أما النوع الأول من الرقابة، فهى التى يمارسها البرلمان على الحكومة. وتعتبر تلك الرقابة البرلمانية من أقدم وظائف البرلمان تاريخيا، وأشهرها سياسيا، حيث هو المسئول عن متابعة وتقييم أعمال الحكومة.
ولكن عملية رقابة البرلمان على السلطة التنفيذية لا تتم بدون توازن فى القوة السياسية بينهما، حتى لا تنقلب الى سيطرة، وتصبح السلطة التنفيذية خاضعة تماما للبرلمان، وبالتالى ينهار مبدأ الفصل بين السلطات، الذى هو أساس الحكومات الديمقراطية وشرط الاستقرار السياسى. ولهذا، فإن عملية الرقابة تكون متبادلة ومتوازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
فالرقابة البرلمانية وسيلة لحماية مصلحة الشعب، ومنع الانحراف، والالتزام بالسياسية التنموية التى وافق عليها البرلمان، والالتزام بالميزانية التى أقرها، حفاظا على الأموال العامة من الإهدار. ويعتبر البرلمان سلطة رقابة سياسية على السلطة التنفيذية تحاسبها وتراقب تصرفاتها وأعمالها وقراراتها، ويستطيع البرلمان من خلالها التحقق من مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية وأعمالها ومدى استهدافها الصالح العام، ويكون له مراجعتها وإعادتها الى الطريق الصحيح إذا انحرفت.
ومن ناحية ثانية، فكما أن البرلمان يمارس وظيفة رقابية على الحكومة، فإنه يخضع فى الوقت نفسه لنوع من رقابة الحكومة عليه أيضا. فإذا كان أعضاء البرلمان يستطيعون اتهام الوزراء، وسحب الثقة من الحكومة إذا ثبت الاتهام عليها، فإن الحكومة قد تلجأ الى حل البرلمان إذا رأت أنه غير متوازن أو موضوعى فى تقديره للأمور، أو يبالغ فى الاتهام بدون سند مقبول الى درجة تجعل التعاون بينهما مستحيلا، فترى ضرورة الاحتكام مباشرة الى الشعب ليقرر من الطرف الذى على صواب. وفى هذه الحالة تطلب الحكومة من رئيس الدولة حل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة للبرلمان، تسمى انتخابات مبكرة، فإذا اختار الناخبون نفس أعضاء البرلمان تقريبا كان معنى هذا أنهم يؤيدون البرلمان ضد الحكومة، فيجب على الحكومة أن تستقيل، أما إذا انتخب الناخبون برلمانا مختلفا، فمعنى هذا أنهم يؤيدون موقف الحكومة، فتستمر فى العمل.
وهناك صورة ثالثة للرقابة، وهى التى يمارسها الرأى العام على البرلمان ذاته. وقد تكون تلك الرقابة الاجتماعية على البرلمان موسمية أو تكون دائمة.
فالأولى تتم عند تشكيل البرلمان، وتتمثل فى موقف الناخبين تجاه أعضاء البرلمان وقت الانتخابات، حيث يعتبر تجديد اختيار الأعضاء نوعا من الرقابة الدورية التى يمارسها الرأى العام على البرلمان.
أما الرقابة الدائمة فتتم طوال فترة عمل البرلمان، ويمارسها المجتمع من خلال وسائل الإعلام، سواء على أداء الأعضاء أو قوة البرلمان ككل، وهى نوع هام جدا من الرقابة الشعبية على البرلمان.
وفى الحقيقة، فإن الصورة الأولى للرقابة، أى من البرلمان على الحكومة، تعتبر مقياسا هاما لكفاءة البرمان ومؤشرا عـلى

درجة الديمقراطية فى المجتمع.
فالمقصود بالرقابة البرلمانية، إذن، هو دراسة وتقييم أعمال الحكومة، وتأييدها إن أصابت وحسابها إن أخطأت.
وتتنوع صور العلاقة الرقابية بين البرلمان والسلطة التنفيذية فى النظم الديمقراطية، ففى بعضها يقوم البرلمان بانتخاب رئيس الوزراء وبالتالى يستطيع عزله (أى سحب الثقة منه)، وفى البعض الآخر لا يستطيع البرلمان ذلك، كما هو الحال فى النظام الأمريكى. ولكن، على الرغم من غياب تلك الصفة بالنسبة للكونجرس الأمريكى، والنظم الرئاسية والتى تأخذ بمبدأ الفصل الواضح بين السلطات عموما، يظل للبرلمان القدرة على الرقابة والعمل باستقلالية بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية.
ولأن الرقابة البرلمانية عملية متعددة الأبعاد، فهناك وسائل متعددة أمام النواب لممارسة مهام الرقابة على الحكومة، منها المناقشات المستمرة والعميقة للميزانية، والرقابة والإشراف على العمل الحكومى، وتوجيه الأسئلة للوزراء عن أمور تتعلق بعملهم. كذلك، فبعض البرلمانات ابتكرت وسيلة أخرى من وسائل الرقابة على العمل الحكومى، وهى المفوض البرلمانى، وهو شخصية مستقلة يقوم بتعيينها البرلمان من أجل الإشراف والرقابة على الإدارة.
ويعود الثقل الكبير للوظيفة الرقابية فى نظر المجتمع وأعضاء البرلمان الى عدد من الأمور التى أملتها التطورات السياسية، أهمها:
أ- هيمنة الحكومة على صنع السياسات العامة، فهى مصدر معظم التشريعات، وهى التى تمتلك القدرة على التنفيذ، وهى المخولة بوضع اللوائح التنفيذية للقوانين، وتمتلك القدرات الفنية والإدارية وقواعد المعلومات اللازمة لصنع وتنفيذ السياسة، بحيث لا يتبقى للبرلمان الكثير من هذه القدرات لكى يقوم بصنع السياسة ورسم الأولويات.
وبالتالى، يتجه اهتمام البرلمانات فى ظل هذه الأوضاع الى محاولة استثمار وتفعيل ما هو ممكن من وسائل وآليات للمساهمة فى صنع القرار، وأهمها الرقابة.
ب- أن التوازنات السياسية والحزبية فى البرلمان قد تحد من قدرته على توجيه الحياة السياسية وصنع السياسات العامة، لاسيما فى ظل وجود تكتل أو أغلبية حزبية كبيرة مؤيدة للحكومة، وبالتالى تصبح الرقابة أهم الوسائل المتبقية أمام المعارضة للتأثير فى السلطة التنفيذية.
ج - أن الثقافة السياسية السائدة فى المجتمع قد تنظر الى الدور الرقابى للبرلمان بشكل أكثر تقديرا وإعجابا من نظرتها لدوره التشريعى، وينطبق ذلك بوضوح على نظرة الرأى العام الى أعضاء المعارضة البرلمانية أو المستقلين، حيث يميل الرأى العام وتتجه وسائل الإعلام الى الانبهار وربما تبجيل العضو الذى يستطيع إحراج الوزراء ويقتنص الفرص لإظهار التقصير فى أداء الحكومة، بل وربما يفاخر الأعضاء أنفسهم بذلك ويعتبرونه علامة فى تاريخهم البرلمانى.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 809 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,166