اشتدّت حرارة الحديث حول الإعلام الألكتروني العربي، وقد فرض نفسه في الساحة رغم ولادته في مرحلة حافلة بالصعوبات. ومن الطبيعي أن تواجه هذه المسيرة عقبات ومشكلات، ولكن هذا ما يوجب في الوقت نفسه النظرة الموضوعية للعمل على تطويره وتحقيق أغراضه في المستقبل.
طبيعة الإعلام الألكتروني والتعامل معها
مخاوف الإعلام التقليدي
المشكلات التي يواجهها الإعلام العربي الألكتروني كبيرة ومتنوّعة، إنّما يُلاحظ بعضُ التضخيم من شأن قسم منها دون آخر، لا سيّما ما يرتبط بنقاط التمّاس مع الإعلام التقليدي أو مع السلطات، علما بأنّ مثل هذه المشكلات، لا تخصّه بالذات، فهي جزء من خلل قائم من الأصل على مستوى الإعلام عموما، وعلى مستوى علاقته بالسلطات.
وقد أشار بعض الإعلاميين العاملين عبر الشبكة إلى انخفاض نسبة قرّاء الصحافة المكتوبة في السنوات الماضية في إشارة ضمنيّة إلى "أثر سلبيّ" للإعلام الألكتروني، إنّما لا يمكن الجزم بمثل هذا الأثر قبل إعطاء أجوبة موضوعية قائمة على عدد من الأسئلة، منها مثلا:
1- أثر الفضائيات مقارنا بأثر الإعلام الألكتروني على الصحافة المكتوبة..
2- الأسباب الذاتية في واقع الإعلام المطبوع..
3- تأثّر "المستهلك" العربي بالأحداث المأساويّة عزوفا عن الإعلام..
4- انخفاض مستوى المعيشة وأثره في البحث عن المعلومة دون تكاليف مادية..
وغير ذلك من العوامل التي قد يتبيّن عند دراستها شكل آخر لحقيقة الأثر المتبادل بين الإعلام الألكتروني والإعلام المطبوع، وهي علاقة تكامل وتنافس صحيّ، وليست علاقة سلبيّة، أو لا ينبغي أن تكون كذلك.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ مخاوف مشابهة انتشرت في مرحلة سابقة في البلدان الغربية المتقدّمة شبكيا، واضمحلّت في هذه الأثناء، ليحلّ مكانها تكامل بين القطاعين، يشمل أيضا البثّ الإذاعي والتلفازي ويحقّق نتائج إيجابيّة مشهودة.
صحف ومجلات.. مضيئة
لا خلاف حول وجود خلل على مستوى الإعلام الألكتروني العربي، وهو خلل يحتاج إلى تشخيص دقيق على امتداد الأقطار العربية.. أو على امتداد الشبكة العربية، فالحديث هنا ضمن إطار حدود قطرية يتناقض مع الواقع الشبكي. ويظهر الخلل تلقائيا من خلال نظرة شاملة وسريعة، إنّما لا تظهر أبعاده وأسبابه بصورة كافية دون النظرة المتعمّقة المتأنّية، لا سيّما وأنّ المشكلة تبدأ مع إشكالية التعريف، ولا يُستهان بها إزاء الكمّ الكبير المتوفّر من المواقع التي تُنسب أو تَنسب نفسها إلى العمل الإعلامي، دون أن يقترن هذا الكمّ بقدر موازٍ له من العطاء والتأثير إعلاميا، وهذا ما يتطلّب التصنيف قبل التعريف، وللتصنيف مداخل عديدة، قد يكون من أهمّها الجانب التخصصي، إنّما يكفي لتحقيق غرض الحديث هنا الأخذ بمدخل تعميمي، للتمييز بين (1) قسم من المواقع الإعلامية التي نشأت ابتداء كمشاريع إعلامية شبكية، و(2) قسم آخر نشأ ملحقا بوسائل إعلامية تقليدية لا سيّما المطبوعة، و(3) القسم الثالث، وهو الأكبر عددا والأقلّ إنتاجا، مواقع يعتبرها أصحابها إعلامية، وقد لا يعترف المتخصّصون بهذه الصفة إلاّ للقليل منها.
