مفهوم الفساد.
الفساد هو إساءة استعمال القوة العمومية للمنفعة الخاصة سوءا عن طريق الرشوة أو الإبتزاز أو سلطة استغلال النفوذ، أو المحسوبية أو الغش أو تقديم إكراميات للتعجيل بالخدمات أو عن طريق الإختلاس.
ورغم أن الفساد كثيرا مايعتبر جريمة يرتكبها العاملون بالدولة, فإنه يتفشى أيضا في القطاع الخاص، بل إن القطاع الخاص يتورط في معظم حالات الفساد الحكومي التي تنطوي على إساءة استعمال المال أو التماس خدمات للكسب الشخصي، أو إساءة استعمال السلطة الرسمية أو النفوذ مقابل أو خدمات، أو إخلال بالمصلحة العامة لإكتساب إمتيازات شخصية خاصة. ([1])
وتتباين مستويات الفساد بتباين النظم السياسية فينخفض مستواه في النظم التي تقيم فيها الضوابط المؤسسية بين الفروع الثلاثة للحكم (الجهاز التنفيذي، الجهاز التشريعي، الجهاز القضائي) وآليات فعالة لمنع وكشف هذا السلوك غير المشروع والمعاقبة عليه.
وترتفع مستويات الفساد حيثما تضعف الآليات المؤسسية لمكافحة الفساد، ويتفشى الفساد بدرجة يصبح معها أمرا مقبولا ومسموحا به. وفي هذه النظم تسيطر نخب سياسية ضيقة على الفرص الإقتصادية وتشغيلها وتسخر الفرص السياسية الثمينة والنادرة نسبيا للحصول على مكاسب شخصية, وتقل ضوابط العمل الرسمي وتندد الوسائل البديلة أمام المصالح والفئات المعرضة للإستغلال.
يقتضي الإلتفات في معظم البحوث الأكاديمية على تحديد معنى المصطلحات المستخدمة ومضمونها, وعليه بالإمكان تعريف الفساد لغة واصطلاحا.
1- الفساد لغة:
من فسد، فسد الشيء، (يفسد) بضم السين (فسادا) فهو (فاسد)، و(فسد) بضم السين أيضا فهو (فسيد)، و(أفسده ففسد). والمفسدة ضد المصلحة، وفساد الشيء يعني تلفه وعدم صلاحيته ( ). والفساد في معاجم اللغة هو من (فسد) ضد (الصلح), والفساد لغة البطلان فيقال فسد الشيء أي بطل واضمحل، ويأتي التعبير على معاني عدة بحسب موقعه, فهو الجدب أو القحط كما في قوله نعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) ([2])
أو الطغيان والتجبر كما في قوله تعالى: (الذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا) ([3])
أو العصيان لطاعة الله كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ([4]), ونرى في هذه الأية الكريمة تشديد القران الكريم على تحريم الفساد وعلى نحو كلي، وأن لمرتكبيه الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة. ([5])
2- الفساد في الإصطلاح الشرعي.
الفساد هو: كل المعاصي والمخالفات لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، والعمل بها.([6]) فهو يتناول جميع الشر من المحرمات والمكروهات شرعًا ([7])، إذ هو في حقيقته خروج عن منهج الله تعالى (عبد الله الجيوسي, 2005م, ص: ١٧٧).([8])
يقول الزمخشري: "الفساد: خروج الشيء عن حال استقامته وكونه منتفعًا به، ونقيضه، الصلاح، وهو الحصول على الحال المستقيمة النافعة "( الزمخشري, ١٩٧٧م، ص: ١٧٩).([9]) ويقول القرطبي: "الفساد ضد الصلاح وحقيقته العدول عن الإستقامة إلى ضدها"(القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج ١، ص: ٢٠٢). ويقول ابن كثير: "الفساد هو العمل بالمعصية"(ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج ١، ص ٧٩). ويمكن القول أن الفساد هو: "كل مخالفة لنص شرعي أو اتفاق عرفي معتبر".([10])
وردت أحاديث كثيرة تتحدث عن الفساد والمفسدين، ونكتفي بذكر طائفة منها:
حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله r يقول الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".([11])
حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قا ل : قال رسول الله r إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، فطوبى للغربا ء "، قالو ا: يا رسول الله، وما الغرباء؟ قا ل : "الذين يصلحون عند فساد الناس. ([12])
حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه: عن النبي rقال: "إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم. (أخرجه أبو داوود في سننه, كتاب: الأدب، باب: في النهي عن التجسس, حديث: ٤٨٨) ومعنى الحديث: أن الأمير إذا اتهم الناس وجاهرهم بسوء الظن فيهم أد ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ففسدوا. ([13])
ومعنى الفساد فى السنة النبوية: مخالفة أوامر الله عز وجل، ويترتب عليه الابتلاء ومحق البركة من الأرزاق والحياة الضنك والشقاء، ودليل ذلك قول الرسول r: " إياكم والمعصية فإن العبد ليذنب الذنب الواحد فينسى به الباب من العلم، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم قيام الليل، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً كان قد هيئ له ثم تلى الرسول صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ.([14])
3- الفساد في الاصطلاح الإداري والقانوني:
تعددت التعريفات لمفهوم الفساد بتعدد جوانبه المتعلقة به واتجاهاته المختلفة، وذلك تبعًا لإختلاف الثقافات والقيم السائدة, كما يختلف بإختلاف الزاوية التي ينظر إليها من خلالها المهتم ما بين رؤية سياسية، أو اقتصادية أو اجتماعية أو إدارية ، وهو ما يبرر الإختلاف في تحديد مفهوم الفساد. ([15])
فليس هناك تعريف محدد للفساد بالمعنى الذي يستخدم فيه هذا المصطلح اليوم, لكن هناك اتجاهات مختلفه تتفق في كون الفساد. فلقد تعددت التعاريف الرامية لتحديد مفهوم الفساد نظرا لتعدد الأشكال والمظاهر التي يتخذها في مجتمع ما، ولم يتفق الكتاب والمنظمات المعنية بمكافحة الفساد على تعريف له، لذلك ليس هناك إجماع على تعريف شامل يطال كافة أبعاد الفساد، ويحظى بموافقة كافة الباحثين في الفساد([16])
ومن هذه المفاهيم ما عرفه السيد شتا حيث عرف الفساد بأنه: "استخدام السلطة العامة من أجل كسب أو ربح شخص، أو من أجل تحقيق هيبة أو مكانة اجتماعية، أو من أجل تحقيق منفعة لجماعة، أو طبقة ما بالطريقة التي يترتب عليها خرق القانون، أو مخالفة التشريع ومعايير السلوك الأخلاقي, وبذلك يتضمن الفساد انتهاك للواجب العام، وانحراف عن المعايير الأخلاقية في التعامل ([17])
كما أن الفسـاد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص. ويحدث الفساد عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب إبتزاز رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة. كما يمكن للفساد أن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة, وذلك بتعيين الأقارب ضمن منطق (المحسوبية والمنسوبية) أو سرقة أموال الدولة مباشرة. ([18])
حيث عرف مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الفساد، الفساد بأنه: "القيام بأعمال تمثل أداء غير سليم للواج، أو إساءة استغلال لموقع أو سلطة بما في ذلك أفعال الإغفال توقعًا مزية، أو سعيا للحصول على مزية يوعد بها، أو تعرض، أو تطلب بشكل مباشر أو غير مباشر، أو أثر قبول مزية ممنوحة بشكل سواء للشخص ذاته أو لصالح شخص آخر".([19])
ويتمثل الفساد في الحياة العامة في استخدام السلطة العامة من اجل كسب أو ربح شخص من أجل تحقيق هيبة أو مكانة إجتماعيه أو من أجل تحقيق منفعه لجماعة أو طبقة ما بالطريق التي يترتب عليها خرق القانون أو مخالفة التشريع ومعايير السلوك الأخلاقي. وبذلك يتضمن الفساد إنتهاك للواجب العام وانحراف عن معايير الأخلاقيه في التعامل. ومن ثم يعد هذا السلوك غير مشروع من ناحيه وغير قانوني من ناحيه أخرى. ومن صور الفساد الشائعة في الوظائف العامة الرشوة والإختلاس من المال العام والإحتيال والنصب, والتزيف والتزوير في التقارير الرسمية. ([20])
([1]) الفساد الإداري في الوظيفة العامة, ص 5, حمزة حسن خضر شيخو الطائي, رسالة ماجستير غير منشورة, كلية القانون والسياسة, الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمرك, 2010م.
([5]) الفساد الإداري في الوظيفة العامة, ص 5, حمزة حسن شيخو الطائي, مرجع سبق ذكره.
([6]) سياسة الإسلام في الوقاية والمنع من الفساد، معاوية أحمد سيد ، ص 21, أبحاث المؤتمر العربي الدولي لمكافحة الفساد، المجلد الأول، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، السعودية, 2003م.
([7]) مجموع الفتاوى، أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت ٧٢٨ ه)، ص 83, (تحقيق: عامر الجزار وأنوار الباز)، دار الوفاء، المنصورة، مكتبة العبيكان، ج ٧, الرياض ١٤١٨ هـ- ١٩٩٧م.
([8]) الفساد: مفهومه وأسبابه وأنواعه وسبل القضاء عليه- رؤية قرآنية، ص 177, عبد الله الجيوسي, مؤتة للبحوث والدراسات, 2005م.
([9]) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ص 179, أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت ٥٣٨ ه)، الطبعة الأولى، دار الفكر، ج ١, ١٣٩٧ هـ- ١٩٧٧م.
([10]) الفساد الإداري وعلاجه في الفقة الإسلامي, ص 46, محمود محمد عطية معابرة, رسالة دكتوراه غير منشورة, كلية الدراسات العليا, الجامعة الأردنية, 2010م.
([11])أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه, حديث: ٥.
([12])أخرجه الترمذي في سننه, كتاب :الإيمان، باب: ما جاء أن الإسلام بدأ غريباً, حديث: ٢٦٢٩.
([13]) النهاية في غريب الأثر، ص 6, أبو السعادات المبارك بن محمد ابن الأثير، (تحقيق: أحمد الزاوي، ومحمود الطناجي)، المكتبة الفقه الإسلامي، ط ٢، ج ٢, مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٤١٩هـ, ١٩٩٨م.
([14]) أخرجه ابن أبى حاتم وابن مردويه.
([15]) الفساد: سبله وآليات مكافحته، ص 2, أحمد أبو دية، الطبعة الأولى، منشورات الإئتلاف من أجل النزاهة والمساءلة، أمان، القدس، فلسطين, ٢٠٠٤م.
([16]) الفساد كظاهرة عالمية وآليات ضبطها، دراسة منشورة في (الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية)، ص: 414, داود خيرالله، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية، الطبعة الثانية، بيروت، لبنان, 2006م.
([17]) الفساد الإداري ومجتمع المستقبل، ص: ٤٣- 44, السيد علي شتا، المكتبة المصرية، الإسكندرية، مصر, ٢٠٠٣م.
([18]) الفساد الإدارى لغة المصالح، ص 13, حسنين المحمدى بوادي, دار المطبوعات الجامعية, الإسكندرية, مصر, 2008م.
([19]) التعريف بالفساد وصوره من الوجهة الشرعية، ص 55, جعفر عبد السلام علي، أبحاث المؤتمر العربي الدولي لمكافحة الفساد، المجلد الأول، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، السعودية, 2003م.
([20]) الفساد الإداري في الوظيفة العامة, ص 7, حمزة حسن شيخو الطائي, مرجع سبق ذكره.