اتسمت السنوات الماضية بتطورات وتحديات عديدة كان لها تأثيرات مباشرة على القطاع العام. ومن أهم تلك التحديات اختلاف دور الدولة في المجتمع، التغيرات البيئية،التخصيص، تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ،والعولمة. ولكي يتمكن القطاع العام من مواجهة تلك التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والبيئية، ينبغي الاستفادة من التطورات الحديثة في الإدارة في كيفية التعامل مع مثل هذه التغيرات والتطورات.
أن التعامل مع المتغيرات التي تحدث على المستوى المحلى والإقليمي والعالمي يتطلب ضرورة أحداث تغييرات جذرية في أسلوب الإدارة في المنظمات الحكومية وكيفية تقديمها للخدمات، وهذا يستلزم تبنى أساليب إدارية حديثة تتلاءم والتغيرات التي يمر بها القطاع العام. فالأساليب والوسائل التقليدية للإدارة لم تعد قادرة على التعامل مع التطورات الحديثة.
وتعتبر إعادة هندسة العمليات أحد أبرز الظواهر الإدارية الحديثة التي ظهرت في بداية التسعينيات ميلادية. ويشكل توطيد العوامل الحرجة والحاسمة ( CSFs) للنجاح أحد الحقول الأساسية للبحث والدراسة في مجال إعادة الهندسة. وقد ركزت العديد من الدراسات على أهمية توافر العديد من العناصر لنجاح تنفيذ برنامج لإعادة الهندسة في القطاع الخاص فيما أغفلت تلك الدراسات القطاع العام. فتوافر العوامل الحرجة والحاسمة للنجاح يشكل عنصر جوهري لنجاح مشروع إعادة الهندسة. ويعتبر التأكد من توافر متطلبات العوامل الحاسمة متطلب تنظيمي لمشروع إعادة الهندسة. ونظراً لتبنى العديد من الأجهزة الحكومية لمفهوم إعادة الهندسة، فأن هناك حاجة ماسة للتعرف على المتطلبات الأساسية لتطبيق إعادة هندسة العمليات في القطاع الحكومى.
تهدف الورقة للتعرف على العوامل الحاسمة لنجاح إعادة الهندسة في القطاع الحكومي. حيث تم التعرف على العديد من العناصر الحرجة والحاسمة لنجاح تنفيذ إعادة الهندسة ( CSFs)، من خلال تبنى الإطار الذي طوره (Mashari and Zairi،1999) .
مفهوم إعادة هندسة العمليات
يعتبر مفهوم إعادة الهندسة من الموضوعات الحديثة على التراث الإداري ونتيجة لذلك استخدمت العديد من المسميات لوصف هذا المفهوم، ومن أهم المسميات إعادة تصميم العمليات الأساسية (Heygate،1993)، تجديد العمليات (Davenport)،1993)، إعادة تصميم العمليات الإدارية (Davenport and Short،1990)، إعادة الهندسة التنظيمية Lowenthal,1994))، إعادة الهيكلة ( Talwar, 1993). وقد عرف العديد من الباحثين والممارسين إعادة هندسة العمليات بطرق مختلفة.
Hammer and Champy ( 1993:32) عرف إعادة هندسة العمليات بأنها : " إعادة التفكير المبدئي الأساسي وإعادة التصميم الجذري للعمليات الإدارية لتحقيق تحسينات جذرية وهائلة في مقاييس الأداء الحالية والحاسمة مثل التكلفة، الجودة الخدمة والسرعة ".
أما ( 62: Lowenthal,1994) فقد عرف إعادة الهندسة بأنها " إعادة التفكير الجذري وتصميم العمليات التشغيلية والهيكل التنظيمى والتى تركز على الكفاءات الجوهرية للمنظمة لتحقيق تحسن هائل في الاداء التنظيمى".
ومع اختلاف التعاريف السابقة التي تبناها الباحثين والممارسين إلا أن التركيز الأساسي لمعظم تلك التعاريف والأدبيات المتعلقة بالموضوع تنصب على إعادة تصميم العمليات باستخدام إطار ومنهج تكنولوجيا المعلومات لأحداث التغيير التنظيمي. وهذا بطبيعة الأمر يطرح أهمية تكنولوجيا المعلومات كأحد المحتويات الأساسية لإعادة هندسة العمليات التي يميزها عن غيرها من الأطر والأدوات الإدارية، حيث تركز إعادة هندسة العمليات بشكل جوهري على العملاء، والعمليات الإدارية بدلاً من الوظائف، الخدمات أو المنتجات.
إعادة هندسة العمليات في القطاع الحكومى .
وصف Hutton (1996) عدد من الخصائص التي تميز منظمات قطاع الحكومى وتلك الخصائص يمكن أن تؤثر في تنفيذ إعادة هندسة العمليات وادارة التغيير. وتشمل تلك الخصائص:
1. الهياكل التنظيمية الجامدة.
2. الثقافة التنظيمية.
3. عدم إمكانية تخطى الحدود، تعدد الأفراد القائمين بتنفيذ العمليات.
4. أن التغيير في اتجاه السياسات قد يكون فجائي.
5. التعارض والتضارب في أداء الأعمال والمبادرات.
6. التوقعات الغير واقعية- نظراً لتعدد الأنشطة.
7. الأفراد كجزء حاسم في منظمات القطاع العام.
وهذه العناصر لها تأثيرها الخاص على المنظمات الحكومية ولايمكن بحال من الأحوال تعميم تلك الخصائص على منظمات القطاع الخاص. فعلى سبيل المثال، الثقافة التنظيمية وإدارة الموارد البشرية ستتأثر بشكل أساسي في المنظمات الحكومية نظراً لتركيز إعادة الهندسة على مفاهيم كالابداع والتمكين. وهذه المفاهيم تعتبر موضوعات حديثة على ثقافة المنظمات الحكومية ولكنها ليست كذلك بالنسبة لمنظمات القطاع الخاص، لذلك تبرز الحاجة لأحداث تغييرات جوهرية في ثقافة المنظمة وأسلوب ادارتها لمواردها البشرية . وبناء على ذلك، يقترح Hutton الأخذ بعين الاعتبار العوامل الإنسانية كمتطلب أساسي لتطبيق إعادة هندسة العمليات في القطاع الحكومي. يرى Halamach and Bovaird ( 1997) أنة مع توافر تلك الاختلافات وأهميتها للتمييز بين المنظمات الحكومية والخاصة إلا أن تجارب العديد من المنظمات الحكومية والخاصة أظهرت أنها تعانى من صعوبات متماثلة عند تنفيذ إعادة هندسة العمليات.
أن البدء في تنفيذ برنامج هندسة العمليات ليست بالعملية السهلة. فمراحل وعمليات إعادة هندسة العمليات صعبة ومؤلمة، وذلك للحاجة لتغيير مجموعة القيم والمعتقدات التنظيمية ( Champy,1995)، لذلك تشكل إعادة هندسة العمليات تحدى للقيم والمعتقدات التقليدية السائدة في المنظمة.
وفقاً Hammeer and Champy (1993) ما نسبتة50-70% من المنظمات التي نفذت برنامج لإعادة هندسة العمليات في الولايات المتحدة الأمريكية أخفقت في تحقيق توقعاتها من البرنامج. ويعزى عوامل الإخفاق للعديد من الأسباب. وأحد تلك الأسباب التي أوردها Hammer and Stanton (1995) فشل القيادات الإدارية في إدارة عملية إعادة الهندسة. وبالرغم من فشل ما نسبته 50-70% من المنظمات التي نفذت إعادة هندسة العمليات في الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق اهدافها (Hammer and Champy,1993)، الا ان الأغلبية حققت الكثير من أهدافها ( Raymond and Bergeron,1998). حيث أظهرت دراسة Sockalingam and Doswell (1996) أن نسبة النجاح في تنفيذ إعادة الهندسة تبلغ 72% في الولايات المتحدة الأمريكية، و 77% في أوروبا. وفى دراسة حديثة Al- Mashari et al (2001) بلغت النسبة العامة للنجاح في تنفيذ إعادة الهندسة 55%، حيث بلغت نسبة النجاح في الولايات المتحدة الأمريكية 61%، ببينما بلغت 49% في اوروبا. وبالرغم من فشل الكثير من المنظمات في تحقيق أهداف برامج إعادة الهندسة، إلا أنة وضح تحسن في المنظمات فيما يتعلق بتخفيض التكاليف، الجودة، خدمة العملاء، ارتفاع للمبيعات، السرعة، ورضا العملاء. لذلك أضحت إعادة هندسة العمليات أحد أهم وأشهر الأساليب الإدارية لمنظمات الأعمال (Wilkinson, et al, 1995ً؛Tang and Zairi, 1998).
ولكي يكتب النجاح لإعادة هندسة العمليات يجب أن تتم عملية التنفيذ بشكل ملائم. وفى حالة تنفيذ العملية بشكل غير مناسب فان المنظمة لن تحقق الفوائد المرجوة من إعادة هندسة العمليات. ويرى Al-Mashari and Zairi (1999) أن النتائج المتضاربة التي تم الحصول عليها بعد تنفيذ برامج إعادة الهندسة يجعل عملية الأهتمام بموضوع التنفيذ أمراً مهمأ وجوهرياً. ولتعقد وصعوبة العملية التي تمر بها تنفيذ إعادة الهندسة، عمد الباحثان إلى تصنيف عملية تنفيذ إعادة الهندسة إلى خمسة أبعاد ، كل بعد من هذه الأبعاد يحتوى على عدد من العوامل الحاسمة للنجاح. وسيتبنى الباحثان الإطار الذي طوره (1999)AlMashari and Zairi كإطار للدراسة.
العوامل الحاسمة لنجاح إعادة هندسة العمليات
يحتاج تنفيذ برنامج لاعادة الهندسة إلى توافر عدد من المتطلبات الأساسية والتى يمكن تسميتها بالعناصر الحاسمة للنجاح.ومن تلك المتطلبات:
الاستراتيجية
أوضحت العديد من الأدبيات (Bruss and Ross, 1993؛Grover et al, 1993؛Jackson, 1997) أهمية اضفاء الطابع الاستراتيجى عند قيادة عملية إعادة الهندسة، فبرنامج إعادة الهندسة يجب أن يرتبط بالرؤيا والأهداف الاستراتيجية للمنظمة. وقد عزى Chan and Chung (1997)نسبة الإخفاق العالية في برامج إعادة هندسة العمليات إلى فشل العديد من المنظمات في دمج برنامج إعادة الهندسة في رؤيتهم وأهدافهم الاستراتيجية.
التزام وقناعة الإدارة العليا
يتوقف نجاح إعادة هندسة العمليات على مدى التزام وقناعة الادارة العليا في المنظمة بضرورة الحاجة لتبنى برنامج لاعادة الهندسة، من اجل تحسين الوضع التنافسى للمنظمة، هذة القناعة يجب أن تترجم في شكل دعم ومؤزرة فعالة من خلال توضيح الرؤية وأيصالها لجميع العاملين في المنظمة، والحصول على ولاء المديرين في المستويات الوسطى لتنقيذ برنامج إعادة الهندسة. حيث أظهرت العديد من الدراسات ( ؛Zairi and Sinclair, 1995 ؛ Talwar, 1993؛Jackson, 1997؛ Hammer and Stone, 1995) أهمية التزام وقناعة الإدارة العليا ببرنامج إعادة الهندسة.
تكنولوجيا المعلومات
يعتبر استخدام تكنولوجيا المعلومات كأداة لبناء عمليات جديدة بدلاً من الأعتماد على العمليات القائمة على النظام القديم لتكنولوجيا المعلومات الموضوع الغالب على ادبيات إعادة الهندسة ( ؛Davenport,1993؛ Hammer and Champy,1993؛Hammer,1990). وقد ركز Hammer (1990) على أهمية الحاجة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة لدعم تنفيذ عملية إعادة الهندسة. وفقًا لهؤلاء الباحثين يمكن تحقيق ذلك من خلال استخدام نموذج سجل العمال حيث تقوم المنظمة بإلغاء العمليات القديمة وتبدأ من الصفر، وذلك ببناء أفضل نموذج مثالى للعمليات.
الاتصال
يعتبر اتصال احد العناصر الاساسية العناصر المساعدة لتنفيذ إعادة الهندسة وتبنى والتغييرات المصاحبة لة (؛Jakson, 1995؛Zairi and Sinclair, 1995 ؛1993 Davenort,). تحتاج المنظمة لعملية الاتصال خلال تنفيذ المراحل المختلفة لعملية إعادة الهندسة ولمختلف المستويات الإدارية. وتشكل قناعة الموظفين في المراحل الأولية لتنفيذ إعادة الهندسة أساسياً لتقبل الموظفين للتغيرات المترتبة على عملية التنفيذ، ويعتمد ذلك بصورة جوهرية على قدرة الإدارة في تبنى قنوات الاتصال الفعال والمستمر مع أصحاب المصالح داخل المنظمة وخارجها. وفقاً Homa (1995) تعتبر عملية الاتصال ضرورية لتحقيق الاستقرار التنظيمي عند الشروع في تطبيق إعادة الهندسة.
تمكين العاملين
لايمكن بأي حال من الأحوال تجاهل أهمية التمكين وإدارة الموارد البشرية في نجاح تطبيق إعادة الهندسة. فقد أظهرت العديد من الدراسات أهمية العنصر الإنساني كعنصر أساسي وحاسم لنجاح تنفيذ إعادة الهندسة (Zairi and Sinclair, 1995؛Wellins and Murphy, 1995؛Maull et al, 1995). ووفقاً لفلسفة إعادة الهندسة يتم تخويل العاملين في المستويات الإدارية الدنيا لاتخاذ قرارات ذات العلاقة بعملهم، وهذا بطبيعة الأمر يعنى التخلي عن النمط البيروقراطي السائد. الهدف من تمكين العاملين رفع مستوى الرضا الوظيفي وتطوير العاملين ليصبحوا ذو مهارات متعددة ." multi-skilled"
المصدر: منتدى الطالب
نشرت فى 24 أكتوبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,876,970