authentication required

كيف يكون حال المجتمعات عندما تطبقها من إبقاء النفوس وصيانة دمائها، وكيف إذا غابت شمسها حلَّ الظلم والظلام، وانعدم الأمن وانتشرت الفوضى، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

قال الله -تعالى-: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:179).

لقد تكلمنا في مقال سابق عن هذه الآية الكريمة، وكيف يكون حال المجتمعات عندما تطبقها من إبقاء النفوس وصيانة دمائها، وكيف إذا غابت شمسها حلَّ الظلم والظلام، وانعدم الأمن وانتشرت الفوضى، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وفي هذا المقال نبين -إن شاء الله- كيف أنَّ في هذه الآية الكريمة وغيرها من التشريعات الجنائية قضاءً على ظاهرة عراك الشوارع والأسلحة البيضاء التي انتشرت في واقعنا انتشاراً مخيفاً، ذهب معه أمن الإنسان على نفسه وأهله وعياله!

فكم في مجتمعاتنا من مآسٍ بسبب المشاجرات التي تقع بين الناس، وخاصة الشباب!

جروح وتشويهات، وبيوت خربت بموت عائلها، ونفوس موتورة تنتظر الأخذ بالثأر لقتيلها أو لجريحها، وقصص مأساوية كثيرة في هذا المجال.

هل نجحت القوانين الوضعية في الحد أو القضاء على ذلك؟

لا، لم تنجح؛ لأنها من صنع البشر، بل السجون ممتلئة بالمجرمين، والشوارع والبيوت تضح بالصراخ والعويل، إذن ما الحل؟

الحل كما ذكرنا في شرعة أحكم الحاكمين القائل: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الملك:14)، ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ (هود: من الآية1)، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة:50).

لا أحد أحسن من الله حكماً، لكن لا يشهد بذلك، ولا يعمل بأحكامه -تعالى- إلا أهل اليقين والإيمان -جعلنا الله منهم-.

فمن تشريعات الله -تعالى- في صون الدماء إلا بحقها:

أولاً: حرَّم قتل النفس إلا بالحق،

قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً﴾ (الفرقان: 68-70)

وقال -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً﴾ (النساء: من الآية92) أي: لكن خطأً.

وتوعد -تعالى- على قتل النفس عمداً عدواناً بدون حق الوعيدَ الشديدَ، فقال -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ (النساء:93).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه...) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

وقال: (لا يزال المؤمن مستعفى صالحاً ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بلَّح) رواه أبو داود وسنده صحيح. بلَّح: أي: وقع في الهلاك.

ولا شك أن في هذه الآيات والأحاديث زاجراً عظيماً عن الدماء المعصومة بتربية الخوف من الله -تعالى- ومراقبته، فلا يقترب المسلم من دم أخيه المسلم خوفاً من الله -تعالى- إلا بحق.

وكفى بهذه خصلة عظيمة يتميز بها التشريع الإسلامي! أما القوانين الوضعية الطاغوتية، فليس فيها هذا الخوف من الله ولقائه؛ لذلك تجد الناس يتهربون من هذه القوانين، ولا يقيمون لها أي ذرَّة من احترام؛ لأنها من صنع البشر.

ثانياً: شرَّع الله -تعالى- تشريعاتٍ هي زواجر للناس عن ارتكاب ما حرَّّم الله، فإذا علم القاتل أنه سيقتل، وأنه سيُفْعل به مثل ما فعله بالمقتول انزجر وانكفَّ عن دماء الناس، فكان هذا حياةً للناس.

وكذلك العمد العدوان فيما دون النفس من الجروح التي يمكن الاستيفاء منها بلا حيف؛ ففيه القصاص، فمن قطع يداً من إنسان فإن يده تقطع منه قصاصاً جزاءً وعدلاً، إلا أن يعفو المجروح.

وكذلك الموضحة: الجرح في الرأس أو الوجه الذي يوضع العظم ففيه أيضاً القصاص.

