الطبابة مهنة نبيلة شرفها الله, " وإذا مرضت فهو يشفين " (الشعراء: 80 ).
والعلم بالطب كسائر العلم هو من الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم, ودراسته كشف عن آيات الله في خلقه، " وفى أنفسكم أفلا تبصرون" (الداريات: 22), ومزاولته إحداث لرحمة الله بعباده, فهو عبادة وقربى فوق أنه حرفة ومصدر رزق.

ولان المهنة الطبية في هذا المقام فريدة عن سائر المهن سامية عن الاعتبارات والأعراف التي درج الناس عليها، فليس لها أن تتعامل باعتبارات العداوة أو الخصومة أو العقوبة أو أن تنساق وراءها لدواع شخصية أو سياسية
واحتراف الطب في مجتمع من المجتمعات واجب شرعي، وهو فرض كفاية يغنى فيه البعض عن البعض ولكن تلتزم الدولة إن تهيئ للأمة حاجتها من الأطباء في شتى المجالات المطلوبة فهذا في الإسلام واجب الحاكم وحق المحكوم.
وقد تدعو الحاجة إلى استقدام أهل الخبرة والاختصاص في فروع الطب المطلوبة، كذلك تدعو الحاجة إلى إعداد الأطباء من بين أبناء الأمة فيكون من واجب المجتمع أن يؤسس معاهد التعليم الطبي ويؤمن ما تحتاج إليه من مدارس ومستشفيات وما يلحق بها من عيادات و مشاف ومختبرات ومعدات وطاقات بشرية.

ولما كان الطب ضرورة شرعية وواجبا، فعلى المشرع أن يكفل ما يقوم به. والقاعدة الشرعية أن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب. وعلى قدر الضرورة إذن تنحسر بعض القواعد الشرعية العامة تحقيقا للمصلحة.. ويشرع الاستثناء اللازم في مجال الأعداد لمهنة الطبابة، كمثل ما يكون من الإطلاع على جسم الإنسان ودراسته ظاهرا وباطنا، حيا وميتا، ودون أن يخل ذلك بالاحترام والتكريم الذي يستحقه الإنسان حيا وميتا، وفى نطاق من تقوى الله ومراقبته، وبالقدر والمنهاج الذي يراه أهل الاختصاص من الثقات المسلمين ضروريا ووافيا بجلب المصلحة.

ويدخل في المحافظة على حياة الإنسان المحافظة على كرامته وعلى شعوره وعلى حيائه وعلى عورته وعلى أهليته للاهتمام الكامل والرعاية النفسية والطمأنينة الكاملة وهو بين يدي طبيبه. وما يباح للطبيب من استثناء من بعض القواعد العامة ملازم لمزيد من المسئولية والواجب يقدره حق يقدره ويؤدى فيه حق الله في تقوى و إحسان. والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

أما أن الطبابة يباح فيها ما لا يباح في غيرها من إطلاع على الأجسام و العورات فلأن الضرورات تبيح المحظورات، ولأنه يجري مجرى من اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم. وقد كانت الآسيات من المؤمنات مع جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم يطببن الرجال ويضمدن الجراح في أي مكان كانت من الجسم وكان ذلك مقبولا لم يثير جدالا ولا غبارا أما أن استقدام الأطباء الأخصائيين من البلاد الأخرى فأمر تحدده الحاجة من المرض و الكفاءة لدى الطبيب. وقد استعانت "دولة الإسلام من قديم بأطباء. مدرسة جنديسابور من النصارى وأولتهم الرعاية والتكريم ولايغيب عن الأذهان أن دليل النبي صلى الله عليه وسلم، وأبى بكر في رحلة الهجرة كان عبد الله بن أريقط ولم يكن من المسلمين وإنما اختاره النبي عليه الصلاة والسلام لما أنس فيه آهل الثقة وانه خبير بمسالك الطريق.

ينبغي أن يكون الطبيب من بين المؤمنين بالله، القائمين بحقه، العارفين لقدره، العاملين بأوامره، المنتهين عن نواهيه، المراقبين له في السر والعلن.

وينبغي أن يكون من أهل الحكمة والموعظة الحسنة، مبشرا لا منفرا، باسما لا عابسا، حليما لا غضوبا، محبا لا كارها، لا تغلبه ضغينة، ولا تفارقه سماحة، يعتبر أنه من وسائل رحمة الله ومغفرته لا عقوبته، وستره لا فضحه، وحبه لا مقته.

وينبغي أن يكون وقورا لا يطيش ولو لحق، عف الحديث ولو في فكاهة، غضيض الصوت غير منكره، سوي الهندام غير أشعته ولا أكبره، يوحي بالثقة، ويبعث علي الاحترام، مهذبا مع الغنى والفقير، والكبير والصغير، لا يقبل ولا يعرض، ويصون كرامة المريض و يخفض جناح الرحمة.

وينبغي أن يعلم أن الحياة من الله لا يعطيها إلا هو ولا يسلبها إلا هو، وأن الموت خاتمة حياة دنيا وبداية حياة أخرى، وأن الموت حق، وأنه نهاية كل حي إلا الله، وأن الطبيب في مهنته من جند الحياة فقط، الذائدين عنها، العاملين على استبقائها صحيحة سوية ما وسعه.

وينبغي أن يكون قدوة في رعاية صحته والقيام بحق بدنه، فلا يأمر الناهض بما لا يأتمر به، ولا ينهى عما لا ينتهي عنه، ولا يتنكر لمعطيات علمه الطبي، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأن الله يقول: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" البقرة: 195، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن لجسدك عليك حقا" (البخاري ومسلم)... ولأنه يقول أيضا " لا ضرر ولا ضرار " (أحمد: حديث حسن).

والطبيب صادق إن قال أو كتب أو شهد... حريص ألا تدفعه نوازع القربى أو المودة أو الرعب أو الرهبة إلى أن يدلى بشهادة أو بتقرير أو بحديث يعلم أنه مغاير لحقيقة، بل يقدر حق الشهادة في الإسلام ويعمل بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قال صحابته: بلى يا رسول الله، قال : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين..! ثم صمت مليا وقال: ! ألا وقول الزور، ألا وقول الزور" (البخاري ومسلم)… فما زال يكررها حتى حسبوه لا يسكت. وينبغي أن يتوفر له حد أدنى من الدراية بعلوم الفقه وأحكام العبادات، لأن الناس تستفتيه في أمورهم الصحية ذات الصلة بالعبادات… كأمثال ما يعرض من أمراض أو أعراض لدى الرجال والنساء وأثرها على صحة الصلاة أو رخصة الفطر أو مناسك الحج والعمرة أو التحكم في الحمل أو غير ذلك. والتبصير بالرخص والمستباحات بالأعذار حتى يستمر المرضى على أداء العبادات ولا يتعودوا تركها.

والطبيب إذ يعلم أن الضرورات تبيح المحظورات، عليه كذلك أن يجتهد فلا يعالج الناس بما حرمه الله عليهم ما كان له إلى ذلك من سبيل، سواء أكان ذلك عن طريق الدواء أو الجراحة أو السلوك العام أو النصح والإرشاد.

والطبيب وسيلة الله في شفاء المرضى من عباده، فعليه أن يكون متواضعا ذاكرا نعمة الله عليه شاكرا له ملتمسا توفيقه وألا ينسب لنفسه الفضل أو يطاوله شيء من الزهو أو يلتمس المفاخر سواء بالقول أو الكتابة أو الإعلان المباشر أو غير المباشر.

وينبغي أن يصل نفسه بركب العلم فيواكب تقدمه، ويعد ما استطاع من قوة علمية في دفعه للمرض، لأن صحة الناس تتأثر باجتهاده أو تقاعسه، وعلمه أو جهله، فمسئوليته عن غيره تجعل وقته ليس خالصا له ينفقه، كيف يشاء، وكما أن في المال حقا معلوما للسائل والمحروم ففي الوقت كذلك حق للمرضى يرتاد لهم الطبيب الجديد والنافع والناجع ليعود به عليهم وهو يطببهم ويدرك الطبيب أن الاستزادة من العلم بجانب قيمتها التطبيقية هي في ذاتها عبادة، وامتثال بهدى القرآن في قوله تعالى:" وقل رب زدني علما" (طه: 114) وفى قوله: " إنما يخشى الله من عباده العلماء" (فاطر: 2 وفى قوله: " يرفع الله الدين آمنوا منكم والدين أوتوا العلم درجات" (المجادلة)

المصدر: موقع العلاج البديل العربى .
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 50/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 1536 مشاهدة
نشرت فى 13 أغسطس 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,890,004

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters