فى أغلب البرلمانات التى تضم مجلسين، عادةً ما يتشكل المجلس الأول بالانتخاب المباشر، ولهذا يكون أكثر تعبيرا عن الطابع الجماهيرى، ولهذا يسمى المجلس الأدنى، نسبة الى قربه من الجماهير، أما المجلس الآخر فربما يتشكل بالتعيين، كله أو بعضه، ولهذا يسمى المجلس الأعلى، نسبة الى علاقته بالسلطة العليا فى الدولة.
وهناك عدة عوامل تفسر انتشار نظام المجلسين فى العالم المعاصر، أهمها:
1- الحاجة الى ضمان قدر أكبر من التروى والمراجعة فى قرارات المجلس النيابى المنتخب مباشرة من بين كافة الفئات الجماهيرية، والذى قد تنتشر به عناصر محدودة الثقافة والخبرة الفنية، أو ربما يغلب عليها الانفعال العاطفى فى أمور التشريع، ومن هنا تأتى أهمية وجود مجلس ثان مواز للمجلس النيابى، يضم عناصر فنية ومتخصصة ويوازن المجلس النيابى الأدنى، بما يوفر قدرا أكبر من الجماهيرية والعقلانية معا فى تكوين البرلمان.
2- احتمال التفاوت وعدم التجانس بين الفئات الاجتماعية، العرقية أو الثقافية أو المهنية..، الأمر الذى يستدعى تمثيل تلك الفئات بدرجة مناسبة فى مجلس ثان، بالإضافة الى المجلس الذى يتم انتخابه على أساس عددى محض. ففى بعض الحالات، تتكون الدولة من أقاليم أو ولايات، ويكون عدد السكان فى بعضها قليلا بالمقارنة مع البعض الآخر، وبالتالى يكون هناك اختلال فى تمثيل هذه الأقاليم فى السلطة التشريعية الاتحادية، ولهذا يتأسس مجلس ثان يعبر عن قاعدة المساواة فى تمثيل الولايات، بصرف النظر عن عدد سكانها، وهو ما حدث فى الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، حيث يضم الكونجرس مجلسين، هما: مجلس النواب الذى يعكس الوزن العددى لسكان الولايات الخمسين (ويتكون من 437 عضوا)، ومجلس الشيوخ الذى يعبر عن المساواة المطلقة بين تلك الولايات (100 عضو، بواقع عضوين عن كل ولاية).
3- أن نظام المجلسين يضمن فرصة أكبر لاستمرار التعبير عن الإرادة الشعبية ورقابتها لأعمال الحكومة، لاسيما فى حالة عدم تزامن مدة انعقاد المجلسين، فإذا انتهت مدة انعقاد أحدهما يكون الآخر قائما، كما هو الحال فى مصر، حيث تكون المدة الدستورية لمجلس الشعب 5 سنوات، يتجدد بعدها كل أعضائه، فى حين أن مدة مجلس الشورى 6 سنوات، يتجدد نصف أعضائه كل ثلاث سنوات، وبهذا يكون فى حالة انعقاد دائمة.
4- ولا يعنى نظام المجلسين أنهما متساويان بالضرورة فى السلطة التشريعية، فقد لا يكونان كذلك، وربما لا يكون لأحدهما سوى وظيفة اعتراضية أو حتى استشارية، إلا أن وجود مجلس آخر فى البرلمان من شأنه تعزيز فرصة التروى والمناقشة المتعمقة للقوانين، وممارسة قدر أكبر من الرقابة على السلطة التنفيذية. كذلك، فإن الاتجاه العام فى الدول المعاصرة التى تأخذ بنظام المجلسين هو إشراك كل منهما فى عملية التشريع، حتى إن كان أحدهما يتشكل بالتعيين والآخر بالانتخاب.
وهناك نماذج متنوعة من الدول المعاصرة التى تأخذ بنظام المجلسين وترتبط فعالية نظامها السياسى به، نشير إلى أهمها على النحو التالى:
ففى المملكة المتحدة (بريطانيا) يضم البرلمان مجلسين، يقع كلاهما بداخل مبنى البرلمان، ولكن كلاً منهما مستقل عن الآخر: الأول، هو مجلس اللوردات، ويتكون من أكثر من ألف عضو، وتكوينه يكون بالوراثة أو التعيين الملكى المباشر، ومجلس اللوردات يمارس وظيفة قضائية هامة، فهو بمثابة المحكمة العليا فى الدولة، فضلا عن دوره فى مراجعة القوانين التى تعرض عليه من مجلس العموم، وحق الاعتراض عليها وتأخير صدورها، حيث يجب حينئذ أن يعاد عرضها على مجلس العموم. أما مجلس العموم، فيتشكل من 650 عضوا منتخبين مباشرة من جانب المواطنين، لمدة خمس سنوات، وهو السلطة التشريعية الفعلية، والذى يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية.
وفى فرنسا يتكون البرلمان من مجلسين، حسب دستور الجمهورية الخامسة الحالى منذ عام 1958، وهما: الجمعية الوطنية، وتتشكل من 577 عضوا منتخبين مباشرة من جانب المواطنين (منهم 7 عن المستعمرات الفرنسية)، لمدة خمس سنوات، وهو السلطة التشريعية فى فرنسا، ومجلس الشيوخ، ويضم 322 عضوا منتخبين بطريقة غير مباشرة، أى عن طريق هيئة منتخبة بدورها من جانب المقاطعات الفرنسية (فى صورة مجمع انتخابى)، لمدة ست سنوات يجدد نصفه كل ثلاث سنوات، وهو مكمل للسلطة التشريعية فى فرنسا، حيث يجوز للحكومة فى القوانين المالية أن تعرض مشروع القانون على مجلس الشيوخ للموافقة عليه، إذا لم تتخذ الجمعية الوطنية قرارها خلال 40 يوما من عرضه عليها، فاذا لم يصدر مجلس الشيوخ قراره يحال المشروع الى لجنة مشتركة من المجلسين لاتخاذ قرارها خلال 70 يوما.
وفى إيطاليا يضم البرلمان مجلسين، هما: مجلس النواب، ويتكون من 630 عضوا، بالانتخاب المباشر، وبأسلوب القائمة النسبية، والثانى هو مجلس الشيوخ، ويضم 315 عضوا لمدة 5 سنوات بلا تجديد نصفى، وينتخب منهم 309 ويعين رئيس الجمهورية الباقين. والمجلسان متقاربان فى الصلاحيات، بل وفى التكوين والنظام الانتخابى، وهما يشكلان معا السلطة التشريعية التى تضع القوانين وتنتخب رئيس الجمهورية وكذلك ثلث أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وتعدل الدستور وتراقب أعمال الحكومة.
وفى اليابان، يتألف البرلمان من مجلسين، هما: مجلس النواب، ويتشكل بالانتخاب المباشر لمدة أربع سنوات، ومجلس الشيوخ، ويتكون بالانتخاب أيضا، لمدة 6 سنوات، مع تجديد نصف أعضائه كل ثلاث سنوات. والمجلسان معا هما السلطة التشريعية، فإذا اختلفا أعاد مجلس النواب دراسة مشروع القانون، فإذا أصر عليه بأغلبية الثلثين صار نافذا، ويمكن تشكيل لجنة مشتركة منهما فى الموضوعات الخلافية والعاجلة.
ساحة النقاش