موقع أخوان أون لاين
لقد أجاز الفقهاء الترويح المشروع في رمضان وفي غير رمضان، ووضعوا له الضوابط الشرعية، ويقصد بها أنها مجموعة الأحكام والفتاوى التي تحكم الترويح عن النفس وأساليبه، لبيان الحلال منها والمنهي عنه شرعاً وذلك لتحقيق مقاصده المشروعة.
وتنقسم هذه الضوابط إلى مجموعتين: ضوابط شرعية كلية عامة، وضوابط تفصيلية خاصة بكل وسيلة من وسائل الترويح حسب المقام وظروف الحال، وسوف نركز في هذا المقام على الضوابط الكلية.
* الضوابط الشرعية الكلية للترويح في رمضان
من الضوابط الشرعية الكلية العامة للترويح عن النفس والتي يجب الالتزام بها في رمضان وفي غير رمضان ما يلي:
أولاً: أن يكون الترويح بنية صادقة وخالصة للتقوية وللتنشيط على الأعمال الصالحة والعبادات للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، لأن الأصل أن تكون كل الأعمال صالحة ولوجه الله خالصة، وأساس ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف: من الآية 110)، كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (رواه مسلم)، لذلك يجب أن يكون المقصد من الترويح في شهر رمضان التقوية على الصيام والقيام وتلاوة القرآن.
ثاني: أن لا يسبب الترويح البعد عن ذكر الله سبحانه وتعالى، فكل ما يلهي عن ذكر الله فهو حرام، ولقد أمرنا الله عز وجل في كتابه الكريم بتجنب اللهو الذي يبعدنا عن ذكره، فقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)) (المنافقون)، لذلك يجب ألا يلهي الترويح في رمضان عن الورد القرآني أو عن صلاة القيام في المسجد أو عن حضور مجالس العلم ونحو ذلك من موجبات العبادة في رمضان.
ثالثا: أن لا يكون الترويح بابًا إلى المفاسد، فكل ما يؤدي إلى حرام فهو حرام، ومن القواعد الشرعية المعتبرة في هذا المقام: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، وباب سد الذرائع يحصن المسلم عن الوقوع في المفاسد، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "إن الحلال بَيِّن وإن الحرام بَين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضهِ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يَرْعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألاّ وإن لكل ملك حمى ألاّ وإن حمى الله في الأرض محارمه" (رواه البخاري ومسلم), ولذلك لا يجب مشاهدة البرامج التليفزيونية التي تحرض على الفاحشة والمنكر وسوء الأخلاق، كما يجب على ولي الأمر منعها بما له من سلطان وولاية على النهى عن المنكر.
رابعاً: أن تكون وسيلة الترويح مشروعة، فعلى سبيل المثال حرم الإسلام بعض آلات الموسيقى التي تؤدي إلى المفسدة، وكذلك حرم الاختلاط المؤدي إلى مفسدة، وحرم الخلوة في الرحلات والألعاب وحرم المسابقات التي تقوم على القمار ونحوها حيث يؤدي ذلك إلى مفاسد، لذلك في رمضان بصفة خاصة البرامج التليفزيونية الهدامة للقيم والأخلاق والتي تقود الرذيلة بدعوى حرية الإبداع والفكر.
خامساً: ألا يلهي الترويح عن القيام بالفرائض والواجبات سواء من الأعمال أو من العبادات، أو عن قضاء حوائج المسلمين أو الدعوة إلى الله عز وجل، فتحقيق التوازن في حياة المسلم وتنظيم وقته من الواجبات الشرعية، ودليل ذلك هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن لنفسك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً، فاعط كل ذي حق حقه" (رواه البخاري)، كما أن هناك أولويات يجب على المسلم الالتزام بها وهي الضروريات فالحاجيات فالتحسينات، لذلك يجب على المسلم أن ينظم وقته بين العمل والعبادة والترويح، ومما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ينبغي للعاقل أن يكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها رَبّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر في صنع الله عز وجل، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب" (رواه ابن حبان)، لذلك يجب على المسلم في رمضان أن يخطط وقته بين العبادات والأعمال وبين الترويح المشروع.
سادساً: أن لا يكون الترويح مضيعة للوقت بدون نفع أو جدوى معتبرة شرعاً، فهذا يعتبر من نماذج التبذير المنهي عنه شرعاً، فالوقت هو الحياة، وسوف يسأل الإنسان عن هذا الوقت يوم القيامة، ودليل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به" (رواه أحمد)، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثيراً من الناس: الصحة والفراغ" (رواه البخاري)، وفي رمضان بصفة خاصة الواجبات الدينية أكثر من الأوقات وأن هذا الشهر غنيمة به نفحات يجب التعرض لها.
سابعاً: ألا يكون هناك إسراف وإدمان في اللهو، مثل الغلو والتطرف في الرياضة البدنية والذهنية، والإفراط في الرحلات والتشجيع، أي لا يكون اللهو بقصد قتل الوقت كما يعتقد بعض الناس، فنجد كثيراً من الناس ولا سيما الشباب يجلسون الساعات الطوال على المقاهي والنوادي وحول مائدة الشطرنج والنرد ولعب الورق والنت.. فهؤلاء هم المبذرون في الأوقات مثل المبذرين في الأموال، ويدمنون اللهو كما يدمنون المسكرات والمفترات، ويؤدي الإسراف والتبذير في الوقت المخصص للهو إلى التقصير في الفرائض والواجبات، ولقد زين لهم الشيطان سوء عملهم، وينطبق عليهم قول الله تبارك وتعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)) (الكهف)، وفي رمضان بصفة خاصة يجب تجنب الإسراف في الطعام والشراب واللهو والاعتدال في كل شيء حتى في الزينة المشروعة وفي الترويح المشروع.
ثامناً: تجنب كل السلوكيات والتصرفات والأدوات والوسائل المخالفة لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، ومنها على سبيل المثال ما يلي:
- تجنب السخرية بالآخرين، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ) (الحجرات: من الآية 11).
- تجنب الكذب والافتراء على الآخرين، ودليل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له! ويل له" (رواه أبو داود).
- تجنب الخلوة وبعض صور الاختلاط التي تقود إلى المفاسد.
- تقليد غير المسلمين في السلوكيات والعادات المخالفة لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
* الأساليب المشروعة للترويح في رمضان
أساليب الترويح كثيرة ومتعددة، وتستخدم في الحلال كما تستخدم في الحرام، ومثال ذلك الأناشيد تستخدم في التحفيز على التضحية والجهاد كما قد تستخدم في إثارة الفسوق والفواحش، كذلك الغناء قد يستخدم في مجال التحفيز على العمل كما قد يستخدم في إثارة الغرائز، وهكذا.
وفي شهر رمضان الكريم ليس هناك أي حرج شرعي في استخدام أساليب الترويح التقليدية والمعاصرة ما دامت تنضبط بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية السابق الإشارة إليها في البند السابق.
ومن أساليب الترويح الرمضانية المتواترة والمشروعة في رمضان ما يلي:
* التهليل والبهجة بقدوم رمضان بالزمر والغناء والأناشيد الهادفة.
* فوازير رمضان الثقافية ذات العلاقة بالصيام والقيام والقرآن والسيرة النبوية ونحو ذلك.
* مسابقات حفظ القرآن الكريم التي تنظمها الجمعيات والهيئات والمؤسسات ونحو ذلك.
* مسابقات حول السيرة النبوية الشريفة ومناقب الصحابة والخلفاء والتابعين بإحسان.
* المباريات الرياضية بين الشباب والجوائز من طرف ثالث لتجنب شبهة القمار.
* مشاهدة البرامج الهادفة ذات العلاقة بالقيم والأخلاق والمثل من خلال التلفاز ونحوه.
* التنزه على الشواطئ وفي المنتزهات وغيرها بشرط تجنب أماكن الفسوق والعصيان.
* أي رياضة ذهنية تنمي التفكير والإبداع دون أن يشوبها ميسر أو تعطل عن فريضة أو واجب.