من أبرز سمات العالم المعاصر أنه عالم يموج بالتغيرات المتلاحقة فى شتى ميادين العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة . كما أنه يشهد نمواً ملحوظاً فى درجة الترابط والاعتماد المتبادل بين الدول - وإن لم يكن هذا الاعتماد متكافئاً فى كل الأحوال . وفضلاً عن ذلك ، فإن أنواعاً كثيرة من التشابكات والتداخلات بين الظواهر والأحداث المختلفة صارت تجرى فى العالم المعاصر متجاوزة للحدود الوطنية للدول . ومع ازدياد كثافة هذه الأنواع من التشابكات والتداخلات ، أصبحت نسبة غير صغيرة ، ومتزايدة من القرارات التى تمس حياة الناس فى مختلف الأوطان تتخذ على نطاق عبر وطنى من جانب كيانات مختلفة ، لاسيما المنظمات العالمية والشركات متعدية الجنسيات . وتلك بعض خصائص ما أصبح يشار إليه بزمن العولمة أوالكوكبة (1) .

        ومما لاشك فيه أن الأمة التى لا تمتلك خريطة واضحة المعالم والتضاريس لهذا العالم سريع التغير شديد التعقيد ، والتى لا تمتلك بوصلة دقيقة تعينها على تحديد مسارها الصحيح على هذه الخريطة ، هى أمة تعرض مستقبلها لأخطار عظيمة . ذلك أن مستقبل هذه الأمة لن يخرج فى هذه الظروف عن أحد احتمالين : الاحتمال الأول ، أن يأتى هذا المستقبل محصلة لعوامل عشوائية متضاربة ، أى أنه يخضع لاعتبارات من صنع المصادفة ، لا من صنع العقل والتدبير والمصلحة الوطنية . والاحتمال الثانى : أن تتحكم فى تشكيل هذا المستقبل قوى خارجية لا يهمها من مستقبل هذه الأمة إلا أن يخدم مصالحها هى ، سواء أكانت هذه المصالح متوافقة مع مصالح الناس فى هذه الأمة أم لم تكن . وفى الحالتين ، يصبح مستقبل الأمة مرهوناً بمقادير خارجية أو مصالح أجنبية ، أى أنه يصبح معلقاً بعوامل لا دخل لإرادة المواطنين فى هذه الأمة فى تشكيلها أو التأثير فيها . وهذا بالقطع وضع بائس . وما أتعس الأمة التى تجد نفسها فيه .

 

اصنع مستقبلك قبل أن يصنعه لك الآخرون

        ولذا فإن الأمم القوية هى الأمم المدركة لما يحيط بها من تغيرات ، والواعية بما يزخر به العالم من تناقضات وصراعات ، وهى بالتالى الأمم التى تسعى لصنع مستقبلها ، أو على الأقل تسعى للمشاركة بفعالية فى صنعه . أما الأمم الضعيفة فهى الأمم الغافلة عما يجرى حولها، والتى تترك مستقبلها للمصادفات أو لأطماع الآخرين . فعندما لا تبادر الأمة إلى صنع مستقبلها ، ينشأ فراغ . ومن طبيعة الأشياء أن يسارع أصحاب المصلحة إلى ملء هذا الفراغ . ومن ثم فإنهم سيصنعون لتلك الأمة مستقبلها ، ولكن على هواهم وحسبما تقضى به مصالحهم .

        إذا أردنا أن نشارك بفاعلية فى صنع مستقبلنا ، علينا إذن أن نمتلك الخريطة الواضحة لهذا العالم الجديد ، وأن نمتلك البوصلة التى نهتدى بها فى التعرف على الطريق إلى المستقبل الذى نريده - وهو ما يفترض ضمناً تحديد ملامح هذا المستقبل المرغوب فيه من جانبنا . وهنا يصبح السؤال : وما الطريق إلى امتلاك تلك الخريطة وتلك البوصلة ، وما السبيل إلى اختيار الطريق الذى يفضى إلى المستقبل الذى نطمح إليه ، وكيف يمكن اكتشاف ملامح هذا المستقبل المنشود . والجواب عن كل هذه الأسئلة يكمن فى عبارة واحدة : الدراسات المستقبلية ، أو بحوث استشراف المستقبل .

الدراسات المستقبلية حتمية

        وقبل أن نتناول بالتفصيل أهداف الدراسات المستقبلية ، من المهم إدراك أمرين أساسيين فيما يتعلق بهذه النوعية من الدراسات : أولهما ، أن الدراسات المستقبلية باتت من الحتميات ، أى أنها صارت دراسات ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها . وهى لا تجرى ( كما كان يظن فى فترة سابقة ) من باب الرفاهية الثقافية أو التسلية الذهنية فى الدول الغنية وحدها .

بل إنها ضرورية للدول كافة على اختلاف حظوظها من الغنى أو الفقر ، ومن التقدم أو التخلف ، وذلك لما سبق إيضاحه من اعتبارات متصلة بالعالم الجديد وما يحفل به من تغير سريع واضطراب شديد ولا يقين متزايد ، فضلاً عن أهميتها لترشيد عملية صناعة القرارات .

