لكل نظام أي كان شكله ونوعه وطبيعته سواء كان تعليميا أم غير تعليمي فلسفة خاصة به، ولكل فلسفة مبادئ وأسس، ولكل مبدأ أو أساس نظرية تبنى عليه، ولكل نظرية فرضية، ولكل فرضية رؤية، ولكل رؤية زاوية أو منظور ينظر منها أو منه إلى الشيء المستهدف سواء كان مفهوما ماديا أم معنويا. وللتعليم الإلكتروني فلسفته الخاصة المبنية على مبادئ تكنولوجيا التعليم، وما ترتبط به من نظريات تربوية وعلمية مثل نظريات التعليم والتعلم، ونظريات مدخل النظم، وعلم الاتصال ومفهومه ومبادئه وقنواته السمعية والبصرية وغيرها من القنوات الفاعلة المتوافقة مع الموقف التعليمي، والمتعلقة بخصائص المتعلم في المقام الأول.
وتتضح فلسفة التعليم الإلكتروني في خصائصه وسماته المنعكسة في مفهومه المستخلص من الأدبيات التربوية، ومن أعمال كل من العبادي (2002)، وتشرشيل (2002)، والموسى، والوائلي، والتيجي (2005)، والذي يصف التعليم الإلكتروني بأنه بيئة تعليمية تفاعلية مرتبطة بالكمبيوتر، وتتمركز حول نشاط المتعلم، مما يصبغها بالفردية في المقام الأول، والاعتماد على الذات في التعلم، وذلك بتعزيز مبادئ تفريد التعليم، والتعليم المبرمج، والتعلم المفتوح، والتعلم عن بعد، والتعليم بمساعدة الحاسوب، والتعلم المعتمد على الانترنت، وغيرها من مبادئ التفريد الهادفة إلى التعلم للإتقان في نهاية المطاف. وتأسيسا على هذا، فتوصف بيئة التعليم الإلكتروني وطبيعته وفقا لــ خان (2005) Khan، وترجمة كل من الموسوي، والوائلي، والتيجي (2005)، بأنها مفتوحة، ومرنة، وموزعة.
واستنادا إلى ما سبق، ورغم وضوح المعنى العام للتعليم الإلكتروني من خلال التعريف السابق، إلا أنه لازال هناك لبس وخلط في معنى المفهوم عند الكثير من الناس بما فيهم التربويين. فالكثير منهم يميل إلى ربط هذا النوع من التعليم (التعليم الإلكتروني) بالأجهزة التعليمية، والكمبيوتر، وشبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، وغيرها من المستحدثات التكنولوجية، وما يرتبط بها من إلكترونيات، وأجهزة، وأدوات، ومواد سمعية بصرية، ووسائط تكنولوجية متعددة، وغيرها، وليس هذا فحسب بل حصر مفهوم التعليم الإلكتروني في هذا الإطار تحديدا، وعدم إخراجه منه لأي سبب من الأسباب. وهذه نظرة قاصرة لأن التعليم الإلكتروني في الواقع، وفي ضوء التعريف السابق، ليس كذلك، فهو ليس مجرد تعليم يقوم على العرض الإليكتروني للمادة العلمية، بل هو تعليم له أساسه العلمي، وفلسفته النظرية التي يقوم عليها .. وحتى لو تمحور حول طرق العرض الإليكترونية. ففلسفة التعليم الإليكتروني الخاصة .. تقوم في الأساس .. على مبادئ تكنولوجيا التعليم الناجمة عن التطبيق العملي للعلوم التربوية أو النظريات التربوية، والتي تنصب على المادة العلمية ومدى توافقها مع خصائص الجمهور المستهدف، مراعية في ذلك مبادئ نظريات الاتصال، ومكوناتها، وأسسها وعناصرها الأساسية كما سبقت الإشارة، والتي في الحقيقة لا تغفل بأي حال من الأحوال الثقافة المشتركة بين طرفي الاتصال المتمثلين في المرسل والمستقبل، مما يساعد على تحديد نوع قناة الاتصال المناسبة للموقف التعليمي، والمتوافقة مع خصائص جمهور الاتصال المستهدف بطرفيه المرسل والمستقبل/ أو المعلم والمتعلم في مواقف الاتصال التعليمية، وذلك انطلاقا من أحد مبادئ جون ديوي التي تنص على أن "عملية الاتصال هي المشاركة في الخبرة بين طرفي الاتصال" (نجاح النعيمي، علي عبد المنعم، ومصطفي عبد الخالق، 1995).
وليس هذا فحسب، بل تعتمد عملية الاتصال كذلك على ثقافة الجمهور التكنولوجية، ومدى الألفة بينهم وبين وسائل وقنوات الاتصال التكنولوجية المستخدمة في تفعيل هذا النوع من التعليم مثل الانترنت Internet، وأساليب الإبحار في مواقعها، وطرق البحث والتوصل إلى نتائج للبحث عبر ما يسمى بمحرك البحث Search Engine، وطرق التعامل مع البريد الإلكتروني E-Mail، بمعنى أنه لو لم تراع هذه الأمور عند تصميم برامج التعليم الإلكتروني، لربما تكون النتيجة غير مرضية على الإطلاق، مما يعنى أن الهدف من تصميمه لم يتحقق، وبذلك لا يكون التعليم الإلكتروني فاعلا وملبيا لطموحات المصمم والمتبني له من ناحية، وغير مناسب للموقف التعليمي المصمم لأجله من ناحية أخرى.
وفي هذا الصدد، ومن المنظور نفسه، يسأل خان Khan (2004)، زميلا له في الميدان التربوي عن حاله مع التعليم الإلكتروني، وكيف تسير الأمور معهم في مؤسستهم التعليمية؟ وهل لديهم تعليم إلكتروني؟ فيرد الزميل قائلا: نعم .. لدينا تعليم إلكتروني، ولدينا نظام إدارة بيئة التعلم Learning Management System (LMS)، فيقول خان معلقا على جواب زميله: إن وجود نظام إدارة بيئة التعلم (LMS)، لا يعني بالضرورة أن لديكم تعليما إلكترونيا فاعلا أو ذا معنى يعكس المعنى الحقيقي للتعليم الإلكتروني، وذلك لأن نظام التعليم الإلكتروني الفاعل لابد أن يكون فاعلا لجميع المساهمين في العملية التعليمية بما فيهم المعلمين والهيئة التدريسية، ومجموعة الدعم المؤسسي، والمؤسسة نفسها كما هو فاعل ومفيد للمتعلم نفسه وبنفس درجة الفاعلية. ويضيف خان بقوله: يكون نظام التعليم الإلكتروني فاعلا للمتعلم على سبيل المثال عندما يكون سهل الوصول إليه، مصمما بشكل جيد، ومتمركزا حول المتعلم، ومحتملا ومطاقا، وفعالا، ومرنا، وله بيئة تعليمية ميسرة. كما يكون النظام فاعلا للمعلم والمتعلم عندما يتمكن المتعلمون من عرض مستو عال من المشاركة والأداء والنجاح في تحقيق أهداف المقرر. ويكون النظام فاعلا عندما يشعر الداعمون للنظام بالسعادة لأنهم قدموا خدمات تعليمية مرضية وميسرة، ودون عوائق أو صعوبات تذكر، وملبية في نفس الوقت لاحتياجات المتعلمين، ومحققة لأهداف المعلمين. كما يمكن لنظام التعليم الإلكتروني أن يكون فاعلا عندما تستشعر المؤسسة التعليمية رضا المتعلمين واستمتاعهم بالنظام وتفاعلهم مع بيئته التعليمية.
ولذا، فنجاح نظام التعليم الإلكتروني وفاعليته في المؤسسة التعليمية، لا يقتصر على الإعداد المادي والمكاني للبيئة التعليمية، أو وجود نظام إدارة بيئة التعلم LMS، من عدمه كما أشار خان Khan (2004) آنفا، بل يتعدى ذلك ليشمل أمورا أخرى كثيرة تتعلق بالتصميم والإعداد العلمي والفني لهذه البيئة مع مراعاة الأسس التربوية والنفسية للجمهور المستهدف. كما ينبغي أن تصمم هذه البيئة فنيا في ضوء مبادئ علم الاتصال، ونظريات علم النفس (التعليم والتعلم)، ونظريات مدخل النظم الأنفة الذكر. وذلك لضمان توافق هذه البيئة التعليمية مع خصائص المتعلمين، بحيث تكون ملبية لاحتياجاتهم وطموحاتهم النفسية. وبغير ذلك، وفي غياب هذه الأمور، أو بعضها، لربما يستعصى ضمان نتيجة جيدة ومرضية للأطراف المعنية. وخير مثال على ذلك ما حدث مع كل من فرنك، وريج، وهمفيرز Frank, Reich, & Humphreys (2003)، حيث توصلوا في دراستهم المتعلقة بالتعلم عن بعد Distance Learning ، وعبر البريد الإلكتروني .. إلى أن التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم ما بين 11- 12 وجدوا صعوبة في التعلم من خلال هذا الأسلوب، حيث أن هذا النوع من التعليم لا يتناسب مع خصائصهم، ولا يتوافق مع قدراتهم، ولا يلبي احتياجاتهم، ولا يتناسب مع ثقافاتهم ومهاراتهم التكنولوجية حيث لوحظ أنهم يفتقرون إلى مهارات التعامل مع الإنترنت والبريد الإلكتروني. كما تبين عدم توافق البرنامج مع اهتمامات المتعلمين من جهة أخرى. والدليل على ذلك ظهر من خلال ما حصل عليه الباحثون في هذه الدراسة من نتائج تمثلت في تعليقات التلاميذ أنفسهم (عينة الدراسة) وتعليقات آبائهم وأولياء أمورهم. فقد أشارت النتائج إلى وجود صعوبة عند بعض التلاميذ في التعلم عبر البريد الإليكتروني مما استدعى إلى الاستعانة بالآباء أو أولياء الأمور للمساعدة في حل الواجبات المنزلية. وهذا بالطبع فرض الحاجة إلى وجود المعلم مع هذه الفئة من المتعلمين، لدرجة أن بعض التلاميذ اقترح على معلم المادة أن يزوره في البيت ليشرح له كيف يمكن التعامل مع هذا البرنامج من خلال البريد الإلكتروني.
ويستخلص مما سبق أن فلسفة التعليم الإلكتروني قائمة على أسس علمية بحتة تتمثل في مبادئ تكنولوجيا التعليم المتمركزة في المقام الأول على تفريد التعليم والتعلم الذاتي المعني بتقديم تعليم يتوافق وخصائص كل متعلم، مما يعني الفردية والتفاعلية والحرية، والتعلم القائم على سرعة المتعلم في التعلم، والهادفة في نهاية المطاف إلى الإتقان في الأداء، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف، ومن قبل أكبر عدد ممكن من المتعلمين تصل نسبتهم إلى 90% وتتجاوزها في كثير من الأحيان.
المصدر: