يلعب البنك الإسلامي للتنمية كغيره من البنوك التنموية دوراً رئيساً وهاماً في تجميع الموارد من الدول الأعضاء ومن الأسواق المالية وفي تخصيصها وتوزيعها على المشاريع والبرامج المتنوعة في قطاعات الاقتصاد المختلفة، خاصة الإنتاجية منها، وذلك من أجل المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وتحسين المستوى المعيشي للإنسان في الدول الأعضاء والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء.
ومنذ نشأته، دأب البنك على دعم قدراته للعب هذا الدور الحيوي بالاعتماد على التحسين المتواصل لكفاءة العاملين فيه وكفاءة نظمه الداخلية، كما اعتمد على الدعم المستمر من دوله الأعضاء، وخاصة من دولة المقر، المملكة العربية السعودية.
تنقسم هذه الورقة إلى قسمين : القسم الأول يعني بإبراز دور البنك الإسلامي للتنمية في تنمية دوله الأعضاء من خلال تكوينه واتفاقيات ولوائح نشأته، وكذلك من خلال نشاطاته التمويلية المختلفة، مرورا بالتطورات المؤسسية والإستراتجية. وسيتم تحليل هذا الدور بعد تقديم نبذة مختصرة عن السمات البارزة لاقتصادات الدول الإسلامية الأعضاء وأدائها في مجال التنمية. أما القسم الثاني فيركز على التحديات المستقبلية التي تجابه الصناعة المصرفية الإسلامية، ويناقش بعض الحلول المقترحة لمواجهة تلك التحديات.
1- الأداء التنموي لاقتصادات الدول الإسلامية الأعضاء
شهدت الدول الإسلامية خلال العقود القليلة الأخيرة نموا اقتصاديا اتسم بتضاعف إجمالي الناتج المحلي ثلاث مرات, وارتفاع متوسط الناتج المحلي للفرد من 751 دولار سنة 1975م إلى 1124 دولار سنة 2004م. فيما انتقل الميزان التجاري من عجز قارب 44 بليون دولار عند إنشاء البنك إلى فائض كبير يقدر بحوالي 156 بليون دولار. كما شهدت هذه الدول تحسنا في مؤشرات التنمية البشرية, ويبدو هذا جليا من خلال ارتفاع مؤشر التنمية البشرية من 0.507 سنة 1990م إلى 0.588 سنة 2003م, وارتفاع نسبة تعليم الكبار من 45% سنة 1975م إلى 70% سنة 2004م. وخلال الفترة منذ إنشاء البنك إلى الآن, عرفت الدول الإسلامية أيضا تغيرا في توجهاتها وسياساتها الاقتصادية من اقتصادات موجهة ومعتمدة أساسا على القطاع العام وعلى استبدال الواردات بالإنتاج المحلي إلى اقتصادات السوق المعتمدة على القطاع الخاص وعلى تعزيز الصادرات والاندماج في الاقتصاد العالمي. ويوضح الجدول أدناه أهم مؤشرات الأداء الاقتصادي للدول الأعضاء بالبنك الإسلامي للتنمية عند إنشاء البنك الإسلامي للتنمية عام 1975م وفي آخر سنة تتوفر فيها المعلومات الإحصائية.
2- إنشاء البنك الإسلامي للتنمية والتحديات الأولية
إن البنك الإسلامي للتنمية كمؤسسة مالية دولية، أنشئت تطبيقاً لبيان العزم الصادر عن أول مؤتمر لوزراء مالية الدول الإسلامية الذي عقد في مدينة جدة في شهر ذي القعدة من عام 1393هـ الموافق (ديسمبر عام 1973م). وانعقد الاجتماع الافتتاحي لمجلس المحافظين في مدينة الرياض في شهر رجب عام 1395هـ الموافق (شهر يوليو من عام 1975م). وقد تم افتتاح البنك رسمياً في اليوم الخامس عشر من شهر شوال عام 1395هـ (العشرين من أكتوبر عام 1975م).
لاشك أن فكرة تضامن الدول الإسلامية وتعاونها في مواجهة تحدي التنمية بصفة عامة والتخفيف من حدة الفقر بصفة خاصة في إطار مبادئ وهدي الشريعة الإسلامية الغراء كانت وراء إنشاء البنك ولازالت تحدد توجهاته ونشاطاته.
وقد جاء إنشاء البنك الإسلامي للتنمية ترسيخاً لمبدأ التضامن الإسلامي والتعاون المشـترك، وإدراكاً لحجم التحديات التي تجابه الأمة الإسلامية في المجال الاقتصادي، ومن ثم ضرورة إيجاد آلية فاعلة للتصدي لتلك التحديات. فهو مؤسسة للتعاون التنموي جنوب ـ جنوب نظرا لكون كل أعضائه من البلدان النامية. ويتجلى هذا التضامن في الحرص على الإجماع أو التوافق في اتخاذ القرارات ودون الحاجة منذ إنشاء البنك إلى اللجوء إلى التصويت.
ومنذ البداية، تم التوافق على أن يكون هدف البنك الإسلامي للتنمية الأساس هو دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية في الدول غير الأعضاء وفقاً لمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية. كما تم التوافق لتحقيق هذا الهدف السامي على أن يولي البنك عناية خاصة لتمويل المشروعات الإنتاجية ومشروعات البنية التحتية ذات الجدوى المالية والاقتصادية بوسائل متعددة منها المساهمة في رأس المال وتقديم القروض الحسنة. ثم أضيف لهذه الوسائل لاحقا الإجارة والبيع لأجل والاستصناع والمشاركة المتناقصة ونحوها، وذلك لآجال متوسطة وبعيدة المدى. وكما سيتم بيانه لاحقا عند الحديث عن النشاط التمويلي، فقد أولى البنك منذ إنشائه أولوية قصوى للقطاع الاجتماعي وخاصة الصحة والتعليم. وكان البنك سبَاقا في تمويل المشاريع التعليمية والصحية في حين كانت البنوك التنموية الأخرى في ذلك الوقت تنأى بنفسها عن مثل هذه المشاريع الاجتماعية. وبالفعل، قام البنك بتوقيع أول اتفاقية للتعاون مع مؤسسة دولية, مع اليونسكو، في مجال التعليم.
ومنذ إنشاء البنك، اتضحت أيضا ضرورة الجمع بين الأنشطة التنموية والأنشطة في مجال التعاون والتكامل الاقتصادي. وفي هذا الإطار، كان للبنك الأسبقية بين البنوك التنموية في العناية بتشجيع التبادل التجاري بين الدول الأعضاء حيث أتاحت برامج التمويل قصيرة الأجل للواردات، ثم بعد ذلك برامج تمويل الصادرات، بوسيلة المرابحة والوسائل الأخرى، مساهمة البنك في توفير احتياجات الدول الأعضاء والمستفيدين من السلع والبضائع الإستراتيجية ذات الصبغة التنموية.
وفي مجابهة تحدي التنمية، بادر البنك بتقديم المعونة الفنية لتهيئة المشروعات والدعم المؤسسي ونقل الخبرة والتقانة لفائدة الدول الأعضاء. كما أن من وظائف البنك إنشاء وإدارة صناديق خاصة لأغراض معينة ومن بينها صندوق لمساعدة المجتمعات الإسلامية في الدول غير الأعضاء. وللبنك قبول الودائع وتعبئة الموارد المالية بالوسائل التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وقد اتسم البنك منــذ تأسيسه بثلاث سمات وضعت أمامه تحدياً كبيراً في مسيرته اللاحقة، وأهم تلك السمات هي:
أ) التزام البنك في جميع أعماله بأحكام الشريعة الإسلامية، وهو بهذا أول مؤسسة مالية دولية في هذا المجال. كما أنه ماانفك يعمل على تعزيز صناعة الصيرفة الإسلامية في شتى أنحاء العالم بكل الوسائل الممكنة بالمساهمة في إنشاء العديد من البنوك الإسلامية والمساهمة في رؤوس أموالها وتقديم العون الفني, كما ساهم البنك بفاعلية في إنشاء عدد من المؤسسات التي تعمل على مساندة وتعزيز مسيرة العمل المصرفي الإسلامي سيأتي ذكرها فيما بعد.
ب) يعتبر البنك نموذجاً يكاد يكون فريداً للتعاون بين هذا العدد الكبير 56 دولة من دول الجنوب، حيث أن الجانب الأكبر من رأس ماله مدفوع من قبل دول هي ذاتها من دول الجنوب هدفت إلى مساعدة غيرها من الدول الأقل نمواً. وفي هذا المجال، ساهمت المملكة العربية السعودية بأكثر من 25% من رأس مال البنك كما ساهمت بسخاء في برامجه وصناديقه الأخرى.
ج) تمثل الدول الأقل نمواً (حسب تصنيف الأمم المتحدة) نحو نصف عضوية البنك مما يؤكد على ضرورة إعطاء الأولوية لمسألة التخفيف من حدة الفقر بالعمل على مساعدة هذه الدول من أجل تسريع نسق نموها من ناحية واستهداف الفئات الأكثر حرمانا من الناحية الأخرى.
3- أهم التطورات المؤسسية من أجل دعم التنمية
لقد شكك الكثيرون عند إنشاء البنك في قدرته وإمكانية نجاحه واستمراريته في تلبية احتياجات دوله الأعضاء المتغيرة والمتطورة مع الالتزام بأحكام الشريعة الغراء، خاصة في ضوء عدم وجود أية سابقة في هذا المجال.
إلا أنه، وبعد ثلاثين عاماً من النشاط الدؤوب والعمل المتميز في خدمة التنمية البشرية والاقتصادية، وبآليات وصيغ تمويلية تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، برهن البنك ليس فقط أن النجاح في هذا المجال ممكن وميسور، بل إنه ممكن وميسور بذات المعايير العملية والمالية والائتمانية التي تصنف بها وصيفاته من مؤسسات التمويل متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية الأخرى التي تعتمد أساليب التمويل التقليدية. ولقد حدث ذلك نتيجة تطورٌ مؤسسي محكم ومستمر شمل عدة جوانب، من بينها تنامي عضوية البنك وحضوره الميداني على الصعيد الدولي لخدمة التنمية البشرية.
فمن ناحية، شهد البنك نموا تدريجيا في عضويته مع مرور الوقت. ففي حين كانت عضويته عند إنشائه في عام 1395هـ (1975م) 22 دولة فقط، زادت هذه العضوية لتصبح 56 دولة في عام 1426هـ (2005م). وجميع الأعضاء من الدول النامية التي تنتشر في أربع قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. والشرط الرئيس لعضوية البنك هو أن تكون الدولة طالبة العضوية عضواً في منظمة المؤتمر الإسلامي، وتسدد حصتها في رأس مال البنك وأن تصادق على اتفاقية تأسيس البنك. ولقد استثمر البنك هذه العضوية المتنامية لدعم التعاون الاقتصادي ولتبادل التجارب التنموية والخبرات بين أكبر عدد ممكن من الأقاليم والبلدان والمجتمعات الإسلامية.
ومن ناحية أخرى، فإن البنك الذي بدأ كمؤسسة وحيدة، تطور مع مرور السنين إلى مجموعة من المؤسسات والصناديق. فرض ذلك التطور تنوع الطلب على الخدمات التي يقدمها ونمو وتنوع العمليات التي يضطلع بها. وتشمل المجموعة الكيانات التالية:
أ) أعضاء مجموعة البنك وهم أربع: البنك (قائد المجموعة) والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، والمؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات، والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب. وسوف يضاف إليها قريبا-بمشيئة الله- المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة والتي هي حاليا قيد الإنشاء.
ب) الصناديق المتخصصة، وتشمل محفظة البنوك الإسلامية للاستثمار والتنمية، صندوق حصص الاستثمار، صندوق البنك الإسلامي للتنمية للبنية الأساس، صندوق استثمار ممتلكات الأوقاف، والهيئة العالمية للوقف.
ج) المؤسسات التابعة، وهي المركز الدولي للزراعة الملحية، ومشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من لحوم الهدي والأضاحي الذي يديره البنك.
أما على صعيد الوجود الميداني، فقد أنشأ البنك ثلاث مكاتب إقليمية في كل من الرباط في المغرب وكوالالمبور في ماليزيا وألماتي في كازاخستان. كما أن للبنك ممثلين ميدانيين في عدد من الدول الأعضاء. وقد أعطى وجود المكاتب الإقليمية والممثلين الميدانيين البنك ميزة إضافية للإطلاع على احتياجات الدول الأعضاء عن كثب كما ساعد في تنفيذ ومتابعة تنفيذ المشروعات مما حسن كثيراً من أداء محفظة البنك في العمليات. كما أن البنك يعمل حالياً لفتح مكتب إقليمي في غرب إفريقيا لخدمة إفريقيا جنوب الصحراء ودول الساحل وزيادة عدد الممثلين الميدانيين.
وقد رافق هذه التطورات المؤسسية تطوراً آخر في حجم القوة البشرية العاملة في البنك حيث ارتفع العدد من حوالي 90 في عام التأسيس إلى أكثر من 900 في نهاية العام 1426هـ/2005م.
4- تطور التوجهات الإستراتيجية لخدمة التنمية
يمثل الإطار الاستراتيجي لأي مؤسسة الحيز الذي تستطيع أن تتحرك فيه المؤسسة رأسياً وأفقياً لتحقيق أهدافها المعلنة وذلك في فترة زمنية معلومة. وقد درج البنك منذ إنشائه على وضع الاستراتيجيات والخطط متوسطة المدى لتعزيز أنشطته في الدول الأعضاء من أجل تحقيق التنمية والرفاه الاجتماعي لشعوب تلك الدول. فقد وضع البنك في عام 1414هـ (1993م) "الخطة الإستراتيجية للمدى المتوسط" والتي كانت تخضع للمراجعة والتقويم الدوري بغية الوقوف على الثغرات والنواقص التي قد تعيق تنفيذها. وبالفعل، فلقد أشار هذا التقويم إلى ضعف آليات التنفيذ وغياب الحوافز التي تساعد على تحقيق الأهداف المنشودة.
ثم إن التطور الهائل الذي حدث في الساحة الاقتصادية الدولية، وتطور البنك نفسه إلى مجموعة بكل ما يعني ذلك من تشعب وتنوعٍ في العمليات، جعل الحاجة لإستراتيجية شاملة تخاطب تلك التحديات والفرص الناتجة عنها، وتضع رؤية مستقبلية تواكب ظروف العولمة وانفتاح الأسواق وتساعد في ذات الوقت على خلق آليات التنسيق بين أفراد المجموعة، جعلها أكثر إلحاحاً. ومن هذا المنطلق، فقد وضع البنك في عام 1425هـ (2004م) إستراتيجية شاملة جديدة تخاطب تلك المستجدات وتتيح لأفراد المجموعة رفع الكفاءة وتعزيز التنسيق بين أعضائها من اجل تحقيق الأثر الجماعي الأكبر والأمثل للمساعدة التنموية في الدول الأعضاء. ولذلك قام البنك بصياغة بيان الرؤية والرسالة والقيم الأساسية إضافة إلى تحديد أهدافه الإستراتيجية والأولويات للمدى المتوسط. ونورد أدناه ملخصاً موجزاً لأهم عناصر هذا "الإطار الاستراتيجي لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية":
أ) ففي مجال الرؤية، يطمح البنك إلى أن يكون هو الرائد في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دوله الأعضاء والمجتمعات الإسلامية في الدول غير الأعضاء وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
ب) أما بالنسبة للرسالة، فإن مجموعة البنك ملتزمة بتخفيف وطأة الفقر وتنشيط التنمية البشرية والعلوم والتقانة ودعم صناعة الصيرفة الإسلامية وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء.
ج) وقد اختار البنك لرؤيته ورسالته قيماً أساسية تتمثل في الآتي:
- الأداء المتميز في جميع الأنشطة وفي التعامل مع العملاء والشركاء.
- سرعة الاستجابة في تلبية حاجات العملاء.
- الأمانة والإخلاص والنزاهة.
- التفاني في خدمة العملاء.
- تفويض السلطات والعمل كفريق.
د) وفي ضوء المعطيات المبينة أعلاه، اختطت الإستراتيجية الأولويات الست التالية لتحقيق تلك الأهداف وذلك في غضون الفترة 1426هـ ـ 1430هـ مع اعتبار أن تعبئة وزيادة الموارد المالية والارتقاء بنوعية وأداء القوة البشرية هما شرطان أساسيان من أجل نجاح الإستراتيجية. هذه الأولويات الست هي :
- التنمية البشرية
- التنمية الزراعية والأمن الغذائي
- تطور البنية الأساس (الاقتصادية والاجتماعية)
- تنمية التجارة بين الدول الأعضاء
- تنمية القطاع الخاص
- دعم البحوث والتطور في مجـال الاقتصاد والصناعة المصرفية الإسلامية.
ومن ناحية أخرى، وكما سيأتي بيانه لاحقا، فإن البنك اشرف على الانتهاء من الإجراءات اللازمة لتبني "الرؤية للعام 1440هـ" والتي قد حشد لها كوكبة متميزة من رجال الفكر والسياسة والاقتصاد لتحديد التحديات التي ستواجه الأمة الإسلامية ـ خاصة في المجال الاقتصادي ـ حتى ذلك التاريخ وماذا سوف يكون دور مجموعة البنك في مجابهة تلك التحديات.
5- نمو الهيكل المالي وتعبئة الموارد لتلبية الحاجيات التنموية المتزايدة
تعزيز الموارد الرأسمالية العادية
شهدت قاعدة رأس مال البنك توسعاً عبر السنين ويعزى ذلك إلى دعم وتعاون ومساندة الدول الأعضاء وعلى رأسـها المملكة العربية السعودية. وقد ساعد هذا النمو في رأس مال البنك على المساهمة في تلبية جانب من احتياجات الدول الأعضاء المتزايدة للتمويل التنموي. ويوضح الجدول التالي الزيادة المضطردة التي حدثت في رأس مال البنك في ثلاث سنوات مختارة منذ تأسيس البنك وحتى تاريخه:
إنشاء صندوق الوقف
ويقوم البنك، كما سمحت له بذلك اتفاقية التأسيس، بالتوظيف قصير الأجل للأموال، لذلك يتم إيداع الأرصدة السائلة التي لا يحتاجها البنك للعمليات العادية أو لتمويل التجارة لدى مؤسسات مالية تعمل في الأسواق المالية الدولية، وفي الدول الأعضاء. وفي شهـر رجب سنة 1396هـ (الموافق يناير 1976م)، اتخذ مجلس المديرين التنفيذيين للبنك قرارا بشأن الأموال التي تتحصل من وضع ودائع البنك في المصارف الأجنبية. وقد قضى القرار بتجنيب تلك الأموال ووضعهـا في حساب خاص. وبناء على ما صدر من المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قرر مجلس المحافظين في اجتماعه السنوي الثالث المنعقد في 16 من ربيع الثاني عام 1399هـ(الموافق 14 من مارس عام 1979م) أن الدخل الصافي المتحصل من ودائع البنك في المصارف الأجنبية يجب أن يخصص للأغراض التالية :
أ) التدريب والبحوث التي تهـدف إلى مساعدة وإرشاد الدول الأعضاء في تعديل مسار نشاطهـا الاقتصادي والمالي والمصرفي بما يتواءم وأحكام الشريعة الإسلامية. وتوخيا لهـذه الغاية، تم إنشاء المعهـد الإسلامي للبحوث والتدريب في مقر البنك في جدة.
ب) توفير وسائل الإغاثة في شكل السلع والخدمات المناسبة التي تقدم للدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية التي تتعرض للكوارث الطبيعية والمحن.
ج) توفير المساعدات المالية للدول الأعضاء من أجل دعم وتأييد القضايا الإسلامية.
وظل صندوق الحساب الخاص يقوم بالصرف على الأوجه المبينة أعلاه، إلى أن أنشأ البنك في عام 1418هـ صندوقاً أطلق عليه اسم "صندوق الوقف". وتستخدم موارد الصندوق من أجل دعم مختلف أنشطته وبرامج المعونة الخاصة ويتم جل التمويل في شكل منح غير مستردة. وقد بلغ صافي أصول الصندوق عند إنشائه عام 1418هـ 885 مليون دينار إسلامي (1.194 بليون دولار). وبنهاية عام 1426هـ بلغ إجمالي الأصول 904 مليون دينار إسلامي (1.266 بليون دولار).
مبادرات تعبئة الموارد
يقوم البنك بدعم موارده العادية عن طريق تعبئة الأموال من خلال برامج وأدوات تمويلية متنوعة تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية. وقد دفع الطلب المتزايد للتمويل التنموي من قبل الدول الأعضاء البنك لأن يوجه قدراً كبيراً من مجهوداته لتطوير هذه الأدوات. وتشمل الأدوات المستعملة الآن البرامج والصناديق الآتية:
· برنامج ودائع الاستثمار
· محفظة البنوك الإسلامية
· صندوق حصص الاستثمار
· صندوق البنك الإسلامي للتنمية لتمويل البنية الأساس
· برنامج تمويل الصادرات
· صندوق الاستثمار في ممتلكات الوقف
· إصدار الصكوك
يقدم برنامج ودائع الاستثمار الذي أسس عام 1400هـ (1980م) للمستثمرين خياراً يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية من اجل الاستثمار في تمويل عمليات البنك. ويقبل البنك بموجب البرنامج ودائع عدد من المؤسسات ويستخدمها في استثمارات قصيرة الأجل في تمويل التجارة الخارجية. أما محفظة البنوك الإسلامية التي أسست عام 1408هـ (1988م) فهي نافذة يعبئ البنك من خلالها السيولة المتاحة لدى عدد من البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية، ويوجهها لتمويل عملياته في الدول الأعضاء. وأسس صندوق حصص الاستثمار عام 1410هـ (1989م) كنافذة أخرى تعبئ موارد إضافية من السوق تقدم للمستثمرين قنوات استثمارية مربحة تتفق عملياتها مع أحكام الشريعة الإسلامية. من ناحية أخرى فإن برنامج تمويل الصادرات الذي أســس عام 1408هـ (1987م) فهو يستخدم فقط لتنمية الصادرات من الدول الأعضاء.
وفي هذا السياق، وتمشياً مع رؤيته الهادفة إلى تعبئة موارد إضافية من السوق بدلاً من اللجوء في كل مرة إلى الدول الأعضاء، أطلق البنك أحدث مبادراته في هذا الصدد في يوليو من عام 2003م وهي إصدار صكوك البنك الإسلامي للتنمية (السندات). وكان الإصدار الأول المبدئي بمبلغ 300 مليون دولار أمريكي، ولكن في ضوء الطلب القوي من المستثمرين فقد تمت زيادة حجم الإصدار إلى 400 مليون دولار. والإصدار مدته خمس سنوات، وهذا هو أول إصدار في سوق مال إسلامي من جهة غير سيادية (عقب عروض ماليزيا والبحرين)، وثاني إصدار سندات "دولية" كسند إسلامي.
وتتسم العملية بخصائص السند التقليدي والإدارة الإسلامية. وتشمل أصول صكوك البنك أصول إجارة وغيرها من تلك التي تتفق وأحكام الشريعة التي تم تحويلها إلى الصندوق الذي تأسس خصيصاً لهذه العمليات. ويضمن البنك جميع المدفوعات المستحقة من هذه الأصول، ويقدم الدعم كمقدم سيولة ومشترٍ نهائي لأصول الصكوك عند الاستحقاق. وتعهد البنك بعرض خاص شامل يغطي الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا. وقد وزعت العملية بصورة جيدة وكان معظم الطلب من الشرق الأوسط كما تحقق التوزيع في الشرق الأقصى وأوروبا. ونجح البنك في توسعة نوع المستثمرين لهذه الأصول. وكانت العملية أصلاً إصداراً إسلامياً، إلا أنها اجتذبت مشترين تقليديين، فقد جاء نحو 70% من الطلبات من السوق التقليدية. ونجح الغرض من العملية في تطوير أسواق مال إسلامية، فقد كان هناك عدد من المستثمرين من قطاع التمويل الإسلامي الذين اشتروا سندات قابلة للتعامل لأول مرة. وحقق البنك أهدافه في إشراك البنوك المركزية التي تمثل نحو 40% تقريباً من طلبات الشراء. وشارك البنك، كمدير مشارك، في إصدار صكوك قطرية بمبلغ 600 مليون دولار أمريكي عام 2003م. ويكتتب البنك أيضاً في عدد من عروض الصكوك من حكومة البحرين. ويقوم البنك حالياً بجهود لتطوير سوق الصكوك وذلك بإيجاد سندات قابلة للتعامل تتسق وأحكام الشريعة.
وقد حصل البنك على تصنيف (AAA) بواسطة مؤسسة "Standard & Poor’s" للتصنيف الائتماني في ديسمبر 2003م في خطوة مهمة لتعبئة الموارد من السوق الدولية كأول مؤسسة في العالم الإسلامي تحصل على هذا التصنيف. كما اعترفت لجنة بازل في يونيو 2004م بأن البنك بنك تنموي متعدد الأطراف معدل الخطر المرجح لديه صفر. وقد سهل هذا التصنيف دخول البنك إلى السوق الدولية لتعبئة موارد إضافية بغية تلبية الاحتياجات المالية المتزايدة للدول الأعضاء. وصكوك البنك هي أول أوراق مالية تقليدية تتوافق مع الشريعة. وتجدر الإشارة إلى أن النجاح الذي قابله البنك في إصداره الأول دفعه إلى الموافقة على الإصدار الثاني في 2005م بمبلغ بليون دولار تكون الشريحة الأولى منه 500 مليون دولار. والجدول التالي يوضح المبالغ التي تمت تعبئتها من السوق عن طريق الصناديق والبرامج سالفة الذكر:
6- النشاط التمويلي التنموي للبنك
يوجّه البنك كمؤسسة مالية تنموية جُل نشاطه ويستغل الموارد المتاحة لديه لدعم ومساندة جهود دوله الأعضاء الهادفة إلى تحقيق الطفرة الاقتصادية والتقدم الاجتماعي وتحسـين المستوى والبيئة المعيشية للإنسان في تلك الدول. ويهتم البنك بصفة خاصة، كما رأينا سالفاً في توجهاته الإستراتيجية، بالإنسان باعتبار أنه المستهدف والمستفيد من التنمية، ولذلك فإن التنمية البشرية تمثل محوراً ومرتكزاً أساسياً لنشاط البنك ويتمثل ذلك في اهتمامه بمحاربة الفقر وبتمويل التعليم بكل مراحله والصحة والتدريب وتوفير مياه الشرب والارتقاء بالصرف الصحي ونحو ذلك من الأنشطة المساعدة. لكن البنك لا يحصر نشاطه على إنسان الدول الأعضاء، بل يتعدى ذلك ليشمل المجتمعات الإسلامية في الدول غير الأعضاء كما تقتضي ذلك وثائق تأسيسه. ويمارس البنك هذا النشاط التمويلي عبر ثلاثة محاور رئيسه هي العمليات العادية وتمويل التجارة وعمليات المساعدة الخاصة.
وعرف حجم تمويل البنك تطورا مستمرا حيث بلغ المجموع التراكمي الصافي للتمويلات التي اعتمدتها جميـع نوافذ البنك حتى نهاية 1426هـ، 41.4 بليون دولار. وقد توزع هذا التمويل التراكمي كما يلي: 16.4 بليون دولار لتمويل المشروعات والمساعدة الفنية، و24.4 بليون دولار لعمليات تمويل التجارة، و597 مليون دولار للمعونة الخاصة. ويوضح الجدول التالي حجم العمليات التي مولتها مجموعة البنك الإسلامي للتنمية منذ بدء نشاط أعمال البنك التمويلية في العام 1396هـ (1976م) وحتى العام 1426هـ (2006م).
تمويل المشاريع التنموية
وتشمل العمليات العادية تمويل المشروعات (بما في ذلك تقديم المساعدة الفنية)، وهو النشاط الأساسي للبنك وكذلك تقديم المساعدات الخاصة. ويستعمل البنك صيغ المساهمة في رأس المال وتقديم القروض الحسنة والقروض الخاصة للدول الأقل نمواً وأسلوب الإجارة والبيع لأجل والاستصناع وأسلوب البناء والتشغيل وتحويل الملكية وتقديم خطوط التمويل لمؤسسات التمويل الوطنية وللبنوك المركزية والتجارية في الدول الأعضاء، وكذلك أسلوب المشاركة المتناقصة والمرابحة والمضاربة وترتيب التمويل الثنائي الجماعي مع مؤسسات التمويل الأخرى لتمويل المشاريع الإنتاجية بصفة خاصة، ومشاريع الخدمات الأساسية التي تستهدف تحقيق التنمية. ولقد أصبح نظام إصدار الصكوك (السندات الإسلامية) حديثا هو أحد أهم الوسائل التمويلية وأكبرها في تعبئة الموارد من السوق.
ويظهر التوزيع القطاعي لعمليات مجموعة البنك الإسلامي للتنمية مدى اهتمام المجموعة بالقطاعات التي لها أثــر مباشر على حياة الناس والتنمية في العالم الإسلامي. فمنذ تأسيس البنك، تم تخصيص 26% من إجمالي التمويل لتمويل 319 مشروعا للمرافق العامة في مجالات مد شبكات المياه، والطاقة الكهربائية، ومد أنابيب نقل الغاز، وشبكات الصرف الصحي. أما القطاع الاجتماعي، مع التركيز بشكل أساسي على التعليم والصحة, فقد تم تمويل 1675 مشروعا بنسبة 22.7% من إجمالي التمويل. وتشمل هذه المشروعات مؤسسات التعليم الابتدائي والثانوي والعالي ومراكز التدريب المهني. في حين بلغت حصة قطاع النقل والمواصلات 18.4% من التمويل استفاد منها 322 مشروعا في ميادين بناء وتأهيل المطارات والموانئ والطرقات ومد خطوط السكك الحديدية بالإضافة إلى خطوط الاتصالات. فيما تم تمويــل 313 مشـروعا في قطاع الزراعة بنسبة بلغت 8.9% من إجمالي تمويل البنك، تشمل مشاريع الري وإصلاح الأراضي وإنشاء نقاط المياه وحفر الآبار. بينما عادت النسبة الباقية من حجم التمويل الإجمالي 23.9% للصناعة والخدمات المالية.
تمويل العمليات التجارية للسلع التنموية
ومن ناحية أخرى فإن البنك الإسلامي للتنمية هو إحدى المؤسسات المالية الدولية القلائل ضمن منظومة مؤسسات التمويل متعددة الأطراف التي تقوم بعمليات تمويل التجارة وذلك لمساعدة الدول الأعضاء في جهودها التنموية عن طريق تقديم التسهيلات التي تمكنها من استيراد سلع ذات طبيعة تنموية، وعن طريق تمويل الصادرات لدعم موازينها التجارية وموازين المدفوعات، وللحصول على النقد الأجنبي الذي دائماً ما تكون هي في أمّس الحاجة إليه. كما إن البنك هدف من هذا البرنامج إلى تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين الدول الأعضاء عن طريق تشجيع التبادل السلعي بينها ودعماً لذلك التعاون وتحفيزاً لها للبحث عن فرص التكامل بين اقتصاداتها.
وقد طّور البنك أدوات تمويلية عديدة تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية لهذا الغرض، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، برنامج تمويل الواردات وبرنامج تمويل الصادرات والمرابحة على مرحلتين وأنماط مختلفة من هيكلة التمويل وتقديم خطوط الائتمان قصيرة الأجل للبنوك التجارية في الدول الأعضاء وتقديم تسهيلات مالية بضمان عائدات التصدير. وكما هو معروف، فإن البنك قد أنشأ المؤسسة الإسلامية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات لتكون ذراعه الرئيس في عملية حفز الاستثمار وزيادة التبادل التجاري بين دوله الأعضاء.
ويشكل برنامج عمليات تمويل الاستيراد أكبر البرامج الخاصة بالتجارة؛ إذ يشكل79 % من إجمالي عمليات التجارة. ويمول برنامج تمويل الاستيراد من موارد البنك الذاتية. وهو يقدم إلى الدول الأعضاء لاستيراد السلع الأساسية والوسيطة. الرسم البياني التالي يوضح توزيعا للمبالغ المعتمدة في هذا البرنامج بحسب السلع.
وبالإضافة إلى برامج تمويل التجارة سالفة الذكر، يوجد لدى البنك برامج خاصة صممت خصيصا لتشجيع التجارة بين الدول الأعضاء مثل برنامج التعاون التجاري وتنمية التجارة الذي يهدف إلى تقوية قدرات الوكالات المسئولة عن تشجيع الصادرات في الدول الأعضاء. كذلك يساعد البنك بلدانه الأعضاء على المفاوضة في القواعد التجارية المتعلقة بمنظمة التجارة العالمية. وقد نظم البنك في هذا المجال العديد من الاجتماعات التشاورية والدورات حول السياسات التجارية والمشروعات القطرية في مجال منظمة التجارة العالمية.
وفي إطار التطوير الهيكلي للبنك، يقوم البنك حاليا بالتحضير لإنشاء المنظمة الإسلامية لتمويل التجارة برأس مال مصرح به قدره 3 بليون دولار. وستكون هذه المنظمة هي المسئولة عن كل برامج البنك المتعلقة بالتجارة. ويتوقع أن يتم التوقيع علي ميثاق إنشاء هذه المنظمة خلال اجتماع مجلس محافظي البنك في شهر مايو القادم بدولة الكويت وأن تباشر نشاطها بنهاية هذا العام بإذن الله.
وبجانب تمويلاته من موارده الذاتية أو تلك التي يقوم بتعبئتها من السوق، يضع البنك أهمية خاصة للتعاون مع شركائه في التنمية. وتشمل القائمة حكومات الدول الأعضاء ومؤسسات التمويل التنموي العالمية مثل البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي وصندوق الإيفاد ونحوها. وكذلك مؤسسات التمويل الأعضاء في مجموعة التنسيق العربية وهي: صندوق أبو ظبي للتنمية, وصندوق الأوبك للتنمية الدولية, والصندوق السعودي للتنمية, والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي, والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية, والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا, وبرنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية, إلى جانب البنوك الإسلامية الاستثمارية والتجارية ومؤسسات التمويل الوطنية والمنظمات الأهلية غير الحكومية.
وفي ظل النمو المتسارع لدور القطاع الخاص في دوله الأعضاء من حيث مشاركته في عمليات الإنتاج الاقتصادي والتنمية الاجتماعية فلقد بدأ البنك يولي اهتماماً متزايداً بهذا القطاع الهام. فبجانب اعتباره شريكاً أساسياً في دعم التنمية، فلقد أنشأ البنك شبكة واسعة من أذرع التمويل للقطاع الخاص نذكر منها على سبيل المثال:
أ) صندوق البنك الإسلامي للتنمية لتمويل مشروعات البنية الأساس برأس مال مصرح به يبلغ 1.5 بليون دولار بلغ المدفوع منه 931 مليون دولار، استنفذ الصندوق حاليا استثمارها.
ب) المؤسسة الإسلامية لتن