تطبيقات الجدارة في مجال التربية والتعليم.

الجذور التربوية لمفهوم الجدارة لا يصعب على متتبع الجذور الأولى لمفهوم الجدارة أن يتبين علاقته الوثيقة بقطاع التعليم, ونشير بالتحديد إلى الجهود المكثفة التي قامت بها مجموعة من التربويين وعلماء النفس عقب مؤتمر الجمعية الأمريكية لعلماء النفس (بوسطن 1948م)، والتي إستهدفت تحسين كفاءة العملية التعليمية، فقد أسفرت تلك الجهود عن تأكيد الأهمية المتميـزة لصياغة الأهداف التعليمية في صورة مخرجات سلـوكية قبل بدء العمليـة التعليمية لما لذلـك من أثــر على كفـاءة العملية التعليمية.

 

وبالتحديد لقد تلقف إختصاصيو التطوير الإداري هذه النتائج التي وضحت أن إغفال المحور النفسي في التدريب كان هو المتسبب في خسائر باهظة لإدارات الموارد البشرية نتيجة فشل الفعاليات التطويرية دون سبب معروف وقتها. لقد كان المحور النفسي هو الحلقة المفقودة في سلسلة نقل التدريب إلى التطبيق من أجل تحسين الأداء, إذ إنه بغير قبول المتدرب المهارات المُتَعلَمة وبغير أن تكون له الرغبة في إستخدامها, فإن كل ما تعلمه على المحورين الذهني والحركي يذهبان أدراج الرياح. كذلك ومن المنطلق نفسه بدأ تحليل الوظائف يتجه نحو إستخدام خصائص ومؤشرات سلوكية للقائمين بالوظيفة (جدارات) بدلاً من الإكتفاء بسرد وصف الأنشطة اللازمة لإتمام المهمة (تحليل الوظيفة). (الخراشي, 2009, ص: 44)

 

 أ- الجدارة وتخطيط المناهج التعليمية:

ترتبط رسالة التربية والتعليم بتربية النشء وتعليمهم بما يحقق للمجتمع ما يصبو إليه من أهداف تنموية في المستقبل، وبالتالي تسعى الدول المتقدمة إلى الربط بين المناهج التعليمية وبين الإحتياجات القومية من الموارد البشرية. حيث نشرت وزارة العمل بالولايات المتحدة في عام 1991م, تقريراً بعنوان: «ماذا يتطلب سوق العمل من المدارس لأمريكا سنة 2000م».

والذي عرف باسم تقرير سكانس, حيث لخص التقرير بحثاً إستهدف أصحاب الأعمال، عمال القطاع العام، مندوبي النقابات وكذلك التربويون والعمال والطلاب, للتعرف على المعلومات والمهارات والجدارات المطلوبة لأداء الأعمال في المستقبل, وطورت اللجنة القائمة بالبحث نماذج جدارة لـ15 وظيفة في 5 عائلات وظيفية, ثم تم إجراء تحليلات على هذه النماذج لتحديد مجموعات الجدارة الشاملة القابلة للتطبيق على قاعدة عريضة عبر العديد من الوظائف والمهن.

والخمس جدارات التي تم تحديدها تعتبر نموذج جدارة قومياً يحدد خصائص التفوق في المستقبل, والذي يتسنى على قطاع التربية والتعليم أن يعتبره أساساً لبناء شخصية طالب اليوم - موظف المستقبل. وذلك بطرائق تؤدي إلى تطوير مهارات حل المشاكل والتعامل مع الآخرين في معرض مشاكل الحياة الحقيقية.

 

ب- الجدارة وتطوير الخدمات التعليمية:

تشير الدراسة السابقة في الولايات المتحدة وعلى المستوى القومي, أن عدداً قليلاً نسبياً من الجدارات ينبئ عن النجاح في العمل والحياة:

- التوجه للإنجاز: الرغبة في التفوق والرفع من المستوى وتحسين الأداء.

- المبادرة: العمل على تحقيق الأهداف وحل أو تجنب المشكلات قبل أن تُفرض.

- البحث عن المعلومات: الغوص في الأعماق بحثاً عن المعلومات.

- التفكير الإدراكي: إدراك معنى البيانات وإستخدام خواريزمات لحل المشاكل.

- تفهم الآخرين: الإستماع إلى دوافع الآخرين المختلفين ومشاعرهم.

- الثقة بالنفس: إعتقاد المرء في كفاءته أو قدرته على تحقيق الأهداف.

- التأثير والإقناع: مقدرة الشخص على إقناع الآخرين بوجهة نظره.

- التعاون: العمل مع الآخرين بكفاءة لتحقيق أهداف مشتركة.

 

فإذا كانت هذه الإستنتاجات صحيحة، فإن الفائدة الواضحة للتعليم والتربية هي تطوير هذه الجدارات بوضوح كجزء من منهج واع يسعى إلى تحقيق أهداف معينة, وبالتالي فإن على المدارس أن تتغير حتى تتواكب مع هذا الدور الجديد.

 

وقد أوصت دراسة إسكانس بإعداد مقاييس لـ «تقييم رسمي قابل للمقارنة قومياً», ومن ثم تطبيقها على الصفوف المدرسية الرابعة والثامنة والثانية عشرة لقياس براعة جميع طلاب المدارس في الولايات المتحدة على جدارات سكانس, وذهب التقرير أبعد من ذلك إذ نادى بإعطاء شهادات تثبت تطوير هذه الجدارات, ووجود «مقاييس تقييم رسمية» يمكن أن يكون أساساً لنوع جديد من الشهادات التي تقيس التمكن من جدارات محددة قابلة للتعلم, والتصديق على الخمس جدارات يمكن أن يربط بين شهادات المدرسة وجهود الطلاب وإنجازاتهم، كما أنها سوف تقدم حافزاً للطلاب حتى يدرسون، وسوف توفر للموظف سبباً للإهتمام بالدرجات الدراسية. وأخيراً فهي تقدم هدفاً واضحاً للتعليم والتوجيه, وبذلك يمكن للتقييم أن يحسِن الإنجاز، وليس فقط أن يقيسه.

 

ج- طرائق تدريس الجدارات:

توجد طرائق مجربة وموثقة لتدريس الجدارات, وتشمل الأمثلة ما يلي: (Boullion, 1996, P: 15, 16)

1- تعليم التفـوق: تفترض هذه الطريقة التعليمية أن: «ما يستطيع أي فرد في العالم أن يتعلمه، فإن بإمكان كل فرد في العالم أن يتعلمه، إذا هُيئت له الظروف المناسبة قبل وأثناء التعليم»، أي أن أغلب الأفراد بمقدورهم أن يتعلموا أي شيء إذا قُدم لهم تعليم معد لهم شخصياً وإذا سُمح لهم بالتقدم وفقاً لخطواتهم ونسقهم الخاص.

وفي وجود المناخ المساند يستطيع 95% من المتعلمين أن يصلوا إلى معيار معين إذا سمح لهم بـ10% إلى 20% من الوقت الإضافي, ويقاس المتعلمون مقارنة بمقاييس تفوق موضوعية, تُبنَى مناهج تعليم التفوق أساساً وتُصبغ بدوافع الإنجاز, ويضع المتعلمون أهدافاً بصورة متكررة ويأخذون المبادرة ويتحملون المسؤولية تجاه تعلمهم ويستخدمون التغذية المرتدة على الأداء من أجل التحسن مقارنة بمقاييس الهدف.

 

2- تعليم الإكتشاف: يشرك هذا المدخل التعليمي العديد من المشاريع البحثية التي يتكرر فيها بحث المتعلمين عن المعلومات وتنظيم أو استخراج مفاهيم البيانات لإكتشاف مبادئ أو الخروج بإستنتاجات, وتُعلِم مناهج الإكتشاف بوضوح البحث عن المعلومات والتفكير التحليلي أو الإدراكي المطلوب لعمال المعرفة في إقتصاد المعلومات.

 

3- التدريب على مهارات التعامل مع الآخرين: تعلم هذه الطريقة بوضوح جدارات تفهم الآخرين، ليس في جلسات سخيفة متصنعة، ولكن كمهارة قابلة للقياس موضوعياً, مثل التدريب على نصح الزملاء الذي يُقيّم فيه المتدربون على مقاييس أبسط الفوارق الملحوظة من ناحية مهارات التعاطف الدقيق والألفة والصدق والمبادرة, مثال آخر هو جدارات تفهم الآخرين وجدارات التعاون التي تُدّرس بوضوح في بعض مدارس الولايات المتحدة الأمريكية, وتكافئ تقاليد تلك المدارس تكوين الإجماع الحقيقي للمجموعة «الذي يتحقق بحرية». وتدرس هذه المدارس مهارات تفهم الآخرين والعمل الجماعي والتعاون وحل المشاكل بشكل بيِن وصريح كجزء من المنهج الرسمي, يتلقى الأفراد مئات من الجلسات المصغرة المبنية على الجدارة، مع فرص التدريب والحصول على التغذية المرتدة.

 

4- التعليم التعاوني: في هذا المدخل التعليمي يقوم المتعلمون بأداء واجبات تعليمية في فرق أويتعلمون كيفية تدريس الآخرين أو الاثنين معاً, وتشمل أغلب الأعمال التي تعكس الحياة اليومية الحقيقية العمل في فرق, كما أنها تؤكد أن إعتبار سؤال زميل العمل عن معلومة أو مساعدة في حل مشكلة بمنزلة الغش لا يعدو أن يكون عائقاً للإنتاجية إن لم يكن عارياً من الصحة تماماً, وتُعلم مناهج التعليم التعاوني جدارات العمل الجماعي والتعاون، وتطوير الآخرين بشكل بين. وهناك فرص لتعليم القيادة من خلال السلطة والتأثير المكيفين إجتماعياً يتم إستخدامها لمساعدة فريق على تحقيق هدف مشترك. وهذه الفرص عديدة، هذا إن لم تكن محددة رسمياً.

 

5- تعليم وتدريب الكبار:

تحتاج الطرائق والتمارين التي تميز هذه الطريقة ومنها تمثيل الأدوار والمجموعات عديمة القائد، ومحاكيات ألعاب الأعمال، إلى إستخدام العديد من جدارات أماكن العمل.

 

6- تنظيم التعليم الثانوي حول مناهج «هندسة صناعية»: «بالنظر إلى عملية تدفق الأعمال هذه». «كيفية تحسينها وجعلها أكثر كفاءة؟ كيفية إقناع زملاء العمل بالموافقة على المقترحات؟», لا يوجد ما يبرر عدم استخدام المئات من ألعاب الأعمال وتمارين تعليم الكبار, التي طورت بواسطة المدربين والإستشاريين الصناعيين خصيصاً لتدريس جدارات مكان العمل، كما لا يوجد مبرر لمنع إستخدامها في المدارس الإعدادية والثانوية.

 

7- التلمذة الصناعية والداخلية: يحل التعليم داخل مواقع العمل بإستخدام المهارات والجدارات الأساسية للقيام بعمل حقيقي، وحل مشاكل حقيقية. ليس أي من هذه الطرائق بجديد، ولكن القليل منها متاح لأغلب أطفال المدارس اليوم.

 

د- منهجية الجدارة في التدريس:

تهتم الجدارة في قطاع الأعمال بزيادة كفاءة العملية التدريبية, وذلك بتعظيم العائد منها وهو التحسين الفعلي لأداء المتدرب, لذلك يهتم ممارسو الموارد البشرية في قطاع الأعمال بأن يحققوا التوازن الصحيح في مناهج التعليم بين المحاور الثلاثة: الذهنية والنفسية والحركية, حيث لن يتحقق التأثير الشامل على الموظف إلا من خلال التأثير المتوازن على المحاور الثلاثة, عندها فقط تسفر الفعاليات التدريبية عن الهدف المرجو منها ألا وهو تحسين الأداء.

 

ولعل في إستعراض المنهجية التي تهدف إلى تحقيق ذلك التوازن عن طريق تقسيم الجدارات إلى عناصرها, ما يثري التحسين المستمر الذي ينتهجه قطاع التعليم, وهي: (الخراشي, 2009, ص: 64)

 

1- تحليل خصائص المتعلمين, بما في ذلك التعرف على الجدارات المتوفرة لديهم بالفعل.

2- تحديد الجدارات المطلوب تغطيتها في الفعاليات التدريبية وتصنيفها.

3- تحديد الجدارات الفرعية لكل جدارة رئيسة هامة, وترتيب الجميع في تسلسل تحقيقها.

4- أعداد صياغة الجدارات على هيئة أهداف أداء للمتعلم, مع تصميم بنود لتقييم الأداء.

5- تصميم الفعالية التعليمية والوحدات التعليمية الخاصة بها، وذلك عن طريق وضع مخطط شامل, ومن ثم تنظيم الوحدات التعليمية في هذا المخطط. وأخيراً تصميم كل وحدة تعليمية بإتباع خطوات تصميم الوحدات التعليمية.

 

هـ- إختيار التربويين وتطويرهم بإستخدام الجدارة:

أسوة بأسلوب الإختيار المبني على الجدارة, والذي تطبقه المؤسسات في قطاع الأعمال, فإنه من الممكن لقطاع التعليم تبني دراسة لبناء نموذج الجدارة للتربوي الناجح.

من الممكن أن تعقد هذه الدراسة على المستوى القومي في المملكة العربية السعودية مثلاً، بحيث تكون النتائج ناطقة بكل خصوصيات المملكة مقارنة بغيرها من الدول. ويستطيع مثل هذا النموذج أن يساعد إدارات التعليم في اختيار التربويين الأكفاء القادرين على القيام بوظائفهم بجدارة, كما يمكن أن يكون أساساً لتطوير الحاليين منهم إلى المزيد من مستويات التفوق.

 

الخلاصة:

إن مفهوم الجدارة الذي يتمتع بنتائجه وتطبيقاته قطاع الأعمال اليوم يدين لقطاع التعليم بجذوره الأولى, ويجدر بقطاع التربية والتعليم أن يقطف من ثمار هذا الأسلوب الذي يتميز بالجمع بين الواقعية الميدانية والدقة العلمية في إيجاد أدوات تخدم صانع القرار في مجالات متعددة.

وفي مجال التربية والتعليم فإن أسلوب الجدارة يقدم الفرص التالية: (الخراشي, 2009, ص: 87)

1- يساعد أسلوب الجدارة الربط بين التخطيط للمناهج التعليمية وبين الخطط القومية لتنمية الموارد البشرية, حيث يُمكن أسلوب الجدارة قطاع التعليم من التخطيط لإمداد المجتمع بأفراد يتمتعون بالجدارات اللازمة لأداء وظائف المستقبل.

2- يقدم أسلوب الجدارة صورة واضحة لخصائص مدرسة الغد التي تتناسب مع الدور المنتظر منها: «بناء جدارات النجاح». كما يقدم أدوات تساعد المدارس على تحقيق ذلك الدور.

3- يساعد أسلوب الجدارة البيت في التصدي لمسؤوليته التربوية على أساس علمي مدروس.

4- من الممكن إستخدام أساليب إدارة الموارد البشرية التقليدية لأسلوب الجدارة مع التربويين القائمين بالعملية التعليمية في مجالات الإختيار والتطوير وغيرها.

5- يقدم أسلوب الجدارة نموذج تصميم الفعاليات التدريبية المتبع في قطاع الأعمال, بما قد يثري جهود التحسين المستمر لأساليب التدريس.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3358 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,880,206

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters