أولاً - التعريف بخصائص مرحلة الشباب :
يتدرج الفرد في مراحل نمو مختلفة ، يكتسب من خلالها العديد من المعارف والمهارات . وتعتبر مرحلة الشباب من اهم المراحل العمرية في حياة الفرد . حيث يمثل الشباب قلب المجتمع المفعم بالحيوية والنشاط وهي المرحلة التي يكتمل فيها النضج الجسمي والعقلي للفرد حيث يكون عضواً فاعلاً في مجتمعه قادراً على العطاء .
إن النضج الجسمي والعقلي يكتمل في سن الواحد والعشرين حيث يدخل الفرد مرحلة جديدة – في الثانية والعشرين – يطلق عليها علماء النفس مرحلة الرشد ، وان تمام النضج الاجتماعي يقوم على تراكم الخبرات المعرفية والمقدرات الاجتماعية ، والتي يعتقد أن تمام نضجها يستمر حتى سن الاربعين وبالمثل فإن النضج الانفعالي والخلقي يتاخر إلى السنوات التي يتحرر فيها الفرد من ضغط الحاجات غير المشبعة مثل الحاجات الجنسية والحاجة إلى الأبوة والامومة والحاجة إلى الانجاز ومن خلال هذا العرض المبسط يمكن القول ان الوصول إلى سن الرشد لا يمكن الوصول إليه قبل سن الحادية والعشرين وان تمام النضج لدى الراشد لا يتحقق قبل سن الاربعين وهي سن النبوة .
تبدا مرحلة الشباب في سن الواحد العشرين وتنتهي في التاسعة والاربعين وفي سن الواحد والعشرين يكتمل النمو الهرموني للجسم بينما يبلغ النمو الوجداني ذروته بين الرابعة والعشرين والثلاثين .
وعلى الرغم من أن الدخول إلى سن الشباب يعني تخطي سن المراهقة إلا ان اثارها لا تزال تعمل لدى الفرد وما تنفك خبراتها تواجهه ، ومع انتقال الفرد من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرشد فإنه يستصحب في بداية الرشد بعض سمات المراهقة والمتمثلة في الصراع ين طموحه الزائد وقلة حيلته أو بين الواقع ومثالية الشباب وصراع جنسي بين الدفع المتحفزعادات تقاليد المجتمع ، وكما يعتبر الصراع الثقافي اعنف هذه الصراعات بين جيل الراشد والجيل السابق له .
وبدخول الفرد مرحلة الشباب يدخل في فيما يعرف منافسة الاشقاء حيث يقترب من بعضهم ويتقمص بعضهم أو ان يكره بعضهم ثم يسقط من بعد ذلك نتائج هذه الخبرات على علاقته بالأتراب والاصدقاء .
وتسمى مرحلة الشباب الأولى بمرحلة الفتوة إذ في هذه المرحلة تقوى الدوافع والنوازع وهي ايضاً مرحلة الاندفاع ، فيندفع الشباب بلا هوادة ولا ضابط يشبع نوازع الخير والشر فيه ، وسن الشباب هي سن النقد الشديد يلزم الراشد نفسه به والمجتمع الذي يعيش فيه ، وخلال نقده لنفسه فإنه يختبر قدراته ، ويقّوم أهدافه التي يتوقعها منه المجتمع ، وان النقد الذي يقوم به الراشد يمثل ضرباً من الصراع مع الذات وهو سلوك عدواني قد يتوجه به الراشد إلى ذاته وقد يوجهه إلى مجتمعه ، وقد اشارت العديد من الدراسات أن هناك تغيراً مستمراً في تطور القيم يمتد من سن المراهقة المبكرة وحتى سنوات متقدمة من العمر ، وقد اشار العديد من الباحثين إلى ان تطور القيم يكون على النحو التالي :
1 – أن القيم التي تتعلق بتحقيق الذات تزداد أهمية لدى الراشدين بإستثناء قيمة الحكمة .
2 – أن القيم التي تتضمن الخيال والعقلانية والمنطق تقل اهميتها في سن المراهقة في حين تزداد اثناء سنوات الدراسة الجامعية ثم تنخفض لدى كبار السن .
3 – أن قيم الجمال والصداقة والتهذيب تزداد أهميتها في فترة المراهقة المبكرة ثم تقل اهميتها في المراحل التالية من العمر .
4 – أن قيم النظافة والتسامح والمساعدة تزداد أهميتها في مرحلة المراهقة والمراحل التالية للمراهقة .
5 – ان قيم السلام العالمي والأمن الأسري والكفاءة تتساوى في اهميتها لدى جميع مراحل العمر .
6 – ان قيمتي المساوة والاستقلال الذاتي تزداد أهميتها في مرحلة المراهقة السنوات التالية.
7 – أن قيم الحرية والسعادة والاعتراف وتقدير الذات والشجاعة هي اكثر القيم ثباتاً عبر العمر .
وفي مرحلة الشباب تزداد أهمية القيم المرتبطة بالمستقبل والشباب دائماً مستقبليون يتحدثون بصيغة المستقبل بعكس الشيوخ الماضيين الذين يجترون الذكريات ، وفي سن الشباب تكثر احلام اليقظة التي يجد فيها الشباب الاشباع عوضاً عوضاً عن الحاضر القاصر والمستقبل الغامض . وتأتي احلام الشباب اكبر من قدراتهم ، ومؤهلاتهم ، والواقع حولهم ، فيرتدون إلى سلوك عدواني يعبر عن احباطهم ، والشباب دائماً دعاة إلى التغيير – تغيير اللوائح والقوانيين والدساتير ، لذا فالشباب انقلابيون بالدرجة الأولى لذا نجد ان اغلب قادة الانقلابات لتغيير نظم الحكم هم من الشباب بين العشرين والثلاثين أمثال الزعيم معمر القذافي ، وفيدل كاسترو ن وماو تسي تونغ ، ونكروما ، ولوممبا ، وبورقيبة ، وبن بيلا ، وهواري بومدين .
ومرحلة الشباب هي سن التآزر والتجمعات ، حيث تنصرف طاقات الشباب ونشاطاتهم وابداعاتهم من خلال تجمعاتهم التي يستشعرون فيها الانتماء ويمارسون عبرها الولاء لروح الجماعة ويبدأون في ممارسة أدوارهم الاجتماعية .
إن ميول الانتماء والولاء الجمعي من ابرز الميول عند الشباب حيث يتطوع الشباب للمسئولية الجمعية مختاراً ، يهديه لهذا الانتماء تصوره للمستقبل وهو تصور يتولد عند الشباب توهمهم انهم يصنعون المستقبل ، فسن الشباب هي سن الاحلام ، احلام غايتها المجتمع الجديد مجتمع الغد واليوتوبيا التي يصنعونها ، ونقد الشباب للمجتمع يصدر عن ميول فيهم لمقاومة السلطة الاسرية ، والدينية ، والاجتماعية ، والجامعية ، والحكومية ، وعادة ما تستغل الاحزاب هذه الميول لدى الشباب فتحاول ضمهم إلى المعارضة . وفي الغالب فإن لجهة الشباب في الصحف والمنتديات وأركان النقاش تتسمبلجهو عدوانية وأوجه للنقد لا حصر لها ، كما ان الجمعيات الثورية السرية غالباً ما تقوم على الشباب .
وإذا كان الميل إلى الانتماء من أهم الميول التي تحكم سلوك الشباب ، فإن للمنظمات والجمعيات الشبابية دور كبير في تحقيق رغبة الشباب للعمل مع الجماعة وهي أداة مفيدة وبناءة تساعدهم على تنمية قدراتهم ، ومهاراتهم ، كما وأنها تعمل على ملء فراغهم وتنمي فيهم روح التعاون والتضحية ونكران الذات واحترام قيمة الوقت والعمل ، كما وأن لهذه المنظمات دور كبير في في تحقيق ذات الشباب والاحساس بكينونتهم وذلك من خلال تقديم أعمال تُرضي الشباب وترضي عنهم مجتمعهم ، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق توافقهم الاجتماعي ، حيث ان عملية التوافق الاجتماعي تعني تغيير الفرد لسلوكه ليتفق مع سلوك الاخرين . وذلك باتباعه للعادات والتقاليد وخضوعه للإلتزامات الاجتماعية بحيث يتوافق سلوكه مع معايير الجماعة التي ينضم إليها ولاسلوب حياتها .