وبعض أهل العلم يذهب إلى أنه في تطور الطب يمكن الاستيفاء في جميع الجروح بلا يحف.

ولا شك أن هذا زاجر عظيم عن الدماء، فلن يقترب أحد من دم أخيه خشية أن يُقتصَّ منه بمثل جرحه، فتصان الدماء بذلك أيضاً. والحمد لله.

ومن محاسن هذه الشريعة أنها جعلت القصاص حقاً لأولياء الدم، وكفاك بهذه ميزة عظيمة تقضي على ظاهرة الأخذ بالثأر!

فالإسلام راعى النفس البشرية، وأعطاها حقها من إرواء غليلها، فلا يمكن للإنسان أن يرتاح باله، وتهدأ نفسه، وهو يجد قاتل أبيه أو أخيه أو ابنه أو قريبه عدواناً يمشي على الأرض.

لذلك جعل الله -تعالى- حق القصاص لأولياء المقتول، قال الله -تعالى-: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً﴾ (الإسراء: من الآية33).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من قتل متعمداً دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.

ويكون القصاص بحضرة السلطان أو نائبه حتى يؤمن الحيف.

وكذلك في تشريع الدية في حالة العفو من أولياء المقتول في القتل العمد، وفي الجروح سواء التي يستوفى منها أو التي لا يستوفى أعظم زاجر عن الدماء؛ لأن الإنسان جُُبل على حب المال، ومن الصعب أن تجود نفس الإنسان بصدقة أو غيره، فكيف في الدية (مائة من الإبل) أو ما دون ذلك.

فلا شك أن الناس إذا علموا شرع الله –تعالى- في هذا الأمر، فسوف ينزجرون ويرتدعون عن دماء بعضهم.

وإليك أمثلة من ذلك:

- من أتلف من إنسان ما ليس منه إلا واحد كالأنف واللسان ففيه الدية كاملة.

- ومن أتلف من إنسان ما منه شيئان كاليدين والرجلين والعينين الدية كاملة، وفي الواحدة النصف.

- ومن أتلف من إنسان أصابع يديه ففيه الدية كاملة، وكذلك في أصابع الرجلين، وفي الأصبع الواحد عشر الدية، وفي الأنملة نصف العشر.

- وفي السن الواحد خمس من الإبل.

- وفي الموضحة (التي توضح العظم) خمس من الإبل.

- وفي الهاشمة التي تهشم عظم الرأس عشر من الإبل.

وهناك جروح ليس فيها تقدير شرعي ثابت، وإنما فيها حكومة، والحكومة (أن يقَّوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يُقوَّم وهي به قد برئت، فما نقص منه فله مثله من الدية).

وفي حالة القتل شبه العمد، وقتل الخطأ فإن الدية على العاقلة، والعاقلة هم عصبة الجاني الذكور القريب والبعيد ، الحاضر والغائب، مؤجَّلا عليهم ثلاث سنين، ولا تتحمل العاقلة ما دون الثلث.

وتشريع الدية في هذه الحالة على العاقلة تشريع حكيم؛ وذلك للفوائد التالية:

أولاً: تخفيف عن الجاني؛ لأن مثل هذا يقع كثيراً من أي إنسان، فإن تكررت جنايته ذهب ماله.

ثانياً: حقن الدماء، وتطبيق حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره) رواه البخاري

لا تطبيق منطق الجاهلية "انصر أخالك ظالماً ومظلوماً"، فإذا قام أحد من أفراد العائلة بمشاجرة مع أحد، فإن عاقلته ستمنعه من ذلك، ولو بحبسه في البيت؛ لأنهم سيغرمون!!

وبذلك تصان الدماء، وينتشر الأمن، ويتحقق الأخوة الإيمانية، ويغيب ما نراه من المشاجرات، وما يتبعها من مآسٍ، والحمد لله –تعالى- على تشريعه.

المصدر: فضيلة الشيخ/عصام حسنين
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 1924 مشاهدة
نشرت فى 27 أغسطس 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,761,594

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters