شكل الإعلام في واقعنا المعاصر عصب الحياة، ولا ينكر أحد مدى الانتشار الواسع للبث الإعلامي سواء الإذاعي أو الفضائي، أو حتى المواقع الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية، وتجاوزه لجميع الحدود وتخطيه أقصى المسافات، وأصبح أثره واضحًا على كافة الأصعدة، ولا شك أن طبقة الشباب من الطبقات المستهدفة لجميع الجهات، إذ لا يخفى ما لهذه الفئة من تأثير على مجتمعاتها وبالتالي على مكانة بلادهم ـ سلبًا أو إيجابًا ـ في الواقع المعاش.
الوضع الديموغرافي للشباب وعلاقته بالإعلام
يمثل الشباب في البلدان النامية أسرع شرائح سكان العالم نمواً، كما يشكل الشباب تحت سن الخامسة والعشرين أكثر من نصف سكان البلدان النامية البالغ عددهم خمسة بلايين نسمة، ومن ثمّ، فإن الشباب لا يمثلون المستقبل فحسب، بل هم الحاضر أيضاً، ونتيجة للعولمة والتقدم التكنولوجي، ازداد التواصل فيما بين شباب اليوم كثيراً عن ذي قبل، وأصبح صوتهم مؤثراً على نحو أكبر، فهم يشكلون مصدراً لم يستغل بعد لتحقيق التنمية والتغيير والتقدم.
وفي فلسطين أكدت دراسة قام بها جهاز الإحصاء بمناسبة اليوم العالمي للشباب أن عدد الشباب في الفئة العمرية من (10-24) سنة في منتصف 2004 في الوطن بلغ حوالي 1،220،167 فردا (بواقع 622،038 من الذكور، و598،129 من الإناث)، أي ما نسبته 32.4% من مجمل السكان، مقارنةً بنسبتهم التي بلغت لعام 1995 33.2% من مجمل عدد السكان وحول التفصيل على مستوى الفئات العمرية للشباب أظهر أن فئة (10-11) سنة أقل الفئات العمرية التي تدعي بأن لديها وقت فراغ قليل في حين ترتفع في الفئة (20-24) سنة لتصل إلى 37.4% من أفراد تلك الفئة مما يعني أن وقت الفراغ يقل مع تقدم العمر بالنسبة لفئات أعمار الشباب.
وبشأن الأنشطة إلى يمارسها الشباب أثناء وقت الفراغ، أشارت الدراسة إلى أن مشاهدة التلفاز أكثر الأنشطة التي تمارس أثناء وقت الفراغ وبنسبة 31.9% وخاصة لدى الإناث (40.6%)، فيما احتل الالتقاء بالأصدقاء في المرتبة الثانية وبنسبة 15.0%، معتبراً أن التحدي الأكبر الذي يواجهه الشباب يكمن في كيفية قضاء أوقات الفراغ بشكل منتج في ظل الضغوط السياسية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يواجهونها.
وحول الأنشطة التي يرغبون بممارستها ولا يمارسونها حالياً أوضحت أن 20.0% من الشباب عبروا عن رغبتهم بالمشاركة في رحلات خارج الوطن و12.2% في رحلات داخل الوطن، وشددت الدراسة على أن الأوضاع السياسية والأمنية السائدة تحد من ممارسة الشباب للأنشطة التي يرغبون ممارستها في وقت الفراغ، وهو ما أفاد به 26.9% من مجمل الشباب (10-24) سنة، وبما أن حوالي 32.0% من الشاب أفادوا بأنهم يشاهدون التلفاز أثناء أوقات فراغهم بشكل رئيسي، فمن الطبيعي أن يحتل البيت المرتبة الأولى عند السؤال عن المكان الذي يقضي فيه الشباب وقت فراغهم، حيث أفاد أكثر من ثلاثة أرباع الشباب (76.6%) بأن البيت هو المكان الرئيس الذي يقضون فيه معظم أوقات فراغهم.
وأكدت الدراسة على انخفاض نسب توجه الشباب إلى النوادي الشبابية أو المراكز الثقافية لقضاء أوقات الفراغ، منوهةً إلى أن الأوضاع السائدة والتكلفة المرتفعة لبعض الأنشطة تحد من توجه الشباب إلى المسرح أو السينما أن توفرت أصلا في ظل الأحداث الجارية، في حين إننا نجد دولة كالأردن نسبة الشباب فيها يمثل 61% من السكان.
العولمة والإعلام
ولعل هذه الفئة العمرية هي المعنية بعصر العولمة وقضاياه ومشكلاته، فالعولمة مشروع كوني للمستقبل كما يطمح واضعوه ومفكّروه والداعون إليه، لذا فإن الجيل الجديد هو الأسبق بالتعاطي مع هذه العولمة وأدواتها، فالكمبيوتر والإنترنت وشبكات المعلومات المعقدة أصبحت في متناول أيدي الشباب في سهولة ويسر، بينما تعتبر هذه الأشياء بالنسبة للأجيال الأكبر سناً معضلة لا حلّ لها، كما أن أنماط المعيشة التي تطرحها (العولمة) من مأكل ومشرب وعادات ثقافية موجّهة بالدرجة الأولى لأجيال الشباب، لأنهم الأقدر على الاستجابة والتقبّل السريع لأي مفاهيم جديدة خارجة عن المألوف، خاصة إذا كانت تقدم لهم بوسائل باهرة وبطرق تقنية تؤثر في نفوسهم.
إن نظرة سريعة على واقع شبابنا اليوم تكشف لنا مدى عزوف الشباب عن المشاركة في قضايا المجتمع، والابتعاد عن النشاطات السياسية والاجتماعية، وهذا ناتج عن طول أمد الاستبعاد الذي مورس ضد الشباب وعزلهم عن الحياة العامة وخاصة السياسية سواء في المدارس والجامعات أو في المنظمات الشعبية والديمقراطية المحدودة، فشبابنا اليوم يسعى خلف الإعلام الخارجي باحثاً عن الحقيقة، التي بدأ يشك في صدقها في إعلامه الرسمي، متصوّراً أنه سيجدها عند الآخر، وهذا بداية الانسلاخ الثقافي وفقد الثقة في ثقافته والقائمين على تسيير شئونه، ومؤشر إلى سهولة السقوط تحت تأثير أي إعلام معاد له ولوطنه وتراثه الثقافي والحضاري، وسنرتكب أخطاء أكثر فأكثر إن نحن تصوّرنا أن بإمكاننا الاستمرار في إبعاد جيل الشباب في عالمنا عن المشاركة الكاملة في إدارة شئون حياته ورسم مستقبله، فالكبار في عصر يقوده الشباب لن يتمكنوا من ضبط إيقاع الحياة دون الشباب ومشاركتهم الكاملة، وقد دلت الدراسات والأبحاث الحديثة على أن المجتمعات، التي تتعرض للتغير التقني السريع لا يعود الآباء فيها يملكون ما يقدّمونه لأبنائهم، لأن معارفهم تفقد ملاءمتها للواقع الجديد والمستجد، فكيف بزمان كزماننا الذي فاقت سرعة التغير التقني فيه بملايين المرات سرعة التغيرات التقنية التي أصابت المجتمعات البشرية القديمة، فجيل الآباء في زماننا ما عادوا يملكون معظم الإجابات عن أسئـلة أكثر وأعقد مما لا يقاس مما توافر لمن سبقـهم، فهم يكادون أن يفقدوا الموقع الذي يخوّلهم أن يقـولوا للصغار ماذا يفعلون وماذا لا يفعلون، وأصبحت العلاقة بين الطرفين بسبب التقنية الجديدة حواراً لا تلقين دروس وأوامر.
ومع التطورات العلمية والتقنية الهائلة، وثورة الاتصالات والإنترنت والفضائيات، ودخول العالم في مرحلة العولمة، كمنظومة ثقافية سياسية اقتصادية اجتماعية، يمكن ويجب أن تستغل التأثيرات القادمة عبر الإنترنت والفضائيات لزيادة الوعي الجيل الشاب و مساعدة المنظمات السياسية والاجتماعية لكي تعمل من أجل:
1 – تشجيع المواهب والهوايات المختلفة لدى جيل الشباب لملء الفراغ، وتوجيههم التوجيه الملائم والسليم
2 - الاهتمام بقضايا التعليم التي تخص الشباب والتركيز على أن تتم العملية التعليمية على أساس العقل والمنهج العلمي وليس على أساس الحشو والتلقين.
3 - محاربة الجهل والأمية في صفوف الشباب، لأن الجهل والتخلف يتولد عنه أفكار متطرفة قد تدفع بالشباب والمجتمع إلى دوامة العنف والتطرف.
4 - دراسة المشاكل الاجتماعية السائدة بوسائل البحث الفردية والجماعية ووضع التصورات العملية لهذه المشاكل.
5 - غرس القيم الديمقراطية لدى الشباب من خلال تكريس تقاليد النقاش والحوار الحر والديمقراطي وتبادل الرأي بين المجموع العام، ونجاح هذا التوجه يعني تعزيز المفاهيم الديمقراطية في المجتمع ككل.
6 - نشر الوعي السياسي والثقافي بين جيل الشباب، الذي يمكنهم من الإلمام بأزمات ومشاكل مجتمعهم.
عالمنا المعاصر تطورت وسائل الاتصال، ونقل الأفكار والمعلومات، بشكل لم يسبق له مثيل، فهي تنتقل بسرعة الضوء والصوت، وتغزو العالم في ثوان معدودة.
وهناك أعداد ضخمة من المؤسسات والاجهزة والادوات الخاصة بالتثقيف الجماهيري وتكوين الرأي العام، وتصميم الشخصية.
وغدت وسائل الاعلام والمعلومات، كالتلفزيون وشبكات الانترنيت والكومبيوتر والصحافة والراديو والكتاب والمجلة... هي القوة المهيمنة على التفكير والفعالة في تكوين نمط السلوك.
فالاعلام يساهم في تكوين الفكر السياسي والدعاية للشخصيات والأفكار، كما يساهم مساهمة فعالة، لا سيما الاعلام المصور،كالتلفزيون والسينما والفيدو والمجلة بالاغراء الجنسي، والتعريف بالازياء والسلوك والافكار والإثارة، وتوجيه الراي العام.
والشباب- لا سيما في مرحلة المراهقة- مهيأون أكثر من غيرهم، لتقمص الشخصيات، والتأثير بالشخصيات التي تظهر على شاشة التلفزيون، أو السينما، من الممثلين وعارضي الازياء، ورجال العصابات، وشخصيات العنف... الخ.
كما يتأثر الشباب بالشخصيات التي تمثل دور البطولة السياسية والاجتماعية والثورية وعظماء التاريخ، ذلك لأن المراهق- من الاناث والذكور- في هذه المرحلة هو في طور تكوين الشخصية، وانتقاء المثال الذي يتأثر به.
وحيث إن الغرائز والمشاعر، لا سيما غريزة الجنس، هي في قمة القوة والعنفوان، والضغط على المراهق، وتبحث عن طريق للتعبير والتفريغ، فإن وسائل الاعلام ساهمت مساهمة فعالة في اثارة الغريزة الجنسية عن طريق الافلام والصور الخلاعية والماجنة والمغرية وعن طريق القصص الغرامية والأدب والثقافة، كما ساهمت أفلام العصابات والاجرام في حرف الكثير من المراهقين وتدريبهم على اقتراف الجريمة، لذا فإن الرقابة في بعض دول العالم تمنع العديد من عرض الافلام الجنسية، وأفلام العصابات، كما تمنع أحيانا حضور المراهقين إلى قاعات عرض تلك الافلام.
وتفرض بعض دول العالم الرقابة على أفلام الفيديو الخليعة والمثيرة، أو التي تدرب على تناول المخدرات والجريمة.
سجل الدكتور اسكندر الديلة نتيجة إحصائية قام بها في لبنان، تخص مشاهدة الفيديو، جاء فيها: (أن مشاهدة الافلام الاجتماعية والعاطفية حازت على الدرجة الاولى، وحلت الافلام البوليسية في المرتبة الثانية...).
وجاء في تقرير آخر: لقد تبين من دراسة اجريت في الولايات المتحدة على 110 من نزلاء مؤسسة عقابية أن 49% من هذه المجموعة أعطتهم السينما الرغبة في حمل السلاح و12- 21% منهم أعطتهم السينما الرغبة في السرقة ومقاتلة الشرطة.
ومن خلال دراسة اجريت على 252 فتاة منحرفة بين سن 14- 18 سنة تبين أن 25% منهن مارسن العلاقات الجنسية نتيجة مشاهدتهن مشاهد جنسية مثيرة في السينما. و41% منهن قادتهن المشاهد إلى الحفلات الصاخبة، والمسارح الليلية. و54% منهن هربن من المدرسة لمشاهدة الأفلام. و17% تركن المنزل لخلاف مع الأهل حول ذهابهن إلى السينما.
وجاء في تقرير الهيئة الصحية العالمية عن انحراف الأحداث، وعلى لسان أحد القضاة الفرنسيين العاملين في ميدان الأحداث ما يأتي: "لا يخاجلني أي تردد لبعض الأفلام، وخاصة الأفلام البوليسية المثيرة معظم الأثر الضار على غالبية حالات الانحراف لدى الأحداث".
وفي انجلترا تمكنت بعض الدراسات من خلال التجواب 1344 شخصية اختصاصية حول العلاقة بين السينما وانحراف الاولاد دون السادسة عشرة بأجاب ستمائة منهم بوجود علاقة بين انحراف الأحداث والسينما.
كما اظهرت بعض الدراسات في الغرب على أن بعض السرقات الكبيرة كان الدافع اليها تردد الأحداث بشكل متكرر إلى قاعات السينما.
وهكذا يتضح أن مشاهدة الافلام العاطفية، ومنها الجنسية هي في المرتبة الأولى، وأن مشاهدة الافلام البوليسة يأتي في المرتبة الثانية، وكما أكدت الدراسات العلمية، فان المراهق في هذه المرحلة يسعى من خلال المحيط لتكوين شخصيته، وهو سريع التأثر والتقبل؛ لوجود العواطف والغرائز والشحنات النفسية والجسدية المتوثبة، والباحثة عن التعبير والتفريغ.
ومن هذه الاحصائية ندرك أهمية العمل الاعلامي في تكوين السلوك العاطفي والغريزي، والاقدام على تقمص شخصيات أبطال الافلام والمغامرات.