الشيخ فؤاد أبو سعيد
شبكة المنهاج الإسلامية
بعد أن التقينا بالجمهور الكريم كان لابد لنا أن نستعين بأهل العلم والخبرة ونفند معاً قضية الإسراف في رمضان فالتقت دعوتها بالشيخ الداعية فؤاد بن يوسف بن سليمان أبو سعيد ,الدرجة العلمية: الإجازة العالية من كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية ـ المدينة المنورة، وإمام وخطيب مسجد الزعفران في مخيم المغازي وسط القطاع .
يتحدث الشيخ فؤاد قائلا : قد أقبل رمضان بالخيرات والحسنات، أقبل بالمغفرة من الرحمن الرحيم ، والصفح والعفو، وللعاملين فيه عظيم الأجر والثواب ورفعة الدرجات، ولكن الشيطان يجتال الإنسان عن الخير إلى الشر، وعن السنن وأنواع الخيرات إلى البدع وأنواع المنكرات، وفي رمضان رغم تقييد الشياطين وتصفيد المردة؛ تجد المخالفات الشرعية الواضحة لنصوص الكتاب والسنة، وهدي سلف الأمة، ومن هذه المخالفات الإسراف في أنواع المآكل وصنوف المشارب، وإن أردتم معرفة ذلك على أرض الواقع؛ فانظروا -بارك الله فيكم- إلى ما زاد على ما أكلتموه، وفاض على ما طعمتموه وشربتموه، ثم انظروا بعد ذلك إلى المخلفات من شتى أنواع المأكولات والمشروبات، والتي تلقى على المزابل وترمى في الحاويات، وهذا نوع من الإسراف الممقوت المحظور شرعا.
معنى الإسراف فعرف الشيخ فؤاد الإسراف وهو : مجاوزة الحد المشروع في كل شيء، قال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] فالإسراف هنا في الزينة ،والأكل والشرب،منوها خلال حديثه أن الإسراف يُراد به عِدَّةُ معانٍ منها: 1 - أن السرف هو مجاوزة القصد وحدِّ الاعتدال، وهذا نفسه المعنى اللغوي. 2 - ثم إن الإسراف في هذا الجانب يقال تارة باعتبار القدْر أو الكمِّ، وتارة بالكيفية. 3 - وأن ما أنفق في غير طاعة الله فهو سرف بإطلاق قلَّ أو كَثُر، وهذا يدخل في الإسراف في الكيف. 4 - وما أنفق في المباحات فما تجاوز القصد فهو سرف، وهذا سرف في الكمِّ. تعريفات لها علاقة مشيرا أن هناك ألفاظ ومصطلحات لا بدَّ من التنويه على بعضها، لعلَّ من أهمِّ هذه المصطلحات والألفاظ: التبذير: فـ"الباء والذال والراء أصل واحد، وهو نثر الشيء، وتفريقه، يقال: بذرت البذر أبذره بذراً قال تعالى: {..وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}. [الإسراء: 26،27] وفي عرف الشرع جاء في تفسير القرطبي (10/247): قال الشافعي: "التبذير إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير، وهذا قول الجمهور، وقال أشهب عن مالك: التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه وهو الإسراف"، مبينا أنه يفهم من ذلك أنه لا فرق بين التبذير والإسراف. أما إضاعة المال؛ فقال ابن حجر في (فتح الباري 5/68): "قال الجمهور: إن المراد به السرف في إنفاقه، وعن سعيد بن جبير: إنفاقه في الحرام". وقال في موضع آخر من (المرجع السابق 10/408): " إنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعاً ، سواء كانت -أي النفقة- دينية ، أو دنيوية ، فمنع منه ؛ لأن الله تعالى جعل المال قياماً لمصالح العباد"، فالإضاعة إذن من الإسراف. وقد ورد النهي عن إضاعة المال بهذا اللفظ في قوله : « ... وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال». رواه البخاري وأما الترف: قال ابن الأثير: " والمترف: المتنعم المتوسع في ملاذ الدنيا وشهواتها". (النهاية في غريب الحديث)، وعند قوله تعالى: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}[هود: 