        إن الدراسات المستقبلية تشهد نمواً متسارعاً فى الدول المتقدمة التى تصنع العلم وتنتج التكنولوجيا ، فضلاً عن امتلاكها أسباب التقدم الإقتصادى والقوة العسكرية . كما أن الدول الرائدة فى هذا النوع من الدراسات ليست من دول التخطيط المركزى ، بل هى دول رأسمالية تسير على نظام اقتصاد السوق مع درجات متفاوتة من التدخل والتوجيه الحكومى . ويندر أن تجد دولة رأسمالية متقدمة لا تستند إلى دراسات لاستشراف المستقبل فى صنع قراراتها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية . كما يندر أن تجد شركة كبرى ، وبخاصة إذا كانت تنتمى إلى فصيلة الشركات متعددة أو متعدية الجنسيات ، لا يشتمل بنيانها التنظيمى على مركز أو قسم للدراسات المستقبلية والتخطيط الإستراتيجي . وإذا كان الأمر كذلك عند الأقوياء والمتقدمين من الدول والشركات الكبرى ، فإن الدول النامية التى لم تزل تسعى إلى بناء نفسها وتنمية اقتصادها والعثور على موقع أفضل لها على خريطة تقسيم العمل الدولى فى حاجة أشد إلى القيام بالدراسات المستقبلية ، لاسيما إذا كانت من الدول ذات الموقع الاستراتيجى المتميز أو المكانة السياسية البارزة التى تجعلها مستهدفة من جانب القوى الكبرى فى العالم ، فيحاولون التأثير على قراراتها وتوجهاتها ومستقبلها وسوف تكون لنا عودة إلى هذه المسألة فى ختام هذه الورقة .

الدراسات المستقبلية حقل من حقول المعرفة الجادة والعلم النافع

        أما الأمر الثانى الذى يتعين إدراكه فى شأن الدراسات المستقبلية ، فهو أن هذه
الدراسات ، وإن كانت تتطلب بالضرورة قدراً من الخيال والقدرة الذاتية على التصور المسبق لما هو غير موجود أو غير معروف الآن ، إلا أن أنشطتها تختلف نوعياً عن الأنشطة التى تقع فى حقل الخيال العلمى أو فى ميدان التنجيم والرجم بالغيب . فما يطلق عليه اليوم الدراسات المستقبلية إنما يتمثل - على العموم - فى دراسات جادة تقوم على مناهج بحث وأدوات درس وفحص مقننة أو شبه مقننة ، وتحظى بقدر عال من الاحترام فى الأوساط العلمية ، وتنهض بها معاهد ومراكز بحثية وجمعيات علمية ذات سمعة راقية (2) . بل إن هذه الدراسات قد بلغت من النمو والرقى حداً يسمح بالحديث عن بروز علم اجتماعى جديد هو علم المستقبليات . فالأمر جد لا هزل فيه ، وعلى من يريد الخوض فيه أن يتخذ له ما يلزم من عدة وعتاد .

        والآن نعود إلى أهداف الدراسات المستقبلية أو استشراف المستقبل . وهنا أسارع إلى القول بأن الهدف المباشر للدراسات المستقبلية ليس التخطيط أو وضع الاستراتيجيات ، وإن كانت هذه الدراسات تفيد دون شك فى إعداد العدة لوضع الخطط أو رسم
الاستراتيجيات . إذ أنها توفر لأهل التخطيط والاستراتيجيات جانباً مهماً من القاعدة المعرفية التى تلزم لصياغة الاستراتيجيات ورسم الخطط . فكل عمل تخطيطى جاد غالباً ما يكون مسبوقاً بنوع ما وبقدر ما من العمل الاستشرافى ( طرح بدائل أولية غالبا لمعدلات مختلفة للنمو والتراكم ) . ولكن شتان بين أن يأتى العمل الاستشرافى كمقدمة سريعة للعمل
التخطيطى ، وبين أن تتاح الفرصة لكى ينمو كعمل قائم بذاته ، يأخذ وقته اللازم ويستعمل المنهجيات المتعارف عليها ، وتستوفى مقوماته التى سنعرض لها فيما بعد .

        كذلك ليس الهدف من الدراسات المستقبلية هو الإنباء بالمستقبل ، بمعنى تقديم
نبوءات ، أى تنبؤات غير شرطية وغير احتمالية بالأحداث المستقبلية . فكل ما تقدمه الدراسات المستقبلية من مقولات حول المستقبل إنما هى مقولات شرطية واحتمالية . ولذا تتعدد المقولات أو الرؤى أو السيناريوهات المستقبلية التى يقدمها الاستشراف ، نظراً لتعدد  الشروط والاحتمالات التى تحيط بالحدث أو الأحداث المستقبلية موضع الاهتمام . وهذا الوضع ناشئ بطبيعة الحال مما تتسم به الأحداث المستقبلية من " لا يقينية " . ولا شك أن ما يتوصل إليه الاستشراف من سيناريوهات بديلة هو جزء مهم من أجزاء القاعدة المعرفية اللازمة للمخطط ، لاسيما إذا كان بصدد وضع خطط للمدى المتوسط أو الطويل ، وإن كانت هذه السيناريوهات البديلة لا تشكل فى حد ذاتها خططاً بالمعنى المتعارف عليه فى دوائر التخطيط وصنع القرارات .

أغراض الدراسات المستقبلية

        ما الهدف الرئيسى للدراسات المستقبلية إذن ؟ يمكن أن نقول بصفة عامة أن غاية الدراسة المستقبلية هو توفير إطار زمنى طويل المدى لما قد نتخذه من قرارات اليوم . ومن ثم العمل ، لا على هدى الماضى ، ولا بأسلوب " من اليد إلى الفم " وتدبير أمور المعاش يوماً بيوم ، ولا بأسلوب إطفاء الحرائق بعد ما تقع ، بل العمل وفق نظرة طويلة المدى وبأفق زمنى طويل نسبياً . فهذا أمر تمليه سرعة التغير وتزايد التعقد وتنامى " اللايقينى " فى كل ما يحيط بنا ، وذلك  فضلاً عن اعتبارات متصلة بالتنمية والخروج من التخلف سنوضحها
لاحقاً .

        من جهة أخرى ، فإن ما تتيحه الدراسات المستقبلية من إضفاء طابع مستقبلى طويل المدى على تفكيرنا ، إنما هو علامة مهمة من علامات النضج العقلى والرشادة فى اتخاذ القرارات . ذلك أن ما نتخذه من قرارات اليوم ، وما نقوم به من تصرفات فى الحاضر سوف يؤثر بصورة أو بأخرى على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا من بعدنا . وإذا أردنا لهذا المستقبل أن يكون مقبولاً من وجهة نظرنا ، فعلينا أن نتخذ قراراتنا اليوم آخذين فى الاعتبار النتائج والتداعيات المحتملة لهذه القرارات على مدى زمنى طويل ، وليس فقط على المدى القصير أو المتوسط . وهنا تساعدنا الدراسات المستقبلية فى استطلاع هذه النتائج والتداعيات على المسارات المستقبلية . فإذا كانت النتائج والتداعيات تسهم فى تشكيل المستقبل المرغوب فيه ، فبها ونعمت . وإذا لم تكن تسهم فى ذلك ، فإننا نسعى لتعديل هذه القرارات حتى تأتى نتائجها وتداعياتها متوافقة مع المستقبل الذى نريده . وإذا تم ذلك ، فإننا نكون قد شاركنا بشكل إيجابى فى صنع المستقبل ، بدلاً من أن ننتظر فى سلبية مستقبلاً تأتى به المقادير ، أيا كانت صورته ، أو بدلاً من أن نقنع بالتواؤم أو التكيف مع ما قد يقع من أحداث مستقبلية . فالدراسات المستقبلية تساعدنا على التحكم فى المستقبل ، وجعله أفضل بدرجة ما مما لو كنا قد قعدنا فى انتظار وقوع هذا المستقبل وأهملنا التفكير فى مساراته البديلة المحتملة الوقوع .

        وبشكل أكثر تحديداً ، يمكن القول أن الدراسات الاستشرافية للمستقبل تساعدنا على صنع مستقبل أفضل ، وذلك بفضل ما تؤمنه من منافع متعددة ، من أهمها ما يلى :

(1)  اكتشاف المشكلات قبل وقوعها ، ومن ثم التهيؤ لمواجهتها أو حتى لقطع الطريق عليها والحيلولة دون وقوعها.وبذلك تؤدى الدراسات المستقبلية وظائف الإنذار المبكر ، والاستعداد المبكر للمستقبل ، والتأهل للتحكم فيه ، أو على الأقل للمشاركة فى
 صنعه . 

(2)  إعادة اكتشاف أنفسنا ومواردنا وطاقاتنا ، وبخاصة ما هو كامن منها ، والذى يمكن أن يتحول بفضل العلم إلى موارد وطاقات فعلية . وهذا بدوره يساعد على اكتشاف مسارات جديدة يمكن أن تحقق لنا ما نصبوا إليه من تنمية شاملة سريعة ومتواصلة . ومن خلال عمليات الاكتشافات وإعادة الاكتشاف هذه ، تسترد الأمة الساعية للتنمية الثقة بنفسها ، وتستجمع قواها وتعبئ طاقاتها لمواجهة تحديات المستقبل .

(3)  بلورة الاختيارات الممكنة والمتاحة وترشيد عملية المفاضلة بينها . وذلك بإخضاع كل اختيار منها للدرس والفحص ، بقصد استطلاع ما يمكن أن يؤدى إليه من تداعيات ، وما يمكن أن يسفر عنه من نتائج . ويترتب على ذلك المساعدة فى توفير قاعدة معرفية يمكن للناس أن يحددوا اختياراتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى ضوئها ، وذلك بدلاً من الاكتفاء - كما هو حاصل حالياً - بالمجادلات الأيديولوجية والمنازعات السياسية التى تختلط فيها الأسباب بالنتائج ، ويصعب فيها تمييز ما هو موضوعى من ما هو ذاتى .

وإذا سار الأمر على هذا النحو ، فإن الدراسات المستقبلية تسهم فى ترشيد عمليات التخطيط واتخاذ القرارات من بابين : الباب الأول هو باب توفير قاعدة معلومات مستقبلية للمخطط وصانع القرار ، أى توفير معلومات حول البدائل الممكنة وتداعيات كل منها عبر الزمن ، ونتائج كل منها عند نقطة زمنية محددة فى المستقبل . والباب الثانى هو باب ترشيد ما يجب أن يسبق عملية اتخاذ القرارات بشأن الخطط والسياسات من حوار وطنى على مستوى النخب وعلى مستوى الجماهير بقصد بلورة القضايا وبيان الاختيارات الممكنة ، وما ينطوى عليه كل اختيار من مزايا أو منافع ومن أعباء أو تضحيات . إذ تؤمن التنبؤات المشروطة التى تقدمها الدراسات المستقبلية فرصاً أوسع للاتفاق أو للاختلاف على أسس واضحة . كما أنها تمكن من المساعدة فى حسم بعض أوجه الخلاف من خلال إعادة صياغة " الشروط الابتدائية " لبعض أو كل البدائل محل النقاش ، وإعادة التحليل والحسابات فى ضوء الشروط المعدلة ، ومن ثم الدخول فى دورات نقاش متتابعة لتقريب وجهات النظر والتراضى على اختيار محدد .

ومثل هذا الأسلوب فى اتخاذ القرارات بمشاركة شعبية واسعة يمثل نقلة نوعية كبرى فى طبيعة الحوارات الوطنية التى كثيراً ما تفتقر إلى " الحوار " حقيقة ، وغالباً ما تكون مقصورة على تسجيل المواقف أو تبادل الاتهامات . ولو سمح للدراسات المستقبلية بأن تؤدى مثل هذا الدور فى " تنوير " و" تفعيل " المناقشات حول القرارات الوطنية ، فإن الحوار الوطنى سوف يكتسب حينئذ الكثير من السمات الحميدة للنقاش العلمى الذى عادة ما تكون مصادر الخلاف فيه واضحة ، والذى يمكن فيه التوصل إلى حلول عملية من خلال دورات متعددة للتصحيح المتتابع أو الاقتراب التدريجى من الحل الصحيح  iterations or successive approximations

مهام الدراسات المستقبلية

        تحقق الدراسات المستقبلية ما أشرنا إليه من أغراض من خلال إنجاز عدد من المهام المحددة . وقد يكون من المناسب أن نبدأ بالتعريف الذى قدمه أحد أعلام الدراسات المستقبلية " ويندل بيل " للمهام التى ينشغل بها حقل الدراسات المستقبلية ، وهى : " اكتشاف أو ابتكار ، وفحص وتقييم ، واقتراح مستقبلات ممكنة أو محتملة أو مفضلة " . وبشكل أكثر تحديداً ، يذكر " بيل " تسع مهام محددة للدراسات المستقبلية ، وهى(3) :

(1)  إعمال الفكر والخيال فى دراسة مستقبلات ممكنة possible futures ، أى بغض النظر عما إذا كان احتمال وقوعها كبيراً  أو صغيراً ؛ وهو ما يؤدى إلى توسيع نطاق الخيارات البشرية .   

(2)  دراسة مستقبلات محتملة probable futures ، أى التركيز على فحص وتقييم المستقبلات الأكبر احتمالاً للحدوث خلال أفق زمنى معلوم ، وفق شروط محددة
( مثلاً بافتراض استمرار التوجهات الحالية للنظام الاجتماعى - السياسى ، أو بافتراض تغييره على نحو أو آخر ) . وغالبا ما تسفر هذه الدراسة عن سيناريوهات متعددة .

(3)  دراسة صور المستقبل images of the future ، أى البحث فى طبيعة الأوضاع المستقبلية المتخيلة وتحليل محتواها ، ودراسة أسبابها وتقييم نتائجها . وذلك باعتبار تصورات الناس حول المستقبل تؤثر فيما يتخذونه من قرارات فى الوقت الحاضر ، سواء من أجل التكيف مع تلك التصورات عندما تقع ، أو من أجل تحويل هذه التصورات إلى واقع .

(4)  دراسة الأسس المعرفية للدراسات المستقبلية ، أى تقديم أساس فلسفى للمعرفة التى تنتجها الدراسات المستقبلية ، والاجتهاد فى تطوير مناهج وأدوات البحث فى المستقبل .

(5)  دراسة الأسس الأخلاقية للدراسات المستقبلية . وهذا أمر متصل بالجانب الاستهدافى للدراسات المستقبلية ، ألا وهو استطلاع المستقبل أو المستقبلات المرغوب فيها . إذ أن تحديد ما هو مرغوب فيه يستند بالضرورة إلى أفكار الناس عن " معنى الحياة " وعن " المجتمع الجيد " ، وعن " العدل " وغير ذلك من المفاهيم الأخلاقية والقيم الإنسانية .

(6)  تفسير الماضى وتوجيه الحاضر . فالماضى له تأثير على الحاضر وعلى المستقبل ، والكثير من الأمور تتوقف على كيفية قراءة وإعادة قراءة الماضى . كما أن النسبة الكبرى من دارسى المستقبل يعتبرون أن أحد أغراضهم الأساسية هو تغيير الحاضر وما يتخذ فيه من قرارات وتصرفات لها تأثيرها على تشكيل المستقبل .

(7)  إحداث التكامل بين المعارف المتنوعة والقيم المختلفة من أجل حسن تصميم الفعل الاجتماعى . ذلك أن معظم المعارف التى يستخدمها دارسو المستقبل من أجل التوصية بقرار أو تصرف ما هى معارف تنتمى إلى علوم ومجالات بحث متعددة لها خبراؤها والمتخصصون فيها. ولذلك يطلق على الدارسات المستقبلية وصف الدراسات التكاملية integrative أو الدراسات العابرة للتخصصات transdisciplinary . ولما كانت التوصية بفعل اجتماعى ما لا تقوم على المعارف العلمية وحدها ، برغم أهميتها ، بل يلزم أن تستدعى قيماً أو معايير أخلاقية معنية ، فإن على الدراسة المستقبلية أن تزاوج بين المعرفة العلمية
والقيم .

(8)  زيادة المشاركة الديمقراطية فى تصور وتصميم المستقبل ، أو مقرطة التفكير المستقبلى والتصرفات ذات التوجهات المستقبلية ، وإفساح المجال لعموم الناس للاشتراك فى اقتراح وتقييم الصور البديلة للمستقبل الذى سيؤثر فى حياتهم وحياة خلفهم .

(9)  تبنى صورة مستقبلية مفضلة والترويج لها ، وذلك باعتبار ذلك خطوة ضرورية نحو تحويل هذه الصورة المستقبلية إلى واقع . ويتصل بذلك تبنى أفعال اجتماعية معينة من أجل قطع الطريق على الصور المستقبلية غير المرغوب فيها ، والحيلولة دون وقوعها .

وينبغى الانتباه إلى أمرين بشأن المهام التسع السابقة :

( أ )  أنها مهام لحقل الدراسات المستقبلية أو علم المستقبليات فى مجموعة . ومن ثم فليس من المتعين على أى دراسة مستقبلية أن تنهض بهذه المهام التسع جميعاً . فلها أن تختار منها ما يناسبها فى ضوء تصور القائمين عليها
لمهامها .

        فالدراسة المستقبلية التى تجرى لشركة ما قد لا تتطلب النهوض بالمهمة (8) المتعلقة بزيادة المشاركة الديمقراطية فى تصور وتصميم المستقبل . كما أن المهمتين (4) و(5) المتعلقتين بدراسة الأسس المعرفية والأخلاقية للدراسات المستقبلية قد يختص بهما فريق أو أكثر من دارسى المستقبليات ، وليس حتماً أن ينشغل بهما كل من يكلف بإجراء دراسة مستقبلية لشركة أو إقليم أو بلد ما  . فالقيام بمثل هذه المهام " فرض كفاية " ، لا " فرض عين " ، يكفى أن ينهض به المعنيون بفلسفة علم المستقبليات ومناهجه ، ولا يلزم أن يقوم به كل مشتغل بالدراسات المستقبلية .

(II)   أن هذه المهام ليست جميعا محل اتفاق بين دارسى المستقبل . ومن أكثر الأمور مدعاة للجدل الرسالة الاستهدافية normative للدراسات المستقبلية المتضمنة فى البحث عن مستقبلات " مفضلة " ، وفى تبنى صور مستقبلية " مرغوب فيها " والترويج لها .

فمن الباحثين فى المستقبل من يقنع باستطلاع مسارات التطور المستقبلى البديلة التى يرتبط كل منها بمجموعة من الشروط الابتدائية ، ويكتفى بتحليل الصور المستقبلية التى ينتهى إليها كل مسار ، مبيناً ما تنطوى عليه من مزايا ومثالب ، تاركاً مهمة التفضيل والاختيار لمتخذ القرار ولعموم الناس الذين يعنيهم الأمر . ومن الباحثين من يرى ضرورة استكمال البحث المستقبلى بالمفاضلة بين السيناريوهات أو الصور المستقبلية البديلة وترجيح صورة منها ، كنوع من التوصية لمتخذ القرار والتوجيه للرأى العام . ومنهم من يرى السير أبعد من ذلك بالترويج بسبل مختلفة للصورة المستقبلية المرغوب فيها ، والدفع فى اتجاه فعل اجتماعى يعمل على تحقيقها . وأخيراً - وليس آخراً - قد يرى بعض الباحثين التركيز ابتداءً على صورة مستقبلية مرغوب فيها ، واستطلاع أفضل السبل أو المسارات التى تؤدى إليها انطلاقاً من الوضع الراهن .

      إذن ثمة مجال رحب لتحديد وتكييف مهام أية دراسة مستقبلية بالاختيار من قائمة المهام التسع المذكورة أعلاه ، والتركيز على مهمة أو أخرى بدرجة أكبر حتى ضمن المجموعة الصغرى من المهام المختارة .

منهجيات وأدوات الدراسات المستقبلية

      ثمة مجموعة من الخصائص المنهجية المرغوب فى توافرها فى الدراسات الاستشرافية الجيدة . ومن أبرز هذه الخصائص ما يلى :

(1)   الشمول والنظرة الكلية holistic للأمور . فليس من السهل الحديث عن دراسة مستقبلية للاقتصاد المصرى مثلاً فى غياب رؤية مستقبلية للأوضاع السياسية ، ولحالة العلم والتكنولوجيا ، ولأوضاع السكان والموارد والبيئة ، وللتغيرات فى المحيط الإقليمى والإطار العالمى . ومن المهم أن تدرس العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية … الخ فى تشابكها وتفاعلها مع بعضها البعض ، حتى تتوافر رؤية شاملة ومتكاملة لمستقبل هذا الاقتصاد .

(2)   مراعاة التعقد complexity  أى تفادى الإفراط فى التبسيط والتجريد للظواهر المدروسة ، والتعمق فى فهم ما يزخر به الواقع من علاقات وتشابكات ، ولا يقين ، ودينامية . وهو ما يتطلب النظر إلى الظاهرة المركبة فى مجملها من خلال منهج عابر للتخصصات transdisciplinary ، حيث لا يجدى " التفكيك " وفهم كيفية عمل كل جزء من أجزاء الظاهرة على حدة فى الخروج بصورة صحيحة عن سلوك مثل هذه الظاهرة ، حتى لو تضمن ذلك اللجوء إلى حقول معرفية متعددة .

(3)   القراءة الجيدة للماضى باتجاهاته العامة السائدة ، وكذلك التعرف على الاتجاهات الأخرى الراهنة ، لاسيما الاتجاهات البازغة والاتجاهات المضادة للاتجاه العام السائد ، حيث كثيراً ما تشكل الأخيرة مفاتيح جيدة لفهم الاتجاهات المحتملة فى  المستقبل . ومن جهة أخرى تشتمل القراءة الجيدة للماضى على القراءة الجيدة لتجارب الآخرين وخبراتهم ، واستخلاص دروس منها قد تفيد ( بمنطق المحاكاة ) فى فهم آليات التطور وتتابع المراحل ، وكذلك فى التعرف على القيود على الحركة وإمكانات تجاوزها .

(4)   المزج بين الأساليب الكيفية والأساليب الكمية فى العمل المستقبلى ، حيث يندر أن تفى الأساليب الكيفية وحدها أو الأساليب الكمية وحدها بمتطلبات إنتاج دراسة مستقبلية جيدة . ومن جهة أخرى ، ثبت أن تعدد الأساليب المستخدمة فى دراسة ظاهرة ما والمزج بين نتائجها ، كثيراً ما يؤدى إلى نتيجة أفضل مما لو جرى الاعتماد على أسلوب واحد . وعموما يتيح المزج بين أساليب متعددة - كيفية وكمية - تجاوز قصور النظريات والنماذج التى تبنى عليها عن طريق اللجوء إلى أساليب كيفية لمحاكاة الواقع بتفاصيله وتعقيداته الكثيرة ، وللتعرف على ردود الفعل المحتملة لبعض التصرفات من جانب الفاعلين فى النسق محل الدراسة .

(5)   الحيادية والعلمية لما كان المستقبل يدرس من خلال بدائل متنوعة ، يمثل كل منها سيناريو أو مساراً مستقبلياً يتوافق مثلاً مع رؤية أو مصالح هذه القوة الاجتماعية - السياسية أو تلك فى المجتمع ، فإن على دارس المستقبلات البديلة أن يتحلى بدرجة عالية من الحيادية والعلمية - أولاً - فى التعرف على البدائل ،  وعدم استبعاد بدائل معينة لمجرد رفض الدارس لمنطلقاتها أو ادعاءاتها ، و - ثانياً - فى تحليل هذه الادعاءات ، واستكشاف تداعياتها ، وتقييم ما لها وما عليها وفق مجموعة معايير متفق عليها سلفاً .

(6)   عمل الفريق والإبداع الجماعى وهو ما يعنى إنجاز الدراسة المستقبلية عن طريق فريق عمل متفاهم ومتعاون ومتكامل . فذلك أمر تفرضه طبيعة الدراسات المستقبلية التى تعتمد على معارف مستمدة من علوم متعددة ، والتى تستوجب دمج هذه المعارف وفق منظور أو إطار عابر للتخصصات . كما أن الجماعية مفيدة للوصول إلى تصورات وتنظيرات وحلول جديدة للمشكلات ، وذلك من خلال ما تتيحه من مواجهات بين المناهج والرؤى المختلفة لأعضاء فريق العمل .

(7)   التعلم الذاتى والتصحيح المتتابع للتحليلات والنتائج . فالدراسة المستقبلية لا تنجز دفعة واحدة (one-shot exercise) . بل إنها عملية متعددة المراحل يتم فيها إنضاج التحليلات وتعميق الفهم وتدقيق النتائج من خلال دورات متتابعة للتعلم الذاتى والنقد الذاتى ، وتلقى تصورات أطراف وقوى مختلفة وانتقاداتهم واقتراحاتهم ، والتفاعل معها من خلال اللقاءات المباشرة والأدوات غير المباشرة لإشراك الناس فى تصور وتصميم المستقبلات . وكلما تكررت عمليات التفاعل والنقد والتقييم والاستجابة لها بالتعديل والتطوير فى التحليلات والنتائج ، زادت فرص الخروج بدراسة مستقبلية راقية ، لاسيما من زاوية ارتباطها بالواقع الاجتماعى ، وزادت معها فرص تأثير الدراسة فى الفعل الاجتماعى .

 


تعدد طرق البحث فى المستقبل

وبطبيعة الحال فإن هذه الخصائص المنهجية المثالية لا يمكن أن تتأتى باتباع منهج بذاته أو أسلوب بعينه . بل إن إحدى هذه الخصائص ( الخاصية 4 أعلاه ) يفترض الجمع بين أساليب متعددة . وهذا التعدد فى الأساليب حقيقة واقعة ، توضحها الكتابات حول طرق الدراسات المستقبلية ، كما يوضحها استعراض أهم الدراسات المستقبلية المتاحة عالمياً وإقليمياً وقطرياً . وهو تعدد يثرى مجال البحث فى استشراف المستقبل ، ويتيح فرصاً واسعة للاختيار المنهجى بما يتواءم مع احتياجات كل بحث مستقبلى وأهدافه المحددة .

أصل الطرق ، ووظائفها والعلاقة فيما بينها

وكما سيتضح حالاً فإن معظم الأساليب التى يستخدمها دارسو المستقبلات هى أساليب مقترضة من مجالات وحقول معرفية أخرى ، كالإحصاء والاقتصاد والسياسة والعسكرية والاجتماع والهندسة وغيرها ، والقليل منها هو الذى صمم أساساً للدراسات المستقبلية أو توصل إليه باحثون فى المستقبليات مثل أسلوب دلفى (Delphi Method) وأسلوب البحث المستقبلى الاثنوجرافى (ethnographic futures research) .

لاحظ أن بعض ما يصنف عادة على أنه من طرق الدراسات المستقبلية قد لا يؤدى بذاته إلى تنبؤات مشروطة أو رسم صور مستقبلية ، بل أنه قد يكون مفيداً فى إنجاز بعض المراحل الوسيطة التى تخدم عملية استشراف المستقبل . ومن أمثلة هذه الطرق طرق تحليل المضمون content analysis ، وطرق المتابعة أو تتبع الظواهر monitoring ، وطريقة الاستثارة الفكرية brain storming .

لاحظ أيضاً أن بعض الطرق المذكورة فيما بعد قد تتكامل فيما بينها ، ولا تتنافس على تقديم تنبؤات أو صور مستقبلية بديلة . فكتابة السيناريوهات مثلا قد تتم باستخدام الطرق التشاركية مثل ورشات العمل المستقبلى بالمشاركة  participatory futures workshops ، وطريقة تحليل الآثار المقطعية أو التبادلية cross impact analysis ، ونماذج المحاكاة simulation models ، . إذ يؤدى كل منها غرضاً قائما بذاته مثل الحصول على توقعات أو تنبؤات لبعض المتغيرات ، أو اختصار عدد السيناريوهات الممكنة ، أو حساب تداعيات تصرفات معينة عبر الزمن .

معايير تقسيم طرق البحث فى المستقبل

ويمكن تقسيم طرق البحث المستقبلى وفق معايير متنوعة . فقد تصنف هذه الطرق حسب درجة اعتمادها على قياسات كمية صريحة إلى طرق كمية quantitative وطرق كيفية qualitative . ولكن يعيب هذا التقسيم أن التمايزات ليست قاطعة بين ما هو كمى وما هو كيفى من طرق البحث المستقبلى . وكثيراً ما يكون الفرق بينهما فرقاً فى الدرجة - لا فى النوع . ذلك أن غالبية الطرق التى يستخدمها دارسو المستقبل تستخدم شيئا من" التكمية " ، مهما كان محدوداً . كما يندر أن تعتمد الدراسات المستقبلية الجيدة على القياسات الكمية وحدها دون اللجوء إلى الطرق الكيفية ، على الأقل فى مرحلة التحليل والتفسير والتوصل إلى استنتاجات .

كذلك قد تصنف طرق البحث المستقبلى إلى طرق استطلاعية exploratory تقدم صوراً مستقبلية احتمالية ، وطرق استهدافية normative تقدم صوراً لمستقبلات مرغوب فيها .

ولكن هذا التقسيم ليس حاداً كما يبدو . إذ قد يشترك هذان النوعان من الطرق فى وسائل البحث المستقبلى ، بمعنى أن الصور المستقبلية التى يؤدى إليها كل نوع منهما قد تنتج باستخدام وسائل كمية أو وسائل كيفية ، أو بمزيج من الاثنين . كذلك فإن الدراسة المستقبلية قد تتوصل إلى عدد من الصور المستقبلية الاحتمالية ، ثم تختار من بينها صورة أو أكثر من الصور المرغوب فيها . أى أن الصفة الاستطلاعية والصفة الاستهدافية قد تجتمعان فى دراسة مستقبلية واحدة .

وأخيراً ، قد يميز بين طرق نظامية formal أو موضوعية objective من
جهة ، وطرق غير نظامية informal أو ذاتية subjective من جهة أخرى . والعبرة هنا هى بما إذا كانت الطريقة المستخدمة فى البحث المستقبلى تعتمد على أساليب مقننة codified واضحة المعالم ، أو على نماذج صريحة للظاهرة محل الدراسة ( فحينئذ تعتبر من الطرق النظامية أو الموضوعية ) ، أو أنها تعتمد على الحدس والخيال والخبرة والتقدير الذاتى ، دون تبنى نماذج صريحة للظاهرة موضع البحث ( فحينئذ تعتبر من الطرق غير النظامية أوالذاتية ) . ولكن هذا المعيار قد يصعب تطبيقه على الكثير من طرق البحث المستقبلى . فما يبدو لأول وهلة موضوعياً ( كالنماذج ) كثيراً ما يعتمد على اختيارات ذاتية ( للمتغيرات أو لتعريفها وغير ذلك كثير ) ولا يستغنى عن قدر من الحدس والخبرة . وما يبدو لأول وهلة ذاتياً ، كثيراً ما يمكن استنتاج خطوات أو إجراءات محددة لتطبيقه ( مثل طريقة دلفى ) .

       ولذلك آثرنا عدم تصنيف الطرق الخمس والعشرين التى سنقدمها حالاً حسب أى من هذه المعايير ، واكتفينا بتقديمها فى عشر مجموعات تغلب على كل مجموعة منها سمة منهجية معينة . ولما كانت طبيعة هذه الورقة لا تسمح بتقديم عرض مفصل لأى من الطرق المذكورة ، فحسبنا رصد هذه الطرق والتعريف الموجز ببعضها لا أكثر (4)، وذلك على النحو التالى :

  1- طرق السلاسل الزمنية ، time series methods وهى من الطرق التى لا تقوم على نماذج " سببية "  causal، تعبر عن سلوك المتغير أو المتغيرات موضع الاهتمام وفق " نظرية " ما . وهى تشمل طرق ونماذج تتفاوت من حيث التعقيد وكم المعلومات المسبقة المطلوب . منها نموذج الخطوة العشوائية random walk model الذى يفترض قيمة المتغير فى فترة ما هى قيمته التى تحققت فى فترة سابقة
( ولذا يطلق عليه نموذج عدم التغير ) . ومنها طرق إسقاط الاتجاه العام trend extrapolation بالمتوسطات المتحركة وتحليل الانحدار . ومنها أساليب تفكيك السلاسل الزمنية للتنبؤ بالتغيرات الموسمية . ومنها طرق التمهيد الأسى للسلاسل الزمنية ، ، والطرق المعتمدة على النماذج الاحصائية للسلاسل الزمنية مثل نماذج " بوكس - حينكنز".

       2- طرق الاسقاطات السكانية ، ومن أشهرها ما يعرف بطريقة الأفواج والمكونات cohort-component method ، حيث يتم حساب النمو فى عدد السكان من مكونات محددة كالمواليد والوفيات والهجرة إلى الدولة والهجرة من الدولة ، وحيث يمكن التنبؤ بعدد السكان فى كل فوج أو شريحة عمرية - جنسية استناداً إلى معدلات الخصوبة ومعدلات البقاء على قيد الحياة حسب العمر والجنس .

       3- النماذج السببية causal models . وهنا يتم التنبؤ بقيم متغير ما أو مجموعة متغيرات باستعمال نموذج يحدد سلوك المتغيرات المختلفة استناداً إلى نظرية ما . ومن أشهر هذه النماذج نماذج الاقتصاد القياسى econometric models ، ونماذج المدخلات والمخرجات input-output models ، ونماذج البرمجة programming models أو الأمثلية optimization ، ونماذج المحاكاة simulation models ، ونماذج ديناميات الأنساق systems dynamics ( التى تعد دراسة " حدود النمو " لنادى روما من أشهر تطبيقاتها ) . وإلى جانب هذه النماذج الكمية الصريحة ، قد تتخذ النماذج أشكالا أقل صرامة من الناحية المنهجية . فقد يعبر عنها لفظياً بجمل منطقية ، وقد يعبر عنها بالأشكال البيانية وخرائط التدفقات flow charts . وفى بعض الحالات تجرى المحاكاة لما قد يحدث فى الواقع ليس اعتماداً على نماذج من هذا النوع أو ذاك ، بل على محاكيات فعلية actual analogs كنماذج الطائرات مثلاً .

       4- الألعاب أو المباريات gaming ، وهى طريقة تعتمد على المحاكاة ليس فقط من خلال الباحث فى الدراسات المستقبلية ، بل وكذلك بإشراك الناس فيها كلاعبين يقومون بأدوار role playing يتخذون فيها قرارات أو تصرفات ، ويستجيبون لقرارات وتصرفات غيرهم ، ويبدون رد فعلهم إزاء أحداث معينة . ويتم استخراج الصور المستقبلية البديلة باستعمال نماذج لفظية أو رياضية أو كمبيوترية أو محاكيات فعلية .

       5- تحليل الآثار المقطعية cross impact analysis وهو أسلوب لفهم ديناميكية نسق ما ، والكشف عن القوى الرئيسية المحركة له . كما أنه أسلوب لفرز التنبؤات الكثيرة والخروج منها بعدد محدود من التنبؤات ، وذلك بمراعاة أن احتمال وقوع بعض الأحداث يتوقف على احتمال وقوع أحداث أخرى . أى أنها طريقة لأخذ الترابطات وعلاقات الاعتماد المتبادل بين الظواهر أو المتغيرات أو التنبؤات فى الحسبان .

       6- الطرق التشاركية participatory methods . ويقصد بها طرق البحث المستقبلى التى تتيح المجال لمشاركة القوى الفاعلة أو الأطراف المتأثرة بحدث ما فى عملية تصميم البحث وجمع المعلومات اللازمة له وتحليلها واستخراج توصيات بفعل اجتماعى معين بناء على نتائجها . وهذه الطرق أكثر استعمالاً من النشطاء فى مجال المستقبليات ، أى من يقومون بالدراسات المستقبلية ذات التوجه الاستهدافى والتى يرتبط فيها الاستهداف بممارسات عملية للترويج والتعبئة والتحريض على اتخاذ فعل اجتماعى يساعد على تحقيق صورة مستقبلية مرغوب فيها أو على منع حدوث صورة أو صور مستقبلية غير مرغوب فيها . ومن أمثلة هذه الطرق التشاركية فى البحث المستقبلى طريقة الممارسة المستقبلية بالمشاركة    participatory future praxis ، وطريقة البحث التشاركى الموجه للفعل الاجتماعى participatory action research ، وطريقة ورش عمل المستقبليات futures workshops ، وطرق إجراء التجارب الاجتماعية social experiments ، والبحوث المستقبلية الاثنوجرافية ethnographic futures research التى تركز على استطلاع المستقبلات الثقافية - الاجتماعية من خلال مقابلات مطولة ومفصلة ومتكررة مع مجموعة من الأفراد المشتغلين بظاهرة ما    ( كالبحث والتطوير التكنولوجى) أو الذين يحتمل تأثرهم بحدث ما .

       7- طرق التنبؤ من خلال التناظر والإسقاط بالقرينة . وتقوم أساليب التناظر أو المشابهة method of analogy على استخراج بعض جوانب الصور المستقبلية استناداً إلى أحداث أو سوابق تاريخية معينة والقياس على ما فعلته دول معينة فى مرحلة أو أخرى من مراحل تطورها لإنجاز معدل ما للنمو الاقتصادى مثلاً . أما أساليب الإسقاط بالقرينة ، فهى تقوم على افتراض أن ثمة ارتباط زمنى بين حدثين ، حيث يقع  أحدهما قبل الآخر عادة ، بحيث يمكن التنبؤ بالحدث اللاحق استناداً إلى الحدث السابق . فمثلا يمكن أن يؤخذ التقدم فى الطائرات الحربية من حيث السرعة قرينة على التقدم فى سرعة الطائرات المدنية . ومن أشهر هذه الطرق طريقة السلاسل الزمنية القائدة leading series التى كثيراً ما استخدمت فى التنبؤ بالدورات الاقتصادية ، حيث يؤخذ بطء النمو فى متغيرات اقتصادية معينة (كالمخزون أو التعاقدات الجديدة ) قرينة على إبطاء حركة النشاط الاقتصادى فى مجموعه .

       8- طرق تتبع الظواهر وتحليل المضمون . يقصد بطريقة تتبع الظواهر monitoring استخدام طائفة متنوعة من مصادر المعلومات فى التعرف على الاتجاهات العامة لمتغيرات معينة ، مع افتراض أن الاتجاهات العامة التى يتم الكشف عنها هى التى ستسود فى المستقبل . وقد استخدم هذه الطريقة الباحث المستقبلى المشهور Naisbitt فى التوصل إلى ما أطلق عليه الاتجاهات العامة الكبرى megatrends . أما طريقة تحليل المضمون content analysis فهى تركز على تحليل مضمون الرسائل messages التى تحملها الصحف والمجلات والبحوث والكتب وما يذاع فى الإذاعة والتليفزيون وغيرها ، وتسجيل مدى تكرر عبارات أو كلمات تحمل قيماً أو توجهات معينة ، وبناء استنتاجات مستقبلية على تحليل هذه التكرارات .

       9- تحليل آراء ذوى الشأن والخبرة  . ومن هذه الأساليب طريقة المسوح surveys التى يتم فيها استطلاع رأى أو توقعات عينة من الأفراد سواء من خلال استبيان يرسل بالبريد أو يتم تعبئته عن طريق المقابلة الشخصية أو الإتصال التليفونى . ومنها طريقة ندوة الخبراء panel discussion وطريقة الاستثارة الفكرية أو القدح الذهنى brain storming ، وطريقة دلفى Delphi method التى يتم فيها استطلاع الآراء والتحاور بشأنها ، مرة واحدة كما فى ندوة الخبراء والاستثارة الفكرية أو عدة مرات كما فى طريقة دلفى .

       10- السيناريوهات Scenarios . السيناريو وصف لوضع مستقبلى ممكن أو محتمل أو مرغوب فيه ، مع توضيح لملامح المسار أو المسارات التى يمكن أن تؤدى إلى هذا الوضع المستقبلى ، وذلك انطلاقاً من الوضع الراهن أو من وضع ابتدائى مفترض . والأصل أن تنتهى كل الدراسات المستقبلية إلى سيناريوهات ، أى

المصدر: - د . إبراهيم العيسوى الدراسات المستقبلية ومشروع مصر 2020 , سبتمبر 2000
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 39/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 6851 مشاهدة
نشرت فى 9 ديسمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,876,970

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters