بعد أن عانت المجتمعات من ظهور العديد من الأمراض والتشوّهات الخلقية لدى الأطفال، أصبح الحصول على إذن طبي من شروط إتمام الزواج في كثير من الدول العربية، فالأهل اليوم يوافقون على المتقدم زوجاً لابنتهم لكنهم يضطرون لتأجيل إتمام أيّ عقد حتى تظهر نتيجة الفحص الطبي.
ولكن هناك الكثير من الأمراض "النفسية" التي تنهار بسبّبها المؤسسة الزوجية كل يوم، وهذه الأمراض تحتاج أيضاً إلى تشريع مجتمعي يرفع شعار"الوقاية خير من العلاج" ويبدأ بتأهيل المقبلين على الزواج على التوازي مع القيام بإيجاد حلول للمشكلات الموجودة بالفعل..
ماذا نعني بالتأهيل ؟
إنَّه العمل على توعية المقبلين على الزواج بماهية الزواج وتبعاته وتكاليفه، ومنحهم المعارف والمهارات المتعلقة بالتعامل مع شريك الحياة والتفهم لأنماط الشخصية المختلفة، والتأكيد على سمات وأخلاق مهمَّة كالصَّبر والتحمل وسعة الصدر، ومهارات لا تقل أهمية كالحوار والاحترام وغيرها.
تظهر العديد من الدراسات في الوطن العربي أنَّ ازدياد نسبة الطلاق بين الشباب سببها الأول هو عدم القدرة على تحمل المسئولية من قبل الشاب، وعدم تحمل سلطة الرجل من قبل الفتاة، ولعل ذلك يعود لعدة أسباب من أهمها الكيفية التي تربي بها العائلات أبناءها اليوم من حيث توفير كافة المتطلبات بحيث لا يشعر الشاب بمسئوليته تجاه أي شيء، وبالحرية شبه المطلقة في الاختيار والقرار بحيث تشعر الفتاة بأن مجرد حصولها على إذن من زوجها لتخرج إلى أي مكان هو إهانة لها وتعدٍ على حريتها الشخصية...تبدأ المشكلة هنا..ثم تتفاقم حين ينتصر أهل الزوج لابنهم، وينتصر أهل الفتاة لحق ابنتهم وتكبر وتكبر إلى أن تنتهي بالطلاق..في حين كان من الممكن أن يتم تأهيل هذيْن الشابيْن قبل الزواج ليعرفا أبجديات الحياة الزوجية المتعلقة بحسن الاختيار وحسن التعامل وحسن التحمل.. كل مؤسسة تطلب معايير محددة للكفاءة والأهلية للالتحاق بها إلاَّ مؤسسة الزواج يدخلها كل من يليق بها أو لا يليق، وهذا ما نقطف ثماره علقماً في مجتمعاتنا اليوم!
نماذج مضيئة..
ولعلَّ صحوة مجتمعية تقودها بعض المؤسسات الواعية بدأت تبث خيرها في بعض البلاد العربية، ومنها على سبيل المثال تجربة مؤسسة التنمية الأسرية في إمارة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تقوم هذه المؤسسة بعقد دورات تأهيلية لشباب وفتيات الجامعات المقبلين على الزواج لتبصيرهم بأهم مقومات الزواج الناجح المبني على الاختيار الصحيح في الوقت الصحيح وليس الزواج المنعقد على فورة شبابية أو ضغط عائلي.
إنَّ مثل هذه التجربة جديرة بأن يُشاد بها، وأن يتم نقلها إلى الدول الأخرى بالإضافة إلى أهمية دراسة آثارها في التخفيف من نسب الطلاق بين المتزوّجين حديثاً من الشباب..
كذلك نجد أيضاً حملات إعلانية في دولة الكويت تحت شعار "الزواج أولى" وهي حملة تهدف إلى مخاطبة الشباب العازف عن الزواج اليوم لاستمتاعه الشخصي بحياته ورفاقه وأسفاره، لتؤكد على أهمية الزواج وأولويته في خطط الإنسان المستقبلية. هذه بالإضافة إلى جهود العديد من المؤسسات التدريبية الخاصة في عرض الدورات التدريبية التأهيلية التي تعمل على توسيع الأفق وزيادة المعارف واكتساب المهارات النفسية والاجتماعية للنهوض بالمؤسسة الزوجية إلى أرقى صورة.
دعوة مزدوجة..
إنَّها دعوة إليك عزيزي الشاب، وعزيزتي الفتاة، لا تقولا لقد تزوج آباؤنا من قبلنا وإنَّا على هديهم سائرون، فظروف الحياة ومتطلباتها، وانعكاسات التطوّر والانفتاح والعولمة، قد ألقت بظلالها على أنفسنا وأفكارنا وامتدت أياديها إلى تفاصيل حياتنا ممَّا يجعلنا بحاجة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، لنتعلم كيف يمكن أن نقود سفينة الزَّواج بأمان..
ودعوة أخرى للمؤسسات الحكومية المعنية والمؤسسات الخاصة المهتمة، أن يقدّموا للشباب ما يعينهم على أمور حياتهم الزوجية، فكل مؤسسة تطلب معايير محددة للكفاءة والأهلية للالتحاق بها إلاَّ مؤسسة الزواج يدخلها كل من يليق بها أو لا يليق، وهذا ما نقطف ثماره علقماً في مجتمعاتنا اليوم!
________________
بصائر