ثانياً - التحديات التي تواجه الشباب :
هنالك العديد من التحديات التي تواجه الشباب نذكرمنها تحدي المهنة والنجاح فيها والشعور بالانتماء المهني والشعور بالرضا الوظيفي ، ويعتبر التمهن من الركائز الجوهرية في ذات الفرد حيث تعطيه المهنة والوظيفة الوصف الشخصي وبما ان المهنة تدخل بصماتها الرئيسية في شخصية الفرد لذا فإنه من غير مهنة يحترمها الفرد ويحترمه المجتمع من خلالها فلن يتحقق توافق الفرد مع ذاته والذي يقوم عليه توافقه الاجتماعي .
كما يواجه الشباب بتحدي الزواج وأداء الدور الاجتماعي . فعند انتهاء الشباب من فترة الدراسة الجامعية فإنه يكون مطالباً من قبل الاسرة بالانخراط والمساهمة الايجابية في بناء الحياة حيث يواجه الراشد بمشكلات عدم توفر فرص العمل أو الرضا الوظيفي ويجد نفسه لاول مرة عاجزاً عن تحقيق اهدافه وتطلعاته بل عاجزاً عن تحقيق حاجاته البدنية والنفسية .
وتأتي هنا ضرورة الارشاد المهني الذي يعني مساعدة الفرد على اختيار مهتنه بما يتناسب مع استعداداته وميوله واهدافه وظروفه الاجتماعية وجنسه والعمل على اعداده لهذه المهنة والالتحاق بالعمل والترقي فيه لتحقيق افضل توافق مهني
يمثل الاحساس بالإنعزال أكبر التحديات التي تواجه الشباب حيث يسعى الراشد في بدايات مرحلة الرشد إلى مقاومة هذا الاحساس وذلك بإقامة العديد من العلاقات الاجتماعية ومن هنا يأتي لديه الميل نحو جماعة اجتماعية يشعر في إطارها بوجوده الاجتماعي ، إلا ان الزواج يعتبر من أهم العلاقات الاجتماعية التي يسعى الراشد إلى إقامتها من خلال علاقة عاطفية مع الشريك الآخر ، لذا من الضروري أن يحسن اختيار ذلك الشريك حتى تتحقق لديه ولدى شريكه الألفة والتوادد وبالتالي تجاوز أزمة الاحساس بالانعزال.
إن الزواج ليس دائماً الوسيلة الصحيحة السليمة التي تولد الاحساس بالالفة وذلك لان الفرد نتيجة لاخفاق النمو في بعض المراحل السابقة – قد يتوجه إلى الانعزال وتأخذ علاقته مع الآخرين شكلاً يخلو من التآلف والود الامر الذي يؤدي إلى إخفاقه في أداء دور الزوج الودود الأليف . لذا وجب أرشاد الشباب إلى مطالب النمو الاجتماعي في مرحلة الرشد المبكر (18-35) سنة فيما يأتي :
1 – البدء في ممارسة المهنة
2 - مباشرة المسئولية المدنية الاجتماعية .
3 – الانتماء إلى جماعة اجتماعية متجانسة من حيث الفكر او المعتقد .
4 – تعلم كيفية اختيار شريك الحياة (الزوج او الزوجة).
5 – تعلم الحياة الزوجية .
6 – البدء في تكوين الاسرة .
7 – إدارة المنزل والحياة الاسرية .
ويستطيع الشباب المسلم مواجهة التحديات وتجاوز الأزمات حيث أن المجتمع الاسلامي مجتمع عقيدة وإيمان وتقوم مؤسساته التربوية والسياسية على هذه العقيدة حيث تتعاون في اصلاح الانسان من خلال التربية الايمانية القائمة على استشعار مخافة الله وتقواه ومراقبته في السر والعلن ، وبذا يستطيع الشباب تخطى عقبة عدم الاستقرار والامن والفراغ العقائدي والروحي وسيطرة القيم المادية ،عندها يصبح الشاب قادراً على تجاوز تحديات الحياة من حيث البحث عن العمل وإقامة الاسرة وتحمل كافة المسؤوليات التي يصعب على الفرد تجاوزها دون طاقة ايمانية عالية .
ثالثاًَ – دور الشباب في إدارة الازمات والتفاوض :
أ – مفهوم التفاوض (اربح أنت وليربح الآخرون) .
يعتبر اسلوب التفاوض من الأساليب الهامة في تحقيق الاتفاق بين الافراد والجماعات والتفاوض حوار يقوم على الاستقلال الفكري مع التسامح ونبذ التعصب الاعمى ويقوم التفاوض على تملك النفس عند الغضب . والحوار حديث يجري بين شخصين أو أكثر عن طريق السؤال والجواب وغيرها بطريقة متكافئة فلا يستأثر به أحد دون الآخر . يغلب علي الحوار الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب .
فمن الناحية الاصطلاحية فإن الحوار يدور بين شخصين فقط ، في حين تدور المناقشة بين مجموعة من الاطراف ، أما التفاوض فهو حوار يهدف إلى الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين المتفاوضين . وكما يتصل مفهوم التفاوض بالحوار فإنه يتصل بمفهوم آخر هو الجدال ، والجدال في اصطلاح العلماء يتكون من المعاني اللغوية الخمسة وهي إحكام القول ، وقوة الكلام ، والحجة ، وصراع المخالف، وغلبته في الرأي . فجاء في تعريفهم أن الجدل يعني المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة لإلزام الخصم . والمناظرة صورة من صور الحوار تقوم على استعراض وجهات النظر المتعارضة والتركيز على نقاط الجدل التي توضح أوجه الخلاف ويكون المناظر مرتبطاً غاية الارتباط بافكار من يناظره . حيث أن عليه أن يحسن الاصغاء والاستماع إلى من يناظره بحيث انه اذا فرغ من حديثه رد عليه بما يقنع ، دافعاً قوله بالحجة الظاهرة والدليل القاطع والبرهان الساطع .
ومن العوامل المؤثرة على إدارة التفاوض انتماء الفرد الفكري والثقافي حيث يحاول المفاوض من خلال كافة مراحل التفاوض ومجرياته الدفاع عن فكره وثقافته . كما ان هناك تأثير للجماعة المرجعية على العملية التفاوضية ، تمثل الجماعة المرجعية الجماعة التي ينسب إليها الفرد سلوكه الاجتماعي في اطار معاييرها وقيمها وإتجاهاتها وأنماطها السلوكية وقد تبدأ الجماعة المرجعية من الاسرة ، ثم جماعة الاصدقاء والرفاق حيث يلجاً الشباب إلى من يسمعهم ويصغي إليهم لمساعدتهم على حل مشكلاتهم الامر الذي يجعلهم يسايرون تلك الجماعة والتي قد تدفع بهم إلى طريق منحرف . لذا فإن الجماعة المرجعية ينبغي ان تحقق التوافق السوي .
وإن من العوامل التي يتوقف عليها وبدرجة أساسية نجاح التفاوض مدى توافق المتفاوض مع نفسه ومع جماعته المرجعية حتى تفضي العملية التفاوضية إلى حلول ترضي الفرد وتتفق مع معايير الجماعة واهدافها .
ب – الشباب وفن إدارة الاختلاف :
إن القدرة على إدارة الاختلاف مع الاخرين تتطلب رشداً ودراية وذلك من خلال البحث عن نقطة تفاهم مشترك والقدرة على تبيين وتبرير وجهة النظر الأخرى والاقتناع بأهمية حاجة الآخر للفوز كحاجتنا تماماً .
وتكمن الفعالية الشخصية في عملية التفاوض أساساً في قدرة المفاوض على تحقيق أهدافه دون التضحية بأهداف الآخرين وتحقيق اهداف الآخرين دون ان يفقد رؤيته لذاته . وهناك قدر من المهارات المكتسبة التي يستطيع بها الانسان من القيام بجولات تفاوضية ناجحة يحقق من خلالها نتائج باهرة يربح فيها الجانبان .
ويأتي الربح في إدارة الخلاف من خلال فهم الطرفين المتفاوضين لبعضهما البعض ، ولحاجاتهم ، ولأهمية عنصر الوقت لكل طرف ، ودرجة الحرص على العلاقات الشخصية .
النضج الانفعالي والعملية التفاوضية :
إن النضج الانفعالي هو درجة ابتعاد الشخص الراشد عن السلوك الانفعالي الخاص بالطفولة من حيث مثيرات هذا السلوك والتعبير عنه وضبطه وثباته ، وإن من اهم علامات النضج الانفعالي القدرة على ضبط النفس في المواقف التي تثير الانفعال ، أي البعد عن التهور والانفعال والاندفاع ، وتأجيل التعبير المباشر عن الانفعال بما يتيح للفرد التفكير واختيار انسب الاستجابات ، وان يشمل هذا ايضاً القدرة على تحمل الاحباط والحرمان ، وتأجيل اللذات العاجلة من أجل الظفر بلذات آجلة ، وأهداف أشمل وأبعد ، أي تغليب الاهداف البعيدة على القريبة.
إن النضج الانفعالي مرتبة لايصل إليها أغلب الناس حتى من نضجت أجسامهم وعقولهم وهو شرط ضروري ليس من اجل نجاح العملية التفاوضية فحسب ، ولكنه شرط من شروط الصحة النفسية والتوافق الاجتماعي .
لذا فإن النضج الانفعالي والقدرة على ضبط النفس من العوامل الهامة التي تؤدي إلى نجاح العملية التفاوضية حيث أن التفاوض وفي مراحله المختلفة يتضمن العديد من المواقف المحبطة او التي تثير الغضب وعدم الارتياح ، الامر الذي يتطلب من أفراد التفاوض التحلي بضبط النفس وتجاوز كل ما يثير الغضب ويدعو للإحباط .
إن إدارة الازمات تعني ايجاد الحلول المناسبة لمشكلة أو مجموعة من المشاكل وتعتبر المشكلة حدث تدريجي غير مفاجئ له دلالات وشواهد تشير إلى وقوعه بشكل تدريجي . إن العلاقة بين الازمة والمشكلة وثيقة الصلة فالمشكلة قد تكون بسبب أزمة ولكنها ليس الأزمة نفسها ، وان العلاقة بين المشكلة والأزمة كالعلاقة بين الازمة والكارثة حيث أنه من الممكن أن تتحول الأزمة إلى كارثة إذا لم يتدارك المسئولون الموقف في وقت مبكر .
رابعاً - دور الشباب في نشر ثقافة السلام :
الشباب شريحة واعدة ومرتبطة بالمستقبل وتسعى إلى تحقيق العديد من الاهداف وتميل إلى العيش في سلام واستقرار . وللحرب آثار مدمرة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تهدد المجتمع بكل افراده ومؤسساته . واثار الحرب تبدأ قبل نشوبها حيث ينتاب الجميع مشاعر القلق والتوتر والخوف مما يمكن أن تسببه الحرب من اخطار على الانفس والممتلكات ويستمر هذا الصراع النفسي اثناء الحرب وبعدها ومن أبرز الأثار الناجمة عن الحرب :
أ – الأثار التي تطرأ على القيم الاخلاقية والمعايير الاجتماعية للسلوك وما يترتب عليها من تغير في العادات والاعراف والتقاليد من خلال حالات التشرد والتسول والنهب والسرقة وارتكاب مختلف الجرائم في غياب القانون وضعف الوازع الديني الناجم عن الفقر .
ب – الاثار الاجتماعية للحرب التي يترب عليها انحراف الاحداث نتيجة لحلات اليتم والترمل وهجرة الاباء بسبب تردي الاحوال الاقتصادية .
ج الاثار الصحية المتمثلة في انتشار الامراض والأوبئة وعدم توفر المياه الصحية مع توفر الوقاية والعلاج .
د – عدم الاستقرار الدراسي وتزايد الفاقد التربوي .
هـ - الاثار الثقافية السالبة الناجمة عن الحرب المتمثلة في عدم استقرار الحياة الاسرية التي ربما تؤدي إلى الهزيمة ودخول العدو او المنظمات الاجنبية لتنفيذ اهدافها واجندتها الخفية والترويج للفساد خاصة بين مجتمعات الشباب .
و – تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفقر في أوساط المجتمع المنكوب.
أ – ثقافة السلام :
إن هنالك العديد من المبادئ التي تقوم عليها ثقافة السلام كما انها أساس للتعايش الانساني ، تعتبر الحرية من أهم مبادئ الحياة ويقوم مفهوم الحرية على أن الانسان مكلف حر في الحياة، والحرية في العقيدة الاسلامية والحرية في الاسلام تعني أن الانسان مسئول عند الله تعالى عند اختياره للخير أو الشر ومن أهم مجالات الحرية :
أ – حرية الاعتقاد حيث أن للإنسان الحرية الكاملة في اعتقاده وقد أكد الاسلام على هذه الحرية في العديد من الآيات القرآنية (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)
البقرة - 256 .
ب – حرية العبادة وفق الاعتقاد والدين .
ج – حرية الاختيار لما يريد الانسان مما أباح الله في شريعته لعباده من عمل ظاهر أو باطن.
د – حرية تعبير الانسان عن افكاره وآرائه مالم يكن فيها فساد في الارض وبين الناس.
هـ المساواة من المبادئ الهامة في ثقافة السلام وقد اكدت عليها كل الديانات السماوية والمساواة في الاسلام تعني تعني نظام الخُلق الذي تحكمه سنة التفاضل لا التساوي ليتحقق العدل إلا في بعض الحالات التي يقتضي فيها العدل بالتساوي . فالاسلام يحمي مبدأ العدل حيث ان العدل ضرورة يقتضيها السلام .
لقد اهتم الاسلام بتحقيق مبادئ السلام بين افراد المجتمع كما عمل على نشر ثقافة السلام بين كافة الشعوب . حيث ان بناء الامة الاسلامية يقوم على الاسس التالية :
1 – إن اعضاء الامة الاسلامية الواحدة اعضاء انسانيون مهما كانت أقوامهم وشعوبهم وقبائلهم وألوانهم ومواطنهم وانهم ينتمون لأصل واحد هو الاسلام .
2 – إن الارض التي يعيشون فيها هي موطن للامة الاسلامية كلها أو بعضها وقد نبذ الاسلام العصبية والقومية والجهوية وأقام محلها الاخوة الايمانية بين المسلمين .
3 – إن لغير المسلمين الحق في الاقامة والعيش في البلاد الاسلامية دون المساس بحقوق المسلمين .
ب – دور الشباب في نشر ثقافة السلام :
إن للشباب دور أساسي في تحقيق الأمن والأستقرار في اي مجتمع من المجتمعات ، وإن دور الشباب في نشر ثقافة السلام يتوقف على فهم مبادئ الاسلام الأساسية المتمثلة في الحرية والمساواة والعدالة والإحسان ، كما يتوقف على فهم كل مهددات السلام المتمثلة في مشاعر الكراهية والتعصب والعدوان .
كما يقوم دور الشباب في نشر ثقافة السلام على تفهمهم لمعاني الحرية كقيمة انسانية ، وهذا يعني ان الإنسان ذو إرادة وقصد وأن إرادته لا تحقق إلا في جو من الحرية الكاملة الواعية التي لاتخل بمبادئ المجتمع العامة ، وان نشر الشباب لثقافة السلام يتوقف على السلوك الفعلي لهؤلاء الشباب وذلك بحماية حرمات الناس من العبث والإكراه وذلك بإتاحة الحرية الدينية والسياسية والفكرية . وصيانة حقوقهم وحماية كرامتهم وإتاحة حرية الجدل والمناقشة لهم ضمن حدود العقل والمنطق والادب .
ونرى أن الاسلام قد أمر المسلمين بأن يبتعدوا عن العنف والخشونة في مناقشاتهم مع اصحاب الديانات الأخرى ، وتبين لنا ذلك في قوله تعالى ، (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل 125 . كما نرى ان الاسلام لا يرضى عن التعصب للون أو التعصب للطبقة أو الجنس حيث اعلن الاسلام المساواة بين الناس في الاصل والمصير ورسالة الحياة وأن العدوان والتعصب من اخطر مهددات السلام والاستقرار ويكون دور الشباب في نشر ثقافة السلام بتفهمهم لخطورة هذه المهددات وتوعية الناس بمخاطرها إضافة إلى نبذهم للعداء والتعصب في سلوكهم مع الآخرين .
إن دور الشباب في إرساء دعائم السلام ونشر ثقافته يتضمن سلوكهم الفعلي في تفاعلهم مع الآخرين ، كما يستطيع الشباب التعبير عن مفاهيم السلام وبسط ثقافته عبر مختلف الوسائل المتاحة المتمثلة في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ، كما ان الشباب يشاركون مشاركة فعالة في تقديم العون والمساعدة للمتأثرين بالنزاعات المسلحة والحروب وذلك بتقديم الغذاء والدواء والكساء وتوفير المأوى عبر المنظمات الرسمية والطوعية كما يُسير الشباب مختلف القوافل إلى معسكرات النازحين بسبب الحرب .
كما ينطلق دور الشباب في نشر ثقافة السلام من خلال الحراك السياسي والفكري والثقافي الذي ينتظم المؤسسات التي ينتمون لها حيث ان الواقع السياسي الذي يعيشه الطلاب في الجامعات والمؤسسات التعليمية يمثل الاساس الذي يقوم عليه مستقبل الامة ، حيث ان الشباب يمثلون قادة المجتمع ومفكريه في مستقبل آمن ، مسالم ، ومستقر.
خامساً - دور الشباب في تأهيل البنى التحتية :
يمثل الشباب الشريحة الاكثر قدرة على العطاء في اي مجتمع من المجتمعات وان مايمتلكه الشباب من القوة والنشاط تجعله يشارك في كل ميادين البناء والتعمير تحدوه الآمال وتدفعه روح التضحية والتعاون والتعاضد والرغبة في الانخراط في كل مجالات العمل الطوعي . وان العمل الطوعي لايستطيع أن يقوم به اي شخص ، إنما يقوم به اشخاص لهم مقدرات معينة كالتفاؤل والشفافية والحماس ونكران للذات.
مفهوم البنى التحتية :
مفهوم إعادة التأهيل : يقصد بإعادة التأهيل إعادة الوضع إلى حالته الطبيعية على المدى القصير ويتمثل في الانشطة والأفعال التي تتخذ بعد النزاعات والحروب وغيرها مباشرة والتي تمكن من إستمرارية الخدمات الأساسية ووظائف المجتمع الاخرى. وذلك من خلال مساعدة الضحايا والمتأثرين بإزالة المخلفات وإعادة تشغيل المرافق إلى مستوياتها السابقة وإصحاح البئية من التلوث ، وفتح الطرق وقنوات الاتصال وغيرها من المرافق الحيوية .
مفهوم إعادة التعمير : يقصد بإعادة التعمير إعادة الوضع إلى حالته الطبيعية على المدى الطويل مع حصر الاضرار الاجتماعية والاقتصادية التي لحقت بالافراد والجماعات وهي مرحلة عودة المجتمع المتأثر بأحداث الطوارئ ومخلفاتها في حالة الحرب وغيرها من الكوارث الطبيعية إلى حالته الطبيعية ، حيث يتم في هذه المرحلة تقديم الدعم العاجل لعودة المجتمع المتأثر إلى حالته الطبيعية قبل وقوع أحداث الطوارئ ، ويبرز دور الشباب في مثل هذه الظروف في مساعدة المتأثرين بالنزاعات والحروب وغيرها على إعادتهم إلى حالتهم الطبيعية وتأمين الخدمات الأساسية وإعادة تشغيل المرافق العامة المتأثرة بالأحداث .
ويستطيع الشباب إعادة تاهيل البنى التحتية في اطار تحقيق التنمية الاجتماعية وذلك من خلال المشاركة الفاعلة في كل مجالات العمل الطوعي ، ويعد العمل الطوعي أحد المعايير المعبرة عن تفتح المجتمع وفعاليته خاصة في مجال تقديم الخدمات الاجتماعية والتصدي للمشكلات التي يعاني منها افراده ، وأن أهمية العمل الطوعي تزداد اهمية في الدول النامية نظراً لشح الموارد ، وضعف الناتج القومي لتلك الدول وعدم مقدرتها على تلبية احتياجات المجتمع الضرورية .
ويعُرف العمل الطوعي بانه نشاط هادف يقوم به المجتمع او بعض أفراده ، ولايهدف إلى ربح مادي ، وإنما يستهدف تلبية إحتياجات المجتمع او بعض فئاته أو أفراده ، وتتم ممارسته عن طريق العون الذاتي أو العون المتبادل او التعاون ، ويتسع مفهومه ليشمل كل العمليات الني يبذلها المجتمع لاغاثة المحتاجين ومساعدتهم على توفير احتياجاتهم والمساعدة في كل حالات الرعاية والتنمية الاجتماعية على المستويات المحلية والقومية .
ويمارس الشباب دورهم في إعادة تاهيل البنى التحتية عن طريق العديد من المنظمات والجمعيات التي من اهمها جمعيات الكشافة ، جمعيات الاندية ، والمراكز الثقافية وتقوم هذه الجمعيات والمراكز في تنظيم انشطة الشباب . ليقوم الشباب بتقديم العون للمتأثرين ومساعدة العجزة والمسنين والنساء والاطفال وأن لطلاب الجامعات والمعاهد دور في دعم النازحين وذلك بجمع التبرعات وتقديم الخدمات الصحية و الوقائية والعلاجية وتوفير الدواء ، خاصة من طلاب التخصصات الطبية وإقامة المخيمات وتوفير كافة المتطلبات من أغطية وإضاءة وأدوات ضرورية .
وتتواصل جهود الشباب في عمليات إعادة التعمير وتشييد المنشآت التي تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي ، كما يلعب الشباب دوراً في تحقيق التنمية الاجتماعية الشامة بالمشاركة في مجالاتها المختلفة .
النتــــــائج :
استناداً على ما اشتملت عليه هذه الدراسة من معلومات عن دور الشباب في إدارة الازمات والتفاوض ونشر ثقافة السلام وتأهيل البنى التحتية ، فقد توصلت الدراسة إلى النتائج التالية :
1 – إن مرحلة الشباب والتي تتميز بإكتمال النضج – من اهم المراحل العمرية وأن الشباب يمثلون الشريحة الاكثر قدرة على العطاء .
2 – إن سن الشباب هو سن التآزر والتجمعات ، حيث يتطوع الشباب للمسؤولية المعية .
3 – ان يتمتع الشباب بروح التفاؤل والشفافية والحماس ، ويؤهلهم للمشاركة بفاعلية في مجالات العمل الطوعي .,
4 – الشباب في حاجة إلى الرشد وتنمية الذات لامتلاك القدرة على إدارة الازمات والتعرف على فن إدارة الاختلاف .
5 – يواجه الشباب بالعديد من التحديات والتي من أهمها محاولة الحصول على المهنة وتحمل المسئولية وإختيار شريك الحياة والقيام بالاعباء الاسرية واداء الدور الاجتماعي المناسب.
6 – إن النضج والانفعال والقدرة على ضبط النفس من أهم العوامل لانجاح العملية التفاوضية .
7 – إن نجاح التفاوض يتوقف على فهم الطرفين المتفاوضين لبعضهما ولحاجتمهما ومدى توفر المعلومات عن الطرف الآخر .
8 – يلعب الشباب دوراً هاماً في نشر ثقافة السلام .
9 – يستطيع الشباب تاهيل البنى التحتية في حالتى الحرب والسلم .
10 – يمثل الشباب أهم العناصر في عملية إعادة التعمير وتحقيق التنمية الاجتماعية .
التوصــــيات :
وعلى ضوء ما ورد في هذه الدراسة من معلومات وإستناداً على ما تم التوصل إليه من نتائج فإن الدراسة توصي بالتالي :
1 – ضرورة تربية الشباب تربية إيمانية قائمة على استشعار مخافة الله ومراعاة الحقوق والواجبات وصون المصالح العامة .
2 – التأكيد على قيم التعاون والتكافل والتسامح من خلال أجهزة الاعلام والمناهج الدراسية.
3 – الإهتمام بمدارك الشباب وإقامة المزيد من الدورات التدريبية لتنمية قدرات الشباب ومهاراتهم وإكسابهم الخبرات اللازمة .
4 – ضرورة تدريب الشباب على التفاوض وتسليحهم بفن إدارة الاختلاف لامتلاك القدرة على النجاح في العملية التفاوضية .
5 – دعم شريحة الشباب حتى يتمكنوا من تجاوز ما يواجههم من تحديات ولذلك فإن على الجهات المعنية مساعدتهم على تحقيق التوافق الزواجي والاسري والاجتماعي .
6 – اتاحة وسائل الاعلام للشباب وذلك حتى يتمكنوا من التعبير عن قضاياهم ومشكلاتهم .
7 – ضرورة دعم المنظمات والجمعيات الشبابية والعمل على تفجير طاقات الشباب وذلك بإشراكهم في مختلف الانشطة والمشروعات .
8 – تدريب الشباب على إحترام قيمة الوقت والعمل على استثماره .
9 – ضرورة تشجيع الشباب على الانخراط في مختلف منظمات العمل التطوعي .