حرب الفيروسات الالكترونية
بقلم: عبدالحميد حسن شقير
مجلة الحرس الوطني
الكمبيوتر المحمول
يرجع السبب في تسمية برامج الحاسوب الملوثة والمستعملة في حرب الوحدات المركزية، باسم الفيروسات لأنها تماثل في آلية عملها نظيرتها التي تصيب الكائنات الحية والمعروفة باسم "الفيروسات البيولوجية" فالفيروس البيولوجي يستطيع السيطرة على آلية عمل الخلية الحية ويبرمجها لتصنع له آلاف النماذج المطابقة للفيروس الأصلي، وبالمثل فإن فيروس الكمبيوتر Virus Computer يقوم بنفس الدور، حيث يحمل ضمن تعليماته الخطة اللازمة لصنع نماذج لا حصر لها، ومطابقة تماماً. وبمجرد دخوله إلى ذاكره الحاسوب يقوم بالتحكم المؤقت في نظام التشغيل والتحكم، ويأخذ في التكاثر الذاتي. وبمجرد اتصال الحاسب المصاب بالفيروس مع برنامج آخر سليم، فإن نسخة جديدة من الفيروس تنتقل إليه، وهكذا يمكن أن تنتشر العدوى الفيروسية من حاسب لآخر في شبكة المعلومات من خلال تبادل البرامج عبر خطوط الهاتف.
وحيث إن هذه الفيروسات تكون قادرة على الانتقال بسرعة هائلة تعادل سرعة المحادثة الهاتفية، فإن الواحد منها يمكن أن يظهر في لمح البصر في العديد من الحاسبات التي تبعد بعضها عن بعض بمئات الكيلو مترات . وظهر مؤخراً نوع جديد من فيروسات الكمبيوتر البالغة الخطورة يطلق عليها (الفيروسات الرجعية) وهي مصممة بحيث تظهر من جديد في تعليمات البرنامج بعد مسح ذاكرتها تماماً، كما أن هناك فيروسات أخرى تصيب أجهزة الحاسب نفسها فتعجل من سرعة وحدة قراءة الأقراص الممغنطة، مما يؤدي إلى سرعة إتلافها ومن ثم توقفها عن العمل.
الفيروسات في الحاسبات العسكرية
بالرغم من أنه لم يثبت حتى الآن استخدام فيروس الكمبيوتر في الأعمال العسكرية، إلا أنه ليس من المستبعد استغلال هذا السلاح في الحروب القادمة، وقد يكون ذلك في أحد المجالات الآتية:
1- اختراق نظم الحاسبات بغرض الحصول على المعلومات والبيانات السرية ذات الأهمية الخاصة بالعمليات العسكرية، وذلك عن طريق زرع فيروس له القدرة على سرقة كلمات الكود المستخدمة في النظم، وعن طريقها يمكن الوصول إلى المعلومات الحساسة وتخزينها في أحد الملفات السرية بالحاسب حيث يمكن لزارع هذا الفيروس استخدام المعلومات عند الحاجة إليها، ويعد ذلك من أخطر أنشطة التجسس في المستقبل، وربما يكون قد استخدم هذا الأسلوب في التجسس على الأنشطة الصناعية.
2- تدمير البيانات أو إتلافها أو إظهار أخطاء خداعية في حاسبات نظم القيادة والسيطرة مما يربك القيادة خلال إدارة العمليات العسكرية.
3- تنشيط الفيروس بحيث يصبح قادراً على القيام بالعمليات المطلوبة في الوقت المناسب، ويعتبر هذا الأسلوب ذا تأثير شديد على حاسبات الزمن الحقيقي (Time Real) التي تستخدم في نظم الإنذار وتوجيه المقاتلات والمقذوفات بحيث تقلل كفاءة الفعل في مواجهة العمليات المضادة.
4- أن يقوم الفيروس بإنتاج بيانات غير صحيحة تغير بدورها من اتجاهات ومسارات المقذوفات والصواريخ عندما تنطلق لأهدافها المعادية.
5- استخدام الفيروس الذي يقوم بالأعمال المضادة في مراكز القيادة والسيطرة في وقت محدد مسبقاً لشل وإرباك الأعمال التي يقوم بها الحاسب.
6- يمكن استخدام الفيروس كإحدى الوسائل الحديثة لأعمال الإعاقة الخداعية الإلكترونية التي تؤثر على الحاسبات المستخدمة في المعدات العسكرية.
7- مسح البيانات في نظم المعلومات.
وبهذا يلعب فيروس الكمبيوتر دوراً يصعب التكهن بمداه وآثاره، لكنه لن يقل- إذا أحسن استعماله- عن التقنيات الحديثة جداً للإعاقة الإلكترونية مثل الشراك المعيقة للذخائر الذكية المعادية التي تطلقها أو تزرعها المدافع أو الصواريخ أو الدبابات المتقدمة ، ومعدات الإعاقة الآلية أو المستشعرات التي تطلقها أجهزة إرسال خاصة لتسقط قريباً من المعدات الإلكترونية للعدو فتؤثر على أدائها.
ويمكننا أن نتوقع لفيروس الكمبيوتر في المجال العسكري أحد مسارين، الأول في سياق التطبيقات المتزايدة للحرب الإلكترونية كوسيلة للمعاكسة تستخدمها وحدات الحرب الإلكترونية، والثاني في سياق إسهامات فردية وشبه فردية في إطار أعمال المقاومة الوطنية للاحتلال والاعتداء الأجنبي التي لا مجال لتصور اقتصارها على حرب عصابات واستعمال حجر أو عود ثقاب أو مسدس أو قنبلة في عالم صارت حروبه إلكترونية الطابع وعالمية التأثير.
خطط لمواجهة خطر الفيروسات
ومع ظهور خطر الفيروسات والتوقعات المختلفة لاستخدامها عسكرياً، بدأت الدول المتقدمة في عمل خطط لمواجهة هذا الخطر، وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ خطة لسد جميع الثغرات الممكن النفاذ منها لأنظمة الحاسبات القومية، سواء عن طريق زيادة دوائر الحماية بالحاسب ذاته، أو في نظم التشغيل أو البيانات المخزنة المستخدمة في الحاسبات، بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية الخاصة باختبار الأفراد العاملين في هذا المجال، وحجب المعلومات الفنية عن غير المختصين وزيادة التوعية على جميع المستويات.
وقد اعتبرت الدول المتقدمة مثل هذه الموضوعات ذات درجة سرية عالية جداً، وقيدت مجالات نشر الأبحاث الفنية التي قد تكشف عن أسرار الحاسبات الحديثة سواء من ناحية الدوائر أو نظم التشغيل المستخدمة في المجالات القومية والعسكرية،
وأصبحت قضية حماية والمعلومات من الفيروسات أو الأخطار من قضايا العصر للأسباب التالية:
- سهولة سرقة المعلومات المخزنة على الأوساط المغناطيسية نظراً لصغر حجم الوسيط المغناطيسي، برغم كثافة ما يحمله من معلومات.
- سهولة الوصول إلى المعلومات وسرقتها بالوسائل الفنية المختلفة ومن خلال شبكات الحاسبات.
- صعوبة التحكم والإشراف على العاملين في نظم المعلومات والحاسبات.
- كثرة وجود الثغرات الفنية في الحاسبات التي يمكن عن طريقها الوصول للمعلومات والعبث بها.
الوباء الإلكتروني
طرق العدوى بالفيروسات الإلكترونية تماثل أيضاً العدوى بالفيروسات البيولوجية المسببة للأمراض في الإنسان ، حيث تنتقل العدوى إلى الحاسبات عن طريق الأقراص المصابة بالفيروسات التي يتبادلها مستخدمو الحاسبات فيما بينهم، أو يرسلون البرامج إلى بعضهم البعض عبر خطوط الهاتف، تماماً مثلما يحدث عندما يخالط المرضى غيرهم من الأصحاء، فتنتقل العدوى عن طريق التلامس بالأيدي ورذاذ الفم وتبادل استخدام الأدوات، لذا فليس من المستغرب أن تظهر مصطلحات ذات صبغة طبية في أوساط المشتغلين بعلوم الكمبيوتر مثل كلمة (فيروس - وباء- مرض- عدوى- لقاح00 إلخ).
انتشر وباء الفيروسات وتعددت ضحاياه في عدد من الشركات والجامعات والبنوك. ففي مطلع شهر مارس من العام 1992م كاد فيروس أسماه مصممه، الذي كان من هواة الكمبيوتر في شمال أوروبا: "مايكل انجلو" مستخدماً اسم النحات الشهير، كاد أن يتحول إلى وباء عالمي هائل التدمير يهدد ثمانين مليون جهاز كمبيوتر منتشرة في كل أنحاء العالم، ورغم انكشاف أمر هذا الفيروس ، فقد سيطر الهلع والارتباك على كل الأوساط المتعاملة بالحاسبات انتظاراً لموعد انقضاء فترة كمون ذلك الفيروس، وكان يوم الجمعة السادس من مارس 1992م حيث استعد الفيروس لتدمير المعلومات المخزنة في الملايين من أحهزة الكمبيوتر في ذلك اليوم.
ونشطت الشركات المختصة بإنتاج برامج مضادة للفيروسات فباعت كل مخزونها مستغلة حالة الهلع التي سادت، كما أوقف كثيرون عمل أجهزتهم في ذلك اليوم ليتحاشوا تأثير الفيروس، وقام آخرون بتوقيت ساعات حاسباتهم لتجنب التدمير الذي أنذر الفيروس بإحداثه، وتردد في اليوم أن خمسة ملايين حاسب تمت إصابتها، بينما ذكرت أخبار أخرى أن عدد الضحايا لم يتجاوز المليون حاسب، وفي كل الأحوال كان من الضحايا مئتا حاسب في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، وعدد من حاسبات مجلس الشيوخ الأمريكي ، وحاسبات السفارات الأمريكية في كندا وأثيوبيا وبوليفيا وغيرها، كما تسبب ذلك الفيروس بإزالة كافة المعلومات المخزونة في حاسبات أربعة بنوك برازيلية وصحيفة أرجنتينية كبيرة، ناهيك عن حاسبات لم تعلن الجهات الحساسة التي تستخدمها عن إصابتها لأسباب مختلفة، إضافة إلى مئات الآلاف من حاسبات مؤسسات أقل أهمية أو أفراد عاديين، هذا ليس إلا مثالاً واحداً للوباء الإلكتروني الذي اجتاح العالم، وهناك أمثلة عديدة أخرى، تدل هذه الأمثلة على أن اختراق حاسبات الأنظمة المختلفة، بما فيها الأنظمة العسكرية المعادية، أمر متاح بل ومستعمل، وإن هذا الاختراق مجال من مجالات الصراع الإلكتروني تقتحمه مؤسسات عسكرية أو حتى فرد ذو خبرة كافية فيتسبب بخلل ربما كان أثره هائلاً أثناء العمليات القتالية، إذا كان الاختراق محكماً في توقيته وبرمجته.
الوقاية والعلاج
إن الحقيقة المؤلمة أنه لا توجد حماية كاملة من فيروسات الكمبيوتر، لأن الاستفادة القصوى من الحاسب تستدعي أن يكون على صلة بالحاسبات الأخرى، يشاركها البرامج والبيانات وهذا ما يجعله معرضاً للإصابة.
وللوقاية من فيروسات الكمبيوتر يضع الخبراء هذه الوصايا:
- فحص البرامج الجديدة للتأكد من خلوها من الفيروسات وذلك على حاسب منفصل قبل إدخال هذه البرامج على شبكة الحاسبات.
- استعمال برامج للمراقبة والتبليغ عند حدوث أي أعمال قبل وقوعها.
- قصر المعلومات الفنية على المختصين فقط.
- استخدام وسائل التشخيص والكشف قبل جلب أي برامج لنظام الحاسب.
- تقليل وقت توصيل الحاسب على الشبكة بقدر الإمكان.
- انتقاء مصادر الحصول على البرامج.
- قصر الوسائل الفنية للدخول على الأنظمة لتكون في متناول المختصين فقط.
- عمل نسخ احتياطية من البيانات حتى يمكن استرجاع الموقف.
- تبادل الفكر والرأي من خلال اللقاءات المستمرة.
المراجع
1- ميسون أحمد مارديني: فيروسات الحاسوب، مجلة الخفجي ، س 21، ع5، تشرين الثاني 1991م.
2- د. أحمد حمزة محمد: خطر الفيروسات على الحاسبات العسكرية ، مجلة القوات الجوية، س8، ع34، تشرين الثاني 1992م.
3- د. خير الدين عبدالرحمن: حرب الفيروسات الإلكترونية ، مجلة القوات الجوية ، س11، ع70 ، مارس 1995م.
4- رؤوف وصفي: فيروس الكمبيوتر، مجلة الكويت، س8، ع 85، سبتمبر 1989م