موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

الأحكام القضائية للإدارية العليا في استقالة وإنهاء خدمة موظف llllllllllllllllll

edit

القرينة التي جاء بها المشرع لاعتبار الموظف مستقيلاً مقررة لمصلحة جهة الإدارة للجهة الإدارية أعمالها واعتباره مستقيلاً أو إهمالها وتمضي في مساءلته تأديبياً .

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشر - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1970) - صـ 229

(38)
جلسة 21 من مارس سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن المستشارين.

القضيتان رقما 430، 914 لسنة 13 القضائية

( أ ) موظف. انتهاء خدمة "الاستقالة الضمنية"
القرينة التي جاء بها المشرع لاعتبار الموظف مستقيلاً مقررة لمصلحة جهة الإدارة - للجهة الإدارية أعمالها واعتباره مستقيلاً أو إهمالها وتمضي في مساءلته تأديبياً - الإفصاح عن ذلك يتم في صورة قرار إداري وليس في صورة قرار تنفيذي.
(ب) موظف "انتهاء خدمة" قرار إداري "سحبه"
لا يسوغ لجهة الإدارة سحب القرار الصادر بإنهاء الخدمة استناداً إلى الاستقالة الصريحة أو الضمنية - لا يجوز القياس في هذه الحالة على ما هو مقرر بالنسبة إلى القرارات الصادرة بالفصل، أساس ذلك.
(جـ) موظف "إعادة التعيين" الاستقالة. الفصل من الخدمة.
إعادة الموظف المفصول إلى الخدمة إنما هو استثناء من أصل فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء وقياس الاستقالة عليه - الفارق بين الاستقالة والفصل.
1 - إن المشرع قد جاء بقرينة يعد معها الموظف مستقيلاً وهذه القرينة مقررة لمصلحة الجهة الإدارية التي يتبعها الموظف فإن شاءت أعملت القرينة في حقه واعتبرته مستقيلاً وإن شاءت تغاضت عنه رغم توافر شروط أعمالها ولها ألا تعمل أثرها فلا تعتبر الموظف مستقيلاً وتمضي في مساءلته تأديبياً لانقطاعه بدون إذن 15 يوماً متتالية.
ومؤدى ذلك أن إعمال هذا الأثر يصدر عن الإدارة بما لها من سلطة تقديرية والإفصاح عنه يتم في صورة قرار إداري مكتمل لجميع مقوماته وليس في صورة قرار تنفيذي.
2 - لا يسوغ لجهة الإدارة سحب القرار الصادر بإنهاء الخدمة استناداً إلى الاستقالة الصريحة أو الضمنية لأن سحب قرار إنهاء الخدمة في هذه الحالة ينطوي على إهدار الإدارة للضوابط والشروط التي فرضها المشرع على الإدارة عند إعادة العامل إلى الخدمة وحساب المدة التي قضاها خارج الوظيفة.
ولا يجوز في هذه الحالة القياس على ما هو مقرر بالنسبة إلى القرارات الصادرة بالفصل لأنه ولئن كان الأصل في السحب أو الرجوع في القرارات الإدارية ألا يقع أيهما إعمالا لسلطة تقديرية أو لاعتبارات الملائمة إلا أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على جواز إعادة النظر في قرارات الفصل من الخدمة سواء اعتبر قرار الفصل صحيحاً أو غير صحيح فسحبه جائز لاعتبارات إنسانية تقوم على العدالة والشفقة إذا المفروض أن تنفصم صلة العامل بالوظيفة بمجرد فصله ويجب لإعادته إلى الخدمة أن يصدر قرار جديد بالتعيين كما يجب احساب المدة التي قضاها خارج الوظيفة في أقدميته أو يتم كل ذلك وفقاً للقيود والأوضاع التي فرضها القانون.
3 - إن إعادة الموظف المفصول إلى الخدمة إنما هو استثناء من أصل فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء وقياس الاستقالة عليه هذا بالإضافة إلى وضوح الفارق بين الاستقالة والفصل فالاستقالة صريحة كانت أو ضمنية إنما تستند إلى إرادة الموظف الصريحة أو الضمنية والقرار الإداري الصادر بإنهاء خدمة الموظف استناد إلى الاستقالة الصريحة إنما يصدر بناء على طلب صريح من الموظف برغبته في إنهاء خدمته وهذه الرغبة الصريحة تمثل ركن السبب في القرار الإداري الصادر بإنهاء الخدمة كما أن الاستقالة الضمنية والتي فرضها المشرع بنص المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (والتي تقابل المادة 112 من القانون القديم) قد اعتبرت العامل مقدماً استقالته إذا انقطع عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولو كان الانقطاع عقب أجازة مرخص له بها. فقرار إنهاء الخدمة في هذه الحالة يصدر بناء على إرادة الموظف الضمنية في إنهاء خدمته وهذه إرادة تمثل ركن السبب في قرار إنهاء الخدمة ومن ثم لا يجوز سحبه لأن مبناه في الحالتين إرادة الموظف في إنهاء خدمته أما الفصل فيتم بإرادة الجهة الإدارية وحدها ويكون سحبه استثناء من الأصل إذا ما قدرت الإدارة أن قرارها بالفصل وإن صدر مطابقاً للقانون إنما ينطوي على خطأ في التقدير أو الملائمة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضدهما أقامتا الدعوى رقم 658 لسنة 17 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد السيدين مدير جامعة القاهرة ووزير التعليم العالي بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة بتاريخ 5/ 2/ 1963 طلبتا الحكم (بإلغاء القرار الصادر من مدير جامعة القاهرة برقم 1954 بتاريخ 21/ 5/ 1961 القاضي بسحب القرار رقم 2942 الصادر في 18/ 7/ 1957 رفع اسم السيدة ألفت جلال الدين عثمان من سجلات الجامعة وصرف مرتبها من 15/ 5/ 1961 تاريخ استلامها العمل مع إلغاء جميع ما يترتب على هذا القرار من آثار وإلزام المدعى عليه الأول بصفته المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة).
وقالتا شرحاً لدعواهما أن السيدة ألفت جلال الدين عثمان كانت تعمل مثقفة للطالبات بالدرجة السادسة بالكادر الفني العالي وبتاريخ 14/ 4/ 1957 تقدمت بطلب للموافقة على منحها أجازة بدون مرتب لمدة سنة لمصاحبة زوجها الدكتور عبد الفتاح حسن عضو هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة القاهرة لمناسبة إعارته إلى المملكة السعودية وبتاريخ 27/ 7/ 1957 لم يوافق مدير الجامعة على منحها الإجازة المطلوبة ولما كانت السيدة المذكورة لم تنتظر البت في طلبها وبادرت إلى السفر مع زوجها وانقطعت عن عملها فقد صدر القرار رقم 2942 في 18/ 8/ 1957 من السيد مدير الجامعة برفع اسمها من سجلات الجامعة لانقطاعها عن العمل أكثر من خمسة عشر يوماً بدون إذن وأخطرت السيدة المذكورة بهذا القرار في 24/ 8/ 1957 على عنوان زوجها بالمملكة السعودية.
وبتاريخ 27/ 8/ 1961 تقدمت السيدة ألفت بطلب إلى السيد مدير الجامعة تلتمس الموافقة على إعادتها إلى الخدمة بوظيفة مثقفة وقد صدر قرار السيد مدير الجامعة رقم 1954 بتاريخ 21/ 5/ 1961 بسحب القرار رقم 2942 الصادر في 18/ 8/ 1957 كما وافق السيد مدير الجامعة بتاريخ 4/ 12/ 1961 علي اعتبار مدة الانقطاع في الفترة من 15/ 4/ 1957 إلى 22/ 4/ 1961 مدة انقطاع فعلى بدون مرتب واعتبار أقدميتها في الدرجة السادسة بالكادر الفني العالي من تاريخ تعيينها في 1/ 3/ 1956 وتنعي المدعيتان على القرار المطعون فيه عدم مشروعيته وإجحافه بحقوقهما للأسباب الآتية - أولاً - أن القرار رقم 2942 الصادر في 18/ 7/ 1957 (المسحوب) صدر صحيحاً ممن ملكه وفي حدود القانون وأخطرت به السيدة المذكورة في 24/ 8/ 1957 ومرت قرابة الأربع سنوات دون أن تتظلم منه ومن ثم فقد أصبح حصيناً من الإلغاء مرتباً حقوقاً مكتسبة للطالبتين في تحديد أقدمياتهما في الدرجة السادسة بالكادر الفني العالي. ثانياً - أن السيدة ألفت حسين تقدمت بطلبها للإدارة لم تطلب سحب قرار رفع اسمها وإنما طلبت إعادتها للعمل وأنه وإن كان القانون رقم 210 لسنة 1951 يبيح للإدارة ذلك بشروط إلا أن تلك الشروط غير متوافرة في حالتها لأن مدة خدمتها تقل عن ثلاث سنوات. ثالثاً - إن استناد إدارة الجامعة في تبرير إصدار قرارها المطعون عليه إلى أن وظيفة السيدة المذكورة ظلت شاغرة مردود عليه بأن الإدارة عينت بعد رفع اسمها أربع مثقفات وأن الدرجة التي شغلها كانت خالية لسبب نقل المثقفة صفية الهلباوي إلى كلية الزراعة. رابعاً - أن القرار المطعون فيه لم ينشر إلا بعد تظلم الطاعنتين ولم تعلما به إلا قبل تظلمهما مباشرة وأن وجود السيدة ألفت في العمل كان في مفهوم الطاعنتين باعتباره تعييناً جديداً.
وبجلسة التحضير المنعقدة في 15/ 10/ 1963 طلبت السيدة ألفت جلال قبولها خصماً منضماً للحكومة في طلب الحكم برفض الدعوى على أساس أن لها مصلحة في التدخل، وقرر السيد المفوض قبول تدخلها خصماً ثالثاً.
وبتاريخ 29 من ديسمبر سنة 1966 حكمت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مدير جامعة القاهرة رقم 1954 بتاريخ 21/ 5/ 1961 بسحب القرار رقم 2942 الصادر في 18/ 8/ 1957 برفع اسم السيدة/ ألفت جلال الدين عثمان من سجلات الجامعة وإعادتها للعمل مع ما يترتب على ذلك من آثار وذلك على الوجه المبين بالأسباب وألزمت الجامعة المصروفات وأقامت قضاءها هذا على أن القرار الصادر برفع اسم السيدة/ ألفت جلال الدين من سجلات الجامعة لاعتبارها مستقيلة طبقاً لنص المادة 112 من القانون 210 لسنة 1951 لا يعدو أن يكون قراراً تنفيذياً لا يسوغ لجهة الإدارة أن تعدل عنه ولا تملك إلغاءه أو سحبه وأنه مع التسليم جدلاً بأن جهة الإدارة تصدر في هذا الشأن قراراً إدارياً بترتيب حكم الاستقالة الحكمية فإن الثابت أن هذه الجهة قد أعملت سلطتها التقديرية في إنزال حكم القانون ومن ثم نشأ مركز قانوني حاصلة اعتبار السيدة المذكورة هاجرة لعملها باستقالة حكمية قبلت من جهة الإدارة لا يجوز لها بعد ذلك أن تصدر قراراً إدارياً مضاداً بدعوى أنها أعادت أعمال سلطتها التقديرية لأنه لا يجوز لجهة الإدارة أن تجعل من سلطتها التقديرية في ملائمة إصدار القرارات الإدارية مسوغاً لسحب القرارات الإدارية المشروعة أو إلغائها أو تعديلها وعلي ذلك يكون القرار المطعون فيه غير مشروع حقيقاً بالإلغاء على أن مفهوم تنفيذه الإلغاء في هذا الحكم إنما ينصب على اعتبار أن القرار المطعون فيه ساحباً لقرار الفصل وهو في حقيقته ووفق التطبيق السليم للقانون لا يصح ولا يسوغ إلا أن يكون قرار تعيين مجدد بالنسبة إلى المطعون عليها لا يسري إلا من تاريخ صدوره وليس من أي تاريخ آخر سابق على هذا الصدور وهو في هذه الحدود يعتبر مشروعاً ومن ثم يتعين إلغاء كل أثر له باعتبار أنه ساحب لقرار الفصل وقصر أثره على أنه قرار تعيين جديد يسري من تاريخ صدوره ويتعين تصحيحه على هذا الوضع وبذلك لا يكون من شأنه أن يمس بالمركز المكتسب للمدعيتين.
ومن حيث أن الطعنين يقومان على أساس أن قرار إنهاء الخدمة سواء اعتبر صحيحاً أم غير صحيح فإن سحبه جائز على أي الحالين وأن الإدارة بإصدارها القرار المسحوب لم تكن تهدف لإحداث مراكز قانونية في شأن المطعون ضدهما سواء من حيث الاقدمية أم غيرها وإنما هدفت إلى إنهاء خدمة السيدة ألفت جلال الدين فحسب الأمر الذي لا يسوغ معه للمطعون ضدهما الاعتراض على سحب قرارات فصل الموظفين ولو كانت سليمة دون تقيد بميعاد محدد على أساس العدالة.
ومن حيث إن السيد مفوض الدولة قدم تقريراً بالرأي القانوني مسبباً طلب فيه قبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما المصروفات وذلك استناداً إلى أن القرار الصادر برفع اسم السيدة ألفت جلال الدين من سجلات الجامعة بسبب انقطاعها عن العمل لا يعدو أن يكون قراراً فصل من الخدمة فإن الإدارة بسحبها هذا القرار تكون قد استعملت رخصة ممنوحة لها مقتضاها جواز سحب قرارات الفصل ولو كانت مشروعة.
ومن حيث إن القرار الصادر بإنهاء خدمة السيدة ألفت جلال الدين إنما صدر إعمالاً لنص المادة 112 من القانون 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة والتي تنص على أن (يعتبر الموظف مستقيلاً في الحالتين الآتيتين: (1) إذا انقطع عن عمله بدون إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولو كان الانقطاع عقب أجازة مرخصاً له بها ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان لعذر مقبول، وفي هذه الحالة يجوز لوكيل الوزارة المختص أن يقرر عدم حرمانه من مرتبه عن مدة الانقطاع).
ومن حيث أن المشرع قد جاء بقرينة يعد معها الموظف مستقيلاً وهذه القرينة مقررة لمصلحة الجهة الإدارية التي يتبعها الموظف فإن شاءت أعملت القرينة في حقه واعتبرته مستقيلاً وإن شاءت تغاضت عنه رغم توافر شروط أعمالها ولها ألا تعمل أثرها فلا تعتبر الموظف مستقيلاً وتمضي في مساءلته تأديبياً لانقطاعه بدون إذن 15 يوماً متتالية.
ومؤدي ذلك أن إعمال هذا الأثر يصدر عن الإدارة بما لها من سلطة تقديرية والإفصاح عنه يتم في صورة قرار إداري مكتمل لجميع مقوماته وليس في صورة قرار تنفيذي كما ذهب الطاعنون في مذكراتهم.
ومن حيث أن الأصل أن إعادة الموظف إلى الخدمة إنما يكون طبقاً للشروط والأوضاع التي نصت عليها المادة 12 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة والتي تنص على أنه "يجوز إعادة تعيين العاملين في الوظائف السابقة التي كانوا يشغلونها إذا توافرت فيهم الشروط المطلوبة في شاغل الوظيفة الشاغرة وعلي أن يكون التقريران الأخيران المقدمان عنه في وظيفته السابقة بتقدير جيد على الأقل".
على أنه لا يجوز تعيين العاملين في غير أدني درجات التعيين إلا في حدود 10% من الوظائف الخالية بها.
كما أن الأصل عند تحديد أقدمية الموظف المعاد إلى الخدمة هو إسقاط المدة التي قضاها خارج الوظيفة إلا إذا كان قد قضاها مشتغلاً بعمل يفيد منه خبرة وذلك عملاً بالمادة 23 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة وطبقاً للقواعد التي يصدر بها قرار من مجلس الوزراء بناء عل اقتراح ديوان الموظفين وقد صدر بهذه القواعد قرار رئيس الجمهورية رقم 159 لسنة 1958 وطبقاً لهذه القوانين لا تضم مدد الخدمة السابقة إلا إذا كانت قد قضيت في عمل يفيد الموظف خبرة في عمله الجديد وأن تكون المدة المضمومة قد قضيت في درجة معادلة للدرجة التي يعاد تعيين الموظف فيها وألا تقل هذه المدة عن سنتين إذا كانت قد قضيت في غير الحكومة أو الأشخاص الإدارية العامة.
ومن حيث إن هذه القواعد لا زال معمولاً بها في ظل العمل بأحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وذلك عملاً بالقانون رقم 158 لسنة 1964 بوضع أحكام وقينة للعاملين المدنيين بالدولة وقرار رئيس الجمهورية رقم 2264 لسنة 1964 بقواعد وشروط نقل العاملين إلى الدرجات المعادلة لدرجاتهم الخالية والذي صدر تنفيذاً له وقد نصت المادة الثامنة منه على أن (يكون تعيين العاملين لأول مرة في الدرجات المعادلة للدرجات المنصوص عليها في الفقرتين الأولي والثانية من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أو كادر عمال الدرجة حسب الأحوال.
كما يجوز التعيين في غير هذه الدرجات وفقاً لأحكام المادتين 23 و24 من القانون المشار إليه بشأن مراعاة مدد العمل السابقة في تحديد درجة التعيين والمرتب والأقدمية.
ومن حيث أنه لا يسوغ لجهة الإدارة سحب القرار الصادر بإنهاء الخدمة استناداً إلى الاستقالة الصريحة أو الضمنية لأن سحب قرار إنهاء الخدمة في هذه الحالة ينطوي على إهدار الإدارة للضوابط والشروط التي فرضها المشرع على الإدارة عند إعادة العامل إلى الخدمة وحساب المدة التي قضاها خارج الوظيفة.
ولا يجوز في هذه الحالة القياس على ما هو مقرر بالنسبة إلى القرارات الصادرة بالفصل لأنه ولئن كن الأصل في السحب أو الرجوع في القرارات الإدارية ألا يقع أيهما إعمالاً لسلطة تقديرية أو لاعتبارات الملائمة إلا أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على جواز إعادة النظر في قرارات الفصل من الخدمة سواء اعتبر قرار الفصل صحيحاً أو غير صحيح فسحبه جائز لاعتبارات إنسانية تقوم على العدالة والشفقة إذ المفروض أن تنفصم صلة العامل بالوظيفة بمجرد فصله ويجب لإعادته إلى الخدمة أن يصدر قرار جديد بالتعيين كما يجب لحساب المدة التي قضاها خارج الوظيفة في أقدميته أو يتم كل ذلك وفقاً للقيود والأوضاع التي فرضها القانون على الوجه الذي سلف بيانه.
ومتى ثبت أن إعادة الموظف المفصول إلى الخدمة إنما هو استثناء من أصل فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء وقياس الاستقالة عليه هذا بالإضافة إلى وضوح الفارق بين الاستقالة والفصل فالاستقالة صريحة كانت أو ضمنية إنما تستند إلى إرادة الموظف الصريحة أو الضمنية والقرار الإداري الصادر بإنهاء خدمة الموظف استناداً إلى الاستقالة الصريحة إنما يصدر بناء على طلب صريح من الموظف برغبته في إنهاء خدمته وهذه الرغبة الصريحة تمثل ركن السبب في القرار الإداري الصادر بإنهاء الخدمة كما أن الاستقالة الضمنية والتي فرضها المشرع بنص المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (والتي تقابل المادة 112 من القانون القديم) قد اعتبرت العامل مقدماً استقالته إذا انقطع عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولو كان الانقطاع عقب أجازة مرخص له بها.. فقرار إنهاء الخدمة في هذه الحالة يصدر بناء على إرادة الموظف الضمنية في إنهاء خدمته وهذه إرادة تمثل ركن السبب في قرار إنهاء الخدمة ومن ثم لا يجوز سحبه لأن مبناه في الحالتين إرادة الموظف في إنهاء خدمته أما الفصل فيتم بإرادة الجهة الإدارية وحدها ويكون سحبه استثناء من الأصل إذا ما قدرت الإدارة أن قرارها بالفصل وإن صدر مطابقاً للقانون إنما ينطوي على خطأ في التقدير أو الملاءمة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية قد أنهت خدمة السيدة ألفت جلال الدين عثمان باعتبارها منفصلة لانقطاعها عن عملها بدون إذن خمسة عشر يوماً متتالية عملاً بحكم المادة 112 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه فلا تسوغ بعد ذلك سحب القرار الصادر بإنهاء خدمتها لمخالفة ذلك للقانون ويكون الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى هذه النتيجة قد أصاب الحق في قضائه ويتعين لذلك رفض الطعنين مع إلزام كل من مدير الجامعة وهو الطاعن ذو الشأن في الطعن رقم 43 لسنة 13 ق والسيدة ألفت جلال الدين عثمان الطاعنة في الطعن رقم 914 ق لسنة 13 ق بمصروفات الطعن.

"فلهذه الأسباب"

 

حكمت المحكمة بقبول الطعنين المضمومين شكلاً وبرفضهما موضوعاً وألزمت كلاً من الطاعنين بمصروفات طعنه.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 92 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

إنهاء خدمة العامل بما يعتبر استقالة ضمنيةإذا انقطع عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية لا يقع بقوة القانون بل لا تنتهي الخدمة إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة - القرينة القانونية على الاستقالة الضمنية المستفادة من انقطاع العامل بدون إذن عن عمله مقررة لصالح الإدارة لا العامل - أساس ذلك.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1971 إلى آخر سبتمبر سنة 1971) - صـ 208

(31)
جلسة 3 من إبريل سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ يوسف إبراهيم الشناوي - رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة: محمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأحمد حسن العتيق - المستشارين.

القضية رقم 359 لسنة 13 القضائية

موظف "نهاية خدمة" الاستقالة الضمنية.
إنهاء خدمة العامل، بما يعتبر استقالة ضمنية، إذا انقطع عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية لا يقع بقوة القانون بل لا تنتهي الخدمة إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة - القرينة القانونية على الاستقالة الضمنية المستفادة من انقطاع العامل بدون إذن عن عمله مقررة لصالح الإدارة لا العامل - أساس ذلك.
مفاد المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964، أن خدمة العامل تنتهي بما يعتبر استقالة ضمنية إذا انقطع عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية وهي المدة التي عد المشرع انقضاءها قرينة قانونية على الاستقالة، وترتفع هذه القرينة، إذا انتفى الافتراض القائمة عليه، بتقديم العامل خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول تقدره جهة الإدارة، فإذا لم يقدم العامل أسباباً تبرر الانقطاع، أو قدم هذه الأسباب ورفضت، اعتبرت خدمته منتهية بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ انقطاعه عن العمل، إلا أن انتهاء الخدمة في هذه الحالة لا يقع بقوة القانون بل يحكمه المبدأ العام الذي نصت عليه المادة 79 من القانون سالف الذكر، التي تقضي بأن خدمة العامل لا تنتهي إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة، ومن ثم فإنه حرصاً على المصلحة العامة، وحتى لا يتوقف سير العمل في المرفق العام، كانت القرينة القانونية على الاستقالة الضمنية المستفادة من انقطاع العامل بدون إذن عن عمله خمسة عشر يوماً متتالية بدون أن يقدم عذراً مقبولاً، مقررة لصالح الإدارة لا العامل، وإلا كان من اليسير على من يجد في الخدمة العامة قيداً على نشاطه أن يستقيل من عمله بمحض اختياره بمجرد انقطاعه عن عمله خمسة عشر يوماً متتالية، وبذلك يجبر الإدارة على قبول استقالته - وهذا ما يتنافى مع ما قصده المشرع حين أعطى الجهة الإدارية سلطة إرجاء قبول الاستقالة في المادة 79 المذكورة لمقتضيات المصلحة العامة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن الطاعن كان يعمل معيداً بقسم جراحة العظام بكلية الطب بجامعة أسيوط وقد انقطع عن عمله في 2 من ديسمبر سنة 1965، ثم أرسل إلى الكلية استقالته بتاريخ 4 من ديسمبر سنة 1965، فرفض عميد الكلية قبولها، وقد أخطرته إدارة شئون الأفراد بكتابها المؤرخ 4 من ديسمبر سنة 1965 بذلك الرفض، وطلبت منه الحضور لمباشرة عمله - إلا أنه أرسل طلباً في 6 من ديسمبر سنة 1965 يلتمس فيه إعادة النظر في قبول استقالته لظروف عائلية، وقد أشر عليه عميد الكلية بعدم موافقته على قبول الاستقالة وتبليغه بالحضور والانتظام في العمل، ولكنه لم يخطر بذلك، وطلبت الجامعة إليه مقابلة وكيل الجامعة بمكتبه بالقاهرة في الساعة العاشرة من صباح يوم الخميس 30 من ديسمبر سنة 1965، إلا أن الطاعن لم يتوجه لمقابلة وكيل الجامعة في الميعاد المحدد له - وقد رأت الجامعة أن استمرار انقطاعه عن العمل بالرغم من عدم قبول استقالته وعدم حضوره للتحقيق مع استدعائه أكثر من مرة يعتبر خروجاً على مقتضى الواجب فأصدر مدير الجامعة القرار رقم 373 لسنة 1966 بإحالته إلى مجلس التأديب لمحاكمته عما هو مسند إليه وهو انقطاعه عن العمل بدون إذن.
وقد دفع الطاعن ما أُسند إليه، بأنه لم يصله ما يفيد قبول استقالته الثانية أو رفضها خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديمها ومن ثم يعتبر مستقيلاً بقوة القانون، مستنداً في ذلك إلى أنه قام بإعادة مرتبه عن شهري فبراير ومارس سنة 1966 إلى الجامعة.
وبجلسة 31 من يوليه سنة 1966 قرر مجلس التأديب مجازاة الطبيب المذكور بالخصم من مرتبه لمدة شهرين وعدم استحقاقه لمرتبه عن مدة انقطاعه عن العمل مستنداً في ذلك إلى أن الاستقالة المقدمة في 6 من ديسمبر سنة 1965، فإنه فضلاً عن وضوح اتجاه الجامعة إلى رفضها حيث أشر عليها العميد بعدم قبولها، فقد أخطر الطبيب في 27 من ديسمبر سنة 1965 لمقابلة وكيل الجامعة يوم 30 من ديسمبر سنة 1965 ولكنه لم يحضر هذه المقابلة، وأن في استدعائه هذا ما يفيد رفض طلبه أو على الأقل تأجيله إلى ما بعد المقابلة، وذكر مجلس التأديب في قراره أن هذا الاستدعاء ينفي القرينة التي وضعها القانون للقول بقبول الاستقالة بعد ثلاثين يوماً على تقديمها - ومؤدى ذلك أن الطبيب المذكور منقطع عن العمل منذ مدة طويلة، وأنه لم يحضر للتحقيق معه رغم استدعائه مرتين وأنه ليس في الأعذار التي أبداها ما يبرر مسلكه، وأنه لما كان انقطاعه عن العمل ليس له من عذر يبرره، فإنه يتعين حرمانه من مرتبه خلال مدة انقطاعه، وأما عن مسلكه فإن المجلس يراعي في تقدير العقوبة إعطاءه فرصة أخيرة خاصة أنه في مبدأ حياته العملية ولذلك قرر المجلس مجازاته بالخصم من مرتبه لمدة شهرين فضلاً عن عدم استحقاقه قانوناً لمرتبه عن مدة انقطاعه عن العمل.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القرار المطعون فيه مخالف للقانون ذلك أن الطاعن وقت إحالته إلى المحكمة التأديبية كان في حكم المستقيل طبقاً للمادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964، إذ أنه انقطع عن العمل اعتباراً من 4 من ديسمبر سنة 1965 ولم تتخذ ضده - الإجراءات القانونية إلا بعد فوات الميعاد المحدد لها وهو خلال الشهر التالي لتركه الخدمة ومن ثم فإنه لم يعد من عداد موظفي الجامعة عند مجازاته بالخصم من مرتبه لأنه يعتبر مستقيلاً بقوة القانون، لانقطاعه عن العمل أكثر من خمسة عشر يوماً دون أن تتخذ ضده الإجراءات التأديبية في الميعاد القانوني المخول للإدارة، وبالتالي يكون القرار المطعون فيه خليق بالإلغاء وانتهى الطاعن إلى طلب الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع إلزام الجامعة المطعون ضدها المصروفات والأتعاب.
ومن حيث إن المادة 79 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة تنص على أنه "للعامل أن يقدم استقالته من وظيفته، وتكون الاستقالة مكتوبة ولا تنتهي خدمة العامل إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة، وأنه يجب البت في الطلب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه، وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بحكم القانون - وأنه يجوز خلال هذه المدة تقرير إرجاء قبول الاستقالة لأسباب تتعلق بمصلحة العمل، مع إخطار العامل بذلك - فإذا أحيل العامل إلى المحاكمة التأديبية فلا تقبل استقالته إلا بعد الحكم في الدعوى بغير عقوبة الفصل، أو الإحالة إلى المعاش" كما تنص المادة 80 من ذات القانون على أنه "يجب على العامل أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ قرار الاستقالة أو إلى أن ينقضي الميعاد المبين في الفقرة الثانية من المادة السابقة.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه يجب على الموظف الاستمرار في عمله إلى أن تخطره الإدارة بقبول استقالته وأن امتناعه عن العمل عقب تقديمها موجب لمؤاخذته تأديبياً - ومتى كان ثابتاً أن الطاعن قد تقدم باستقالته في 4 من ديسمبر سنة 1965 فرفضها عميد كلية الطب، وأُخطر بالرفض في ذات التاريخ، ثم تقدم في 6 من ديسمبر سنة 1965 بطلب آخر يلتمس فيه إعادة النظر في قبول استقالته لظروفه العائلية، ورفض العميد هذا الطلب أيضاً خلال مدة الثلاثين يوماً المحددة للبت في الاستقالة، إلا أن الدكتور المذكور ظل منقطعاً عن عمله منذ 4 من ديسمبر سنة 1965 ولم يستجب لنداء الجامعة عندما طلب إليه مقابلة وكيل الجامعة في 30 من ديسمبر سنة 1965 لمناقشته في موقفه، كما لم يستجب لهذا النداء عندما استدعي لسماع أقواله، ومتى كان الأمر كذلك فإنه لا حجة لما يثار من أن استقالة الطاعن الثانية لم ترد عليها جهة الإدارة خلال ثلاثين يوماً، مما يعتبر قبولاً لها، ذلك أنه ثابت أن عميد الكلية أشر عليها خلال الثلاثين يوماً المذكورة بعدم قبول الاستقالة الثانية مع تكليف مقدمها بالحضور والانتظام بالعمل، ومن ثم فإن عدم إبلاغ الطاعن بالرفض لا يعني عدم البت فيها خلال الميعاد المنصوص عليه، إذ أن العبرة في عدم قبول الاستقالة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمها ليس بإبلاغ الموظف بقرار الرفض، بل العبرة بتاريخ صدور قرار الرفض - ومتى كان ثابتاً من الأوراق أن وكيل الجامعة أرسل للطاعن في 27 من ديسمبر سنة 1965 خطابه المسجل رقم 13145 لمقابلته في مكتبه بالقاهرة يوم الخميس الموافق 30 من ديسمبر سنة 1965 وقد أقر الطاعن أثناء المحاكمة بوصول هذا الخطاب إليه - فإن ذلك يكون قاطعاً في الدلالة على أن الجامعة قد رفضت استقالته، أو في القليل قد أرجأت قبولها، وإلا فلم تكن هناك حاجة بالجامعة لاستدعائه لمقابلة وكيلها، وكان يكفي إبلاغه بقرار قبول استقالته، ومن ثم فلا محل للقول بأن الجامعة لم تخطره بعدم قبول استقالته.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهب إليه الطاعن من أنه بمجرد غيابه عن عمله خمسة عشر يوماً يعتبر في حكم المستقيل طبقاً لنص المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964، وأنه من ثم يكون قد قدم إلى المحكمة التأديبية بعد انقطاع صلته الوظيفية - لا حجة في ذلك لأن مفاد المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964، أن خدمة العامل تنتهي بما يعتبر استقالة ضمنية إذا انقطع عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية وهي المدة التي عد المشرع انقضاءها قرينة قانونية على الاستقالة، وترتفع هذه القرينة، إذا انتفى الافتراض القائمة عليه، بتقديم العامل خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول تقدره جهة الإدارة، فإذا لم يقدم العامل أسباباً تبرر الانقطاع، أو قدم هذه الأسباب ورفضت، اعتبرت خدمته منتهية بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ انقطاعه عن العمل، إلا أن انتهاء الخدمة في هذه الحالة لا يقع بقوة القانون بل يحكمه المبدأ العام الذي نصت عليه المادة 79 من القانون سالف الذكر، التي تقضي بأن خدمة العامل لا تنتهي إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة، ومن ثم فإنه حرصاً على المصلحة العامة، وحتى لا يتوقف سير العمل في المرفق العام، كانت القرينة القانونية على الاستقالة الضمنية المستفادة من انقطاع العامل بدون إذن عن عمله خمسة عشر يوماً متتالية بدون أن يقدم عذراً مقبولاً، مقررة لصالح الإدارة لا العامل، وإلا كان من اليسير على من يجد في الخدمة العامة قيداً على نشاطه أن يستقيل من عمله بمحض اختياره بمجرد انقطاعه عن عمله خمسة عشر يوماً متتالية، وبذلك يجبر الإدارة على قبول استقالته - وهذا ما يتنافى مع ما قصده المشرع حين أعطى الجهة الإدارية سلطة إرجاء قبول الاستقالة في المادة 79 المذكورة لمقتضيات المصلحة العامة.
ومن حيث إنه لما كان القرار الصادر من مجلس التأديب قد انتهى على أساس المبادرة المتقدمة إلى اعتبار انقطاع الطبيب المذكور ذنباً يسوغ المؤاخذة التأديبية، وأوقع عليه الجزاء الذي رآه متناسباً، وقد برأ هذا الجزاء من الغلو، فإن القرار المطعون فيه يكون مطابقاً للقانون، ويكون الطعن على غير أساس، ولذلك فإنه يتعين قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

 

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 47 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

إن إنهاء خدمة العامل بالتطبيق لحكم المادة 81 سالفة الذكر إنما يقوم على قرينة قانونية هي اعتبار العامل مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1971 إلى آخر سبتمبر سنة 1971) - صـ 270

(40)
جلسة 17 من إبريل سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن - المستشارين.

في القضية رقم 454 لسنة 15 القضائية

موظف "نهاية خدمة" الاستقالة الضمنية.
إن انقطاع العامل عن عمله لأمر خارج عن إرادته وتصرف جهة الإدارة بما يخول دون قيامه بالعمل تنتفي معه قرينة ترك العمل للاستقالة.
إن إنهاء خدمة العامل بالتطبيق لحكم المادة 81 سالفة الذكر إنما يقوم على قرينة قانونية هي اعتبار العامل مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية، فإذا ما ثبت أن انقطاع العامل عن عمله كان أمراً خارجاً عن إرادته وكانت جهة الإدارة بتصرفاتها هي التي حالت دون قيامه بعمله، فقد انتفى القول بأن عدم مباشرة العامل عمله انقطاع يقيم قرينة ترك العمل للاستقالة، وترتفع بالتالي القرينة القانونية التي رتبها القانون في المادة 81 المذكورة على انقطاع العامل عن عمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي (المطعون ضده) أقام الدعوى رقم 1025 لسنة 21 القضائية ضد السيد/ نائب رئيس الوزراء لشئون وزارة الإصلاح الزراعي واستصلاح الأراضي بصفته، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 15 من إبريل سنة 1967، طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي في 13 من ديسمبر سنة 1966 برقم 1904 بالاستغناء عن خدماته، مع ما يترتب على هذا الإلغاء من كافة الآثار، وإلزام المدعى عليه مصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة. "وقال بياناً لدعواه إنه حصل على بكالوريوس الزراعة عام 1957، وخدم بالإصلاح الزراعي عقب تخرجه وكان موضع تقدير رؤسائه إلى أن نقل إلى منطقة فاقوس شرقية في شهر فبراير سنة 1964 وعمل مهندساً زراعياً بجمعية الحسينية خلفاً لصهر مندوب المنطقة، وقد اكتشف اختلاسات مالية خطيرة عمل على إظهارها وكشف الإجراءات الشاذة التي اتخذها مندوب المنطقة بقصد إخفاء هذه الاختلاسات لصالح صهره، فأصدر مندوب المنطقة قراراً في 27 من مايو سنة 1965 بنقله إلى زراعة البكارشة حيث اتضح له أنها أسوأ من سابقتها، وكشف بها مخالفات خطيرة أدت إلى خسائر فادحة طلب من مندوب المنطقة تحديد المسئولية في شأنها، ولكنه لم يفعل ودأب على طلب نقله خارج المديرية. وفي 5 من يناير سنة 1966 أصدرت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي قرارها رقم 21 بنقله من مديرية الشرقية إلى مديرية كفر الشيخ، فأخلى طرفه من فاقوس في 10 من فبراير سنة 1966، وتوجه على نفقته الخاصة إلى المديرية المنقول إليها فرفضت تسليمه العمل انتظار لورود رد الهيئة العامة للإصلاح الزراعي على كتابها رقم 410 المحرر في 8 من فبراير سنة 1966 - قبل توجهه إلى هذه المديرية - في شأن إعادة النظر في قرار النقل بدعوى أن لوائح مشروع التنظيم الزراعي تحتاج إلى العناصر النشيطة، فاضطر إلى الانتظار اثني عشر يوماً حتى جاء رد الهيئة بالموافقة على إلغاء النقل. وقام مكتب شئون العاملين بمديرية كفر الشيخ في 24 من فبراير سنة 1966 بتكليفه بالتوجه إلى مديرية الشرقية ووقع على ذلك بما يفيد العلم. وعاد على نفقته الخاصة أيضاً إلى مديرية الشرقية التي رفضت بدورها تسليمه العمل استناداً إلى سابقة نقله إلى مديرية كفر الشيخ، وأرسلت الأوراق إلى الهيئة في 28 من فبراير سنة 1966 للتصرف. وتابع المدعي سرد مراحل بحث الموضوع في الهيئة منذ تاريخ ورود كتاب مديرية الشرقية إليها إلى أن صدر قرار الهيئة رقم 951 في 6 من يونيه سنة 1966 بتعديل النقل من مديرية الشرقية إلى مديرية قنا بدلاً من مديرية كفر الشيخ. واستطرد المدعي قائلاً إنه تقدم في 13 من يونيه سنة 1966 إلى السيد/ مدير عام الهيئة طالباً صرف مرتبه عن الشهور من فبراير إلى مايو سنة 1966 فأشر سيادته بأن تقوم مديرية الشرقية بصرف المستحق، ولكن المديرية رفضت صرف مرتبه، فأعادت الهيئة الكتابة إلى هذه المديرية في شهر يوليه سنة 1966 لصرف المستحق له حتى نهاية شهر يونيه سنة 1966، فرفضت المديرية ذلك وأعادت الأوراق إلى الهيئة بأنه - أي المدعي - قد أُخلي طرفه من المديرية في 10 من فبراير سنة 1966 ولا تعلم عنه شيئاً. فأبرق المدعي إلى السيد/ مدير عام الهيئة في 8 من أغسطس سنة 1966 لمقابلته، وظلت أوراقه تنتقل من مكتب إلى آخر ومن إدارة إلى أخرى ولم يتوان عن استصراخ المسئولين وما من مجيب حتى فوجئ بقرار السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم 1904 الصادر في 13 من ديسمبر سنة 1966 بفصله اعتباراً من 7 من يونيه سنة 1966 بحجة أنه تغيب عن عمله مدة تزيد على الحد المقرر قانوناً وخلص المدعي من ذلك إلى النعي على القرار المطعون فيه بمخالفته القانون لقيامه على وقائع غير صحيحة، ذلك أنه في الفترة من تاريخ تنفيذه قرار نقله من مديرية الشرقية إلى كفر الشيخ في 12 من فبراير سنة 1966 حتى صدور القرار الثاني رقم 951 في 6 من يونيه سنة 1966 بنقله إلى قنا لم يصدر قرار له بالعمل في أية جهة وأصبح بذلك بدون عمل، ولم يستطع أن يصرف مرتبه أو يخلي طرفه ويصرف استمارات سفره وعائلته وشحن الأثاث، ولم تتخذ الجهة المسئولة أي إجراء لتنفيذ قرار نقله إلى قنا حتى تاريخ صدور قرار الفصل وبالإضافة إلى ذلك فقد كان في الفترة من تاريخ نقله إلى قنا في 6 من يونيه سنة 1966 إلى 12 من يونيه سنة 1966 موجوداً بمدينتي فاقوس والزقازيق مع لجنة التحقيق التي تولت التحقيق في الشكوى المقدمة منه عن المخالفات في منطقة الإصلاح الزراعي في فاقوس، وقد انتهت هذه اللجنة إلى إيقاف ستة موظفين عن العمل وقررت اللجنة في البند ثالثاً من تقريرها "بقاء المهندس الزراعي وديع ميخائيل عبد الملك بمنطقة فاقوس لما قام به من عمل كشف عن أمور تلاعب مالية خطيرة ولم يتردد في إظهارها لرؤسائه بمنطقة الإصلاح الزراعي بفاقوس وبمديرية الإصلاح الزراعي بالشرقية ولم ينحرف مع المنحرفين مع كل وسائل الإغراء.
وبجلسة المناقشة التي عقدها السيد مفوض الدولة في 14 من أغسطس سنة 1967 حضر السيد محامي الحكومة وأودع حافظة مستندات تنطوي على ملف الأوراق التي أعدتها الهيئة العامة للإصلاح الزراعي في شأن النزاع الماثل ووقع السيد/ محامي الحكومة على الحافظة بأنه يتقدم بالمستندات عن الهيئة، وقرر بأن السيد/ نائب رئيس الوزراء لشئون وزارة الإصلاح الزراعي لا يمثل هيئة الإصلاح الزراعي أمام القضاء، ودفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وبعريضة مودعة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في الأول من أكتوبر سنة 1967 صحح المدعي شكل الدعوى بتوجيهها إلى السيدين/ وزير الإصلاح الزراعي ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بصفتيهما وطلبت إدارة قضايا الحكومة بمذكرتها المقدمة في 6 من يناير سنة 1969 "الحكم أصلياً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للسيد/ نائب رئيس الوزراء للإصلاح الزراعي بصفته والسيد/ وزير الإصلاح الزراعي لرفعها على غير ذي صفة، وبالنسبة للسيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد. واحتياطياً برفض الدعوى. مع إلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وبجلسة 22 من يناير سنة 1969 قضت المحكمة "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وبقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات." وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة على أن المدعي أودع قلم كتاب المحكمة في الأول من أكتوبر سنة 1967 صورة من صحيفة الدعوى مختصماً فيها السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي ومن ثم يكون بذلك قد صحح شكل الدعوى على النحو الذي تطلبه القانون ويكون الدفع واجب الرفض. وبالنسبة للموضوع خلصت المحكمة من استعراض وقائع النزاع إلى أنه ترتب على موقف الجهة الإدارية عدم صرف راتب المدعي من 10 من فبراير سنة 1966 حتى تاريخ صدور قرار نقله إلى قنا في 6 من يونيه سنة 1966 وعدم صرف استمارات سفر ونقل عفش له ولأسرته رغم العديد من الشكاوى التي قدمها في هذا الشأن الأمر الذي يشكل عذراً للمدعي في عدم تنفيذ القرار 951 الصادر في 6 من يونيه سنة 1966 بتعديل نقله إلى قنا بدلاً من كفر الشيخ. إذ أنه وقد تنكرت له جميع الجهات التي توجه إليها طالباً العمل من تسليمه إياه أو صرف راتبه نتيجة لعدم تسلمه العمل، فقد وضع غير مختار في حالة استحالة من تنفيذ قرار نقله إلى قنا ومن ثم فقد جاء انقطاعه عن العمل نتيجة حتمية لموقف الجهة الإدارية، وعلى ذلك فليس بسائغ القول بأنه انقطع عن هذا العمل لانتوائه الاستقالة لما يلزم لهذه النية من توفر الإرادة الحرة لدى الموظف لتقرير اعتزال العمل عن طريق الاستقالة.
ومن حيث إن السيدين/ وزير الإصلاح الزراعي ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بصفتيهما قد طعنا في هذا الحكم بعريضة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة في 22 من مارس سنة 1969 طلبا فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاًَ وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للسيدين/ نائب رئيس الوزراء للإصلاح الزراعي ووزير الإصلاح الزراعي بصفتيهما شكلاً لرفعها على غير ذي صفة وعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد بالنسبة للسيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي. واحتياطياً: رفض الدعوى. مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وقام الطعن بالنسبة لشكل الدعوى على أن صاحب الصفة في الدعوى وهو رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي لم ترفع عليه الدعوى إلا بعريضة تصحيح شكل الدعوى المودعة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في الأول من أكتوبر سنة 1967 بعد الميعاد القانوني لرفع الدعوى، وخلصت من ذلك إلى أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ رفض الدفع بعدم قبول الدعوى المرفوعة على السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة لرفعها بعد الميعاد القانوني. وقام الطعن بالنسبة للموضوع على أن المطعون ضده انقطع عن عمله من تاريخ صدور القرار رقم 951 المؤرخ في 6 من يونيه سنة 1966 بنقله من كفر الشيخ إلى قنا واستمر في الانقطاع عن العمل حتى صدر القرار رقم 1904 في 13 من ديسمبر سنة 1966 بإنهاء خدمته لانقطاعه عن العمل، وبذلك يكون القرار الأخير المطعون فيه قد صدر متفقاً وحكم المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء هذا القرار، قد خالف حكم القانون. وقد تقدم كل من الطاعنين والمطعون ضده بمذكرة أيد فيها طلباته.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، فقد أثاره ابتداء السيد/ محامي الحكومة بجلسة المناقشة التي عقدها السيد مفوض الدولة في 14 من أغسطس سنة 1967 تأسيساً على أن صاحب الصفة في تمثيل الهيئة العامة للإصلاح الزراعي وفقاً لحكم المادة 11 من القرار الجمهوري رقم 1587 لسنة 1963 بشأن إعادة تنظيم الهيئة العامة للإصلاح الزراعي هو رئيس مجلس إدارتها، وإذ اختصم المدعي في دعواه السيد/ نائب رئيس الوزراء للإصلاح الزراعي واستصلاح الأراضي فإنه يكون قد أقامها على غير ذي صفة.
ومن حيث إن الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، بالتطبيق لأحكام القانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي والقوانين المعدلة له وقراري رئيس الجمهورية رقم 2586 لسنة 1963 بتنظيم وزارة الإصلاح الزراعي وإصلاح الأراضي ورقم 1587 لسنة 1963 بتنظيم الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، هيئة ذات ميزانية خاصة ومستقلة بشخصيتها الاعتبارية عن وزارة الإصلاح الزراعي، ويمثلها أمام القضاء وفي صلاتها بالهيئات الأخرى وبالغير وفقاً لحكم المادة 11 من قرار تنظيمها سالف الذكر، رئيس مجلس إدارتها. وكان من المتعين والأمر كذلك اختصام رئيس مجلس إدارة الهيئة وصاحب الصفة في المنازعة الماثلة. والمدعي وإن كان قد اختصم في عريضة دعواه المودعة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 15 من إبريل سنة 1967، السيد/ نائب رئيس الوزراء لشئون الإصلاح الزراعي وهو غير ذي صفة، إلا أن الثابت من الأوراق أن المدعي اختصم القرار المطعون فيه الذي أصدره السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة، ومستفاد من الأوراق أن عريضة الدعوى أرسلت إلى الهيئة التي أعدت مستنداتها متضمنة أوجه دفاعها الموضوعي، وبعثت بملف مستنداتها إلى إدارة قضايا الحكومة فقدمها السيد/ محامي الحكومة بالنيابة عن الهيئة على ما يبين من توقيعه على حافظة المستندات، إلى السيد/ مفوض الدولة بجلسة المناقشة المعقودة في 14 من أغسطس سنة 1967 ثم أبدى الدفع المثار. وعلى ذلك تكون الهيئة قد مثلت في الدعوى وأبدت دفاعها الموضوعي فيها، ومن ثم لا يقبل منها بعدئذ الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة. وبالبناء على ذلك يصبح الدفع الآخر بأن اختصام السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة قد تم بعريضة تصحيح شكل الدعوى في الأول من أكتوبر سنة 1967 - بعد الميعاد القانوني - غير ذي موضوع. وبناء على ذلك يكون الدفع بعدم قبول الدعوى والحالة هذه غير قائم على سند من الواقع أو القانون جديراً بالرفض.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على الأوراق أن الهيئة العامة للإصلاح الزراعي أصدرت قرارها رقم 21 في 5 من يناير سنة 1966 بنقل المدعي من مديرية الإصلاح الزراعي بالشرقية إلى مديرية كفر الشيخ. وقد أخلى المدعي طرفه من منطقة فاقوس شرقية في 10 من فبراير سنة 1966 وتقدم إلى مديرية كفر الشيخ في 12 من فبراير سنة 1966 فامتنعت المديرية عن تسليمه العمل وكلفته بالتوجه إلى مقر عمله السابق وظل هناك دون عمل إلى 24 من فبراير سنة 1966 حيث عاد إلى مديرية الشرقية، التي رفضت تسليمه العمل إلى أن يصدر قرار جديد بذلك. وكانت مديرية كفر الشيخ قد طلبت من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بكتابها رقم 410 في 8 من فبراير سنة 1966 إعادة النظر في قرار النقل بحجة أن "تنظيم الإنتاج بها يحتاج إلى العناصر الجيدة لا العناصر المنحرفة. وبعثت مديرية الإصلاح الزراعي بالشرقية في أول مارس سنة 1966 بكتابها رقم 1034 إلى الهيئة بأنها قد أخلت طرف المدعي ولكن مديرية كفر الشيخ أفادت بكتابها رقم 1323 في 24 من فبراير سنة 1966 بأنها في غير حاجة إليه، وطوت مديرية الشرقية كتابها على إخلاء طرف المدعي وصورة من مفردات مرتبه وطلبت من الهيئة إصدار الأمر بتسليم المدعي العمل بمديرية كفر الشيخ وصرف مرتبه منها. ومع ذلك فلم تبت الهيئة في الأمر إلا في 6 من يونيه سنة 1966 حيث أصدرت قرارها رقم 951 بتعديل نقل المدعي إلى مديرية قنا للعمل مهندساً بها بدلاً من مديرية كفر الشيخ السابق نقله إليها. وفي 13 من يونيه سنة 1966 تقدم المدعي بطلب إلى السيد/ مدير عام الهيئة أشار فيه إلى أنه منذ تاريخ نقله إلى مديرية كفر الشيخ في 5 من يناير سنة 1966 إلى 6 من يونيه سنة 1966 تاريخ نقله إلى مديرية قنا لم يصرف مرتبه، وطالب بصرفه إليه عن الأشهر من يناير إلى مايو سنة 1966. وقد أشر السيد/ مدير عام الهيئة على هذا الطلب بأن تقوم مديرية الشرقية بصرف ما يستحقه، فأجابت مديرية الشرقية بكتابها رقم 3760 في 30 من يونيه سنة 1966 بأن المدعي أُخلي طرفه منها في 10 من فبراير سنة 1966 ولا يستحق قبلها أي مرتب بعد هذا التاريخ، وأشار السيد/ مدير عام الهيئة على هذا الكتاب في 14 من يوليه سنة 1966 بأن تصرف مديرية الشرقية للمدعي مرتبه حتى نهاية شهر يونيه سنة 1966، وعارضت مديرية الشرقية في ذلك بكتابها رقم 4317 في 27 من يوليه سنة 1966. فأبرق المدعي إلى السيد/ مدير عام الهيئة طالباً مقابلته في 6 من أغسطس سنة 1966، وعقب على ذلك بمذكرة مؤرخة في 14 من أغسطس سنة 1966 استعرض فيها تفصيلاً موقف كل من مديريتي الإصلاح الزراعي بالشرقية وكفر الشيخ والهيئة حياله، وأبدى أنه لم يتمكن من تنفيذ قرار النقل إلى قنا بسبب موقف مديرية الشرقية منه وعدم تسليمه استمارات السفر إلى قنا وتساءل عن الجهة المختصة بصرف مرتبه وتنفيذ قرار نقله إلى قنا، وأردف ذلك في 29 من سبتمبر سنة 1966 بطلب إلى السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة ضمنه تفاصيل الموضوع شاكياً من عدم صرف مرتبه منذ شهر فبراير سنة 1966 وعدم إمكان تنفيذ النقل إلى قنا بسبب موقف مديرية الشرقية، وأشار إلى أن نقله من فاقوس كان بناء على طلب مندوبها بسبب موقفه - أي المدعي - من الفساد في هذه المنطقة هذا الفساد التي حقق وأوقف نتيجة له ستة من الموظفين. وقد رفعت في هذا الشأن مذكرة إلى السيد/ مدير عام الهيئة فأشر عليها في 8 من أكتوبر سنة 1966 بتنفيذ قرار النقل واستعلم عما تم في صرف المرتب. طلب السيد/ مراقب عام شئون العاملين في الهيئة بمذكرته المؤرخة في 31 من أكتوبر سنة 66 انتداب من يلزم لسرعة بحث الموضوع. فأشر عليها السيد نائب مدير عام الهيئة في 17 من نوفمبر سنة 1966، بفصل المدعي لانقطاعه. وفي 6 من ديسمبر سنة 1966 عقب السيد/ مراقب عام شئون العاملين على ذلك بمذكرة استعرض فيها وقائع الموضوع وانتهى إلى أنه لا يمكن الجزم بأن المدعي كان منقطعاً عن العمل بإرادته وإنما يتبين وجود ظروف أخرى لابست الموضوع يقتضي الأمر تحقيقها. وقد أشر السيد/ نائب مدير عام الهيئة على هذه المذكرة في 7 من ديسمبر سنة 1966 بإعداد قرار الفصل فوراً، وبناء على ذلك أعد القرار رقم 1904 في 13 من ديسمبر سنة 1966 برفع اسم المدعي من عداد العاملين بالهيئة اعتباراً من 7 من يونيه سنة 1966 التاريخ التالي لصدور القرار رقم 951 في 6 من يونيه سنة 1966 المتضمن نقله إلى قنا لانقطاعه عن العمل بالتطبيق لحكم المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة. وقد تظلم المدعي من هذا القرار ثم أقام دعواه مثار الطعن الماثل.
ومن حيث إن المادة 81 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر به القانون رقم 46 لسنة 1964 تقضي بأن "يعتبر العامل مقدماً استقالته.. إذا انقطع عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولو كان الانقطاع عقب إجازة مرخص له بها ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول.. فإذا لم يقدم العامل أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل".
ومن حيث إن إنهاء خدمة العامل بالتطبيق لحكم المادة 81 سالفة الذكر إنما يقوم على قرينة قانونية هي اعتبار العامل مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية، فإذا ما ثبت أن انقطاع العامل عن عمله كان أمراً خارجاً عن إرادته وكانت جهة الإدارة بتصرفاتها هي التي حالت دون قيامه بعمله، فقد انتفى القول بأن عدم مباشرة العامل عمله انقطاع يقيم قرينة ترك العمل للاستقالة، وترتفع بالتالي القرينة القانونية التي رتبها القانون في المادة 81 المذكورة على انقطاع العامل عن عمله.
ومن حيث إن المستفاد من استقراء الأوراق أن المدعي منذ تاريخ صدور قراري نقله إلى مديرية الإصلاح الزراعي في كفر الشيخ في 5 من يناير سنة 1966 ثم إلى مديرية الإصلاح الزراعي في قنا في 6 من يونيه سنة 1966 إلى تاريخ إنهاء خدمته بالقرار المطعون فيه الصادر في 13 من ديسمبر سنة 1966، لم يبد منه ما يفيد اتجاه إرادته إلى ترك العمل للاستقالة أو تعمد الانقطاع على مباشرته في أي موقع يحدد له، إذ وضع نفسه منذ اللحظة الأولى تحت تصرف الجهة الإدارية لتمكنه من تنفيذ قراري نقله إلى كفر الشيخ ثم إلى قنا، وكان يستصرخ رئاسة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي لحل هذا الموقف، ومع ذلك ورغماً عن معارضة المراقبة العامة لشئون العاملين بالهيئة فقد انتهى رأي السيد/ نائب مدير الهيئة للشئون المالية والإدارية إلى إنهاء خدمة المدعي للانقطاع عن العمل. فقد بادر المدعي إثر صدور قرار نقله إلى كفر الشيخ بإخلاء طرفه من مديرية الشرقية وتوجه على نفقته الخاصة إلى المديرية المنقول إليها في 12 من فبراير سنة 1966، ولكن هذه المديرية امتنعت عن تنفيذ قرار النقل وتسليم المدعي العمل، وطلبت إليه العودة إلى مديرية الشرقية التي رفضت بدورها إعادته إلى عمله. وبالرغم من إخطار المديريتين الهيئة بذلك وتردد المدعي المستمر على الهيئة في هذا الشأن، فقد ظل المدعي مبعداً عن العمل دون سند من القانون إلى أن أصدرت الهيئة بعد قرابة أربعة شهور قرارها بنقل المدعي من مديرية الشرقية إلى مديرية قنا وكان يتعين على مديرية الشرقية وقد اعتبر هذا القرار المدعي من العاملين فيها، أن تعمل على تنفيذ هذا القرار بإخطار المدعي به وصرف مرتبه عن الفترة السابقة إليه وإخلاء طرفه وتسليمه استمارات السفر وما إلى ذلك، ولكنها رفضت وأصرت على أن المدعي قد انتهت علاقته بها منذ تاريخ إخلاء طرفه في 10 من فبراير سنة 1966 عقب نقله إلى مديرية كفر الشيخ. وبمجرد علم المدعي بقرار نقله الذي لم يُخطر به، بادر في 13 من يونيه سنة 1966 بطلب صرف مرتبه عن الأشهر السابقة من يناير إلى مايو سنة 1966، ولم يعترض على تنفيذ قرار نقله بما ينطوي على استعداده لتنفيذه، وفي نفس الوقت كان مدفوعاً بالحاجة الملحة إلى الحصول على مرتبه مورد رزقه الذي أوقف عنه دون سبب. وقد سلمت له الهيئة بذلك إلا أن مديرية الشرقية اعترضت على صرف مرتبه عن هذه الفترة إليه ثم أصرت على اعتراضها عندما طالبتها الهيئة بكتابها رقم 2353 في 9 من يوليه سنة 1966 بأن تصرف للمدعي مرتبه عن الشهر الذي صدر فيه قرار نقله إلى قنا وهو شهر يونيه سنة 1966 والأشهر السابقة عليه، فكانت حجة مديرية الشرقية في ذلك حسبما جاء بكتابها رقم 187 في 27 من يوليه سنة 1966 أنه ليس من العاملين بها منذ 10 من فبراير سنة 1966. وقد دفع هذا الموقف المدعي، الذي كان يتابع الكتب المتبادلة في هذا الشأن بين المديرية والهيئة، إلى الإبراق إلى الهيئة في 9 من أغسطس سنة 1966 ثم الكتابة إليها في 14 من أغسطس و29 من ديسمبر سنة 1966 بأن سلوك مديرية الشرقية يحول بينه وبين تنفيذ قرار نقله إلى قنا. ومع ذلك لم تبادر الهيئة إلى اتخاذ الإجراء الحاسم الذي يُمكن المدعي من صرف مرتبه إليه وتنفيذ قرار النقل. وظل الأمر معلقاً إلى أن أشر السيد/ نائب مدير الهيئة للشئون المالية والإدارية في 17 من نوفمبر سنة 1966 بفصله للانقطاع عن العمل.
ومن حيث إن حاصل ذلك أن انقطاع المدعي عن العمل كان لسبب خارج عن إرادته وأن الجهة الإدارية هي التي حالت بتصرفاتها بين المدعي وبين مباشرة عمله. وينتفي من ثم القول بأن المدعي انقطع بإرادته عن العمل بنية الاستقالة. وقد حدا ذلك بالمراقبة العامة لشئون العاملين بالهيئة إلى إبداء اعتراضها وملاحظاتها سالف الإشارة إليها على الاتجاه إلى فصل المدعي للانقطاع وذلك بمذكرتها المؤرخة في 6 من ديسمبر سنة 1966 ثم رددت رأيها هذا في المذكرة التي بعثت بها إلى السيد/ مفوض الهيئة في 28 من فبراير سنة 1967 رداً على التظلم الذي قدمه المدعي في القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه يبين من جماع ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه ويكون الطعن والحالة هذه غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون مستوجب الرفض مع إلزام الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بالمصروفات.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 55 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

انقطاع العامل وفقاً للاستقالة الضمنية هو مسلك فعلي يفيد عزوف العامل عن العمل بإرادته ويتضمن فيه ترك العمل مما يلزم لتوافره فضلاً عن الانقطاع بغير عذر مدداً حددها القانون أن تنذره جهة العمل باعتباره مستقيلاً قبل إنهاء خدمته .

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 396

(60)
جلسة 3 من يناير سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح صالح الدهري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة علي السيد علي ومحمد كمال سليمان أيوب وطارق عبد الفتاح البشري والدكتور وليم سليمان قلادة - المستشارين.

الطعن رقم 1517 لسنة 28 القضائية

( أ ) دعوى الإلغاء - قبولها - الإجراءات السابقة على رفعها - التظلم الوجوبي.
المادة 24 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 7 لسنة 1972 - ميعاد رفع الدعوى ستون يوماً وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية - صدور قرار إنهاء الخدمة من وكيل الوزارة رئيس القطاع للشئون المالية والإدارية - التظلم منه - تأشير رئيس قطاع المناطق بعدم الموافقة على إعادة العامل للخدمة - هذا التأشير لا يعتبر رفضاً للتظلم - أساس ذلك أن رئيس قطاع المناطق ليس الجهة التي أصدرت القرار المتظلم منه ولا جهة رئاسية لها حسبان الميعاد من تاريخ إخطاره برفض التظلم من السلطة المختصة - تطبيق.
(ب) موظف - انتهاء الخدمة - الاستقالة الضمنية - تجنيد.
القانون رقم 505 لسنة 1955 بشأن الخدمة العسكرية والوطنية - حظر تعيين العامل أو بقاؤه في وظيفته ما لم يقدم الشهادة الدالة مع معاملته العسكرية - الحيلولة بين العامل وعمله وفقاً لهذا الحظر لا يعتبر انقطاعاً عن العمل مما يؤدي إلى إنهاء خدمته بالاستثناءات الضمنية - الحيلولة دون العمل لأي سبب من الأسباب لا تقوم معه قرينة الاستقالة الضمنية - أساس ذلك: انقطاع العامل وفقاً للاستقالة الضمنية هو مسلك فعلي يفيد عزوف العامل عن العمل بإرادته ويتضمن فيه ترك العمل مما يلزم لتوافره فضلاً عن الانقطاع بغير عذر مدداً حددها القانون أن تنذره جهة العمل باعتباره مستقيلاً قبل إنهاء خدمته - عدم توجيه الإنذار قبل صدور قرار إنهاء الخدمة - بطلان قرار إنهاء الخدمة - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 25 من يوليو سنة 1982 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالطعن قيد برقم 517 لسنة 28 ق ع، طعناً على الحكم الصادر من الدائرة الاستئنافية بمحكمة القضاء الإداري بجلسة 26 من مايو سنة 1982 في الطعن رقم 399 لسنة 11 ق س المقام من محافظ أسيوط ورئيس مجلس إدارة هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية ضد السيد/ صابر جرجس قلته والذي قضى بقبول ذلك الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد وألزمت المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وطلب رئيس هيئة المفوضين في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) للفصل في موضوعها واستند الطاعن في طعنه إلى أن المدعي صابر جرجس قلته كان قد أقام الدعوى رقم 16/ 5 ق أمام المحكمة الإدارية بأسيوط طالباً إلغاء القرار الصادر برقم 938 لسنة 17 من مارس سنة 1977 بإنهاء خدمته ورفع اسمه من سجلات العاملين مجموعة الوظائف الفنية بمنطقة قبلي بأسيوط اعتباراً من 10 من ديسمبر سنة 1976 وذلك للانقطاع عن العمل وتجاوزه المدة القانونية وإلغاء كافة ما يترتب على القرار من آثار مع إلزام المدعى عليهما بالمصاريف والأتعاب. وذكر المدعي أنه أوقف عن العمل لعدم تقديمه شهادة المعاملة العسكرية فأصدرت الجهة الإدارية القرار المطعون فيه لانقطاعه عن العمل دون إذن ودون أن تنذره كتابة بإنهاء خدمته وفقاً لحكم المادة 73 من القانون رقم 58 لسنة 1971 بنظام العاملين المدنيين بالدولة وذكر أن القرار المطعون فيه يكون بذلك فاقداً لشرط جوهري مما يستوجب إلغاءه وردت الجهة الإدارية على الدعوى بمقولة إن المدعي كان تقدم لها بشهادة إعفاء مؤقت من التجنيد ينتهي سريانها في 10 من ديسمبر سنة 1976 فرفع من العمل لعدم تقديم شهادة معاملة عسكرية جديدة وظل منقطعاً عن العمل وأفادت منطقة التجنيد بأسيوط أنه لا يزال متخلفاً عن التجنيد، فاعتبرته هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية منقطعاً عن العمل دون إذن وأصدرت قرار إنهاء خدمته، ثم طلبت أصلياً عدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد باعتبار أن المدعي علم بالقرار المطعون فيه وتظلم منه في 15 من يوليه سنة 1977 ورفض تظلمه في 30 من يوليه سنة 1977 وتأكد علمه بذلك في 7 من أغسطس سنة 1977 ورفع دعواه في 19 من أكتوبر سنة 1977 وطلبت احتياطياً رفض الدعوى موضوعياً وذكرت المحكمة أن إنذار المدعي بالفصل منتفية لأنه كان يعلم بواقعة وقفه عن العمل وأن ذلك لسبب يرجع إليه حيث تراخى في تقديم نفسه لمنطقة التجنيد.
وفي 30 من يوليه سنة 1979 حكمت المحكمة الإدارية بأسيوط بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وأقامت قضاءها على أن انقطاع المدعي عن عمله لا يستند إلى إرادة ضمنية منه في ترك الخدمة، إذ حيل بينه وبين أدائه العمل حتى يتحدد موقفه من التجنيد عملاً بنص المادة 58 من قانون الخدمة العسكرية المعدل بالقانون رقم 149 لسنة 1960 ومن ثم فلا يعتبر انقطاعه انقطاعاً إرادياً يسوغ إنهاء خدمته طبقاً لحكم المادة 73 من القانون 58 لسنة 1971 وبهذا يكون القرار المطعون فيه قد صدر فاقداً ركن السبب مما يجعله معدوماً لا تلحقه حصانة ويجوز طلب إلغائه في أي وقت.
وفي 26 من سبتمبر سنة 1979 طعنت إدارة قضايا الحكومة في هذا الحكم أمام الدائرة الاستئنافية لمحكمة القضاء الإداري بالطعن رقم 399 لسنة 11 ق س وطلبت وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وأصلياً عدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد واحتياطياً بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى واستندت في ذلك إلى ما أبدته من دفاع أمام المحكمة الإدارية وإلى أن جهة الإدارة لم تحل بين المدعي وبين أدائه العمل إنما هو الذي حال بإرادته بين نفسه وبين العمل، إذ انتهت مدة إعفائه المؤقت من التجنيد دون أن يقدم نفسه إلى منطقة التجنيد فانقطع عن العمل بإرادته وبلغ سن الإعفاء من التجنيد فقدم للمحاكمة التي قضت بتغريمه ثلاثمائة جنيه في القضية رقم 1000 لسنة 1977 جنح عسكرية أسيوط وجاء فصل المدعي بسبب عدم تقديمه شهادة تحدد موقفه من التجنيد كمسوغ من مسوغات التعيين.
وفي 26 من مايو سنة 1982 قضت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد وأقامت هذا القضاء على أن القرار المطعون فيه صدر في 17 من مارس سنة 1977 بإنهاء خدمة المطعون ضده اعتباراً من تاريخ انتهاء شهادة الإعفاء المؤقت من التجنيد في 10 من ديسمبر سنة 1976 وأن تظلم المطعون ضده في 16 من يوليه سنة 1977 قد رفضه رئيس القطاع في 30 من يوليه سنة 1977 فأرسل المطعون ضده برقية في 21 من أغسطس سنة 1977 بتظلمه من القرار ثم أقام دعواه في 19 من أكتوبر سنة 1977 وأن القرار المطعون فيه ليس مشوباً بمخالفة جسيمة تنحدر به إلى درجة الانعدام ومن ثم تكون الدعوى قد رفعت بعد الميعاد فتعين عدم قبولها.
وقد سندت هيئة مفوضي الدولة طعنها على هذا الحكم الأخير إلى أن المدعي تظلم من القرار المطعون فيه في 16 من يوليو سنة 1977 إلى مراقبة شئون العاملين بالهيئة التي يعمل بها وتظلم تظلماً آخر في 17 من يوليه سنة 1977 إلى رئيس مجلس إدارة هذه الهيئة، وأن التظلم الأول هو ما به يثبت علم المدعي علماً يقينياً بقرار إنهاء خدمته وقد عرض وكيل الوزارة رئيس قطاع الشئون الإدارية مذكرة بالتظلم مؤرخة 20 من أغسطس سنة 1977 عرضها على رئيس مجلس الإدارة الذي أشر عليها في 22 من أغسطس سنة 1977 بعدم الموافقة على إعادة المذكور لعمله، فأرسل المدعي برقية إلى رئيس مجلس الإدارة أشر عليها في ذات اليوم 22 أغسطس سنة 1977 بعدم موافقته وإذ لم يثبت إخطار المدعي برفض تظلمه وإذ ثبت يقيناً رفض التظلم في 22 من أغسطس سنة 1977 فإن رفع المدعي دعواه في 19 من أكتوبر سنة 1977 يكون خلال موعد الستين يوماً الجائز رفع الدعوى خلالها ولا عبرة برفض التظلم الحاصل في 30 من يوليه سنة 1977 من رئيس قطاع مناطق إقليم قبلي بسوهاج لأن صاحب هذا الرفض ليس سلطة مختصة بالبت في التظلم.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 9 من فبراير سنة 1983 وأحيل بجلسة 11 من مايو سنة 1983 إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) حيث تحدد لنظره جلسة 14 من مايو سنة 1983 وتداول بجلسات المحكمة على النحو الموضح بمحاضرها حتى قررت حجز الطعن للحكم لجلسة 12 من نوفمبر سنة 1983 ثم أعادت الطعن إلى المرافعة مع إحالته إلى الدائرة الثالثة لنظره بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1983 وأمام الدائرة الرابعة قدم الحاضر عن المطعون لصالحه مذكرة استندت إلى أن دعوى المدعي قد رفعت في الميعاد بحسبان أن رفض التظلم الحاصل من رئيس القطاع قد صدر من غير مختص ولم يثبت إخطار المدعي به وأن رفض رئيس مجلس الإدارة قد حصل في تاريخ يجعل الدعوى مرفوعة في الميعاد وكما قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً انتهت فيه إلى قبول الطعن الماثل شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من عدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وبقبول الدعوى وإعادة الطعن للدائرة الاستئنافية بمحكمة القضاء الإداري لنظر موضوع الطعن.
وبجلسة 22 من نوفمبر سنة 1983 قررت هذه المحكمة حجز الطعن للحكم لجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن هيئة مفوضي الدولة تطعن على حكم محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) الصادر في الطعن رقم 399 لسنة 11 ق س طالبة إلغاءه وقبول الدعوى شكلاً وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها وقد أودع تقرير الطعن في 25 من يوليو سنة 1982 قبل فوات ستين يوماً من صدور الحكم المطعون فيه في 26 من مايو سنة 1982 الأمر الذي يتعين معه قبول الطعن شكلاً.
ومن حيث إن حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه قد قضى بإلغاء حكم المحكمة الإدارية بأسيوط الصادر في الدعوى رقم 16 لسنة 5 ق المقامة من صابر جرجس قلته ضد كل من محافظ أسيوط ورئيس مجلس إدارة هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية وبعدم قبول تلك الدعوى لرفعها بعد الميعاد واستندت محكمة القضاء الإداري في قضائها إلى أن قرار إنهاء الخدمة المطعون فيه قد صدر في 17 من مارس سنة 1977 اعتباراً من 10 من ديسمبر سنة 1976 وتظلم منه المدعي في 16 من يوليو سنة 1977 فرفض رئيس القطاع طلبه في 30 من يوليه سنة 1977 ومن ثم كان يتعين على المدعي أن يرفع دعواه خلال الستين يوماً من تاريخ رفض التظلم وهي مدة تنتهي في 28 من سبتمبر سنة 1977 فيكون رفع الدعوى في 19 من أكتوبر سنة 1977 قد جرى بعد انتهاء ميعاد الطعن خليقاً بعدم قبولها.
ومن حيث إن المادة 24 من القانون 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة نصت على أن ميعاد رفع الدعوى ستون يوماً وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية... وقد صدر قرار إنهاء الخدمة المطعون فيه برقم 938 في 17 من مارس سنة 1977 من وكيل الوزارة رئيس القطاع للشئون المالية والإدارية فإن تأشير رئيس قطاع مناطق أقاليم قبلي بسوهاج بعدم الموافقة على إعادته للعمل والمؤرخة في 30 من يوليه سنة 1977 لا تعتبر رفضاً للتظلم، بحسبان أن رئيس القطاع ليس الجهة التي أصدرت القرار المتظلم منه ولا جهة رئاسة لها وقد قدم التظلم أصلاً إلى مراقب شئون العاملين مصر في 16 يوليو، وقدم تظلماً ثانياً في اليوم التالي إلى رئيس مجلس الإدارة وبين من كتاب وكيل الوزارة رئيس قطاع الشئون الإدارية المرسل إلى نائب رئيس مجلس الإدارة للشئون الإدارية والمالية والتجارية (مسلسل 413 من ملف الخدمة) أنه طلب من منطقة قبلي الثالثة أخذ توصيات وملاحظات من المنطقة ورئيس قطاع مناطق قبلي للعرض على نائب رئيس مجلس الإدارة الأمر الذي يكشف عن أن تأشيرة رئيس القطاع إنما جاءت كبيان من البيانات التي رؤى الاستئناس بتوصياتها عند نظر التظلم وليست التأشيرة في ذاتها قرار برفض التظلم ولا قصد بها أن تكون كذلك سواء من جانب الجهة التي طلبتها أو الجهة التي أصدرتها وقد تدوول بحث التظلم في عدد من المذكرات والأوراق حتى أصدر رئيس مجلس إدارة الهيئة تأشيرته على مذكرة وكيل الوزارة بعدم الموافقة على إعادة المدعي إلى عمله وذلك في 20 أغسطس سنة 1977.
ومن حيث إنه بحسبان أنه لم يثبت علم المدعي علماً يقيناً بالقرار المطعون فيه إلا بتقديمه تظلمه الأول في 16 من يوليه سنة 1977 وقد رفض هذا التظلم بقرار رئيس مجلس إدارة الهيئة في 20 أغسطس، وقد رفعت الدعوى في 19 أكتوبر سنة 1977 قبل انتهاء موعد الستين يوماً من رفض التظلم الأمر الذي يتعين معه طبقاً للمادة 24 من قانون مجلس الدولة قبول دعوى المدعي شكلاً لرفعها خلال الميعاد القانوني ومن ثم يكون حكم محكمة القضاء الإداري الدائرة الاستئنافية في الطعن رقم 399 لسنة 11 ق س قد صدر مخالفاً للقانون متعين الإلغاء وقبول دعوى المدعي لرفعها خلال الميعاد.
ومن حيث إن قضاء محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد يعتبر قضاء منها في دفع موضوعي يتعلق بأصل الدعوى وتنحسم به الخصومة أمامها، بما يعني استنفاد هذه المحكمة ولايتها في نظر الدعوى وبما يتعين معه على المحكمة العليا أن تتصدى لموضوع النزاع بعد إذ تقضي بإلغاء الحكم المطعون فيه وقبول دعوى المدعي لرفعها خلال الميعاد القانوني.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه الصادر برقم 938 في 17 من مارس سنة 1977 قرر "اعتباراً من 10/ 12/ 1976 تنتهي خدمة السيد/ صابر جرجس قلته الشاغل للفئة.... من ذلك التاريخ للانقطاع عن العمل لتجاوزه المدة القانونية من تاريخ وقفه عن العمل بسبب التجنيد" ومفاد ذلك أن القرار استند في إنهاء خدمة المدعي إلى انقطاعه عن العمل والحاصل أنه وإن حظرت المادة 58 من القانون 505 لسنة 1955 المعدلة بالقانون 12 لسنة 1971 تعيين العامل أو بقاءه في وظيفته ما لم يقدم الشهادة الدالة على معاملته العسكرية فإن الحيلولة بين المدعي وبين عمله وفقاً لهذا الحظر لا يعتبر انقطاعاً عن العمل مما يعتبر إنهاء للخدمة بالاستقالة الاعتبارية التي نظمت حكمها المادة 73 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر به القانون 58 لسنة 1971 بحسبان أن الحيلولة دون العمل لأي من الأسباب لا تقوم معه قرينة الاستقالة الضمنية من حيث إنها مسلك فعلي يفيد عزوف العامل عن العمل بإرادته ويتضمن نية ترك العمل، مما يلزم لتوافره فضلاً عن الانقطاع بغير عذر عن العمل مدداً حددها النص، أن تنذر جهة الإدارة العامل باعتباره مستقيلاً قبل إنهاء خدمته لهذا السبب والحاصل أيضاً أن جهة العمل لم تثبت توجيهها إنذاراً ما للمدعي باعتباره مستقيلا ًقبل صدور قرار إنهاء خدمته الأمر الذي يثبت معه عدم قيام القرار المطعون فيه على سببه الوارد في متن القرار.
ومن حيث إنه من ذلك يتعين إلغاء القرار المطعون فيه الصادر برقم 938 في 17 من مارس سنة 1977 لتخلف ركن السبب المستند إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهتين المحكوم عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.

 

<!--EndFragment--> ات في 30 من ديسمبر سنة 1953 وتقديمه الاستقالة في 3 من يناير سنة 1954 وقت كاف لتدبر موقفه.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه، فضلاً عن قصوره في بيان العناصر المكونة للإكراه، قد أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر المطعون عليه مكرهاً في تقديم الاستقالة، وإذ رتب على ذلك قضاءه بإلغاء القرار الصادر بقبولها؛ فيكون الطعن المقدم فيه، والحالة هذه، على أساس سليم من القانون.

 

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار السيد/ وزير الأشغال العمومية الصادر في 4 من يناير سنة 1954 بقبول استقالة المدعي وبإحالته إلى المعاش بناء على ذلك، وبرفض هذا الشطر من طلبات المدعي، وبإلزامه بالمصروفات المناسبة.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 53 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

الاستقالة الضمنية  مادة 73 من القانون رقم 58 لسنة 1971 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة الذي حل محله نص المادة 98 من القانون رقم 47 لسنة 1978 - قرينة الاستقالة الضمنية المستفادة من انقطاع العامل عن العمل المدد المنصوص عليها قانوناً.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1984 إلى آخر سبتمبر سنة 1984) - صـ 1321

(207)
جلسة 23 من يونيه سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمود عبد العزيز الشربيني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة نصحي بولس فارس وعادل عبد العزيز بسيوني وأبو بكر دمرداش أبو بكر وعبد العزيز أحمد سيد حمادة - المستشارين.

الطعن رقم 1326 لسنة 29 القضائية

موظف - انتهاء الخدمة - أسبابها - الاستقالة الضمنية.
المادة 73 من القانون رقم 58 لسنة 1971 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة الذي حل محله نص المادة 98 من القانون رقم 47 لسنة 1978 - قرينة الاستقالة الضمنية المستفادة من انقطاع العامل عن العمل المدد المنصوص عليها قانوناً - هذه القرينة مقررة لصالح الجهة الإدارة التي يتبعها الموظف فإن شاءت أعملتها في حقه واعتبرته مستقيلاً وإن شاءت تغاضت عنها رغم توافر شروط إعمالها - انتهاء خدمة الموظف إعمالاً لهذه القرينة لا يترتب حتماً وبقوة القانون لمجرد توفر شروط إعمالها وإنما يلزم لذلك أن تصدر الجهة الإدارية التي يتبعها الموظف قراراً إدارياً بترتيب هذا الأثر - إذا لم تصدر جهة الإدارة هذا القرار واختارت الإبقاء على رابطة التوظف بينها وبين العامل المنقطع ومحاكمته تأديبياً فإنه لا يحول دون استمرار هذه الرابطة أن يتراخى اتخاذ الإجراءات التأديبية إلى ما بعد انقضاء مدة الشهر التالي للانقطاع - أساس ذلك: هذا الميعاد لا يعدو أن يكون ميعاداً تنظيمياً غير ذي أثر على المسئولية التأديبية ولم يرتب القانون على تجاوزه أي جزاء - تطبيق [(1
)].


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق الثالث من إبريل سنة 1983 أودع السيد الأستاذ/ فوزي سليم حنا المحامي نيابة عن السيد الأستاذ حمودة حسين زيوار المحامي الوكيل عن السيد/.....، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 1326 لسنة 29 القضائية، في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالمنصورة بجلسة 5 من فبراير سنة 1983 في الدعوى رقم 714 لسنة 10 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد السيد المذكور والقاضي بفصله من الخدمة وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الطاعن لعمله. وأعلن تقرير الطعن إلى النيابة الإدارية في 21 من إبريل سنة 1983.
وقدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهى فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء ذلك الحكم وإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية بالمنصورة للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من مايو سنة 1983 وتداول بالجلسات على النحو الثابت بالمحضر إلى أن قررت الدائرة بجلسة 9 من فبراير سنة 1984 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظرة أمامها جلسة 19 من مايو سنة 1984 وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صد الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتلخص في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 714 لسنة 10 القضائية بتقرير اتهام أودع قلم كتاب المحكمة التأديبية بالمنصورة في 5 من إبريل سنة 1982 ضد السيد/........ المدرس بمدرسة الصناعة الثانوية بمنيا القمح من الدرجة الثالثة لمحاكمته تأديبياً عما نسب إليه في ذلك التقرير من أنه في غضون المدة من 27 من سبتمبر سنة 1981 حتى 3 من مارس سنة 1983 خالف القانون بأن انقطع عن عمله في غير حدود الأجازات المقررة قانوناً وبجلسة 5 من فبراير سنة 1983 قضت المحكمة التأديبية بفصل السيد المذكور من الخدمة، وأقامت قضاءها على أن الاتهام ثابت في حق المتهم وهو ما يقتضي فصله من الخدمة مراعاة لطبيعة الوظيفة التي يشغلها ومدى أهميتها في المرفق الذي يعمل به.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون فيما قضى به من إدانة الطاعن في الاتهام المنسوب إليه ومجازاته عنه بعقوبة الفصل من الخدمة. ذلك أن مفاد نص المادة 98 من القانون رقم 47 لسنة 1978 أن خدمة العامل المنقطع عن العمل تنتهي حتماً بقوة القانون بالاستقالة الضمنية إذا لم يعد إلى عمله بعد إنذاره خلال المواعيد القانونية المحددة في النص وذلك ما لم تتخذ ضده الإجراءات التأديبية خلال الشهر التالي للانقطاع، إذ يمتنع عندئذ أعمال قرينة الاستقالة الضمنية في حقه، ولما كان الثابت أن الطاعن انقطع عن العمل اعتباراً من 27 من سبتمبر سنة 1981 وإن الجهة الإدارية لم تنذره للعودة حسبما يستلزمه نص المادة 98 سالفة الذكر فإن مؤدى ذلك أن الجهة الإدارية قد تنازلت عن أعمال قرينة الاستقالة الضمنية في حقه. ولما كانت هذه الجهة لم تتخذ الإجراءات التأديبية ضد الطاعن خلال الشهر التالي للانقطاع حسبما يستلزمه النص المذكور إذ لم تبلغ النيابة الإدارية للتحقيق في واقعة الانقطاع إلا بتاريخ 13 من فبراير سنة 1982 أي بعد فوات ميعاد الشهر فإنها تكون قد تنازلت أيضاً في ذات الوقت عن مساءلة الطاعن تأديبياً عن تلك الواقعة لأن المساءلة التأديبية عن الانقطاع لا تصح ولا تصادف محلاً إلا إذا بدئ في اتخاذ الإجراءات التأديبية خلال الشهر التالي للانقطاع طبقاً لصريح النص المشار إليه. ومتى كان ما تقدم وكان الطاعن قد انقطع عن العمل بسبب إصابته باكتئاب نفسي حمله على الاعتكاف وعدم مخالطة الناس نتيجة وفاة والديه وشقيقته وفاة فورية دون فاصل زمني بين وفاتهم، وما ترتب على ذلك من إلقاء عبء إعالة أخواته وأولاد شقيقته القصر على عاتقه، وهو ما ينوء به حمله، فإنه ما كانت تصح محاكمته ومجازاته بعقوبة الفصل من الخدمة ولما كان الطاعن قد تماثل حالياً للشفاء ويرغب في العودة إلى عمله فمن ثم أقام هذا الطعن للحكم له بطلباته سالفة البيان.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى في ظل العمل بنص المادة 73 من القانون رقم 58 لسنة 1971 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة الذي حل محله نص المادة 98 من القانون رقم 47 لسنة 1978 على أن قرينة الاستقالة الضمنية المستفادة من انقطاع العامل عن العمل المدد المنصوص عليها قانوناً مقررة لصالح الجهة الإدارية التي يتبعها الموظف، فإن شاءت أعملتها في حقه واعتبرته مستقيلاً وإن شاءت تغاضت عنها رغم توافر شروط إعمالها ولم تعمل بها. ومؤدى ذلك أن انتهاء خدمة الموظف إعمالاً لهذه القرينة لا يترتب حتماً وبقوة القانون لمجرد توافر شروط إعمالها وإنما يلزم لذلك أن تصدر الجهة الإدارية التي يتبعها الموظف قراراً إدارياً بترتيب هذا الأثر. وأنه إذا لم تصدر الجهة الإدارية قراراً بذلك واختارت الإبقاء على رابطة التوظف بينها وبين العامل المنقطع ومحاكمته تأديبياً عن هذا الانقطاع فإنه لا يحول دون استمرار هذه الرابطة أن يتراخى اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد الموظف إلى ما بعد انقضاء مدة الشهر المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة سالفة الذكر التي تقضي بأنه لا يجوز اعتبار العامل مستقيلاً في جميع الأحوال إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لانقطاعه عن العمل، ذلك أن هذا الميعاد لا يعدو أن يكون ميعاداً تنظيمياً غير ذي أثر على المسئولية التأديبية، إذ لم يرتب القانون على تجاوز هذا الميعاد ثمة جزاء، كما أن القول بغير ذلك من شأنه أن يرتب نتيجة شاذة لا تتفق مع منطق القانون في شيء، وهي غل يد السلطة التأديبية عن مساءلة العامل الذي ينقطع عن عمله بغير إذن أو عذر مقبول لمجرد التراخي في اتخاذ الإجراءات التأديبية خلال شهر من تاريخ انقطاعه عن العمل مهما بلغ من تماديه في الانقطاع وذلك رغماً عن أن صلته الوظيفية لم تزايله لتمسك جهة الإدارة في حدود سلطاتها القانونية بعدم إعمال قرينة الاستقالة الضمنية في حقه. ومتى كان ذلك فإنه لا يكون صحيحاً ما تمسك به الطاعن من سقوط حق الجهة الإدارية في محاكمته تأديبياً عن واقعة الانقطاع بحجة أن الإجراءات التأديبية لم تتخذ ضده خلال الشهر التالي للانقطاع.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه حدد لنظر الدعوى التأديبية ضد الطاعن جلسة 7 من نوفمبر سنة 1982، وأن النيابة الإدارية بادرت إلى إعلان الطاعن بتقرير الاتهام وبتاريخ هذه الجلسة الأولى التي حددت لمحاكمته في مواجهة النيابة العامة، إذ أرسلت كتابها رقم 10221 في 8 من سبتمبر سنة 1982 إلى وكيل نيابة قسم أول الزقازيق لإجراء هذا الإعلان بمقولة إنه وردت تحريات تفيد عدم الاستدلال على الطاعن كما قامت النيابة الإدارية من ناحية أخرى بتوجيه الكتاب المسجل بعلم الوصول رقم 16189 المؤرخ في 23 من أكتوبر سنة 1982 إلى الطاعن على محل إقامته بالزقازيق لحضور الجلسة المذكورة وإذ لم يحضر الطاعن في الجلسة المشار إليها قررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 16 من يناير سنة 1983 لإعلانه، ومن ثم وجهت النيابة الإدارية إلى الطاعن على محل إقامته بالزقازيق الكتاب المسجل بعلم الوصول رقم 12195 في 15 من نوفمبر سنة 1982 لحضور هذه الجلسة الثانية إلا أن هذا الكتاب ارتد مؤشراً عليه من عامل البريد المختص بما يفيد أن الطاعن بالخارج وأن أهل المنزل رفضوا استلام الخطاب، وبناء على ذك قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم فيها بجلسة 5 من فبراير سنة 1983 وفي هذه الجلسة الأخيرة أصدرت الحكم المطعون فيه بفصل الطاعن من الخدمة.
ومن حيث إنه لا دليل في الأوراق على أن الطاعن تسلم الخطاب المسجل بعلم الوصول المؤرخ في 23 من أكتوبر سنة 1982 الذي وجه إليه لحضور جلسة 7 من نوفمبر سنة 1982 سالفة الذكر. ولما كان الثابت أن الطاعن غادر البلاد إلى الخارج على ما أشار به عامل البريد على الخطاب المرتد الذي أرسل إلى الطاعن لحضور جلسة 16 من يناير سنة 1983، فقد كان يتعين على النيابة الإدارية أن تتحرى محل إقامة الطاعن بالخارج وأن توجه إليه الإعلان بالطريقة الدبلوماسية في محل إقامته المذكور إن أمكن الاستدلال عليه، وإلا ففي مواجهة النيابة العامة في حالة عدم الاستدلال على هذا المحل وفقاً لما تقضي الفقرتان 9، 10 من المادة 13 من قانون المرافعات، وهو الأمر الذي لم يتم في الحالة المطروحة، إذ لم تجر ثمة تحريات للتعرف على موطن الطاعن في الخارج، كما لم تتخذ النيابة الإدارية من جانبها أي إجراء لإعلانه في الموطن المذكور وإذا كان الثابت أن الخطاب المتضمن إعلان الطاعن لحضور جلسة 16 من يناير سنة 1983 سالفة الذكر قد وجه إلى الطاعن على محل إقامته المعروف للجهة الإدارية في مصر وأن المقيمين مع الطاعن رفضوا تسلمه على ما أشر به كذلك عامل البريد على مظروف هذا الخطاب، إلا أن ذلك لا يغني عن وجوب إتباع الإجراءات الصحيحة سالفة الذكر ما دام قد ثبت يقيناً أن الطاعن سافر إلى الخارج. كما لا يغني عن إتباع هذه الإجراءات أن النيابة الإدارية كانت قد وجهت الإعلان ابتداء إلى الطاعن في مواجهة النيابة العامة لحضور الجلسة الأولى التي كانت محددة لمحاكمته في 7 من نوفمبر سنة 1982 على ما سلف البيان، وإنه يبين من مطالعة أوراق هذا الإعلان أن مندوب الشياخة المختص بقسم أول الزقازيق توجه لتسليمه إلى الطاعن في موطنه سالف الذكر إلا أن زوجة الطاعن المدعوة........ رفضت تسلمه على ما أثبته مندوب الشياخة المذكور. لا يغني ذلك، بعد أن ثبت أن الطاعن سافر إلى الخارج، عن وجوب إجراء التحريات عن محل إقامته في الخارج وتوجيه الإعلان إليه بالطريق الدبلوماسي أو في مواجهة النيابة العامة على حسب الأحوال ذلك أن مبادرة النيابة الإدارية إلى افتتاح إجراءات المحاكمة التأديبية بتوجيه الإعلان ابتداء إلى الطاعن في مواجهة النيابة العامة جاء سابقاً لأوانه في تلك المرحلة من مراحل المحاكمة، أخذاً في الاعتبار أن الإعلان في مواجهة النيابة العامة طريق استثنائي لا يصح الالتجاء إليه إلا بعد استنفاذ طرق الإعلان العادية وعدم التوصل إلى الموطن الصحيح للمراد إعلانه رغم إجراء التحريات الجدية الكافية في سبيل التعرف على هذا الموطن وهو الأمر الذي لم يتم من جانب النيابة الإدارية قبل اتخاذها إجراءات ذلك الإعلان في مواجهة النيابة العامة.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم فإن الإجراءات التي تمت لإعلان الطاعن بتقرير الاتهام وبجلسة المحاكمة تكون قد وقعت باطلة.
ومن حيث إنه لما كان قد ترتب على بطلان هذه الإجراءات أن الطاعن لم يعلم بإجراءات المحاكمة ولم يمكن بذلك من إبداء دفاعه في الاتهام الذي حوكم بسببه، فإن الحكم المطعون فيه إذ بني على هذه الإجراءات الباطلة يكون باطلاً بدوره، وهو ما دفعت به هيئة مفوضي الدولة في التقرير المقدم منها بالرأي القانوني في الطعن، ومن ثم يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية بالمنصورة للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية بالمنصورة للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى.


 

[(1)] يراجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا - الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 - في الطعن رقم 395 لسنة 27 القضائية المحكوم فيه بجلسة 2/ 3/ 1986.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 45 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

إن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1955 إلى آخر يناير سنة 1956) - صـ 33

جلسة 5 من نوفمبر سنة 1955

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وبحضور السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

(6)
القضية رقم 158 لسنة 1 القضائية

( أ ) استقالة - القرار الصادر بقبولها - ركن السبب فيه هو الطلب المقدم بها - وجوب قيام الطلب مستوفياً شرائط صحته إلى وقت صدور القرار.
(ب) استقالة - وجوب استنادها إلى إرادة خالية من عيوب الرضاء - الإكراه المفسد للرضاء - اشتماله على عنصرين: موضوعي ونفساني.
(ج) إكراه - أثره في صحة القرار الإداري - خضوعه لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على الحكم المطعون فيه.
1 - إن طلب الاستقالة هو ركن السبب في القرار الإداري الصادر بقبولها؛ فيلزم لصحة هذا القرار أن يكون الطلب قائماً لحين صدور القرار، مستوفياً شروط صحته شكلاً وموضوعاً.
2 - إن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال. ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته.
فالإكراه يشتمل على عنصرين: عنصر موضوعي هو الوسائل التي تولد الإيعاد بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال، وعنصر نفساني هو الرهبة التي تبعثها تلك الوسائل في النفس فتحمل الموظف على تقديم الاستقالة.
3 - إن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.


إجراءات الطعن

في 11 من أغسطس سنة 1955 بناء على طلب السيد وزير الأشغال بمذكرته المقدمة في 28 من يوليه سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة خامسة) بجلسة 12 من يونيه سنة 1955 في الدعوى رقم 4537 لسنة 8 القضائية المرفوعة من السيد: إبراهيم سامي محمد مصطفى عزام ضد وزارة الأشغال العمومية القاضي "بإلغاء القرار الصادر من السيد: وزير الأشغال في 29 من ديسمبر سنة 1953 والقرار الصادر من السيد: مدير عام مصلحة المساحة في التاريخ سالف الذكر بتوقيع جزاء بخصم خمسة عشر يوماً من مرتب المدعي وإلغاء القرار الصادر من السيد: وزير الأشغال في 4 من يناير سنة 1954 بإحالة المدعي إلى المعاش بناء على طلبه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار السيد وزير الأشغال الصادر في 4 من يناير سنة 1954 بإحالة المدعي إلى المعاش بناء على طلبه، والقضاء برفض هذا الشطر من طلبات المدعي وبإلزامه بالمصروفات المناسبة". وقد أعلن السيد إبراهيم سامي محمد مصطفى عزام بالطعن في 24 من أغسطس سنة 1955، كما أعلن به السيد وزير الأشغال في 22 منه فأودع الأول في 24 من سبتمبر سنة 1955 مذكرة برده، ثم أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في 28 منه تقريراً، يطلب فيه الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع الطعن، أعلن للسيد وزير الأشغال في 4 من أكتوبر سنة 1955 وللسيد إبراهيم سامي محمد مصطفى عزام في 8 منه، ثم عين لنظر الطعن وطلب وقف التنفيذ جلسة 15 من أكتوبر سنة 1955، وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وفيها أمرت المحكمة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في الطعن الذي أرجئ إصدار الحكم فيه إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة الإدارية حسبما يستفاد من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 4537 لسنة 8 القضائية بعريضة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 25 من فبراير سنة 1954 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير الأشغال في ديسمبر سنة 1953 الذي أعلن به في 30 منه بمجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه، وإلغاء القرار الصادر منه في 4 من يناير سنة 1954 بإحالة المدعي إلى المعاش بناء على طلبه من أول فبراير سنة 1954، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام الحكومة بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة، ناعياً على القرارين المذكورين مخالفتهما للقانون بدعوى أن القرار الأول صدر ممن لا يملكه؛ إذ كان يجب أن يصدر من المدير العام لمصلحة المساحة لا من وزير الأشغال، وأن يسبقه سماع أقواله وتحقيق دفاعه، أن يقوم على سبب صحيح لذنب اقترفه، بينما هو لم يتركب إثماً، وبدعوى أن القرار الثاني قام على طلب استقالة كان مكرهاً على تقديمه؛ فيكون قد انبنى على سبب فاسد لفساد الرضا فيه، بمقولة إنه أكره على ذلك بعد أن تلقى كتابين متتاليين، أولهما في 30 من ديسمبر سنة 1953 بتوقيع الجزاء عليه مقروناً بعبارات جارحة تخدش شرفه، وثانيهما في 31 منه برفض طلب إحالته إلى المعاش على أساس معاملته بأحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر سنة 1953 و9 من ديسمبر سنة 1953 بإضافة سنتين إلى مدة خدمته المسحوبة في المعاش وصرف الفروق إليه، وأنه إذ أراد اعتزال الخدمة فعليه أن يقدم طلباً بذلك غير مشروط، فقدمه مكرهاً في 4 من يناير سنة 1954 دفاعاً عن شرفه فقبله الوزير في اليوم ذاته. ودفعت الحكومة الدعوى فيما يتعلق بقرار الجزاء بأنه صدر ممن يملكه وهو المدير العام للمصلحة في 29 من ديسمبر سنة 1953، بعد أخذ أقوال من لهم صلة بالمخالفة محل المؤاخذة وسماع أقوال المدعي التي لم يطلب فيها تحقيق دفاع معين، وما تبين بعد ذلك لمصدر الجزاء من أن المدعي اقترف المخالفة التي كانت سبباً في إصداره. وفيما يتعلق بقرار قبول استقالته غير المشروطة، بأنه لم يشبها إكراه يفسد رضاءه في تقديمها ذلك أن رغبته في اعتزال الخدمة كانت قد بدت في طلب قدمه في 12 من ديسمبر سنة 1953 بإحالته إلى المعاش مع ضم سنتين إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش وصرف الفروق انتفاعاً بقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر سنة 1953، 9 من ديسمبر سنة 1953 وكان إظهار رغبته هذه قبل أخذ أقواله في موضوع المخالفة في المذكرة التي حررها في 16 من ديسمبر سنة 1953. فلما اطلع الوزير على أوراق هذا الموضوع الذي انتهى بالجزاء الصادر من المدير العام لمصلحة المساحة في 29 منه رفض في 30 منه قبول الاستقالة المقدمة انتفاعاً بقراري مجلس الوزراء المشار إليهما نظراً لما اقترفه، وأبان أن عليه، إذا أراد اعتزال الخدمة، أن يقدم بذلك طلباً غير مشروط، وأبلغ إليه ذلك في 31 منه. وبعد أن تدبر موقفه قدم في 3 من يناير سنة 1954 طلباً بمنحه الإجازة القانونية يحال بعدها إلى المعاش. فصدر قرار الوزير في 4 منه بالموافقة على ذلك، فليس ثمة إكراه شاب رضاه. وخلصت الحكومة من ذلك إلى أن القرارين صدرا مطابقين للقانون. وقد قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها الصادر في 12 من يونيه سنة 1955 بإلغاء القرار الأول استناداً إلى عيب شكلي شاب الإجراءات بدعوى أن تحقيقاً بالمعنى الذي يتطلبه حكم المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 لم يجر مع المدعي؛ إذ لم يواجه بالمخالفة المنسوبة إليه في محضر رسمي تسمع فيه أقواله وأقوال الشهود في مواجهته، ويمكن فيه من مناقشتهم وإبداء دفاعه بحرية تامة. أما الاقتصار على أخذ أقواله في مذكرة دون مواجهته بما هو منسوب إليه ودليله وتمكينه من الرد على ذلك فلا يرقى إلى مرتبة التحقيق الذي تتوفر له فيه وسائل الدفاع عن نفسه، كما قضت بإلغاء القرار الثاني نظراً إلى ما ارتأته من أن رضاءه في طلبه غير المشروط بالاستقالة كان مشوباً بعيب الإكراه، فيكون قرار قبولها قد قام على أساس فاسد ووقع باطلاً تبعاً لذلك. وقد اقتصر طعن رئيس هيئة المفوضين على هذا الشق من الحكم.
ومن حيث إن الطعن يقوم على وجهين: "الأول" أن الإكراه المفسد لرضاء الموظف بالاستقالة يجب أن يكون قائماً على رهبة حقيقية يستشعرها على أساس جدي بسبب موقف جائز اتخذته الإدارة حياله لا سبيل له إلى دفعه إلا بترك الخدمة، وذلك بمراعاة جنس من وقع عليه الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية ومركزه ودرجته وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه، وأن العناصر المكونة للإكراه لا تتحقق لمجرد إبلاغه قراراً بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه لمخالفة نسبت إليه ولو صيغ وصفها في عبارات يراها جارحة، وإبلاغه قراراً بعدم الموافقة على طلبه إحالته إلى المعاش انتفاعاً بأحكام قراري مجلس الوزراء المتقدم ذكرهما، إذ في مقدوره أن يسلك الطريق القانوني بالتظلم الإداري، فإن لم يجد فأمامه الطريق القضائي، فيكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون. و"الثاني" أن هذا الحكم قصر في أسبابه عن تبيان توافر جميع العناصر المكونة للإكراه، فلم يستظهر على الأقل عنصراً أساسياً كان ينبغي استظهاره هو ما إذا كان المدعي في حالة لا سبيل معها إلى دفع ما اعتقد أنه موقف جائر حياله إلا باعتزال الخدمة، وهذا القصور في التسبيب يعيب الحكم ويبطله.
ومن حيث إن المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تقضي بأن للموظف أن يستقيل من الوظيفة، وتكون الاستقالة مكتوبة وخالية من أي قيد أو شرط، ولا تنتهي خدمة الموظف إلا بالقرار الصادر بقبول استقالته. ومفاد ذلك أن طلب الاستقالة هو ركن السبب في القرار الإداري الصادر بقبولها، فيلزم لصحة هذا القرار أن يكون الطلب قائماً لحين صدور القرار، مستوفياً شروط صحته شكلاً وموضوعاً.
ومن حيث إن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال. ويراعي في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته. فالإكراه يشتمل على عنصرين: عنصر موضوعي هو الوسائل التي تولد الإيعاد بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال، وعنصر نفساني هو الرهبة التي تبعثها تلك الوسائل في النفس فتحمل الموظف على تقديم الاستقالة.
ومن حيث إن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه فيما انتهى إليه من قيام الإكراه المفسد لرضاء المدعي عند تقديم استقالته على أنه: "لم يتقدم بطلب الإحالة إلى المعاش بدون قيد أو شرط إلا بعد اطلاعه على كتاب السيد وزير الأشغال المؤرخ في 30 من ديسمبر سنة 1953 والسابق الإشارة إليه. وتود المحكمة أن تسجل في هذا المقام أن الكتاب المذكور، ولو أنه خاص بتوقيع عقوبة، إلا أنه اشتمل على عبارات ما كان يجوز أن ترد فيه، إذ من شأن هذه العبارات أن تمس شرف المدعي واعتباره، لا سيما متى كانت هذه العبارات قد وردت في صورة الأوصاف لا في صورة الوقائع. وفضلاً عن ذلك فقد كان القرار بتوقيع الجزاء على المدعي في غنى عن هذه العبارات الجارحة، لأن مثل هذه العبارات لا تعتبر قانوناً جزءاً من الجزاء. فإذا ما تقدم المدعي بطلب قبول استقالته عقب اطلاعه على الكتاب المذكور فلا يمكن القول بأن هذا الطلب قد صدر عن إرادة صحيحة مطمئنة، وإنما يكون ذلك الطلب بمثابة دفاع منه عن شرفه...". وعلى ما قالته في موضع آخر من أنه: "عقب إخطاره بهذا الكتاب أخطر في اليوم التالي - 31 من ديسمبر سنة 1953 - بكتاب آخر صادر من السكرتير العام لوزارة الأشغال للمدير العام لمصلحة المساحة مفاده أن تعليمات السيد الوزير تقضي، فيما يتعلق بالطلب المقدم بتاريخ 12 من ديسمبر سنة 1953 للإحالة إلى المعاش ومعاملته بأحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر و9 من ديسمبر سنة 1953، بأن عليه إذا ما أراد اعتزال الخدمة أن يقدم طلباً بذلك غير مشروط. تقدم المدعي عقب ذلك بتاريخ 3 من يناير سنة 1954 بطلب آخر يطلب فيه الموافقة على إحالته إلى المعاش طبقاً لقرار مجلس الوزراء الخاص بضم سنتين إلى مدة خدمته ومنحه الفرق بين الماهية والمعاش خلالهما. ولما تأشر على طلبه هذا بالحفظ بادر فوراً وفي نفس اليوم بتقديم طلب آخر بمنحه الإجازة القانونية مع الموافقة على طلب إحالته إلى المعاش بعد انتهاء إجازة المعاش القانونية مباشرة. وصدر في اليوم ذاته القرار الوزاري رقم 605/ 53 بإحالته إلى المعاش اعتباراً من أول فبراير سنة 1954 بناء على طلبه".
ومن حيث إنه لا مجازاة المطعون عليه بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه ولا إبلاغه هذا الجزاء بالكتاب المقول بأنه جارح في عبارته خادش لشرفه، ولا إبلاغه رفض معاملته بقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر و9 من ديسمبر سنة 1953 - إن ذلك كله لا يرقى إلى مرتبة التهديد والإيعاد بخطر محدق وشيك الوقوع في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ومن الجسامة بحيث يبعث بدون حق فيمن هو في مثل حالة المدعي وسنه ومركزه رهبة تضغط على إرادته فتفسدها، بحيث تجعله مسلوب الحرية لا اختيار له فيما أراد. إذ فضلاً عن أنها كلها إجراءات تملك الإدارة قانوناً اتخاذها، وفي مقدور المطعون عليه في الوقت ذاته أن يسلك الطريق القانوني لإبطالها إن كان له في ذلك وجه، فإنها لا تهدد بأي خطر وشيك الوقوع بالجسامة المشار إليها. وما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من وجود هذا الخطر في العبارات التي أبلغ بها قرار الجزاء بدعوى أنها خادشة للشرف "ولأنه لو كان قد قبل صاغراً البقاء في الخدمة بعد أن وصمته الحكومة في خطاب 30 من ديسمبر سنة 1953 بأنه فقد مقومات الخلق القويم، لاستحق احتقار زملائه ومرءوسيه" - إن ما ذهب إليه الحكم غير مقنع؛ لأن مثل هذا الخطر، لو صح، يكون قد وقع فعلاً قبل تقديم الاستقالة ويكون الدافع إلى تقديمها، والحالة هذه، الاحتجاج على ما وقع، لا الخوف من مكروه محدق يوشك أن يقع. على أن وصف هذه العبارات بالخطر الذي يصوره الحكم ينطوي على مسخ لمدلولها بما لا تحتمله، وتهويل لأثرها بما لا تطيقه، فهي لا تعدو أن تكون وصفاً من الوزير لسلوك المدعي في تأدية عمل من أعمال وظيفته، رأى الوزير أنه كان سلوكاً معيباً؛ إذ أهدر شخصيته فاستخذى أمام رئيسه، وسايره في هواه لصالح أحد الأفراد على حساب المصلحة العامة، بينما كانت له من ذلك مندوحة لو أصر على رأيه الأول، واستمسك باتباع التعليمات في هذا الشأن. وليس من شك في أنه لو صح ذلك لكان "فقداناً لمقومات الخلق القويم الذي يجب أن يتحلى به من يشغل الوظائف الرئيسية في الدولة ذات الصلة الوثيقة بالناس" والمقصود بمقومات الخلق هنا خلق الموظف وسلوكه الوظيفي. ومن حق الرئيس الإداري أن يصف المخالفة الإدارية بوصفها الذي ينطبق على تكييفها. ومهما يكن من أمر، فإن أثر مثل هذه العبارات مهما ضاقت به نفس المدعي لا يمكن أن يرتفع إلى مرتبة الخطر الذي يضغط على إرادته فيفسدها عند الاستقالة، خصوصاً وكان قد مضى بين إبلاغه هذه العبارات في 30 من ديسمبر سنة 1953 وتقديمه الاستقالة في 3 من يناير سنة 1954 وقت كاف لتدبر موقفه.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه، فضلاً عن قصوره في بيان العناصر المكونة للإكراه، قد أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر المطعون عليه مكرهاً في تقديم الاستقالة، وإذ رتب على ذلك قضاءه بإلغاء القرار الصادر بقبولها؛ فيكون الطعن المقدم فيه، والحالة هذه، على أساس سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار السيد/ وزير الأشغال العمومية الصادر في 4 من يناير سنة 1954 بقبول استقالة المدعي وبإحالته إلى المعاش بناء على ذلك، وبرفض هذا الشطر من طلبات المدعي، وبإلزامه بالمصروفات المناسبة.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

إن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضاء من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثالث (من يونيه سنة 1956 إلى آخر سبتمبر سنة 1956) - صـ 912

(110)
جلسة 16 من يونيه سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 350 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف - قرار مجلس الوزراء في 4/ 11/ 1953 - القصد منه إفساح مجال الترقي أمام الموظفين الممتازين غير المتقدمين في السن وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية.
(ب) استقالة - وجوب استنادها إلى إرادة خالية من عيوب الرضاء - الإكراه المفسد للرضاء - العناصر التي تساعد على تقديره.
1 - إن مجلس الوزراء حين أصدر قراره في 4 من نوفمبر سنة 1953 قد أكد في صراحة بأن "رغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية قرر ضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك". ويبين من ذلك أن القرار سالف الذكر قصد به إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من الموظفين غير المتقدمين في السن وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية بتسهيل خروج كبار السن من الموظفين وهم الذين من الدرجة الثانية فأعلى ولو كانوا أنفسهم من الأكفاء، وذلك بمنحهم مزايا مالية إذا طلبوا اعتزال الخدمة وقبل طلبهم، وبذلك تتحقق المصلحة العامة التي توخاها القرار على الوجه المعين الذي استهدفه.
2 - إن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضاء من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم والشرف أو المال، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته.


إجراءات الطعن

في 19 من فبراير سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة خامسة) بجلسة 25 من ديسمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 4432 لسنة 8 القضائية المرفوعة من محمد شريف ضد وزارة التجارة والصناعة، والقاضي: "بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي تعويضاً قدره أربعمائة وخمسون جنيهاً والمصروفات المناسبة ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات"، وأعلن الطعن إلى الجهة الإدارية في 4 من مارس سنة 1956، وأعلن به الخصم في 3 من مارس سنة 1956، ثم عين لنظره جلسة 26 من مايو سنة 1956، وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وأرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 4432 لسنة 8 القضائية بصحيفة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 23 من فبراير سنة 1954 طلب فيها الحكم بإلزام وزارة التجارة والصناعة بأن تدفع له مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال بياناً لدعواه إنه التحق بخدمة الحكومة وتدرج في وظائفها ودرجاتها وقام بأعماله خير قيام حتى وصل إلى وظيفة وكيل مراقب عام الإدارة العامة بوزارة التجارة والصناعة وهي في الدرجة الثانية، ثم صدر في 4 من نوفمبر سنة 1953 قرار مجلس الوزراء بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية لمن يعتزل الخدمة، وفي 25 من نوفمبر سنة 1953 قرر مجس الوزراء أن تبدأ مدة السنتين من أول يناير سنة 1954 بالنسبة للموظفين الباقي لهم على ترك الخدمة مدة سنتين فأكثر، فقد المدعي بتاريخ 5 من ديسمبر سنة 1953 طلباً علق فيه اعتزال الخدمة على شروط بينها في الطلب، وفي 2 من يناير سنة 1954 صدر القرار رقم 113 لسنة 1954 من وزير التجارة برفع اسمه وآخرين من سجلات الوزارة اعتباراً من أول يناير سنة 1954 لإحالتهم على المعاش بعد موافقة مجلس الوزراء، ينعي المدعي على هذا القرار مخالفته للقانون فضلاً عن أنه مشوب بسوء استعمال السلطة؛ ذلك أن أول شرط من الشروط التي تضمنها طلبه وأهمها هو أن يكون قبول الاستقالة للصالح العام، وهذا الشرط لم يتحقق، ويكفي لإثبات أن قبول هذه الاستقالة يتنافى مع الصالح العام ما تضمنه ملف خدمته من تزكيات رؤسائه وتقريره السنوي عن أعماله في وظيفته عام 1952 إذ كان بتقدير جيد من جميع الوجوه، يضاف إلى ذلك أنه كلف بتقديم الاستقالة من رؤسائه فوقع تحت إكراه أدبي يفسد الاستقالة في ذاتها ويجعل الرضا فيها منعدماً، وبذلك تصبح عديمة الأثر، ويكون قرار إحالته على المعاش باطلاً من أساسه، ثم يستطرد المدعي قائلاً إنه حدث عندما نقل أحد موظفي وزارة الداخلية إلى وزارة التجارة والصناعة تمهيداً لتعيينه في وظيفة المراقب العام حين خلوها بادر المدعي في 12 من ديسمبر سنة 1953 إلى إرسال برقية إلى وزير التجارة نصها "نقل موظف مبعد من وزارة الداخلية للتجارة اعتداء على حقوق الأكفاء من موظفيها وإهدار لكرامتهم يأباه عدلكم ونبلكم وما يضيره لو ظل منتدباً وهو لا يحضر كسائر الموظفين ولم يؤد أي عمل منذ ندبه من شهور"، وأنه ظاهر من مدلول هذه البرقية أن فيها عدولاً واضحاً عن طلب المدعي اعتزاله الخدمة حتى ولو كانت صدرت حرة غير مشوبة بما يعيبها ويفسدها من إكراه.
وفي 17 من أغسطس سنة 1954 أودعت الحكومة مذكرة بدفاعها استعرضت فيها أحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، وأنه في 2 من يناير سنة 1954 صدر القرار الوزاري رقم 113 لسنة 1954 برفع اسمه من عداد موظفي وزارة التجارة وتسوية حالته على هذا الأساس الوارد بقراري مجلس الوزراء سالفي الذكر، وطلب المدعي اعتزال الخدمة وبذلك تحققت جميع طلباته، أما القول بأن الاستقالة كانت مشوبة بالإكراه فهو ما لم يقم عليه دليل وإن حاول المدعي أن يفسر التلاحق الزمني بين قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 من جهة وبين القانون رقم 600 لسنة 1953 - حاول أن يفسر هذا التلاحق بأنه يكون ركن الإكراه؛ بمعنى أن الموظف الذي لا يطلب إحالته إلى المعاش مع ضم مدة السنتين تحيله الدولة على المعاش جبراً مع ضم سنة واحدة إلى خدمته طبقاً للقانون رقم 600 لسنة 1953، وهذا التفسير لا يتفق مع الواقع؛ ذلك أن القانون رقم 600 لسنة 1953 لم يكن قد صدر بعد حين قدم المدعي طلبه اعتزاله الخدمة في 5 من ديسمبر سنة 1953 فلم يقع إكراه على المدعي وليس له أن يحتج بأي وجه إلا إذا كانت الدولة قد اكتفت بقبول استقالته دون تحقيق الشروط التي اشترطها في الكتاب المقدم منه، أما وقد قبلت الحكومة هذه الشروط كما قبلت ما أضافه إلى طلبه من تفضيله العلاوة على رفع الماهية إلى أول مربوط الدرجة، فالقول منه بعد ذلك بأن ما اشترطه في طلبه من توخي الصالح العام لم يتحقق قول غير سائغ؛ إذ الصالح العام تقدره الحكومة نفسها ولا تسأل عن أسباب قبولها الاستقالة ما دام أنها لم تسئ استعمال سلطتها الأمر الذي تنفيه وقائع الحال، وانتهت إلى طلب رفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها الصادر في 25 من ديسمبر سنة 1955 "بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي تعويضاً قدره أربعمائة وخمسون جنيهاً والمصروفات المناسبة ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأسست قضاءها على "أنه لا نزاع بين الطرفين في أن الحكومة حققت جميع الشروط المالية التي علق عليها المدعي طلب اعتزال الخدمة، وإنما يقوم الخلاف بين الطرفين على ما تضمنه هذا الطلب من أن يكون إنهاء الخدمة متفقاً والصالح العام، فيقول المدعي إن هذا الشرط لم تحققه الحكومة؛ لأن إنهاء خدمته يجافي الصالح العام، ويستدل على ذلك بملف خدمته وما حواه من كتب الثناء والتقدير وما يدل عليه من كفاية ونزاهة واستقامة، وتقول الحكومة أنها هي التي تقدر الصالح العام ولا دخل للمدعي فيه، وهي لا تسأل عن أسباب تفضيلها قبول استقالته على عدم قبولها؛ إذ العبرة في هذا كله باختبار من يعاونونها في أداء مهمتها طالما لم تسئ في ذلك استعمال سلطتها"، وقالت في موضع آخر "ومن حيث إنه قد بان للمحكمة - من استعراض الظروف التي قدم فيها المدعي طلب اعتزال الخدمة وصياغة هذا الطلب - أن المدعي تقدم به في أعقاب صدور قراري مجلس الوزراء في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 بمنح مزايا مالية معينة لمن يرغب اعتزال الخدمة من موظفي الدرجة الثانية فأعلى، فكان يكفي المدعي أن يشير في طلبه إلى هذين القرارين لينتفع بالمزايا الواردة فيهما، ولكنه لم يكتف بذلك بل صاغ الطلب بعبارات تشعر بأنه في واقع الأمر لا يرغب في اعتزال الخدمة وإنما يعرض ذلك إذا تحققت به المصلحة العامة، وقال إنه إلى جانب ذلك مستعد للاستمرار في العمل خدمة للمصلحة العامة، ولا شبهة في أنه، وقد حرص في أكثر من موضع في طلبه على ترديد عبارة المصلحة العامة والصالح العام سواء بصدد إنهاء مدة خدمته أو استمراره فيها، فإنه يكون بذلك قد جعل المصلحة العامة شرطاً جوهرياً علق عليه إنهاء مدة خدمته، فإذا لم يتحقق هذا الشرط بقيام الدليل على أن إنهاء خدمته يحقق المصلحة العامة فإن الاستقالة تعتبر كأنها لم تكن. وأن مناط المصلحة العامة في شأن الموظفين باعتبارهم عمال المرافق العامة للدولة، يكون في تأمينهم على وظائفهم وبث روح الطمأنينة في نفوسهم حتى يقوموا بما يعهد إليهم من شئون دون مراعاة لغير أحكام القانون. وتأمين الموظفين يقتضي شمولهم بالحماية في كل الصور ما دامت صلاحيتهم للعمل ليست موضع شك أو محل جدل، وإذ كان تقدير هذه الصلاحية متروكاً للحكومة بلا معقب عليها ما دام خلا من عيب إساءة استعمال السلطة ولم يستهدف سوى المصلحة العامة إلا أن قرارها في هذا الشأن يخضع لرقابة محكمة القضاء الإداري شأنه في ذلك شأن سائر القرارات الإدارية"، ثم استطرد الحكم إلى القول "بأن ملف خدمة المدعي هو الوعاء الصادق لتصوير حالته من حيث صلاحيته أو عدم صلاحيته للاستمرار في الخدمة، فإذا ثبت أن ملف الخدمة يوحي بكفايته ونزاهته والرضا عن عمله فقد استوفى بذلك شروط الصلاحية للبقاء في وظيفته، وبالتالي تتحقق المصلحة العامة باستمراره في الخدمة لا بإقصائه عن الوظيفة......."، وبعد أن سرد الحكم ما حواه ملف الخدمة من تزكيات انتهى إلى أن الحكومة إذ رأت أن المصلحة العامة في إقصاء المدعي عن الوظيفة قد جانبها التوفيق وأساءت استعمال سلطتها ثم هي إلى جانب ذلك قد تخلفت عن تحقيق الشرط الذي علق عليه المدعي طلبه اعتزاله الخدمة الأمر الذي يترتب عليه اعتبار الاستقالة كأنها لم تكن والقرار الإداري الصادر بقبولها باطلاً.
ومن حيث إن الطعن يقوم على وجهين: (أولهما) أن القاعدة التنظيمية التي احتواها قراراًًًًً مجلس الوزراء الصادران في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 كان الدافع إليها هو الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة، وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية بتيسير خروج موظفي الدرجة الثانية فأعلى وهم الذين تقدموا في السن وذلك بمنحهم مزايا مالية إذا قدموا طلباً باعتزالهم الخدمة وقبل طلبهم.
(ثانياً) أن المدعي لم يكن مكرهاً عندما تقدم بطلب اعتزاله الخدمة، وإنما قدمه برضاء صحيح. وصدور القانون رقم 600 لسنة 1953 في 9 من ديسمبر سنة 1953 - بعد أن تقدم المدعي بطلب اعتزاله الخدمة في 5 من ديسمبر سنة 1953 - لا دخل له في تقديم الاستقالة.
ومن حيث أنه بالنسبة إلى الوجه الأول فإن مجلس الوزراء حين أصدر قراره في 4 من نوفمبر سنة 1953 قد أكد في صراحة بأنه "رغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية قرر ضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك".
ويبين من ذلك أن القرار سالف الذكر قصد به إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من الموظفين غير المتقدمين في السن وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية بتسهيل خروج كبار السن من الموظفين وهم الذين من الدرجة الثانية فأعلى ولو كانوا أنفسهم من الأكفاء، وذلك بمنحهم مزايا مالية إذا طلبوا اعتزال الخدمة، وقبل طلبهم، وبذلك تتحقق المصلحة العامة التي توخاها القرار على الوجه المعين الذي استهدفه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثاني فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده الرضاء من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته. وغني عن البيان أن وقائع الدعوى ليس فيها ما يرقى إلى مرتبة التهديد والإيعاد بخطر محدق وشيك الوقوع في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ومن الجسامة بحيث يبعث بدون حق فيمن هو في مثل حالة المدعي وسنه ومركزه رهبة تضغط على إرادته فتفسدها بحيث تجعله مسلوب الحرية لا اختيار له فيما أراد؛ خصوصاً إذا روعي أن المدعي قدم طلب اعتزاله الخدمة في 5 من ديسمبر سنة 1953 بينما صدر القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي يقول إنه بما احتواه من تعرض أمثاله للإحالة إلى المعاش بمزايا أقل من الاستقالة قد ضغط على إرادته في تقديم طلبها - إن هذا القانون صدر في 9 من ديسمبر سنة 1953، بعد تقديم الطلب المذكور.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد بني على غير أساس سليم من القانون خليقاً بالإلغاء.

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 54 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

عملية تقديم الاستقالة وقبولها ليست عملية تعاقدية، بل هي عملية إدارية - انتهاء الخدمة بقرار إداري بقبول الاستقالة - وجوب أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح .

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 738

(76)
جلسة 23 من مارس سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1702 لسنة 2 القضائية

( أ ) استقالة - وقوعها تحت تأثير الغلط في فهم القانون من جانب الإدارة ومقدم الاستقالة - زوال عيب فساد الرضا - لا وجه للتمسك بعد ذلك بهذا العيب.
(ب) استقالة - عملية تقديم الاستقالة وقبولها ليست عملية تعاقدية، بل هي عملية إدارية - انتهاء الخدمة بقرار إداري بقبول الاستقالة - وجوب أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح - انطباق الحكم المقرر في المادة 124 مدني - تطبيق القضاء الإداري لهذا النص لا باعتباره ملزماً بتطبيقه، بل بحسبانه مقرراً لأصل طبعي هو وجوب تنفيذ العقود والالتزامات بحسن نية.
(جـ) استقالة - تقديمها مع النص فيها على وجوب الإسراع في صرف مكافأة الخدمة أو المبلغ المستحق في صندوق الادخار أيهما أكبر - عدم اعتبار هذه العبارة شرطاً تعلق عليه الاستقالة قبولاً أو رفضاً.
1 - إذا كان الثابت أن الموظف والإدارة، حين تقديم الاستقالة وحين قبولها، قد وقع كلاهما تحت تأثير الغلط في فهم القانون، باعتقاد أن الموظف مقدم الاستقالة كان ممن يفيدون من قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953، الذي كان يشترط للإفادة من أحكامه أن يكون للموظف المستقيل مدة خدمة محسوبة في المعاش تبلغ خمس عشرة سنة، وإن الإدارة قد قامت بعد ذلك بما يحقق ما طلبه الموظف وأمثاله في استقالاتهم من حيث صرف المبالغ المستحقة لهم في صندوق الادخار كاملة بما في ذلك حصة الحكومة، فليس ثمة ما يوجب إلغاء القرار الصادر بقبول الاستقالة بحجة أن تقديم طلبها والقرار بقبولها كلاهما قد وقع تحت تأثير الغلط في فهم القانون، ومرد ذلك إلى أصل طبعي يتعلق بزوال عيب فساد الرضا بسبب الغلط رددته المادة 124 من القانون المدني، حيث نصت على أنه "ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية، ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد".
2 - لئن كان تقديم الاستقالة وقبولها ليس عملية تعاقدية تنتهي بها خدمة الموظف، بل هي عملية إدارية، يثيرها الموظف بطلب الاستقالة، وتنتهي الخدمة بالقرار الإداري الصادر بقبول هذا الطلب الذي هو سبب هذا القرار، إلا أنه لما كان طلب الاستقالة هو مظهر من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة، والقرار بقبول هذا الطلب هو بدوره مظهر من مظاهر إرادة الرئيس الإداري في قبول هذا الطلب وإحداث الأثر القانوني المترتب على الاستقالة، كان لزاماً أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح يفسده ما يفسد الرضا من عيوب، كما يزيل هذه العيوب أو يسقط الحق في التمسك بها ما يقضي به القانون في هذا الخصوص، كما يجب التنبيه إلى أنه بالرغم من أن القضاء الإداري غير ملزم بتطبيق المادة 124 من القانون المدني إلا أنه يجب إنزال الحكم على مقتضاه؛ لأن هذا المقتضى يرتد إلى أصل طبعي هو وجوب تنفيذ العقود والالتزامات بحسن نية، ما دام الثابت أن تمسك المدعي بالغلط الذي وقع فيه ووقعت فيه الإدارة يتعارض مع ما يقضي به حسن النية.
3 - إذا ثبت أن الموظف قدم استقالته ونص فيها على وجوب صرف مكافأته عن مدة خدمته أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر وذلك "بمجرد تركه الوظيفة"، فإن هذه العبارة لا تعتبر شرطاً تعلق عليه الاستقالة قبولاً أو رفضاً، وإنما هي لا تعدو أن تكون استنهاضاً للهمة في سرعة إتمام الصرف.


إجراءات الطعن

في 27 من يوليه سنة 1956 أودع رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 30 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 4402 سنة 8 ق المرفوعة من السيد/ محمد منصور أحمد ضد وزارة التجارة والصناعة، القاضي "برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات" وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن، الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 26 من أغسطس سنة 1956 وللمدعي في 27 من أغسطس سنة 1956، وعين لنظره جلسة 23 من فبراير سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الملاحظات على النحو المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 4402 سنة 8 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 22 من فبراير سنة 1954، طالباً "الحكم باعتبار استقالة المدعي كأن لم تكن، وإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من ديسمبر سنة 1953 بقبول اعتزاله الخدمة بناء على طلبه، وإعادته إليها في نفس الدرجة والوظيفة التي كان يشغلها، مع احتفاظه بجميع حقوقه التي كانت له عند إخلاء طرفه من حيث أقدميته في الدرجة واستحقاقه للعلاوات الدورية وغير ذلك". وقال بياناً لذلك إنه كان يشغل وظيفة مدير إدارة الغرف الصناعية والتشريع بمصلحة الصناعة في الدرجة الرابعة الفنية، وفي 26 من ديسمبر سنة 1953 قدم استقالته للإفادة من قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 16 من ديسمبر سنة 1953 بتيسير خروج الموظفين من الخدمة، وسبب استقالته برغبته في الاشتغال بالمحاماة. ولما كانت طبيعة العمل بالمحاماة تستدعي في بدايته تكاليف كثيرة لإعداد المكتب، ولما كان المدعي من الموظفين غير المثبتين، فقد أراد أن يستغل مبلغ المكافأة أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر لإعداد مكتبه بمجرد اعتزاله الخدمة. ونظراً إلى أن المدعي يعلم بطء الإجراءات الحكومية في صرف المكافآت، ولما كان تأخير الصرف سيترتب عليه تأخير اشتغاله بالمحاماة؛ فقد علق المدعي قبول استقالته على تحقيق شرط صرف المكافأة المستحقة له بمجرد تركه الخدمة. وقد صدر بعد ذلك قرار مجلس الوزراء في 30 من ديسمبر سنة 1953 بقبول الاستقالة، إلا أنه لم تصرف إليه المكافأة بمجرد ترك الخدمة وهو ما كان يخشاه وعلق قبول استقالته على تحقيقه، فأنذر وزير التجارة والصناعة في 18 من يناير سنة 1954 بأنه إذا لم تحقق الوزارة الشرط وتصرف المكافأة المستحقة له خلال مدة أقصاها 15 من فبراير سنة 1954 فتعتبر الاستقالة كأن لم تكن. ولما كان الموعد المذكور قد انقضى دون أن تصرف إليه المكافأة فيحق له اعتبار الاستقالة كأن لم تكن، يضاف إلى ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تقضي بأن الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط تعتبر كأن لم تكن؛ ومن ثم تكون الاستقالة بتعليقها على الشرط سالف الذكر تعتبر كأن لم تكن. وقد ردت الحكومة على الدعوى بأن "شعبة الرأي المختصة شاطرت مصلحة التشريع الرأي في أن ما اشترطه المدعي من صرف مكافأته أو استحقاقه في صندوق الادخار أيهما أكبر لا يعتبر شرطاً علق عليه اعتزال الخدمة، بل يعتبر ترديداً للمزايا التي قررها مجلس الوزراء لمن يعتزلون الخدمة في المهلة التي حددها القانون". وبجلسة 30 من مايو سنة 1956 حكمت المحكمة "برفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات"، وأقامت قضاءها على أنه "في 16 من ديسمبر سنة 1953 صدر قرار من مجلس الوزراء يرخص للموظفين من الدرجة الرابعة فأعلى الذين يتقدمون باستقالاتهم اعتزال الخدمة مع صرف مرتب سنتين وحفظ حقهم في الحصول على الأموال المدخرة لحسابهم كاملة، وقد جاء من بين الشروط الواجب توافرها في الموظف المستقيل أن تكون مدة خدمته المحسوبة في صندوق الادخار خمس عشرة سنة على الأقل بصرف النظر عن السن، على أن يكون قد بلغ سن الخمسين على الأقل بصرف النظر عن مدة الخدمة"، وأنه "في 19 من يناير سنة 1955 صدر قرار مجلس الوزراء بصرف الأموال المدخرة المستحقة للموظفين الذين تركوا الخدمة تطبيقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء سالف الذكر (16 من ديسمبر سنة 1953) جاء فيه أنه بينما كانت مصلحة التأمين والادخار تقوم بصرف الأموال المدخرة كاملة إلى الموظفين الذين فصلوا من الخدمة تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء حتى ولو كانت مدة خدمتهم المحسوبة في صندوق الادخار تقل عن خمس عشرة سنة متى كانت استقالاتهم قد أقرها مجلس الوزراء، فإن طائفة الموظفين الذين تقرر قبول استقالاتهم من الوزراء المختصين لم تصرف إليهم إلا الاشتراكات المقتطعة منهم وفوائدهم دون حصة الحكومة، وذلك بالتطبيق للأحكام العامة (المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952) التي تقضي بحرمان الموظف من حصة الحكومة متى استقال دون أن يكون قد بلغ سن الخمسين أو أمضى بالخدمة خمساً وعشرين سنة. وأنه لما كان هذا الإجراء يلحق ضرراً كبيراً لهذه الفئة من الموظفين، إذ تحرمهم من غير قصد من الحصة التي أدتها الحكومة لحسابهم في الصندوق، وهذه الحصة تساعد في تدبير أمر معيشتهم بعد ترك الخدمة، فقد صدر القرار رغبة من الحكومة في التسوية التامة بين جميع الموظفين وحرصاً على صالح هذه الفئة الأخيرة، وترتيباً على ذلك فقد وافق مجلس الوزراء على إقرار جميع الاستقالات التي قبلها الوزراء ولم تكن مستوفية للشروط المنصوص عليها في قرار 16 من ديسمبر سنة 1953" وأنه "لما كان قبول استقالة المدعي قد صدر بقرار من مجلس الوزراء لما سلف بيانه، فلا محل للكلام فيما إذا كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من يناير سنة 1955 يعتبر متمماً لقراره الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 كما تقول المدعى عليها أو أنه يعتبر القرار الصادر بقبول استقالة المدعي كما يقول مفوض الدولة؛ ذلك لأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من يناير سنة 1955 ما صدر إلا للتسوية في المعاملة بين من أقر الوزير المختص قبول استقالتهم من الموظفين وبين من صدر قرار الموافقة على اعتزالهم الخدمة من مجلس الوزراء". وأن "سياسة الحكومة التي كانت تقضي بتيسير اعتزال الخدمة لبعض الموظفين تستشف كذلك من القانون رقم 632 لسنة 1953 الصادر في 20 من ديسمبر سنة 1953 بتعديل المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 الخاص بإنشاء صندوق الادخار، وذلك بإضافة فقرة أخيرة إليها بأنه يجوز لمجلس الوزراء بقواعد عامة يضعها الترخيص للموظف المستقيل قبل انقضاء المدد المنصوص عليها أن يؤدي إليه المبالغ التي سددتها الخزانة العامة لحسابه مع الفوائد". ثم استطرد الحكم فقال إن المشرع قد هدف إلى تسهيل اعتزال الخدمة لمن يرغب من موظفي الدرجة الرابعة فما فوق، وإن مجلس الوزراء "قد استعمل الرخصة المخولة له بقانون المعاشات الملكية في منح معاشات استثنائية من جهة والتنازل من جهة أخرى عن حق الحكومة في صندوق المعاشات تحرراً منه من الشروط التي كان من الواجب في الأصل توافرها فيمن يستفيد من هؤلاء الموظفين سواء في المعاش أو في المكافأة وذلك تمشياً كما تقدم نحو الهدف الذي قصده"، وأنه ما دام "أن المدعي قدم استقالته في 26 من ديسمبر سنة 1953 وانتهت علاقته الحكومية في 30 من ديسمبر سنة 1953 بصدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة عليها، فلا محل للكلام عن القرارات اللاحقة التي اتخذها مجلس الوزراء والتي لا تبدل من الأمر شيئاً... لا فرق في أن تأتي هذه الموافقة قبل أو بعد اعتزال الخدمة ما دام القانون لم يشترط ميعاداً لذلك"، وأنه "من جهة أخرى فإن تضمين الاستقالة صرف المكافأة بمجرد ترك الخدمة لا يعتبر شرطاً من الشروط المفسدة للاستقالة وفقاً لأحكام قانون موظفي الدولة؛ إذ أن ذلك لا يعدو أن يكون إفصاحاً من جانب الموظف عن رغبته في سرعة تسوية معاشه أو مكافأته... وفي خصوصية هذه الدعوى فإنه لم يثبت تأخير جهة الإدارة، بل على العكس من ذلك فإن الأمر قد استدعى بالنسبة للمدعي ولغيره تدخل مجلس الوزراء". ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القول بأن مجلس الوزراء عدل عن شرط مدة الخدمة الذي اشترطه في قرار 16 من ديسمبر سنة 1953 بقرار عام آخر أصدره في صورة قرارات فردية جديدة، يخالف المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 التي اشترطت صدور قاعدة عامة من مجلس الوزراء وأخرجت الحالات الفردية الخاصة بموظف أو موظفين معينين بذواتهم؛ ومن ثم فلا يجوز اعتبار اطراد مجلس الوزراء على هذه المخالفة بمثابة قاعدة عامة؛ لأنه يشترط لتولد القاعدة العامة بهذه الكيفية ألا تكون مخالفة لنص قانوني.
ومن ناحية أخرى فإن مجلس الوزراء لم يتعمد الخروج على القاعدة التي وضعها في قراره الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 وإنما حدث ذلك نتيجة خطأ الوزارات في التحقق من توافر الشروط. ولما كان المدعي قد تقدم بطلب استقالته للإفادة من المزايا المنصوص عنها في قرار مجلس الوزراء المشار إليه دون أن تتوافر فيه شروطه، فإن هذه الاستقالة تعتبر مقترنة بشرط، وبالتالي تعتبر كأن لم تكن بالتطبيق للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951، ويعتبر قرار قبولها مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار والمعاشات لموظفي الحكومة المدنيين ينص في مادته السادسة عشرة على أن: "يكون المال المدخر الذي يؤديه الصندوق للموظف معادلاً لجملة الاشتراكات التي اقتطعت من مرتبه والمبالغ التي أدتها الخزانة العامة لحسابه وفقاً للمواد 13 و14 و15 و25 مع فائدة مركبة سعرها 3% سنوياً إلى حين الوفاء، على أن الموظف الذي يستقيل من الحكومة قبل بلوغه سن الخمسين أو قبل أن تبلغ مدة خدمته خمساً وعشرين سنة لا تؤدي إليه إلا المبالغ التي خصمت من مرتبه فقط مع فائدة مركبة سعرها 3% سنوياً. غير أن الموظفات اللاتي يستقلن بسبب الزواج ينتفعن بحكم الفقرة الأولى". وفي 4 من نوفمبر سنة 1953 أصدر مجلس الوزراء القرار الآتي: "رغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية، قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 4 من نوفمبر سنة 1953 ضم مدة خدمة لا تتجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك". وفي 16 من ديسمبر سنة 1953 تقدمت وزارة المالية إلى مجلس الوزراء بمذكرة في شأن قواعد تيسير اعتزال الخدمة للموظفين المشتركين في صندوق الادخار وقد جاء بهذه المذكرة ما يأتي: "تقضي المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بأن الموظف المشترك في صندوق الادخار الذي يستقيل من الحكومة قبل أن تبلغ مدة خدمته خمساً وعشرين سنة أو قبل بلوغه سن الخمسين لا يؤدى إليه إلا الأموال التي خصمت من مرتبه فقط مع فائدة مركبة سعرها 3% سنوياً. ولما كانت سياسة الحكومة تقضي بتيسير اعتزال الخدمة لبعض طوائف الموظفين تخفيفاً لأعباء الميزانية ورغبة في تشجيع الموظفين على الاشتغال بالأعمال الحرة فيتسع المجال أمام من يبقى منهم في خدمة الحكومة لتقلد أعباء الوظائف الكبرى والنهوض بالأداة الحكومية. ونظراً لأن الموظفين غير المثبتين الراغبين في اعتزال الخدمة قد يضارون من استقالتهم بسبب حرمانهم من حصة الحكومة في حالة عدم استيفائهم للشروط المنصوص عليها في المادة 16 المشار إليها، لذلك فإن وزارة المالية والاقتصاد تعرض على المجلس اليوم مشروع قانون بإضافة فقرة جديدة إلى المادة 16 سالف الذكر يفوض مجلس الوزراء بمقتضاها أن يقرر حصول الموظف المستقيل من الحكومة على المبالغ التي أدتها الخزانة العامة لحسابه في صندوق الادخار مع فوائدها إذا لم يكن هذا الموظف مستوفياً للشروط التي قررتها هذه المادة. وقد قصر هذا التفويض على الحالات العامة التي تسري على طوائف معينة من الموظفين دون الحالات الفردية الخاصة بموظف أو بموظفين معينين بذاتهم. ونظراً لأن مجلس الوزراء قد أصدر قرار في 4 من نوفمبر سنة 1953 بضم مدة خدمة لا تتجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً متى أجاز مجلس الوزراء ذلك، ثم أعقب ذلك بقرار في 9 من ديسمبر سنة 1953 في شأن تيسير اعتزال الخدمة للمثبتين من موظفي الدرجة الثالثة فأقل الذين يتقدمون باستقالاتهم في نفس المهلة. ونظراً لأن القرار سالف الذكر يسري على الموظفين الذين لهم حق طلب اعتزال الخدمة مع حفظ حقهم في المعاش بالتطبيق لأحكام قانون المعاشات. لذلك - ورغبة في أن يستفيد الموظفون المشتركون في صندوق الادخار بمزايا مناسبة عند تركهم الخدمة في المهلة سالفة الذكر - تقترح وزارة المالية والاقتصاد أن يرخص مجلس الوزراء لهؤلاء الموظفين في اعتزال الخدمة مع صرف مرتب سنتين وحفظ حقهم في الحصول على الأموال المدخرة لحسابهم كاملة (المبالغ التي أداها الموظف وحصة الحكومة مع فوائدها)، وذلك وفقاً للقواعد الآتية: (أولاً) - أن يتم اعتزال الخدمة بالطرق الإدارية المعتادة وبعد موافقة الوزير المختص. )ثانياً) - أن يقصر منح هذه المزايا على الموظفين الذين يتقدمون باستقالاتهم حتى أول يناير سنة 1954. (ثالثاً) - أن تكون مدة خدمة الموظف المستقيل المحسوبة في صندوق الادخار خمس عشرة سنة على الأقل بصرف النظر عن السن أو أن يكون قد بلغ سن الخمسين على الأقل بصرف النظر عن مدة الخدمة. (رابعاً) - يؤدي صندوق الادخار إلى الموظف المستقيل الأموال المدخرة كاملة محسوبة حتى تاريخ الاستقالة. (خامساً) - تصرف الوزارة أو المصلحة المختصة للموظف المستقيل مرتبه خلال سنتين من أول يناير سنة 1954 على أن يكون أداء هذا المرتب على أربعة وعشرين قسطاً شهرياً. وإذا كانت المدة الباقية على بلوغ الموظف سن التعاقد تقل عن سنتين فيقصر صرف مرتبه على هذه المدة ويبدأ حسابها من تاريخ قبول الاستقالة، وفي جميع الحالات تضاف إلى المرتب إعانة الغلاء دون ما قد يستحق من علاوات خلال المدة المضافة. (سادساً) - تسري على الدرجات التي تتخلف بالتطبيق لهذه القواعد نفس الأحكام التي يضعها مجلس الوزراء بالنسبة للدرجات التي تتخلف عن المثبتين". وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 16 من ديسمبر سنة 1953 على ما جاء بهذه المذكرة. وفي 20 من ديسمبر سنة 1953 صدر ونشر القانون رقم 632 لسنة 1953 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بأن أضيفت فقرة أخيرة إلى المادة 16 من المرسوم بقانون المشار إليه نصها كالآتي. "على أنه يجوز لمجلس الوزراء بقواعد عامة يضعها الترخيص للموظف المستقيل قبل انقضاء المدة المنصوص عليها في الفقرة السابقة أن يؤدي له أيضاً المبالغ التي أدتها الخزانة العامة لحسابه مع الفائدة بسعرها المتقدم الذكر". وقد جاء المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر أنه "لما كان بعض الموظفين الذين يطلبون اعتزال الخدمة غير مثبتين وبالتالي ليس لهم الحق في المعاش وإنما يعاملون بنظام صندوق الادخار المنشأ بالمرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 17 لسنة 1953 وبالقانون رقم 331 لسنة 1953. ولما كانت المصلحة قد تدعو إلى وضع قواعد تيسر لهؤلاء الموظفين اعتزال الخدمة. ولما كانت المادة 16 من المرسوم بقانون المشار إليه تشترط لحصول الموظف المستقيل من الحكومة على المبالغ التي أدتها الخزانة لحسابه في صندوق الادخار مع فوائدها أن يكون قد بلغ عند الاستقالة سن الخمسين أو أمضى بالخدمة خمساً وعشرين سنة، ويسري هذا الحكم على موظفي وزارة الأوقاف بمقتضى المادة السابعة من القانون رقم 269 لسنة 1953؛ لذلك اقتضى هذا الاتجاه إعداد مشروع القانون المرافق.... وقد قصر المشروع هذا التفويض على الحالات العامة التي تسري على طوائف معينة من الموظفين فأخرج بذلك الحالات الفردية الخاصة بموظف أو بموظفين معينين بذاتهم....". وفي 19 من يناير سنة 1955 وافق مجلس الوزراء على مذكرة وزارة المالية التالية: "في 16 من ديسمبر سنة 1953 قرر مجلس الوزراء الموافقة على مذكرة وزارة المالية والاقتصاد بشأن قواعد اعتزال الخدمة للموظفين المشتركين في صندوق الادخار مع صرف مرتب سنتين وحفظ حقهم في الحصول على الأموال المدخرة لحسابهم كاملة، وقد كان من بين هذه القواعد ما يأتي: ( أ ) أن يتم اعتزال الخدمة بالطرق الإدارية المعتادة وبعد موافقة الوزير المختص. (ب) أن يقصر منح هذه المزايا على الموظفين الذين يتقدمون باستقالاتهم حتى 3 من يناير سنة 1954. (ج) أن تكون مدة خدمة الموظف المستقيل المحسوبة في صندوق الادخار خمس عشرة سنة على الأقل بصرف النظر عن السن أو أن يكون قد بلغ الخمسين على الأقل بصرف النظر عن مدة الخدمة. ونظراً لأن إدارات المستخدمين في الوزارات والمصالح المختلفة قد خلطت بين المدد المحسوبة في صندوق الادخار ومدد الخدمة بشكل عام نظراً لإدخال مدد خدمة لم تكن - طبقاً للقواعد المعمول بها - لتعتبر ضمن مدد الخدمة المحسوبة في صندوق الادخار، لذلك فقد تقرر في بعض الوزارات فصل عدد من الموظفين الذين قدموا استقالاتهم تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء سالف الذكر ممن لا يتوافر فيهم الشرط الخاص بمدة الخدمة المحسوبة في صندوق الادخار. وقد تبين من فحص ملفات الخدمة الخاصة بهؤلاء الموظفين أن مجلس الوزراء أقر قبول استقالات بعضهم بينما قبل الوزراء المختصون البعض الآخرين بالرغم من عدم استيفائها لشرط مدة الخدمة ودون إقرار مجلس الوزراء لهذه الاستقالات. وباستطلاع رأي مجلس الدولة في مدى أحقية الموظفين المستقيلين المشار إليهم في الفقرة السابقة في الحصول على الأموال المدخرة كاملة أفتى المجلس بكتابة رقم 91 - 3/ 93 (2371) المؤرخ 30 من مايو سنة 1954 بأن قرارات مجلس الوزراء بقبول استقالات الموظفين حتى ولو لم تكن مستوفاة للقواعد المبينة في قرار 16 من ديسمبر سنة 1953 واجبة النفاذ إذ تعتبر هذه القرارات الفردية الجديدة قاعدة عامة سار عليها مجلس الوزراء في تقرير قبول استقالات بعض الموظفين دون أن تكون لهم مدة خدمة محسوبة في صندوق الادخار تجاوز الخمس عشرة سنة. ولذلك قامت مصلحة التأمين والادخار بصرف الأموال المدخرة كاملة إلى الموظفين الذين فصلوا من الخدمة تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء حتى ولو كانت مدة خدمتهم المحسوبة في صندوق الادخار تقل عن خمسة عشر عاماً متى كانت استقالاتهم قد أقرها مجلس الوزراء. أما الموظفون الذين تقرر قبول استقالاتهم من الوزراء المختصين فلم تصرف إليهم إلا الاشتراكات المقتطعة منهم وفوائدها دون حصة الحكومة، وذلك تطبيقاً للأحكام العامة (المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952) التي تقضي بحرمان الموظف من حصة الحكومة متى استقال دون أن يكون قد بلغ سن الخمسين أو أمضى بالخدمة خمساً وعشرين سنة. ولما كان هذا الإجراء يلحق ضرراً كبيراً بهذه الفئة من الموظفين إذ تحرمهم من غير قصد من الحصة التي أدتها الحكومة لحسابهم في الصندوق، وهذه الحصة تساعد في تدبير أمر معيشتهم بعد ترك الخدمة لذلك فإن وزارة المالية والاقتصاد رغبة منها في التسوية التامة بين جميع الموظفين وحرصاً على صالح هذه الفئة الأخيرة، تعرض الأمر على مجلس الوزراء للتفضل بالموافقة على إقرار جميع الاستقالات التي قبلها الوزراء ولم تكن مستوفية للشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 في شأن تيسير اعتزال الموظفين للخدمة، وصرف حصة الحكومة وفوائدها في صندوق الادخار إلى الموظفين".
ومن حيث إنه في 26 من ديسمبر سنة 1953 قدم المدعي إلى السيد وزير التجارة والصناعة كتاباً استهله باستعراض حالته الوظيفية ثم قال "وخشية من ضياع حياتي في عمل مضن بلا ضمان لمستقبلي، لذلك أوثر الأعمال الحرة والعودة إلى عالم المحاماة... ولما كان هذا العهد الجديد المبارك قد شجع مشكوراً الموظفين للأعمال الحرة بأن منحهم الامتيازات المنصوص عليها في قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 4 من نوفمبر سنة 1953 و9 و16 من ديسمبر سنة 1953 وذلك في حالة اعتزالهم الخدمة؛ لذلك ألتمس من سيادتكم التفضل بالموافقة على قبول استقالتي من وظيفتي تطبيقاً لقرارات مجلس الوزراء سالفة الذكر بشرط صرف مكافأتي عن مدة خدمتي أو المبلغ المستحق في صندوق الادخار أيهما أكبر وذلك بمجرد تركي الوظيفة، مع صرف مرتبي مع إعانة الغلاء خلال مدة العامين التاليين من تاريخ إخلاء طرفي من العمل الحكومي". وقد أشّرت إدارة المستخدمين على هذا الكتاب بعد حساب تاريخ ميلاده وتاريخ دخوله الخدمة بأن "سيادته ينطبق عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953". وقد وافق مجلس الوزراء في 30 من ديسمبر سنة 1953 على قبول هذه الاستقالة. وفي 18 من يناير سنة 1954 أنذر المدعي الوزارة بأنه "علق قبول استقالته على تحقيق شرطين: الأول صرف مكافأته عن مدة خدمته أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر وذلك بمجرد ترك الخدمة، والثاني صرف مرتبه مع إعانة الغلاء خلال العامين التاليين من تاريخ إخلاء طرفه....". ولما كانت "الوزارة لم تصرف إليه حتى الآن مكافأته وهو الأمر الذي كان يخشاه لذلك علق قبول استقالته على تحقيق الشرط الأول"؛ لذلك فإنه "يمنح الوزارة مدة أخرى أقصاها 15 من فبراير سنة 1954 لإمكان تسوية مكافأته وإلا فتعتبر الوزارة قد أخلت بتحقيق الشرط الأول، وبالتالي فستعتبر الاستقالة كأن لم تكن..." وفي 22 من فبراير سنة 1954 أقام الدعوى رقم 4402 سنة 8 ق أمام محكمة القضاء الإداري. وقد تبين أن تأخير المبلغ المستحق للمدعي في صندوق الادخار يرجع إلى أن مدة خدمته المحسوبة في صندوق الادخار تقل عن خمسة عشر عاماً فلم يكن ليفيد - والحالة هذه - من قرار 16 من ديسمبر سنة 1953؛ ومن ثم أحيل الموضوع إلى شعبة الرأي المختصة لإبداء رأيها، فردت في 30 من مايو سنة 1954 "بأنه ولو أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 قد وضع قاعدة عامة تسري على طوائف معينة من الموظفين منها أن يكون الموظف قد قضى خمس عشرة سنة محسوبة في صندوق الادخار، إلا أنه قد عدل عن هذا الشرط وذلك بقرار عام آخر أصدره في صورة قرارات فردية جديدة استقرت واعتبرت قاعدة سار عليها مجلس الوزراء في تقرير قبول استقالات بعض الموظفين دون أن تكون لهم مدد خدمة محسوبة في صندوق الادخار تجاوز الخمس عشرة سنة. وعلى هذا فالمبالغ التي سيؤديها صندوق الادخار في هذه الحالة هي المبالغ التي أدتها الخزانة لحسابه عن المدة التي أمضيت على إحدى الوظائف الدائمة أو المؤقتة ضمن الباب الأول من الميزانية العامة للدولة أو الميزانيات الأخرى التي حددتها المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 سواء أكانت خمس عشرة سنة أم أقل".
ومن حيث إنه ظاهر من البيان السابق تفصيله أنه ولئن كان المدعي والإدارة كذلك، حين تقديم الاستقالة وحين قبولها، قد وقع كلاهما تحت تأثير الغلط في فهم القانون؛ باعتقاد أن المدعي كان ممن يفيدون من قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 الذي كان يشترط للإفادة من أحكامه أن يكون للموظف المستقيل مدة خدمة محسوبة في المعاش تبلغ خمس عشرة سنة، إلا أنه وقد قامت الإدارة بعد ذلك بما يحقق ما طلبه المدعي وأمثاله في استقالاتهم من حيث صرف المبالغ المستحقة لهم في صندوق الادخار كاملة بما في ذلك حصة الحكومة، فليس ثمة ما يوجب إلغاء القرار الصادر بقبول الاستقالة بحجة أن تقديم طلبها والقرار بقبولها كلاهما قد وقع تحت تأثير الغلط في فهم القانون، ومرد ذلك إلى أصل طبعي يتعلق بزوال عيب فساد الرضا بسبب الغلط رددته المادة 124 من القانون المدني حيث نصت على أنه "ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية، ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد". وهنا يجب التنبيه إلى أنه ولئن كان تقديم الاستقالة وقبولها ليس عملية تعاقدية تنتهي بها خدمة الموظف، بل هي عملية إدارية، يثيرها الموظف بطلب الاستقالة وتنتهي الخدمة بالقرار الإداري الصادر بقبول هذا الطلب الذي هو سبب هذا القرار، إلا أنه لما أن طلب الاستقالة هو مظهر من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة، والقرار بقبول هذا الطلب هو بدوره مظهر من مظاهر إرادة الرئيس الإداري في قبول هذا الطلب وإحداث الأثر القانوني المترتب على استقالة، كان لزاماً أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح يفسده ما يفسد الرضا من عيوب، كما يزيل هذه العيوب أو يسقط الحق في التمسك بها ما يقضي به القانون في هذا الخصوص. ما يجب التنبيه كذلك إلى أنه ولئن كان القضاء الإداري غير ملزم بتطبيق تلك المادة إلا أنه يجب إنزال الحكم على مقتضاها، لأن هذا المقتضى يرتد إلى أصل طبعي هو وجوب تنفيذ العقود والالتزامات بحسن نية؛ ذلك أن تمسك المدعي بالغلط الذي وقع فيه ووقعت فيه الإدارة يتعارض مع ما يقضي به حسن النية، بل إنه ليعد ضرباً من ضروب التعسف في استعمال الحق بعد إذ تبين أن الإدارة عملت من جانبها على استصدار قرار عام في 19 من يناير سنة 1955 - وذلك عدا القرارات الفردية الأخرى - من مقتضاه منح المدعي وأمثاله - من الموظفين الذي اعتزلوا الخدمة للإفادة من مزايا قرار 16 من ديسمبر سنة 1953 دون أن تتوافر فيهم شروطه - كافة المبالغ المستحقة لهم بصندوق الادخار بما في ذلك نصيب الحكومة، أي أنها عملت من جانبها على تحقيق ما استهدفه هؤلاء الموظفون من مزايا، فلا وجه بعد ذلك للتمسك بأن الاستقالة كانت تحت تأثير الغلط في فهم القانون بعد إذ حصل المدعي على كل ما كان يصبو إليه عند تقديم الاستقالة، وأصبح له أن يقتضيه من الجهات المختصة إن لم يسبق له صرفه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما اشترطه المدعي في استقالته من صرفه مكافأته عن مدة خدمته أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر، وذلك، "بمجرد تركه الوظيفة" فإن هذه العبارة لا تعتبر شرطاً تعلق عليه استقالة قبولاً أو رفضاً، وإنما هي لا تعد وأن تكون استنهاضاً للهمة في سرعة إتمام الصرف؛ ذلك أن الإدارة لم تمانع في أن يصرف المدعي ما يستحقه، وإنما يجب أن يراعي أن لهذا الصرف إجراءات وأوضاع يجب استيفاؤها قبل الصرف بحيث لا يمكن أن يتم بدونها؛ على أن تأخير الصرف في هذه الحالة بالذات إنما كان يرجع إلى قيام مانع قانوني لدى الجهة المختصة بالتنفيذ يمنعها من هذا التنفيذ على الوجه الذي قصده المدعي بحكم القوانين أو القواعد التنظيمية العامة القائمة وقتذاك مما اقتضى استصدار قرار جديد من مجلس الوزراء، وقد انتهت إجراءاته ومراحله بما يحقق ما كان يبتغيه المدعي وأمثاله.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه أصاب في قضائه، ويكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 57 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

وقوعها تحت تأثير الغلط في فهم القانون من جانب الإدارة ومقدم الاستقالة زوال عيب فساد الرضا لا وجه للتمسك بعد ذلك بهذا العيب .

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 738

(76)
جلسة 23 من مارس سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1702 لسنة 2 القضائية

( أ ) استقالة - وقوعها تحت تأثير الغلط في فهم القانون من جانب الإدارة ومقدم الاستقالة - زوال عيب فساد الرضا - لا وجه للتمسك بعد ذلك بهذا العيب.
(ب) استقالة - عملية تقديم الاستقالة وقبولها ليست عملية تعاقدية، بل هي عملية إدارية - انتهاء الخدمة بقرار إداري بقبول الاستقالة - وجوب أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح - انطباق الحكم المقرر في المادة 124 مدني - تطبيق القضاء الإداري لهذا النص لا باعتباره ملزماً بتطبيقه، بل بحسبانه مقرراً لأصل طبعي هو وجوب تنفيذ العقود والالتزامات بحسن نية.
(جـ) استقالة - تقديمها مع النص فيها على وجوب الإسراع في صرف مكافأة الخدمة أو المبلغ المستحق في صندوق الادخار أيهما أكبر - عدم اعتبار هذه العبارة شرطاً تعلق عليه الاستقالة قبولاً أو رفضاً.
1 - إذا كان الثابت أن الموظف والإدارة، حين تقديم الاستقالة وحين قبولها، قد وقع كلاهما تحت تأثير الغلط في فهم القانون، باعتقاد أن الموظف مقدم الاستقالة كان ممن يفيدون من قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953، الذي كان يشترط للإفادة من أحكامه أن يكون للموظف المستقيل مدة خدمة محسوبة في المعاش تبلغ خمس عشرة سنة، وإن الإدارة قد قامت بعد ذلك بما يحقق ما طلبه الموظف وأمثاله في استقالاتهم من حيث صرف المبالغ المستحقة لهم في صندوق الادخار كاملة بما في ذلك حصة الحكومة، فليس ثمة ما يوجب إلغاء القرار الصادر بقبول الاستقالة بحجة أن تقديم طلبها والقرار بقبولها كلاهما قد وقع تحت تأثير الغلط في فهم القانون، ومرد ذلك إلى أصل طبعي يتعلق بزوال عيب فساد الرضا بسبب الغلط رددته المادة 124 من القانون المدني، حيث نصت على أنه "ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية، ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد".
2 - لئن كان تقديم الاستقالة وقبولها ليس عملية تعاقدية تنتهي بها خدمة الموظف، بل هي عملية إدارية، يثيرها الموظف بطلب الاستقالة، وتنتهي الخدمة بالقرار الإداري الصادر بقبول هذا الطلب الذي هو سبب هذا القرار، إلا أنه لما كان طلب الاستقالة هو مظهر من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة، والقرار بقبول هذا الطلب هو بدوره مظهر من مظاهر إرادة الرئيس الإداري في قبول هذا الطلب وإحداث الأثر القانوني المترتب على الاستقالة، كان لزاماً أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح يفسده ما يفسد الرضا من عيوب، كما يزيل هذه العيوب أو يسقط الحق في التمسك بها ما يقضي به القانون في هذا الخصوص، كما يجب التنبيه إلى أنه بالرغم من أن القضاء الإداري غير ملزم بتطبيق المادة 124 من القانون المدني إلا أنه يجب إنزال الحكم على مقتضاه؛ لأن هذا المقتضى يرتد إلى أصل طبعي هو وجوب تنفيذ العقود والالتزامات بحسن نية، ما دام الثابت أن تمسك المدعي بالغلط الذي وقع فيه ووقعت فيه الإدارة يتعارض مع ما يقضي به حسن النية.
3 - إذا ثبت أن الموظف قدم استقالته ونص فيها على وجوب صرف مكافأته عن مدة خدمته أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر وذلك "بمجرد تركه الوظيفة"، فإن هذه العبارة لا تعتبر شرطاً تعلق عليه الاستقالة قبولاً أو رفضاً، وإنما هي لا تعدو أن تكون استنهاضاً للهمة في سرعة إتمام الصرف.


إجراءات الطعن

في 27 من يوليه سنة 1956 أودع رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 30 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 4402 سنة 8 ق المرفوعة من السيد/ محمد منصور أحمد ضد وزارة التجارة والصناعة، القاضي "برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات" وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن، الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 26 من أغسطس سنة 1956 وللمدعي في 27 من أغسطس سنة 1956، وعين لنظره جلسة 23 من فبراير سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الملاحظات على النحو المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 4402 سنة 8 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 22 من فبراير سنة 1954، طالباً "الحكم باعتبار استقالة المدعي كأن لم تكن، وإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من ديسمبر سنة 1953 بقبول اعتزاله الخدمة بناء على طلبه، وإعادته إليها في نفس الدرجة والوظيفة التي كان يشغلها، مع احتفاظه بجميع حقوقه التي كانت له عند إخلاء طرفه من حيث أقدميته في الدرجة واستحقاقه للعلاوات الدورية وغير ذلك". وقال بياناً لذلك إنه كان يشغل وظيفة مدير إدارة الغرف الصناعية والتشريع بمصلحة الصناعة في الدرجة الرابعة الفنية، وفي 26 من ديسمبر سنة 1953 قدم استقالته للإفادة من قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 16 من ديسمبر سنة 1953 بتيسير خروج الموظفين من الخدمة، وسبب استقالته برغبته في الاشتغال بالمحاماة. ولما كانت طبيعة العمل بالمحاماة تستدعي في بدايته تكاليف كثيرة لإعداد المكتب، ولما كان المدعي من الموظفين غير المثبتين، فقد أراد أن يستغل مبلغ المكافأة أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر لإعداد مكتبه بمجرد اعتزاله الخدمة. ونظراً إلى أن المدعي يعلم بطء الإجراءات الحكومية في صرف المكافآت، ولما كان تأخير الصرف سيترتب عليه تأخير اشتغاله بالمحاماة؛ فقد علق المدعي قبول استقالته على تحقيق شرط صرف المكافأة المستحقة له بمجرد تركه الخدمة. وقد صدر بعد ذلك قرار مجلس الوزراء في 30 من ديسمبر سنة 1953 بقبول الاستقالة، إلا أنه لم تصرف إليه المكافأة بمجرد ترك الخدمة وهو ما كان يخشاه وعلق قبول استقالته على تحقيقه، فأنذر وزير التجارة والصناعة في 18 من يناير سنة 1954 بأنه إذا لم تحقق الوزارة الشرط وتصرف المكافأة المستحقة له خلال مدة أقصاها 15 من فبراير سنة 1954 فتعتبر الاستقالة كأن لم تكن. ولما كان الموعد المذكور قد انقضى دون أن تصرف إليه المكافأة فيحق له اعتبار الاستقالة كأن لم تكن، يضاف إلى ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تقضي بأن الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط تعتبر كأن لم تكن؛ ومن ثم تكون الاستقالة بتعليقها على الشرط سالف الذكر تعتبر كأن لم تكن. وقد ردت الحكومة على الدعوى بأن "شعبة الرأي المختصة شاطرت مصلحة التشريع الرأي في أن ما اشترطه المدعي من صرف مكافأته أو استحقاقه في صندوق الادخار أيهما أكبر لا يعتبر شرطاً علق عليه اعتزال الخدمة، بل يعتبر ترديداً للمزايا التي قررها مجلس الوزراء لمن يعتزلون الخدمة في المهلة التي حددها القانون". وبجلسة 30 من مايو سنة 1956 حكمت المحكمة "برفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات"، وأقامت قضاءها على أنه "في 16 من ديسمبر سنة 1953 صدر قرار من مجلس الوزراء يرخص للموظفين من الدرجة الرابعة فأعلى الذين يتقدمون باستقالاتهم اعتزال الخدمة مع صرف مرتب سنتين وحفظ حقهم في الحصول على الأموال المدخرة لحسابهم كاملة، وقد جاء من بين الشروط الواجب توافرها في الموظف المستقيل أن تكون مدة خدمته المحسوبة في صندوق الادخار خمس عشرة سنة على الأقل بصرف النظر عن السن، على أن يكون قد بلغ سن الخمسين على الأقل بصرف النظر عن مدة الخدمة"، وأنه "في 19 من يناير سنة 1955 صدر قرار مجلس الوزراء بصرف الأموال المدخرة المستحقة للموظفين الذين تركوا الخدمة تطبيقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء سالف الذكر (16 من ديسمبر سنة 1953) جاء فيه أنه بينما كانت مصلحة التأمين والادخار تقوم بصرف الأموال المدخرة كاملة إلى الموظفين الذين فصلوا من الخدمة تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء حتى ولو كانت مدة خدمتهم المحسوبة في صندوق الادخار تقل عن خمس عشرة سنة متى كانت استقالاتهم قد أقرها مجلس الوزراء، فإن طائفة الموظفين الذين تقرر قبول استقالاتهم من الوزراء المختصين لم تصرف إليهم إلا الاشتراكات المقتطعة منهم وفوائدهم دون حصة الحكومة، وذلك بالتطبيق للأحكام العامة (المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952) التي تقضي بحرمان الموظف من حصة الحكومة متى استقال دون أن يكون قد بلغ سن الخمسين أو أمضى بالخدمة خمساً وعشرين سنة. وأنه لما كان هذا الإجراء يلحق ضرراً كبيراً لهذه الفئة من الموظفين، إذ تحرمهم من غير قصد من الحصة التي أدتها الحكومة لحسابهم في الصندوق، وهذه الحصة تساعد في تدبير أمر معيشتهم بعد ترك الخدمة، فقد صدر القرار رغبة من الحكومة في التسوية التامة بين جميع الموظفين وحرصاً على صالح هذه الفئة الأخيرة، وترتيباً على ذلك فقد وافق مجلس الوزراء على إقرار جميع الاستقالات التي قبلها الوزراء ولم تكن مستوفية للشروط المنصوص عليها في قرار 16 من ديسمبر سنة 1953" وأنه "لما كان قبول استقالة المدعي قد صدر بقرار من مجلس الوزراء لما سلف بيانه، فلا محل للكلام فيما إذا كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من يناير سنة 1955 يعتبر متمماً لقراره الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 كما تقول المدعى عليها أو أنه يعتبر القرار الصادر بقبول استقالة المدعي كما يقول مفوض الدولة؛ ذلك لأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من يناير سنة 1955 ما صدر إلا للتسوية في المعاملة بين من أقر الوزير المختص قبول استقالتهم من الموظفين وبين من صدر قرار الموافقة على اعتزالهم الخدمة من مجلس الوزراء". وأن "سياسة الحكومة التي كانت تقضي بتيسير اعتزال الخدمة لبعض الموظفين تستشف كذلك من القانون رقم 632 لسنة 1953 الصادر في 20 من ديسمبر سنة 1953 بتعديل المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 الخاص بإنشاء صندوق الادخار، وذلك بإضافة فقرة أخيرة إليها بأنه يجوز لمجلس الوزراء بقواعد عامة يضعها الترخيص للموظف المستقيل قبل انقضاء المدد المنصوص عليها أن يؤدي إليه المبالغ التي سددتها الخزانة العامة لحسابه مع الفوائد". ثم استطرد الحكم فقال إن المشرع قد هدف إلى تسهيل اعتزال الخدمة لمن يرغب من موظفي الدرجة الرابعة فما فوق، وإن مجلس الوزراء "قد استعمل الرخصة المخولة له بقانون المعاشات الملكية في منح معاشات استثنائية من جهة والتنازل من جهة أخرى عن حق الحكومة في صندوق المعاشات تحرراً منه من الشروط التي كان من الواجب في الأصل توافرها فيمن يستفيد من هؤلاء الموظفين سواء في المعاش أو في المكافأة وذلك تمشياً كما تقدم نحو الهدف الذي قصده"، وأنه ما دام "أن المدعي قدم استقالته في 26 من ديسمبر سنة 1953 وانتهت علاقته الحكومية في 30 من ديسمبر سنة 1953 بصدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة عليها، فلا محل للكلام عن القرارات اللاحقة التي اتخذها مجلس الوزراء والتي لا تبدل من الأمر شيئاً... لا فرق في أن تأتي هذه الموافقة قبل أو بعد اعتزال الخدمة ما دام القانون لم يشترط ميعاداً لذلك"، وأنه "من جهة أخرى فإن تضمين الاستقالة صرف المكافأة بمجرد ترك الخدمة لا يعتبر شرطاً من الشروط المفسدة للاستقالة وفقاً لأحكام قانون موظفي الدولة؛ إذ أن ذلك لا يعدو أن يكون إفصاحاً من جانب الموظف عن رغبته في سرعة تسوية معاشه أو مكافأته... وفي خصوصية هذه الدعوى فإنه لم يثبت تأخير جهة الإدارة، بل على العكس من ذلك فإن الأمر قد استدعى بالنسبة للمدعي ولغيره تدخل مجلس الوزراء". ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القول بأن مجلس الوزراء عدل عن شرط مدة الخدمة الذي اشترطه في قرار 16 من ديسمبر سنة 1953 بقرار عام آخر أصدره في صورة قرارات فردية جديدة، يخالف المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 التي اشترطت صدور قاعدة عامة من مجلس الوزراء وأخرجت الحالات الفردية الخاصة بموظف أو موظفين معينين بذواتهم؛ ومن ثم فلا يجوز اعتبار اطراد مجلس الوزراء على هذه المخالفة بمثابة قاعدة عامة؛ لأنه يشترط لتولد القاعدة العامة بهذه الكيفية ألا تكون مخالفة لنص قانوني.
ومن ناحية أخرى فإن مجلس الوزراء لم يتعمد الخروج على القاعدة التي وضعها في قراره الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 وإنما حدث ذلك نتيجة خطأ الوزارات في التحقق من توافر الشروط. ولما كان المدعي قد تقدم بطلب استقالته للإفادة من المزايا المنصوص عنها في قرار مجلس الوزراء المشار إليه دون أن تتوافر فيه شروطه، فإن هذه الاستقالة تعتبر مقترنة بشرط، وبالتالي تعتبر كأن لم تكن بالتطبيق للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951، ويعتبر قرار قبولها مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار والمعاشات لموظفي الحكومة المدنيين ينص في مادته السادسة عشرة على أن: "يكون المال المدخر الذي يؤديه الصندوق للموظف معادلاً لجملة الاشتراكات التي اقتطعت من مرتبه والمبالغ التي أدتها الخزانة العامة لحسابه وفقاً للمواد 13 و14 و15 و25 مع فائدة مركبة سعرها 3% سنوياً إلى حين الوفاء، على أن الموظف الذي يستقيل من الحكومة قبل بلوغه سن الخمسين أو قبل أن تبلغ مدة خدمته خمساً وعشرين سنة لا تؤدي إليه إلا المبالغ التي خصمت من مرتبه فقط مع فائدة مركبة سعرها 3% سنوياً. غير أن الموظفات اللاتي يستقلن بسبب الزواج ينتفعن بحكم الفقرة الأولى". وفي 4 من نوفمبر سنة 1953 أصدر مجلس الوزراء القرار الآتي: "رغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية، قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 4 من نوفمبر سنة 1953 ضم مدة خدمة لا تتجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك". وفي 16 من ديسمبر سنة 1953 تقدمت وزارة المالية إلى مجلس الوزراء بمذكرة في شأن قواعد تيسير اعتزال الخدمة للموظفين المشتركين في صندوق الادخار وقد جاء بهذه المذكرة ما يأتي: "تقضي المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بأن الموظف المشترك في صندوق الادخار الذي يستقيل من الحكومة قبل أن تبلغ مدة خدمته خمساً وعشرين سنة أو قبل بلوغه سن الخمسين لا يؤدى إليه إلا الأموال التي خصمت من مرتبه فقط مع فائدة مركبة سعرها 3% سنوياً. ولما كانت سياسة الحكومة تقضي بتيسير اعتزال الخدمة لبعض طوائف الموظفين تخفيفاً لأعباء الميزانية ورغبة في تشجيع الموظفين على الاشتغال بالأعمال الحرة فيتسع المجال أمام من يبقى منهم في خدمة الحكومة لتقلد أعباء الوظائف الكبرى والنهوض بالأداة الحكومية. ونظراً لأن الموظفين غير المثبتين الراغبين في اعتزال الخدمة قد يضارون من استقالتهم بسبب حرمانهم من حصة الحكومة في حالة عدم استيفائهم للشروط المنصوص عليها في المادة 16 المشار إليها، لذلك فإن وزارة المالية والاقتصاد تعرض على المجلس اليوم مشروع قانون بإضافة فقرة جديدة إلى المادة 16 سالف الذكر يفوض مجلس الوزراء بمقتضاها أن يقرر حصول الموظف المستقيل من الحكومة على المبالغ التي أدتها الخزانة العامة لحسابه في صندوق الادخار مع فوائدها إذا لم يكن هذا الموظف مستوفياً للشروط التي قررتها هذه المادة. وقد قصر هذا التفويض على الحالات العامة التي تسري على طوائف معينة من الموظفين دون الحالات الفردية الخاصة بموظف أو بموظفين معينين بذاتهم. ونظراً لأن مجلس الوزراء قد أصدر قرار في 4 من نوفمبر سنة 1953 بضم مدة خدمة لا تتجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً متى أجاز مجلس الوزراء ذلك، ثم أعقب ذلك بقرار في 9 من ديسمبر سنة 1953 في شأن تيسير اعتزال الخدمة للمثبتين من موظفي الدرجة الثالثة فأقل الذين يتقدمون باستقالاتهم في نفس المهلة. ونظراً لأن القرار سالف الذكر يسري على الموظفين الذين لهم حق طلب اعتزال الخدمة مع حفظ حقهم في المعاش بالتطبيق لأحكام قانون المعاشات. لذلك - ورغبة في أن يستفيد الموظفون المشتركون في صندوق الادخار بمزايا مناسبة عند تركهم الخدمة في المهلة سالفة الذكر - تقترح وزارة المالية والاقتصاد أن يرخص مجلس الوزراء لهؤلاء الموظفين في اعتزال الخدمة مع صرف مرتب سنتين وحفظ حقهم في الحصول على الأموال المدخرة لحسابهم كاملة (المبالغ التي أداها الموظف وحصة الحكومة مع فوائدها)، وذلك وفقاً للقواعد الآتية: (أولاً) - أن يتم اعتزال الخدمة بالطرق الإدارية المعتادة وبعد موافقة الوزير المختص. )ثانياً) - أن يقصر منح هذه المزايا على الموظفين الذين يتقدمون باستقالاتهم حتى أول يناير سنة 1954. (ثالثاً) - أن تكون مدة خدمة الموظف المستقيل المحسوبة في صندوق الادخار خمس عشرة سنة على الأقل بصرف النظر عن السن أو أن يكون قد بلغ سن الخمسين على الأقل بصرف النظر عن مدة الخدمة. (رابعاً) - يؤدي صندوق الادخار إلى الموظف المستقيل الأموال المدخرة كاملة محسوبة حتى تاريخ الاستقالة. (خامساً) - تصرف الوزارة أو المصلحة المختصة للموظف المستقيل مرتبه خلال سنتين من أول يناير سنة 1954 على أن يكون أداء هذا المرتب على أربعة وعشرين قسطاً شهرياً. وإذا كانت المدة الباقية على بلوغ الموظف سن التعاقد تقل عن سنتين فيقصر صرف مرتبه على هذه المدة ويبدأ حسابها من تاريخ قبول الاستقالة، وفي جميع الحالات تضاف إلى المرتب إعانة الغلاء دون ما قد يستحق من علاوات خلال المدة المضافة. (سادساً) - تسري على الدرجات التي تتخلف بالتطبيق لهذه القواعد نفس الأحكام التي يضعها مجلس الوزراء بالنسبة للدرجات التي تتخلف عن المثبتين". وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 16 من ديسمبر سنة 1953 على ما جاء بهذه المذكرة. وفي 20 من ديسمبر سنة 1953 صدر ونشر القانون رقم 632 لسنة 1953 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بأن أضيفت فقرة أخيرة إلى المادة 16 من المرسوم بقانون المشار إليه نصها كالآتي. "على أنه يجوز لمجلس الوزراء بقواعد عامة يضعها الترخيص للموظف المستقيل قبل انقضاء المدة المنصوص عليها في الفقرة السابقة أن يؤدي له أيضاً المبالغ التي أدتها الخزانة العامة لحسابه مع الفائدة بسعرها المتقدم الذكر". وقد جاء المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر أنه "لما كان بعض الموظفين الذين يطلبون اعتزال الخدمة غير مثبتين وبالتالي ليس لهم الحق في المعاش وإنما يعاملون بنظام صندوق الادخار المنشأ بالمرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 17 لسنة 1953 وبالقانون رقم 331 لسنة 1953. ولما كانت المصلحة قد تدعو إلى وضع قواعد تيسر لهؤلاء الموظفين اعتزال الخدمة. ولما كانت المادة 16 من المرسوم بقانون المشار إليه تشترط لحصول الموظف المستقيل من الحكومة على المبالغ التي أدتها الخزانة لحسابه في صندوق الادخار مع فوائدها أن يكون قد بلغ عند الاستقالة سن الخمسين أو أمضى بالخدمة خمساً وعشرين سنة، ويسري هذا الحكم على موظفي وزارة الأوقاف بمقتضى المادة السابعة من القانون رقم 269 لسنة 1953؛ لذلك اقتضى هذا الاتجاه إعداد مشروع القانون المرافق.... وقد قصر المشروع هذا التفويض على الحالات العامة التي تسري على طوائف معينة من الموظفين فأخرج بذلك الحالات الفردية الخاصة بموظف أو بموظفين معينين بذاتهم....". وفي 19 من يناير سنة 1955 وافق مجلس الوزراء على مذكرة وزارة المالية التالية: "في 16 من ديسمبر سنة 1953 قرر مجلس الوزراء الموافقة على مذكرة وزارة المالية والاقتصاد بشأن قواعد اعتزال الخدمة للموظفين المشتركين في صندوق الادخار مع صرف مرتب سنتين وحفظ حقهم في الحصول على الأموال المدخرة لحسابهم كاملة، وقد كان من بين هذه القواعد ما يأتي: ( أ ) أن يتم اعتزال الخدمة بالطرق الإدارية المعتادة وبعد موافقة الوزير المختص. (ب) أن يقصر منح هذه المزايا على الموظفين الذين يتقدمون باستقالاتهم حتى 3 من يناير سنة 1954. (ج) أن تكون مدة خدمة الموظف المستقيل المحسوبة في صندوق الادخار خمس عشرة سنة على الأقل بصرف النظر عن السن أو أن يكون قد بلغ الخمسين على الأقل بصرف النظر عن مدة الخدمة. ونظراً لأن إدارات المستخدمين في الوزارات والمصالح المختلفة قد خلطت بين المدد المحسوبة في صندوق الادخار ومدد الخدمة بشكل عام نظراً لإدخال مدد خدمة لم تكن - طبقاً للقواعد المعمول بها - لتعتبر ضمن مدد الخدمة المحسوبة في صندوق الادخار، لذلك فقد تقرر في بعض الوزارات فصل عدد من الموظفين الذين قدموا استقالاتهم تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء سالف الذكر ممن لا يتوافر فيهم الشرط الخاص بمدة الخدمة المحسوبة في صندوق الادخار. وقد تبين من فحص ملفات الخدمة الخاصة بهؤلاء الموظفين أن مجلس الوزراء أقر قبول استقالات بعضهم بينما قبل الوزراء المختصون البعض الآخرين بالرغم من عدم استيفائها لشرط مدة الخدمة ودون إقرار مجلس الوزراء لهذه الاستقالات. وباستطلاع رأي مجلس الدولة في مدى أحقية الموظفين المستقيلين المشار إليهم في الفقرة السابقة في الحصول على الأموال المدخرة كاملة أفتى المجلس بكتابة رقم 91 - 3/ 93 (2371) المؤرخ 30 من مايو سنة 1954 بأن قرارات مجلس الوزراء بقبول استقالات الموظفين حتى ولو لم تكن مستوفاة للقواعد المبينة في قرار 16 من ديسمبر سنة 1953 واجبة النفاذ إذ تعتبر هذه القرارات الفردية الجديدة قاعدة عامة سار عليها مجلس الوزراء في تقرير قبول استقالات بعض الموظفين دون أن تكون لهم مدة خدمة محسوبة في صندوق الادخار تجاوز الخمس عشرة سنة. ولذلك قامت مصلحة التأمين والادخار بصرف الأموال المدخرة كاملة إلى الموظفين الذين فصلوا من الخدمة تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء حتى ولو كانت مدة خدمتهم المحسوبة في صندوق الادخار تقل عن خمسة عشر عاماً متى كانت استقالاتهم قد أقرها مجلس الوزراء. أما الموظفون الذين تقرر قبول استقالاتهم من الوزراء المختصين فلم تصرف إليهم إلا الاشتراكات المقتطعة منهم وفوائدها دون حصة الحكومة، وذلك تطبيقاً للأحكام العامة (المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952) التي تقضي بحرمان الموظف من حصة الحكومة متى استقال دون أن يكون قد بلغ سن الخمسين أو أمضى بالخدمة خمساً وعشرين سنة. ولما كان هذا الإجراء يلحق ضرراً كبيراً بهذه الفئة من الموظفين إذ تحرمهم من غير قصد من الحصة التي أدتها الحكومة لحسابهم في الصندوق، وهذه الحصة تساعد في تدبير أمر معيشتهم بعد ترك الخدمة لذلك فإن وزارة المالية والاقتصاد رغبة منها في التسوية التامة بين جميع الموظفين وحرصاً على صالح هذه الفئة الأخيرة، تعرض الأمر على مجلس الوزراء للتفضل بالموافقة على إقرار جميع الاستقالات التي قبلها الوزراء ولم تكن مستوفية للشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 في شأن تيسير اعتزال الموظفين للخدمة، وصرف حصة الحكومة وفوائدها في صندوق الادخار إلى الموظفين".
ومن حيث إنه في 26 من ديسمبر سنة 1953 قدم المدعي إلى السيد وزير التجارة والصناعة كتاباً استهله باستعراض حالته الوظيفية ثم قال "وخشية من ضياع حياتي في عمل مضن بلا ضمان لمستقبلي، لذلك أوثر الأعمال الحرة والعودة إلى عالم المحاماة... ولما كان هذا العهد الجديد المبارك قد شجع مشكوراً الموظفين للأعمال الحرة بأن منحهم الامتيازات المنصوص عليها في قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 4 من نوفمبر سنة 1953 و9 و16 من ديسمبر سنة 1953 وذلك في حالة اعتزالهم الخدمة؛ لذلك ألتمس من سيادتكم التفضل بالموافقة على قبول استقالتي من وظيفتي تطبيقاً لقرارات مجلس الوزراء سالفة الذكر بشرط صرف مكافأتي عن مدة خدمتي أو المبلغ المستحق في صندوق الادخار أيهما أكبر وذلك بمجرد تركي الوظيفة، مع صرف مرتبي مع إعانة الغلاء خلال مدة العامين التاليين من تاريخ إخلاء طرفي من العمل الحكومي". وقد أشّرت إدارة المستخدمين على هذا الكتاب بعد حساب تاريخ ميلاده وتاريخ دخوله الخدمة بأن "سيادته ينطبق عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953". وقد وافق مجلس الوزراء في 30 من ديسمبر سنة 1953 على قبول هذه الاستقالة. وفي 18 من يناير سنة 1954 أنذر المدعي الوزارة بأنه "علق قبول استقالته على تحقيق شرطين: الأول صرف مكافأته عن مدة خدمته أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر وذلك بمجرد ترك الخدمة، والثاني صرف مرتبه مع إعانة الغلاء خلال العامين التاليين من تاريخ إخلاء طرفه....". ولما كانت "الوزارة لم تصرف إليه حتى الآن مكافأته وهو الأمر الذي كان يخشاه لذلك علق قبول استقالته على تحقيق الشرط الأول"؛ لذلك فإنه "يمنح الوزارة مدة أخرى أقصاها 15 من فبراير سنة 1954 لإمكان تسوية مكافأته وإلا فتعتبر الوزارة قد أخلت بتحقيق الشرط الأول، وبالتالي فستعتبر الاستقالة كأن لم تكن..." وفي 22 من فبراير سنة 1954 أقام الدعوى رقم 4402 سنة 8 ق أمام محكمة القضاء الإداري. وقد تبين أن تأخير المبلغ المستحق للمدعي في صندوق الادخار يرجع إلى أن مدة خدمته المحسوبة في صندوق الادخار تقل عن خمسة عشر عاماً فلم يكن ليفيد - والحالة هذه - من قرار 16 من ديسمبر سنة 1953؛ ومن ثم أحيل الموضوع إلى شعبة الرأي المختصة لإبداء رأيها، فردت في 30 من مايو سنة 1954 "بأنه ولو أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 قد وضع قاعدة عامة تسري على طوائف معينة من الموظفين منها أن يكون الموظف قد قضى خمس عشرة سنة محسوبة في صندوق الادخار، إلا أنه قد عدل عن هذا الشرط وذلك بقرار عام آخر أصدره في صورة قرارات فردية جديدة استقرت واعتبرت قاعدة سار عليها مجلس الوزراء في تقرير قبول استقالات بعض الموظفين دون أن تكون لهم مدد خدمة محسوبة في صندوق الادخار تجاوز الخمس عشرة سنة. وعلى هذا فالمبالغ التي سيؤديها صندوق الادخار في هذه الحالة هي المبالغ التي أدتها الخزانة لحسابه عن المدة التي أمضيت على إحدى الوظائف الدائمة أو المؤقتة ضمن الباب الأول من الميزانية العامة للدولة أو الميزانيات الأخرى التي حددتها المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 سواء أكانت خمس عشرة سنة أم أقل".
ومن حيث إنه ظاهر من البيان السابق تفصيله أنه ولئن كان المدعي والإدارة كذلك، حين تقديم الاستقالة وحين قبولها، قد وقع كلاهما تحت تأثير الغلط في فهم القانون؛ باعتقاد أن المدعي كان ممن يفيدون من قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 الذي كان يشترط للإفادة من أحكامه أن يكون للموظف المستقيل مدة خدمة محسوبة في المعاش تبلغ خمس عشرة سنة، إلا أنه وقد قامت الإدارة بعد ذلك بما يحقق ما طلبه المدعي وأمثاله في استقالاتهم من حيث صرف المبالغ المستحقة لهم في صندوق الادخار كاملة بما في ذلك حصة الحكومة، فليس ثمة ما يوجب إلغاء القرار الصادر بقبول الاستقالة بحجة أن تقديم طلبها والقرار بقبولها كلاهما قد وقع تحت تأثير الغلط في فهم القانون، ومرد ذلك إلى أصل طبعي يتعلق بزوال عيب فساد الرضا بسبب الغلط رددته المادة 124 من القانون المدني حيث نصت على أنه "ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية، ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد". وهنا يجب التنبيه إلى أنه ولئن كان تقديم الاستقالة وقبولها ليس عملية تعاقدية تنتهي بها خدمة الموظف، بل هي عملية إدارية، يثيرها الموظف بطلب الاستقالة وتنتهي الخدمة بالقرار الإداري الصادر بقبول هذا الطلب الذي هو سبب هذا القرار، إلا أنه لما أن طلب الاستقالة هو مظهر من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة، والقرار بقبول هذا الطلب هو بدوره مظهر من مظاهر إرادة الرئيس الإداري في قبول هذا الطلب وإحداث الأثر القانوني المترتب على استقالة، كان لزاماً أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح يفسده ما يفسد الرضا من عيوب، كما يزيل هذه العيوب أو يسقط الحق في التمسك بها ما يقضي به القانون في هذا الخصوص. ما يجب التنبيه كذلك إلى أنه ولئن كان القضاء الإداري غير ملزم بتطبيق تلك المادة إلا أنه يجب إنزال الحكم على مقتضاها، لأن هذا المقتضى يرتد إلى أصل طبعي هو وجوب تنفيذ العقود والالتزامات بحسن نية؛ ذلك أن تمسك المدعي بالغلط الذي وقع فيه ووقعت فيه الإدارة يتعارض مع ما يقضي به حسن النية، بل إنه ليعد ضرباً من ضروب التعسف في استعمال الحق بعد إذ تبين أن الإدارة عملت من جانبها على استصدار قرار عام في 19 من يناير سنة 1955 - وذلك عدا القرارات الفردية الأخرى - من مقتضاه منح المدعي وأمثاله - من الموظفين الذي اعتزلوا الخدمة للإفادة من مزايا قرار 16 من ديسمبر سنة 1953 دون أن تتوافر فيهم شروطه - كافة المبالغ المستحقة لهم بصندوق الادخار بما في ذلك نصيب الحكومة، أي أنها عملت من جانبها على تحقيق ما استهدفه هؤلاء الموظفون من مزايا، فلا وجه بعد ذلك للتمسك بأن الاستقالة كانت تحت تأثير الغلط في فهم القانون بعد إذ حصل المدعي على كل ما كان يصبو إليه عند تقديم الاستقالة، وأصبح له أن يقتضيه من الجهات المختصة إن لم يسبق له صرفه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما اشترطه المدعي في استقالته من صرفه مكافأته عن مدة خدمته أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر، وذلك، "بمجرد تركه الوظيفة" فإن هذه العبارة لا تعتبر شرطاً تعلق عليه استقالة قبولاً أو رفضاً، وإنما هي لا تعد وأن تكون استنهاضاً للهمة في سرعة إتمام الصرف؛ ذلك أن الإدارة لم تمانع في أن يصرف المدعي ما يستحقه، وإنما يجب أن يراعي أن لهذا الصرف إجراءات وأوضاع يجب استيفاؤها قبل الصرف بحيث لا يمكن أن يتم بدونها؛ على أن تأخير الصرف في هذه الحالة بالذات إنما كان يرجع إلى قيام مانع قانوني لدى الجهة المختصة بالتنفيذ يمنعها من هذا التنفيذ على الوجه الذي قصده المدعي بحكم القوانين أو القواعد التنظيمية العامة القائمة وقتذاك مما اقتضى استصدار قرار جديد من مجلس الوزراء، وقد انتهت إجراءاته ومراحله بما يحقق ما كان يبتغيه المدعي وأمثاله.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه أصاب في قضائه، ويكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 48 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

مدة الخدمة التي تضاف للموظف المستقيل إعمالاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 - اعتبارها بمثابة مدة خدمة تحسب في المعاش عند تسويته.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 24

(3)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 1703 لسنة 2 القضائية

( أ ) استقالة - قرارا مجلس الوزراء في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 بتسهيل اعتزال الخدمة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى عند توافر شروط معينة - صدورهما بدافع من المصلحة العامة - اعتزال الخدمة على أساسهما هو عملية إدارية تثار بطلب يقدمه الموظف وتتم بموافقة مجلس الوزراء على أساس تحقيق كافة المزايا المبينة في القرارين سالفي الذكر، لا بمزايا أقل - حق مجلس الوزراء في إنهاء خدمة الموظف، بالتطبيق للمادة 107/ 6 من قانون نظام موظفي الدولة، عملية إدارية أخرى تتم بشروطها وأوضاعها.
(ب) استقالة - مدة الخدمة التي تضاف للموظف المستقيل إعمالاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 - اعتبارها بمثابة مدة خدمة تحسب في المعاش عند تسويته.
(ج) استقالة - تقديمها إعمالاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 - قبول مجلس الوزراء لهذه الاستقالة رغم عدم استكمال مقدمها لمدة الخمس عشرة سنة المطلوبة لاستحقاق المعاش - صحيح قانوناً - لمجلس الوزراء منح معاشات استثنائية طبقاً لقانون المعاشات، فلا تثريب عليه في استعمال سلطته هذه في مناسبات اعتزال الخدمة على أساس القرارين سالفي الذكر.
(د) استقالة - الإكراه المفسد لرضاء المستقيل - وجوب أن يبعث الرهبة بوسائل غير مشروعة ولغاية غير مشروعة.
(هـ) استقالة - قرارا مجلس الوزراء في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، والقانون رقم 600 لسنة 1953 - استهدافها في النهاية غاية واحدة هي إصلاح الأداة الحكومية - تلويح الوزارة بتطبيق هذا القانون على الموظف في مناسبة إقناعه بالاستقالة إعمالاً للقرارين سالفي الذكر - القول بانطوائه على انحراف بالسلطة باستعمال أداة قانونية لغير الغاية التي أعدت لها - في غير محله ما دامت تلك التنظيمات الثلاثة تستهدف أغراضاً واحدة.
1 - في 4 من نوفمبر سنة 1953 أصدر مجلس الوزراء قراراً يقضي: "بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك". وكشف في القرار ذاته عن المصلحة العامة التي تغياها من إصداره وهي "الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية". ثم أصدر المجلس في 25 من نوفمبر سنة 1953 قراراً مكملاً للأول وذلك بالموافقة "على منح الموظفين الذين يعتزلون الخدمة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء والمعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة، مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش، هذا مع مراعاة إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش". ويبين من ذلك أن اعتزال الخدمة على مقتضى القرارين سالفي الذكر هو عملية إدارية، تثار بطلب يقدمه موظف من الدرجة الثانية فأعلى، خلال مدة الستين يوماً المشار إليها، وأن رابطة التوظف لا تنقطع إلا بموافقة مجلس الوزراء. وغني عن البيان أن اعتزال الخدمة على هذا الأساس لا يتم إلا إذا كانت موافقة مجلس الوزراء بقبول طلب اعتزال الخدمة تحقق للموظف جميع المزايا المبينة في القرارين الآنف ذكرهما، فلا يملك مجلس الوزراء أن يعزله من الخدمة على أساس القرارين المنوه عنهما بمزايا أقل مما جاء بهما، وإن كان ليس ثمة مانع من أن يوافق على اعتزاله الخدمة بمزايا أكثر إذا كان ذلك من سلطته طبقاً للقوانين واللوائح. كما له من الناحية الأخرى أن ينهي الخدمة على غير الأساس المتقدم ذكره مستعملاً في ذلك سلطاته الأخرى بالتطبيق للقوانين واللوائح، كالمادة 107 فقرة 6 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وتلك عندئذٍ تكون عملية إدارية أخرى بشروطها وأوضاعها الخاصة بها.
2 - إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 صريح في إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، بما لا يترك مجالاً لأي شك في أن هذه المدة تعتبر بمثابة مدة خدمة تحسب في المعاش عند تسويته بالتطبيق لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953؛ ومن ثم فلا وجه لما ينعاه الطعن على قرار مجلس الوزراء الصادر بقبول طلب اعتزال المدعي للخدمة من مخالفته للقانون؛ بمقولة إنه يشترط لتطبيق قراري مجلس الوزراء سالفي الذكر، أن يكون الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد بغير حساب المدة المضمومة كلها أو بعضها، وهذا المعاش لا يستحق إلا إذا كان قد استكمل خمساً وعشرين سنة في الخدمة، أو بلغ سن الخمسين بعد قضاء خمس عشرة سنة كاملة فيها، وهو ما لم يتوافر في حق المدعي؛ إذ ما كان قد استكمل سوى 1 يوم 11 شهر 24 سنة.
3 - لمجلس الوزراء أن يقرر، لأسباب يكون تقديرها موكولاً إليه، منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاش للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من خدمة الحكومة، وذلك بالتطبيق للمادة 38 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية، فلا تثريب عليه إن هو استعمل سلطته هذه في مناسبات اعتزال الخدمة إعمالاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، بقبول طلب اعتزال الخدمة المقدم على أساسهما، رغم أن مقدمها لم يستكمل مدة الخمس عشرة سنة التي يتطلبها القانون لاستحقاق المعاش.
4 - يجب لكي يكون ثمة إكراه مفسد للرضا أن تبعث الرهبة بغير حق، أي بوسائل غير مشروعة، ولغاية غير مشروعة؛ ومن ثم فلا تثريب على الإدارة - وهي في مقام تطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 - إن هي بصرت موظفاً ممن يعنيهم هذان القراران بالمزايا التي يفيد منها لو أنه اعتزل الخدمة بالتطبيق لأحكامهما، وبصرته في الوقت ذاته بما قد يتعرض له من احتمال تطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن؛ إذ الإدارة في مسلكها هذا لم تتخذ وسائل غير مشروعة أو تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة، بل سلكت المسلك الواجب بحكم وظيفتها في القيام على تنفيذ القوانين واللوائح وتحقيق المصلحة العامة المقصودة منها، وهي مخاطبة بمقتضى القرارين المذكورين للعمل على تحقيق أغراضهما. فما تتخذه من موقف قبل موظف بمناسبة تطبيقهما يكون - والحالة هذه - مشروعاً في الوسيلة والغاية معاً. ولا يغير من هذا النظر التبصير في الوقت ذاته باحتمال التعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953، الذي ينطوي على مزايا أقل، ويجعل الموظف في مركز أسوأ لو طبق في حقه؛ لأن ذلك لو صح من جانب الإدارة يكون أيضاً في ذاته مسلكاً مشروعاً في وسيلته وغايته، ما دام هو قانوناً من قوانين الدولة الواجبة التطبيق.
5 - إن قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 وكذلك القانون رقم 600 لسنة 1953، هي جميعها من التنظيمات العامة التي استهدفت في النهاية غاية واحدة، هي إصلاح الأداة الحكومية ورفع مستواها، وهو ما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر؛ إذ ربطت بينها جميعاً في الغاية والغرض؛ ومن ثم فلا يمكن القول بأن تلويح الوزارة لموظف بتطبيق هذا القانون ضده في مناسبة إقناعه بالاستقالة، تطبيقاً لقراري 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، هو انحراف بالسلطة باستعمال أداة قانونية لغير الغاية التي أعدت لها، ما دامت تلك التنظيمات تستهدف في النهاية أغراضاًً واحدة.


إجراءات الطعن

في 29 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1703 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 30 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 7153 لسنة 8 القضائية المقامة من: حليم جرجس رزق الله ضد كل من: (1) رياسة مجلس الوزراء (2) وزارة التجارة والصناعة، القاضي "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات، ورفض ما عدا ذلك من طلبات". وقد أعلن هذا الطعن إلى كل من رياسة مجلس الوزراء ووزارة التجارة والصناعة في 20 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 28 منه. وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 23 من فبراير سنة 1957. وقد أودع المطعون لصالحه سكرتيرية المحكمة مذكرة مؤرخة 26 من سبتمبر سنة 1956 تمسك فيها بما ورد في مذكراته السابق تقديمها إلى محكمة القضاء الإداري، ولم تقدم الجهة الإدارية مذكرات ما بملاحظاتها في الميعاد القانوني. وقد تداول نظر الطعن في عدة جلسات، سمعت المحكمة فيها ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وبجلسة 13 من أكتوبر سنة 1957 قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 7153 لسنة 8 القضائية ضد كل من رياسة مجلس الوزراء ووزارة التجارة والصناعة أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 4 من مايو سنة 1954، طلب فيها "الحكم بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء بجلسة 30 من ديسمبر سنة 1953 بإحالته إلى المعاش، مع إلزام المعلن إليهما بصفتهما بأن يدفعا إلى الطالب مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض، وذلك مع إلغاء ما ترتب عليه من آثار ونتائج. واحتياطياً الحكم بإلزام المعلن إليهما بأن يدفعا إلى الطالب مبلغ خمسة عشر ألف جنيه على سبيل التعويض المادي والأدبي، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، مع حفظ حقوق الطالب من مختلف الأنواع". وأورد بياناً لدعواه في عريضتها وفي مذكراته الشارحة والتكميلية والختامية، أنه علم أن مجلس الوزراء أصدر في 30 من ديسمبر سنة 1953 قراراً بإحالته إلى المعاش بناءً على استقالة أكره على تقديمها؛ إذ أنه لم يطلب اعتزاله الخدمة عن رغبة صحيحة ورضاء حر طليق، بل أجبر على ذلك تحت ضغط الإدارة وإرهاب معدم للرضا بدافع إساءة استعمال السلطة، الأمر الذي يجعل قرار إحالته إلى المعاش باطلاً وبمثابة الفصل المخالف للقانون؛ ذلك أنه كان موظفاً مثالياً محسوداً من أقرانه ومنافسيه الذين دبروا له المكائد بعد إذ وصل إلى منصب مدير إدارة التبادل التجاري بالدرجة الثانية الفنية بمصلحة التجارة بوزارة التجارة، وأصبح المرشح الأول لتولي منصب وكيل عام مصلحة التجارة، فبينما كان يقضي إجازته السنوية إذا به يتلقى كتاباً مؤرخاً 3 من ديسمبر سنة 1953 من مدير عام مصلحة التجارة يستدعيه فيه لمقابلته حيث أفهم بأن يضع تحت تصرف السيد وزير التجارة طلباً باعتزال الخدمة أسوة بسائر زملائه موظفي الدرجة الثانية فما فوق حتى لا يحرج المراد إخراجهم من الخدمة، على أن يكون هذا الطلب غير مشروط بشرط سوى التماس المعاملة بأحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 بتيسير اعتزال كبار الموظفين الخدمة مع ضم سنتين لمدة خدمتهم. وقد رفض بادئ ذي بدء الانصياع إلى هذا الأمر لكون تيسير الإحالة إلى المعاش بمقتضى هذين القرارين اختيارياً، بيد أنه لم يسعه إلا الإذعان له كارهاً، بعد إذ لوح له المسئولون بالوزارة بتطبيق أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 عليه إذا مضى في رفضه، وتحت تأثير هذا الوعيد قدم إلى السيد الوزير في 29 من ديسمبر سنة 1953 طلباً باعتزاله الخدمة، وافق عليه مجلس الوزراء في 30 منه بعد أن شفعته مراقبة الإدارة العامة بالوزارة بمذكرة للمجلس أوصت فيها بقبول هذا الطلب ولو أنه لا تنطبق عليه الشروط الواردة في قراري مجلس الوزراء الخاصين بتيسير اعتزال كبار الموظفين الخدمة، الأمر الذي ينبئ عن رغبة الوزارة في التنكيل به. وقد تظلم إلى الجهات الرئيسية وإلى السيد الوزير من قرار الموافقة على اعتزاله الخدمة ملتمساًً إعادة عرض الأمر على مجلس الوزراء للنظر في إلغاء هذا القرار، فردت عليه الوزارة في 6 من مارس سنة 1954 بأن طلب اعتزاله الخدمة لم يشمل اعتراضاً صريحاً أو ضمنياً يستفاد منه أن إكراهاً قد حمله على تقديمه؛ ومن ثم فإنه يكون قد صدر طواعية تحقيقاً لرغبته؛ إذ لم يكن هناك ما يحول بينه وبين الامتناع عن التقدم به. وقد اعترض على هذا الرد بكتاب في 12 من إبريل سنة 1954 فصل فيه وقائع الإكراه وبواعثه الصادرة عن الرغبة في حرمانه من الترقية إلى الدرجة الأولى المخصصة لوكيل مصلحة التجارة والتي كانت شاغرة وقتذاك بتقاعد صاحبها. ومجمل القول إن الإدارة تذرعت بالحيلة والإكراه حتى حملته جبراً على تقديم طلب باعتزال الخدمة، انتزعته منه في وقت غير ملائم وهو في سن السابعة والأربعين، مع اتصافه بالكفاية والجدارة والصلاحية التامة في ولاية وظيفته وسنوح الفرصة أمامه في الفترة الطويلة الباقية على بلوغه سن التقاعد للتقدم في مدارج الترقي إلى أعلى الدرجات. ثم صدر قرار مجلس الوزراء في 30 من ديسمبر سنة 1953 بإحالته إلى المعاش بناءً على تلك الاستقالة المغتصبة، دون باعث من الصالح العام، بل بوحي من إساءة استعمال السلطة وكيد من حساده والطامعين في مركزه ودرجته بعد أن عجزوا عن إلغاء ترقيته إلى الدرجة الثانية وهالهم ترشيحه لمنصب وكيل عام مصلحة التجارة الذي كان سيخلو وشيكاً والمخصصة له الدرجة الأولى. وقد عمدت الجهة الإدارية إلى إدخال الغش على مجلس الوزراء حتى أصدر قراره هذا بقبول طلب غير مستوف للشروط؛ إذ لم يكن المدعي ممن يسري عليهم اعتزال الخدمة على الصورة الواردة في قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 لعدم بلوغه الخمسين من عمره وعدم قضائه خمساً وعشرين سنة كاملة في الخدمة، ولم يكن مستحقاً لمعاش قانوني طبقاً لقانون المعاشات، ولم تكن له مصلحة قط تحمله على اعتزال الخدمة وهو في مقتبل العمر، وتشهد صفحاته في جميع المناصب التي تولاها بما يمتاز به من كفاية وجدارة وأمانة، وأمامه فرص للترقي مفتوحة في بحر الثلاث عشرة سنة الباقية له لبلوغه سن الستين، وإنما هو التهديد الذي سلط عليه فأرهبه وأرغمه على الإذعان لتقديم استقالته إنقاذاً لسمعته ومستقبله بعد إذ صدر القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي لوح له بتطبيقه في حقه، والذي كان ليدمغه بعدم الصلاحية لوظيفته ويحرمه من التقاضي أمام جميع المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها. وقد كان هذا التهديد جدياً ومؤثراً في نفسه لصدوره من المسئولين في الوزارة الذين يملكون الاقتراح والتوصية بفصل الموظفين بالتطبيق للقانون المشار إليه، ولو أن قرار الإحالة إلى المعاش ذاته لا يصدر إلا من مجلس الوزراء. وإزاء هذا لم يكن في وسعه إلا أن يختار أهون الضررين، إلا أن الإرادة التي صدرت عنه في طلب اعتزال الخدمة الذي تقدم به لم تكن حرة مختارة، بل كانت إرادة فاسدة مشوبة بعيب الإكراه، ومنهارة أمام صرامة القانون رقم 600 لسنة 1953. وقد أصابه من جراء ذلك ضرر أدبي وضرر مادي، هو قيمة الفرق بين مرتبه في الخدمة لو بقي بها وتدرج في مراتب الترقي وبين معاشه الذي قرر له.
ومن حيث إن وزارة التجارة ردت على هذه الدعوى بأن اعتزال المدعي للخدمة جاء بناءً على طلبه، وأن القرار الخاص بإحالته إلى المعاش قد بلغ إليه، كما أرسل إليه خطاب مسجل لموافاة الوزارة بالطلب الخاص بربطه معاشه، وأنه لا أساس من الصحة لما يدعيه من وقوع إكراه عليه في تقديم طلب اعتزاله الخدمة.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) قضت بجلسة 30 من مايو سنة 1956 "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات"؛ مؤيدة في ذلك ما انتهى إليه رأي مفوض الدولة أمامها في تقريره الذي ذهب فيه إلى أنه وإن كانت المدة التي قضاها المدعي وقت قبول استقالته تقل عن خمس وعشرين سنة كاملة، إلا أن المادة 38 من قانون المعاشات تخول مجلس الوزراء منح معاشات استثنائية لمن يفصل من الموظفين من الخدمة أو من يحال منهم إلى المعاش. ولما كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، قد قضى بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش، كما أضاف قرار المجلس الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 إدخال ماهيات المدة المضمومة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، فإنه بإعمال أحكام هذين القرارين يصبح مجموع مدة خدمة المدعي ستاً وعشرين سنة وأحد عشر شهراً ويوماً واحداً، وتكون مدة خدمته بالتالي متفقة وأحكام المادة 13 من قانون المعاشات. أما الإكراه فإن عناصره غير متوفرة؛ إذ أن مجرد مطالبة المدعي بتقديم استقالته من الخدمة، والإلحاح في هذا الطلب، أو التلويح بتطبيق أحد قوانين الدولة وهو القانون رقم 600 لسنة 1953، كل ذلك لا يرقى إلى مرتبة الإكراه المفسد للرضا. وأضافت المحكمة أن استدعاء وكيل الوزارة للمدعي من إجازته على فرض ثبوته، وتكليفه تقديم استقالته، واضطرار وكيل الوزارة إزاء رفضه الاستجابة إلى هذا الطلب في بادئ الأمر إلى توسيط رؤساء آخرين للمدعي لمعاودة نصحه بتقديم الاستقالة والتلويح له بتطبيق أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه، كل ذلك، بفرض صحته، لا يبلغ منزلة التهديد والإيحاء بخطر محدق وشيك الوقوع على النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ولا يصل إلى الجسامة التي تبعث بدون حق فيمن هو في مثل حالة المدعي وسنه ومركزه رهبة تضغط على إرادته فتفسدها بحيث تجعله مسلوب الحرية لا اختيار له فيما أراد.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 29 من يوليه سنة 1956، طلب فيها الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات، ورفض ما عدا ذلك من طلبات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه يتضح من قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر سنة 1953 و25 من نوفمبر سنة 1953 أن حساب المدة المضافة إلى المعاش لا يتحقق إلا إذا أجاز مجلس الوزراء اعتزال الخدمة بالشروط الواردة في قراره الأول، فلا يصح بداهة أن تدخل في الحساب عند فحص شروط اعتزال الخدمة طبقاً لهذا القرار المدة المضافة؛ إذ أن حسابها أثر لتوافر شروط القرار المذكور؛ ومن ثم يكون في غير محله التحدي في هذا الخصوص بسلطة مجلس الوزراء في منح المعاشات الاستثنائية طبقاً للمادة 38 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929. هذا إلى أن المستفاد من قرار 4 من نوفمبر سنة 1953 المشار إليه أنه يشترط لتطبيقه أن يكون الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد؛ ذلك أن اعتزال الخدمة مع حفظ الحق في المعاش لا يجوز طبقاً للمادة 58 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 إلا إذا كان الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد، وهو لا يستحق هذا المعاش وفقاً للمادة 13 من هذا المرسوم بقانون إلا بعد مضي خمس وعشرين سنة كاملة في الخدمة أو عند بلوغه الخمسين من عمره مع قضائه خمس عشرة سنة كاملة في الخدمة. ولما كان الثابت أن المدعي وقت قبول طلب اعتزاله الخدمة لم يكن قد استكمل هذه المدد، فإنه لا تكون قد توافرت في طلبه شروط قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، مما يترتب عليه اعتبار استقالته مقترنة بشرط، وبهذا الوصف تعتبر كأن لم تكن بالتطبيق لحكم المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ويكون قرار قبولها مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه؛ ومتى قضي بهذا الإلغاء وما يترتب عليه من آثار فلا يكون ثمة وجه لما يطلبه المدعي من تعويض مع الإلغاء. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون متعيناً الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المطعون لصالحه أودع سكرتيرية هذه المحكمة مذكرة مؤرخة 26 من سبتمبر سنة 1956 تمسك فيها بما ورد في أقواله ومذكراته أمام محكمة القضاء الإداري في خصوص الإكراه الذي شاب تقديم استقالته وأبطل قرار مجلس الوزراء الصادر بقبولها، وذلك بالإضافة إلى السبب الوارد في تقرير طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة، وكذا بطلباته السابق إبداؤها أمام المحكمة المشار إليها. وبعد حجز القضية للحكم، قدم مذكرة أخرى ردد فيها دفاعه السابق على نحو مفصل تناول فيه ماضيه في خدمة الحكومة وبيان السر في العمل على إخراجه من الخدمة بعد محاولة عرقلة ترقيته وتصدي منافس له من الخارج في وظيفته، والتجاء هذا المنافس إلى القضاء لإلغاء ترقيته، مما أثار حفيظة منافسيه وحقدهم عليه، ذلك الحقد الذي أذكته شكواه للسيد الوزير من التواء تصرفات مصلحة التشريع ومراقبة الإدارة العامة، ثم بسط الإجراءات التي اتبعت معه لحمله على اعتزال الخدمة، التي بدأت باستدعائه من إجازته السنوية، ورفضه الإذعان لما طلب منه وإصراره على ذلك، إلى أن صدر القانون رقم 600 لسنة 1953، الذي استعمل وسيلة لزيادة الضغط عليه بالتهديد بتطبيقه في حقه وفصله بمقتضاه بغض النظر عن صلاحيته للوظيفة؛ وذلك للخلاص من التحقيق المطلوب إجراؤه بوساطة مجلس الدولة في موضوع شكواه، ولإخلاء درجته للطامعين فيها، وتنحيته عن الدرجة التي كان سيرقى إليها لكي يحل فيها أحد منافسيه. وإزاء ما أوقعته الإدارة في نفسه من رهبة لم يسعه إلا أن يتقدم بطلب اعتزاله الخدمة، بعد إذ خير بين تقديم هذا الطلب وبين أن يقع به المكروه الذي يخشاه بفصله تعسفياً بموجب القانون رقم 600 لسنة 1953 مع حرمانه من التقاضي أمام جميع المحاكم، فاختار أهون الضررين مغلوباً على أمره. واشترط في طلبه أن يعرض على مجلس الوزراء للبت فيه طبقاً للأوضاع المنصوص عليها في قرارات مجلس الوزراء ومنشورات ديوان الموظفين الصادرة في هذا الشأن، كما أشار فيه إلى عدم استيفائه المدة، واختتمه بما يدل على شعوره بعد تهديده بالفصل بأن مجال خدمته لبلاده في وظيفته بالحكومة أصبح غير متسع له. ثم علق بعد ذلك على مسلك الحكومة أثناء سير الدعوى بامتناعها عن تنفيذ قرار المحكمة وتراخيها في تقديم بعض الأوراق وتصرفها كخصم مكابر. وناقش أسباب الحكم المطعون فيه مبيناً أن ما اتخذ حياله من إجراءات كان غير قانوني، سواء فيما يتعلق باستدعائه من إجازته وتكليفه تقديم استقالته، أو فيما يختص بالتلويح له بتطبيق أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 عليه، ثم إنذاره صراحة بهذا التطبيق بصرف النظر عن صلاحيته للخدمة إذا استمر في إصراره على رفض تقديم الاستقالة، الأمر الذي حمله على الرضوخ لتقديمها في 29 من ديسمبر سنة 1953، تحت تأثير هذا الوعيد الذي يعد بالنسبة إلى الصالحين من الموظفين تهديداً خطيراً لهم مفسداً لرضاهم، وهو من خيرتهم، كما يشهد بذلك ملف خدمته، وهو الوعاء الصادق لتصوير حالته. وأضاف أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من إمكانه التقاضي لإبطال ما اتخذ قبله من إجراءات، إن كان لذلك وجه، مردود بما نص عليه القانون رقم 600 لسنة 1953 من إغلاق هذا الباب، وأن عنصري الإكراه الموضوعي والنفساني قد توافرا في حالته بيقين، لما انطوى عليه القانون المذكور من خطر جسيم يبعث في النفس الرهبة ويسلبها حرية الاختيار. هذا إلى أن شروط اعتزال الخدمة غير متوافرة فيه، الأمر الذي يجعل قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 غير منطبقين عليه، كما اعترفت بذلك الوزارة في تأشيرتها على الطلب المقدم منه. يؤيد ذلك ما ورد بمذكرة وزارة المالية والاقتصاد التي وافق عليها مجلس الوزراء بقراره الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953، وكذا بكتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 6 لسنة 1954؛ ذلك أن حساب المدة المضافة إلى المعاش لا يتحقق إلا إذا أجاز مجلس الوزراء اعتزال الخدمة بالشروط الواردة في قراره الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، فلا يصح أن تدخل في الحساب عند فحص شروط اعتزال الخدمة طبقاً لهذا القرار المدة المضافة؛ إذ أن حسابها أثر لتوافر شروط اعتزال الخدمة وفقاً لأحكامه؛ ومن ثم فلا وجه للتحدي في هذا الخصوص بسلطة مجلس الوزراء في منح المعاشات الاستثنائية. ولما كان الثابت أنه وقت تقديمه طلب اعتزاله الخدمة لم تكن قد توافرت فيه شروط استحقاقه لمعاش التقاعد، فإنه يكون مفتقداً لشروط تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، مما يترتب عليه اعتبار طلبه استقالة مقرونة بشرط، وبالتالي كأن لم تكن بالتطبيق للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، الأمر الذي يبطل القرار الصادر من مجلس الوزراء بقبول هذا الطلب وإحالة المدعي إلى المعاش. ولا اعتداد بحق الحكومة المطلق في فصل موظفيها بغير الطريق التأديبي؛ لأن إحالته إلى المعاش لم تكن بناءً على هذا الحق، بل استناداً إلى طلب الاستقالة المقدم منه تحت تأثير الإكراه المفسد للرضا.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار النزاع ينحصر في نقطتين: (الأولى) تكييف ماهية الطلب المقدم من المدعي إلى السيد وزير التجارة والصناعة في 29 من ديسمبر سنة 1953، الذي يرجو فيه عرض أمر اعتزاله للخدمة على مجلس الوزراء طبقاً لقراري المجلس الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 الخاصين بتيسير خروج الموظفين من الخدمة وتسوية معاشهم على هذا الأساس، وهل يعتبر طلباً باعتزال الخدمة بطريق الاستقالة العادية بالمعنى وبالشروط والقيود المبينة في المواد 110 وما بعدها من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، أم أن اعتزال الخدمة على مقتضى قراري مجلس الوزراء المشار إليهما، ولو أنه يتلاقى مع الاستقالة العادية في أن الموضوع في كل منهما يثار بطلب من جانب صاحب الشأن وتنقطع رابطة التوظف بالقرار الإداري الصادر بقبوله، إلا أن اعتزال الخدمة هذا يتميز عن الاستقالة العادية بأحكام وأوضاع خاصة هي المشار إليها في القرارين سالفي الذكر؛ فتتخصص صفته وآثاره بتلك الأحكام والأوضاع الخاصة. و(الثانية) هل شاب إرادة المدعي عند تقديم طلب اعتزال الخدمة إكراه مفسد لرضاه أم لا؟
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنقطة الأولى، فقد أصدر مجلس الوزراء في 4 من نوفمبر سنة 1953 قراراً يقضي "بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك"، وكشف في القرار ذاته عن المصلحة العامة التي تغياها من إصداره وهي "الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية". ثم أصدر المجلس في 25 من نوفمبر سنة 1953 قراراً مكملاً للأول، وذلك بالموافقة "على منح الموظفين الذين يعتزلون الخدمة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء والمعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة، مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش، هذا مع مراعاة إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش...". ويبين من ذلك أن اعتزال الخدمة على مقتضى القرارين سالفي الذكر هو عملية إدارية، تثار بطلب يقدمه موظف من الدرجة الثانية فأعلى، خلال مدة الستين يوماً المشار إليها، وأن رابطة التوظف لا تنقطع إلا بموافقة مجلس الوزراء. وغني عن البيان أن اعتزال الخدمة على هذا الأساس لا يتم إلا إذا كانت موافقة مجلس الوزراء بقبول طلب اعتزال الخدمة تحقق للموظف جميع المزايا المبينة في القرارين الآنف ذكرهما، فلا يملك مجلس الوزراء أن يعزله من الخدمة على أساس القرارين المنوه عنهما بمزايا أقل مما جاء بهما، وإن كان ليس ثمة مانع من أن يوافق على اعتزاله الخدمة بمزايا أكثر إذا كان ذلك من سلطته طبقاً للقوانين واللوائح. كما له من الناحية الأخرى أن ينهي الخدمة على غير الأساس المتقدم ذكره مستعملاً في ذلك سلطاته الأخرى بالتطبيق للقوانين واللوائح، كالمادة 107 فقرة 6 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وتلك عندئذٍ تكون عملية إدارية أخرى بشروطها وأوضاعها الخاصة بها.
ومن حيث إنه لا وجه لما ينعاه الطعن على قرار مجلس الوزراء الصادر بقبول طلب اعتزال المدعي للخدمة من مخالفته للقانون، بمقولة إنه يشترط لتطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 أن يكون الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد بغير حساب المدة المضمومة كلها أو بعضها، وهذا المعاش لا يستحق إلا إذا كان قد استكمل خمساً وعشرين سنة في الخدمة أو بلغ سن الخمسين مع قضاء خمس عشرة سنة كاملة فيها، وهو ما لم يتوافر في حق المدعي؛ إذ ما كان قد استكمل سوى 1 يوم 11 شهر 24 سنة - لا وجه لذلك؛ إذ فضلاً عن أن قرار المجلس الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 صريح في إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، بما لا يترك مجالاً لأي شك في أن هذه المدة تعتبر بمثابة مدة خدمة تحسب في المعاش عند تسويته بالتطبيق لقراري مجلس الوزراء المتقدم ذكرهما - فضلاً عن ذلك، فإن من سلطة مجلس الوزراء أن يقرر لأسباب يكون تقديرها موكولاً إليه منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاشات للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من خدمة الحكومة وذلك بالتطبيق للمادة 38 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية، فلا تثريب عليه إن هو استعمل سلطته هذه في مناسبات اعتزال الخدمة على أساس القرارين المذكورين.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنقطة الثانية، فإن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن طلب اعتزال الخدمة - باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف - يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إذا توافرت عناصره وشروطه القانونية؛ وذلك بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطات رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون وجه حق وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته، وأن الإكراه بهذه المثابة يشتمل على عنصرين: عنصر موضوعي، وهو الوسائل التي تولد الإيحاء بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال، وعنصر نفساني، وهو الرهبة التي تبعثها تلك الوسائل في النفس بغير حق فتحمل الموظف على تقديم الاستقالة. وأن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
ومن حيث إن محصل ما ينعاه المدعي من إكراه شاب رضاه عند تقديمه طلب اعتزاله الخدمة أنه كان واقعاً تحت ضغط من أولي الشأن في الوزارة لحمله على تقديمه وإلا تعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 باحتمالاته التي قد تتمخض عن وضع أسوأ له، فلم يكن أمامه إلا أن يختار أخف الضررين، وأن ما اتبعته الوزارة معه يبلغ حد الوسائل غير المشروعة التي بعثت في نفسه بغير حق الرهبة الجدية التي ضغطت على إرادته فأفسدت رضاه.
ومن حيث إن ما ينسبه المدعي إلى الإدارة من مسلك اتخذته حياله بمناسبة تطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، لو صح وقوعه بالصورة التي يدعيها، لما كان إكراهاً مفسداً للرضا؛ لانتفاء ركن عدم المشروعية، سواء في الوسائل أو في الغاية؛ إذ يجب لكي يكون ثمة إكراه مفسد للرضا أن تبعث الرهبة بغير حق، أي بوسائل غير مشروعة ولغاية غير مشروعة، بينما هذا المسلك المزعوم لا يعدو أن يكون من جانب الإدارة تنفيذاً لقراري مجلس الوزراء المشار إليهما، وتحقيقاً لوجه المصلحة العامة التي تغياها هذان القراران، فلا تثريب على الإدارة - والحالة هذه - إن هي بصرت موظفاً ممن يعنيهم هذان القراران بالمزايا التي يفيد منها لو أنه اعتزل الخدمة بالتطبيق لأحكامهما، وبصرته في الوقت ذاته بما قد يتعرض له من احتمال تطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن؛ إذ الإدارة في مسلكها هذا لم تتخذ وسائل غير مشروعة أو تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة، بل سلكت المسلك الواجب بحكم وظيفتها في القيام على تنفيذ القوانين واللوائح، وتحقيق المصلحة العامة المقصودة منها، وهي مخاطبة بمقتضى القرارين المذكورين للعمل على تحقيق أغراضهما، فما تتخذه من موقف قبل موظف بمناسبة تطبيقهما يكون والحالة هذه مشروعاً في الوسيلة والغاية معاً. ولا يغير من هذا النظر التبصير في الوقت ذاته باحتمال التعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي ينطوي على مزايا أقل ويجعل الموظف في مركز أسوأ لو طبق في حقه؛ لأن ذلك لو صح من جانب الإدارة يكون أيضاً في ذاته مسلكاً مشروعاً في وسيلته وغايته، ما دام هو قانوناً من قوانين الدولة الواجبة التطبيق، كما ليس في التلويح به لموظف في مناسبة تطبيق القرارين سالفي الذكر انحراف بالسلطة عن طريق استعمال هذا القانون في غير الغاية التي شرع من أجلها؛ ذلك أن القرارين والقانون جميعها من التنظيمات العامة التي استهدفت في النهاية غاية واحدة هي إصلاح الأداة الحكومية ورفع مستواها. يقطع في ذلك ما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 600 لسنة 1953؛ إذ ربطت بينها جميعاً في الغاية والغرض؛ فبعد أن استهلت بالإشارة إلى القرارين وفحواهما والغرض منهما صرحت بما يلي "... وقد تقدم عدد قليل من الموظفين للإفادة من هذين القرار وبهذا لم ينتجا الأثر المطلوب من استصدارهما، ولهذا أعد مشروع القانون المرافق..."، فلا يمكن القول والحالة هذه بأن التلويح بتطبيق هذا القانون في مناسبة تطبيق قراري 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 هو انحراف بالسلطة باستعمال أداة قانونية لغير الغاية التي أعدت لها، ما دامت تلك التنظيمات تستهدف في النهاية أغراضاً واحدة.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 45 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

قرارا مجلس الوزراء في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 بتسهيل اعتزال الخدمة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى عند توافر شروط معينة - صدورهما بدافع من المصلحة العامة - اعتزال الخدمة على أساسهما هو عملية إدارية تثار بطلب يقدمه الموظف وتتم بموافقة مجلس الوزراء على أساس تحقيق كافة المزايا المبينة في القرارين سالفي الذكر.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 24

(3)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 1703 لسنة 2 القضائية

( أ ) استقالة - قرارا مجلس الوزراء في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 بتسهيل اعتزال الخدمة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى عند توافر شروط معينة - صدورهما بدافع من المصلحة العامة - اعتزال الخدمة على أساسهما هو عملية إدارية تثار بطلب يقدمه الموظف وتتم بموافقة مجلس الوزراء على أساس تحقيق كافة المزايا المبينة في القرارين سالفي الذكر، لا بمزايا أقل - حق مجلس الوزراء في إنهاء خدمة الموظف، بالتطبيق للمادة 107/ 6 من قانون نظام موظفي الدولة، عملية إدارية أخرى تتم بشروطها وأوضاعها.
(ب) استقالة - مدة الخدمة التي تضاف للموظف المستقيل إعمالاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 - اعتبارها بمثابة مدة خدمة تحسب في المعاش عند تسويته.
(ج) استقالة - تقديمها إعمالاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 - قبول مجلس الوزراء لهذه الاستقالة رغم عدم استكمال مقدمها لمدة الخمس عشرة سنة المطلوبة لاستحقاق المعاش - صحيح قانوناً - لمجلس الوزراء منح معاشات استثنائية طبقاً لقانون المعاشات، فلا تثريب عليه في استعمال سلطته هذه في مناسبات اعتزال الخدمة على أساس القرارين سالفي الذكر.
(د) استقالة - الإكراه المفسد لرضاء المستقيل - وجوب أن يبعث الرهبة بوسائل غير مشروعة ولغاية غير مشروعة.
(هـ) استقالة - قرارا مجلس الوزراء في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، والقانون رقم 600 لسنة 1953 - استهدافها في النهاية غاية واحدة هي إصلاح الأداة الحكومية - تلويح الوزارة بتطبيق هذا القانون على الموظف في مناسبة إقناعه بالاستقالة إعمالاً للقرارين سالفي الذكر - القول بانطوائه على انحراف بالسلطة باستعمال أداة قانونية لغير الغاية التي أعدت لها - في غير محله ما دامت تلك التنظيمات الثلاثة تستهدف أغراضاً واحدة.
1 - في 4 من نوفمبر سنة 1953 أصدر مجلس الوزراء قراراً يقضي: "بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك". وكشف في القرار ذاته عن المصلحة العامة التي تغياها من إصداره وهي "الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية". ثم أصدر المجلس في 25 من نوفمبر سنة 1953 قراراً مكملاً للأول وذلك بالموافقة "على منح الموظفين الذين يعتزلون الخدمة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء والمعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة، مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش، هذا مع مراعاة إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش". ويبين من ذلك أن اعتزال الخدمة على مقتضى القرارين سالفي الذكر هو عملية إدارية، تثار بطلب يقدمه موظف من الدرجة الثانية فأعلى، خلال مدة الستين يوماً المشار إليها، وأن رابطة التوظف لا تنقطع إلا بموافقة مجلس الوزراء. وغني عن البيان أن اعتزال الخدمة على هذا الأساس لا يتم إلا إذا كانت موافقة مجلس الوزراء بقبول طلب اعتزال الخدمة تحقق للموظف جميع المزايا المبينة في القرارين الآنف ذكرهما، فلا يملك مجلس الوزراء أن يعزله من الخدمة على أساس القرارين المنوه عنهما بمزايا أقل مما جاء بهما، وإن كان ليس ثمة مانع من أن يوافق على اعتزاله الخدمة بمزايا أكثر إذا كان ذلك من سلطته طبقاً للقوانين واللوائح. كما له من الناحية الأخرى أن ينهي الخدمة على غير الأساس المتقدم ذكره مستعملاً في ذلك سلطاته الأخرى بالتطبيق للقوانين واللوائح، كالمادة 107 فقرة 6 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وتلك عندئذٍ تكون عملية إدارية أخرى بشروطها وأوضاعها الخاصة بها.
2 - إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 صريح في إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، بما لا يترك مجالاً لأي شك في أن هذه المدة تعتبر بمثابة مدة خدمة تحسب في المعاش عند تسويته بالتطبيق لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953؛ ومن ثم فلا وجه لما ينعاه الطعن على قرار مجلس الوزراء الصادر بقبول طلب اعتزال المدعي للخدمة من مخالفته للقانون؛ بمقولة إنه يشترط لتطبيق قراري مجلس الوزراء سالفي الذكر، أن يكون الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد بغير حساب المدة المضمومة كلها أو بعضها، وهذا المعاش لا يستحق إلا إذا كان قد استكمل خمساً وعشرين سنة في الخدمة، أو بلغ سن الخمسين بعد قضاء خمس عشرة سنة كاملة فيها، وهو ما لم يتوافر في حق المدعي؛ إذ ما كان قد استكمل سوى 1 يوم 11 شهر 24 سنة.
3 - لمجلس الوزراء أن يقرر، لأسباب يكون تقديرها موكولاً إليه، منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاش للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من خدمة الحكومة، وذلك بالتطبيق للمادة 38 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية، فلا تثريب عليه إن هو استعمل سلطته هذه في مناسبات اعتزال الخدمة إعمالاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، بقبول طلب اعتزال الخدمة المقدم على أساسهما، رغم أن مقدمها لم يستكمل مدة الخمس عشرة سنة التي يتطلبها القانون لاستحقاق المعاش.
4 - يجب لكي يكون ثمة إكراه مفسد للرضا أن تبعث الرهبة بغير حق، أي بوسائل غير مشروعة، ولغاية غير مشروعة؛ ومن ثم فلا تثريب على الإدارة - وهي في مقام تطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 - إن هي بصرت موظفاً ممن يعنيهم هذان القراران بالمزايا التي يفيد منها لو أنه اعتزل الخدمة بالتطبيق لأحكامهما، وبصرته في الوقت ذاته بما قد يتعرض له من احتمال تطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن؛ إذ الإدارة في مسلكها هذا لم تتخذ وسائل غير مشروعة أو تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة، بل سلكت المسلك الواجب بحكم وظيفتها في القيام على تنفيذ القوانين واللوائح وتحقيق المصلحة العامة المقصودة منها، وهي مخاطبة بمقتضى القرارين المذكورين للعمل على تحقيق أغراضهما. فما تتخذه من موقف قبل موظف بمناسبة تطبيقهما يكون - والحالة هذه - مشروعاً في الوسيلة والغاية معاً. ولا يغير من هذا النظر التبصير في الوقت ذاته باحتمال التعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953، الذي ينطوي على مزايا أقل، ويجعل الموظف في مركز أسوأ لو طبق في حقه؛ لأن ذلك لو صح من جانب الإدارة يكون أيضاً في ذاته مسلكاً مشروعاً في وسيلته وغايته، ما دام هو قانوناً من قوانين الدولة الواجبة التطبيق.
5 - إن قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 وكذلك القانون رقم 600 لسنة 1953، هي جميعها من التنظيمات العامة التي استهدفت في النهاية غاية واحدة، هي إصلاح الأداة الحكومية ورفع مستواها، وهو ما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر؛ إذ ربطت بينها جميعاً في الغاية والغرض؛ ومن ثم فلا يمكن القول بأن تلويح الوزارة لموظف بتطبيق هذا القانون ضده في مناسبة إقناعه بالاستقالة، تطبيقاً لقراري 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، هو انحراف بالسلطة باستعمال أداة قانونية لغير الغاية التي أعدت لها، ما دامت تلك التنظيمات تستهدف في النهاية أغراضاًً واحدة.


إجراءات الطعن

في 29 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1703 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 30 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 7153 لسنة 8 القضائية المقامة من: حليم جرجس رزق الله ضد كل من: (1) رياسة مجلس الوزراء (2) وزارة التجارة والصناعة، القاضي "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات، ورفض ما عدا ذلك من طلبات". وقد أعلن هذا الطعن إلى كل من رياسة مجلس الوزراء ووزارة التجارة والصناعة في 20 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 28 منه. وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 23 من فبراير سنة 1957. وقد أودع المطعون لصالحه سكرتيرية المحكمة مذكرة مؤرخة 26 من سبتمبر سنة 1956 تمسك فيها بما ورد في مذكراته السابق تقديمها إلى محكمة القضاء الإداري، ولم تقدم الجهة الإدارية مذكرات ما بملاحظاتها في الميعاد القانوني. وقد تداول نظر الطعن في عدة جلسات، سمعت المحكمة فيها ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وبجلسة 13 من أكتوبر سنة 1957 قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 7153 لسنة 8 القضائية ضد كل من رياسة مجلس الوزراء ووزارة التجارة والصناعة أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 4 من مايو سنة 1954، طلب فيها "الحكم بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء بجلسة 30 من ديسمبر سنة 1953 بإحالته إلى المعاش، مع إلزام المعلن إليهما بصفتهما بأن يدفعا إلى الطالب مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض، وذلك مع إلغاء ما ترتب عليه من آثار ونتائج. واحتياطياً الحكم بإلزام المعلن إليهما بأن يدفعا إلى الطالب مبلغ خمسة عشر ألف جنيه على سبيل التعويض المادي والأدبي، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، مع حفظ حقوق الطالب من مختلف الأنواع". وأورد بياناً لدعواه في عريضتها وفي مذكراته الشارحة والتكميلية والختامية، أنه علم أن مجلس الوزراء أصدر في 30 من ديسمبر سنة 1953 قراراً بإحالته إلى المعاش بناءً على استقالة أكره على تقديمها؛ إذ أنه لم يطلب اعتزاله الخدمة عن رغبة صحيحة ورضاء حر طليق، بل أجبر على ذلك تحت ضغط الإدارة وإرهاب معدم للرضا بدافع إساءة استعمال السلطة، الأمر الذي يجعل قرار إحالته إلى المعاش باطلاً وبمثابة الفصل المخالف للقانون؛ ذلك أنه كان موظفاً مثالياً محسوداً من أقرانه ومنافسيه الذين دبروا له المكائد بعد إذ وصل إلى منصب مدير إدارة التبادل التجاري بالدرجة الثانية الفنية بمصلحة التجارة بوزارة التجارة، وأصبح المرشح الأول لتولي منصب وكيل عام مصلحة التجارة، فبينما كان يقضي إجازته السنوية إذا به يتلقى كتاباً مؤرخاً 3 من ديسمبر سنة 1953 من مدير عام مصلحة التجارة يستدعيه فيه لمقابلته حيث أفهم بأن يضع تحت تصرف السيد وزير التجارة طلباً باعتزال الخدمة أسوة بسائر زملائه موظفي الدرجة الثانية فما فوق حتى لا يحرج المراد إخراجهم من الخدمة، على أن يكون هذا الطلب غير مشروط بشرط سوى التماس المعاملة بأحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 بتيسير اعتزال كبار الموظفين الخدمة مع ضم سنتين لمدة خدمتهم. وقد رفض بادئ ذي بدء الانصياع إلى هذا الأمر لكون تيسير الإحالة إلى المعاش بمقتضى هذين القرارين اختيارياً، بيد أنه لم يسعه إلا الإذعان له كارهاً، بعد إذ لوح له المسئولون بالوزارة بتطبيق أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 عليه إذا مضى في رفضه، وتحت تأثير هذا الوعيد قدم إلى السيد الوزير في 29 من ديسمبر سنة 1953 طلباً باعتزاله الخدمة، وافق عليه مجلس الوزراء في 30 منه بعد أن شفعته مراقبة الإدارة العامة بالوزارة بمذكرة للمجلس أوصت فيها بقبول هذا الطلب ولو أنه لا تنطبق عليه الشروط الواردة في قراري مجلس الوزراء الخاصين بتيسير اعتزال كبار الموظفين الخدمة، الأمر الذي ينبئ عن رغبة الوزارة في التنكيل به. وقد تظلم إلى الجهات الرئيسية وإلى السيد الوزير من قرار الموافقة على اعتزاله الخدمة ملتمساًً إعادة عرض الأمر على مجلس الوزراء للنظر في إلغاء هذا القرار، فردت عليه الوزارة في 6 من مارس سنة 1954 بأن طلب اعتزاله الخدمة لم يشمل اعتراضاً صريحاً أو ضمنياً يستفاد منه أن إكراهاً قد حمله على تقديمه؛ ومن ثم فإنه يكون قد صدر طواعية تحقيقاً لرغبته؛ إذ لم يكن هناك ما يحول بينه وبين الامتناع عن التقدم به. وقد اعترض على هذا الرد بكتاب في 12 من إبريل سنة 1954 فصل فيه وقائع الإكراه وبواعثه الصادرة عن الرغبة في حرمانه من الترقية إلى الدرجة الأولى المخصصة لوكيل مصلحة التجارة والتي كانت شاغرة وقتذاك بتقاعد صاحبها. ومجمل القول إن الإدارة تذرعت بالحيلة والإكراه حتى حملته جبراً على تقديم طلب باعتزال الخدمة، انتزعته منه في وقت غير ملائم وهو في سن السابعة والأربعين، مع اتصافه بالكفاية والجدارة والصلاحية التامة في ولاية وظيفته وسنوح الفرصة أمامه في الفترة الطويلة الباقية على بلوغه سن التقاعد للتقدم في مدارج الترقي إلى أعلى الدرجات. ثم صدر قرار مجلس الوزراء في 30 من ديسمبر سنة 1953 بإحالته إلى المعاش بناءً على تلك الاستقالة المغتصبة، دون باعث من الصالح العام، بل بوحي من إساءة استعمال السلطة وكيد من حساده والطامعين في مركزه ودرجته بعد أن عجزوا عن إلغاء ترقيته إلى الدرجة الثانية وهالهم ترشيحه لمنصب وكيل عام مصلحة التجارة الذي كان سيخلو وشيكاً والمخصصة له الدرجة الأولى. وقد عمدت الجهة الإدارية إلى إدخال الغش على مجلس الوزراء حتى أصدر قراره هذا بقبول طلب غير مستوف للشروط؛ إذ لم يكن المدعي ممن يسري عليهم اعتزال الخدمة على الصورة الواردة في قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 لعدم بلوغه الخمسين من عمره وعدم قضائه خمساً وعشرين سنة كاملة في الخدمة، ولم يكن مستحقاً لمعاش قانوني طبقاً لقانون المعاشات، ولم تكن له مصلحة قط تحمله على اعتزال الخدمة وهو في مقتبل العمر، وتشهد صفحاته في جميع المناصب التي تولاها بما يمتاز به من كفاية وجدارة وأمانة، وأمامه فرص للترقي مفتوحة في بحر الثلاث عشرة سنة الباقية له لبلوغه سن الستين، وإنما هو التهديد الذي سلط عليه فأرهبه وأرغمه على الإذعان لتقديم استقالته إنقاذاً لسمعته ومستقبله بعد إذ صدر القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي لوح له بتطبيقه في حقه، والذي كان ليدمغه بعدم الصلاحية لوظيفته ويحرمه من التقاضي أمام جميع المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها. وقد كان هذا التهديد جدياً ومؤثراً في نفسه لصدوره من المسئولين في الوزارة الذين يملكون الاقتراح والتوصية بفصل الموظفين بالتطبيق للقانون المشار إليه، ولو أن قرار الإحالة إلى المعاش ذاته لا يصدر إلا من مجلس الوزراء. وإزاء هذا لم يكن في وسعه إلا أن يختار أهون الضررين، إلا أن الإرادة التي صدرت عنه في طلب اعتزال الخدمة الذي تقدم به لم تكن حرة مختارة، بل كانت إرادة فاسدة مشوبة بعيب الإكراه، ومنهارة أمام صرامة القانون رقم 600 لسنة 1953. وقد أصابه من جراء ذلك ضرر أدبي وضرر مادي، هو قيمة الفرق بين مرتبه في الخدمة لو بقي بها وتدرج في مراتب الترقي وبين معاشه الذي قرر له.
ومن حيث إن وزارة التجارة ردت على هذه الدعوى بأن اعتزال المدعي للخدمة جاء بناءً على طلبه، وأن القرار الخاص بإحالته إلى المعاش قد بلغ إليه، كما أرسل إليه خطاب مسجل لموافاة الوزارة بالطلب الخاص بربطه معاشه، وأنه لا أساس من الصحة لما يدعيه من وقوع إكراه عليه في تقديم طلب اعتزاله الخدمة.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) قضت بجلسة 30 من مايو سنة 1956 "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات"؛ مؤيدة في ذلك ما انتهى إليه رأي مفوض الدولة أمامها في تقريره الذي ذهب فيه إلى أنه وإن كانت المدة التي قضاها المدعي وقت قبول استقالته تقل عن خمس وعشرين سنة كاملة، إلا أن المادة 38 من قانون المعاشات تخول مجلس الوزراء منح معاشات استثنائية لمن يفصل من الموظفين من الخدمة أو من يحال منهم إلى المعاش. ولما كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، قد قضى بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش، كما أضاف قرار المجلس الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 إدخال ماهيات المدة المضمومة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، فإنه بإعمال أحكام هذين القرارين يصبح مجموع مدة خدمة المدعي ستاً وعشرين سنة وأحد عشر شهراً ويوماً واحداً، وتكون مدة خدمته بالتالي متفقة وأحكام المادة 13 من قانون المعاشات. أما الإكراه فإن عناصره غير متوفرة؛ إذ أن مجرد مطالبة المدعي بتقديم استقالته من الخدمة، والإلحاح في هذا الطلب، أو التلويح بتطبيق أحد قوانين الدولة وهو القانون رقم 600 لسنة 1953، كل ذلك لا يرقى إلى مرتبة الإكراه المفسد للرضا. وأضافت المحكمة أن استدعاء وكيل الوزارة للمدعي من إجازته على فرض ثبوته، وتكليفه تقديم استقالته، واضطرار وكيل الوزارة إزاء رفضه الاستجابة إلى هذا الطلب في بادئ الأمر إلى توسيط رؤساء آخرين للمدعي لمعاودة نصحه بتقديم الاستقالة والتلويح له بتطبيق أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه، كل ذلك، بفرض صحته، لا يبلغ منزلة التهديد والإيحاء بخطر محدق وشيك الوقوع على النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ولا يصل إلى الجسامة التي تبعث بدون حق فيمن هو في مثل حالة المدعي وسنه ومركزه رهبة تضغط على إرادته فتفسدها بحيث تجعله مسلوب الحرية لا اختيار له فيما أراد.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 29 من يوليه سنة 1956، طلب فيها الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات، ورفض ما عدا ذلك من طلبات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه يتضح من قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر سنة 1953 و25 من نوفمبر سنة 1953 أن حساب المدة المضافة إلى المعاش لا يتحقق إلا إذا أجاز مجلس الوزراء اعتزال الخدمة بالشروط الواردة في قراره الأول، فلا يصح بداهة أن تدخل في الحساب عند فحص شروط اعتزال الخدمة طبقاً لهذا القرار المدة المضافة؛ إذ أن حسابها أثر لتوافر شروط القرار المذكور؛ ومن ثم يكون في غير محله التحدي في هذا الخصوص بسلطة مجلس الوزراء في منح المعاشات الاستثنائية طبقاً للمادة 38 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929. هذا إلى أن المستفاد من قرار 4 من نوفمبر سنة 1953 المشار إليه أنه يشترط لتطبيقه أن يكون الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد؛ ذلك أن اعتزال الخدمة مع حفظ الحق في المعاش لا يجوز طبقاً للمادة 58 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 إلا إذا كان الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد، وهو لا يستحق هذا المعاش وفقاً للمادة 13 من هذا المرسوم بقانون إلا بعد مضي خمس وعشرين سنة كاملة في الخدمة أو عند بلوغه الخمسين من عمره مع قضائه خمس عشرة سنة كاملة في الخدمة. ولما كان الثابت أن المدعي وقت قبول طلب اعتزاله الخدمة لم يكن قد استكمل هذه المدد، فإنه لا تكون قد توافرت في طلبه شروط قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، مما يترتب عليه اعتبار استقالته مقترنة بشرط، وبهذا الوصف تعتبر كأن لم تكن بالتطبيق لحكم المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ويكون قرار قبولها مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه؛ ومتى قضي بهذا الإلغاء وما يترتب عليه من آثار فلا يكون ثمة وجه لما يطلبه المدعي من تعويض مع الإلغاء. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون متعيناً الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المطعون لصالحه أودع سكرتيرية هذه المحكمة مذكرة مؤرخة 26 من سبتمبر سنة 1956 تمسك فيها بما ورد في أقواله ومذكراته أمام محكمة القضاء الإداري في خصوص الإكراه الذي شاب تقديم استقالته وأبطل قرار مجلس الوزراء الصادر بقبولها، وذلك بالإضافة إلى السبب الوارد في تقرير طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة، وكذا بطلباته السابق إبداؤها أمام المحكمة المشار إليها. وبعد حجز القضية للحكم، قدم مذكرة أخرى ردد فيها دفاعه السابق على نحو مفصل تناول فيه ماضيه في خدمة الحكومة وبيان السر في العمل على إخراجه من الخدمة بعد محاولة عرقلة ترقيته وتصدي منافس له من الخارج في وظيفته، والتجاء هذا المنافس إلى القضاء لإلغاء ترقيته، مما أثار حفيظة منافسيه وحقدهم عليه، ذلك الحقد الذي أذكته شكواه للسيد الوزير من التواء تصرفات مصلحة التشريع ومراقبة الإدارة العامة، ثم بسط الإجراءات التي اتبعت معه لحمله على اعتزال الخدمة، التي بدأت باستدعائه من إجازته السنوية، ورفضه الإذعان لما طلب منه وإصراره على ذلك، إلى أن صدر القانون رقم 600 لسنة 1953، الذي استعمل وسيلة لزيادة الضغط عليه بالتهديد بتطبيقه في حقه وفصله بمقتضاه بغض النظر عن صلاحيته للوظيفة؛ وذلك للخلاص من التحقيق المطلوب إجراؤه بوساطة مجلس الدولة في موضوع شكواه، ولإخلاء درجته للطامعين فيها، وتنحيته عن الدرجة التي كان سيرقى إليها لكي يحل فيها أحد منافسيه. وإزاء ما أوقعته الإدارة في نفسه من رهبة لم يسعه إلا أن يتقدم بطلب اعتزاله الخدمة، بعد إذ خير بين تقديم هذا الطلب وبين أن يقع به المكروه الذي يخشاه بفصله تعسفياً بموجب القانون رقم 600 لسنة 1953 مع حرمانه من التقاضي أمام جميع المحاكم، فاختار أهون الضررين مغلوباً على أمره. واشترط في طلبه أن يعرض على مجلس الوزراء للبت فيه طبقاً للأوضاع المنصوص عليها في قرارات مجلس الوزراء ومنشورات ديوان الموظفين الصادرة في هذا الشأن، كما أشار فيه إلى عدم استيفائه المدة، واختتمه بما يدل على شعوره بعد تهديده بالفصل بأن مجال خدمته لبلاده في وظيفته بالحكومة أصبح غير متسع له. ثم علق بعد ذلك على مسلك الحكومة أثناء سير الدعوى بامتناعها عن تنفيذ قرار المحكمة وتراخيها في تقديم بعض الأوراق وتصرفها كخصم مكابر. وناقش أسباب الحكم المطعون فيه مبيناً أن ما اتخذ حياله من إجراءات كان غير قانوني، سواء فيما يتعلق باستدعائه من إجازته وتكليفه تقديم استقالته، أو فيما يختص بالتلويح له بتطبيق أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 عليه، ثم إنذاره صراحة بهذا التطبيق بصرف النظر عن صلاحيته للخدمة إذا استمر في إصراره على رفض تقديم الاستقالة، الأمر الذي حمله على الرضوخ لتقديمها في 29 من ديسمبر سنة 1953، تحت تأثير هذا الوعيد الذي يعد بالنسبة إلى الصالحين من الموظفين تهديداً خطيراً لهم مفسداً لرضاهم، وهو من خيرتهم، كما يشهد بذلك ملف خدمته، وهو الوعاء الصادق لتصوير حالته. وأضاف أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من إمكانه التقاضي لإبطال ما اتخذ قبله من إجراءات، إن كان لذلك وجه، مردود بما نص عليه القانون رقم 600 لسنة 1953 من إغلاق هذا الباب، وأن عنصري الإكراه الموضوعي والنفساني قد توافرا في حالته بيقين، لما انطوى عليه القانون المذكور من خطر جسيم يبعث في النفس الرهبة ويسلبها حرية الاختيار. هذا إلى أن شروط اعتزال الخدمة غير متوافرة فيه، الأمر الذي يجعل قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 غير منطبقين عليه، كما اعترفت بذلك الوزارة في تأشيرتها على الطلب المقدم منه. يؤيد ذلك ما ورد بمذكرة وزارة المالية والاقتصاد التي وافق عليها مجلس الوزراء بقراره الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953، وكذا بكتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 6 لسنة 1954؛ ذلك أن حساب المدة المضافة إلى المعاش لا يتحقق إلا إذا أجاز مجلس الوزراء اعتزال الخدمة بالشروط الواردة في قراره الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، فلا يصح أن تدخل في الحساب عند فحص شروط اعتزال الخدمة طبقاً لهذا القرار المدة المضافة؛ إذ أن حسابها أثر لتوافر شروط اعتزال الخدمة وفقاً لأحكامه؛ ومن ثم فلا وجه للتحدي في هذا الخصوص بسلطة مجلس الوزراء في منح المعاشات الاستثنائية. ولما كان الثابت أنه وقت تقديمه طلب اعتزاله الخدمة لم تكن قد توافرت فيه شروط استحقاقه لمعاش التقاعد، فإنه يكون مفتقداً لشروط تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، مما يترتب عليه اعتبار طلبه استقالة مقرونة بشرط، وبالتالي كأن لم تكن بالتطبيق للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، الأمر الذي يبطل القرار الصادر من مجلس الوزراء بقبول هذا الطلب وإحالة المدعي إلى المعاش. ولا اعتداد بحق الحكومة المطلق في فصل موظفيها بغير الطريق التأديبي؛ لأن إحالته إلى المعاش لم تكن بناءً على هذا الحق، بل استناداً إلى طلب الاستقالة المقدم منه تحت تأثير الإكراه المفسد للرضا.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار النزاع ينحصر في نقطتين: (الأولى) تكييف ماهية الطلب المقدم من المدعي إلى السيد وزير التجارة والصناعة في 29 من ديسمبر سنة 1953، الذي يرجو فيه عرض أمر اعتزاله للخدمة على مجلس الوزراء طبقاً لقراري المجلس الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 الخاصين بتيسير خروج الموظفين من الخدمة وتسوية معاشهم على هذا الأساس، وهل يعتبر طلباً باعتزال الخدمة بطريق الاستقالة العادية بالمعنى وبالشروط والقيود المبينة في المواد 110 وما بعدها من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، أم أن اعتزال الخدمة على مقتضى قراري مجلس الوزراء المشار إليهما، ولو أنه يتلاقى مع الاستقالة العادية في أن الموضوع في كل منهما يثار بطلب من جانب صاحب الشأن وتنقطع رابطة التوظف بالقرار الإداري الصادر بقبوله، إلا أن اعتزال الخدمة هذا يتميز عن الاستقالة العادية بأحكام وأوضاع خاصة هي المشار إليها في القرارين سالفي الذكر؛ فتتخصص صفته وآثاره بتلك الأحكام والأوضاع الخاصة. و(الثانية) هل شاب إرادة المدعي عند تقديم طلب اعتزال الخدمة إكراه مفسد لرضاه أم لا؟
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنقطة الأولى، فقد أصدر مجلس الوزراء في 4 من نوفمبر سنة 1953 قراراً يقضي "بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك"، وكشف في القرار ذاته عن المصلحة العامة التي تغياها من إصداره وهي "الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية". ثم أصدر المجلس في 25 من نوفمبر سنة 1953 قراراً مكملاً للأول، وذلك بالموافقة "على منح الموظفين الذين يعتزلون الخدمة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء والمعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة، مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش، هذا مع مراعاة إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش...". ويبين من ذلك أن اعتزال الخدمة على مقتضى القرارين سالفي الذكر هو عملية إدارية، تثار بطلب يقدمه موظف من الدرجة الثانية فأعلى، خلال مدة الستين يوماً المشار إليها، وأن رابطة التوظف لا تنقطع إلا بموافقة مجلس الوزراء. وغني عن البيان أن اعتزال الخدمة على هذا الأساس لا يتم إلا إذا كانت موافقة مجلس الوزراء بقبول طلب اعتزال الخدمة تحقق للموظف جميع المزايا المبينة في القرارين الآنف ذكرهما، فلا يملك مجلس الوزراء أن يعزله من الخدمة على أساس القرارين المنوه عنهما بمزايا أقل مما جاء بهما، وإن كان ليس ثمة مانع من أن يوافق على اعتزاله الخدمة بمزايا أكثر إذا كان ذلك من سلطته طبقاً للقوانين واللوائح. كما له من الناحية الأخرى أن ينهي الخدمة على غير الأساس المتقدم ذكره مستعملاً في ذلك سلطاته الأخرى بالتطبيق للقوانين واللوائح، كالمادة 107 فقرة 6 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وتلك عندئذٍ تكون عملية إدارية أخرى بشروطها وأوضاعها الخاصة بها.
ومن حيث إنه لا وجه لما ينعاه الطعن على قرار مجلس الوزراء الصادر بقبول طلب اعتزال المدعي للخدمة من مخالفته للقانون، بمقولة إنه يشترط لتطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 أن يكون الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد بغير حساب المدة المضمومة كلها أو بعضها، وهذا المعاش لا يستحق إلا إذا كان قد استكمل خمساً وعشرين سنة في الخدمة أو بلغ سن الخمسين مع قضاء خمس عشرة سنة كاملة فيها، وهو ما لم يتوافر في حق المدعي؛ إذ ما كان قد استكمل سوى 1 يوم 11 شهر 24 سنة - لا وجه لذلك؛ إذ فضلاً عن أن قرار المجلس الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 صريح في إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، بما لا يترك مجالاً لأي شك في أن هذه المدة تعتبر بمثابة مدة خدمة تحسب في المعاش عند تسويته بالتطبيق لقراري مجلس الوزراء المتقدم ذكرهما - فضلاً عن ذلك، فإن من سلطة مجلس الوزراء أن يقرر لأسباب يكون تقديرها موكولاً إليه منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاشات للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من خدمة الحكومة وذلك بالتطبيق للمادة 38 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية، فلا تثريب عليه إن هو استعمل سلطته هذه في مناسبات اعتزال الخدمة على أساس القرارين المذكورين.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنقطة الثانية، فإن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن طلب اعتزال الخدمة - باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف - يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إذا توافرت عناصره وشروطه القانونية؛ وذلك بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطات رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون وجه حق وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته، وأن الإكراه بهذه المثابة يشتمل على عنصرين: عنصر موضوعي، وهو الوسائل التي تولد الإيحاء بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال، وعنصر نفساني، وهو الرهبة التي تبعثها تلك الوسائل في النفس بغير حق فتحمل الموظف على تقديم الاستقالة. وأن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
ومن حيث إن محصل ما ينعاه المدعي من إكراه شاب رضاه عند تقديمه طلب اعتزاله الخدمة أنه كان واقعاً تحت ضغط من أولي الشأن في الوزارة لحمله على تقديمه وإلا تعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 باحتمالاته التي قد تتمخض عن وضع أسوأ له، فلم يكن أمامه إلا أن يختار أخف الضررين، وأن ما اتبعته الوزارة معه يبلغ حد الوسائل غير المشروعة التي بعثت في نفسه بغير حق الرهبة الجدية التي ضغطت على إرادته فأفسدت رضاه.
ومن حيث إن ما ينسبه المدعي إلى الإدارة من مسلك اتخذته حياله بمناسبة تطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، لو صح وقوعه بالصورة التي يدعيها، لما كان إكراهاً مفسداً للرضا؛ لانتفاء ركن عدم المشروعية، سواء في الوسائل أو في الغاية؛ إذ يجب لكي يكون ثمة إكراه مفسد للرضا أن تبعث الرهبة بغير حق، أي بوسائل غير مشروعة ولغاية غير مشروعة، بينما هذا المسلك المزعوم لا يعدو أن يكون من جانب الإدارة تنفيذاً لقراري مجلس الوزراء المشار إليهما، وتحقيقاً لوجه المصلحة العامة التي تغياها هذان القراران، فلا تثريب على الإدارة - والحالة هذه - إن هي بصرت موظفاً ممن يعنيهم هذان القراران بالمزايا التي يفيد منها لو أنه اعتزل الخدمة بالتطبيق لأحكامهما، وبصرته في الوقت ذاته بما قد يتعرض له من احتمال تطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن؛ إذ الإدارة في مسلكها هذا لم تتخذ وسائل غير مشروعة أو تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة، بل سلكت المسلك الواجب بحكم وظيفتها في القيام على تنفيذ القوانين واللوائح، وتحقيق المصلحة العامة المقصودة منها، وهي مخاطبة بمقتضى القرارين المذكورين للعمل على تحقيق أغراضهما، فما تتخذه من موقف قبل موظف بمناسبة تطبيقهما يكون والحالة هذه مشروعاً في الوسيلة والغاية معاً. ولا يغير من هذا النظر التبصير في الوقت ذاته باحتمال التعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي ينطوي على مزايا أقل ويجعل الموظف في مركز أسوأ لو طبق في حقه؛ لأن ذلك لو صح من جانب الإدارة يكون أيضاً في ذاته مسلكاً مشروعاً في وسيلته وغايته، ما دام هو قانوناً من قوانين الدولة الواجبة التطبيق، كما ليس في التلويح به لموظف في مناسبة تطبيق القرارين سالفي الذكر انحراف بالسلطة عن طريق استعمال هذا القانون في غير الغاية التي شرع من أجلها؛ ذلك أن القرارين والقانون جميعها من التنظيمات العامة التي استهدفت في النهاية غاية واحدة هي إصلاح الأداة الحكومية ورفع مستواها. يقطع في ذلك ما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 600 لسنة 1953؛ إذ ربطت بينها جميعاً في الغاية والغرض؛ فبعد أن استهلت بالإشارة إلى القرارين وفحواهما والغرض منهما صرحت بما يلي "... وقد تقدم عدد قليل من الموظفين للإفادة من هذين القرار وبهذا لم ينتجا الأثر المطلوب من استصدارهما، ولهذا أعد مشروع القانون المرافق..."، فلا يمكن القول والحالة هذه بأن التلويح بتطبيق هذا القانون في مناسبة تطبيق قراري 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 هو انحراف بالسلطة باستعمال أداة قانونية لغير الغاية التي أعدت لها، ما دامت تلك التنظيمات تستهدف في النهاية أغراضاً واحدة.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 75 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

قرار مجلس الوزراء في 4/ 11/ 1953 - القول بأن سلطة الإدارة في تنفيذه تقف عند حد إذاعته على الموظفين دون التدخل بتحذيرهم من مغبة احتمال تطبيقه أو تطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 عليهم - غير صحيح قانوناً - حجة ذلك.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 52

(6)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 904 لسنة 3 القضائية

( أ ) إساءة استعمال السلطة - عيب الانحراف هو من العيوب القصدية في السلوك الإداري قوامه أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة - عرض الاستقالة على موظف وتبصيره بأحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 - اعتقاد الإدارة وقتئذٍ أنه غير صالح - مشروعية هذا المسلك.
(ب) استقالة - قرار مجلس الوزراء في 4/ 11/ 1953 - القول بأن سلطة الإدارة في تنفيذه تقف عند حد إذاعته على الموظفين دون التدخل بتحذيرهم من مغبة احتمال تطبيقه أو تطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 عليهم - غير صحيح قانوناً - حجة ذلك.
1 - القول بأن الإدارة إذا عرضت على الموظف اعتزال الخدمة ولوحت بتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 في شأنه يكون مسلكها مشروعاً إذا تبين للمحكمة فيما بعد أن الموظف غير صالح، ويكون غير مشروع إذا تبين لها أنه صالح - هذا القول لا يستقيم إلا إذا كانت الإدارة حين سلكت هذا المسلك توقن بأن الموظف صالح ومع ذلك حملته على اعتزال الخدمة بالتهديد بتطبيق القانون عليه؛ إذ يكون مسلكها عندئذٍ معيباً بإساءة استعمال السلطة وبالانحراف بها؛ باستعمال أداة قانونية في غير ما شرعت له، أما إذا كانت تعتقد وقتئذٍ أنه غير صالح فلا يكون مسلكها معيباً بمثل هذا العيب الخاص؛ إذ غني عن البيان أن إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها هو من العيوب القصدية في السلوك الإداري قوامه أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها.
2 - القول بأن سلطة جهات الإدارة في تنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 تقف عند حد إذاعته على الموظفين دون التدخل بعد ذلك في شيء، ليس صحيحاً؛ لأن الباعث على إصدار القرار هو إصلاح الأداة الحكومية ورفع مستواها عن طريق التخلص من الموظفين غير الصالحين من الدرجة الثانية فما فوقها، في قطاع هو مركز الصدارة، وفي منطقة هي جبهة القيادة من تلك الأداة، ولم يقصد القرار أبداً التخلص ممن توقن الإدارة بصلاحيتهم. ومن أجل هذا جعل الزمام بيد مجلس الوزراء، فلا يجيز الاعتزال إلا لمن يرى أنه غير صالح، كما أن القانون رقم 600 لسنة 1953 ليس منقطع الصلة بالقرار، بل هو مكمل له، وشرع لتحقيق الغاية ذاتها. وإذا كان ذلك هو فحوى القرار ثم القانون، وتلك هي الغاية التي يتلاقيان فيها فيكون من غير المقبول - والحالة هذه - القول بأن وظيفة الجهات الإدارية تقف فقط عند مجرد إذاعة القرار على الموظفين، بل هي على العكس من ذلك منوط بها تنفيذه والعمل على تحقيق أهدافه. فلا جناح عليها إن هي بصرت موظفاً ممن تعتقد أنهم ممن يعنيهم هذا القرار بما يفيده من مزايا اعتزال الخدمة بموجبه، وبصرته في الوقت ذاته بما قد يتعرض له من احتمال تطبيق القانون عليه إن لم يعتزل الخدمة بموجب القرار - لا جناح عليها في ذلك، بل هي مندوبة إليه؛ ومن ثم فهي في هذا كله لم تتخذ وسائل غير مشروعة، ولم تجاوز سلطتها أو تسئ استعمالها أو تنحرف بها، بل سلكت المسلك الواجب بحكم وظيفتها في القيام على تنفيذ القوانين واللوائح بروحها وتحقيق المصلحة العامة المنشودة منها.


إجراءات الطعن

في 3 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن قيد تحت رقم 904 سنة 3 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 30 من يونيه سنة 1957 في الدعوى المقامة من السيد/ عبد العزيز حسن النوتي ضد وزارة الزراعة والقاضي: بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ ألف وخمسمائة جنيه، والمصاريف المناسبة، ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة. وقد أعلن الطعن إلى المطعون عليه في 10/ 8/ 1957 وإلى وزارة الزراعة في 12/ 8/ 1957، وعين لنظر الدعوى جلسة 5 من أكتوبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، ثم أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما هو مستفاد من الأوراق، تتحصل في أن المطعون عليه أقام دعواه بصحيفة قال فيها إنه حصل على شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان علمي في سنة 1921، ثم رحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية على نفقته الخاصة طلباًً للدراسات العالية، حيث حصل على بكالوريوس في الزراعة من جامعة تكساس سنة 1925 وعلى درجة أستاذ في العلوم وماجستير في الصناعات الزراعية من جامعة كاليفورنيا سنة 1926، ثم قضى سنتين يتمرن تحت إشراف هذه الجامعة في أشهر مصانع المنتجات بكاليفورنيا. وأنه في منتصف سنة 1928 عاد إلى مصر وصادف آنئذٍ أن حكومتها قررت استدعاء خبير من أمريكا لإنشاء مصنع حكومي لحفظ وتجفيف البلح يكون نموذجاً لهذه الصناعة في مصر والبلاد العربية. ولما اتصلت وزارة الزراعة بهذا الخبير اعتذر وأشار عليها بأن تعهد في إنشاء هذا المصنع إلى المدعي لما ناله من علم وخبرة بذلك في أمريكا، وزكى ما أشار به الخبير الأستاذ المساعد لمنتجات الفاكهة بجامعة كاليفورنيا. وعلى أثر هذه التزكية المزدوجة وبسببها عين المدعي في وظيفة اختصاصي ثان لمصلحة البساتين بالسلك المؤقت بالدرجة الخامسة الدائمة مباشرة بقرار من مجلس الوزراء في 7 من أكتوبر سنة 1928. وما أن استلم عمله حتى اتصل بالشركات المختصة في أمريكا وأنشأ المصنع على أحدث طراز، ثم قام بإعداد مواصفات سائر مصانع المنتجات الزراعية بالمصلحة، وأشرف على إنشائها، وكان من أثر نجاحها أن قامت في أنحاء البلاد مصانع أهلية على غرار المصانع الحكومية أدت وما تزال تؤدي خدمات جليلة للاقتصاد القومي. هذا إلى أن مصانع الحكومة كانت تقوم تحت إشراف المدعي بتموين القوات المسلحة بالأغذية المحفوظة وما زالت قائمة بذلك إلى الآن. وأنه في سنة 1937 ندبت الحكومة المدعي للسفر إلى المملكة العربية السعودية لإدخال صناعة تجفيف البلح فيها، فأدى مهمته خير أداء، ثم مثل الحكومة في المؤتمر الدولي السابع للصناعات الزراعية الذي انعقد في بودابست عاصمة المجر في سنة 1939، وكذلك أوفد في سنة 1942 لزيارة مصانع الأغذية المحفوظة بفلسطين فأدخل ما اقتبسه منها في مصانع وزارة الزراعة، كما أوفد في سنة 1952 إلى العراق لزيارة مصانع حفظ البلح وتجفيفه، وقد قدم إلى الوزارة تقارير وافية عن كل مهمة من تلك المهام. ورغم هذا لم يرق المدعي إلى الدرجة الرابعة إلا في 6 من إبريل سنة 1944 ضمن المنسيين. غير أنه استدرك بعد ذلك بعض ما فاته مما لم يكن له ذنب فيه، فرقي إلى الدرجة الثالثة في أغسطس سنة 1948، فالثانية في نوفمبر سنة 1951، وكان مرشحاً للترقية إلى الدرجة الأولى في سنة 1953، إذ أن تقريره عن تلك السنة قد اعتبره في درجة جيد من جهة القدرة على العمل والمواظبة عليه والإنتاج فيه ومن جهة معاملته للجمهور والرؤساء والزملاء والمرءوسين. وفي هذه الأثناء ارتقى في وظيفته إلى اختصاصي أول بمصلحة البساتين؛ ثم إلى مساعد كبير الاختصاصيين بها. وأنه قد بلغ من تقدير وزارة الزراعة لعمل المدعي وجهده أن تقدمت إلى وزارة المالية أربع مرات طالبة منها الحصول على موافقة اللجنة المالية ومجلس الوزراء على تثبيته وحساب مدة خدمته المؤقتة في المعاش - المرة الأولى في سنة 1942، والثانية في سنة 1947، والثالثة في سنة 1948، والرابعة في سنة 1950 - فكانت وزارة المالية ترد على وزارة الزراعة بأنها ترى إرجاء النظر في حالة تثبيته تارة انتظاراً لوضع قواعد جديدة للمعاشات وتارة أخرى حتى يبت نهائياً في مشروع قانون المعاشات الذي كان معروضاً على البرلمان والذي ينظم حالات التثبيت بصفة عامة. وكان أن قرر مجلس الوزراء في 4 من نوفمبر سنة 1953 ضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك. والباعث - كما يقول القرار ذاته - إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية. وما أن أوشك الميعاد المحدد في القرار على نهايته حتى صدر القانون رقم 600 لسنة 1953 في 9 ديسمبر سنة 1953، مجيزاً لمجلس الوزراء - بناءً على اقتراح لجنة إدارية يشكلها - أن يحيل إلى المعاش من تتبين عدم صلاحيته لوظيفته من الموظفين من الدرجة الثانية فما فوقها قبل بلوغ السن المقررة لترك الخدمة على أساس ضم مدة لا تجاوز السنة مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة وذلك خلال مدة تبدأ من 3 من يناير سنة 1954 وتنتهي في 10 منه. وقد حظر هذا القانون الطعن بالإلغاء أو بوقف التنفيذ في القرارات التي تصدر تطبيقاً لأحكامه، كما منع سماع الدعاوى الخاصة بالتعويض عنها أمام المحاكم على اختلاف أنواعها. ثم حدث في يوم 29 من ديسمبر سنة 1953 أن استدعى المدعي لمقابلة الدكتور عباس الساوي الوكيل المساعد لوزارة الزراعة بمكتب السيد علي صادق مدير قسم المشاتل والتجارب بمصلحة البساتين، وفي حضور هذا المدير كلف الوكيل المساعد المدعي أن يقدم استقالته من وظيفته على أساس القواعد التي تضمنها قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، ولما سأله المدعي عن الأسباب التي جعلت الوزارة تطلب منه الاستقالة أجابه أن اسمه ضمن كشف وضعته لجنة مشكلة من أربعة وزراء لإخراج من فيه من الخدمة، وقد ورد هذا الكشف للوزارة من المراجع العليا، ثم نصحه هو والسيد علي صادق بالاستقالة؛ كيما يخرج بكرامته. وقد فهم المدعي من ذلك أنه إذا لم يعتزل الخدمة طوعاً عملاً بقرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 فإنه من المقرر فصله بالتطبيق للقانون رقم 600 لسنة 1953 على اعتبار عدم صلاحيته لوظيفته. وكانت صدمة قاسية تلك التي تلقاها في وقت كان ينتظر فيه الترقية إلى الدرجة الأولى ويأمل لكفايته المعروفة للوزارة أن تسنح له الفرصة لمزيد من الرقي خلال السنوات الست الباقية له في الخدمة. وفي مساء اليوم ذاته عرض المدعي على أخيه الأستاذ محمد حسن النوتي المحامي ما كان من أمر الدكتور عباس الساوي معه طالباً منه الرأي، فاستمهله حتى يتحرى الأمر من الدكتور الساوي، وقد قابله يوم 31 من ديسمبر سنة 1953 فكرر النصح بالاستقالة ضناً بالكرامة. وكان المدعي قد قابل الدكتور محمد بهجت مدير مصلحة البساتين بالنيابة غداة مقابلته للوكيل المساعد وأبلغه ما حصل، فأخبره المدير أنه لا يعرف شيئاً عن هذا الأمر؛ إذ لم يسبق أخذ رأيه فيه، واستمهله هو كذلك حتى يقصد الوزارة مستفسراً، ولما عاد قال له إنه تحدث مع السيد يونس ثابت الوكيل الدائم في خصوصه، وعلم منه أن الكشف الذي تضمن اسمه ورد الوزارة من الجهات العليا وأنها هي لا شأن لها في أمره. ونظراً إلى أن ميعاد العمل بالقانون رقم 600 لسنة 1953 يبدأ يوم 3 من يناير سنة 1954 وبه ينتهي ميعاد العمل بقرار مجلس الوزراء المؤرخ 4 من نوفمبر سنة 1953، فقد اضطر - خشية معاملته بهذا القانون بما ينطوي عليه من مضرة مادية وإيذاء أدبي - أن يقدم استقالته في يوم 2 من يناير سنة 1954 على أساس قرار مجلس الوزراء سالف الذكر. وفي 11 من يناير سنة 1954 أصدر السيد وزير الزراعة أمره بقبول الاستقالة اعتباراً من أول يناير سنة 1954 وأبلغ المدعي بهذا القرار يوم 16 من يناير سنة 1954. واستطرد المدعي إلى القول بأن تكليفه بالاستقالة على الوجه السابق الذكر - ودليله عليه استشهاد السادة عباس الساوي وعلي الصادق ومحمد حسن النوتي ومحمد بهجت ويونس ثابت والظروف التي حصل فيها هذا التكليف وهي مستفادة من المقارنة بين نصوص قرار مجلس الوزراء المؤرخ 4 من نوفمبر سنة 1953 وبين أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 والملابسات التي سبقت مباشرة الاستقالة وصاحبتها وتلتها، وهي ثابتة من تظلمات المدعي من تكليفه بتقديمها - كل ذلك لا يدع شكاً في أن هذه الاستقالة لم تصدر منه عن إرادة حرة ورغبة صحيحة ورضاء طليق، بل صدرت تحت ضغط من الإدارة جاوزت به حدود سلطتها، فجاوز بدوره حدود التصرف المشروع؛ إذ لم يكن لوكيل الوزارة المساعد أن يكلف المدعي بالاستقالة وأن ينصحه بها على هذه الصورة التي ألقت في نفسه رهبة حملته على تقديمها، بل كان متعيناً على الإدارة أن تترك المدعي وشأنه يختار حراً ما يراه أصلح له وهو أعرف الناس بظروفه وأقدرهم على اختيار السبيل الملائم لها؛ وبذلك تكاملت عناصر الإكراه الأدبي الذي يفسد الرضا ويبطل الإرادة، وأنه قد جرى قضاء محكمة القضاء الإداري على أن القرار الإداري الصادر بقبول استقالة شابها هذا الإكراه يكون مخالفاً للقانون على اعتبار أنه فصل غير مشروع. وانتهى المدعي إلى طلب الحكم بإلزام الحكومة بأن تؤدي إليه على سبيل التعويض مبلغ 260 م و5381 ج والفوائد بسعر 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء مع مصروفات الدعوى. وقد ردت الحكومة على الدعوى بأنه بتاريخ 2/ 1/ 1954 أرسل المدعي طلباً يلتمس فيه الموافقة على اعتزاله الخدمة مع ضم سنتين لمدة خدمته وحفظ حقه في الأجزى له في المكافأة أو الادخار تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 16/ 12/ 1953، وقد صدر أمر الوزارة رقم 546 بتاريخ 11/ 1/ 1954 بقبول استقالته من 1/ 1/ 1954 مع ضم السنتين إلى مدة خدمته. وقررت الحكومة أن ما ورد بالعريضة من أن السيد وكيل الوزارة المساعد قد كلف المدعي بالاستقالة ثم نصحه هو والسيد مدير قسم المشاتل والتجارب بمصلحة البساتين كي يخرج بكرامته لا يتفق والحقيقة. والذي حدث فعلاً هو إبلاغ المدعي وغيره بقرار مجلس الوزراء وبالقانون رقم 600 لسنة 1953، وكان للمدعي، كما كان لغيره من الموظفين الذين ينطبق عليهم القرار المذكور، مطلق الحرية في اختيار الطريق الذي يرون سلوكه. وفي 30 من يونيه سنة 1957 صدر الحكم المطعون فيه بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ 1500 ج والمصاريف المناسبة ومقابل أتعاب المحاماة. واستند في أسبابه إلى أنه لا يوجد في ملف خدمة المدعي ما يفيد أنه وجه إليه يوماً لوم أو نسب إليه تقصير أو قدم لمحاكمة، بل على العكس من ذلك كانت شهادة رؤسائه عنه في كل مرة عند تجديد عقده تحمل الثناء عليه والرضا عن عمله. وأن من كانت له ظروف المدعي لا يقبل على طلب اعتزال الخدمة طائعاً مختاراً، بل لا بد أن يكون هناك دافع له على تقديمها، مما يدعو المحكمة لأن تطمئن إلى صدق أقوال المدعي فيما يتعلق بالحديث الذي يقول إنه دار بين الدكتور عباس الساوي وكيل الوزارة المساعد وبينه في هذا الشأن في حضور السيد علي صادق مدير قسم المشاتل، لا سيما وقد رفضت الوزارة الإذن لموظفيها بإبداء أقوالهم في هذه الواقعة دون أن تبدي لهذا الرفض سبباً، وأن تهديد الموظف الصالح بفصله طبقاً لأحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي ما شرع إلا لفصل غير الصالح من الموظفين يعتبر تهديداً بأمر غير مشروع، هو الانحراف في تطبيق القانون، مما تتوافر معه عناصر الإكراه ويكون طلب الاستقالة المقدم منه تحت تأثير هذا التهديد باطلاً لانعدام ركن الرضاء، ويكون القرار الصادر بقبولها باطلاً لانعدام ركن السبب. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم، وبنى طعنه على أنه إن صح جدلاً أن وزارة الزراعة لوحت للمدعي بتطبيق أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 عليه، فإن التلويح بتطبيق قانون من قوانين الدولة لا يصح اعتباره إكراهاً مفسداً للرضاء؛ لأن تطبيق الجهة الإدارية لأحكام أي قانون إنما مرده إلى السلطة التي خولها إياها ذلك القانون؛ وعلى ذلك يكون تصرفها عملاً مشروعاً، والإكراه المفسد للرضاء ينبغي أن يقوم على تهديد بعمل غير مشروع. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون، متعيناً الطعن فيه.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار النزاع ينحصر فيما إذا كان قد شاب إرادة المدعي عند تقديم طلب اعتزال الخدمة إكراه مفسد للرضا من عدمه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن طلب اعتزال الخدمة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إذا توافرت عناصره وشروطه القانونية؛ وذلك بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون وجه حق وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته. وأن الإكراه يشتمل على عنصرين: عنصر موضوعي، وهو الوسائل التي تولد الإيذاء بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال، وعنصر نفساني، وهو الرهبة التي تبعثها تلك الوسائل في النفس بغير حق فتحمل الموظف على تقديم الاستقالة. وأن الإكراه - باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري - يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
ومن حيث إن محصل ما ينعاه المدعي من إكراه شاب رضاه عند تقديم طلب اعتزال الخدمة أنه كان واقعاً عند تقديم هذا الطلب تحت ضغط عليه من أولي الشأن في الوزارة وإلا تعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه باحتمالاته التي قد تتمخض عن وضع أسوأ له، فلم يكن أمامه إلا أن يختار أخف الضررين، وأن ما اتبعته الوزارة معه ينهض إلى حد الوسائل غير المشروعة التي بعثت في نفسه بغير حق الرهبة الجدية التي أفسدت رضاه.
ومن حيث إن ما ينسبه المدعي إلى الإدارة من موقف اتخذته حياله بمناسبة تطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 لو صح لما كان إكراهاً مفسداً للرضا؛ لانتفاء ركن عدم المشروعية، سواء في الوسائل أو في الغاية؛ إذ ينبغي لكي يكون ثمة إكراه من هذا القبيل أن تبعث الرهبة بوسائل غير مشروعة ولغاية غير مشروعة؛ حتى يصدق على الرهبة أن الإدارة قد بعثتها في نفسه بغير حق؛ ذلك أن هذا الموقف لا يعدو أن يكون من جانب الإدارة تنفيذاً لأغراض قراري مجلس الوزراء المشار إليهما وتحقيقاً لوجه المصلحة العامة التي تغياها هذان القراران، فلا تثريب على الإدارة - والحالة هذه - إن هي بصرت موظفاً ممن يعنيهم هذان القراران بالمزايا التي يفيد منها بالتطبيق لأحكامهما، وبصرته في الوقت ذاته بما قد يتعرض له من احتمال تطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن - إن الإدارة في مسلكها هذا لم تتخذ وسائل غير مشروعة أو تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة، بل سلكت المسلك الواجب بحكم وظيفتها في القيام على تنفيذ القوانين واللوائح؛ إذ هي مخاطبة بمقتضى القرارين المذكورين للعمل على تحقيق أغراضهما. فموقفها في تطبيقهما يكون - والحالة هذه - مشروعاً في الوسيلة والغاية معاً. ولا يغير من هذا النظر التبصير في الوقت ذاته باحتمال التعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي ينطوي على مزايا أقل ويجعل الموظف في مركز أسوأ لو طبق في حقه؛ لأن ذلك لو صح من جانب الإدارة يكون في ذاته مسلكاً مشروعاً في وسيلته وغايته، ما دام هو قانوناً من قوانين الدولة الواجبة التطبيق. كما وليس في التلويح به لموظف في مناسبة تطبيق القرارين سالفي الذكر انحراف بالسلطة عن طريق استعمال هذا القانون في غير الغاية التي أعد لها؛ ذلك أن القرارين والقانون جميعها من التنظيمات العامة التي تستهدف في النهاية غاية واحدة هي إصلاح الأداة الحكومية ورفع مستواها، يقطع في ذلك ما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 600 لسنة 1953 إذ ربطت بينها في الغاية والغرض؛ فبعد أن استهلت بالإشارة إلى القرارين والغرض المقصود منهما صرحت بما يلي ".... وقد تقدم عدد قليل من الموظفين للإفادة من هذين القرارين وبهذا لم ينتجا الأثر المطلوب من استصدارهما. ولهذا أعد مشروع القانون المرافق..."، فلا يمكن القول - والحالة هذه - بأن التلويح بتطبيق هذا القانون في مناسبة تطبيق قراري 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 هو انحراف بالسلطة باستعمال أداة قانونية لغير الغاية التي أعدت لها ما دامت تلك التنظيمات تستهدف في النهاية أغراضاً واحدة.
ومن حيث إنه لا غناء في هذا الشأن فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن التلويح أو التصريح بتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 ليس عملاً مشروعاً في كل الأحوال، بل يتوقف على ما إذا كان يتبين للمحكمة أن الموظف صالح أو غير صالح، فإن تبين أنه صالح كان ما فعلته الإدارة انحرافاً بالسلطة بتطبيق القانون في غير ما أعد له، وكان حمل الموظف على اعتزال الخدمة تحت هذا الضغط إكراهاً مستكملاً عناصره وأركانه القانونية مفسداً للرضا بطلب اعتزال الخدمة، أما إذا تبين أن الموظف غير صالح فإنها تستعمل حقها في تطبيق القانون، ولا يكون التهديد في مثل هذه الحالة إلا نصيحة تسدى إلى الموظف ليقدم استقالته بدلاً من فصله - كما لا غناء لذلك فيما جاء بمذكرة المدعي الأخيرة من أنه لا يدخل في سلطة جهات الإدارة عقب صدور قرار مجلس الوزراء في 4 من نوفمبر سنة 1953 أن تكلف أي موظف بأن يستقيل عملاً بأحكامه، بل يقف سلطانها في تنفيذه عند حد إذاعته على الموظفين، فإذا جاوزت ذلك إلى تكليف الموظف بالاستقالة وقرنت التكليف بتهديده بالمعاملة بقانون أقل مزايا من القرار كان ذلك منها مجاوزة لسلطتها، وهي عمل آخر غير مشروع إلى جانب الانحراف بها في تطبيق قانون في غير ما شرع له - لا غناء في هذا كله؛ لأن القول بأن مسلك الإدارة يكون مشروعاً إذا تبين للمحكمة فيما بعد أن الموظف غير صالح ويكون غير مشروع إذا تبين لها أنه صالح لا يستقيم إلا إذا كانت الإدارة حين سلكت هذا المسلك توقن بأن الموظف صالح ومع ذلك حملته على اعتزال الخدمة بالتهديد بتطبيق القانون عليه؛ إذ يكون مسلكها عندئذ معيباً بإساءة استعمال السلطة وبالانحراف بها باستعمال أداة قانونية في غير ما شرعت له، أما إذا كانت تعتقد وقتئذٍ أنه غير صالح فلا يكون مسلكها معيباً بمثل هذا العيب الخاص؛ إذ غني عن البيان أن إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها هو من العيوب القصدية في السلوك الإداري قوامه أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها. كما أنه ليس بصحيح أن سلطة جهات الإدارة في تنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 تقف عند حد إذاعته على الموظفين دون التدخل بعد ذلك في شيء - ليس ذلك صحيحاً؛ لأن الباعث على إصدار القرار هو - كما سلف القول - إصلاح الأداة الحكومية ورفع مستواها عن طريق التخلص من الموظفين غير الصالحين من الدرجة الثانية فما فوقها، في قطاع هو مركز الصدارة، وفي منطقة هي جبهة القيادة من تلك الأداة، ولم يقصد القرار أبداً التخلص ممن توقن الإدارة بصلاحيتهم؛ ومن أجل هذا جعل الزمام بيد مجلس الوزراء، فلا يجيز الاعتزال إلا لمن يرى أنه غير صالح. والقانون المشار إليه ليس منقطع الصلة بالقرار، بل هو - كما سبق إيضاحه - مكمل له، وشرع لتحقيق الغاية ذاتها، وإذا كان ذلك هو فحوى القرار ثم القانون، وتلك هي الغاية التي يتلاقيان فيها؛ فيكون من غير المقبول - والحالة هذه - القول بأن وظيفة الجهات الإدارية تقف فقط عند مجرد إذاعة القرار على الموظفين، بل هي على العكس من ذلك منوط بها تنفيذه والعمل على تحقيق أهدافه. فلا جناح عليها إن هي بصرت موظفاً ممن تعتقد أنهم ممن يعنيهم هذا القرار بما يفيده من مزايا اعتزال الخدمة بموجبه وبصرته في الوقت ذاته بما قد يتعرض له من احتمال تطبيق القانون عليه إن لم يعتزل الخدمة بموجب القرار - لا جناح عليها في ذلك، بل هي مندوبة إليه؛ ومن ثم فهي في هذا كله لم تتخذ وسائل مشروعة ولم تجاوز سلطتها أو تسئ استعمالها أو تنحرف بها، بل سلكت المسلك الواجب بحكم وظيفتها في القيام على تنفيذ القوانين واللوائح بروحها وتحقيق المصلحة العامة المنشودة منها.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه؛ ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 83 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

طلب اعتزال الموظف الخدمة طبقاً لقرارات مجلس الوزراء الصادر في 4 و25/ 11 و 9/ 12/ 1953 - مجلس الوزراء هو السلطة التي تملك التصرف في هذا الطلب - إنهاء رابطة التوظف يكون بصدور قرار من مجلس الوزراء بالموافقة على طلب اعتزال الخدمة وليس بقرار الوزير الذي يصدر تنفيذاً لقرار المجلس .

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1958 إلى أخر يناير سنة 1959) - صـ 157

(14)
جلسة 22 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني ومحيي الدين حسن وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 722 لسنة 3 القضائية

استقالة - طلب اعتزال الموظف الخدمة طبقاً لقرارات مجلس الوزراء الصادر في 4 و25/ 11 و 9/ 12/ 1953 - مجلس الوزراء هو السلطة التي تملك التصرف في هذا الطلب - إنهاء رابطة التوظف يكون بصدور قرار من مجلس الوزراء بالموافقة على طلب اعتزال الخدمة وليس بقرار الوزير الذي يصدر تنفيذاً لقرار المجلس - استمرار الموظف في عمله بعد ذلك بالتطبيق للمادتين 111 و114 من قانون نظام موظفي الدولة لا يغير من الأمر شيئاً - الأجر في هذه الحالة يكون نظير العمل الذي يقوم به بعد إنهاء مدة خدمته - صدور قرار بترقية موظف بعد موافقة مجلس الوزراء على اعتزاله الخدمة - قرار معدوم لأنه لم يصادف محلاً.
أصدر مجلس الوزراء في 4 من نوفمبر سنة 1953 قراراً يقضي بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك, وكشف في القرار ذاته عن المصلحة العامة التي تغياها من إصداره, وهي الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة وخريجي الجامعات والمعاهد العالية. وفي 25 من نوفمبر سنة 1953 أصدر قراراً مكملاً للأول بالموافقة على منح الموظفين المشار إليهم الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء وبين المعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش. وفي 9 من ديسمبر سنة 1953 صدر قرار من مجلس الوزراء بسريان القرارين المشار إليهما على موظفي الدرجة الثالثة فما دونها. وظاهر مما تقدم أن نصوص القرارات المذكورة صريحة بأن مجلس الوزراء هو السلطة التي تملك التصرف في طلب اعتزال الخدمة سواء بالقبول أو الرفض على خلاف التصرف في طلب الاستقالة العادية, فالوزير المختص أو رئيس المصلحة بحسب الأحوال هو الذي يملك ذلك؛ ومن ثم فإن رابطة التوظف تنتهي بصدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على طلب اعتزال الخدمة, وليس بقرار الوزير الذي يصدر تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء المذكور. وبناء على ذلك فلا وجه لما يتحدى به المدعي من أن قرار ترقيته صدر سليماً بمقولة إن رابطة التوظف تظل قائمة حتى 5 من فبراير سنة 1954, وهو اليوم التالي لإبلاغه قرار مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزاله الخدمة وفقاً للمادتين 111 و115 من القانون رقم 210 لسنة 1951 اللتين تقضيان بأنه يجب على الموظف أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ قرار قبول الاستقالة, وفي حالة انتهاء الخدمة بقرار من مجلس الوزراء يستحق الموظف مرتبه إلى اليوم الذي يبلغ فيه القرار؛ ذلك أن العلاقة الوظيفية بين الحكومة والموظف إنما تنفصم عراها متى قام سبب من أسباب انتهاء الخدمة التي عددتها المادة 107 من القانون المشار إليه, وهو في هذه الحالة القرار الصادر من مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزال الخدمة. أما استمرار الموظف في القيام بأعمال وظيفته, سواء بالتطبيق للمادة 111 أو بالتطبيق للمادة 114 فلا يغير من الأمر شيئاً؛ ذلك أن الخدمة تعتبر منتهية بتحقق سببها طبقاً للمادة 107 وإنما يعتبر الأجر الذي يستحقه الموظف إذا استمر في عمله مؤقتاً بعد ذلك كمكافأة نظير العمل يقوم به بعد انتهاء مدة الخدمة. ومن ثم فمتى كانت مدة خدمة المطعون عليه قد انتهت بالقرار الصادر من مجلس الوزراء في 7 من يناير سنة 1954 بالموافقة على اعتزاله الخدمة, فإن القرار الصادر بترقيته بعد ذلك في 19 من يناير سنة 1954 يكون معدوماً؛ إذ لم يصادف محلاً يقبله ويقع عليه بعد إذ لم يعد المدعي موظفاً قابلاً للترقية.


إجراءات الطعن

في 4 من مايو سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن قيد تحت رقم 722 لسنة 3 ق في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 2 من مارس سنة 1957 في الدعوى رقم 414 لسنة 2 ق المقامة من السيد/ محمد متولي زين الدين ضد وزارة الشئون البلدية والقروية, القاضي بإلغاء القرار رقم 10 لسنة 1955 الصادر في 2 من مايو سنة 1955 فيما تضمنه من إلغاء قرار ترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة, وما يترتب على ذلك من آثار, وبإلزام الوزارة المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وقد أعلن الطعن إلى المطعون عليه في 25 من يونيه سنة 1957, وإلى وزارة الشئون البلدية والقروية في 23 من يونيه سنة 1957, وعين لنظر الدعوى جلسة 25 من أكتوبر سنة 1958, وفيها سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر, ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم, ورخصت في تقديم مذكرات خلال عشرة أيام.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
( أ ) عن الدفع بعدم قبول الطعن لرفعه بعد الميعاد:
من حيث إن المطعون عليه دفع بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد بمقولة إن الحكم المطعون فيه صدر في 2 من مارس سنة 1957, وقدم الطعن في 4 من مايو سنة 1957 بعد انقضاء الستين يوماً المحددة لتقديمه.
ومن حيث إن ميعاد الستين يوماً كان ينتهي في أول مايو سنة 1957, إلا أن اليوم الأخير صادف عطلة رسمية لمناسبة عيد الفطر من يوم الثلاثاء من 30 من أبريل سنة 1957 حتى يوم الجمعة 3 من مايو سنة 1957. ولما كانت المادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه "إذا صادف آخر الميعاد عطلة رسمية امتد إلى أول يوم عمل بعدها", وكان الطعن الحالي قد رفع بإيداع صحيفته سكرتيرية المحكمة في 4 من مايو سنة 1957 فإنه يكون مرفوعاً في الميعاد القانوني.
ومن حيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية.
ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 414 لسنة 2 القضائية على وزارة الشئون البلدية والقروية أمام المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 4 من يوليه سنة 1955 طلب فيها الحكم بإلغاء قرار وزارة الشئون البلدية والقروية رقم 10 لسنة 1955 الصادر في 2 من مايو سنة 1955 بإلغاء ترقيته إلى الدرجة الرابعة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأورد بياناً لدعواه في عريضتها وفي مذكراته أنه في 30 من ديسمبر سنة 1953 قدم طلباً لاعتزال الخدمة طبقاً لقرارات مجلس الوزراء الصادر في ديسمبر سنة 1953. وفي 7 من يناير سنة 1954 وافق مجلس الوزراء على طلب الاعتزال وأبلغ إليه هذا القرار في 4 من فبراير سنة 1954؛ إذ ظل مستمراً في عمله إلى هذا التاريخ. وقد لاحظ عند قبضه مرتبه بعد اعتزاله الخدمة أنه مقيد في الدرجة الخامسة مع أنه كان قد رقى إلى الدرجة الرابعة بقراري لجنة شئون الموظفين في 26 و27 من ديسمبر سنة 1953 المعتمدين من الوكيل الدائم للوزارة في 19 من يناير سنة 1954 أثناء قيامه بعمله, وقبل أن يبلغ بقرار الموافقة على طلب اعتزال الخدمة. فبادر إلى تقديم طلب لتسوية حالته على أساس الترقية سالفة الذكر. وفي 30 من مايو سنة 1955 تلقى كتاباً من مفتش مباني الجيزة والفيوم يبلغه فيه بأن الوزارات أصدرت القرار رقم 10 لسنة 1955 في 2 من مايو سنة 1955 بإلغاء القرار رقم 6131 لسنة 1953 الصادر في 5 من أبريل سنة 1954 فيما تضمنه من ترقية إلى الدرجة الرابعة، فقدم تظلماً إلى الوزير في أول يونيه سنة 1955 طالباً إلغاء قرار سحب الترقية المشار إليها. وفي 4 من يوليه سنة 1955 تلقى رد الوزارة برفض تظلمه, وأضاف أن قرار 2 من مايو سنة 1955 بإلغاء ترقيته إلى الدرجة الرابعة جاء مخالفاً للقانون؛ لأنه منح تلك الدرجة طبقاً لدوره في الأقدمية ووفقاً لإجراءات صحيحة تمت أثناء وجوده في الخدمة وقبل أن يبلغ بقرار مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزاله الخدمة, وقد أيدته شعبة الأشغال العامة في موقفه من الوزارة المدعى عليها؛ ولأن قرار الترقية قد اكتسب حصانة تمنع من الإلغاء أو السحب بانقضاء الستين يوماً من تاريخ اعتماده في 19 من يناير سنة 1954.
ومن حيث إن الوزارة المدعى عليها ردت على الدعوى بكتابها المؤرخ 9 من أغسطس سنة 1955, فقالت إن المدعي عين بالخدمة اعتباراً من 30 من مايو سنة 1918, وتدرج في الوظائف الحكومية إلى أن رقى للدرجة الخامسة اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1950, وبمناسبة قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين من أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلبات خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك, وأن هذا المبدأ يطبق بمقتضى القرار الصادر من المجلس في 9 من ديسمبر سنة 1953 على موظفي الدرجة الثالثة فما دونها. وقد تقدم المدعي بطلب لاعتزال الخدمة في 30 من ديسمبر سنة 1953, فوافق مجلس الوزراء على طلبه في 7 من يناير سنة 1954, وأحيل فعلاً إلى المعاش اعتباراً من 5 من فبراير سنة 1954 بموجب قرار وزارة الأشغال العمومية رقم 1202/ 3 الصادر في 20 من أبريل سنة 1954. وقبيل تقديمه طلب اعتزاله الخدمة كانت لجنة شئون الموظفين بالمصلحة قد وافقت بجلستها في 26 و27 من ديسمبر سنة 1953 على ترقيته للدرجة الرابعة في نسبة الأقدمية, وقد اعتمد الوكيل الدائم هذه الترقية بتاريخ 19 من يناير سنة 1954 وصدر القرار الوزاري رقم 1131/ 53 بترقيته إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من 19 من يناير سنة 1954, وعندما أحيل إلى المعاش في 5 من فبراير سنة 1954 طالب باستحقاقه لعلاوة الترقية من أول فبراير سنة 1954, وبالاستعلام من ديوان الموظفين أفتى بكتابه رقم 163/ 1/ 3 في 15 من نوفمبر سنة 1954 بأن مجلس الوزراء قرر إحالة هذا الموظف إلى المعاش بجلسته المنعقدة في 7 من يناير سنة 1954, وقد أصبح القرار نافذاً من تاريخ صدوره وترتب عليه أثره وهو انتهاء الخدمة فلم تصادف الترقية الصادرة في 19 من يناير سنة 1954 محلاً لها مما يتعين معه رفض الطلب المقدم منه واعتبار 7 من يناير سنة 1954 هو تاريخ انتهاء الخدمة قانوناً, وأما استحقاق الراتب حتى تاريخ التبليغ فلا يؤثر في اعتبار الخدمة منتهية؛ إذ هو حكم خاص محدود في خصوصيته, إلا أن شعبة الأشغال العامة أفتت بجلستها المنعقدة في 17 من مارس سنة 1954 بأن هذه الترقية قد صادفت محلاً ما دامت العلاقة الوظيفية قد ظلت مستمرة حتى تاريخ إبلاغه القرار الصادر من مجلس الوزراء بالموافقة على طلبه اعتزال الخدمة. وللخلاف في الرأي بين ديوان الموظفين وشعبة الأشغال العامة في هذا الموضوع اقترح الديوان بكتابه رقم 163/ 1/ 3 في 24 من مارس سنة 1955 استفتاء قسم الرأي مجتمعاً, وفي 21 من أبريل سنة 1955 أشر وكيل الوزارة بألا محل للترقية بعد صدور قرار مجلس الوزراء, فصدر القرار رقم 10/ 1955 بإلغاء ترقية المدعي, ثم خلصت الوزارة من ذلك إلى ما يأتي: أولاً - إن مجلس الوزراء وافق على طلب اعتزال الخدمة في 7 من يناير سنة 1954 وأخطر به المدعي في 23 من يناير سنة 1954 وظل في العمل لإخلاء طرفه حتى يوم 4 من فبراير سنة 1954 وأحيل إلى المعاش من 5 من فبراير سنة 1954 مع ضم سنتين من أول يناير سنة 1954 وفقاً للشروط التي قررها مجلس الوزراء في 25 من نوفمبر سنة 1953. ثانياً - إن القرار الصادر بترقية المدعي لم يكتسب حصانة بل دارت مكاتبات بشأنه بين وزارة الإشغال وديوان الموظفين بصدد قانونيته إلى أن انتهى الرأي بسحبه وإلغاء الترقية في الميعاد القانوني. ثالثاً - إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 يقضي بأن يكون منح الفرق مشاهرة عن المدة المضمونة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش، فإذا اعتبرت الترقية الصادر بها قرار 19 من يناير سنة 1954 قائمة لها وجود فيستحق علاوة الترقية من أول فبراير سنة 1954, أي بعد أول يناير سنة 1954, الأمر المخالف لنص قرار مجلس الوزراء المشار إليه من عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة, وأضافت أن نص المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تقضي بانتهاء خدمة الموظف بالقرار الصادر بقبول الاستقالة, وانتهت في دفاعها إلى طلب الحكم برفض الدعوى.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف قضت بجلسة 2 من مارس سنة 1957 بإلغاء القرار رقم 10/ 1955 الصادر في 21 من مايو سنة 1955 فيما تضمنه من إلغاء ترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة وما يترتب على ذلك من آثار, وألزمت المدعى عليها بالمصروفات والأتعاب, مؤيدة في ذلك ما انتهى إليه رأي مفوض الدولة أمامها في تقريره الثاني الذي ذهب فيه إلى أن قرار الترقية صدر صحيحاً مستكملاً أوضاعه القانونية؛ ومن ثم يكون القرار القاضي بسحبه وإلغاء ترقية المدعي على غير أساس قانوني. وقالت المحكمة الإدارية إن مجلس الوزراء وافق على مذكرة وزارة الأشغال من حيث المبدأ إعمالاً للسلطة المخولة له في قراري 4 من نوفمبر و9 من ديسمبر سنة 1953 على أن تتم إجراءات اعتزال المدعي للخدمة بوساطة السلطات المختصة, أي أن إنهاء مدة خدمة المدعي في الحكومة لا تتم إلا بقرار وزاري من الوزير المختص أو من ينوب عنه وفقاً لأحكام القانون, وقد ظل المدعي قائماً بأعباء وظيفته حتى بعد إبلاغه قرار مجلس الوزراء إلى يوم 5 من فبراير سنة 1954 تاريخ إحالته إلى المعاش بقرار أقرت فيه الوزارة بأنه موظف بالدرجة الرابعة؛ وبذلك تكون علاقته الوظيفية قائمة ومستمرة إلى ذلك التاريخ.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 4 من مايو سنة 1957 طلب فيها الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات, واستند في أسباب طعنه إلى أن المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن للموظف أن يستقيل من الوظيفة وتكون الاستقالة مكتوبة وخالية من أي قيد أو شرط, ولا تنتهي خدمة الموظف إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة, وقال إن هذه المادة قد عينت التاريخ الذي تنتهي فيه خدمة الموظف المستقيل بمجرد قبول الاستقالة من يملك ذلك, وبالتالي يكون القرار الصادر بترقية المدعي إذ جاء لاحقاً للقرار الصادر من مجلس الوزراء بقبول استقالته قد وقع على غير محل مما يخول الإدارة الحق في سحبه نزولاً على أحكام القانون؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار النزاع ينحصر في نقطتين: (الأولى) تكييف ماهية الطلب المقدم من المدعي في 30 من ديسمبر سنة 1953 لاعتزال الخدمة طبقاً لقرارات مجلس الوزراء الصادرة في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 و9 من ديسمبر سنة 1953 بتيسير خروج الموظفين من الخدمة وتسوية معاشهم على هذا الأساس. و(الثانية) تاريخ انتهاء خدمة الموظف المشار إليه وهل تعتبر من تاريخ موافقة مجلس الوزراء على قبول الاستقالة, أو من تاريخ صدور القرار من الوزير المختص بإبلاغ الموظف موافقة مجلس الوزراء أو من تاريخ إبلاغ الموظف وعلمه بالموافقة.
ومن حيث إنه عن النقطة الأولى فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن مثل هذا الطلب لا يعتبر طلباً باعتزال الخدمة بطريق الاستقالة العادية بالمعنى وبالشروط والقيود المبينة في المادة 110 وما بعدها من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, بل هو اعتزال للخدمة من نوع خاص على مقتضى قرارات مجلس الوزراء المشار إليها, ولو أنه يتلاقى مع الاستقالة العادية في أن الموضوع في كل منهما يثار بطلب من جانب صاحب الشأن وتنقطع رابطة التوظف بالقرار الإداري الصادر بقبوله من الجهة المختصة، إلا أن اعتزال الخدمة هذا يتميز عن الاستقالة العادية بأحكام وأوضاع خاصة هي المشار إليها في القرارات سالفة الذكر فتتخصص صفته وطبيعته وآثاره بالأحكام والأوضاع الخاصة به.
ومن حيث إنه عن النقطة الثانية فإن مجلس الوزراء أصدر في 4 من نوفمبر سنة 1953 قراراً يقضي بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك, وكشف في القرار ذاته عن المصلحة العامة التي تغياها من إصداره - وهي الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة وخريجي الجامعات والمعاهد العالية -، وفي 25 من نوفمبر سنة 1953 أصدر قراراً مكملاً للأول بالموافقة على منح الموظفين المشار إليهم الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء وبين المعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش. وفي 9 من ديسمبر سنة 1953 صدر قرار من مجلس الوزراء بسريان القرارين المشار إليهما على موظفي الدرجة الثالثة فما دونها. وظاهر مما تقدم أن نصوص القرارات المذكورة صريحة بأن مجلس الوزراء هو السلطة التي تملك التصرف في طلب اعتزال الخدمة سواء بالقبول أو الرفض على خلاف التصرف في طلب الاستقالة العادية؛ فالوزير المختص أو رئيس المصلحة بحسب الأحوال هو الذي يملك ذلك؛ ومن ثم فإن رابطة التوظف تنتهي بصدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على طلب اعتزال الخدمة, وليس بقرار الوزير الذي يصدر تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء المذكور. وبناء على ذلك فلا وجه لما يتحدى به المدعي من أن قرار ترقيته صدر سليماً بمقولة إن رابطة التوظف تظل قائمة حتى 5 من فبراير سنة 1954, وهو اليوم التالي لإبلاغه قرار مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزاله الخدمة وفقاً للمادتين 111 و115 من القانون رقم 210 لسنة 1951 اللتين تقضيان بأنه يجب على الموظف أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ قرار قبول الاستقالة, وفي حالة انتهاء الخدمة بقرار من مجلس الوزراء يستحق الموظف مرتبه إلى اليوم الذي يبلغ فيه القرار؛ ذلك أن العلاقة الوظيفية بين الحكومة والموظف إنما تنفصم عراها متى قام سبب من أسباب انتهاء الخدمة التي عددتها المادة 107 من القانون المشار إليه, وهو في هذه حالتنا القرار الصادر من مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزال الخدمة. أما استمرار الموظف في القيام بأعمال وظيفته, سواء بالتطبيق للمادة 111 أو بالتطبيق للمادة 114 فلا يغير من الأمر شيئاً؛ ذلك أن الخدمة تعتبر منتهية بتحقق سببها طبقاً للمادة 107، وإنما يعتبر الأجر الذي يستحقه الموظف إذا استمر في عمله مؤقتاً بعد ذلك كمكافأة نظير العمل الذي يقوم به بعد انتهاء مدة الخدمة.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن المطعون عليه قد انتهت مدة خدمته بالقرار الصادر من مجلس الوزراء في 7 من يناير سنة 1954 بالموافقة على اعتزاله الخدمة, فيكون القرار الصادر بترقيته بعد ذلك في 19 من يناير سنة 1954 معدوماً؛ إذ لم يصادف محلاً يقبله ويقع عليه، بعد إذ لم يعد المدعي موظفاً قابلاً للترقية؛ ومن ثم يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون, وبرفض دعوى المدعي, وإلزامه مصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 65 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

المادة 81 من قانون نظام الموظفين الأساسي اعتبارها الموظف بحكم المستقيل لتغيبه خمسة عشر يوماً في حالات معينة دون وجود أسباب قاهرة.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1334

(138)
جلسة 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس المجلس وعضوية السادة علي بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل ومحمود إبراهيم وحسني جورجي المستشارين.

القضية رقم 75 لسنة 2 القضائية

موظف - انتهاء الخدمة - استقالة حكمية - المادة 81 من قانون نظام الموظفين الأساسي - اعتبارها الموظف بحكم المستقيل لتغيبه خمسة عشر يوماً في حالات معينة دون وجود أسباب قاهرة - مرض الموظف المانع له من مباشرة عمله يعتبر سبباً قاهراً وعليه إقامة الدليل عليه - التحقق من العذر القهري متروك لتقدير الإدارة تحت رقابة القضاء الإداري - للإدارة إصدار قرارها باعتبار الموظف بحكم المستقيل قبل أو بعد عودته.
إن المادة 81 من قانون نظام الموظفين الأساسي تنص على أنه: "يعتبر بحكم المستقيل عند عدم وجود أسباب قاهرة:
( أ ) الموظف المعين أو المنقول الذي لم يباشر وظيفته خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه مرسوم أو قرار التعيين أو النقل.
(ب) الموظف الذي يترك وظيفته بدون إجازة قانونية ولا يستأنف عمله خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ ترك الوظيفة.
(ج) الموظف المجاز الذي لا يستأنف عمله خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهاء الإجازة".
فهذه المادة إنما رتبت جزاء على تغيب الموظف عن عمله في تلك الحالات، عند عدم وجود أسباب قاهرة، هذا الجزاء هو اعتبار الموظف بحكم المستقيل، فالمناط في ترتيب هذا الجزاء هو التغيب بدون سبب قاهر، وغني عن القول أن للإدارة التحقق من أن غياب الموظف كان لأسباب قاهرة أو لا، وقرارها باعتبار الموظف بحكم المستقيل خاضع لرقابة القضاء الإداري، وظاهر من نص المادة المشار إليها أنها لا تشترط صدور القرار قبل عودة الموظف، بل الأمر في ذلك كله متروك لتقدير الإدارة، فقد ترى التريث حتى يعود الموظف لتعرف عذره في التغيب، وتقدر ما إذا كان له أسباب قاهرة. وقد تطول غيبة الموظف دون إخطار الجهة الإدارية التابع لها أو يكون لدى الجهة الإدارية من الشواهد ما تقتنع معه بأن غياب الموظف كان بغير عذر قهري فتصدر قرارها باعتباره بحكم المستقيل دون انتظار لعودته، والأمر في ذلك راجع لتقديرها حسب الظروف في كل حالة.
ولئن كان المرض المانع للموظف من مباشرة عمله يعتبر سبباً قاهر يبرر تغيبه، إلا أنه يجب أن يقوم هذا المرض صدقاً حتى يعذر الموظف في تغيبه، وعليه إقامة الدليل على ذلك.


إجراءات الطعن

بتاريخ 13 من حزيران (يونيه) سنة 1960 أودع الأستاذ عبد الجواد السرميني المحامي الوكيل عن السيد/ عبد الوهاب بن محمد الكلزية، صحيفة طعن في الحكم الصادر بجلسة 14 من نيسان (إبريل) سنة 1960 من محكمة القضاء الإداري بدمشق، في القضية رقم 111 لسنة 1 ق، المرفوعة من الطاعن ضد السيد وزير التربية والتعليم التنفيذي، والقاضي بقبول الدعوي شكلاً، وبرفضها موضوعاً. ويطلب الطاعن للأسباب الواردة في صحيفة طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفسخ الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الإداري موضوع الطعن الصادر من وزارة التربية والتعليم بتاريخ 3 من آذار (مارس) سنة 1959 برقم 1650 وإلزام الخصم في الطعن بالرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة.
أبلغ هذا الطعن للمدعي عليه بتاريخ 15 حزيران (يونيه) سنة 1960 وعين بنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 وأحيل إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 10 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960، وبعد سماع ما رئي لزوماً لسماعه من إيضاحات، أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع ما رئي لزوماً لسماعه من إيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما هو ثابت من أوراق الطعن، في أن الطاعن السيد/ عبد الوهاب بن محمد الكلزية أقام هذه الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بدمشق ضد السيد وزير التربية والتعليم التنفيذي، يطعن في القرار الصادر منه ذي الرقم 1650 بتاريخ 3 من آذار (مارس) سنة 1959، والذي نص على اعتباره مستقيلاً من الخدمة اعتباراً من 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، لتغيبه عن العمل بدون عذر مشروع اعتباراً من هذا التاريخ مدة تزيد على 32 يوماً، وأن يسترد منه ما تقاضاه من رواتب بعد تاريخ 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، ويطلب المدعي الحكم "بإلغاء هذا القرار وإلزام المدعي عليه بالرسوم والمصاريف والأتعاب"، وقال بياناً لدعواه أنه كان يشكو من مرض في كليتيه من زمن بعيد، وقد اشتد عليه الألم في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1958 فاضطر إلى الحصول على تقارير طبية في فترة الألم الذي كان ينتله، وقد حصل على ثلاثة تقارير: الأول بتاريخ 30 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1958 موقع من الطبيب كامل جزماتى والثاني بتاريخ 6 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 موقع من الطبيب موريس كوسا، والثالث مؤرخ 17 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 موقع من الطبيب فريشو، وجميعها تشهد بأن المدعي مصاب بالتهاب الكلى والتوائها وأنه في حاجة إلى استراحة معينة. وقد امتنع طبيب التربية والتعليم عن تصديق التقرير الأول بداعي أنه لم يقم بفحص المدعي بنفسه يوم حصوله على التقرير، وصدق التقرير الثاني. أما التقرير الثالث، فطلب فيه إحالة المدعي إلى اللجنة الصحية. وقد قدم المدعي هذه التقارير الثلاثة إلى مديرية التربية والتعليم بحلب، وانتظر منها أن تحيله إلى اللجنة الصحية، ولكن المديرية المذكورة لم تفعل. وبتاريخ 20 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، وقبل أن تنتهي مدة التقرير الطبي الممنوح من الطبيب فريشو بتاريخ 17 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، والمتضمن لزوم استراحة المدعي ثمانية أيام من تاريخ التقرير المذكور، بلغت مديرية التعليم بحلب المدعي كتاباً برقم 732/ 6، إذ يتضمن أنها بسبيل اتخاذ القرار اللازم لاعتباره مستقيلاً من الوظيفة، وأنها ستبلغه القرار الذي ستصدره الوزارة فور اتخاذه. وعندما تلقى المدعي هذا الكتاب كان الألم قد اشتد عليه، ونصحه أطباؤه ومعالجوه أن يذهب إلى بيروت، وصادف ذلك وقوع عطلة عيد الميلاد ورأس السنة الغربية، فذهب إليها، واضطر أن يبقى فيها نحواً من شهرين تحت التداوي، عاد خلالها بضعة أيام إلى حلب ودمشق، وحصل بذلك على ثلاثة تقارير طبية من الطبيب ليون بني قومشيان الذي قام بمداواته وتطبيبه، التقرير الأول مؤرخ 24/ 12/ 1958 لمدة 15 يوماً، والثاني 7/ 1/ 1959 لخمسة عشر يوماً أيضاً، والثالث مؤرخ 4/ 2/ 1959 لعشرة أيام أخرى، ولما انقضت مدة التقرير الأخير وشعر ببعض الراحة عاد إلى حلب، وقدم هذه التقارير مصدقة من مرجعها القانوني إلى مديرية التربية والتعليم غير أن المديرية المذكورة أعادتها إليه بدعوى أنها غير مستوفية الشروط القانونية. وقد أشارت مديرية التربية على المدعي بالدوام على التدريس في مدرسة ابن خلدون الخاصة، فداوم عليها عشرين يوماً تقريباً من 15 من شباط (فبراير) سنة 1959 إلى 5 من آذار (مارس) سنة 1959، بلغته في نهايتها قرار تسريحه، وهو القرار المطعون فيه. وينعي المدعي على القرار المطعون فيه مخالفته لأحكام المادة 60 من قانون الموظفين، والتي تنص "على الموظف المريض أن يعلم رئيسه المباشر بالأمر إن لم يتجاوز مدة المرض ثلاثة أيام، وعليه إذا تجاوز المرض هذه المدة أن يقدم تقريراً من طبيبه المداوي وللإدارة أن تعتمد أحد أطباء الحكومة للتحقيق عن صحة التقارير الطبية الخاصة، وإذا استمر المرض أكثر من ثلاثين يوماً يحال الموظف على لجنة طبية تؤلف في مراكز المحافظات من ثلاثة أطباء موظفين يعينون بقرار من المحافظ في بدء كل سنة" ويقول المدعي أن القرار المطعون فيه، إذ اعتبره مستقيلاً من الخدمة اعتباراً من 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 لتغيبه عن العمل بدون عذر مشروع اعتباراً من هذا التاريخ مدة تزيد على 32 يوماً، هذا القرار مخالف للمادة 60 سالفة الذكر، لأن المدعي كان مريضاً، وأضطر للسفر إلى بيروت في 24 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، ثم قدم تقارير طبية مصدقة حسب الأصول إلى مديرية التربية بحلب، غير أن هذه المديرية لم تعتبر هذه التقارير للأسباب التي ذكرتها في ذيل العريضة المقدمة منه في 15 من شباط (فبراير) سنة 1959، ولم تخبر الوزارة بأمر هذه التقارير، وهذه الأسباب هي ( أ ) أن التقارير الطبية الصادرة عن أطباء بيروت لم تقدم خلال ثلاثة أيام من بدء المرض عملاً ببلاغ وزارة الخزانة رقم 1189 تاريخ 2 من شباط (فبراير) سنة 1949. (ب) أن مصدر التقارير لبنان، ولا يجوز قبولها إلا إذا كان سفر الموظف إلى لبنان بموجب أجازة مسبقة ثم بموافقة مسبقة من مرجعه على مغادرة الجمهورية العربية المتحدة. (جـ) عدم تصديق التقارير من الهيئة السياسية للجمهورية العربية المتحدة. ويرد المدعي على هذه الأسباب أن المادة 60 من قانون الموظفين أوجبت على الموظف أن يعلم رئيسه المباشر بالأمر إن لم تتجاوز مدة المرض ثلاثة أيام فإذا تجاوزت هذه المدة فعليه أن يقدم تقريراً من طبيبه المداوي. ولما كان مرض المدعي قد تجاوز الثلاثة أيام، وكان الحكم لنص القانون لا لبلاغ وزارة المالية فضلاً عن أن المدعي لم يمكنه مرضه لتقديم هذه التقارير إلا بعد عودته إلى حلب، بسبب اشتداد المرض عليه، مما يشكل عذراً مشروعاً يجب مراعاته في حالة المرض الشديد. وعن السبب الثاني يقول المدعي إنه اضطر إلى السفر إلى بيروت حين اشتد عليه الألم، بناء على طلب أطباء حلب الذين كانوا يعالجونه، وقد سافر في يوم 24 من كانون الأول (ديسمبر)، وكان يومئذ مأذوناً بموجب التقرير الطبي الصادر عن الطبيب فريشو، والذي ينتهي في ذلك اليوم، وكان اليوم الثاني وهو يوم 25 كانون الأول يوم عطلة رسمية باعتباره عيداً للميلاد، وبذلك تكون مغادرة المدعي سوريا إلى لبنان في يوم من أيام إجازاته الصحية، وبقاؤه إلى اليوم الثاني كان في عطلة رسمية، وفي بيروت اتصل به الألم إلى درجة لم يستطيع معها مغادرة البلدة عملاً بنصيحة أطبائه، وكان عرضة لغيبوبة مستمرة، مما اضطر معه إلى البقاء في بيروت، والحصول على تقارير طبية طيلة المدة التي ألزمه المرض فيها للعلاج، ويرد على السبب الثالث بأن التقارير الطبية الموقعة من أطباء لبنان مصدقة من دوائر الصحة في لبنان، وقد قام المدعي مؤخراً بتصديقها من الهيئة السياسية.
وقد أفاد السيد وزير التربية والتعليم بكتابه رقم 3510/ 6 ث المؤرخ 18 من آب (أغسطس) سنة 1959 أنه يبين من دراسة قضية المدعي أنه كان كثير الانقطاع عن عمله بمبرر قانوني وبدون مبرر، وقد كان منذ بدء تعيينه في سنة 1935 كثير المشاكل كثير الانقطاع، حتى أنه لا تكاد تخلو سنة دراسية من انقطاع أو تخلف غير مبرر، وأرفق السيد الوزير مع كتابه سالف الذكر تقريري المفتش الإداري بحلب، وفيهما بيان الأسباب التي أدت إلى اعتبار المدعي مستقيلاً وآخرها انقطاعه عن العمل بدون مبرر قانوني اعتباراً من 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً. وقد تضمن تقريرا المفتش الإداري المرفقان بكتاب السيد الوزير عرضاً لحالة المدعي من التحاقه بالخدمة في سنة 1935، وجاء في هذا التقرير أن المدعي انقطع منذ صباح 6 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 حتى مساء 12/ 12/ 1958، مدة سبعة أيام، قدم فيها تقريراً طبياً مصدقاً من طبيب التربية، واستمر في الانقطاع من صباح 12/ 12/ 1958 حتى مساء 16/ 12/ 1958 أي مدة أربعة أيام دون أن يقدم معذرة أو تقريراً طبياً، وبهذا الانقطاع بدأت فترة انقطاع جديدة غير مشروعة، واستمر على الانقطاع من صباح 17/ 12/ 1958 حتى مساء 24/ 12/ 1958، أي مدة ثمانية أيام، قدم فيها تقريراً طبياً خاصاً لم يصدق عليه طبيب التربية، وإنما طلب إحالته إلى اللجنة الصحية نتيجة لتدخل مديرية التربية لديه، ليتأكد من صحة المرض، وليكون دقيقاً في معاينته، وبقي هذا التقرير في دائرة التربية دون أن يتخذ تجاهه أي إجراء، فلم يحل المريض إلى اللجنة الصحية، ولم يعد التقرير إلى طبيب التربية، مصرة على تصديقه منه باعتبار أن مدة المرض لم تتجاوز الشهر، ولا يحال المريض إلى اللجنة الطبية إلا إذا تجاوزت مدة المرض الشهر، وبهذا أصبحت مدة هذا الغياب معلقة على رأى طبيب التربية، ولا يمكن الحكم بمشروعيتها إلا إذا صادق عليها، كما لا يمكن الحكم بعدم مشروعيتها إلا إذا رفض تصديقه خطياً. وقد استمر المدرس على الانقطاع بعد انتهاء التقرير السابق منذ صباح 25/ 12/ 1958 ولا يزال مستمراً على انقطاعه حتى تاريخ كتابة التقرير المذكور في 25 من كانون الثاني (يناير) سنة 1959 أي مدة 32 يوماً متصلة دون أن يراجع الدائرة ودون أن يقدم تقريراً طبياً، وحينما استجوبه المفتش عن سبب انقطاعه المستمر أجاب بأنه لا يزال ينتظر إحالته إلى اللجنة الصحية حسب اقتراح طبيب التربية. ويقول المفتش في تقريره أن هذا الانقطاع غير مشروع، ولا يبرره قول المدرس (المدعي) أنه ينتظر إحالته إلى اللجنة الصحية تنفيذاً لحاشية طبيب التربية، لأن هذه الحاشية إنما هي اقتراح مرسل من طبيب التربية إلى المديرية ولا علاقة للمريض به، وللمديرية إن تقبله أو ترفضه وتصر على تصديقه من طبيب التربية، وقد قدر له التقرير الطبي الخاص ثمانية أيام يشفى بعدها، فأقصى ما يطلبه المريض من نتيجة لهذا التقرير السماح له بالتغيب ثمانية أيام براتبه، ولكن القانون لم يعطه هذه المنحة مسلماً بها دائماً، وإنما أوقفها على التحقق من صحة التقرير والتحقق هذا ممنوح للإدارة وليس حقاً للمريض. وحق المريض ينحصر في تقديمه التقرير الطبي ويبدأ حينئذ حق الإدارة في قبول التقرير أو الشك فيه، فإذا جرى إهمال أو تهاون في استعمال حق الإدارة فليس للمريض أن يتعلق في هذا التهاون، ليستفيد بأكثر مما يعطيه تقريره الطبي الخاص، وكان على المريض عند نفاذ الأيام الثمانية التي منحه إياها تقريره الطبي الخاص أن يعود إلى العمل أو أن يقدم تقريراً طبياً جديداً أما أن يجلس في البيت مدة 32 يوماً معتمداً على اقتراح من طبيب التربية بإحالته إلى اللجنة الصحية، فهذا لا يستند إلى قانون، وهذا الغياب الأخير يعتبر غير مشروع ولا مبرر له ولا قانون..
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري بدمشق أصدرت في 14 من نيسان (إبريل) سنة 1960 حكمها المطعون فيه، وهو يقضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وإلزام المدعي بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أنه لا محل لمناقشة ما أثاره المدعي من موقف الجهة الإدارية بالنسبة للتقارير الثلاثة الأولى التي وضعها أطباء حلب لأن للجهة الإدارية إذ اعتبرت الانقطاع عن العمل المعني بالحكم الوارد في المادة 81 من قانون الموظفين الأساسي اعتباراً من 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، فمفاد ذلك أنها اعتدت بهذه التقارير وأجازتها، وعلى ذلك فإن المنازعة إنما تدور حول انقطاع المدعي عن عمله ابتداءً من التاريخ الذي حددته الجهة الإدارية أي من 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، وأن المادة 60 من قانون الموظفين الأساسي قد تضمنت القواعد التي تتبع عند الانقطاع بسبب المرض، فنصت على أنه يجب على الموظف المريض أن يعلم رئيسه المباشر بالأمر إذا لم تتجاوز مدة الانقطاع ثلاثة أيام، وعليه أن يقدم تقريراً من طبيبه المداوي، وللإدارة أن تعتمد أحد أطباء الحكومة للتحقيق عن صحة التقارير الطبية الخاصة، وإذا استمر المرض أكثر من ثلاثين يوماً يحال الموظف على لجنة طبية، ومفاد ذلك أنه على الموظف أن يخطر رئيسه المباشر أو أن يقدم تقارير طبيبه الخاص، حسب الأحوال، لكي تستطيع الجهة الإدارية أن تتثبت من صحة الواقعة على الوجه الذي رسمه المشرع في كل حالة بإحالته على الطبيب أو اللجنة إذا جاوزت المدة الشهر الواحد، وأن الثابت من الأوراق أن المدعي لم يقدم تقارير طبيبه المعالج ببيروت، إلا بعد أن انقطع أكثر من شهرين، أي أنه تقاعس عن إتباع ما فرضه عليه القانون وبذلك قامت به الحالة المنصوص عليها في المادة 81 من قانون الموظفين لأن هذا الانقطاع وقع بعد انقضاء أجازة مرضية. وتنص هذه المادة على أن يعتبر في حكم المستقيل عند عدم وجود أسباب قاهرة، الموظف المجاز الذي لا يستأنف عمله خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهاء أجازته وأنه ليس ثمت أسباب قاهرة تبرر للمدعي ألا يراعي ما أوجبه حكم المادة 60 من القانون، ذلك أن التقارير التي قدمها ورفضتها الإدارة قد وضع أولها في 24 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، والثاني في 7 من كانون الثاني (يناير) سنة 1959، والثالث في 4 من شباط (فبراير) سنة 1959، وكان في وسعه أن يرسل إلى الجهة الإدارية كل تقرير في ميعاده، ولكنه لم يفعل هذا إلا أنه قرر في صحيفة دعواه أنه عاد إلى حلب وإلى دمشق بضعة أيام خلال مدة انقطاعه، ومع ذلك لم يحاول أن يتخذ الإجراء الذي فرضه عليه القانون، وانتهت من ذلك إلى أن الجهة الإدارية قد أصدرت القرار المطعون فيه بسلطة تقديرية لا معقب عليها، إذ لم يشب قرارها عيب إساءة استعمال السلطة، والقرار المطعون فيه على أساس من الواقع والقانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه طبقاً لنص المادة 81 من قانون الموظفين الأساسي، فإن انقطاع الموظف عن عمله مدة خمسة عشر يوماً، لا يكون بداءة سبباً لاعتباره بحكم المستقيل، إلا إذا لم تكن ثمت أسباب قاهرة حالت بينه وبين متابعة عمله في الوظيفة، فإذا كان غيابه بسبب قاهر حال دون قيامه بواجبات وظيفته، فعندها يعتبر غيابه مشروعاً، ولا ينطبق عليه حكم المادة 81 المشار إليها، وأن انقطاع المدعي في الفترة ما بين 25/ 12/ 1958 و14/ 2/ 1959 كان بسبب مرضه الثابت بتقارير طبية مصدقة من المراجع الرسمية حسب الأصول، هذا المرض الذي ألزمه الفراش طيلة هذه المدة، وقد عانى منه آلاماً مبرحة ونوبات قاسية اضطرته للبقاء في بيروت تحت المعالجة والمراقبة الطبية، الأمر الذي يجعل غيابه بعذر وبسبب قاهر. وأن محكمة القضاء الإداري لم ترفض عذر الطاعن، وإنما حصرت أسباب حكمها في الإجراءات القانونية واتخذت من تخلف المدعي عن مراعاتها مسوغاً لما قضت به، وهذا ما لا يرى الطاعن الأخذ به، لأن القول بأن عدم تقديم التقارير الطبية إلى مديرية التربية والتعليم في المواعيد المحددة ما يبرر عدم منح الموظف إجازة صحية قول غير مقبول وتأخر الطاعن عن القيام بإجراءات تصديق هذه التقارير من المراجع الرسمية وتقديمها إلى مديرية التربية والتعليم في حلب كان بسبب خارج عن إرادته، فلا يسوغ اعتباره تأخره في تقديم هذه التقارير إلى حين شفائه سبباً في رفض قبول هذه التقارير واعتمادها، وأن أثر مخالفة الإجراءات المنصوص عليها في المادة 60 ينحصر في حرمان الموظف من حق الاستفادة من الأجازة الصحية مع تقاضيه الراتب، ولا يمكن أن يؤدي ذلك إلى نفي وقوع السبب القاهر، لأنه من الوقائع المادية التي يمكن إثباتها بجميع طرق الإثبات، كما أن تأخر الموظف في تقديم ما يثبت أن غيابه كان لأسباب قاهرة إلى ما بعد زوال هذه الأسباب لا يمكن أن يؤدي إلى نفي وقوعها، وإلى القول بأن الانقطاع لم يكن بسببها، فضلاً عن أن المادة 81 عندما استثنت من حكمها الغياب بسبب قاهر لم تشترط في ذلك أي شرط في إثبات السبب المذكور، كما لم توجب على الموظف القيام بأي إجراء معين أثناء وقوعها، ولهذا فإنه يرى بأنه لا يجوز تقييد حكمها بما نص عليه في شأن منح الإجازة الصحية والإجراءات الواجب اتخاذها للاستفادة من هذه الإجازة لأنها أحكام منفصلة عن الحكم الوارد في المادة 81، وبهذه الصورة يمكن القول بأن حرمان الموظف من حق الاستفادة من الإجازة الصحية بسبب عدم تقديم التقرير الطبي الممنوح له إلى جهة الإدارة فور الحصول عليه، إنما يؤدي إلى اعتبار غيابه بدون سبب، وإلى نفي وقوع حالة المرض التي منعته من الاستمرار في عمله إنما هو قول يخالف صراحة المادة 81 ويكون الحكم المطعون فيه مخالفاً للقانون، كما يكون القرار المطعون فيه واجب الإلغاء. وأضاف المدعي إلى ما تقدم أن القرار الإداري موضوع الطعن لم يصدر في فترة غياب الطاعن بسبب مرضه كما لم يصدر فور عودته، وإنما صدر بعد أكثر من عشرين يوماً على رجوعه إلى الوظيفة، وممارسته لعمله في مدرسة ابن خلدون الخاصة، وبعد أن قدم تقاريره الطبية وصدقها من المراجع الرسمية، وبذلك يكون القرار المطعون فيه مستوجب الإلغاء من هذه الجهة أيضاً، لأن عودة الطاعن إلى عمله بعد غيابه يعتبر قبولاً من الإدارة لمعذرته، فلا يسوغ أن ترجع عن موافقتها، لأن المشرع وإن لم يحدد زمناً لاتخاذ القرار الذي يصدر بالاستناد إلى المادة 81 إلا أن هذا لا يعني أن للإدارة حرية مطلقة في هذا المجال، وإنما يتعين عليها أن تحسن اختيار وقت تصرفها فتصدر قرارها في زمن الغياب أو في زمن قريب جداً منه لأن ضرورة استقرار المعاملات وتنظيم أوضاع الموظفين وتحديد مراكزهم القانونية تستلزم ألا تبقي هذه الأوضاع والمراكز القانونية مهددة مدداً طويلة.
ومن حيث إن المادة 81 من قانون نظام الموظفين الأساسي تنص على أنه "يعتبر بحكم المستقيل عند عدم وجود أسباب قاهرة:
( أ ) الموظف المعين أو المنقول الذي لم يباشر وظيفته خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه مرسوم أو قرار التعيين أو النقل.
(ب) الموظف الذي يترك وظيفته بدون إجازة قانونية ولا يستأنف عمله خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ ترك الوظيفة.
(ج) الموظف المجاز الذي لا يستأنف عمله خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهاء الأجازة".
ومن حيث إن هذه المادة إنما رتبت جزاء على تغيب الموظف عن عمله في تلك الحالات عند عدم وجود أسباب قاهرة، هذا الجزاء هو اعتبار الموظف بحكم المستقيل فالمناط في ترتيب هذا الجزاء هو التغيب بدون سبب قاهر، وغني عن القول أن للإدارة التحقق من أن غياب الموظف كان لأسباب قاهرة أو لا، وقرارها باعتبار الموظف بحكم المستقيل خاضع لرقابة القضاء الإداري، وظاهر من نص المادة المشار إليها أنها لا تشترط صدور القرار قبل عودة الموظف، بل الأمر في ذلك كله متروك لتقدير الإدارة، فقد ترى التريث حتى يعود الموظف لتعرف عذره في التغيب، وتقدر ما إذا كان له أسباب قاهرة، وقد تطول غيبة الموظف دون إخطار الجهة الإدارية التابع لها أو يكون لدى الجهة الإدارية من الشواهد ما تقتنع معه بأن غياب الموظف كان بغير عذر قهري، فتصدر قرارها باعتباره بحكم المستقبل دون انتظار لعودته، والأمر في ذلك راجع لتقديرها حسب الظروف في كل حالة.
ومن حيث إنه ولئن كان المرض المانع للموظف من مباشرة عمله يعتبر سبباً قاهراً يبرر تغيبه، إلا أنه يجب أن يقوم هذا المرض صدقاً حتى يعذر الموظف في تغيبه، وعليه إقامة الدليل على ذلك.
ومن حيث إن الإدارة إذا استخلصت من ظروف الحال وملابساته أن المدعي لم يقم به مثل المرض المانع له من مباشرة عمله، قد استخلصت ذلك استخلاصاً مقبولاً من أصول ثابتة في الأوراق، إذ ثابت منها ومما قرره المدعي في استدعاء الدعوى أنه سافر إلى لبنان في اليوم الأخير من إجازته الصحية التي لم تعتمد دون أن يخطر جهة الإدارة التابع لها باستمرار مرضه ولا بسفره خارج البلاد، ولا سجل وجوده واستمر انقطاعه عن العمل أكثر من خمسين يوماً دون أن تعلم عنه الجهة الإدارية شيئاً، وثابت من استدعاء الدعوى أنه عاد لدمشق وحلب في فترة هذا الانقطاع، ومع هذا لم يخطر الجهة الإدارية بعذره، ولم يرسل إليها التقارير الطبية التي حصل عليها، ولم يكن ثمة ما يمنعه من ذلك حتى تستطيع جهة الإدارة أن تتحقق من قيام هذا العذر في الوقت المناسب، فلا خطأ من جانبها، إذ هي طرحت الشهادة المرضية التي قدمها المدعي بعد عودته، والتي منعها بتصرفه من إجراء ما يقضي به القانون من إحالته على اللجنة الصحية المختصة.
ومن حيث إنه لما قام عليه الحكم المطعون فيه من أسباب أخرى يكون هذا الحكم قد أصاب الحق، ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون ويتعين رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 75 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

القرار بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 طلب ترك الخدمة طبقاً للقرار بقانون المذكور هو بمثابة استقالة.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1251

(152)
جلسة 10 من يونيه سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 978 لسنة 7 القضائية

موظف – ترك الخدمة – استقالة – القرار بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 – طلب ترك الخدمة طبقاً للقرار بقانون المذكور هو بمثابة استقالة – أثر ذلك – تقيد الإدارة بحكم المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فيما يتعلق بوجوب الفصل في هذا الطلب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بقوة القانون – أساس ذلك – مثال.
تنص المادة الأولى من القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال الثلاثة شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابها في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين على أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة". وجاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر أنه "رئي إتاحة الفرصة للموظفين الذين يبلغون سن الخامسة والثلاثين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريان هذا التشريع أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة بنفس الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له مع الاستثناء من الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو معلقة على أي شرط كأن لم تكن".
ولئن صح القول بأن طلب ترك الخدمة طبقاً للقرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 خاضع لتقدير الجهة الإدارية ولها أن تقبله أو ترفضه وفقاً لمقتضيات الصالح العام، وهذا ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية، إلا أنه من البديهي أن مثل هذا الطلب هو بمثابة استقالة؛ وآية ذلك ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر من وجوب مراعاة أحكام قانون موظفي الدولة التي تحكم الاستقالة وعلى الأخص المادة 110 عدا الحكم باعتبار الاستقالة المقيدة بأي قيد أو المعلقة على شرط كأن لم تكن، وبذلك ينبغي على الإدارة أن تراعي ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 من وجوب الفصل في طلب ترك الخدمة طبقاً للقرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 خلال الثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بقوة القانون وذلك متى توافرت في حق مقدم الطلب الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960.
فإذا كان الثابت أن المدعي قد قدم طلبه في 19 من مايو سنة 1960 ولم يعرض هذا الطلب إلا في 20 من يونيه سنة 1960 على السيد رئيس مجلس الدولة فقرر بالحفظ في ذلك اليوم، فإن هذا القرار قد صدر بعد مضي ثلاثين يوماً من اعتبار الاستقالة مقبولة بحكم القانون ومن ثم فإن الحفظ قد ورد على غير محل.


إجراءات الطعن

بتاريخ 16 من مارس سنة 1961 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة أول فبراير سنة 1961 في الدعوى رقم 1461 لسنة 14 القضائية المقامة من السيد/ عبد المجيد إبراهيم عيسوي ضد مجلس الدولة والقاضي "بإلغاء القرار الصادر من رئيس مجلس الدولة في 20 من يونيه سنة 1960 برفض طلب المدعي اعتزاله الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المجلس المدعى عليه مصاريف الدعوى"، وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد عين لنظر الطعن أمام هيئة فحص الطعون جلسة 9 من إبريل سنة 1961 حيث أحيل إلى المحكمة الإدارية العليا لجلسة 6 من مايو سنة 1961 وسمعت المحكمة ما رأت سماعه من ملاحظات الطرفين وأرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من السيد رئيس مجلس الدولة برفض الطلب المقدم من المدعي في 19 من مايو سنة 1960 بترك الخدمة مع ضم سنتين لمدة خدمته وحسابها في المعاش ومنحه علاوتين من علاوات درجته وقبول هذا الطلب لتكون مدة خدمته على هذا الأساس 33 سنة و7 أشهر ومرتبه 45 جنيهاً مع ما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات، وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه قدم طلباً في 19 من مايو سنة 1960 يلتمس فيه الموافقة على إحالته إلى المعاش مع ضم سنتين إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش ومنحه علاوتين من علاوات درجته وذلك إعمالاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وقد أجابت إدارة المستخدمين بالمجلس بأن المدعي من مواليد 12 من نوفمبر سنة 1900 ويبلغ سن الإحالة إلى المعاش في 11 من نوفمبر سنة 1960 ويتقاضى مرتباً قدره 38 جنيهاً و500 مليم اعتباراً من أول مايو سنة 1959 ومدة خدمته المحسوبة في المعاش تبدأ من 14 من مايو سنة 1929 أي أنها تقل عن 37.5 سنة المشترطة في القانون رقم 120 لسنة 1960 وأن المدة الباقية من خدمة المدعي حتى بلوغه السن القانونية لانتهاء الخدمة تقل عن سنة وبذلك لا يستفيد المدعي لا من ضم سنتين ولا منح علاوتين من علاوات درجته وقدمت مذكرة بحالة المدعي بتأشيرة من الأمين العام جاء فيها "تعرض على السيد الرئيس رجاء حفظ الطلب للصالح العام فحفظت من رئيس المجلس في 20 من يونيه سنة 1960". وبجلسة أول فبراير سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري "بإلغاء القرار الصادر من رئيس مجلس الدولة في 20 من يونيه سنة 1960 برفض طلب المدعي اعتزاله الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المجلس المدعى عليه مصاريف الدعوى". وأقامت المحكمة قضاءها على أن العلاقة بين الموظف والحكومة علاقة قانونية وتحددها القوانين واللوائح وأن مركز الموظف اللائحي يتحدد بالقوانين ونص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 جوازي بالنسبة للموظف وملزم للحكومة وعلى الإدارة أن تتحقق من توافر الشروط الواردة في القانون فإذا ما توافرت وجب عليها إعمال النص.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 يختلف عن الاستقالة العادية، إذ هو طلب معلق على شرط قبول الإدارة له فلا ينتج أثره إلا إذا قبلته الجهة الإدارية صراحة ولا يعتبر انقضاء مدة معينة على تقديمه بمثابة قبول ضمني له ويؤيد ذلك ما تنص عليه المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر من أنه "رئي إتاحة الفرص للموظفين الذين يبلغون سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريان هذا التشريع أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة بنفس الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة" ويخلص من ذلك أن طلب ترك الخدمة المنصوص عليه في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 لا يعتبر طلب اعتزال الخدمة بطريق الاستقالة العادية بل هو اعتزال للخدمة من نوع خاص.
ومن حيث إن المادة الأولى من القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 تنص على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال الثلاثة شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين على ألا يتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة". وجاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر أنه "رؤى إتاحة الفرصة للموظفين الذين يبلغون سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريان هذا التشريع أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة بنفس الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له مع الاستثناء من الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو معلقة على أي شرط كأن لم تكن".
ومن حيث إنه ولئن صح القول بأن طلب ترك الخدمة طبقاً للقرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 خاضع لتقدير الجهة الإدارية ولها أن تقبله أو ترفضه وفقاً لمقتضيات الصالح العام وهذا ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية، إلا أنه من البديهي أن مثل هذا الطلب هو بمثابة استقالة وأن ذلك ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر من وجوب مراعاة أحكام قانون موظفي الدولة التي تحكم الاستقالة وعلى الأخص المادة 110 عدا الحكم باعتبار الاستقالة المقيدة بأي قيد أو المعلقة على شرط كأن لم تكن، وبذلك ينبغي على الإدارة أن تراعي ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 من وجوب الفصل في طلب ترك الخدمة طبقاً للقرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بقوة القانون وذلك متى توافرت في حق مقدم الطلب الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960.
ومن حيث إن المدعي من مواليد 12 من نوفمبر سنة 1900 وكان سنه أزيد من 55 سنة عند العمل بالقرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 كما تقدم بطلب الإفادة من هذا القانون في 19 من مايو سنة 1960 أي في الميعاد ومقتضى ضم سنتين إلى خدمته التي تبدأ من 14 من مايو سنة 1929 أنها لن تتجاوز 37.5 سنة كما أن مرتبه 38 جنيهاً و500 مليم في أول مايو سنة 1959 وهو يشغل الدرجة الرابعة الإدارية ونهاية مربوطها 54 جنيهاً ولذلك توافرت في حقه الشروط المطلوبة.
ومن حيث إن المدعي قدم طلبه في 19 من مايو سنة 1960 ولم يعرض هذا الطلب إلا في 20 من يونيه سنة 1960 على السيد رئيس مجلس الدولة فقرر بالحفظ في ذلك اليوم، فإن هذا القرار قد صدر بعد مضي ثلاثين يوماً من اعتبار الاستقالة مقبولة بحكم القانون، ومن ثم فإن الحفظ قد ورد على غير محل.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها، ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه وتأييد الحكم المطعون فيه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 72 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

المادة 112 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - قيامها على قرينة قانونية هي اعتبار الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية .

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 70

(9)
جلسة 23 من نوفمبر سنة 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 587 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف - جريمة تأديبية - انقطاع الموظف عن عمله، دون ترخيص سابق أو عذر مقبول، يعد إخلالاً بواجبات الوظيفة مبرراً لمساءلته تأديبياً - أساس ذلك.
(ب) موظف - استقالة حكمية - المادة 112 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - قيامها على قرينة قانونية هي اعتبار الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية، انتفاء هذه القرينة إذا ما أبدى الموظف العذر من أول يوم انقطع فيه عن العمل حتى ولو تبين أن الأعذار التي تذرع بها كانت غير صحيحة - أثر ذلك عدم تطبيق نص المادة 112 سالف الذكر، وجواز مؤاخذة الموظف تأديبياً في هذه الحالة.
(جـ) قانون - تأمين ومعاشات - قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1963 - نص المادة 26 منه على عدم جواز الحرمان من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع - إفادة الطاعن في الحكم التأديبي الصادر بحرمانه من نصف مكافأته، من هذا النص المستحدث، والذي لحق طعنه قبل الفصل فيه - أساس ذلك.
1) لا وجه للطعن بمقولة إن قانون نظام موظفي الدولة لم يعتبر أن في انقطاع الموظف عن عمله إخلالاً بواجبات الوظيفة وبمقولة إن هذه الواجبات محددة تفصيلاً وعلى سبيل الحصر في الفصل السادس من الباب الأول من قانون التوظف - هذا الوجه الأول من الطعن لا سند له من القانون ذلك أن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة لم ينتهج مسلك قانون العقوبات والقوانين الجنائية الأخرى في حصر الأفعال المؤثمة، وتحديد أركانها ونوع ومقدار العقوبة المقررة لكل فعل منها وإنما سرد قانون التوظف في الفصل السادس من الباب الأول عدة أمثلة من واجبات الموظفين والأعمال المحرمة عليهم فقال إن على الموظف أن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به، وأن يؤديه بدقة وأمانة وعليه أن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته. وقال إن على الموظف أن يقيم بالجهة التي بها مقر وظيفته وقال إنه لا يجوز للموظف أن يفضي بمعلومات عن المسائل التي ينبغي أن تظل سرية بطبيعتها كما لا يجوز له أن يحتفظ لنفسه بأصل أية ورقة من الأوراق الرسمية وكذلك نهى القانون عن انتماء الموظف إلى حزب سياسي كما نهاه عن أداء أعمال للغير بمرتب أو بمكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية.. إلى غير ذلك من الأفعال والأعمال المحرمة على موظفي الدولة. وقضى هذا القانون في المادة 83 منه بأن (كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته يعاقب تأديبياً...) ونظم الفصل السابع من القانون تأديب الموظفين فأدرجت المادة 84 منه الجزاءات التي يجوز توقيعها عن المخالفات المالية والإدارية التي تقع من الموظف وتبدأ بالإنذار وتنتهي بالعزل من الوظيفة. ومفاد ذلك كله أن الأفعال المكونة للذنب الإداري ليست إذن على خلاف ما ذهب إليه وجه هذا الطعن. محددة حصراً ونوعاً، وإنما مردها بوجه عام إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها.
2) إن مقتضى حكم المادة 112 التي تنص على أنه "إذا لم يقدم الموظف أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب، ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل" - مقتضاه قيام قرينة قانونية هي اعتبار الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً متتالية ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية "فإذا ما أبدى الموظف العذر من أول يوم انقطع فيه عن العمل فقد انتفى القول بأن انقطاعه كان للاستقالة وبالتالي تنتفي القرينة القانونية التي رتبها القانون على هذا الانقطاع حتى لو تبين فيما بعد أن الأعذار التي تذرع بها كانت غير صحيحة. وعندئذ قد يكون مثل هذا الموظف محلاً للمؤاخذة التأديبية بغير إنهاء الخدمة المنصوص عليها في المادة 112 من قانون التوظف.
3) إنه ولئن كان الحكم التأديبي المطعون فيه قد صدر بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 إلا أنه قد جد بعد ذلك جديد في أحكام القانون من شأنه أن يؤثر فيما قضى به الحكم المطعون فيه في خصوص حرمان زين الدين زين العابدين من نصف مكافأته، ذلك أنه قد صدر ونشر في 28 من إبريل سنة 1963 قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1963 بإصدار قانون التأمين والمعاشات لموظفي الدولة ومستخدميها وعمالها المدنيين. وقد نص في المادة 36 من هذا القانون على أنه (استثناء من القوانين والقرارات المقررة لقواعد الحرمان من المعاش أو المكافأة لا يجوز حرمان المنتفع أو صاحب المعاش من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع..) كما تنص المادة الثالثة من قانون إصداره على سريان أحكام مواد معينة منها المادة 36 سالفة الذكر على جميع الموجودين في الخدمة وقت العمل بهذا القانون رقم 50 لسنة 1963 المعاملين بأحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 والمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 وتأسيساً على ذلك يفيد الطاعن من هذا النص المستحدث والذي لحق طعنه قبل الفصل فيه فأصبح لا يجوز حرمانه من نصف مكافأته، على النحو الذي قضى به الحكم التأديبي المطعون فيه وصار الحرمان لا يمكن أن يجري إلا في حدود الربع وحده. ومن ثم يتعين الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص على مقتضى ما تقدم.


إجراءات الطعن

في 16 من يناير سنة 1961 أودع السيد محامي الطاعن زين الدين زين العابدين سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 587 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة الموظفين من الدرجة الثانية فما دونها في وزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 في الدعوى التأديبية المقيدة بالسجل العام برقم 19 لسنة 2 القضائية المقامة من: النيابة الإدارية ضد السيد/ زين الدين زين العابدين الموظف بمصلحة الصحة الوقائية من الدرجة الثامنة والذي قضى (بعزل زين الدين زين العابدين الموظف بوزارة الصحة العمومية من وظيفته مع حرمانه من نصف مكافأته). وطلب السيد محامي الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه (قبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمان الطاعن من نصف مكافأته وباعتبار الطاعن مستقيلاً بمضي خمسة عشر يوماً من 28/ 5/ 1959 مع أحقيته في كامل المكافأة عن مدة خدمته مع إلزام الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة). وقد أعلن هذا الطعن إلى النيابة الإدارية في 18 من يناير سنة 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 29 من يونيو سنة 1963 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 19 من أكتوبر سنة 1963 حيث سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية المقيدة بالسجل العام برقم 19 لسنة 2 القضائية ضد الطاعن أمام المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة الموظفين من الدرجة الثانية فما دونها في وزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف طالبة فيها محاكمته عن المخالفات المسندة إليه وفقاً لوصفها الوارد في قرار الإحالة والتي تتحصل في أن الطاعن وهو موظف بمصلحة الصحة الوقائية من الدرجة الثامنة انقطع عن عمله في 3 من إبريل سنة 1959 ثم أحيل إلى القومسيون الطبي في 15 من إبريل سنة 1959. وحددت له جلسة 25 من الشهر ذاته وفي 5 من مايو سنة 1959 وردت نتيجة الكشف عليه متضمنة أنه غير مريض وأن القومسيون الطبي كلفه بالعودة إلى عمله في اليوم التالي مباشرة للكشف عليه أي من 26 من إبريل سنة 1959 وذلك مع عدم احتساب أيام غيابه إجازة مرضية ولكنه لم يعد إلى عمله تنفيذاً لقرار القومسيون بل أرسل برقية في 27/ 4/ 1959 يطلب فيها منحه إجازة لمدة سبعة أيام امتداداً لإجازته المرضية في 4 من مايو سنة 1959 عاد وطلب بإشارة تليفونية التصريح له بإجازة لمدة خمسة أيام اعتباراً من 3 من مايو سنة 1959 ولكن طلبه قد رفض واستدعى للعمل في 7 من مايو سنة 1959 عن طريق قسم شرطة الظاهر فأفاد القسم المذكور أن المتهم غير موجود بعنوانه الموضح بالإشارة المبلغة إليه وفي 8 من مايو سنة 1959 عاد المتهم وأرسل خطاباً عادياً بطلب منحه عشرة أيام إجازة أو إحالته إلى الكشف الطبي إلا أن السيد مدير عام المصلحة لم يوافق على ذلك وأشر بإجراء تحقيق معه عند عودته إلى العمل وفي 19 من مايو سنة 1959 عاد المتهم إلى عمله وأجرت المصلحة معه تحقيقاً لم يستطع فيه أن يبرر إهماله في معرفة ما تم من جانب الإدارة بشأن طلباته المقدمة منه إليها بالبريد والتليفون والبرق كما أن المتهم لم يبد أعذاراً مقبولة لغيابه المتواصل وإن كانت كلها تدور حول مرضه بالكبد وعلاجه لدى أطباء خصوصيين ثم عاد المتهم بعد ذلك إلى الانقطاع عن عمله يومي 24، 25 من مايو سنة 1959 ورجع ليباشر عمله يومي 26، 27 من مايو سنة 1959 وبعد ذلك انقطع نهائياً عن العمل اعتباراً من 28 من مايو سنة 1959 دون إذن ولا اعتذار وقد أوقفت المصلحة صرف مرتبه إليه ابتداء من شهر يونيه سنة 1959 وفي 7 من يونيه سنة 1959 أحالت مصلحة الصحة الوقائية أوراق الموضوع إلى النيابة الإدارية المختصة لتجري بدورها تحقيقاً حاولت فيه عبثاً استدعاء المتهم لسؤاله عما هو منسوب إليه. فقد أفاد قسم شرطة الوايلي التابع له المتهم أنه قد ترك سكنه المعروف عنوانه لدى مصلحة الصحة الوقائية ولا يعلم عنوانه الجديد كما أفادت تلك المصلحة أن المتهم لم يخطرها بعنوان سكنه الجديد وخلصت النيابة الإدارية إلى مساءلة المتهم لما أسفر عنه التحقيق من ارتكابه المخالفات سالفة الذكر وترتيباً على ذلك أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية ضده طالبة فيها محاكمة الموظف المذكور "الطاعن" عن المخالفات المسندة إليه والمنصوص عنها في المادتين 57، 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والمادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958.
وبجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 حكمت المحكمة التأديبية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف (بعزل زين الدين زين العابدين بوزارة الصحة العمومية من وظيفته مع حرمانه من نصف مكافأته) وأقامت قضاءها هذا على أن المحكمة ترى فيما سلكه المتهم من تغيبه عن مقر عمله بدون إذن في الفترة من 3/ 4/ 1959 إلى 18/ 5/ 1959 متعللاً بمرضه رغم ثبوت خلوه منه، ثم انقطاعه انقطاعاً متواصلاً من يوم 28/ 5/ 1959 حتى الآن، إخلالاً شائناً بما توجبه عليه واجبات الوظيفة العامة التي يتقلدها من ضرورة مباشرته أعمالها مباشرة منتظمة ضماناً لحسن سير المصالح العامة ورعاية لصالح المواطنين التي أنشئت تلك المصالح للسهر عليه، الأمر الذي يرتب مساءلته قانوناً. وأضافت المحكمة التأديبية إلى ذلك أنها وهي بصدد تقدير الجزاء على المتهم تراعى بعين الاعتبار استهتاره الزائد وتحديه لجهته الرئاسية، وسلطات التحقيق المختصة مما يقطع بفساد طويته الأمر الذي يتعين معه استئصاله من الإدارة الحكومية.
وفي 16 من يناير سنة 1961 أودع السيد محامي الطاعن تقريراً بالطعن في الحكم المذكور وأقامه على وجهين: -
الأول: أن الحكم أخطأ في تطبيق المادتين 57 و83 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 إذ قال أن مجرد انقطاع الموظف عن عمله يعتبر إخلالاً شائناً بما توجبه عليه واجبات الوظيفة العامة التي يتقلدها. ويرى تقرير الطعن أن القانون رقم 210 لسنة 1951 بجميع مواده لم يعتبر أن في انقطاع الموظف عن العمل إخلال بواجبات الوظيفة لأن هذه الواجبات الوظيفية محددة تفصيلاً وعلى سبيل الحصر في الفصل السادس من الباب الأول من قانون نظام موظفي الدولة.
الثاني: أن التطبيق القانوني السليم في حالة الطاعن هو اعتبار خدمته منتهية بمضي خمسة عشر يوماً من تاريخ انقطاعه الذي لم تقبل رئاسته أسبابه وما تلك الأسباب إلا مرض الكبد فالمادة 122 من القانون رقم 210 لسنة 1951 كانت أولى بالتطبيق من المادتين 57، 83 من القانون الأخير وتأسيساً على هذين الوجهين طلب الطاعن إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمانه من نصف مكافأته وباعتباره مستقيلاً بمضي خمسة عشر يوماً من 28/ 5/ 1959 مع أحقيته في كامل مكافأته عن مدة خدمته.
ومن حيث إنه قد بان لهذه المحكمة من استقراء الأوراق أن الطاعن قد دأب منذ بداية عام 1959 على الانقطاع عن العمل بدون إذن ولا مبرر مقبول في أيام متقاربة يكاد لا يعود بعدها إلى عمله إلا لينقطع من جديد غير منتظر لرد جهات الإدارة على طلبات إجازاته المتواصلة ولا مكترث برفضها إياها. فبعد أن استنفذ إجازاته العارضة وقدرها سبعة أيام في السنة استهلكها في الفترة من أول يناير إلى آخر فبراير سنة 1959، تغيب عن العمل بدون إذن في الأيام (1، 2، 22، 23، 29 من شهر مارس سنة 1959) ثم في (3، 4، 5، 6، 7، 12 من شهر إبريل سنة 1959) وفي 13 من إبريل سنة 1959 وصل مصلحة الصحة الوقائية كتابه المؤرخ 12 من إبريل يطلب توقيع الكشف الطبي عليه، وعندما قام القومسيون الطبي العام بالكشف عليه في 25 من إبريل سنة 1959 وجد أن صحته طبيعية ولم يجد به آثار تجزم بسابقة مرضه. فنبه عليه القومسيون بالعودة إلى عمله فوراً من اليوم التالي لتاريخ الكشف عليه ومع ذلك فإن الطاعن لم يمتثل لقرار القومسيون وظل على مسلكه مستمرئاً التخلف عن مباشرة أعمال وظيفته متعللاً بمرض قال القومسيون إنه منه براء. واكتفى الطاعن بأن عاود الاتصال بالمصلحة مرتين للحصول على إجازة: الأولى في 27 من إبريل سنة 1959 طلب فيها برقياً الحصول على إجازة لمدة سبعة أيام والثانية في 4 من مايو سنة 1959 بإشارة تليفونية طلب فيها التصريح له بإجازة لمدة خمسة أيام. ولم يحاول الطاعن الاستعلام من المصلحة عما إذا كانت قد صرحت له بأي من الإجازتين بل انقطع عن مباشرة عمله فور تقديم طلب التصريح بالإجازة ولم يقنع المذكور بهذا المسلك الشاذ من جانبه قبل المصلحة التي يعمل فيها بل عمد إلى تغيير محل إقامته المعروف في عنوانه الثابت بالمصلحة، وتبين بعد ذلك أنه غير محل إقامته من أول مايو سنة 1959 دون مبالاة بإخطار المصلحة بعنوانه الجديد مما استحال معه على النيابة الإدارية التوصل إليه لمواجهته بالتهمة الإدارية المنسوبة إليه.
ومن حيث إن هذه المحكمة لا ترى محلاً للأخذ بما أبداه الطاعن في التحقيق الإداري الذي أجرته معه المصلحة في 20 من مايو سنة 1959 من أنه انقطع عن عمله ولم يعد إليه حتى بعد أن كلفه القومسيون الطبي العام بالعودة إليه اعتباراً من يوم 26 من إبريل سنة 1959 بحجة أنه كان لا يزال مريضاً وتحت العلاج كما لا ترى محلاً للاعتداد بالأوراق الطبية العرفية التي أودعها الطاعن عن ملف الدعوى تدليلاً منه على مرضه، لا مقنع في ذلك بعد إذ قطع القومسيون الطبي العام، وهو الهيئة الرسمية الطبية التي ناطت بها الدولة مهمة الكشف على المرضى من الموظفين وأوكل إليها وحدها القانون ولاية القول الفصل في هذا الأمر، بخلو الطاعن من مرض يبرر منحه إجازة مرضية أو يشفع لانقطاعاته المتكررة عن العمل مما دفع القومسيون إلى أن يكلفه العودة فوراً إلى مباشرة عمله الوظيفي اعتباراً من اليوم الثاني لتوقيع القومسيون الكشف الطبي عليه بل إن القومسيون قد أفصح عن تقديره عدم موافقته على احتساب مدد الانقطاع عن العمل السابقة على توقيع الكشف الطبي على الطاعن بمثابة إجازات مرضية الأمر الذي يخرج لزاماً الطاعن من عداد المرضى ويدخله بمسلكه هذا في زمرة من يدعي المرضى ليتخلف من واجب الحضور إلى مقر عمله ومباشرة واجبات وظيفته مع أن الأصل هو أن وقت الموظف كله ملك للدولة ولكن مصلحة العمل نفسها تقتضي أن يمنح الموظف أنواعاً من الإجازات حددها القانون ونظمتها اللوائح لتجعله أقدر على العمل وأوفر إنتاجاً. فنظم الفصل الخامس من قانون نظام موظفي الدولة إجازات الموظفين مبتدئاً بالأصل العام المقرر وهو أنه لا يجوز لأي موظف أن ينقطع عن عمله إلا لمدة معينة في الحدود المسموح بها لمنح الإجازات التي حددها القانون بأنها إما عارضة أو اعتيادية أو إجازة مرضية ونصت المادة 2 من المرسوم باللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه "على الرئيس المباشر إخطار قسم المستخدمين المختص بكل انقطاع عن العمل يوم حصوله وبعودة الموظف المنقطع يوم عودته سواء أكان الانقطاع بترخيص سابق أم بدون ترخيص". كما نصت المادة 28 من اللائحة على أنه (إذا انقطع الموظف عن العمل دون ترخيص سابق لمدة تزيد على اليومين يقوم قسم المستخدمين بإبلاغ وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة للنظر في أمر الموظف). كذلك نصت المادة 31 منها على أنه (يتعين على الموظف الذي يطلب مد إجازته أن يبلغ رئيس المصلحة بذلك كتابة قبل انتهاء الإجازة بوقت كاف، فإذا لم يصله الرد بالموافقة وجبت عليه العودة إلى عمله). ونظمت المادة 34 من اللائحة المذكورة حالة الإجازات المرضية فقالت (على الموظف الذي ينقطع عن عمله بسبب المرض أن يبلغ فور انقطاعه رئيس المصلحة التي يتبعها بمرضه ليحيله عن طريق قسم المستخدمين إلى القومسيون الطبي المختص تمهيداً لمنحه الإجازة اللازمة. فإذا انقضت الإجازة دون أن يشفى وجب عليه أن يعيد الإبلاغ عن ذلك في اليوم التالي على الأكثر لانتهائها ليعاد الكشف عليه تمهيداً لامتداد إجازته المرضية ويتكرر الإبلاغ والكشف حتى يعود الموظف إلى عمله. فإذا استنفد الموظف إجازته المرضية المرخص له فيها قانوناً وطلب امتداد الإجازة المرضية طبقاً لما هو وارد في المادة 68 من قانون نظام موظفي الدولة وجب عليه إبلاغ رئيس المصلحة التي يتبعها ليحيله إلى القومسيون الطبي العام). وتنص المادة 62 من قانون نظام موظفي الدولة بأن (كل موظف لا يعود إلى عمله بغير مبرر بعد انتهاء مدة إجازته مباشرة يحرم من مرتبه عن مدة غيابه ابتداء من اليوم التالي لليوم الذي انتهت فيه الإجازة، مع عدم الإخلال بالمحاكمة التأديبية). وهذا الذي رسمه القانون هو ما اتبعته مصلحة الصحة الوقائية مع الطاعن عندما رفض الامتثال لأمر القومسيون الطبي بالعودة إلى عمله اعتباراً من اليوم التالي لتوقيع الكشف الطبي عليه في 25 من إبريل سنة 1959، فأشر السيد مدير المصلحة التي يعمل فيها الطاعن، على مذكرة السيد/ المحقق التي انتهى فيها إلى أن الطاعن "قد انقطع عن عمله المدة من 3 من إبريل سنة 1959 إلى 19 من مايو سنة 1959 ومقدارها ستة وأربعون يوماً بدون إذن وأنه لم يقدم عذراً مقبولاً لهذا الانقطاع "أشر المدير في 26 من مايو سنة 1959 بوقف صرف مرتب الطاعن اعتباراً من أول يونيه سنة 1959 مع التقرير بإحالته إلى المحكمة التأديبية التي قضت بعزله من وظيفته مع حرمانه من نصف مكافأته لاستهتاره الزائد وتحديه لجهته الرئاسية ولسلطات التحقيق المختصة مما يقطع بفساد طويته الأمر الذي يتعين معه استئصاله من الإدارة الحكومية.
ومن حيث إنه لا محل للطعن على حكم المحكمة التأديبية بعزل الطاعن من وظيفته للأسباب التي استند إليها الحكم والتي تؤازره فيها هذه المحكمة فلا وجه للطعن بمقولة إن قانون نظام موظفي الدولة لم يعتبر أن في انقطاع الموظف عن عمله إخلالاً بواجبات الوظيفة وبمقولة إن هذه الواجبات محددة تفصيلاً وعلى سبيل الحصر في الفصل السادس من الباب الأول من قانون التوظف هذا الوجه الأول من الطعن لا سند له من القانون ذلك أن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة لم ينتهج مسلك قانون العقوبات والقوانين الجنائية الأخرى في حصر الأفعال المؤثمة، وتحديد أركانها ونوع ومقدار العقوبة المقررة لكل فعل منها وإنما سرد قانون التوظف في الفصل السادس من الباب الأول على أمثلة من واجبات الموظفين والأعمال المحرمة عليهم فقال إن على الموظف أن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به، وأن يؤديه بدقة وأمانة وعليه أن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته. وقال إن على الموظف أن يقيم بالجهة التي بها مقر وظيفته. وقال إنه لا يجوز للموظف أن يفضي بمعلومات عن المسائل التي ينبغي أن تظل سرية بطبيعتها كما لا يجوز له أن يحتفظ لنفسه بأصل أية ورقة من الأوراق الرسمية وكذلك نهى القانون عن انتماء الموظف إلى حزب سياسي كما نهاه عن أداء أعمال للغير بمرتب أو بمكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية.. إلى غير ذلك من الأفعال والأعمال المحرمة على موظفي الدولة. وقضى هذا القانون في المادة 83 منه بأن (كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته - يعاقب تأديبياً...) ونظم الفصل السابع من القانون تأديب الموظفين فدرجت المادة 4 منه الجزاءات التي يجوز توقيعها عن المخالفات المالية والإدارية التي تقع من الموظف وتبدأ بالإنذار وتنتهي بالعزل من الوظيفة. ومفاد ذلك كله أن الأفعال المكونة للذنب الإداري ليست إذن، على خلاف ما ذهب إليه وجه هذا الطعن. محددة حصراً ونوعاً، وإنما مردها بوجه عام إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها. كما أنه لا محل للطعن على حكم المحكمة التأديبية بمقولة إن الأولى اعتبار الطاعن مستقيلاً إعمالاً لحكم المادة 112 من قانون التوظف بدلاً من تطبيق حكم المادتين 57، 83 من القانون في حقه فهذا الوجه من الطعن هو أيضاً مردود بأن مقتضى حكم المادة 112 التي تنص على أنه "إذا لم يقدم الموظف أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب، ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل، مقتضاه قيام قرينة قانونية هي اعتبار الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً متتالية ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية". فإذا ما أبدى الموظف العذر من أول يوم انقطع فيه عن العمل فقد انتفى القول بأن انقطاعه كان للاستقالة وبالتالي تنتفي القرينة القانونية التي رتبها القانون على هذا الانقطاع حتى لو تبين فيما بعد أن الأعذار التي تذرع بها كانت غير صحيحة وعندئذ قد يكون مثل هذا الموظف محلاً للمؤاخذة التأديبية بغير إنهاء الخدمة المنصوص عليها في المادة 112 من قانون التوظف.
وثابت من الأوراق على النحو الذي تقدم أن الطاعن قد انقطع عن العمل بدون إذن في أيام تعاقبه خلال شهري مارس وإبريل سنة 1959 ولما كشف عليه القومسيون الطبي العام بناء على طلبه، في يوم 25 من إبريل قطع القومسيون الطبي بأن صحة الطاعن على ما يرام ولم يتبين به ما ينم عن سابقة مرضه بما يدعوه إلى الانقطاع عن العمل أياماً متواصلة فقرر القومسيون عدم احتساب تلك الأيام في إجازاته المرضية لأنها لم تكن كذلك، ثم أمره القومسيون بالعودة فوراً إلى مقر عمله ومباشرة العمل ولكن الطاعن أعرض عن هذا كله واسترسل في سلوكه المعيب فظل عن العمل منقطعاً. فلا تثريب بعد ذلك على الجهة الإدارية إذا هي أصرت على وقف صرف مرتبه وإحالته إلى المحاكمة التأديبية بجريرة الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها وفي مقدمتها ما نصت عليه صراحة المادة 57 من قانون التوظف (لا يجوز لأي موظف أن ينقطع عن عمله إلا لمدة معينة، في الحدود المسموح بها لمنح الإجازات...) وإذ قضى الحكم التأديبي المطعون فيه بذلك وأنزل حكم المادتين 57، 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فإنه يكون قد صدر سليماً وجاء متفقاً وحكم القانون الصحيح ويكون الوجه الثاني للطعن فيه على غير سند من القانون.
ومن حيث إنه ولئن كان الحكم التأديبي المطعون فيه قد صدر بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 إلا أنه قد جد بعد ذلك جديد في أحكام القانون من شأنه أن يؤثر فيما قضى به الحكم المطعون فيه في خصوص حرمان زين الدين زين العابدين من نصف مكافأته، ذلك أنه قد صدر ونشر في 28 من إبريل سنة 1963 قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1963 بإصدار قانون التأمين والمعاشات لموظفي الدولة ومستخدميها وعمالها المدنيين. وقد نص في المادة 36 من هذا القانون على أنه استثناء من القوانين والقرارات المقررة لقواعد الحرمان من المعاش أو المكافأة لا يجوز حرمان المنتفع أو صاحب المعاش من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع...) كما تنص المادة الثالثة من قانون إصداره على سريان أحكام مواد معينة منها المادة 36 سالفة الذكر على جميع الموجودين في الخدمة وقت العمل بهذا القانون رقم 50 لسنة 1963 المعاملين بأحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 والمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 وتأسيساً على ذلك يفيد الطاعن من هذا النص المستحدث والذي لحق طعنه قبل الفصل فيه فأصبح لا يجوز حرمانه من نصف مكافأته، على النحو الذي قضى به الحكم التأديبي المطعون فيه وصار الحرمان لا يمكن أن يجرى إلا في حدود الربع وحده. ومن ثم يتعين تعديل الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص على مقتضى ما تقدم.

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمان زين الدين زين العابدين من نصف مكافأته وقصر الحرمان على ربعها وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك، وألزمت الطاعن بالمصروفات.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 153 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

طلب ترك الخدمة وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 باعتباره استقالة - تقديم الموظف هذا الطلب أثناء الإحالة إلى المحاكمة التأديبية وتراخي المحاكمة التأديبية حتى صدور حكم براءته مما نسب إليه تأديبياً بعد إحالته فعلاً للمعاش وفقاً للقواعد العادية - عدم جواز قبول الاستقالة في هذه الحالة لانقضاء رابطة الوظيفة.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 780

(65)
جلسة 7 من مارس سنة 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1464 لسنة 8 القضائية

موظف - استقالة - طلب ترك الخدمة وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 باعتباره استقالة - تقديم الموظف هذا الطلب أثناء الإحالة إلى المحاكمة التأديبية وتراخي المحاكمة التأديبية حتى صدور حكم براءته مما نسب إليه تأديبياً بعد إحالته فعلاً للمعاش وفقاً للقواعد العادية - عدم جواز قبول الاستقالة في هذه الحالة لانقضاء رابطة الوظيفة.
أن ترك الخدمة وفقاً للقرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 هو بمثابة استقالة على نحو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القرار بقانون الأمر الذي يقتضي وجوب مراعاة أحكام قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 عدا الحكم الوارد في الفقرة الأخيرة من المادة 110 منه التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط كأن لم تكن وبذلك ينبغي على جهة الإدارة أن لا تقبل استقالة الموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية إلا بعد الحكم في الدعوى بغير عقوبة العزل أو الإحالة إلى المعاش عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 110 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951.
وقد كان المدعي عند تقديم طلب ترك الخدمة في 11 مايو سنة 1960، محالاً إلى المحاكمة التأديبية، فلم تتحيفه الجهة الإدارية عندما قررت في 28 من مايو سنة 1960 وكذا في 20 من يوليه سنة 1960، عدم جواز قبول استقالته إلا بعد الحكم في الدعوى بغير عقوبة أو الإحالة إلى المعاش.
وقد قضى في 18 من مايو سنة 1961 ببراءة المدعي في الدعوى التأديبية التي كانت مقامة ضده وذلك بعد أن انتهت مدة خدمته اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1960 لبلوغه السن المقررة لترك الخدمة.
وتقضي المادة 110 من قانون التوظف بأن للموظف أن يستقيل من الوظيفة.. ولا تنتهي خدمة الموظف إلا بالقرار الصادر بقبول استقالته ومفاد ذلك أن طلب الاستقالة هو ركن السبب في القرار الإداري الصادر بقبولها فيلزم لصحة هذا القرار أن يكون طالب الاستقالة موظفاً قائماً بعمله لحين صدور القرار الإداري بقبول الاستقالة لأن تقديم الاستقالة وقبولها يفترضان حتماً توافر صفة الموظف.
ومن حيث إن المدعي، في الوقت الذي اكتمل فيه مركزه القانوني بعد الحكم له بالبراءة في 18 من مايو سنة 1961 في الدعوى التأديبية التي كانت مقامة ضده والذي أصبح فيه أمره صالحاً للنظر فيه من حيث تطبيق أثر القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 على طلب ترك الخدمة المقدم منه في 11 من مايو سنة 1960، كان قد أصبح غير موظف لبلوغه السن المقررة، فلا تثريب والحالة هذه على جهة الإدارة في امتناعها عن إصدار قرار بقبول الاستقالة وقتئذ، وإلا كان القرار فاقداً محله لتعلقه بموظف سابق، والاستقالة لا تقبل إلا من موظف قائم بعمله فعلاً كما أنها ما كان لها أن تجيبه إلى طلب استقالته المقدم منه في 11 من مايو سنة 1960 وهو محال إلى المحاكمة التأديبية، أما بعد تبرئته فكان المجال الزمني المحدد لصلاحية العمل بالقرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 قد انقضى حسبما يبين من مادته الأولى.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء 31 من يوليه سنة 1962 أودع السيد الأستاذ جورج عبد الله البيطار المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن السيد/ تودري مغاريوس تادرس سكرتارية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات وهيئة السكك الحديدية بجلسة 4 من إبريل سنة 1962 في القضية رقم 870 لسنة 7 القضائية المقامة من السيد/ تودري مغاريوس تادرس ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية والقاضي برفض الدعوى وبإلزام المدعي بالمصروفات وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار الإداري الضمني بعدم قبول استقالته واستحقاقه لمعاملته بأحكام الفقرة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 بمنحه علاوتين من علاوات الدرجة الرابعة وضم سنتين لمدة خدمته واحتساب معاشه على هذا الأساس مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وقد أعلن هذا الطعن للجهة الإدارية في 9 من أغسطس سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 11 من يناير سنة 1964 وأبلغت إدارة قضايا الحكومة والمدعي في 17 من ديسمبر سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وقد قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 8 من فبراير سنة 1964 التي أبلغ بها الطرفان في 26 من يناير سنة 1964 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إنه ثابت من الأوراق أن الحكم المطعون فيه صادر في 4 من إبريل سنة 1962 وأن المدعي تقدم بطلب إعفائه من رسوم الطعن في هذا الحكم بطلب الإعفاء رقم 262 لسنة 8 القضائية عليا في 21 من مايو سنة 1962، وقد صدر القرار برفض طلبه في 28 من يونيه سنة 1962 فأقام طعنه في 31 من يوليه سنة 1962، ومن ثم فإن هذا الطعن يكون مقبولاً شكلاً لرفعه في الميعاد القانوني وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 8 من أغسطس سنة 1960 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر بعدم قبول طلب اعتزال الخدمة وتسوية حالته بالتطبيق للقانون رقم 120 لسنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الهيئة العامة لشئون السكة الحديد بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال شرحاً لدعواه أنه تقدم في 10 من مايو سنة 1960 بطلب لمدير عام المشتريات والمخازن ملتمساً إحالته إلى المعاش طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وقد أحال مدير عام المشتريات والمخازن هذا الطلب بكتاب تاريخه 14 من مايو سنة 1960 إلى مراقب عام الأفراد مع التوصية بإجابة ملتمسة ولم تقبل الهيئة المدعى عليها طلبه نظراً لإحالته إلى المحاكمة التأديبية تطبيقاً للفقرة الأخيرة من المادة 110 من قانون نظام موظفي الدولة وإذ صدر القانون رقم 120 لسنة 1960 استثناء من أحكام قانون التوظف. كما هو ثابت بالمادة الأولى منه وقد ورد النص عاماً غير مقيد بأي شرط سوى بلوغ الموظف سن الخامسة والخمسين فيكون القرار الصادر بعدم قبول استقالته لذلك السبب مخالفاً للقانون.
وتقول الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية أن المدعي التحق بخدمة الهيئة بتاريخ 16 من نوفمبر سنة 1920 وهو من مواليد أول ديسمبر سنة 1900 وأنه قدم في 11 من مايو سنة 1960 طلباً بإحالته إلى المعاش اعتباراً من أول يونيه سنة 1960.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن إعمال المادة 110 من قانون التوظف الخاصة بوقف النظر في طلبات الاستقالة للمحالين إلى المحاكمة التأديبية يعتبر إجراء مخالفاً لصريح نص القانون رقم 120 لسنة 1960 ذلك لأن هذا القانون الأخير صدر استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بصفة عامة دون تخصيص كما جاء هذا الاستثناء غير مقيد بأي شرط سوى توافر الشروط المحددة به وهي بلوغ الموظف سن الخامسة والخمسين وقت العمل بهذا القانون أو خلال ثلاثة شهور من تاريخ نفاذه.
وأنه على فرض إعمال حكم الفقرة الثانية من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فإن هذا لا يؤثر على حق الطاعن في الإفادة من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 متى صدر الحكم ببراءته إذ يعتبر قبول هذه الاستقالة معلقاً على شرط عدم الحكم بغير عقوبة العزل أو الإحالة إلى المعاش على أن يكون تاريخ الاستقالة راجعاً للتاريخ المحدد فيها، ولا محل لدفاع الهيئة الذي أخذ به الحكم المطعون فيه من أن ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خاضع لتقدير الجهة الإدارية ولها أن تقبله أو ترفضه وفقاً لمقتضيات الصالح العام.
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً حددت فيه وقائع الدعوى والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأبدت رأيها مسبباً منتهية فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقية المدعي في ترك الخدمة وتسوية معاشه تطبيقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
من حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي قدم في 11 من مايو سنة 1960 طلباً برغبته في ترك الخدمة على أن تسوى حالته بالتطبيق لأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وفي 28 من مايو سنة 1960 أرسل مراقب عام الأفراد إلى دائرة المشتريات والمخازن بالهيئة، حيث يعمل المدعي مفتشاً، خطاباً متضمناً عدم جواز قبول الاستقالة إلا بعد الانتهاء من المحاكمة التأديبية التي كان المذكور محالاً إليها، طبقاً للفقرة الثالثة من المادة 110 من قانون التوظف وعلى أثر هذا قدم المدعي في 20 من يونيه سنة 1960 إلى مدير عام الهيئة تظلماً ملتمساً فيه سحب القرار الصادر بعدم قبول استقالته والموافقة على إحالته إلى المعاش طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 فأجابت إدارة المشتريات والمخازن عليه بخطاب مؤرخ 20 من يوليه سنة 1960 مؤكدة أن المادة 110 من قانون التوظف لا تجيز قبول استقالة الموظف المحال إلى مجلس التأديب إلا بعد الانتهاء من محاكمته تأديبياً وأنه لذلك تقرر عدم قبول استقالته لإحالته إلى مجلس تأديب. وقد أحيل المدعي إلى المعاش اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1960 وهو التاريخ التالي لبلوغه سن الستين، وقضت المحكمة التأديبية بجلستها المنعقدة في 18 من مايو سنة 1961 ببراءته مما أسند إليه.
ومن حيث إن ترك الخدمة وفقاً للقرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 هو بمثابة استقالة على نحو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القرار بقانون الأمر الذي يقتضي وجوب مراعاة أحكام قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 عدا الحكم الوارد في الفقرة الأخيرة من المادة 110 منه التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط كأن لم تكن وبذلك ينبغي على جهة الإدارة أن لا تقبل استقالة الموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية إلا بعد الحكم في الدعوى بغير عقوبة العزل أو الإحالة إلى المعاش عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 110 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951.
وقد كان المدعي، عند تقديم طلب ترك الخدمة في 11 مايو سنة 1960، محالاً إلى المحاكمة التأديبية. فلم تتحيفه الجهة الإدارية عندما قررت في 28 من مايو سنة 1960 وكذا في 20 من يوليه سنة 1960، عدم جواز قبول استقالته لإحالته إلى المحاكمة التأديبية وفقاً لما تقضي به الفقرة الثالثة من المادة 110 من قانون التوظف وإذا أحيل الموظف إلى المحاكمة التأديبية لا تقبل استقالته إلا بعد الحكم في الدعوى بغير عقوبة العزل أو الإحالة إلى المعاش.
قد قضى في 18 من مايو سنة 1961 ببراءة المدعي في الدعوى التأديبية التي كانت مقامة ضده وذلك بعد أن انتهت مدة خدمته اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1960 لبلوغه السن المقررة لترك الخدمة.
وتقضي المادة 110 من قانون التوظف بأن للموظف أن يستقيل من الوظيفة.. ولا تنتهي خدمة الموظف إلا بالقرار الصادر بقبول استقالته ومفاد ذلك أن طلب الاستقالة هو ركن السبب في القرار الإداري الصادر بقبولها فيلزم لصحة هذا القرار أن يكون طالب الاستقالة موظفاً قائماً بعمله لحين صدور القرار الإداري بقبول الاستقالة لأن تقديم الاستقالة وقبولها يفترضان حتماً توافر صفة الموظف.
ومن حيث إن المدعي، في الوقت الذي اكتمل فيه مركزه القانوني بعد الحكم له بالبراءة في 18 من مايو سنة 1961 في الدعوى التأديبية التي كانت مقامة ضده والذي أصبح فيه أمره صالحاً للنظر فيه من حيث تطبيق أثر القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 على طلب ترك الخدمة المقدم منه في 11 من مايو سنة 1960، كان قد أصبح غير موظف لبلوغه السن المقررة فلا تثريب والحالة هذه على جهة الإدارة في امتناعها عن إصدار قرار بقبول الاستقالة وقتئذ، وإلا كان القرار فاقداً محله لتعلقه بموظف سابق، والاستقالة لا تقبل إلا من موظف قائم بعمله فعلاً كما أنها ما كان لها أن تجيبه إلى طلب استقالته المقدم منه في 11 من مايو سنة 1960 وهو محال إلى المحاكمة التأديبية، أما بعد تبرئته فكان المجال الزمني المحدد لصلاحية العمل بالقرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 قد انقضى حسبما يبين من مادته الأولى.
ومن حيث إنه يخلص من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه في النتيجة التي انتهى إليها ويكون الطعن والحالة هذه قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 75 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

عتبار انقطاع الموظف عن العمل دون بيان الأسباب الموجبة لذلك خلال الخمسة عشر يوما التالية فى حكم الاستقالة

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1965 إلى آخر يونيه سنة 1966) - صـ 519

(64)
جلسة 12 من مارس سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور ضياء الدين صالح وكيل مجلس الدولة وعضوية كل من السادة الأساتذة: عادل عزيز وحسنين رفعت وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 10 لسنة 10 القضائية

( أ ) موظف. "انتهاء الخدمة. أسبابها". "الاستقالة". اعتبار انقطاع الموظف عن العمل دون بيان الأسباب الموجبة لذلك خلال الخمسة عشر يوما التالية فى حكم الاستقالة - اقتران الانقطاع بتقديم طلب فى اليوم التالى للاحالة الى القومسيون الطبى لتقرير عدم اللياقة للخدمة بسبب مرض يحول دون الاستمرار فى العمل - انتفاء القرينة التى رتبها القانون على هذا الانقطاع - لا وجه لافتراض أن علة الانقطاع هى الاستقالة.
(ب) موظف. "انتهاء الخدمة. أسبابها". انتهاء الخدمة بسبب انقطاع الموظف عن عمله بدون اذن، للمدة التى يعتبر انقاؤها بمثابة استقالة - عدم صحته - لا ينال منه الاستناد الى سبب آخر، كعدم اللياقة الطبية اذا كان ذلك لم يتم بقرار من الجهة المختصة بتقرير ذلك - اختلاف المركز القانونى المترتب على انهاء الخدمة فى كل من الحالتين عنه فى الأخرى.
(جـ) موظف. "مرتبة". الحق فى تقاضى المرتب عن مدة فصل الموظف فى حالة الحكم بالغائها - لا يترتب تلقائيا كأثر من آثار الغاء قرار الفصل - لصاحب الشأن اذا ما أحيل بينه وبين أداء العمل أن يرجع بدعوى تعويض عن قرار الفصل غير المشروع متى توافرت عناصرها ومقوماتها.
1 - أن المستفاد من نص المادة 13 من دكريتو 29 من أبريل سنة 1895 الذى رددت حكمه المادة 181 من قانون المصلحة المالية أن الشارع قد اعتبر انقطاع الموظف عن عمله دون أن يبين الأسباب الموجبة لذلك خلال الخمسة عشر يوما التالية قرينة على الاستقالة وأن هذه القرينة يمكن دحضها اذا قدم الموظف خلال هذه المدة الأسباب الموجبة لهذا الانقطاع. ومن ثم فاذا كان انقطاع الطاعن عن العمل فى 2 من ديسمبر سنة 1951 قد اقترن بتقديمه طلبا فى اليوم التالى لاحالته الى القومسيون الطبى لتقرير عدم لياقته للخدمة طبيا لاصابته بمرض يحول دون استمراره فى العمل - فان - فى ذلك ما يكفى للافصاح عن سبب انقطاعه وهو المرض الذى دعاه الى تقديم الطلب المذكور - وبذلك لا يكون هناك وجه لافتراض أن علة انقطاعه هى الاستقالة وتنتفى القرينة التى رتبها القانون على هذا الانقطاع.
2 - متى بان أن القرار الصادر بانهاء خدمة الطاعن اعتبارا من 2 من ديسمبر سنة 1951 - استنادا الى المادة 181 من قانون المصلحة المالية - قد صدر على غير أساس من القانون فى غير الأحوال الموجبة لذلك فانه لا حجة فى قول الوزارة أن ما نعاه منه ما دام يمكن حمله على سبب قانونى آخر هو عدم اللياقة الصحية أخذا بتقرير الطاعن فى هذا الشأن ذلك انه ما كان يجوز الاستناد الى هذا السبب لانهاء خدمته الا بعد ثبوت عدم لياقته بقرار من الجهة المختصة وهى القومسيون الطبى وعلى هذا اطردت أحكام التشريعات الخاصة بالتوظف والمعاشات وقضى به قانون المصلحة المالية فى المادة 268 منه التى نصت على أنه (لا يجوز احالة الموظف أو المستخدم على المعاش بسبب مرض أو عاهة أصيب بها أثناء خدمته الا بناء على شهادة تعطى من القومسيون الطبى بالقاهرة دالة على أنه أصبح غير قادر على الخدمة) وتضمن قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 النص فى المادة 22 منه على أن (كل من يطلب تسوية معاشه أو مكافأته من الموظفين أو المستخدمين بسبب عاهة أو مرض يجب الكشف عليه بمعرفة القومسيون الطبى بالقاهرة) ونصت المادة 23 من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 على أن عدم القدرة على الخدمة يجب اثباته بواسطة قومسيون طبى القاهرة بناء على طلب الموظف أو المستخدم نفسه أو بناء على طلب المصلحة ونصت المادة 109 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أن (يثبت عدم اللياقة الصحية بقرار من القومسيون الطبى العام بناء على طلب الموظف أو الحكومة وبالاضافة الى ما تقدم فان المركز القانونى المترتب على انتهاء الخدمة بسبب الانقطاع عن العمل.
3 - ان الحق فى المرتب لا يعود تلقائيا كأثر من آثار الغاء قرار الفصل بل يخضع لاعتبارات أخرى أهمها أن هذا الحق يقابله واجب هو أداء العمل ونظرا لأن الطاعن قد حيل بينه وبين أداء عمله وحرمت الجهة الادارية من خدماته طيلة مدة فصله فانه لا يكون من حقه المطالبة بصرف مرتبه عن هذه المدة كأثر من آثار الالغاء وله اذا شاء أن يرجع على الوزارة بدعوى تعويض عن قرار الفصل غير المشروع متى توافرت عناصرها ومقوماتها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه قد صدر فى 22 من مايو سنة 1963 وفى 21 من يوليو سنة 1963 تقدم الطاعن بطلب لاعفائه من رسوم الطعن فيه وقد تقرر قبول هذا الطلب فى 12 من أغسطس سنة 1963 فأقام هذا الطعن بايداع تقرير به قلم كتاب المحكمة فى 7 من أكتوبر سنة 1963 وبذلك يكون الطعن قد أقيم فى الميعاد مستوفيا أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق فى أنه فى 8 من سبتمبر سنة 1953 تقدم السيد/ حافظ محمد نصر يتظلم الى اللجنة القضائية لوزارة التربية والتعليم ذكر فيه انه تخرج فى كلية دار العلوم العليا فى سنة 1932 والتحق بوظائف التدريس بوزارة المعارف فى تلك السنة وكان يقوم بعمله خير قيام ورقى الى الدرجة الرابعة فى سنة 1950 - وفى سنة 1951 مرض مرضا شديدا منعه من الاستمرار فى الوظيفة فتقدم بطلب الى الوزارة فى يناير سنة 1951 راغبا فى احالته الى القومسيون الطبى تمهيدا لاحالته الى المعاش وتسوية حالته وصرف معاش أو مكافأة عن مدة خدمته ولما لم يجب الى طلبه تقدم بطلب آخر الى المنطقة بشبين الكوم فى 7 من يوليو سنة 1953 مصرا على طلب احالته الى القومسيون الطبى وتسوية حالته أو اعادته الى وظيفته مدرسا بالفصول الثانوية بمدرسة بركة السبع الثانوية لأنه شفى من مرضه وأصبح قادرا على العمل وانتهى فى تظلمه الى طلب التحقيق فيه.
وأجابت الوزارة على هذا التظلم بقولها أن السيد/ حافظ محمد نصر قد سبق أن تقدم باستقالته فى 3 من ديسمبر سنة 1951 وليس فى يناير سنة 1951 وان الادارة العامة للغة العربية ناقشته فى هذه الاستقالة وأصر عليها وانقطع عن عمله بعد تقديمها وأن اصراره عليها جاء بكتاب الادارة العامة للغة العربية يدل على أنه عازف عن الوظيفة غير راغب فى الاستمرار فيها - وانه تبين أيضا من الدعوى رقم 121 لسنة 7 القضائية المرفوعة منه انه فتح مدرسة حرة الأمر الذى يبين منه أنه رغب فى اعتزال الخدمة للاشتغال بالأعمال الحرة كما انه انقطع عن عمله بعد تقديم استقالته فيعتبر مفصولا من تاريخ انقطاعه بناء على استقالته وانقطاعه عن العمل أكثر من خمسة عشر يوما - أما اعادته الى عمله فأمر جوازى وذلك فى حالة احتياج الوزارة ووجود درجة خالية يمكن تعيينه عليها.
وقد أحيل هذا التظلم الى المحكمة الادارية لوزارة التربية والتعليم التى قررت بجلستها المنعقدة فى 29 من فبراير سنة 1956 احالة الدعوى بحالتها الى محكمة القضاء الادارى للاختصاص عملا بحكم المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة.
وبجلسة التحضير المنعقدة فى 29 من مارس سنة 1958 قرر المدعى أن طلباته هى اعادته الى عمله بالوزارة ومنحه مرتبه من يوم أن تقدم بطلب احالته الى القومسيون الطبى.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا برأيها انتهت فيه الى أنها ترى الحكم برفض الدعوى والزام المدعى بالمصروفات.
وتقدم المدعى بمذكرتين بدفاعه وقال فيهما انه تدرج فى وظائف التدريس بوزارة التربية والتعليم الى أن وصل الى مدرس بالفصول الثانوية بمدرسة بركة السبع بالدرجة الرابعة بمرتب قدره 41 جنيها و625 مليما ابتداء من أول أغسطس سنة 1950 وفى سنة 1951 أصيب بمرض شديد أعجزه عن العمل فتقدم الى الوزارة بطلب احالته الى القومسيون الطبى لفحصه تمهيدا لاحالته الى المعاش وتسوية حالته وانتظر أن يجاب طلبه دون جدوى فتقدم بطلبين آخرين مصمما على طلب احالته الى القومسيون فكان مصير هذه الطلبات ومنها الطلب المؤرخ فى 9 من يناير سنة 1952 مصير الطلب الأول وفى مارس سنة 1952 كانت صحته قد تحسنت فتوجه الى المدرسة لاستئناف عمله بها فأجابه الناظر بأن الوزارة قد عينت بديلا له وأن ادارة المدرسة ليس لديها أى معلومات عن طلبه - ولبث ينتظر الاحالة الى القومسيون الطبى ثم أقام دعواه فى 8 من سبتمبر سنة 1953 وفى أول فبراير سنة 1955 ورد اسمه فى نشرة الوزارة كمدرس بالفصول الثانوية بمدرسة بركة السبع وذكر قرين اسمه أن مرتبه 41 جنيها و500 مليم وكانت الوزارة قد امتنعت عن صرف مرتبه من فبراير سنة 1952 ثم علم انها منحته علاوة قدرها 2 جنيه و625 مليما فى 26 من يونيو سنة 1954 - وذكر المدعى أن الثابت بملف الخدمة أن هناك كتابا من ادارة التعليم الثانوى الى ادارة المستخدمين مؤرخا فى 9 من يوليو سنة 1953 يتضمن انه لا مانع من احالته الى القومسيون الطبى العام وأن ورود اسمه فى نشرة الوزارة فى سنة 1955 ومنحه علاوة فى سنة 1954 يدل على أن علاقته بها كانت قائمة لم تنقطع فى وقت معاصر لنظر الدعوى - وأضاف أن مستندات الوزارة قد وقعت فى تناقض فى شأنه لأنه بينما تضمن الأمر التنفيذى المؤرخ فى 29 من أغسطس سنة 1956 بانهاء خدمته اشارة الى أنه قدم استقالته فى 3 من ديسمبر سنة 1951 وانقطع عن العمل فى 2 من ديسمبر سنة 1951 اذا بها تقرر فى تأشيرة مؤرخة فى 25 من مايو سنة 1958 موقعة من المراقب العام بأنه لم يفصل بناء على هذه الاستقالة وانما فصل بناء على المادة 181 من قانون المصلحة المالية لانقطاعه عن العمل - وذكر أن هذه المادة ترتب اعتبار الموظف مستعفيا من وظيفته على امتناعه عن ابداء أسباب انقطاعه عن عمله فى الخمسة عشر يوما التالية لهذا الانقطاع فاذا كان الموظف قد أبدى هذه الأسباب فان قرينة اعتباره مستعفيا من وظيفته لا تعتبر قائمة وقد بين هو أن سبب انقطاعه عن العمل هو المرض فلا وجه بعد ذلك لاعتباره مستعفيا مهما طال هذا المرض - وعقب على قول الوزارة انه استقال ليتفرغ لادارة مدرسة نص الابتدائية بقوله أنه لا زال لتلك المدرسة ناظرا معين من بين موظفى الوزارة - وذكر المدعى أن للمدرسة مجلس ادارة مشكل برياسته واختصاص هذا المجلس مقصور على رسم خطوط السياسة العامة للمدرسة ولا يجتمع الا نادرا والاشتراك فيه لا يتعارض مع أى عمل حكومى كما ذكر أن للمدرسة لجنة فنية مشكلة من أعضاء مجلس الادارة وانه يبين من الاطلاع على سجل المدرسة عدم وجود اسمه بأية صفة فلم تكن له مصلحة فى أن يستقل من وظيفة كان مرتبه منها 42 جنيها و650 مليما فى الشهر ليقحم نفسه فى عملا لا يدر شيئا وأضاف أنه ليس مسئولا عن فقد الطلب المقدم منه وأن الوزارة اذ تدعى أنه استقال من وظيفته عليها أن تثبت تقديم هذه الاستقالة وان بالملف كثير من القرائن التى تقطع باستمرار علاقته بالوزارة الى تاريخ معاصر لنظر الدعوى وذلك ينفى الادعاء بأنه قدم استقالته من وظيفته فى سنة 1951
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدعوى المدعى على أن الذى يبين من الأوراق ومن ملف الخدمة انه قدم استقالته الى منطقة شبين الكوم التعليمية فى 3 من ديسمبر سنة 1951 وانقطع عن العمل اعتبارا من ذلك التاريخ وأوقف صرف مرتبه اعتبارا من نوفمبر سنة 1951 وأنه تقدم بطلب الى وكيل الوزارة يطلب فيه احالته الى القومسيون الطبى ليقرر صلاحيته للخدمة حول ادارة المستخدمين فى 6 من يناير سنة 1952 وفى 26 من يونيو سنة 1952 قدم طلبا الى السيد الوزير التمس فيه اعادته للخدمة وحفظ هذا الطلب فى 27 من يوليو سنة 1952 وفى 29 من أغسطس سنة 1956 أصدر مراقب عام المستخدمين أمرا تنفيذيا بانهاء خدمته عملا بأحكام المادة 181 من القانون المالى اعتبارا من 2 من ديسمبر سنة 1951 تاريخ انقطاعه عن العمل بسبب تقديمه استقالته أو على حد قوله من تاريخ تقديم طلب احالته الى القومسيون الطبى ليقرر لياقته للخدمة والقدر المتيقن أنه لم يعد الى عمله مدة تتجاوز الخمسة عشر يوما ولم يقدم ما يدل على أن انقطاعه كان لعذر مقبول كما لم يبد أسبابا تبرر هذا الانقطاع أما الطلب الذى قدمه فى 26 من يونيو سنة 1952 لاعادته للخدمة أو لاحالته الى القومسيون الطبى ففضلا عن أنه قد قدم بعد انقضاء الخمسة عشر يوما المنصوص عليها فى القانون المالى فان ما جاء بهذا الطلب من انه كان مريضا لا يعد سببا يبرر الانقطاع لأن هناك اجراءات نص عليها القانون للحصول على اجازات مرضية ليس من بينها تقديم شهادات من أطباء خصوصيين كما انه ثبت من الاطلاع على ملف الدعوى رقم 121 لسنة 7 القضائية المقامة منه انه كان فى ذلك الوقت يشغل منصب رئيس جمعية التربية الفنية بقويسنا التى من ضمن أعمالها ادارة مدرسة النصر الابتدائية بقويسنا ومن ثم لا يكون المرض سببا يبرر الانقطاع عن العمل - ولا حجة فى قوله أن تقدم بطلب الى الوزارة لاحالته الى القومسيون الطبى تمهيدا لاحالته الى المعاش اذ كان عليه أن يستمر فى أداء واجباته الى أن يبت فى طلبه ومن ثم فان القرار المذكور المستند الى المادة 181 من القانون المالى والصادر ممن يملكه فى حدود اختصاصه اذ استخلص النتيجة التى انتهى اليها استخلاصا سائغا من أصول تنتجها يكون قد قام على سببه ومطابقا للقانون.
ومن حيث ان الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
1 - ان الحكم قد أخطأ حين استخلص وجود استقالة للمدعى فهناك تأشيرات من الادارات المختصة بأن المدعى طلب احالته الى القومسيون الطبى وانها لا تمانع فى ذلك كالتأشيرة المؤرخة فى 9 من مارس سنة 1953 التى يحتويها كتاب ادارة التعليم الثانوى الى ادارة المستخدمين والقرارين الصادرين أولهما بمنحه علاوة دورية فى سنة 1954 وثانيهما بادراج اسمه ضمن أسماء مدرسى مدرسة بركة السبع وهذه الأوراق تنفى أن ثمة استقالة وتناقض الوزارة فى دفاعها بين القول بأن انهاء خدمته كان على أساس قبول استقالته وبين القول بأنها كانت تطبيقا للمادة 181 من قانون المصلحة المالية يقطع بأن الاستخلاص الذى أقام عليه الحكم قضاءه فى غير محله.
2 - أن الحكم لم يبين لماذا أعرض عن الأخذ بدلالة القرارين الصادرين بمنحه العلاوة وبايراد اسمه ضمن مدرسى مدرسة بركة السبع الاعدادية على استمرار صلته بالوزارة بعد التاريخ الذى اعتبرته مبدأ انتهاء خدمته.
(3) انه يبدو أن المحكمة قد استخلصت من الدعوى التى كان المدعى قد أقامها فى شأن اعانة مدرسة النصر بقويسنا أنه قد استقال ليتفرغ للعمل فى المدرسة المذكورة وهو استخلاص واستناد خاطئ لأنه أوضح أنه كان رئيسا لمجلس ادارة تلك المدرسة ولا يباشر أى عمل من أعمال الادارة الفعلية بها.
ومن حيث أن هيئة مفوضى الدولة قد تقدمت بتقرير برأيها انتهت فيه الى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبالغاء القرار التنفيذى الصادر فى 29 من أغسطس سنة 1956 بانهاء خدمة الطاعن اعتبارا من 2 من ديسمبر سنة 1951 وما يترتب على ذلك من آثار مع الزام الوزارة المطعون ضدها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث أن الوزارة قد تقدمت بمذكرة بدفاعها قالت فيها أنه بتاريخ 2 من ديسمبر سنة 1951 انقطع المدعى فجأة عن العمل وفى اليوم التالى أخطر منطقة شبين الكوم التعليمية بطلب يلتمس فيه احالته الى القومسيون الطبى فيما يقرر عدم لياقته للخدمة وذلك تمهيدا لاصدار قرار بانهاء خدمته وتسوية حالته بصرف المعاش أو المكافأة المستحقة له عن مدة خدمته باعتبار أنه أصيب بمرض يحول دون استمراره فى العمل - أى أنه تقدم بهذا الطلب لا لكى يقرر له القومسيون الاجازة المرضية التى تتفق مع نوع مرضه ولكن تمهيدا لتقرير عدم لياقته للخدمة واصدار قرار يقضى باعفائه منها أى أنه قدر ابتداء أن المرض الذى ألم به لن يسمح له بالعودة الى العمل - وظل انقطاعه عن العمل مستمرا من 2 من ديسمبر سنة 1951 حتى 26 من يونيو سنة 1952 عندما تقدم الى الوزير مكررا ذات طلبه الأول أو اعادته الى العمل أما واقعة توجهه الى ناظر المدرسة فى مارس سنة 1952 فلا أساس لها فى الأوراق ولم يشر اليها فى تظلمه أمام اللجنة القضائية ومضت الوزارة تقول أنه ما كان يجوز له الانقطاع عن العمل دون أن يطلب الترخيص له باجازة مرضية وطلبه المشار اليه لم يكن ليغنى عن التقدم بطلب الاجازة - ولم تفوت عليه جهة الادارة فرصة اعطائه الاجازة بل القدر المتيقن فى تفويت الفرصة - أن كان - هو عدم صدور قرار بانهاء خدمته لعدم اللياقة الصحية على نحو ما هدف اليه من طلبه وهذا لا ينال من القرار محل الطعن ما دام يمكن حمله على سبب قانونى آخر هو عدم الياقة الطبية اخذا بتقريره هو فى هذا الشأن - وذلك بالاضافة الى أنه ظل منقطعا عن عمله سبعة أشهر قبل تقدمه بطلبه الى الوزير حال أن النصوص (المادة 165 من القانون المالى) تقضى بأنه يتعين شطب اسم الموظف واحالته الى المعاش اذا لم يستطع العودة الى عمله بعد انقضاء ستة أشهر وأشارت الوزارة الى أن تاريخ الانقطاع عن العمل معاصر لتاريخ اقامة الدعوى رقم 121 لسنة 7 القضائية فانقطاعه عن العمل لم يكن مرجعه الى المرض بل كان مرده الى أنه لا يستطيع الجمع بين نشاطين فى وقت واحد يؤيد ذلك أن انقطاعه كان فجأة دون أن يحول استنفاذ اجازته المرضية بما يفيد أن ثمة مصلحة فورية تتطلب الانقطاع عن العمل - فالقرائن تقطع بعدم جدية مزاعمه اذ أنه فى الوقت الذى أدعى فيه أنه كان مريضا بحيث يعجز عن الاستمرار فى أى عمل - لم يقعده هذا المرض عن النشاط فى مدرسته الخاصة بحكم رئاسته لمجلس الادارة - وعقبت الوزارة على ما ورد بتقرير هيئة المفوضين من أن الأوراق تثبت أن الوزارة عاملت الطاعن بوصفه مستمرا فى الخدمة ولم ينقطع بقولها أن فى ذلك تحميل لوقائع لمنازعة بما لا تحتمل لمجرد خطأ وقعت فيه الوزارة بعدم شطب اسم الطاعن من السجلات التى تنعكس صورتها على النشرات والقرارات التى تصدر وفقا لما تتضمنه من بيانات والعبرة فى هذا المقام بالمركز القانونى الفعلى للموظف والواضح أن الوزارة لم تصرف له مرتبه من تاريخ انقطاعه عن العمل وأنه تقدم فى 26 يونيو سنة 1952 بطلب لاعادته الى الخدمة تقرر حفظه مما لا يسوغ معه القول بأن الوزارة عاملته على أساس أنه ما زال فى الخدمة - ومضت الوزارة تقول أن الطاعن قد أوضح بشكل بات وقاطع أنه عقد النية على اعتزال الخدمة فهو لم يطلب الترخيص باجازة مرضية واذا صح القول أن ثمة حق فات عليه من اجراء عدم احالته الى القومسيون الطبى فهذا الحق يتمثل فيما قرره فى طلبه وهو عدم صلاحيته الطبية من وقت انقطاعه عن العمل لا من الوقت الذى يستنفذ فيه اجازته المرضية لأنه لم يطلبها - وانتهت الوزارة الى القول بأنه لو سلم جدلا بأن الطاعن انقطع عن عمله بسبب المرض وبأن القومسيون الطبى كان سينتهى بأنه يتعين اعفاؤه من العمل فانه لا يسوغ له طلب الحكم بالغاء قرار انهاء خدمته وصرف مرتبه من تاريخ انقطاعه - اذ لا يمكن افتراض أنه أبل من مرضه خلال المدة المسموح بها كأجازات مرضية واعتباره مستمرا فى عمله على القومسيون الطبى مع أنه كان يهدف بطلبه الى اعفائه من الخدمة بسبب عدم اللياقة - واذا فرض جدلا أن اهمال الادارة فوت عليه حقا احتماليا يتمثل فى أن يقرر القومسيون عودته الى العمل مع حساب مدة غيابه هذه اجازة مرضية الا أنه مع افتراض قيام هذه الاجازة حكما فان القانون يقضى بعدم امتدادها أكثر من ستة أشهر كان يتعين عليه بعدها أن يعود الى العمل فى تاريخ أقصاه 2 من مايو سنة 1952 ويبدى عذر المرض مؤيدا بالمستندات ولكنه لم يعد خلال خمسة عشر يوما من هذا التاريخ وأول طلب قدمه للوزارة فى هذا الشأن مؤرخ فى 27 من يونيو سنة 1952 فيتعين تطبيق المادة 181 من القانون المالى فى حقه باعتباره فى حكم المستقبل من تاريخ انقطاعه عن العمل.
ومن حيث انه بالرجوع الى ملف خدمة الطاعن يبين أنه لم يرفق به الطلب الذى أشارت اليه الوزارة فى مذكرتها فى هذا الطعن وقالت أن الطاعن قد تقدم به الى منطقة شبين الكوم التعليمية فى 3 من ديسمبر سنة 1951 ملتمسا فيه احالته الى القومسيون الطبى كما يقرر عدم لياقته للخدمة وذلك تمهيدا لاصدار قرار بانهاء خدمته وتسوية حالته بصرف المعاش أو المكافأة المستحقة له عن مدة خدمته باعتبار أنه أصيب بمرض يحول دون استمراره فى العمل - كما لم ترفق بالملف المذكور الطلبات الأخرى التى يدعى الطاعن أنه تقدم بها فى هذا الشأن ومنها الطلب المقدم منه فى 8 من يناير سنة 1952 والمشار اليه فى كتاب ادارة المستخدمين المرسل الى منطقة شبين الكوم التعليمية فى أول أبريل سنة 1952 والذى طلب فيه البت فى طلبه الأول (صفحة 64 من ملف الخدمة رقم د 6 - 24/ 137) - والطلب الذى قالت الوزارة فى مذكرتها المشار اليها أن الطاعن تقدم به السيد الوزير فى 26 من يونيو سنة 1952 طالبا ذات طلبه الأول أو اعادته الى الخدمة وكذلك الطلب المشار اليه فى الكتاب المرسل من منطقة شبين الكوم التعليمية فى 13 من يوليو سنة 1953 الى المراقبة العامة للتعليم الثانوى والذى ذكرت أن الطاعن طلب فيه اعادته الى الخدمة أو احالته الى القومسيون الطبى وصرف المكافأة التى يستحقها (صفحة 57 من ذات الملف) - ويبين مما حواه هذا الملف من مكاتبات وتأشيرات أن الطلب الذى تقدم به الطاعن فى 3 ديسمبر سنة 1951 قد وصف فيها بأنه طلب استقالته - وأن الادارات المختلفة بالوزارة وبمنطقة شبين الكوم التعليمية ظلت تتبادل المكاتبات فى شأن الطلب المذكور ومع يتبع فيه وفى شأن اعادة الطاعن الى عمله الى ما بعد اقامته دعواه بمدة طويلة ظل فيها مركزه القانونى معلقا الى أن أصدر المراقب العام للمستخدمين فى 29 من أغسطس سنة 1956 ما وصفه بأن أمر تنفيذى بانهاء خدمة الطاعن اعتبارا من 2 من ديسمبر سنة 1951 عملا بأحكام المادة 181 من القانون المالى وقد تضمن هذا الأمر الاشارة فى ديباجته الى أن الطاعن قد تقدم باستقالته فى 3 من ديسمبر سنة 51 وانقطع عن العمل فى 2 من ديسمبر (صفحة 125 من ملف الخدمة) - وبين المراقب العام للمستخدمين فى كتابه المرسل الى ادارة الشئون القانونية فى 25 من مايو سنة 1958 فى شأن البحث عن الاستقالة المقدمة من الطاعن أنه لم يفصل بناء على هذه الاستقالة التى لم تدخل فى اعتبار عند اصدار قرار فصله ولكنه فصل تطبيقا للمادة 181 من قانون المصلحة المالية لانقطاعه عن العمل (صفحة 143 من ملف الخدمة).
ومن حيث أن الخلاف الذى ثار أمام اللجنة القضائية ثم أمام محكمة القضاء الادارى حول ما اذا كان الطلب المشار اليه والمقدم من الطاعن فى 3 من ديسمبر سنة 1951 يتضمن استقالته من وظيفته أو التماس احالته الى القومسيون الطبى لاصابته بمرض يحول دون استمراره فى عمله قد انحسم بما قررته الوزارة فى هذا الشأن فى مذكرتها المقدمة فى هذا الطعن على الوجه السابق بيانه.
ومن حيث أنه وان لم يعد هناك خلاف بين الطرفين حول فحوى الطلب المذكور الا أن الخلاف لا زال قائما حول الأثر المترتب على انقطاع الطاعن عن عمله الذى عاصر تقديمه هذا الطلب فبينما يذهب الطاعن الى أن انقطاعه كان بسبب المرض ثم بسبب امتناع الوزارة عن اعاداته الى عمله بعد شفائه والى أنه ما كان يجوز لذلك اعتباره مستقيلا وفقا لحكم المادة 181 من قانون المصلحة المالية - تذهب الوزارة الى أنه نظرا الى لم يضمن طلبه المشار اليه طلب منحه اجازة مرضية فانه ما كان يجوز له الانقطاع عن العمل حتى يبت فى ذلك الطلب والى أنه وان كان ذلك القرار الصادر بفصله قد أستند الى المادة 181 سالفة الذكر الا أن ذلك لا ينال من القرار المذكور ما دام يمكن حمله على سبب قانونى آخر هو عدم اللياقة الطبية أخذ بتقرير الطاعن فى هذا الشأن.
ومن حيث أن المادة 181 من قانون المصلحة المالية قد رددت حكم المادة 13 من الدكريتو الصادر فى 29 من أبريل سنة 1895 فى شأن اجازات المستخدمين الملكيين التى تنص على أن (كل موظف أو مستخدم لا يعود الى عمله عند انتهاء مدة اجازته يحرم من ماهيته بكاملها من ابتداء يوم انقضائها وهذا لا يمنع معاقبته بالجزاءات التأديبية التى يستحقها عن ذلك - واذا لم يبين الأسباب الموجبة لتأخيره فى ميعاد الخمسة عشر يوما التالية لانتهاء مدة اجازته فيعتبر مستقيلا ويشطب اسمه من جدول المستخدمين وقد تضمن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة حكما مماثلا فى المادة 112 منه التى قضت بأن يعتبر الموظف مستقيلا اذا انقطع عن عمله بدون اذن خمسة عشر يوما متتالية ولو كان الانقطاع عقب أجازة مرضية له فيها ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوما التالية ما لم يثبت أن انقطاعه كان لعذر مقبول - كما تضمنت مثل هذا الحكم المادة 81 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 46 لسنة 1964.
ومن حيث أن المستفاد من نص المادة 13 من دكريتو 29 من أبريل سنة 1895 الذى رددت حكمه المادة 181 من قانون المصلحة المالية أن الشارع قد أعتبر انقطاع الموظف عن عمله دون أن يبين الأسباب الموجبة لذلك خلال الخمسة عشر يوما التالية قرينة على الاستقالة وأن هذه القرينة يمكن دحضها اذا قدم الموظف خلال هذا المدة الأسباب الموجبة لهذا الانقطاع. ومن ثم فاذا كان انقطاع الطاعن عن العمل قد اقترن بتقديمه طلبا فى اليوم التالى لاحالته الى القومسيون الطبى لتقرير عدم لياقته للخدمة طبيا لاصابته بمرض يحول دون استمراره فى العمل - فان ذلك ما يكفى للافصاح عن سبب انقطاعه وهو المرض الذى دعاه الى تقديم الطلب المذكور - وبذلك لا يكون هناك وجه لافتراض أن علة انقطاعه هى الاستقالة وتنتفى القرينة التى رتبها القانون على هذا الانقطاع.
ومن حيث أن ينعى على الطاعن بأنه لم يكن جادا فى طلبها احالته الى القومسيون الطبى بمقولة أنه فى الوقت الذى انقطع فيه عن العمل دون اجازة مدعيا المرض ظل يرأس جمعية الترقية الفنية بقويسنا التى ينحصر نشاطها فى مجال التعليم الخاص وأقام الدعوى رقم 121 لسنة 7 القضائية طالبا الغاء القرار الصادر بتخفيض اعانة مدرسة النصر الابتدائية التى تديرها تلك الجمعية فى تاريخ معاصر لتاريخ انقطاعه عن العمل الأمر الذى يمكن معه القول بأن انقطاعه عن العمل لم يكن مرجعه الى المرض ولا الاستقالة من رئاسة تلك الجمعية بل مرده أنه لا يستطيع الجمع بين نشاطين فى وقت واحد - هذا النعى مردود (أولا) بأن مجرد استمرار الطاعن رئيسا لمجلس ادارة الجمعية المشار اليها واقامته الدعوى رقم 121 لسنة 7 القضائية لا يكفى لأن يستخلص منه استخلاصا سائغا أنه لم يكن مريضا فى 2 من ديسمبر سنة 1951 تاريخ انقطاعه عن العمل وذلك بالاضافة الى أن اقامته الدعوى المذكور كانت بايداع صحيفتها فى 25 من أكتوبر سنة 1952 أى بعد التاريخ الذى يدعى أنه شفى فيه من مرضه وبعد تقديمه الطلب المشار اليه فى مذكرة الوزارة والمؤرخ فى 26 من يونية سنة 1952
و(ثانيا) بأنه مما يدل على أن الطاعن كان جادا فى طلبه أنه تقدم بطلب مماثل فى 8 من يناير سنة 1952 ملتمسا البت فيه والمستفاد مما حواه ملف خدمته من أوراق أن عدم البت فى طلبه الأول يرجع الى فقده والى عدم وقوف الادارات.. المختصة على حقيقة مضمونة والى فهمها خطأ أنه طلب استقالة لا طلب احالة الى القومسيون الطبى بسبب المرض الأمر الذى ترتب عليه أن ظل المركز القانونى للطاعن معلقا حتى أصدر المراقب العام للمستخدمين الأمر المؤرخ فى 29 من أغسطس سنة 1956 بأنهاء خدمته على الوجه السابق بيانه.
و(ثالثا) بأنه كان يتعين على الوزارة اذا ثار لديها أى شك فى السبب الذى برر به الطاعن انقطاعه عن العمل وهو المرض أن تحيله الى القومسيون الطبى وهو الجهة المختصة للتحقق مما اذا كان ما يدعيه من عدم لياقته صحيا صحيحا أو غير صحيح وهو ما لم تقم به أصلا.
ومن حيث أنه متى ثبت أن الوزارة كانت على علم بسبب انقطاع الطاعن عن العمل الذى أفصح عنه فى طلبه المؤرخ فى 3 من ديسمبر سنة 1951 وهو المرض وبذلك انتفت القرينة القانونية التى رتبها الشارع على الانقطاع عن العمل فان حكم المادة 181 من قانون المصلحة المالية لا ينطبق عليه.
2 - متى بان ان القرار الصادر بانهاء خدمة الطاعن اعتبارا من 2 من ديسمبر سنة 1951 - استنادا الى المادة 181 من قانون المصلحة المالية قد صدر على غير أساس من القانون فى غير الأحوال الموجبة لذلك فانه لا حجة فى قول الوزارة أن ما نعاه الطاعن على القرار المذكور لا ينال منه ما دام يمكن حمله على سبب قانونى آخر هو عدم اللياقة الصحية أخذا بتقرير الطاعن فى هذا الشأن ذلك أنه ما كان يجوز الاستناد الى هذا السبب لانهاء خدمته الا بعد ثبوت عدم لياقته بقرار من الجهة المختصة وهى القومسيون الطبى وعلى هذا اضطردت أحكام التشريعات الخاصة بالتوظف والمعاشات وقضى به قانون المصلحة المالية فى المادة 268 منه التى نصت على أنه (لا يجوز احالة الموظف أو المستخدم على المعاش بسبب مرض أو عاهة أصيب بها أثناء خدمته الا بناء على شهادة تعطى من القومسيون الطبى بالقاهرة دالة على أنه أصبح غير قادر على الخدمة) وتضمن قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 النص فى المادة 22 منه على أن (كل من يطلب تسوية معاشه أو مكافأته من الموظفين أو المستخدمين بسبب عاهة أو مرض يجب الكشف عليه بمعرفة القومسيون الطبى بالقاهرة) ونصت المادة 23 من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 على أن عدم القدرة على الخدمة يجب اثباته بواسطة قومسيون طبى القاهرة بناء على طلب الموظف أو المستخدم نفسه أو بناء على طلب المصلحة ونصت المادة 109 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أن (يثبت عدم اللياقة الصحية بقرار من القومسيون الطبى العام بناء على طلب الموظف أو الحكومة) - وبالاضافة الى ما تقدم فان المركز القانونى المترتب على انتهاء الخدمة بسبب الانقطاع عن العمل.
وأنه وقد انتهت المحكمة الى عدم انطباق المادة 181 من قانون المصلحة المالية على الطاعن فان القرار الصادر فى 29 من أغسطس سنة 1956 بأنهاء خدمته اعتبارا من 2 من ديسمبر سنة 1951 لا يعتبر مجرد أمر تنفيذى كاشف عن مركز قانونى تقرر بحكم القانون وهو اعتباره مستقيلا من تاريخ انقطاعه عن العمل - بل أن فصل الطاعن يعتبر مبنيا على هذا القرار المخالف للقانون مما يتعين معه القضاء بالغائه.
ومن حيث أنه وان كان الثابت بملف خدمة الطاعن أنه بلغ سن الستين فى ديسمبر سنة 1962 (اذ أن تاريخ ميلاده هو 16 من ديسمبر سنة 1902) الا أنه لا شك فى أن له مصلحة فى الغاء القرار المذكور لما يترتب على هذا الالغاء من آثار فيما يتعلق بحساب مدة خدمته وتسوية حالته وحساب ما يكون مستحقا له من معاش أو مكافأة وفيما يتعلق بحقه فى المطالبة بتعويض عما لحق به من ضرر بسبب فصله ذلك أن من بين طلبات الطاعن التى تقدم بها الى محكمة القضاء الادارى صرف مرتبه من يوم ان تقدم يطلب احالته الى القومسيون الطبى وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن الحق فى المرتب لا يعود تلقائيا كأثر من آثار الغاء قرار الفصل بل يخضع لاعتبارات أخرى أهمها أن هذا الحق يقابله واجب هو أداء العمل - ونظرا أن الطاعن قد حيل بينه وبين أداء عمله وحرمت الجهة الادارية من خدماته طيلة مدة فصله فانه لا يكون من حقه المطالبة بصرف مرتبه عن هذه المدة كأثر من آثار الالغاء وله اذا شاء أن يرجع على الوزارة بدعوى تعويض عن قرار الفصل غير المشروع متى توافر عناصرها ومقوماتها.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله بقضائه برفض دعوى الطاعن الأمر الذى يتعين معه الغاؤه والقضاء بالغاء القرار الصادر بأنهاء خدمته وما يترتب على ذلك من آثار على الوجه السابق بيانه والزام الحكومة المصروفات.

"فلهذه الأسباب":

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه، وبالغاء القرار الصادر بانهاء خدمة الطاعن مع ما يترتب على ذلك من آثار على الوجه المبين بالأسباب والزمت الحكومة بالمصروفات.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 127 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

القانون رقم 120 لسنة 1960طلب شاغلي الدرجات الشخصية ممن تحققت فيهم الشروط التي يتطلبها القانون المذكور اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكامه .

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 21

(4)
جلسة 5 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيزي زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 32 لسنة 9 القضائية

( أ ) موظف "انتهاء الخدمة. استقالة تيسيرية". دعوى "دعوى تسوية" "التظلم السابق على رفع الدعوى". القانون رقم 120 لسنة 1960 - طلب شاغلي الدرجات الشخصية ممن تحققت فيهم الشروط التي يتطلبها القانون المذكور اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكامه - رخصة مباح لهم استعمالها - الأمر في قبول أو رفض الطلب مرده إلى القانون ذاته وإلى تقدير جهة الإدارة أو اختيارها - الدعوى التي تقام في هذا الخصوص في حقيقة تكييفها دعوى تسوية لا تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوماً.
(ب) محكمة إدارية عليا "الطعن أمامها". موظف "انتهاء الخدمة. استقالة تيسيرية". الطعن المقدم للمحكمة الإدارية العليا من الخصوم ذوي الشأن، على خلاف طعن هيئة مفوضي الدولة، يحكمه أصل مقرر هو ألا يضار الطاعن بطعنه - على أنه في حالة وجود ارتباط جوهري بين شق مطعون فيه من الحكم وشق آخر غير مطعون فيه - يعتبر الطعن القائم في شق منهما مثيراً للطعن في شقه الثاني - أساس ذلك، تجنب قيام حكمين متعارضين - تطبيق ذلك بالنسبة لدعوى أقيمت بطلب أصلي هو تسوية الحالة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وآخر احتياطي هو الحكم بتعويض مؤقت قضى فيها بعدم قبول الطلب الأول لرفعه بعد الميعاد وبإجابة الطلب الاحتياطي - طعن جهة الإدارة في شق الحكم الخاص بالقضاء بالتعويض المؤقت لا يثير الطعن في شقه الخاص بعدم قبول الدعوى - عدم وجود ارتباط جوهري بينهما [(1
)].
1 - أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن طلب شاغلي الدرجات الشخصية اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 رخصة مباحة لهؤلاء الموظفين لهم استعمالها متى تحققت فيهم الشروط التي تطلبها هذا القانون - وإذ كان هدف المشرع من إصداره هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع وكانت الحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر إصدار مثل هذا التشريع - فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقيق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة وتتمثل هذه المصلحة في إلغاء درجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها فلا وجه للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل ما بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه وبناء على ما تقدم فإن الأمر في قبول أو رفض الطلبات التي تقدم منهم لاعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون المذكور ليس مرده إلى تقدير جهة الإدارة واختيارها، وإنما مرده في الحقيقة إلى أحكام القانون ذاته الذي رتب حقوقاً معينة متعلقة بالمعاش لمن يطلبون اعتزال الخدمة من ذوي الدرجات الشخصية المتوافرة فيهم شروط مقررة بحيث أنه متى توافرت فيهم الشروط الواجبة قانوناً حقت لهم الإفادة من أحكام القانون وحق على جهة الإدارة تمكينهم من هذه الإفادة وبهذه المثابة فإن الدعوى التي تقام في هذا الخصوص في حقيقة تكييفها دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش لا تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوماً.
2 - إن الطعن المقدم للمحكمة العليا من هيئة المفوضين - التي ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة وإنما تتمثل فيها الحيدة لصالح القانون وحده - يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون ثم تنزل حكمه في المنازعة غير مقيدة بطلبات هيئة المفوضين - إلا أن الطعن من الخصوم ذوي الشأن الذين إنما يطعنون لصالحهم وحدهم يحكمه أصل مقرر بالنسبة للطعن في الأحكام وهو ألا يضار الطاعن بطعنه - على أنه في حالة قيام ارتباط جوهري بين شق مطعون فيه من الحكم وبين شق آخر غير مطعون فيه بأن كان هذا الشق الأخير مترتباً على الشق الأول بحيث يتأثر الحكم فيه بنتيجة الحكم في ذلك الشق الأول - فإنه لا مندوحة تجنباً لقيام حكمين نهائيين متعارضين من أن يعتبر الطعن القائم في الشق الأول منهما مثيراً للطعن في الشق الثاني.
إن طعن الوزارة في الحكم الصادر لصالح المدعي إنما ينصب على شقه الخاص بالقضاء له بتعويض مؤقت ومن ثم فهو لا يفتح الباب لنقض ما قضى به لصالحها ضد المدعي من عدم قبول طلبه الأصلي شكلاً وهو الطلب الخاص بتسوية حالته والذي كان مطروحاً أمام المحكمة الإدارية وقعد عن الطعن في شق الحكم الصادر فيه إذ فضلاً عن ألا تضار الوزارة الطاعنة بطعنها فإنه ليس هناك ارتباط جوهري من قبيل ما سلف بيانه بين هذا الشق الذي لم يطعن فيه من الحكم وبين شقة الآخر المطعون فيه والخاص بالتعويض المؤقت - ذلك أن الحكم في الطعن بما يؤكد حق المدعي في التعويض أو بما ينفي حقه فيه لا يؤثر على ما حكم به في طلبه الأصلي سالف الذكر من عدم قبوله شكلاً إذ أن الحكم بذلك مبني على تكييف الطالب المذكور بأنه طلب إلغاء لقرار إداري لا طلب تسوية وعلى أنه وقد رفع بعد الميعاد القانوني وذلك دون تعرض لمشروعية تصرف الجهة الإدارية أو عدم مشروعيته بما قد يتعارض مع الأساس الموضوعي الذي يبنى عليه الحكم بالتعويض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين في 15 من يناير سنة 1962 أقام المرحوم/ علي حسن إبراهيم الدعوى رقم 156 لسنة 9 القضائية ضد السيد وزير الزراعة طالباً الحكم أصلياً بتعويضه تعويضاً عينياً وذلك بتسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 واحتياطياً بإلزام المدعى عليه بأن يدفع له مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت مع إلزامه بالمصروفات والأتعاب وقال شرحاً لدعواه أنه من مواليد 7 من أكتوبر سنة 1900 وبلغ سن الإحالة إلى المعاش في 6 من أكتوبر سنة 1960 وتقدم بطلب إحالته إلى المعاش مع تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 ورغم استيفائه جميع الشروط التي نص عليها هذا القانون صدر قرار بحفظ طلبه وهو قرار مخالف للقانون ولقصد المشرع من إصداره وهو علاج مشكلة الموظفين المنسبين علاجاً شاملاً وتعويضهم تعويضاً عادلاً إلى جانب الرغبة الملحة في التخلص من الدرجات الشخصية - وكان سبب الرفض هو أن المدة الباقية على بلوغه سن الإحالة إلى المعاش أقل من سنة وهو شرط باطل لمخالفته للقانون ولقصد الشارع علاوة على أنه مناف للعدالة يخلق أوضاعاً شاذة بإغداق المزايا على الموظف الأقل سناً ومرتباً ودرجة ويجعله يتقاضى معاشاً يزيد عما يتقاضاه زميله الأكبر سناً والأطول خدمة وقد سكت القانون عن تحديد الحد الأقصى لسن طالب الاعتزال حرصاً من الشارع على المساواة بين الموظفين ومما يدل على أن هذا القانون يعتبر من قبيل الإنصاف أو قواعد التسوية أن النية كانت متجهة إلى تعميمه بالنسبة لمن خرجوا قبل صدوره فيكون من باب أولى واجب التطبيق على جميع من خرجوا في ظله - أما عبارة الصالح العام التي وردت بالمذكرة الإيضاحية فكان المقصود بها الموظفين الذين على درجات أصلية دون أصحاب الدرجات الشخصية وقد وردت نصوص بعبارات عامة صريحة الدلالة على قصد المشرع تعميم تطبيقه وأضاف المدعي أنه واضح من المذكرة المرفوعة من مراقبة المستخدمين إلى السيد الوزير في شأن طلبه أن سبب الرفض هو أن المدة الباقية أقل من سنة وذكر أنه يحق له المطالبة بتعويض عما أصابه من أضرار نتيجة لهذا القرار الباطل وأنه قد تقدم بطلب إعفاء قيد برقم 136 لسنة 8 القضائية قضى بقبول بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1961.
وأجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة قالت فيها أنه جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1960 أن على المصالح والوزارات البت في طلبات ترك الخدمة في ضوء المصلحة العامة وأن المدعي قد تقدم في 30 من مايو سنة 1960 بطلب يلتمس فيه إحالته إلى المعاش طبقاً للقانون المشار إليه وعرض على الوزارة فاستعملت سلطتها طبقاً لما جاء بالمذكرة الإيضاحية وحفظت الطلب في 11 من يونيو سنة 1960.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بأحقية المدعي في مبدأ التعويض عن القرار المطعون فيه والحكم له بقرش واحد على سبيل التعويض المؤقت وإلزام المدعى عليها المصروفات.
وبجلسة أول أكتوبر سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً لرفعه بعد الميعاد وبأحقية المدعي في تعويض مؤقت قدره قرش واحد وإلزام الوزارة المصروفات وأقامت قضاءها بعدم قبول الطلب الأصلي على أن القضاء به يعني ضمناً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير الزراعة في 11 من يونيو سنة 1960 ونظراً إلى أنه لم يتبع ما نصت عليه المادتان 12، 20 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فإن هذا الطلب يكون غير مقبول شكلاً - كما أقامت قضاءها بالتعويض المؤقت على أن سلطة جهة الإدارة في البت في الطلبات المقدمة من الموظفين إعمالاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مقيدة بما تتطلبه المصلحة العامة فإن ثبت أن رفض الطلب كان تحقيقاً للمصلحة العامة التي تقضي بحسن سير المرفق وانتظامه كان قرارها سليماً أما إذا انتهجت جهة الإدارة منهجاً لا يرتبط بالمصلحة العامة ولم يكن الدافع لها إلا قرب نهائية خدمة الموظف كان تصرفها مجاوزاً لحدود سلطتها ومخالفاً للقانون والثابت أن الجهة الإدارية قد حفظت الطلب المقدم من المدعي بتاريخ 11 من يونيو سنة 1960 استناداً إلى سبب لم ينص عليه القانون وهو أن المدة الباقية له تقل عن سنة من تاريخ تقديم طلبه فتصرفها على هذا الوجه يكون غير مشروع - ونظراً إلى أن تطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 كان سيحقق للمدعي فائدة محتمة فيكون عدم إجابته إلى طلبه قد أصابه بضرر محقق الأمر الذي رأت معه المحكمة إجابته إلى طلبه الاحتياطي والحكم له بتعويض مؤقت قدره قرش واحد.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قرر أن الجهة الإدارية قد حفظت طلب المدعي استناداً إلى أن المدة الباقية على إحالته إلى المعاش من تاريخ تقديم الطلب تقل عن سنة ذلك أن قرار الرفض قد صدر غير مسبب ولم تفصح جهة الإدارة عن سببه ولا يغير من هذا أن المذكرة التي رفعت للوزارة بشأن هذا الطلب قد ذكر بها أن تاريخ إحالة مقدم الطلب إلى المعاش هو 6 من أكتوبر سنة 1960 إذ أن ذكر هذه العبارة كان من قبيل سرد حالته كما أنه على فرض أن السبب الذي استنتجه الحكم صحيح فإنه ليس في ذلك أية مخالفة للقانون أو خروج على المحكمة التي توخاها الشارع بل أنه إعمالاً لهذه الحكمة ذلك أن المسلم أن للجهة الإدارية سلطة البت في طلبات الموظفين المقدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 على ضوء المصلحة العامة وهذا ما قررته المذكرة الإيضاحية له وقد قصد المشرع منه تحقيق هدف خاص هو التخلص من الدرجات الشخصية بعد أن تضخم عددها لكثرة ترقية الموظفين المنسيين فإذا كان هذا الهدف متحققاً بإعمال القواعد العامة المقررة في قانون الموظفين بانتهاء خدمة الموظف لبلوغه السن القانونية للإحالة إلى المعاش فلا محل في هذه الحالة لتطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 وإلا كان في ذلك تحميل للخزانة العامة بأعباء مالية بمنح الموظف ميزات مالية دون مبرر مما يعتبر خروجاً على الهدف الذي قصده المشرع وانحرافاً في استعمال السلطة وهذا ما حاولت الجهة الإدارية تفاديه في حالة المطعون ضده إذ تبين أنه يبلغ السن القانونية للإحالة إلى المعاش خلال مدة تقل عن سنة من تاريخ تقديم طلبه فلم تجد محلاً لتطبيق القانون 120 لسنة 1960 ومما تقدم يتضح أن القرار المطعون فيه قرار سليم متفق مع القانون ومن ثم يكون قد انعدم ركن الخطأ وتنتفي مسئولية الإدارة.
ومن حيث أن هيئة مفوضي الدولة قد أودعت تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكومة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى أحقية المطعون ضده في تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع إلزام الحكومة المصروفات وذلك تأسيساً على أن الصحيح في الأمر هو أن دعوى المنازعة في القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزاله الخدمة بمقتضى أحكام القانون المذكور تعد بحسب تكييفها القانوني السليم دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش فلاً تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوماً المقرر لطلبات الإلغاء - وأن الطعن وأن اقتصر على شق الحكم الخاص بالتعويض يثير المنازعة في شقه الخاص بالإلغاء لأن مثار المنازعة في الواقع هو مشروعية أو عدم مشروعية موقف الإدارة من عدم تسوية حالة المدعي طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 فالتسوية والتعويض نتيجتان مترتبتان على أساس قانوني واحد وترتبط إحداهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي ولد في 7 من أكتوبر سنة 1900 فكان سنة عند العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وقد جاوز الخامسة والخمسين - وقد تقدم في 30 من مايو سنة 1960 بطلب يلتمس فيه أحالته إلى المعاش طبقاً للقانون المشار إليه - وفي 2 من يونيو سنة 1960 أعدت مراقبة المستخدمين والمعاشات مذكرة في شأن هذا الطلب تضمنت أن المدعي قد رقي إلى الدرجة السابعة الكتابية بصفة شخصية اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960 وأن مرتبه أصبح خمسة وثلاثين جنيهاً اعتباراً من أول إبريل سنة 1960 وأن المدة الباقية لبلوغه السن القانونية في 6 من أكتوبر سنة 1960 تقل عن سنة - وفي 9 من يونيو سنة 1960 أشر السيد وكيل الوزارة المساعد على هذه المذكرة بما نصه (للعرض على السيد الدكتور الوزير رجاء التفضل بالنظر مع العلم بأن تاريخ إحالته على المعاش 6/ 10/ 1960) وفي 11 من يونيو سنة 1960 أشر السيد الوزير على المذكرة بما يفيد رفض الطلب.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن طلب شاغلي الدرجات الشخصية اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 رخصة مباحة لهؤلاء الموظفين لهم استعمالها متى تحققت فيهم الشروط التي تطلبها هذا القانون - وإذ كان هدف المشرع من إصداره هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع وكانت المحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر إصدار مثل هذا التشريع - فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة وتتمثل هذه المصلحة في إلغاء درجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها فلا وجه للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل ما بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه وبناء على ما تقدم فإن الأمر في قبول أو رفض الطلبات التي تقدم منهم لاعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون المذكور ليس مرده إلى تقدير جهة الإدارة واختيارها وإنما مرده في الحقيقة إلى أحكام القانون ذاته الذي رتب حقوقاً معينة متعلقة بالمعاش لمن يطلبون اعتزال الخدمة من ذوي الدرجات الشخصية المتوافرة فيهم شروط مقررة بحيث إنه متى توافرت هذه الشروط الواجبة قانوناً حقت لهم الإفادة من أحكام القانون وحق على جهة الإدارة تمكينهم من هذه الإفادة - وبهذه المثابة فإن الدعوى التي تقام في هذا الخصوص تكون في حقيقة تكييفها دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش لا تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوماً.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم فإن عدم قبول الوزارة طلب المدعي اعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 رغم أنه توافرت فيه الشروط التي تطلبها هذا القانون يكون غير قائم على أساس سليم ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى للمدعي بما طلبه من تعويض مؤقت تأسيساً على خطأ الوزارة في عدم قبول طلبه المذكور قد أصاب الحق في قضائه ومن ثم فإن طعن الوزارة على هذا الحكم يكون غير سديد مما يتعين معه القضاء برفضه.
ومن حيث إنه ولئن كان صحيحاً أن الطعن المقدم للمحكمة العليا من هيئة المفوضين - التي ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة وإنما تتمثل فيها الحيدة لصالح القانون وحده - يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون ثم تنزل حكمها في المنازعة غير مقيدة بطلبات هيئة المفوضين - إلا أن الطعن من الخصوم ذوي الشأن الذين إنما يطعنون لصالحهم وحدهم يحكمه أصل مقرر بالنسبة للطعن في الأحكام وهو إلا يضار الطاعن بطعنه - على أنه في حالة قيام ارتباط جوهري بين شق مطعون فيه من الحكم وبين شق آخر غير مطعون فيه بأن كان هذا الشق الأخير مترتباً على الشق الأول بحيث يتأثر الحكم فيه بنتيجة الحكم في ذلك الشق الأول - فإنه لا مندوحة تجنباً لقيام حكمين نهائيين متعارضين من أن يعتبر الطعن القائم في الشق الأول منهما مثيراً للطعن في الشق الثاني.
ومن حيث إن طعن الوزارة في الحكم الصادر لصالح المدعي إنما ينصب على شقة الخاص بالقضاء له بتعويض مؤقت - وهذا الطعن لا يفتح الباب لنقض ما قضى به صالحها ضد المدعي من عدم قبول طلبه الأصلي شكلاً وهو الطلب الخاص بتسوية حالته والذي كان مطروحاً أمام المحكمة الإدارية وقعد عن الطعن في شق الحكم الصادر فيه إذ فضلاً عن أن الأصل هو ألا تضار الوزارة الطاعنة بطعنها فإنه ليس هناك ارتباط جوهري من قبيل ما سلف بيانه بين هذا الشق الذي لم يطعن فيه من الحكم وبين شقه الآخر المطعون فيه والخاص بالتعويض المؤقت - ذلك أن الحكم في الطعن بما يؤكد حق المدعي في التعويض أو بما ينفي حقه فيه لا يؤثر على ما حكم به في طلبه الأصلي سالف الذكر من عدم قبوله شكلاً إذ أن الحكم بذلك مبني على تكييف الطلب المذكور بأنه طلب إلغاء لقرار إداري لا طلب تسوية وعلى أنه وقد رفع بعد الميعاد القانوني وذلك دون تعرض لمشروعية تصرف الجهة الإدارية أو عدم مشروعيته بما قد يتعارض مع الأساس الموضوعي الذي يبني عليه الحكم بالتعويض.
ومن حيث إنه لذلك يتعين الحكم برفض الطعن مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.


[(1)] قارن حكم المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 1565 لسنة 3 القضائية الصادر بجلسة 27/ 4/ 1957 والمنشور بمجموعة السنة الثانية المبدأ رقم 101 ص 975، والحكم الصادر في القضية رقم 161 لسنة 3 القضائية بجلسة 29/ 6/ 1957 والمنشور بمجموعة السنة الثانية المبدأ رقم 137 ص 1335، والحكم الصادر في القضية رقم 230 لسنة 9 القضائية بجلسة 23/ 5/ 1965 والمنشور بمجموعة السنة العاشرة مبدأ رقم 133 ص 1470.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 95 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

تبصير الجهة الإدارية لصاحب الشأن لما قد يترتب على الشكوى المقدمة ضده من إحالة الأمر على النيابة الإدارية وما قد يجره ذلك من إحالته إلى المحكمة .

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 149

(14)
جلسة 12 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 580 لسنة 10 القضائية

( أ ) موظف. "انتهاء الخدمة. استقالة". قرار إداري. سببه. إكراه. طلب الاستقالة هو ركن السبب فى القرار الإداري الصادر بقبولها - وجوب صدوره عن رضاء صحيح - يفسده ما يفسد الرضا من عيوب ومنها الإكراه - خضوع الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار لتقديم المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية لقرارات الإدارية - خضوعه كذلك لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
(ب) موظف. "انتهاء الخدمة. استقالة". إكراه. تبصير الجهة الإدارية لصاحب الشأن لما قد يترتب على الشكوى المقدمة ضده من إحالة الأمر على النيابة الإدارية وما قد يجره ذلك من إحالته إلى المحكمة - اختياره الاستقالة - لا تثريب على مسلك الجهة الإدارية - أساس ذلك.
1 - أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن طلب الاستقالة هو ركن السبب في القرار الإداري الصادر بقبولها، وأنه يلزم لصحة هذا القرار أن يكون الطلب قائماً لحين صدور القرار مستوفياً شروط صحته شكلاً وموضوعاً. وأن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة تبعثها الإدارة في نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس، بينما كانت ظروف الحال تصور له خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته، وأن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري - يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
2 - لا تثريب على الجهة الإدارية إن هي بصرت الطاعن بما قد يترتب على الشكوى من إحالة الأمر إلى النيابة الإدارية وما قد يجره ذلك من إحالته إلى المحاكمة، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن فاختار هو أهون الضررين، إذ الإدارة بمسلكها هذا لم تتخذ وسيلة غير مشروعة، ولم تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة بل أنها سلكت المسلك السوي الواجب عليها اتباعه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذا الطعن - على ما يبين من أوراقه - تخلص في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 445 لسنة 15 القضائية ضد جامعة عين شمس أمام محكمة القضاء الإداري "هيئة المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية والتعويضات بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 20 من فبراير سنة 1961، طلب فيها الحكم" بإلزام الجامعة بأن تدفع له عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض عما أصابه من أضرار مادية وأدبية لإكراهه على تقديم استقالته من الخدمة مع إلزام المدعى عليها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. "وقال في بيان دعواه أنه تخرج في كلية الآداب عام 1940، وحصل على دبلوم معهد الدراسات الشرقية عام 1943، والدكتوراه عام 1955 ثم عين مدرساً للغة التركية بكلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1956، وظل يؤدي عمله على خير وجه، وكان الطلبة والطالبات يترددون عليه للتزود من عمله، واستيضاحه فيما شكل عليهم فهمه، وكان من بينهم الطالبات فايزة شافعي وتيسير سليم ونبيلة فكري، وكانت الأخيرة مخطوبة لزميل لها في الكلية يدعي حامد إسماعيل وقد ألحت هذه الطالبة على الطاعن إلحاحاً شديداً كي يهدي إليها أحد دواوينه الشعرية" "وردة وبلبل" وأن يكتب عليه "كلمة إهداء، فلم يسعه إزاء إلحاحها من إهدائها الديوان بعد أن كتب عليه "إلى ابنتي الآنسة نبيلة مع أطيب التمني" وما أن شاهد خطيبها الكتاب في يدها وعليه (الإهداء) حتى أخذته ثورة جامحة واستولت عليه غيره عارمة، فبادر إلى تقديم شكوى إلى الدكتور مهدي علام عميد الكلية ضمنها ما صورته له غيرته العمياء، وقد تلقفت الكلية هذه الشكوى ودعت مقدمها إلى مكتب العميد الذي وجه إليه جملة استجوابات تعسفية على حد قوله ولم يواجه الطاعن بها، وإنما اقتصر العميد على أن قرأ عليه بعض فقرات من الشكوى وهو يهدده ويتوعده في كل لحظة بالتشهير به والإساءة إليه وإهانته أمام تلاميذه، ولم يشأ أن يسمع أقوال شهود النفي، وكان مع المستجوبين الدكتور محمد القصاص والدكتور إبراهيم أمين الشواربي رئيس قسم اللغات الشرقية الذي يحتدم كراهية وحقد على الطالب بشهادة كثير من أساتذة جامعة القاهرة وعين شمس وطلبة قسم الدراسات الشرقية بآداب عين شمس، وقد ظهر هذا الحقد منذ نحو عامين حين اختلف معه في الرأي على أسئلة الامتحان وأصبح التعاون بينهما مستحيلاً، وقد سبق لرئيس القسم أنه سبه أمام بعض زملائه قبل استجوابه بنحو أسبوعين. وكان الدكتور الشواربي أثناء استجوابه ينهره ويتهكم عليه. وبرغم أن الطالب كتب إلى العميد ورقة يدحض بها ما وجهه إلى الطاعن إلا أن المستجوبين لم يظهروا أي استعداد للتفاهم أو مناقشة الحقائق ولم يصدقوه في دفع التهمة، كما لم يقبل العميد سحب الشكوى على الرغم من إلحاح والد الطالبة.. وفي هذا الجو المليء بالحقد والضغينة طلب إليه العميد أن يكتب إليه طلباً بنقله إلى وظيفة غير تدريسية لأسباب صحية فكتبها الطالب ظناً منه أن ذلك من قبيل الشكليات فليست هناك تهمة ثابتة وسوف يحفظ التحقيق بعدها، كما أنه انتهزها فرصة لترك الكلية إلى جهة أخرى، ووقف الأمر عند هذا الحد، وبعد مضي نحو شهر أرسل إليه العميد برقية في مصيفه بالإسكندرية يطلب إليه فيها مقابلة مدير الجامعة في يوم 25 أو 26 من أغسطس سنة 1960 وقابل الطاعن المدير الذي لم يشأ أن يستمع إلى أقواله بتمامها، وأمر بضرورة تقديم استقالته لأن السلطات غير راضية عنه، بعد أن صور له أن إبلاغ النيابة الإدارية فيه مساس بكرامته وشخصه، وأنه سوف يجد له عملاً آخر، فاضطر الطالب إلى تقديم استقالته - ويستطرد الطاعن أنه لما كان قد أكره على تقديم الاستقالة التي أعقبها حرمانه من العمل في الجامعات وأي جهة أخرى من الجهات، وفي ذلك مخالفة للائحة الجامعية التي تقضي بأن عضو هيئة التدريس غير المرغوب فيه علمياً أو خلقياً ينقل إلى وظيفة أخرى، وهو إجراء لم يتخذ معه، كما أنه قدم التماساً في 15 من نوفمبر سنة 1960 إلى الجامعة يطلب فيه إجراء التحقيق دون أن يجاب إلى طلبه. وقد ترتب على إكراهه على تقديم الاستقالة أن حاقت به أضرار مادية وأدبية، وتقوضت حياته العلمية وحيثيته الاجتماعية مما يقدر عنه تعويضاً مقداره عشرة آلاف جنيه..
وفي مذكرة شارحة مرفقة بعريضة الدعوى قال إنه في نهاية العام الدراسي 1960 زاره بعض تلاميذه من طلبه السنة النهائية لسؤاله عن بعض التراكيب الفارسية والتركية استعداداً لأداء الامتحان، أما الطالبات فلم يحضرن لانشغالهن بالعمل بقسم الوثائق بوزارة الإرشاد فحدد لهن يوماً آخر، وفي الميعاد المحدد حضرت الطالبتان تيسير سليم وفايزة الشافعي ولم تحضر الطالبة نبيلة فكري، وقد جرت عادته على أن يستقبل طلبته وزملاءه بحجرة المكتب إلا أنه استقبل الطالبتين المذكورتين بحجرة الاستقبال وشرح لهما ما أرادتا كما استبقاهما بعض الوقت ريثما تحضر زميلتهما.. وبعد فترة حضرت الطالبة نبيلة فكري ولم تطق زميلتاها البقاء أكثر من خمس دقائق وانصرفتا. وقبل انصرافهما طلب من الطالبة نبيلة أن تنقل ما كتبه زميلتاها في حجرة المكتب حتى لا تشغل بالحديث معهما. وبعد انصراف الزميلتين توجه إلى حجرة المكتب وكانت قد فرغت من الكتابة فطلبت منه نسخة من ديوانه وألحت إلحاحاً شديداً في الطلب، وصدر منها ما لا يصح أن يصدر من طالبة إزاء أستاذها، ولكنه قدم إليها الديوان مسجلاً عليه عبارة الإهداء السابق ذكرها وانصرفت بعد ذلك، ولعلها شعرت بما يجرح كبرياءها خصوصاً بعد أن ردها فيما أضمرت في نفسها وأشعرها بأنه يعتبرها ابنته وهو ما لم يرض ضميرها فنسجت هي وخطيبها القصة التي صادفت هوى في نفس الدكتور الشواربي.
وقال أن الطالبة نبيلة كانت قد أوغرت صدر خطيبها بدافع العقدة الكامنة في أغوارها وهي عقدة الإعجاب بالنفس والادعاء بكثرة المعجبين، فقد سبق لها أن أذاعت بشأن وكيل إحدى الوزارات أنه معجب بها وأنه يطلب منها التردد عليه مما آثار خطيبها أمام زملائه وصمم على الاعتداء عليه، وفي مرة أخرى قالت أن رئيسها في إدارة الوثائق معجب بها ويطيل الوقوف معها ويطلب ترددها عليه. وكان قولها هذا أمام زملائها مما جعل خطيبها موضع السخرية فهدد وتوعد.
وقد عقبت الجامعة على الدعوى بأن المدعي لم يكن حين التحق بالعمل وبالجامعة لائقاً طبياً لإصابته بمرض السكر فتقرر إعفاؤه من شرط اللياقة الطبية بقرار من مدير الجامعة، وأنه كان طبيعياً أن يشعر بإرهاق بعد قيامه بعمله فطلب أول الأمر نقله إلى وظيفة غير تدريسية لعدم قدرته الصحية، ثم لم يلبث أن تقدم باستقالته وقد قبلت مراعاة لظروفه الصحية من جهة ومصلحة العمل من جهة أخرى.. أما ما زعمه من إكراهه على الاستقالة فهو قول يعوزه الدليل ولا صحة له، ولا يعقل أن يكون بريئاً ثم يستجيب وهو رجل له مكانته العلمية لما يطلب منه.. وانتهت المذكرة إلى أن استقالته قبلت وفقاً لحكم المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة. وبذلك يكون طلب التعويض يكون غير قائم على أساس سليم من القانون.
وفي مذكرة لاحقة قدمها الطاعن أمام محكمة القضاء الإداري طلب سماع شهادة بعض الأساتذة عن واقعة استقالته فسمعت أقوال العميد والدكتور الشواربي والدكتور القصاص، ولم تستجب المحكمة إلى طلبه سماع شهود آخرين.
وقد قدم مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهى فيه إلى رفض الدعوى.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري أصدرت في 5 يناير سنة 1964 حكمها "برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات".. وأسست قضاءها على أن المدعي يقول بأن وسيلة الإكراه تنحصر في مطالبة مدير الجامعة له باعتزال الخدمة......... وأن المطالبة على هذا النحو لا يمكن أن تصل إلى الإكراه المفسد للرضا، بل أن الأمر على حد قول المدعي لا يعدو أن يكون مجرد طلب. ومن ناحية أخرى فإن القول بأن مدير الجامعة خيره بين الاستقالة وبين إحالة الشكوى المقدمة ضده إلى النيابة الإدارية فإنه بفرض صحة هذا الادعاء فإنه لا ينهض وحده وسيلة للإكراه ذلك أن مطالبته باعتزال الخدمة مع (التلميح إليه بالتحقيق الإداري لا يمكن اعتباره وسيلة غير مشروعة اتخذت للضغط على إرادته لم يستطع معها دفعاً ولم يكن له مخرج إلا الرضوخ والاستسلام لما طلب منه، خاصة إذا روعي أن المدعي نفسه عاد وطالب بإحالته إلى التحقيق أمام أية جهة إدارية كانت أم قضائية ليتمكن من الدفاع عن نفسه الأمر الذي ينهار معه دفاعه من هذه الناحية - وأنه فيما يتعلق بالعنصر النفسي فإن مجرد مطالبة المدعي باعتزال الخدمة على النحو السالف الذكر لا يمكن أن يبعث في نفسه الرهبة، وذلك بمراعاة الدرجة العلمية الكبيرة الحاصل عليها وثقافته وإطلاعه، فليس من الهين التسليم بأن تنهار إرادته أمام مجرد هذه المطالبة ما دام أنه يجد في نفسه الصلاحية التي تؤهله للبقاء في الخدمة، خاصة وهو رب أسرة مسئول عن اسمه وسمعته وشرفه.
وانتهت المحكمة إلى أنه وقد اختار المدعي بمحض إرادته تقديم الاستقالة لما رآه فيها من الخير والمصلحة بسبب حالته الصحية وهو على بصيرة من أمره، وبعد أن وازن.. وانتهى إلى هذا الرأي، فإنه لا يجوز له أن يدعي أن إكراها قد أحاط به فأفسد رضاءه ليتنصل من طلب اعتزال الخدمة بتعللات لا تدل على معنى من معاني الإكراه أو تفيد في قيامه، الأمر الذي يتعين معه رفض الدعوى.
وحيث إن الطعن يقوم على قصور الحكم ومخالفته للقانون وإخلاله بحق الدفاع، ذلك أن الطاعن لم يحصر وسيلة الإكراه في مطالبة المدير إياه بالاستقالة لكن دعواه دعوى تعويض عن سلسلة من الإجراءات الجائرة التي لا تقبل التجزئة والتي انتهت بحمل الطاعن على الاستقالة. وأن الطالب لم يكن حراً ولا مختاراً بل كانت إرادته مشوبة بإكراه أدبي غالباً نسج رؤساؤه خيوطه من إساءة استعمال سلطتهم ومن تنكب أحكام القانون العام وقانون تنظيم الجامعات فتبنوا على نحو صارخ في مخالفة للأصول القانونية قاله شفوية ظاهرة السخف رواها شخص ليس له صفة الشاهد ولا صفة صاحب الحق ولا صفة الولي على صاحب الحق عن موضوع واضح طابعة الشخصي الذي لا شأن للجامعة به، واستغل هؤلاء الرؤساء هالة مراكزهم ومكانتها وإمكان اتصالهم بالسلطات وزعم اتصالهم بها في ترويع الطالب وإزعاجه وإقناطه من رد تلك القالة وإثبات براءته للسلطات ومن أحكام التحقيق العادل النزيه. ومع أن أوراق الملف ناطقة بأن السبب الصحي الوارد في كتاب الاستقالة سبب صوري بالنسبة إلى الجامعة والطاعن عول الحكم على هذا السبب الصوري وعزا الاستقالة إلى الحالة الصحية للطاعن، كذلك فإن المحكمة قد أخلت بحق الدفاع إذا التفتت عن طلب الطاعن سماع أقوال مدير الجامعة والطالبات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني، أشارت فيه إلى أن الثابت من أقوال الدكتور مهدي علام أن الطالب بدأ عليه الاضطراب والقلق حين اطلع على الشكوى كما أن الثابت من أقوال الدكتور الشواربي أن الطاعن أسر إليه عندما عرضت عليه الشكوى بقوله "أنا غرقت وعاوزك تخلصني" فقال للعميد "اصبر عليه شويه" ومن قول هذين الشاهدين يبين أن الطاعن كان مضطرباً قلقاً يحاول من الرهبة التعلق بمن حوله لإنقاذه والتريث معه، مما يؤكد أن رهبة قد وقعت في نفسه مهددة إياه بخطر جسيم محدق وأن الثابت من ملف الدعوى أن الطاعن زوج وأب مسئول عن رعاية النشء وهو في نفس الوقت مريض بمرض السكر حسبما يستفاد من نتيجة الكشف الطبي عليه سنة 1957 فإن الإجراءات التي اتخذت معه استجابة لقول طالب لا شأن له بالموضوع - من بعض أعضاء هيئة التدريس ومعهم السيد عميد الكلية لا شك مؤثرة في هذا الإكراه الذي أدى إلى تقديم الطاعن استقالته ليمنع فضيحة في وسط أسرته ووسط طلابه لا يزيلها مهما ثبت بعد ذلك من عدم ارتكابه لأمر مما أسند إليه - وانتهى التقرير إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه والحكم للطاعن بالتعويض الذي تقدره المحكمة بمراعاة ما أصابه من فقد لوظيفته، ثم ملاحقته بعد ذلك بإبعاده عن المجالات التي يقدم فيها علمه، واحتياطياً بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتتولى المحكمة سماع شهادة الشهود على الوقائع التي أثارها الطاعن حتى تصل إلى الصحيح من الوصف القانوني لوقائع الإكراه لا تزال حكمها موضعاً صحيحاً.
ومن حيث إنه بالعرض للأوراق التي قدمتها الجامعة بشأن واقعة الدعوى يبين أنها تناولت ما يلي بحسب الترتيب الزمني:
(1) مذكرة السيد عميد الكلية في 25 من مايو سنة 1960 وقد أثبت فيها أنه في الرابعة من مساء يوم 25 سنة 1960 حضر إلى مكتبه الزميلان الدكتور الشواربي والدكتور القصاص، وأبلغه الدكتور الشواربي أن الدكتور القصاص أبلغه أمر رأي أن يسمعه إياه لاتصاله بقسم اللغات الشرقية.
وعندئذ سرد الدكتور القصاص ما أخبره به الطالب حامد إسماعيل نقلاً عن خطيبته نبيلة السيد فكري وأثبت العميد أنه اتفق مع الزميلين على دعوة الطالب حامد إسماعيل أمامه في اليوم الثاني لسماع أقواله أولاً، ثم التصرف بعد ذلك.
(2) مذكرة السيد عميد الكلية في 26 من مايو سنة 1960 وقد أثبت فيها حضور الدكتور الشواربي والدكتور القصاص والطالب حامد إسماعيل، وأن الأخير قص عليهم ما ينطبق على ما أخبره به الدكتور القصاص في اليوم السابق نقلاً عنه. فطلب منه أن يحرر مذكرة بذلك ففعل، واتفق معه على إحضار الطالبة نبيلة فكري في يوم 29/ 5/ 1960 للاستماع لأقوالها.
(3) مذكرة الطالب حامد إسماعيل إلى عميد الكلية في 26 من مايو سنة 1960 وقد ضمنها أن خطيبته الآنسة نبيلة السيد فكري أعلمته منذ قرابة أسبوع أن الدكتور............. المدرس بالكلية كان قد حدد للطلبة وطالبات فرع اللغة التركية موعداً لمقابلته في منزله مساء نفس اليوم، فلم يمكنهم تبليغ هذا الموعد لزملائهم من الطلبة،. وتوجهن ثلاثتهن إلى منزل الدكتور نجيب، وكانت الآنسة نبيلة قد تأخرت بعض الوقت في اللحاق بزميلتيها، فلما أن دخلت إلى حجرة الاستقبال وجدت زميلتيها مع الدكتور نجيب الذي أخبرها بأنهما سبقنها ونقلا بعض الدروس، وطلب إليها أن تتوجه إلى حجرة المكتب لنقل ما فاتها، ثم لحق بعد قليل وأعلمها أن زميلتيها قد انصرفتا، ولما اعترضت على ذلك وأبدى ملاحظته على اضطرابها وأمسك يديها ليتحسس حرارتها نتيجة اضطرابها. فحاولت الانصراف فوراً إلا أنه أخذ يطلب منها أن تحضر إليه يومياً حتى يوم الامتحان ليعطيها دروساً خصوصية بغير أجر فرفضت، ثم طلب منها أن تتصل به تليفونياً بحجة أنه يريد سماع صوتها فقط، ولما فشلت جميع عروضه طلب يدها ليقبلها إذا ما كانت تمانع في تقبيله لها، وأخذ يتوسل إليها وركع بالفعل أمامها.. كل هذا وهي تبدي من وسائل الدفاع المسموح لها في مثل هذه الظروف.. ولما فشل في جميع محاولاته وصممت على الخروج أخذ يعتذر لها ويرجوها ألا تبوح بما بدر منه. ويضيف الطالب حامد إسماعيل أنه لما قابل زميلتيها في اليوم التالي ولامهما على انصرافهما وترك خطيبته بمفردها ذكرتا أن الدكتور هو الذي طلب إليهما الانصراف.
(4) إجابة الطالبة نبيلة السيد فكري على سؤال موجه إليها كتابة من العميد عن معلوماتها عن زيارتها لمنزل الطاعن ذكرت فيها أنها وزميلتيها كانتا على موعد مع الطاعن في منزله لشرح بعض الكلمات، وأنها تأخرت في الذهاب لظروف عارضة. فلما لحقت بزميلتيها أعطتها إحداهما الورقة المكتوب بها الكلمات لتنقلها إلا أن الطاعن عرض عليها الذهاب إلى حجرة المكتب ثم لحق بها بعد قليل وأخبرها أن زميلتيها انصرفتا فتألمت وسألته عن سبب ذلك فقال لها أنهما كانتا تنويان النهوض قبل مجيئها. وأنه لم يأمرهن بالانصراف، ومضت في كتابة الكلمات، إلا أنه قال لها أنها مضطربة بعض الشيء وأنه لا داعي لهذا الاضطراب. ثم حاول أن يمسك يديها ليتبين ما إذا كانت باردة أم لا، ثم تصرف بعد ذلك بعض التصرفات التي لم ترض عنها وحاولت الانصراف غاضبة إلا أنه اعتذر عن ذلك وأنها قبلت اعتذاره.
(5) إجابة الطالبتين على سؤال موجه إلى كل منهما من العميد بشأن معلوماتهما ومؤدى إجابة كل منهما أنهما ذهبتا إلى منزل الطاعن في الموعد المحدد وتأخرت الطالبة نبيلة فلقيهما الطاعن وعاونهما في الترجمة، حاولنا الانصراف غير مرة إلا أنه استمهلهما، ثم حضرت نبيلة فأعطياها الورقة لتنقلها إلا أنه عرض عليها الذهاب إلى المكتب، ولما أن لاحظ أنها وزميلتيها تتحادثان في مسائل خاصة عرض عليهما الانصراف إن أرادتا فانصرفتا، وزادت الطالبة تيسير أن الطاعن عرض عليهما الانصراف مرتين وأنه اتصل بها في المنزل ليخبرها أن الطالبة نبيلة غادرت المنزل بعد انصرافهما بعشر دقائق.
(6) ما كتبه الطاعن في 31 من مايو سنة 1960: "لا أنكر مجيء الطالبات إلى داري لشرح بعض النصوص، وأن الطالبة نبيلة دخلت حجرة مكتبي لحضورها متأخرة ورغبة زميلاتها في الانصراف وأن سبب بقائها في حجرة المكتب هي احتمال مجيء الجيران لزيارة زوجتي.. لكني أنكر أني فكرت في الاعتداء عليها وأنها قاومت هذه الرغبة أو أني أهديتها كتاباً من كتبي إرضاء لها لقد أهديته إليها نزولاً على رغبتها".
(7) ما كتبه الطاعن أيضاً في 31 من مايو 1960 وقد ردد بعض ما كتبه أولاً... وأضاف قائلاً "لا أنكر أن الاضطراب كان بادياً على الطالبة نبيلة لانفرادها عن زميلتيها، وربما بدر مني سؤال عن اضطرابها، وقد أكون ربت على كتفها أو يدها دون قصد وبسلامة نية، فإن الطالبة والطالبات يعلمون حق العلم أن صلتي بهم صلة أبوية. أما اتصالي بتيسير تليفونياً بعد خروج نبيلة فلاً أذكر والله وحدوثه لا يدل على شيء ذي بال فتيسير تحدثني تليفونياً أحياناً كما تحدث زوجتي التي تعرفها".
(8) كتاب موجه من الطاعن إلى عميد الكلية مؤرخ 31 من مايو سنة 1960 يعرب فيه عن رغبته في الانتقال إلى وظيفة أخرى غير تدريسية لأسباب صحية، وقد أشر العميد على هذا الطلب في أول يونيه سنة 1960 بتبليغه إلى مدير الجامعة مع التوصية بقبوله "نظراً لظروف الطالب التي أشار إليها والتي أعرفها حق المعرفة".
(9) استقالة مقدمة من الطاعن وموجهة إلى مدير جامعة عين شمس بتاريخ 26/ 7/ 1960. ولم يشر الطاعن فيها إلى الأسباب التي دعته إلى تقديم الاستقالة. وقد أشر المدير في ذات التاريخ بعرضها على مجلس الجامعة الذي وافق عليها بجلسته المنعقدة في 27/ 7/ 1960.
(10) كتاب موجه من السيد مدير جامعة عين شمس إلى السيد وزير التربية والتعليم يبلغه استقالة الطاعن وموافقة العميد عليها في 1/ 6/ 1960 ثم موافقة مجلس الجامعة في 27/ 7/ 1960، وقد أشر الوزير عليها بالموافقة في 9 من أغسطس سنة 1960.
ومن حيث إنه بالعرض لأقوال الشهود الذين سئلوا بمعرفة السيد المفوض، وهم السيد العميد ورئيس القسم والدكتور القصاص، يبين أن العميد قد شهد بأن الدكتور الشواربي رئيس القسم اتصل به أن الدكتور القصاص يرغب في إبلاغه عن شكوى الطالب حامد إسماعيل، فدعا الطالب وسأله عما حدث وكلفه بكتابة معلوماته فدونها على النحو الوارد بالأوراق، ثم دعا الطالبة نبيلة فكري، ومن بعدها الطالبتين الأخريين فكتبت كل معلوماتها، ثم دعا الطاعن وأطلعه على ما كتبته الطالبة النبيلة وخطيبها وزميلتاها، فكتب الطاعن أجابته الأولى، ثم لم يلبث أن بدا عليه الاضطراب والقلق وأخذ يقول أنه في حالة ميسورة وفي غنى عن الوظيفة وسأله عما سيفعل بالأوراق ولما أفهمه أنه من واجبه تبليغها للجامعة، قال أنه يرجو ألا يكون هناك تحقيق، وأنه يلجأ إليه للتصرف بوصفه أخاً أكبر، فأشار الشاهد عليه أن يطلب نقله إلى وظيفة غير تدريسية، وأن يسبب طلبه بضعف صحته، خصوصاً وأن الثابت من ملف خدمته أنه مريض بالسكر، فقدم إليه طلباً مكتوباً بهذا المعنى، وكان قد اتصل بمدير الجامعة فأعرب عن موافقته على إجراء النقل. وأضاف العميد أنه أشر على الطلب بما يفيد توصيته بقبوله لعمله بظروف الطاعن الخاصة، وكان يعني بذلك في حقيقة الأمر ظروف الشكوى وأكد العميد أنه لا يعرف بوجود عداء بين الطاعن ورئيس القسم، وأن رئيس القسم كان حريصاً على ألا يزج بنفسه في موضوع الشكوى، وأنه أي العميد هو الذي طلب إليه الحضور.
ونفى الدكتور الشواربي أن ثمة نزاعاً بينه وبين الطاعن وقال أنه كان حاضراً عندما دعي الطاعن لمقابلة العميد ثم انصرف لبعض الوقت، وعاد فوجد الطاعن وقد كتب إجابته الأولى، وأنه مال عليه قائلاً: "أنا غرفت وعاوزك تخلصني" فرجا العميد أن "يصبر عليه شويه" فأعطاه ورقة وقال أديني حاصبر ويتفضل يجلس على المائدة الجانبية ويكتب ما يشاء وأضاف أن الطالبة عندما دعيت بمكتب العميد قالت أنها مسألة حدثت وأنا قبلت اعتذاره. فأفهمها أن المسألة ليست متعلقة بشخصها وإنما تتعلق بطالبة ومدرس بالجامعة، وأن الطالب كان راغباً في تقديم الشكوى وأنه هدد بالانتقام من المدعي إذا لم تتخذ الجامعة إجراء ما. وقد ردد الدكتور القصاص ما حدث من الطالب.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أنه عزى إلى الطاعن ارتكاب فعل يجافي مقتضيات وظيفته ويفقده الصلاحية للاستمرار في الاضطلاع بتبعاتها، وأن الدلائل كلها تضافرت على صحة هذا الاتهام، فالثابت أنه دعا الفتيات إلى داره لمعاونتهن في شرح ما غم عليهن أثناء الدراسة، وإذ قدمت إحداهن متأخرة عن زميلتيها فقد أشار عليها أن تنتقل إلى غرفة أخرى لتنقل بعض ما فاتها، وما كانت ثمة حاجة إلى مثل هذا التوجيه والفرصة متسعة وأمامها لإجراء هذا النقل في أي وقت آخر وأي مكان.. والثابت أيضاً أنه أشار على الفتاتين الأخريين بالانصراف إن أرادتا، وأنه كرر هذا القول غير مرة، فلم يسعهن إلا مغادرة داره، وليس ينبئ ما بدر منه إلا عن الرغبة في الانفراد بالفتاة وقد فعل. ثم فرطت منه أمور لم ترض عنها الفتاة، وهمت بالانصراف غاضبة، إلا أنه اعتذر لها بيد أنها لم تلبث أن كشفت لخاطبها عما جرى، وأشارت هي إلى ذلك في أقوالها على استحياء.. وشأن المتوجس المستريب بادر فور انصرافها إلى الاتصال بإحدى الفتاتين الأخريين لينبئها بأنها انصرفت في أعقابهما، فلما أن نقل الخبر إلى العميد من خاطب الفتاة طلب منه ومن الفتاة وزميلتيها أن يكتبوا ما لديهم من معلومات، ودعا الطاعن ليواجهه بما كتبوا فأسقط في يده وعراه الاضطراب والتمس العون من رئيس القسم الذي كان بجواره فاستجاب له، وطلب من العميد أن يفسح له فرصة التفكير فيما يكتب ثم التمس النصح من العميد فأشار عليه أن يقدم طلباً بنقله إلى وظيفة أخرى - لكن مدير الجامعة - الذي أحيط خبراً بما جرى - دعاه إلى مكتبه بعد مدة غير قصيرة من إبلاغه بطلب النقل، وانتهى الأمر بتقديم استقالته.
ومن حيث إن الوقائع المتقدمة ثابتة مهما شهد به أو أثبته من جرى سؤالهم عن هذا الموضوع ولم يقم دليل على أن بينهم وبين الطاعن ما يدعوهم إلى الكيد له أو التجني عليه.
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن الاستقالة كانت وليدة الإكراه وأن المحكمة قد أخلت بحق الدفاع حين التفتت عن طلب سماع شهود آخرين.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن طلب الاستقالة هو ركن السبب في القرار الإداري الصادر بقبولها، وأنه يلزم لصحة هذا القرار أن يكون الطلب قائماً لحين صدور القرار مستوفياً شروط صحته شكلاً وموضوعاً. وأن طلب الاستقالة باعتباره مظهراً من مظاهر أراده الموظف في اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه أن توافرت عناصره، بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة تبعثها الإدارة في نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس، بأن كانت ظروف الحال تصور له خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعي في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته وأن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري - يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
وحيث إن مساق الوقائع السابق بها العرض لا تنم على وقوع إكراه عليه بل ولا شبهة إكراه، فالرجل قد شعر بفداحة ما جنت يداه وأدرك مغبته، فأثر أن يفصم علاقته الوظيفية مختاراً كي يجنب نفسه مواقف الاتهام وما قد تجره عليه من معقبات افتضاحه والتشهير به، وليس فيما صدر من العميد أو مدير الجامعة ما يشير إلى وقوع إكراه عليه مفسد لرضاه، فهو قد التمس النصيحة بادي الرأي من العميد فأشار عليه أن يتقدم بطلب نقله إلى وظيفة أخرى، ثم لقي المدير وأعقب هذا اللقاء تقديم استقالته، وبفرض التسليم بما قرره الطاعن من أنه أشار عليه أن يستقيل بعد أن صور له أن إبلاغ النيابة الإدارية فيه مساس بكرامته وشخصه وأن السلطات غير راضية عنه - ذلك كله لا يرقى إلى مرتبه التهديد أو الإيعاز بخطر محدق بالنفس أو الجسم أو الشرف أو المال، وليس من الجسامة بحيث تبعث فيمن هو في مثل مركز المدعي وسنه وثقافته رهبة تؤثر على إرادته فتفسدها وإذاً فلا تثريب على الجهة الإدارية إن هي بصرت الطاعن بما قد يترتب على الشكوى من إحالة الأمر إلى النيابة الإدارية وما قد يجره ذلك من إحالته إلى المحاكمة، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن فاختار هو أهون الضررين، وإذن فالإدارة بمسلكها هذا لم تتخذ وسيلة غير مشروعة، ولم تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة، بل أنها سلكت المسلك السوي الواجب عليها اتباعه.
ومن حيث إنه متى كان ذلك، وكان الثابت أن الاستقالة لم تكن وليدة الإكراه بل نتيجة الاقتناع بسلامة مغبتها بالقياس إلى مسالك لا تؤمن عواقبها وأن وقائع التهديد المدعاة - بفرض صحتها - لم تكن لتؤثر في نفس الطاعن تأثيراً يحمله على تقديم الاستقالة، وأن القرار الصادر بقبولها يكون قائماً على سببه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما ينعاه الطاعن الحكم المطعون فيه من إخلال بحق الدفاع لرفض المحكمة الاستجابة إلى طلبه سماع بعض الشهود، فإنه متى كان الثابت أن المحكمة وقد افترضت صحة ما طلب المدعي إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثباته، ونفت مع ذلك لأسباب سائغة وقوع إكراه مؤثر على إرادة الطاعن، فإنها لا تكون ملزمة بإجراء تحقيق لم تعد ثمة حاجة إليه.
ومن حيث إنه لما تقدم جميعه يكون الحكم المطعون فيه صحيحاً فيما انتهى إليه، ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت المدعي بالمصروفات.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 76 مشاهدة
نشرت فى 19 إبريل 2020 بواسطة basune1

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,118,058

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »