مفهوم الموظف العام.
تمارس الدولة نشاطها من خلال موظفيها فهم أداة الدولة لتحقيق أهدافها, وتحظي الوظيفة العامة بعناية المشرع والفقهاء في مختلف الدول, ويتحدد دور الموظف العام ضيقاً واتساعاً حسب الفلسفة الإقتصادية والإجتماعية لكل دولة فإتساع نشاط الدولة وعدم إقتصار دورها على حماية الأمن الداخلي والخارجي وحل المنازعات بين الأفراد, وقيامها ببعض الأشغال العامة وإزدياد تدخلها في مجالات إقتصادية وإجتماعية شتى، قاد بالضرورة إلى إزدياد عدد الموظفين واهتمام الدولة بتنظيم الجهاز الإداري. والوقوف على ماهية الفساد الإداري يستدعي تعريف وتحديد المقصود بالموظف العام وبيان طبيعة العلاقة التي تربطه بالإدارة. ([1])
الموظف في اللغة: مشتق من وظّف توظيفًا وظيفة وموظفًا، والتوظيف: تعيين الوظيفة, وهي ما يُقدر للإنسان من عمل، أو رزق، أو طعام. والجمع وظائف. وتأتي بمعنى العهد والشرط، وبمعنى المنصب والخدمة المعينة, وهذا المعنى مولّد.([2])
ومعناه في اصطلاح الفقهاء: من يتعاطى أمرًا يتعلق بالمسلمين في أعمال الدولة. ([3])
والموظف: اسم لكل عمل من أعمال الدولة في الحكم أو الأمن أو المال. سواء أقدر العمل بزمن كشهر، أم عمل كصدقة هذه السنة، أم مطلقًا كحماية مكة. ([4])
قال ابن تيمية: «ومثل صاحب الديوان: الذي وظيفته أن يكتب المستخرج والمصروف، والنقيب والعريف: الذي وظيفته إخبار ذي الأمر بالأحوال».([5])
ويمكن التعريف بالموظف: «من يختص عمله بغيره من دولة أو شركة أو مؤسسة أو فرد، في محل تجاري أو مزرعة أو مصنع أو ورشة ونحوها».([6])
إن الموظف العام هو الذي يدير المرافق العامة وينفذ الخطط والسياسات والقرارات في ظل الأنظمة القانونية، أما في ظل الفساد الإداري والمالي فيصبح هو المالك للسلطة وليس الأمين عليها، وهذا يتطلب التعامل مع الفساد باعتباره منظومة ذات أسس وعناصر وقيّم مجسّدة في قواعد قانونية غامضة وناقصة وإجراءات إدارية معقدة ورؤى سياسية واجتماعية مهيمنة تع ّ ظم اقتناص الفرص، وتقدّس المال، وتهيمن على الموارد والمقدرات سواء في نطاق الدولة أو في قطاع الأعمال الخاصة. ([7])
لم يرد في معظم التشريعات تعريف منظم يحدد المقصود بالموظف العام, ويرجع ذلك إلى اختلاف الوضع القانوني للموظف العام بين دولة وأخرى وإلى صفة التجدد المضطرد للقانون الإداري.
واكتفت أغلب التشريعات الصادرة في ميدان الوظيفة العامة بتحديد معني الموظف العام في مجال تطبيقها. ([8])
فقد نصت المادة الأولى من نظام الموظفين الفرنسي على أن " هذا النظام يطبق على الموظفين الذين يعينون في الإدارات المركزية للدولة والمصالح التابعة لها والمؤسسات العامة للدولة، ولا يطبق على القضاة والعسكريين والعاملين في الإدارات والمصالح والمؤسسات العامة ذات الطابع الصناعي والتجاري".
ويبدو أن المشرع قد ترك أمر تعريف الموظف العام للفقه والقضاء, ويختلف هذا التعريف في مجال القانون الإداري عنه في المجالات الأخرى كالقانون المدني والقانون الجنائي والإقتصاد السياسي فإن معناه في هذه المجالات قد يكون أوسع أو أضيق من معناه في القانون الإداري. ([9])
واكتفى المشرع المصري شأنه شأن الفرنسي بتحديد الموظفين الذين يخضعون للأحكام الواردة في القوانين واللوائح الصادرة في شأن الموظفين العموميين.
ففي القانون الحالي رقم 47 لسنة 1978م لم يتطرق للوظائف الدائمة والمؤقتة ولا إلى تعيين الأجانب, إذ نصت الفقرة الأخيرة من المادة الأولى منه على أنه " يعتبر عاملاً في تطبيق أحكام هذا القانون, كل من يعين في إحدى الوظائف المبينة بموازنة كل وحدة ". وفي مكان آخر في المادة نفسها نص على سريان هذا القانون على العاملين بوزارات الحكومة ومصالحها والأجهزة التي لها موازنة خاصة بها, ووحدات الحكم المحلي, والعاملين بالهيئات العامة فيما لم تنص عليه اللوائح الخاصة بها.
بينما ذهب غالبية الفقهاء المصريين إلى تعريف الموظف العام بأنه " كل شخص يعهد إليه بعمل دائم في خدمة أحد المرافق العامة يتولي إدارتها، الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الإقليمية أو المرفقية، وذلك بتولي منصباً دائماً يدخل في نطاق التنظيم الإداري للمرفق ".([10])
ويبدو من ذلك أن الفقه والقضاء المصري يشترط توافر عنصرين في المرفق العام هما:
1- أن تدير الدولة أو أحد أشخاص القانون العام هذا المرفق إدارة مباشرة: وبذلك لا يعد الموظفون في المرافق التي تدار بطريقة الإلتزام موظفين عموميين, وكذلك العاملون في الشركات والمنشآت التي لا تتمتع بالشخصية الإعتبارية العامة ولو تم إنشائها بقصد إشباع حاجات عامة.
2- أن تكون تولية الوظيفة العامة بواسطة السلطة المختصة: الشرط الأخير اللازم لإكتساب صفة الموظف العام هو أن يتم تعيينه بقرار من السلطة صاحبة الإختصاص بالتعيين.
فلا يعد موظفاً عاماً من يستولي على الوظيفة دون قرار بالتعيين كالموظف الفعلي, كما أن مجرد تسليم العمل أو تقاضي المرتب لا يكفي لإعتبار المرشح معيناً في الوظيفة إذا لم يصدر قرار التعيين ممن يملكه قانونا. ([11])
وأخيرًا, نستطيع القول بأن شخص ما فاسد, إذا كان هذا الشخص يتمتع بأى سلطة أو نفوذ أو منصب قد أوكل إليه عن طريق التعيين أو منصب شرفى, ويقوم هذا الشخص باستغلال ما بحوذته من نفوذ أو سلطة أو منصب لتحقيق مصالح شخصية أو مصالح جماعية لأشخاص آخرين قد طلبوا منه ذلك وهذا ينطبق على السلوك الفردى والجماعى عمومًا.
([1]) الفساد الإداري في الوظيفة العامة, ص 12, حمزة حسن شيخو الطائي, مرجع سبق ذكره.
([2]) الأحكام السلطانية، للماوردي ص349-351 وللفراء ص247-250 وينظر: إحياء علوم الدين 2/153 وفتاوى إسلامية 4/344.
([3]) إدارة الموارد البشرية، المنهج الحديث في إدارة الأفراد ص37، 38.
([5]) ينظر: الأحكام السلطانية، للماوردي ص349-351 وللفراء ص247-250 والحاوي الكبير 16/282 وفتاوى إسلامية 4/344.
([6]) ينظر: الأحكام السلطانية، للماوردي ص349، 350 والحسبة ص14 والسياسة الشرعية مصدر تقنين بين النظرية والتطبيق ص452.
([7]) التدابير القانونية لمكافحة الفساد, المؤتمر العربي الدولي لمكافحة الفساد, ص 2, عبد الحفيظ عبد القادر الشيخلي, مرجع سبق ذكره.
([8]) دراسات في الوظيفة العامة في النظام الفرنسي, ص 165, عبد الحميد كمال حشيش, دار النهضة العربي, القاهرة, مصر, 1977م.
([9]) المسؤولية التأديبية للموظف العام, ص 7, محمد جودت الملط, رسالة دكتوراه غير منشورة, جامعة القاهرة, مصر, 1967م..
([10]) الوسيط في القانون العام, ص 309-310, محمد أنس قاسم جعفر, الناشر غير مبين, القاهرة, مصر, 1985م.
([11]) الفساد الإداري في الوظيفة العامة, ص 13, حمزة حسن شيخو الطائي, مرجع سبق ذكره.