وكما اهتمّ الاسلام ببناء الجسم ومدّه بحاجاته المادية الضرورية لبقائه، واستمرار وجوده، والتزام ذلك بالنسبة للانسان عن طريق تبنّي هذه الحاجات، واستيعابها استيعاباً تنظيميّاً بواسطة قوانينه وتشريعاته وقيمه الاخلاقية الواسعة، اهتمّ كذلك بالحفاظ على الجسم، وحمايته من كل مايؤدّي به إلى الضعف والانحطاط وتبديد طاقته، فعمل على حمايته من الامراض والنجاسات والاوساخ وحثّ على الوقاية والعلاج، وسعى لابعاده عن الارهاق والتعب والاسراف في استعمال المباحات، أو الاغراق في الشهوات التي تمتصّ كل طاقاته وقواه البدنية، وتعرّضه للاعياء والمرض، وأكّد على منعه من استعمال كل مايجلب له الضرر، والفتك بقواه وطاقاته، كالخمر والزنا وأكل الاطعمة الضارة..إلخ، ليحفظ للانسان قدراته وقواه عن طريق تنظيم حياته المادية، من مأكل ومشرب وممارسة غريزية..إلخ، وبهذا المنهاج التشريعي جنّب الاسلام الجسم الانساني مخاطر التمزّق والانهيار الصحّي، واتخذ لتنفيذ هذا المنهاج عدّة تشريعات وأحكام منها:
1 ـ الدعوة إلى الاِعتدال:
دعا الاسلام إلى الاعتدال، ومنع الانسان من الاسراف والشراهة في كل شيء، في تناول الطعام والشراب، وفي ممارسة الجنس والشهوات، وفي استعمال المحلّلات، لانّ إباحة الاسلام للطعام والشراب وسائر اللذائذ والمتع ماكانت إلاّ لحفظ صحّة الجسم، وحماية النوع الانساني وتوفير المتعة والسعادة له.
وينطلق الاسلام من دعوته إلى الاعتدال هذه من مبادي أساسية في الحياة، وهي إنّ الانسان لايحتاج إلاّ إلى مايكفيه ويقوم حياته ويحفظها، فللجسد حاجة طبيعة محدّدة من الطعام والشراب والجنس والشهوة، وقدّم للانسان تفسيراً واقعياً لفلسفته الاخلاقية في تقويم اللّذة الحسّية، وأكدّ على أنها ليست غاية في الحياة، إنما هي وسيلة لدفع الانسان إلى السعي المشروع نحو هذه الحاجات. وبهذا التفسير حال دون تحوّل الانسان إلى بهيمة هدفها الطعام والشراب والجنس والاستغراق في الشهوات ولكي يضمن الاسلام تنفيذ مبادئه السلوكية هذه، أقام نظم الحياة، وعلاقة الانسان بحاجاته الطبيعية، وحظّه منها على أسس معادلات وموازنات دقيقة، لا اختلال فيها ولا تفريط، فجعل لكلّ شيء حسابه وموضعه وحقّه، ودعا إلى الاعتدال في كل شيء، حتّى صحّ أنْ نقول: إنّ منهج الاسلام في الحياة هو: "منهج الاِعتدال والاِستقامة".
وقد تواردت الايات والاحاديث الكثيرة لاقرار هذا المبدأ الحياتي الخطير، مبدأ الاِعتدال لحماية الانسان من الاسراف والشراهة، الاسراف الذي ينسحب أثره على كل السلوك الانساني، المادي والمعنوي، ينسحب على الاخلاق، فيؤدي إلى تدهور سلوك الامم، وعلى الاقتصاد، فيجّر إلى اختلال معادلة التوازن المعيشية في المجتمع، وعلى الصحة، فيؤدّي إلى إنهاك الامة وانهيار قواها البدنية، فمن أجل حماية المجتمع من هذا الوباء النفسي الخطير، وضع الاِسلام قاعدته العريضة لاقرار القانون الاخلاقي المتّزن ـ قانون الاِعتدال وتحاشي الشراهة والاسراف ـ لذلك كانت مكافحة الاسلام للاسراف مكافحة نفسية وأخلاقية في بداية منطلقها، لتظهر فيما بعد آثارها في السلوك الاِنساني.
فالاسلام يريد أنْ يربّي في الانسان المسلم ملكة الاعتدال النفسي، والاستقامة الاخلاقية، ويوفّر له هذه الملكة الذاتية التي يتعامل بواسطتها فيما بعد مع الموضوعات الحياتية المختلفة.
لذلك جاء في الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) رأى جابر بن عبد الله الانصاري يتوضّأ ويسرف في استعمال الماء، فقال له:
(يا جابر لاتُسرف في الماء، فقال جابر: أو في الماء إسراف يارسول الله؟ فقال: نعم وإن كنت على شاطىء نهر).
والمتأمّل في هذا الحديث النبوي الشريف يدرك أنّ هدف الرسول الاول في هذا النهي هو التربية النفسية والاخلاقية على الاعتدال في الصرف والانفاق، إذ ليس هدف الاِسلام هـو حماية الاشياء من الضيـاع والعبث فقط.
لذلك جاء قول الرسول (صلى الله عليه وآله):
(نعم، وإنْ كنت على شاطيء نهر). فالاسراف في الماء على شاطىء النهر لايؤدّي إلى الضرر المادي لكثرته ولعودته ثانية إلى النهر، وإنّما يربيّ في الاِنسان المسرف روح الاِسراف والعبث.
وقد صاغت الاية الكريمة هذا المبدأ ـ مبدأ مكافحة الاِسراف ـ في نصّها الحكيم: (يابَني آدَمَ خُذُوا زينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد وَكُلُوا واشْرَبُوا وَلا تُسْرفُوا إنَّهُ لايُحِبُّ المُسْرِفين). (الاعراف/31)
وعلى هذا الخط سارت الاحاديث النبوية، وجاءت مؤكدّة فيما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله:
(كُلُوا في بعضِ بطونِكُمْ تصحّوا).
(ولا تُميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإنّ القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء).
(ثلاث أخافهنَّ على اُمّتي من بعدي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلاّت الفتن، وشهوة البطن والفرج).
(ليس لابن آدم بُدُّ من أكلة يقيم بها صلبه، فإذا أكل أحدكم طعاماً فليجعل ثلث بطنه للطعام، وثلث بطنه للشراب، وثلثه للنفس، ولاتسمّنوا تسمن الخنازير للذّبح).
2 ـ تحريم المفاسد الضارّة:
والخطوة الثانية التي خطاها الاسلام لحفظ الصحة، هي تحريم كل ماهو ضار للبدن، وقابل لجلب الامراض والاضرار به، كالخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير ولحم الكلب والجرذ ولحوم الحيوانات المفترسة وممارسة الزنا واللواط والعادة السرية والمساحقة...إلخ.
ولايجهل أحد ـ بعد تقدّم علوم الطب والصحة ـ خطر هذه الاطعمة والاشربة والممارسات الشاذة على صحة الانسان وقواه البدنية.
3 ـ الطّهارة والنّظافة:
والخطوة الثالثة في منهج الاِسلام الصحي هي النظافة، لانّ الاوساخ والقاذورات هي مكمن الجراثيم والميكروبات، ومصدر لكثير من الامراض والعلل الجسدية، لذا شرّع الاِسلام الطهارة والنظافة، وأوجب على الاِنسان الاِبتعاد عن النجاسات التي تعتبر مصدر خطر على الصحة، كالبول والغائط والدم والمني وميتة الاِنسان والحيوان...إلخ.
فشرّع الاِسلام التطهير بالماء من آثار النجاسات، والوقاية من أضرارها، كما شرّع الوضوء والاغسال الواجبة، كغسل الحائض والنفساء والجنب وتغسيل الميّت، وأغسالاً مستحبّة كغسل الجمعة وغيره من الاغسال الواردة في السنة المطهّرة، كما دعا الاِسلام المسلمين إلى النظافة والطهارة في البيت والشارع والملبس والمأكل وفي كل موضع من مواضع حياتهم، حتّى سمى بعض الباحثين والمستشرقين الحضارة الاسلامية بأنّها "حضارة الطهارة والنظافة".
وقد شرّع القرآن الكريم القاعدة الاساسية في قانون الطهارة بقوله:
(ياأَيّها الَّذينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى المرافقِ وَامْسَحُوا برؤوسِكُمْ وَأرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبينِ وَإنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّروا وإنْ كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدٌ منكم الغائط أو لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّموا صَعيداً طَيِّباً، فَامْسَحُوا بوجُوهِكُمْ وَأَيْديكُمْ مِنْهُ، مايُريدُ الله لِيجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجً وَلكِنْ يُريدُ ليُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرون). (المائدة/6)
(إنّ الله يُحِبُّ التوّابِينَ ويُحبُّ المُتَطَهِّرينَ).
وعلى هذا الاساس بنى الرسول (صلى الله عليه وآله) منهاج الطهارة، واهتمّ بتربية الفرد والمجتمع المسلم.
فسنَّ المضمضة والاستنشاق وتنظيف الاسنان بالسواك، وغسل الشعر، وتنظيف الملابس، وتقليم الاظافر، والعناية بنظافة الطعام والشراب...إلخ.
فقد روى الامام الصادق (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبصر رجلاً شعثاً شعر رأسه، وسخة ثيابه، سيّئة حاله فقال:
(من الدّين المتعةُ وإظهار النعمة).
وروي عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:
(بئس العبدُ القاذورة).
كما روي عنه كذلك:
(الطهور نصف الاِيمان).
(وتنظّفوا فإنّ الاِسلام نظيف).
(النظافة من الاِيمان).
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة، وفي كتب الحديث روايات عديدة، مبوّبة على عدّة أبواب: النظافة، والعناية الصحيّة، لايتّسع مثل هذا البحث لايرادها، وكلّها تستهدف إشاعة الطهارة، والنظافة، وإشعار الانسان بالخلو من الدنس والقذارات البدنية والروحية، حفاظاً على نقاء الفطرة البشرية، وحمايةً للجسم ممّا قد يطرأ عليه من أسباب القذارة والنجاسة، لحماية الصحة البدنية، وتربية الاحساس بالطهارة الروحية، والسعي نحوها، لانّ الانسان يتعوّد بالطهارة المادية على التخلّص من كل غريب ضار بنظام الحياة، سواء في مجال الجسد أو السلوك والمعتقد.
4 ـ الوقاية والعلاج من الامراض:
وتشكّل الوقاية والعلاج من الامراض الخطوة الاخيرة في منهاج الصحة والتربية البدنية في الاسلام.
فقد جعل الاسلام الوقاية من الامراض مبدءاً أساسياً لحفظ الصحة البشرية، لذلك ثبّت التشريع الاِسلامي كل المبادي الضرورية، كالنظافة، والاعتدال في تناول الاطعمة والاشربة، وعدم الاسراف فيها. وجعل التكاليف والواجبات الانسانية كلّها منسقة مع قدرة الانسان وطاقته، بحيث ينسحب هذا المبدأ على كل شيء، حتّى على العبادات والفرائض، كالصوم والحج والصلاة والجهد...إلخ.
وانطلاقاً من هذا المبدأ أعفا الاِسلام العاجز، ومن يحتمل الضرر; من الصوم، والحج، والجهاد، وسائر التكاليف الشاقة عليهم، وقايةً لهم من الامراض، ودفعاً للضرر المتوقّع حدوثه تمشياً مع قواعد العدل والحكمة التي رسمت حدودها الاية الكريمة:
(لايُكَلِّفُ الله نَفْساً إلاّ وُسْعَها). (البقرة/286)
وثمة خطوة أخرى خطاها الاسلام في مجال الوقاية من الامراض، وهي خطوة تشريعية للعزل والحجر، والاِبتعاد عن موطن المرض، فقد ورد في الحديث الشريف:
(فرّ من المجذوم فرارك من الاسد).
(إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا نزل وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها).
وتقوم فلسفة الوقاية والعلاج الطبي في الاسلام على أساس التسليم بوجود علاقة طبيعية وسببية بين جميع الاشياء ذات الترابط التسلسلي. فلكلّ حدث في الوجود علاقة بجملة من الاسباب، وربّما بسلسلة من الاسباب الطبيعية، وأنّ هذه الاشياء ـ الاسباب والنتائج ـ الواقعة في سلسلة وجودية واحدة يؤثّر ويتأثّر بعضها ببعض، وتنطبق هذه المفاهيم الكلية العامة على الطبيعة الجسدية للانسان، وعلى علاقتها الخارجية بكثير من الاشياء، فسوء التغذية، والارهاق يسبّبان ضعف الجسم وهزاله.
