تعتبر الأسرة أهم المؤسسات التربوية التي يعهد إليها المجتمع بالحفاظ على هويته وضبط سلوكيات أفراده لتأمين استقراره، ويشارك الأسرة العديد من المؤسسات التربوية التي يتوقع أن تعمل بصورة متساندة ومتكاملة لتحقيق الاستمرار والتوازن للمجتمع.وفي عصرنا الراهن تعددت مؤسسات التربية، وظهر العديد من ملامح عدم التكامل والتساند فيما بينها، بل اتضح أن هناك تبايناً بين ما تنقله هذه المؤسسات وما تعمل الأسرة على نقله للأبناء من خلال عملية التنشئة الاجتماعية.
ولوسائل الإعلام دور هام في تثقيف الأفراد وتجاوز تأثير اختلاف الثقافات الفرعية التي ينتمون إليها، كما يسهم بعض ما تتيحه من أفكار ومفاهيم في توفير بؤرة ثقافية مشتركة يمكنها أن تساهم في ضبط سلوكيات الأفراد وتوجيهها نحو تحقيق أهداف المجتمع التنموية في المجالين الاجتماعي والاقتصادي معاً.
ولكن في العصر الراهن أصبحت وسائل الإعلام من مؤسسات التربية التي من غير الممكن ضبطها وتوجيهها ذلك لأن غالبية هذه الوسائل تنقل ثقافات من خارج المجتمع، كما يسعى عدد كبير منها لتحقيق أهداف ومصالح تجارية لأفراد ومؤسسات لا تعير اهتماماً لمختلف المعايير والقيم الأخلاقية التي تميز ليس فقط ثقافة المجتمع بل عناصر مشتركة في أديان وثقافات مختلف المجتمعات الإنسانية.
فبينما يتوقع أن تساهم وسائل الإعلام في تشكيل بؤرة ثقافية يجتمع حولها أفراد المجتمع تساعد على تحقيق أهدافه، نجدها من خلال العديد من القنوات الفضائية تتيح ما من شأنه الاختلافات في الأفكار والسلوكيات بل وفي القيم التي يعتبر الاختلاف فيها من أهم عوامل ومصادر الصراع وعدم التكامل.
بل إن الاختلافات فيما تبثه وسائل الإعلام من أفكار ومفاهيم يوجد قدراً من اللامعيارية التي يهدد انتشارها نسق قيم المجتمع ليس فقط المحلي بل الإنساني ككل.ومن أنواع التأثيرات التي تحدثها وسائل الإعلام في الأفراد وتتضمن جوانب سلبية وأخرى إيجابية:
أ- تغيير الموقف أو الاتجاه ولا يقتصر ذلك على الأشخاص والقضايا بل يشمل بعض القيم وأنماط السلوك، حيث يتغير الموقف أو الاتجاه من حالة المودة إلى حالة العداء، ومن حالة الاستهجان إلى القبول أو التقدير.
ب- التغيير المعرفي ويكون أكبر تأثيراً من تغيير الاتجاه حيث يغير طبيعة إدراك الأشخاص للحياة من حولهم، وقد يطرح أساليب مختلفة للنجاح قد لا تتفق مع الواقع والمفاهيم السائدة.
ج- التنشئة الاجتماعية حيث تسعى جميع الرسائل الإعلامية إلى إزالة قيمة وتثبيت أخرى، أو ترسيخ وضع قائم، ومنع آخر، ويحدث ذلك من خلال ما تطرحه من نماذج قد تتعارض مع متطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى الأسرة لجعل الأولاد يتكيفون لمطالبها وللأحكام التي تضبط أساليب تحقيق الاحتياجات.
د- الاستثارة العاطفية تتعمد وسائل الإعلام استثارة مشاعر السخط والتمرد والكراهية والولاء من خلال تركيزها على مشاهد العنف وإثارة الغرائز، وذلك ليسهل توجيهها الوجهة التي تتيح التحكم بأفكار وأفعال الأفراد.هـ الضبط الاجتماعي ويحدث ذلك من خلال تشكيل رأي عام واتجاهات موحدة نحو موقف أو قيمة أو سلوك بحيث تصبح جزءا من ثقافة المجتمع التي تشكل مصدر ضوابطه.
و- صياغة الواقع حيث تعمد وسائل الإعلام إلى إبراز جوانب من الواقع وإغفال أخرى، بحيث يبدو أن ما يظهر فيها معبراً عن الحقيقة وواقع الحياة والمجتمع، كما تحدد الصورة النمطية للمواقف والأشخاص، والأدوار، وقد تكون الصورة مثالية غير واقعية أو فيها تضخيم لأحداث، أو تقليل من شأنها.
ز- تكريس الواقع ويحدث من خلال تزكية وتمجيد أوضاع قائمة أو أفكار سائدة، أو نماذج وشخصيات معينة.وهنا تظهر أهمية البحث عن أثر الأسرة في تشكيل التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام، ويمكن صياغتها في التساؤلين التاليين:
1- ما هي أهم خصائص التفاعل الواعي؟
2- ما دور الأسرة في تشكيل التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام؟
لقد أشار العديد من التحليلات إلى أهمية تأثير وسائل الإعلام على الأفراد في مجالات مختلفة، كما أكدت نتائج عدد من الدراسات أهمية الدور الذي تمارسه وسائل الإعلام في توجيه السلوك، وتشكيل الإدراك.
إلا أن غالبية هذه التحليلات والدراسات تميل إلى تجاهل المحيط الاجتماعي الذي يتم خلاله التأثير من وسائل الإعلام على المتعرضين لها، فكما تؤكد النظرية الاجتماعية النفسية فإن سلوكيات الأفراد ليست مجرد ردود أفعال للمواقف بل هي ناتج لقدرتهم على إدراك معاني الرموز وتفسير الواقع أو المواقف ، كما لا تبرز هذه الدراسات أنماط وأساليب التفاعل الإيجابي الواعي مع هذه الوسائل الإعلامية وذلك مما يمكن أن تتيحه الأسرة باعتبارها وسيطاً صاقلاً ومؤثراً وقامعاً بين الفرد ومحيطه الاجتماعي والثقافي.
مصطلحات ومفاهيم أساسية:التأثير في اللغة: الأثر: العلامة، وأثر الشيء: بقيته، وتأثر: أي ظهر فيه الأثر. والتأثير: إبقاء الأثر في الشيء.
والتأثير اصطلاحاً: هو ما تحدثه الرسالة الإعلامية في نفس المتلقي، وكلما استجاب المتلقي للرسالة يحدث التأثير، والتأثير هو نتاج التفاعل الواقعي بين خصائص الرسائل الإعلامية وخصائص المتلقين لها.التفاعل: كما يعرفه بدوي هو " صلة بين مجموعتين من أي نوع كان بحيث أن فاعلية كل منهما تحددها جزئياً فاعلية الأخرى".
ويستند التفاعل إلى طبيعة إدراك الأطراف المتفاعلة لبعضها، وهناك بعدين للأحداث والمواقف أحدهما ذاتي والآخر موضوعي فقد لا يتطابق إدراك المشكلة مع واقعها مما يؤدي إلى عدم تحقيق الأهداف المحددة للتفاعل.
وسائل الإعلام: يطلق عليها وسائل الاتصال الجماهيرية وكما يعرفها بدوي: "هي الطرق التي يمكن بها إيصال فكرة أو رأي إلى عدد كبير من الأفراد المستقبلين المنتشرين في أماكن بعيدة ومتفرقة كالجرائد، والمذياع، والتلفاز والسينما".
كما تتضمن الفيديو وكذلك الانترنت باعتباره وسيلة اتصال حديثة أصبحت ضرورة من ضرورات التعلم، ولكنها تتضمن مؤثرات أخرى كغيرها من وسائل الإعلام.ويكون التفاعل واعياً عندما يحدث بين طرفين يدركان طبيعة التأثيرات المتبادلة وكيف يمكن ضبطها وتوجيهها لتحقيق أهداف مقبولة ومرغوبة على المستوى الشخصي والعام معاً.
الثقافة: تتعدد تعريفات الثقافة ولعل من أهمها ما جاء في إعلان اليونسكو 1982م وهو: "أن الثقافة بمعناها الواسع تتضمن جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وأساليب الحياة كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات".
التكامل الثقافي:يقصد به الترابط والانسجام بين أنماط التفكير والسلوك التي يتعرض لها الأفراد ويعيشونها، وهو ضروري لتحقيق أهداف المجتمع واستقرار الحياة الاجتماعية .
بعض أهم الدراسات السابقة:يجري فيما يلي استعراض عدد محدود من الدراسات حول طبيعة تأثير وسائل الإعلام كنماذج للعديد من الدراسات المتوفرة في الميدان.
في دراسة بعنوان: دور الإعلام في تغيير العادات والقيم في المجتمع السعودي أجريت على عينة عشوائية مقدارها (248) فرداً يقيمون في قرية خليص واستخدمت منهج المسح الاجتماعي أظهرت النتائج أن الإذاعة السعودية المسموعة ساهمت إلى حدٍ ما في تطوير مجتمع البحث، من حيث أنها ربطته بالتطور والنمو الاجتماعيين في إطار خطط التنمية الشاملة للمجتمع، كما أنها تقوم بوظائف دينية واجتماعية وتعليمية وتثقيفية وترويحية تناسب مختلف الأعمار والفئات، وقد تبين أن البرامج والمواد الدينية الإسلامية التي تقدمها الإذاعة السعودية تشكل إطاراً مناسباً لتغيير العادات الضارة وتدعيم العادات والقيم المفيدة.
وفي دراسة بعنوان: التلفزيون وتغير البناء القيمي أجريت على عينة مختارة من برامج مخصصة للأطفال وباستخدام أسلوب الملاحظة المباشرة للبرامج التلفزيونية (محلية وأجنبية) وأسلوب المقابلة المقننة مع عينة من الطلبة بلغت (200) مفردة موزعة على أربع مدارس حكومية وأهلية، ومن خلال منهج الوصف التحليلي، وتحليل المضمون، أظهرت أهم نتائج البحث أن التلفزيون له تأثيرات إيجابية تمثلت في أنه ينمي شخصية الطفل، ويساعد على حل المشكلات وأنه يكسب الطفل قيماً اجتماعية سليمة، ويؤدي إلى زيادة الشعور بالانتماء للوطن، ويعلم الأطفال أسلوب الحوار والمناقشة ويوسع خيالهم ويكسبهم معلومات مفيدة.
كما أظهرت النتائج أن هناك تأثيرات سلبية لتعرض الأطفال للتلفزيون تمثلت في تدهور وتدني عادة القراءة لديهم وتعلمهم العنف والعدوانية. وفي دراسة بعنوان: التلفزيون والتنشئة الأسرية وباستخدام منهج تحليل المضمون ومنهج الوصف التحليلي على عينة عشوائية من الأسر في مدينة الرياض أوضحت النتائج أن نسبة 78.6% من الآباء يقضون معظم أوقات فراغهم في مشاهدة التلفزيون، وكذلك الأمهات بنسبة 87.4%، والأولاد بنسبة 88.4% أي أن جميع أفراد الأسرة يقضون معظم أوقات فراغهم في مشاهدة التلفزيون. كما أظهرت النتائج أن البرامج الترفيهية تأتي في المرتبة الأولى لكل من الآباء والأمهات.
وفي دراسة بعنوان: وسائل الإعلام والوالدين: حماية الأولاد من الأذى، قام الباحث مع فريق بحث بمراجعة مئات الدراسات عن تأثير مشاهد العنف على السلوك ووجدوا ثلاثة تأثيرات ضارة لمشاهد العنف في وسائل الاتصال وهي:
1- تتيح تبني اتجاهات وسلوكيات عدوانية.
2- تؤدي إلى تبلد المشاعر حيث تجعل الأطفال أقل تعاطفاً مع ضحايا العنف.
3- تزيد من مخاوف ومشاعر الخوف عند الأطفال. وقد قام الباحث باختبار مدى صحة التأثير الأخير وهو أن وسائل الإعلام تزيد من مخاوف الأطفال، حيث قام بسؤال طلبة في السنة الأولى من الدراسة الجامعية عن مدى شعورهم بالخوف لمدة طويلة بعد مشاهدة فيلم أو مشهد تلفزيوني، وأتاح لهم الإجابة بنعم أولا، ومن يجيب بنعم يفسر كيف حدث ذلك.
وقد أظهرت النتائج أن (96) من (103) طالباً أجابوا بنعم والعديد منهم كتبوا وصف مفصل لتعرضهم لكوابيس متكررة وهلاوس فكرية واستمرار صور ذهنية لهذه المشاهد المرعبة. مراجعة الدراسات السابقةمن مراجعة لعدد من الدراسات حول تأثير وسائل الإعلام بالإضافة إلى ما تم عرضه كنماذج من هذه الدراسات يظهر أنه رغم أهميتها وأهمية ما تنبه إليها من عدم تكامل في وظائف التربية، إلا أنها تكاد أن تتجاهل أمرين هامين هما:
1- أن التفاعل بين وسائل الإعلام والأفراد يحدث من خلال بعدين أحدهما كمي والآخر كيفي، كما يحدث ضمن ظروف ومواقف لها أكبر الأثر في تحديد كمية ونوعية هذا التفاعل، وتبعاته.
2- أن الأسرة تعتبر أهم مؤسسات التنشئة وذلك من خلال دورها كوسيط ناقل وقامع وصاقل للثقافة والظروف المحيطة بها وبأفرادها.فرغم فقدان الأسرة للعديد من وظائفها، إلا أن ذلك أتاح لها أن تمارس التأثير الأهم فيما تبقى لها من وظائف، ومن أهمها: التنشئة الاجتماعية، والدعم العاطفي للأعضاء، حيث يبدو أن هناك قدراً من التأثير المتبادل بين هاتين الوظيفتين يشكل في مجمله طبيعة دور الأسرة كوسيط مؤثر وقامع وصاقل للمؤثرات الثقافية والاجتماعية التي يتعرض لها أعضاؤها، أي يشكل طبيعة تفاعل أفرادها مع هذه المؤثرات، وطبيعة إدراكهم لها.
فهناك ما يعتبر تفاعلاً سلبياً غير موجه يحدث بين الأفراد ووسائل الإعلام وفي ظروف تتسم بعدم الوضوح كما يسيطر فيه أحد الطرفين على الآخر بدون تكافؤ في التأثير والاستجابة.
ويوجد ما يعتبر تفاعلاً موجباً مضبوطاً وموجهاً بين الأفراد ووسائل الإعلام يحدث في ظروف واضحة ويؤثر فيه كل طرف على الآخر بما يحقق المنفعة المرجوة من وجود هذا التفاعل.
إن تغير بنية الدور الأسري، وانشغال الوالدين واستقلال الأسرة في السكنى عن الأقارب قد يحد من الأوقات التي يقضيها الأهل مع الأولاد، كما يؤثر على نوعية التفاعل معهم وكذلك الوسائل المستخدمة في تربيتهم، ويوجد عقبات تواجهها الأسرة في منافسة وسائل الإعلام على تنشئة الأبناء، مع توفر هذه الوسائل بصور مختلفة وتطور أساليب وطرق التأثير التي تمارسها.
تؤكد لنا النظريات الاجتماعية النفسية أهمية الوعي والإدراك، باعتباره الوسيلة التي نفسّر بها كل ما نتعرض له ونواجهه في محيطنا تفسيراً يشكل طبيعة تأثرنا به واستجابتنا له.
وقد انتقدت هذه النظريات في اعتبارها أن الإنسان قادر على تفسير الأمور تفسيراً منطقياً يحقق له المنفعة، ذلك أن موجهات الفعل والإدراك تختلف أهميتها من جماعة لأخرى ومن شخص لآخر، ولذلك نتوقع أن تختلف طبيعة إدراك وتفسير الأسر لما يتوفر من وسائل للاتصال الجماهيري، ويتيح ذلك أن توجد أسر لا تمنح أهمية للقيم والأعراف الاجتماعية وبذلك لا تهتم لإتقان دورها في نقل هذه القيم والمحافظة عليها فلا تهتم بما يؤثر على تربية الأولاد وتتيح لهم أن يتعرضوا لكافة المؤثرات في محيطهم أو حتى خارج مجتمعاتهم، وفي المقابل قد توجد أسر تمنح وزناً كبيراً للقيم وللتقاليد والأعراف الاجتماعية وتحرص على نقلها للأولاد فتعمد لتجنب كل ما ترى أن من شأنه إضعاف هذه القيم أو الحد من تأثيرها على السلوك، وقد تبالغ في ذلك بعزلهم عن محيطهم الاجتماعي والثقافي خارج نطاق الأسرة، ويمثل النموذجين صوراً متباينة لعملية التنشئة الأسرية.وإن كان التجنب والتحاشي من خصائص العلاقات مع الأمور التي تضطر للتفاعل معها ، فإنه قد يكون متعذراً فيما يختص بالعلاقة مع وسائل الإعلام لانتشارها وتعدد أشكالها وتعرض الأولاد لها في مؤسسات التعليم، أو عن طريق غير مباشر بما يسمعونه من أقرانهم من أحداث تصلهم في صورة أكثر تشويقاً وإثارة.
واستناداً إلى مفهوم التفاعل الواعي الذي يتضمن إداركاً لطبيعة التأثيرات المتبادلة وكيف يمكن ضبطها وتوجيهها لتحقيق أهداف مقبولة ومرغوبة على المستوى الشخصي والعام معاً يجري عرض عدد من النماذج الواقعية لهذا التفاعل لأسر توفرت فيها أهم مواصفات هذا التفاعل مع وسائل الإعلام قياساً بنجاح هذه الأسر في تجنيب أولادها التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام رغم توفر هذه الوسائل بأنواعها المختلفة.
نماذج واقعية للتفاعل الواعي مع وسائل الإعلام نظراً إلى أن التنشئة الاجتماعية تجري بصفة مباشرة وغير مباشرة، ولأن طبيعة التفاعل مع وسائل الإعلام أصبحت من الموضوعات التي تشكل محوراً هاماً في عملية التنشئة، يجري عرض عدد من النماذج لتفاعل واعٍ مع هذه الوسائل، بالتركيز على بعض أهم خصائص الأسرة، والوضع الاجتماعي والاقتصادي للوالدة، وطبيعة العلاقات بين الوالدين، وطبيعة العلاقات مع الأولاد، ثم إتاحة المجال للأم أن تصف كيف أمكنها أن تجنب أولادها التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام.
النموذج الأول :أسرة تتكون من ثمانية أشخاص أولادها جميعاً متفوقون دراسياً ويلتزمون بأداء الصلوات في أوقاتها وكذلك الفرائض وبعض أنواع العبادات التطوعية، وهي بدخل متوسط ويعمل الوالدان في مهن تعتبر عليا، العلاقات بين الوالدين مستقرة، ورغم وجود مجالات لاختلاف المعايير بين الوالدين إلا أنهما يقدمان مصلحة الأولاد ويهتمان لمشاعر الرضا عندهم، كما يستشيرانهم، ويستخدمان أساليب متنوعة في تربيتهم تتضمن القصص، والقدوة والأمثال، والتوجيه والوعظ.أفادت الأم بأن التلفاز وكذلك إمكانات استخدام الانترنت لا توجد إلا في غرفة المعيشة المشتركة ورغم أنه يتضمن العديد من القنوات الفضائية إلا أن جهاز التحكم يستخدم لتغيير القناة عند ظهور مشاهد لا يقرها الدين والعرف.
وهذا الجهاز غالباً ما يكون في يد أحد الأبناء أو البنات، مع منع ظهور القنوات المخالفة بصفة مستمرة للأحكام الثقافية في المجتمع.وخلال ظهور بعض اللقطات أو المشاهد المخالفة للأحكام الثقافية يجري التعليق والتفسير من الأم بما يعبر عن رفض واستنكار ما يجري عرضه، ويذكر بأن معظم ما يشاهد يخالف الواقع وأنه عرض لحالات شاذة أو من نسيج الخيال لجذب الانتباه واستقطاب المشاهدين.وقد لوحظ أن الوالدة مانعت دخول قنوات فضائية كثيرة، إلا أن الوالد أصر على ذلك استجابة لرغبات الأولاد، وتعتبر الأم أكثر حزماً فيما يختص بالمعايير الاجتماعية، حيث تحرص على استنكار ما يتعارض مع الأحكام الثقافية والدينية، وتقدم العديد من الأمثال والقصص للأولاد من أجل تذكيرهم بأهمية الالتزام بأحكام الدين والمجتمع، كما يحدد الوالد الوقت المتاح للأولاد لمشاهدة التلفاز، ويهتم الوالدان بمتابعة الأخبار والبرامج الثقافية.كما أنهما لم يوفرا للأولاد خدمة الانترنت إلا بعد التحاقهم بالجامعة ومن أجل أداء الواجبات المطلوبة.
النموذج الثاني:أسرة تتكون من سبعة أشخاص، نشأ الوالدان في بيئة محافظة، جميع الأولاد متفوقون دراسياً، ويلتزمون بأداء الصلوات في المساجد، وكذلك الفرائض وأنواع من العبادات التطوعية، وهي بدخل متوسط ومهن تعتبر متوسطة، العلاقات بين الوالدين مستقرة ويتفقان في غالبية المجالات، يمارس الوالدان أساليب متنوعة في تربية الأولاد.
وقد أفادت الأم بأن التلفاز يوضع فقط في غرفة المعيشة المشتركة، ورغم أنه مفتوح طوال فترة المساء قبل النوم إلا أن الوالدان هما المتحكمان غالباً بأداة التحكم، وقد تم منع بث القنوات المتخصصة في الأمور الشاذة والمخالفة للأحكام الدينية، وعند ظهور بعض المشاهد المخالفة للشريعة يجري تغيير القناة، كما يميل الوالدان إلى مشاهدة البرامج الدينية، والثقافية، ويخصص دائماً وقت للحوار، كما يساهم الأولاد في أعمال المنزل، حيث لا ترغب الأم في استقدام خادمة، ويهتم الوالدان بضبط أوقات النوم، ومشاهدة التلفاز، كما أنهما لم يوفرا للأولاد خدمة الانترنت إلا بعد التحاقهم بالجامعة ومن أجل أداء الواجبات المطلوبة.
وليس مسموحاً انفصال أحد الأولاد عن أخيه وقت الترفيه ليقضيه مع الزملاء، كما يقضي الولدان أوقات الترفيه في آخر الأسبوع مع أولاد الخالة التي تتماثل إلى حد كبير ظروف تربيتها لأولادها مع ظروف تربية والدتهما لهما.
النموذج الثالث:أسرة تتكون من خمسة أشخاص ومن وضع اجتماعي واقتصادي مرتفع نسبياً، أقاموا فترة طويلة في مجتمع غربي، والأولاد متفوقون دراسياً، يؤدون الصلوات في المساجد، ويحدد لهم الوالدان أوقات معينة لمشاهدة التلفاز وتترك لهم حرية المشاهدة أو الامتناع عنها في يوم من أيام الأسبوع، ويوجد التلفاز فقط في غرفة المعيشة، كما يهتم الوالدان بترفيه الأولاد والحوار المستمر معهم، ورغم وجود قنوات فضائية إلا أنها مضبوطة بمنع المخالف منها للأحكام الدينية، ولا يسمح الوالدان باستخدام أجهزة اللعب المعروفة بالبلاي ستيشن، بينما يمكنهم اللعب بها عندما يزورون الأقارب، ويسعى الوالدان لتحفيظ الأولاد القرآن الكريم في المدارس، ومن غير المسموح قضاء وقت الترفيه مع آخرين من خارج نطاق العائلة.
وقد تم توفير خدمة الانترنت للأولاد في سن مبكرة إلا أن الأم لا تسمح أبداً بأن يخفي الأولاد الأرقام السرية للبريد الألكتروني عن الوالدين أو فيما بينهم، وقد عبرت الأم عن انزعاجها من تدخل الأهل في تربية الأولاد في أرض الوطن، حيث تقاوم بصعوبة مشاعر عدم الرضا عند الأبناء، ونصائح الأهل بالتساهل فيما يختص باقتناء عدد من وسائل الإعلام والأوقات المخصصة لتشغيلها.
النموذج الرابع:أسرة تتكون من ثمانية أشخاص، من بيئة محافظة والوالد كبير في السن وعاطل عن العمل و يعتمدون في دخل الأسرة على راتب أكبر البنات، وهم متفوقون دراسياً، ويؤدون الصلوات في أوقاتها، وقد لوحظ وجود قدر من الحزم والثبات في تربيتهم، ممزوجاً بعناية كبيرة باحتياجاتهم، ويستخدم الوالدان أساليب تربوية متعددة من أهمها:
التشجيع وضرب الأمثال وسرد القصص بالإضافة إلى التوجيهات المباشرة والتزام الوالدين بأحكام الدين وأعراف المجتمع، ولديهم قنوات محلية فقط، كما يتوفر لهم لعبة البلاي ستيشن، ويساهمون في إنجاز أعمال المنزل، وقد تم توفير خدمة الانترنت لمتطلبات الدراسة الجامعية فقط، ولا يسمح لهم بالخروج إلى الشارع ومرافقة الزملاء خارج نطاق الدراسة.