116] يقول الشوكاني في فتح القدير (2/534): " والمعنى أنه اتبع الذين ظلموا بسبب مباشرتهم الفساد وتركهم للنهي عنه ما أترفوا فيه، والمترف: الذي أبطرته النعمة ، يقال: صبي مترف: منعم البدن، أي صاروا تابعين للنعم التي صاروا بها مترفين من خصب العيش، ورفاهية الحال، وسعة الرزق، وآثروا ذلك على الاشتغال بأعمال الآخرة، واستغرقوا أعمارهم في الشهوات النفسانية". أما الاقتصاد: فمصدر اقتصد، قال في تاج العروس: "القصد في الشيء: ضد الإفراط وهو ما بين الإسراف والتقتير، والقصد في المعيشة: ألا يسرف ولا يقتر، .. {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}[الفرقان: 67]، ومنه ما هو متردد بين المحمود والمذموم وهو فيما يقع بين محموِد ومذموم؛ كالواقع بين العدل والجور، وعلى ذلك قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} (فاطر: 32)، انظر (تاج العروس 9/36). وعلى أي حال فالاقتصاد يعني التوسط في النفقة بين الإسراف والشح، على أن مفهوم هذه اللفظة تطور، وصار مصطلحا شائعا بين دوائر العلم والسياسة والمال. وأما الإنفاق: فهو مصدر أنفق: قال ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة 5/454-455): " ونفق السعر نفاقا، وذلك أنه يمضي فلا يكسر ولا يقف، وأنفقوا: نفقت سوقهم، والنفقة؛ لأنها تمضي لوجهها، .." فالإنفاق إذن: هو الإفناء والإذهاب والإنفاد، وهو يكون في المال وفي غيره، وعلى هذا فالإنفاق شامل لكل ما يستهلكه الإنسان من أشياء مباحة، وأما الجود فقال في المصباح المنير: "جاد بالمال: بذله، وجاد بنفسه: سمح بها عند الموت وفي الحرب، مستعار من ذلك". وأما السخاء : "قال أهل اللغة: السخاء: الجود، يقال سخا يسخو سخاوة وسخاء يمد ويقصر، والسخي: الجواد". (معجم مقاييس اللغة 3/146-147) وأما البخل فقال الراغب (ت 502 هـ): "البخل: إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه، ويقابله الجود، يقال: بخل فهو باخل، وأما البخيل فالذي يكثر منه البخل؛ كالرحيم من الراحم، والبخل ضربان: بخل بقنيات نفسه وبخل بقنيات غيره ، وهو أكثرهما ذما دليلنا على ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}. (النساء : 37) و(الحديد: 24) والشح: هو البخل مع شدة الحرص، قال ابن فارس: "الشين والحاء الأصل فيه المنع، ثم يكون منعا مع حرص، ومن ذلك الشح وهو البخل مع حرص" مبينا أن كلاهما يمثلان الطرف المقابل للإسراف والتبذير. مساوئ السرف مساوئ السرف في المآكل والمشارب يشير أبو سعيد إلى أن له مساوئ ومنها : أولا: الآثار الدينية:- فالدين من ضرورات الحياة الإنسانية؛ بل هو الأساس، والمحافظة عليه مما يخدشه فرض على كل مسلم، وبضياع الدين يخسر الإنسان حياته الدنيوية والأخروية قال تعالى :{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (سورة العصر) ، وقال الشاعر: لعمرك ما الإنسان إلا بدينه *** فلا تترك التقوى اتكالاً على النسبْ فقد رفع الإسلام سلمانَ فارسٍ *** وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّرِيْفَ أَبَا لَهَبْ مجاوزة لحدود الله وفي السياق ذاته ينوه أبو سعيد أن هناك آثار للسرف التي تنعكس على الدين سلبا أبرازها لنا في النقاط الآتية: 1 - أن في السرف مجاوزة لحدود الله التي حدها وفرضها، وقد قال الله جل جلاله: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .(البقرة: 229) ووجه كون السرف تجاوزا لحدود الله، أن الله تعالى نهى عنه في آيات كثيرة، وعلى لسان رسوله ، وحسبنا قوله سبحانه: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.(الأنعام: 141، والأعراف: 31) ، والمسرف مرتكب للنهي، فيكون قد تجاوز حدود الله التي حَدَّها، وهي الاعتدال والتوسط. 2- الإسراف والتبذير كفر بنعمة الله، وطغيان في الأرض، قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}. (الإسراء: 27) 3- متابعة الشيطان ومؤاخاته قال سبحانه: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} .(الإسراء: 26 - 27) 4- تعريض المسرف نفسه للعقوبة الدنيوية ، أو الأخروية، أو كليهما، قال سبحانه: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلا} (القصص : 58)، وقد قص الله سبحانه في كتابه ما فعله قارون من جمع للمال، وكنـزه له، ومنعه حقه وزهوه به، ثم نتيجة ذلك: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ}.(القصص: 81) 5 - الحرمان من التوفيق والهداية الإلهية، يقول سبحانه على لسان مؤمن آل فرعون في سياق دفاعه عن موسى : {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}. (غافر: 28) 6 - المساءلة بين يدي الله تعالى، فعن أبي برزة الأسلمي قال: قال : «لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟» رواه الترمذي وغيره،ومن نوقش الحساب هلك، يؤكد ذلك قوله سبحانه: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [ التكاثر:8] ، وقد اختلف من المسؤول هنا أهو المؤمن أم الكافر، وأي شيء هو النعيم؟ قال في مفاتيح الغيب: "والحق أن السؤال يعمُّ المؤمنَ والكافر عن جميع النعيم، سواء كان مما لا بد منه أو لا؛ لأن كل ذلك يجب أن يكون مصروفا إلى طاعة الله لا إلى معصيته، فيكون السؤال واقعا على الكل". أسباب غرق القلب وعن الآثار النفسية للإسراف يوضح أبو سعيد أن هناك آثار سلبية تنعكس على المسرف في نفسه وقلبه، ومن ذلك: 1 - قسوة القلب وإعراضه عن الحق، باتباع الشهوات والملذات؛ فالقلب كلما غرق في لذة ابتعد عن الله وأمره، قال ابن القيم: "فإنها تضعف سيره إلى الله والدار الآخرة وتعوقه وتعطفه عن السير فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة " ، ويؤكد أبو سعيد أن الإسراف في الإنفاق من أهم أسباب غرق القلب في اللذة والغفلة والإعراض، ورحم الله عبد الله بن المبارك إذ يقول: رَأَيتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ *** وَقَد يُورِثُ الذُّلَّ إِدمَانُهَا وَتَركُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوبِ *** وَخَيرٌ لِنَفسِكَ عِصيَانُهَا ولله ما أصدق سفيان الثوري إذ يقول: "إياكم والبِطْنة فإنها تقسي القلب". 2 - إن الإسراف من أهم دواعي الشر والإثم ؛ فالنفس بدون زمام تنساق وراء الشهوات متى كانت المادة متوافرة وليس عليها حصانة، وأبرع بيت قيل من قديم الشعر، قولُ أبي ذؤيب: والنفسُ راغبةٌ إذا رغبّتها *** وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تقنعُ أو كما يقول الآخر: والنَّفْسُ كَالطِفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى *** حُــبِّ الرَّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِــمِ ورَاعِهَا وَهي في الأعْمَالِ سَائمــةً *** وَإِنْ هِيَ اسْتَحْلَتِ المَرْعَى فلا تُســِمِ كَـــمْ حَسَّــنَتْ لَــذَّةً لِــلْمَرْءِ قَاتِــلَةً *** مِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْرِي أَنَّ السُّم في الدَّسَمِ 3 - والإسراف من أسباب تأصل الأثرة والأنانية في الإنسان، بحيث يكون همُّه الوحيد إرضاءَ نفسه باتباع الشهوات، والبذلَ في سبيل ذلك بدون حدود أو قيود، أما غير نفسه فهو نسي منسي، حتى وإن كان من ذوي رحمه. 4 - أن الإسراف وسيلة إلى الترف، وهما وسيلة إلى الفخر والكبر والمخيلة. يقول ابن حجر: "وقد يستلزم الإسراف الكبر وهو المخيلة" .(فتح الباري 10/253) 5 - وتناول المخدرات والمسكرات - وهي من أبشع صور الإسراف - يذهب بالعقول ، ويضعف التفكير ويحمل النفس هموما وكربات عظيمة، وقد جمع الله كل هذه المعاني تصريحا أو تلويحا في هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}.(المائدة: 91) 6 - أن الإنسان بإسرافه وتنعُّمه يألف الراحة والخمول، ويحب الإخلاد إلى الأرض والاطمئنان إلى المادة والتعلق بها، ومن ثم فإنه لا يتحمل المصاعب أو المصائب، ولا يثبت في مواقف الابتلاء والاختبار. الإسراف والسرور وعرج الشيخ أبو سعيد على الآثار الاجتماعية الناجمة عن الإسراف مبيناً أنه من المعلوم أن الإسراف منه ما هو تصرفات فردية، ومنه ما هو تصرفات جماعية، ولكل منهما آثاره السلبية على المجتمع؛ لأنه من الآثام والجرائم التي تتعدى إلى المجتمع مهما كانت فردية، ومن هذه الآثار: 1 - كسر قلوب الفقراء والمساكين والبؤساء الذين لا يكادون يحصلون على ما يسد حاجاتهم إلا بمشقة ، فإنهم عندما يرون هذه الأموال المبذرة المصروفة في غير وجوهها المشروعة، تنقبض نفوسهم، وتضيق صدورهم، وتنكسر قلوبهم، وربما تمتلئ قلبهم حقد على الأغنياء والمسرفين، وهذا خلاف مقاصد الشرع الحكيم، الذي يأمر بمواساتهم وجبر قلوبهم، قال عز وجل: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}. [ الضحى .9، 10] ، أجل ؛ فالإسراف وإدخال السرور على المسلم قلما يجتمعان . 2 - حرمان المستحقين من هذا المال الفائض الذي يبذر ويهدر في غير ما حاجة ، أو مصلحة . 3 - إن الإسراف فيه إذكاء للبغضاء والشحناء بين طبقات المجتمع (الأغنياء والفقراء). 4 - إن الإسراف والبذخ طريقان إلى الترف، والترف يؤدي لا محالة إلى زوال الأمة، كما قال الله جل جلاله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء: 16)، وقال: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}. (الأنبياء: 11 - 13) المال عصب الحياة وتطرق الشيخ فؤاد إلى الآثار الاقتصادية للإسراف قائلا : ما دام الحديث عن الإسراف في الأموال والنفقات؛ فإنه سيكون له آثار سلبية على الجانب الاقتصادي لا محالة ، موضحاً خلال حديثه أن الاقتصاد ينتظم العلاقات المادية الداخلية ، والخارجية للأمم والدول، كما يدخل فيه التنظيم المالي للأسرة ، ولعل من أهم الآثار: 1 - إهدار الأموال وإضاعتها فيما لا يحقق مصلحة للفرد أو الجماعة؛بل ربما ترتب عليه مفاسد، ومعروف أن المال عصب الحياة، قال سبحانه: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (النساء: 5) ، وهو أمانة بيد الإنسان ومستخلف فيه يجب عليه أن يقوم بها على الوجه الصحيح، وإلا كان أحد الخائنين. قال سبحانه: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} . (الحديد: 7) 2 - أن تبذيرَ الأموال وإضاعتَها خسارةٌ فادحة على الأمة المسلمة، فإنها ثروة عزيزة تقوي جانب الأمة وتشيد حضارتها ؛ فالمقصد الشرعي أن تكون أموال الأمة عدة لها وقوة، لابتناء أساس مجدها، والحفاظ على مكانتها، حتى تكون مرهوبة الجانب، مرموقة بعين الاعتبار، غير محتاجة إلى من قد يستغل حاجتها؛ فيبتز منافعها ويدخلها تحت نير سلطانه". (التحرير والتنوير لابن عاشور 15/79). 3 - وينتج عن التبذير اهتزاز اقتصاد الدولة المسلمة وتدني مستواه، وربما أصيبت ميزانيتها بعجز كبير، وهبطت عملتها إلى مستوى الحضيض، الأمر الذي يؤدي إلى التضخم، ومن ثم ترتفع الأسعار ويعم الغلاء، وينخفض سعر العملة في الخارج ، وتنـزح رؤوس الأموال خارج البلاد. 4 - إن الإسراف سبب لنـزع البركة في المال ، فإن تبذيره تضييع له، وهيهات البركة مع الضياع، والفقر هو المحصلة النهائية، ولو أن الفقر كان موجودا من قبل لهان الأمر، قال المعري: وكثرةُ المالِ شغلٌ زادَ في نَصَبٍ *** وقلة منه معدــولٌ بها التــلفُ والفــقرُ أحمــدُ من مــالٍ تُبَــذِّرُهُ *** إِنَّ افتــقارَكَ مأمونٌ به السرفُ الآثار البدنية وخلال حديثه بين الآثار البدنية (الصحية) للإسراف قائلا :تعود كثير من آثار الإسراف إلى الإنسان في بدنه، وبالأخص فيما يتعلق بالأغذية والأدوية، فإنه متى أسرف في استعمالها أصيب بعلل كثيرة ، مشيراً أنه بعض أهل الاختصاص يذكر هنا أن الأسباب تعود إلى شيء واحد هو: الشره، وهو شدة الحرص على الطعام والتعلق به، وقد يكون سبب ذلك عضويا وقد يكون نفسيا. فالنفس وما تعتاده، وكما يقول الشاعر: النَفسُ إِن أَتبَعتَها هَواها *** فاغِرَةٌ نَحوَ هَواها فَاهَا ويقول حاتم: وَإِنّي لأَستَحيِيَ رَفيقِيَ أَن يَرى *** مَكانَ يَدَيَ مِن مَوضِعِ الزَادِ بَلقَعا وَأَنتَ إِذا أَعطَيتَ بَطنَكَ سُؤلَهُ *** وَفَرجَكَ نالا مُنــتهى الذَمِّ أَجمَــعا موضحا خلال حديثه أنه لعل من أهم أسباب الشره:- 2 - اضطراب حياة الفرد الانفعالية، فكما يكون الشره ظاهرة للحرمان، كذلك يمكن أن يكون ظاهرة للتدليل. 3 - الهرب من الواقع الأليم - الذي قد يصيب الإنسان أحيانا- فيحاول التفريج عن نفسه بالأكل والشرب بدون وعي بالعواقب. 4 - حب الملذات والشهوات والتعلق بها. 5 - تقليد الآخرين ومحاكاتهم ؛ فالمرء من جليسه، فمن جالس أهل الشره والنهم تابعهم ولو مجاملة. أما الآثار البدنية فمن أهمها:- 1- إجهاد الجهاز الهضمي - وعلى الأخص المعدة- مما يترتب عليه ظهور القرحات في أحد أعضاء الجهاز، وعسر الهضم، واحتقان الكبد، وتوسع المعدة، ومصاعب كثيرة لا حصر لها، ولذا قال : «مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ؛ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ». حديث حسن 2 - الإصابة بأمراض الدُّوار، وأمراض القلب والأوعية ومرض السكر. 3 - الإسراف يسبب البدانة أو البِطنة، ذات المضاعفات الخطيرة كالسكر، وارتفاع الضغط، وأمراض الشرايين، وتشكل الحصى في الكلية والمرارة، والتهاب المفاصل التي تنوء بحمل الجسم، وأرطال الدهون المتكدسة، كما تزيد العبء على القلب والدورة الدموية. ورحم الله عمر بن الخطاب إذ يقول: "إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما؛ فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف، وأن الله ليبغض الحبر السمين". كما يقول الشاعر : أقلل طعامك ما استطعت فإنه *** نفع الجسوم وصحة الأبدان لا تحش بطنك بالطعام تسمنا *** فجسوم أهل العلم غير سمان لا تتبع شهوات نفسك مسرفا *** فالله يبغض عابدا شهواني ولنعلم أن ما يزيد عن حاجة الجسم من ذات الوجبة الغذائية يتحمله الجسم. 4 - وللإسراف في الأكل والشرب مضار أخرى، ولا سيما في شهر رمضان، فإنه ينتج عنه بطء في الحركة، والإحساس بالخمول والكسل، والإصابة بالإرهاق؛ نتيجة إرهاق الكبد وبقية أعضاء الجهاز الهضمي. 5 - وحيث إن الإسراف سُلَّم إلى الترف؛ فإن هذا الثاني يؤثر في صحة صاحبه وصحة أولاده، حتى ليجد المرء أمراضا جسدية مستعصية أحيانا، يقال لها: أمراض الأغنياء. علاج السرف وفي السياق ذاته بين الشيخ أبو سعيد علاج مشكلة السرف أولا: بالوسائل الشرعية، وهي ما كان ذا صبغة دينية محضة. فمن هذه الوسائل: * المسجد : فهو محل الصلاة، والذكر، والتلاوة، والتعليم والمشاورة، وهو في المدينة بمثابة القلب من الجسد، فهو مركز الحياة الحقيقية. * المنبر: وهو محل الخطابة وإلقاء المواعظ ، والخطبة ذات شأن كبير في ميزان الإسلام ، فقد شرعت في مواقف ، ومناسبات كثيرة، ومن أهمها: يوم الجمعة، يوما العيدين، وقت صلاة الاستسقاء، وقت صلاة الكسوف، بالإضافة إلى مناسبات أخرى غير محددة ، وقد كان يخطُب في تلك المناسبات، وغيرها. * حلقات العلم والمدارس، ممثلة بالمعلم أو الشيخ، وبالمنهج الدراسي. * الجليس الصالح؛ فالمرء من جليسه، كما في الحديث: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» رواه أبو داود، والترمذي. * الوسائل الإعلامية من المقروءة؛ كالصحف ، والمجلات، ومن المسموعة؛ كالإذاعة، ومن المرئية؛ كالتلفاز. وقد اكتسبت هذه الوسائل أهمية خاصة، نظرا لتنوع مادتها، واعتمادها على أسلوب الإثارة، وكونها تخاطب الناس كافة، على اختلاف أذواقهم وعقولهم وميولهم، وأعمارهم وأجناسهم، ولغاتهم وأديانهم. * الوسائل الذاتية: ويقصد بها هنا: المصادر الشخصية الموجودة في ذات الإنسان. فإن الإنسان بما رُكب فيه من عقل، وما مُنح من قوة التفكير، ودواعي الفطرة، هذا فضلاً عن الإيمان عند المسلم، كل ذلك يجعل الإنسان يؤثر من خلال نفسه على نفسه، ويغير من سلوكياته تلقائيا. أساليب العلاج وأكد الداعية أبو سعيد أن لكل مشكلة حل وعلاج فكان لابد من معرفة أساليب علاج الإسراف مبينا أن المقصود بالأسلوب؛ الطريقة والكيفية، قائلاً : إذا كانت قد تختلف وجهات النظر في تحديد الأساليب نظرا لكونها محل اجتهاد ، فإن من أهمها في تقديري ما يأتي : 1- تشخيص الداء ووصف الدواء المناسب، فربُّ الأسرة مثلاً حينما يلحظ من أحد أفرادها تبذيرا فإن عليه أن ينظر بعين ثاقبة في الأسباب والدواعي للتبذير، فقد تكون بسبب حب هذا المبذر للمظاهر والمفاخرة والتعاظم أمام الأقران. وكذلك العالم - وهو يعايش هذه المشكلة المتفشية بين الناس- فعليه قبل أن يصدر الحكم الشرعي فيها أن يدرسها من سائر أطرافها وملابساتها، ثم يصدر الحكم؛ لأنه يعلم أن فتواه تؤخذ بعين الاعتبار، وُيعمل بها تعبدا لله وامتثالا لشرعه. 2- القدوة الحسنة: جاء في صفات عباد الرحمن أنهم يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان: 74)، أي أئمةً يقتدى بهم، دعاةً إلى الخير، وذلك رغبة منهم في هداية الآخرين، ولنأخذ هذه الأمثلة: قال يسار بن نمير: سألني عمر بن الخطاب : كم أنفقنا في حجتنا هذه؟ قلت: خمسة عشر دينارا - أو سبعة عشر دينارا- فقال: قد أسرفنا في هذا المال، هكذا يحاسب عمر - وهو الخليفة- نفسَه على الإنفاق من بيت المال. 3- التربية: وهي تتم برعاية الإنسان في عقله وقلبه ونفسه، حتى يشتد عوده، بالرسوخ في العلم، والخشية من الله، وتمثل الفضائل، ثم متابعة هذا الإنسان مستقبلا، كيلا يضل السبيل، وربى الجيل الأول على الوسطية والاعتدال، في شأنهم كله ونهاهم، عن الغلو والإفراط والإسراف ، فكان يقول: «إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين»صحيح على شرط مسلم ، ويقول: «عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا». صححه الألباني 4- الترغيب والترهيب : وهذا بالنسبة لمن بيدهم زمام الإرشادات الخلقية والدينية (الشرعية) من العلماء والأمراء، والدعاة ،والمحتسبين ، والمربين ،والآباء ، وغيرهم ، فمن أجل أن يكون لعملهم الإرشادي ،والتوجيهي ثمرة ظاهرة في الناس؛ لا بد من استعمال أسلوب الترغيب والترهيب، تطبيقا للقرآن العظيم، واقتداء بسنة رسوله الكريم ، الزاخرين بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد . أما القرآن فذو صبغة ترغيبية وترهيبية واضحة، ففي جانب الترغيب قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. (الزمر: 53) ، وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.(الفرقان: 67) ، وقد جاء ذلك في سياق صفات عباد الرحمن وسماتهم المتميزة وما أعد الله لهم من نعيم: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} (الفرقان: 75-76) ، وأما السنة النبوية فهي كذلك ذات صبغة ترغيبية وترهيبية أيضا، وإن اختلفت صيغتها وكَمِّها عن القرآن ففي مقام الترغيب نجد مثل ذلك : «أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا ، فأسلم ، فكان يأكل أكلا قليلا ، فذكر ذلك للنبي فقال : إن المؤمن يأكل في معي واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء » متفق عليه ، ويقول: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة؛ فلا يزن عند الله جناح بعوضة».صححه الألباني وهكذا نرى أن للترغيب والترهيب مكانا فسيحا في الكتاب الكريم، وسنة النبي . 5- الإنكار: أي أن الإنكار يسير بالتدريج؛ بدءا بالتلطف، وانتهاء بالتعنيف والشدة، على أن لا يترتب على الإنكار منكر أعظم أو مساوٍ، قال ابن تيمية: " فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته؛ لم تكن مما أمر الله به، وإن كان قد تُرك واجب، وفُعل محرمٌ؛ إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباده، وليس عليه هداهم" مظاهر التبذير وفي ختام حديثه أكد الشيخ فؤاد أبو سعيد أنه لا بد من التنويه إلى أن من الإسراف؛ التصنع والتكلف في الولائم، والأفراح والمناسبات، التي تقام في رمضان وغيره، قال سبحانه:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (سورة ص: 86)،يقول الزمخشري عند تفسير هذه الآية: "أي الذين يتصنعون ويتحلَّون بما ليسوا من أهله، وما عرفتموني قط متصنعا، ولا مدعيا ما ليس عندي، حتى أنتحل النبوة وأدَّعي القرآن"، وفي الحديث الصحيح: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور». متفق عليه فذا يقيم فرحا من الأفراح، في أفخر الفنادق أو الصالات، بما يكلفه مائة ألف أو يزيد، ويتكلف في إبراز مظاهر التبذير بصورة تدعو للأسف؛ بل قل: إلى استفزاز أهل العسرة وأهل الغيرة. قائلا أن "جملة القول هنا: أن تكلف الإنسان وتظاهره أمام الناس بصورة غير حقيقية ولا واقعية أمر مذموم وغير سائغ، ولا سيما إذا كان في ذلك محاكاة لأهل الطغيان ،والفجور، وأهل الترف والأشر والبطر.
1 - بعض الحالات المرضية الجسمية؛ كالإصابة بالديدان المعوية، والداء السكري والسل الرئوي، وبالنسبة لكثرة العطش فإن من أسبابه : الإسهال المزمن، والتعرق الشديد، وزيادة ملح الطعام.