والجراثيم والكحول تسبّب أمراضاً للجسم، وخللاً في سلامة نظامه. والادوية والعقاقير وبعض الاغذية تؤدّي إلى مساعدة الجسم على الحفاظ على نظامه الطبيعي، أو تؤدّي إلى مطاردة الجراثم المرضية وقتلها... إلخ.
لذلك ورد في الحديث الشريف:
(لكلّ داء دواء، فإذا أصاب دواءٌ الداءَ، بَرِىء بإذن الله عزّوجلّ).
ووجود هذه العلاقة الطبيعية بين الاشياء هي من تمام حكمة الله سبحانه، ودقّة إبداعه وصنعه لهذا العالم الذي يسير وجوده على أنظمة مترابطة من القوانين.
ولولا وجود الدواء وإمكانية إصلاح الجسم بعد أختلال نظامه، لتعرّضت الحياة البشرية لاضطراب وانهيار سريع، ولكان ذلك خللاً في نظام الخلق والتكوين، وتنزّه الله عن ذلك، فهو الحكيم الخبير الذي أتقن كل شيء بحكمة وتقدير:
(وَتَرى الْجبَالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهيَ تَمُرُّ مَرَّ السِّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيء إنَّهُ خَبيرٌ بِما تَفْعَلُونَ). (النمل/88)
ثالثاً: توظيف قدرات الجسم في مجالها المناسب:
وهكذا يتّخذ المنهاج الاِسلامي صيغة تكاملية منظّمة، تستوعب نظام الجسم وحاجاته المادية المختلفة، مبتدئاً بتوفير حاجات الجسم المادية والغريزية في المرحلة الاولى، ومخطّطاً لحمايته، والحفاظ عليه في المرحلة الثانية، لينتهي إلى أخطر مراحل التنظيم في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة توظيف الطاقة البشرية، وبيان كيفية استعمالها واستثمارها.
فالطاقة الانسانية هي طاقة في هذا الوجود، وهي أرقى من أيّة قوة مخلوقة، بنوعها وقيمتها وطبيعتها، إذا مااستغلّت استغلالاً سليماً وفق منهج الله وحكمته.
ولكي تتوفّر للانسان المعرفة الاستعمالية الكاملة، ولكي يتمكّن الانسان من استثمار هذه الطاقة البشرية الضخمة وتوظيفها في مشاريع الخير والبناء والاعمار.
لكي يستطيع الانسان ذلك، حدّد الاسلام منهاج السلوك والحياة، لئلا ينحرف باستعمال هذه الطاقة البشرية، فيسلك بها مسار الشر والعدوان، ويستهلكها في ممارسة العبث والهدم والضياع بدلاً من استعمالها في مجالات الخير والصلاح والانماء.
ولكي يحقّق الاسلام ذلك، نبّه الانسان إلى قضية بالغة الخطورة والاهمية، وهي أنّ شعور الانسان المتزايد بالقوة وإحساسه بالتفوّق، وامتلاك القدرة، يجب أنْ لايسوقه إلى الغرور والفوضى والفساد، فيقوده هذا الطيش والغرور لاستعمال طاقاته في مواضع التخريب والعدوان، واستهلاكها في مجالات العبث والانحراف، بل يجب عليه أن يوظّفها في عمليات تؤهّلها لاحتلال موقعها اللائق بها بين قواعد الوجود والحياة لتكون قوة خلاّقة، وحركة رائدة في مجال الخير والبناء.
فالاسلام يعتبر استعمال هذه القدرات الانسانية استعمالاً منحرفاً، عدواناً على نظام الوجود، وخروجاً على إرادة الحق والخير، وهدراً لقيمة الانسان وأهدافه النبيلة، وتضييعاً لها في هذه الحياة.
لذا تعالى صوت القرآن الكريم محذّراً من السقوط في هذه الهوّة السلوكية المدمّرة، فقال تعالى:
(وَابْتغ فيما أتاك الله الدّارَ الاخرة، ولا تَنْسَ نصيبَكَ منَ الدُّنْيا، ؤَأَحسنْ كما أحسَنَ الله إليكَ، وَلا تَبْغِ الفَسادَ في الارْض إنّ الله لايُحبُّ المُفْسِدينَ). (القصص/77)
وقال تعالى:
(كَلاّ إنَّ الانْسانَ لَيَطْغى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى). (العلق/6 ـ 7)
(وَلَوْ بَسَطَ الله الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لبغَوْا في الارْضِ). (الشورى/27)
(إنَّما السَّبيلُ على الَّذينَ يَظْلِمُونَ النّاس وَيَبْغُونَ في الارضِ بِغَيْرِ الحَقِّ). (الشورى/42)
(فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنّكُمْ بِاللهِ الْغَرورُ). (لقمان/33)
(فَأَمَّا عادٌ فاسْتَكْبَروا في الارضِ بِغَيْر الحَقّ، وَقالوا مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوّةً، أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً، وَكانُوا بآياتِنا يَجْحدونَ). (فصّلت/15)
وبالنظرة المتأمّلة الفاحصة لهذه النصوص القرآنية الكريمة، نستطيع أنْ نستنتج أنّ:
البغي، الفساد، الكبرياء، الطغيان، الظلم، والغرور كلّها حالات نفسية شاذّة، وشعور إنساني منحرف، وتقويم سيّء لقدرة الانسان وطاقاته، دفعت بالانسان إلى استعمال طاقاته وقدراته الجسدية والعقلية والنفسية استعمالاً طائشاً وهدّاماً. لذا حذّر القرآن الانسان من هذا الشعور، والاستعمال الشاذ الذي قاد البشرية على مرّ عصور التاريخ إلى هاوية السقوط، وساقها إلى منحدر المآسي والالام:
ولكي يعرف الانسان قيمته الحقيقية، ويضعها في موضعها اللائق بها، راح القرآن يلفت نظره إلى عظمة خالقه، وقدرة موجده، وتفاهة شأن الانسان بالنسبة للخالق العظيم، ويردّد على مسامعه:
(أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ الله الَّذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوةً). (فصّلت/15)
ويأتي الحديث الشريف صياغةً ثانيةً لهذا المفهوم القرآني النبيل فيقول:
(... إذا دعتك القدرة إلى ظلم الناس فاذكر قدرة اللهِ عليك).
كل ذلك ليستعمل الانسان قوّته وطاقته لصالح نفسه، ولخير البشرية جمعاء وفق منهج القرآن، وموازينه السلوكية الرائعة:
(وَأَحْسنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إليْكَ وَلاتَبْغِ الفَسادَ في الارضِ إنَّ الله لاَيُحبُّ المُفْسِدِينَ). (القصص/77)
هذا وقد عرض القرآن الكريم نموذجاً رائعاً لشخصية الانسان المؤمن الذي يُحسِنُ استعمال طاقته، ويعرف كيف يتصرّف بها فقال:
(الّذِينَ إنْ مَكَّنّاهُمْ في الارضِ أَقامُوا الصّلاةَ وَآتُوا الزّكاةَ وَأَمَروا بالمعْرُفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكرِ ولله عاقبَةُ الامُورِ). (الحج/41)
وهكذا أتقن الاسلام منهاجه لتنظيم حياة الانسان الجسدية والغريزية بشكل دقيق ومتوازن، ليكون الجسم في وضع طبيعي من حيث تزوّدهِ، بحاجته، أو حمايته والحفاظ عليه، واستعماله وصرفه لطاقته.
جاء إعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
(مَنْ خير الناس يارسول الله؟).
قال:
(خيرُ الناس مَنْ طال عُمُرُهُ وحسُنَ عملُهُ).
وهذه الحالة الطبيعية السليمة هي التي نسمّيها بالصحة، وهي التي جاء عنها في الحديث الشريف:
(نعمتان مجهولتان: الصحّة والامان).
فالصحّة نعمة، وهبة من الله سبحانه يجب الحفاظ عليها، والاستفادة منها، والتقرّب إلى اللهِ بها.
نشرت فى 6 أغسطس 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,785,595