لا ينبغي في فترة النشأة والتطوّر الأولى صرف النظر عن شيء من ذلك، ولكن يفرض الإيجاز التركيز على الصنفين الأوّل والثاني عند السؤال عن خلفيّات الخلل القائم أو عن معالمه الرئيسية على الأقلّ. وأوّل ما يقودنا ذلك إلى نقص فرضته ظروف النشأة الأولى ويرتبط بتفاوت نسبة استيعاب طبيعة الإعلام الألكتروني نفسه، وهذا -على الأرجح- ممّا جعل كثيرا من القائمين على الإعلام المطبوع يخشون في البداية من احتمال كساد صحفهم ومجلاّتهم، إلى درجة انعكست في امتناع الغالبية عن تخصيص مواقع ألكترونية لمطبوعاتهم لفترة طويلة، ثمّ بعد الإقدام على هذه الخطوة عموما، عمدوا إلى تقييد الاستفادة من الموقع كيلا يستغني زائره عن شراء النسخة المطبوعة.. ثمّ كان انتشار المواقع الشبكية لاحقا، والتي لا يزيد غالبها عن كونه نسخة كاملة أو مختصرة على الشاشة الصغيرة من الوسيلة الإعلامية المطبوعة.
في سائر الأحوال تندر الاستفادة من الميزات الكبيرة الخاصّة بالإعلام الألكتروني، والمختلفة اختلافا جذريا عن ميزات النشر المطبوع -وليس الاختلاف هنا اختلاف المفاضلة- وكانت هذه الاستفادة قليلة نسبيا أيضا في المواقع الإعلامية التي نشأت ابتداء دون الاعتماد على وسيلة مطبوعة، فقد التزمت في البداية غالبا بما تلتزم به الصحف والمجلات عادة من تبويب ومحتويات، بل وتحديد مواعيد تجديد المحتوى ليكون يوميا أو أسبوعيا أو شهريا بصفة دورية، أي كالمعتاد عموما في عالم الإعلام المكتوب.
من الميزات النظرية
إنّ طبيعة الإعلام الألكتروني توجد إمكانات أخرى تماما، يكفي بعضها ليجعله قطاعا إعلاميا قائما بذاته متميّزا عن سواه، وهذا في مقدّمة ما تحتاج إلى الانطلاق منه المواقع الإعلامية الألكترونية عموما، لا سيّما التي لا يرافقها إعلام مطبوع. ولكن من تلك الإمكانات أيضا ما يحقّق التكامل المفيد مع الإعلام المطبوع، ويدعم انتشاره وتسويقه، وهو ما لا يزال من النادر رؤيته في المواقع العربية التابعة للصحف والمجلات العربية المعروفة.
من هذه الإمكانات على سبيل المثال دون الحصر:
1- تجديد الأخبار دون مواعيد ثابتة، أي مع الحصول على الخبر مباشرة، وذاك ما لا يُستغنى عنه، فهو ما يثبّت الاستفادة من ميزة الإعلام الشبكي الأولى..
2- الإشارة في نص الخبر أو بصورة مرافقة له إلى الخلفيات والمعلومات الأساسية والتحليلات ومقالات الرأي ذات العلاقة، ممّا سبق وجوده في الموقع، أو ما يُخطّط لإضافته لاحقا تفاعلا مع الخبر، وهذا من مداخل الوسيلة المطبوعة أنّ توزّع هذه العملية ما بين الصفحات الألكترونية والصفحات المطبوعة توزيعا مدروسا..
3- التفاعل الحيّ مع زوّار الموقع، ليس فقط عن طريق منتديات الحوار وباب التعليقات، وإنّما إلى جانب ذلك بالربط المباشر بين الخبر والمقال وما قد يساهم به الزوّار من آراء، بحيث يجد الزائر الناشط نفسه وكأنّه أصبح من أسرة التحرير، علاوة على ابتكار الوسائل التي ترتفع بمستوى هذا التفاعل التقليدي، إلى مستوى "تفعيل" جمهور المستهلكين، بمعنى طرح القضايا ذات العلاقة بالواقع المعيشي، وبيان سبل التعامل معها مع الاستفادة من التقنيات الشبكية والإعلامية عموما..
4- الحرص في المواقع الكبيرة خاصّةً على التقنيات التي تكفل التنقّل في الموقع، لا سيّما حول الموضوع الواحد، دون افتقاد الخيط الواصل بين أطرافه، أو النظرة الشاملة إلى المحتويات، أو إمكانية العودة إلى نقطة الانطلاق..
ويمكن تعداد المزيد ممّا يرفع مستوى الإعلام الشبكي، ويبيّن طبيعته المتميّزة، ولا تتحقق الاستفادة منها دون أن يكون للعاملين في موقع شبكي، من محرّرين وفنيّين وإداريين، تأهيل تخصصي، يشمل أسس الإعلام الذي أصبح علما قائما بذاته واسع الميادين متعدّد الفروع، كما يشمل الخصائص المرتبطة بالإعلام الألكتروني، وهذا ما تعنيه المطالبة بتفاعل الصحفيين في الإعلام الألكتروني مع الجمهور عبر الشبكة، وتطوير مهاراتهم، وتطوير أقسام الإعلام في الجامعات والمعاهد العليا على هذا الصعيد.
من الأخطاء التطبيقية
لقد نشأ الإعلام الألكتروني العربي نشأة عشوائية، وهذا في الواقع هو حال نشأة الشبكة العالمية عموما، ولكن بدأ شيء من مساعي الخروج من العشوائية ينتشر عالميا أو في بعض قطاعات الشبكة على الأقل، بينما لا تزال آثار عشوائية النشأة أكثر انتشارا في الشبكة العربية.
في نطاق الإعلام الألكتروني العربي يمكن التنويه هنا بأمرين مثالا على سواهما، هما الخلل بين الشمول والتخصّص، والخلل بين تقنية الإخراج وجماله.
- الخلل بين الشمول والتخصّص
تحرص المواقع الإعلامية العربية الكبرى بصورة ملحوظة على أن يكون كلّ منها -وحده- المرجع لزوّاره في كافّة الميادين. وهذا ممّا جعل التنوّع والشمول في معظمها على حساب الجودة أحيانا وعلى حساب وضوح الرؤية لدى الزائر غالبا. أصبح كلّ موقع يريد أن يكون في وقت واحد وكالة أنباء عالمية، وصحيفة يومية تلاحق الحدث، ودوريّة تحلّله، بل ومحطة إذاعية وتلفازية أيضا، كما يريد الموقع أن يكون سياسيا وثقافيا واقتصاديا وعلميا واجتماعيا، وأن يكون مقصدا للطلبة من الشبيبة وللباحثين، وللأطفال والناشئة والنساء.. ونجد في معظم هذه المواقع الجامعة أقساما مخصّصة للمفاهيم والمصطلحات، وللسير والتراجم، وللتاريخ والوثائق.. ولا يرقى شيء من ذلك بطبيعة الحال إلى مستوى ما يتضمّنه "عمل موسوعي"، ولكن توحي العناوين بالسعي لذلك رغم صعوبة تحقيقه، وإن أمكن فالموقع الإعلامي العربي يجعل من نفسه -علاوة على ما سبق- نافذة غير عربيّة لغير الناطقين بها!.
ممّا يتّصل بهذه الظاهرة أنّ الرغبة في الانفتاح والحوار وهما مرغوبان وضروريان في الأصل ولا مجال للتشكيك في ذلك، تجعل بعض المواقع الإسلامية مثلا يفتح أبواب المشاركة المباشرة من جانب الآخر، ولكن -ربّما لاستعراض الثقة المتبادلة- دون ضوابط وحدود كافية، أي بحيث يتميّز وجود الآخر بصفته الفعلية في موقع إسلامي، وأصبحت هذه الظاهرة ممّا يفقد الموقع المعنيّ شيئا من هويّته لدى زائريه والمستشهدين به، والعكس صحيح أيضا، أي ما يسري على وجود الإسلامي في موقع آخر، إنّما نرصد ذلك بصورة نسبية أقلّ انتشارا من الناحية التطبيقية.
لا يصحّ القول هنا بأنّه لا ينبغي أن يكون للإعلام هويّة انتمائية، فهذا ما يتناقض مع واقع قائم من جهة، ولا يساعد من جهة أخرى على تحقيق هدف الحوار والتلاقي والانفتاح -الذي يُذكرُ حجّةً بهذا الصدد- فجميع ذلك لا سبيل إليه دون وجود طرفين أو أكثر، ولا وجود لأيّ منهم دون أن يتميّز بنفسه، والتميّز لا يعني أن ينغلق على الآخر، والإعلام هو إحدى الوسائل الرئيسية التي يتميّز كلّ طرف من خلالها كما أنّه يتفاعل من خلالها مع سواه.
إنّ التخصّص أصبح كما هو معروف هو الميزة الرئيسية التي تمّ الأخذ بها نتيجة الخبرة والاقتناع في المعاهد الفكرية والجامعات وفي الإنتاج الصناعي والعلاقات الاقتصادية والمالية، وكذلك في الإعلام التقليدي، ولكنّه لم يصل بالحدّ الضروري والكافي بعدُ إلى الإعلام الألكتروني، لا سيّما العربيّ.
ويبدو أنّ بعض المواقع الإعلامية الألكترونية العربية الجامعة يعتمد على طاقات مالية كبيرة ليمارس أسلوب التغطية الشاملة، أو أن يسعى إليها، ولكنّ القليل من هذه المواقع من عمد إلى توظيف تلك الطاقات وفق ما تقتضيه قواعد التخصّص، ليكون العطاء أكثر جودة وتأثيرا، بأن يوجد على سبيل المثال عددا من المواقع المنفصلة عن بعضها بعضا، شكلا وعنوانا، ليميّز الزائر فيما بينها وفق احتياجاته الآنيّة، ولكنّها متواصلة من حيث تكامل مضامينها والإشارات المنوّهة في كلّ منها عن الآخر، لينتقل بينها الزائر، وفق احتياجاته الآنيّة أيضا.
ويمكن لتعزيز التخصّص في الإعلام الألكتروني العربي أن يساهم في تعزيز التكامل والتعاون، فوجود موقع أو بعض المواقع الموسوعية في طرح المصطلحات والمفاهيم بأسلوب منهجي جامعي مضمون، في كلّ ميدان من ميادين العلوم الرئيسية، وبحيث يشارك في الموقع الواحد أكثر من جهة من الجهات القائمة على الإعلام الألكتروني العربي، يجعل من تلك الموسوعات الشبكية مرجعا بقيمة عالية للزوّار، وسندا يثري بمحتواه سائر الجهات أو المواقع المتعاونة فيما بينها من ورائها، كما تساهم خطوة من هذا القبيل في توفير الطاقات لرفع مستوى العطاء في ميدان آخر، وتساهم أيضا في تحويل التنافس السلبي إلى تنافس إيجابي، لا سيّما إذا حمل الموقع المشترك بصمات سائر المشاركين في إنشائه ورعايته.
ويوجد المزيد من الأمثلة من هذا القبيل، ويبقى الحدّ الأدنى المطلوب مرحليا باتجاه أهداف بعيدة، هو أن تعيد المواقع الإعلامية الكبيرة النظر في محتواها الراهن، وقابلية تحويل بعض الأبواب الكبرى إلى مواقع متعدّدة متشابكة، مع الحرص من خلال ذلك أن يزداد "وضوح" المعروض على الزوّار توزيعا وتصنيفا.
- الخلل بين تقنية الإخراج وجماله
ليس مجهولا ما يعنيه التأثير المتبادل بين المحتوى والإخراج لتحقيق الغرض الإعلامي، ولا أنّ الإعلام الألكتروني ينطوي على تقنيات ما لا تنطوي عليه سائر وسائل الإعلام التقليدية، بما في ذلك الفضائيات الحديثة الظهور نسبيا، والتي بدأت -كبقية أشكال البثّ التليفزيوني- تستعين بالتقنيات الشبكية لرفع مستوى أدائها.
إنّ الجمع بين عنصري الجمال المريح في الإخراج وتيسير وصول المعلومات إلى زائر الموقع هو المحور الرئيسي للمهارة المطلوبة من القائمين على أيّ موقع إعلامي من الفنيّين. وقد عانت المواقع العربية عموما الكثير في هذا المجال قبل أن يستقرّ قسم منها على أشكال متميّزة، ويتمكّنَ من تجنّب المبالغة في الألوان والصور والمؤثّرات التقنية، مع عدم الاستغناء عنها.
وإذا كان المطلوب من أيّ موقع شبكي، بما في ذلك الموقع الدعائي التجاري أو الفنّي أو الشخصيّ، مستوى جيّدا من الإخراج يخدم الغرض منه، فقد يغيب أحيانا عن الأذهان أنّ الغرض من الموقع الإعلامي هو المعلومة والرأي، وليس الترويج لسلعة، أو التعريف بإنجاز شخصي، أو رصد أثر عمل فني، فضلا عن غياب القاعدة الأساسية وهي أن الإخراج وسيلة لإيصال الغرض الإعلامي للمستهلك وليس غاية حدّ ذاته.
في هذا الإطار يتحوّل الإخراج المعقّد وإن كان على أعلى مستويات التقنية، إلى عقبة في وجه الزائر بدلا من مساعدته تقنيا وخدمة رغباته، وليس المقصود هنا بمساعدته مجرّد دفعه بأساليب الإثارة دفعا إلى الاطلاع على نصّ أو معلومة ما، فكثيرا ما تسبّب الإثارة الزائدة توقّعاتٍ أكبر من المتوافر في المحتوى واقعيا، فتقع خيبة أمل بعد أخرى وتدفع إلى العزوف عن المتابعة أو معاودة الزيارة.
وما انفكّ المتخصّصون يؤكّدون أنّ أفضل إخراج فنيّ هو المتميّز بالبساطة والجمال وتوازن ذلك مع وجود تقنية عالية وراءه، بحيث يؤثّر الإخراج على الزائر ويخدمه دون اتّباع أسلوب الصدمات، لا سيّما عندما يكون المحتوى من الأهمية والإثارة، ما يلفت النظر إليه تلقائيا، فلا حاجة هنا إلى أكثر من كلمة تشير إلى المحتوى، وليس إلى المثيرات المرافقة لها بالألوان والخطوط وسواها.
إنّ وضع صورة دون الحاجة إليها، أو تضخيمها على حساب النصّ، أو الإكثار من الصور، أو الحرص على عنصر الإثارة والغرابة أكثر من الحرص على المدلول الإعلامي، يضعف قيمة المواقع مثلما تضعفه التفريعات والوصلات، بحيث لا يتمّ الوصول إلى المعلومة إلا بعد عدّة عقبات، كما لا يمكن الرجوع إلى البداية إلا بعد بحث جديد عنها، وجميع ذلك -كمثال كما سبقت الإشارة- هو ممّا ينبغي الالتفات إليه في الحديث عن الجانب العملي التنفيذي لتطوير الإعلام الألكتروني العربي.
مشكلة الإعلام الألكتروني مع السلطة.. ومع ذاته
كان وما يزال من العقبات الكبرى في وجه تطوّر المواقع الإعلامية في الشبكة العربية تطوّرا متوازنا وفعّالا، أنّ ما يسري على الإعلام التقليدي يراد أن يسري عليها أيضا، من حيث انخفاض مستوى حريّة الكلمة والتعبير والتواصل في البلدان العربية عموما. ربّما كان لبعض العقبات الأخرى كالتمويل، والإعلانات، والبنية التحتية الضرورية لانتشار التقنيات الشبكية، دوره في بقاء الإعلام الألكتروني العربي دون المستوى المنشود حتى الآن، رغم ارتقاء عدد من المواقع المعروفة إلى مكانة مؤثّرة في هذه الأثناء، ولكن أصبح التركيز على تلك العقبات في الحديث عن تطوير الإعلام، يشغل –دون إنكار ضرورته وأهميتها- عن تعامل تطويريّ إيجابي لا توجد عقبات خارجية في وجهه، مع عوامل أخرى ما زالت تساهم في عرقلة مسيرة الإعلام الألكتروني العربي، ومن ذلك على سبيل التنويه: خاتمة في الإمكان تصوّر أن يلعب الإعلام الألكتروني دورا كبيرا في المستقبل في الأقطار العربية -والإسلاميّة عموما بطبيعة الحال- إنّمّا لا بدّ لتحقيق ذلك من التفكير بتطويره في خطّين متوازيين، أحدهما ما يرتبط بعقبات خارجية كالبنية التقنية والسياسات الرسمية، والثاني ما يرتبط بالعقبات الذاتية، مع ملاحظة أن معالجة الأخيرة تمثل الشرط الأوليّ والسبيل الفعّال للتغلب على العقبات الخارجية، ولهذا فلا غنى عن التفكير المشترك في ضوابط ومعايير، ليس بمعنى قيود تُفرض على العمل الإعلامي الألكتروني نفسه، وإنّما من قبيل ما يرتبط بضبط الجوانب المهنية والمالية والقانونية.
بين الكلمة والسلطة
وكان من تأثير ذلك امتناع بعض هذه البلدان سنوات عديدة عن فتح أبواب إعلام ألكتروني داخل حدودها، إلى أن أصبح فتحها اضطراريا، ثمّ لجأت إلى محاولات تقييده في "الفضاء" الشبكي بأساليب تقنية ثمّ بأساليب "أمنية" معروفة، وأدّى ذلك بمجموعه إلى سلسلة من الظواهر السلبية، يكفي هنا التنويه باثنتين منها:
1- ظهور ما عرف بالمواقع الإعلامية للمعارضة، وبعضها فقط ما يمثّل بالفعل معارضة لها وزنها الواقعيّ داخل البلد، ولكنّها لا تستطيع أن ترقى بإعلامها مطبوعا أو ألكترونيا إلى مستوى التعبير من خلاله عن نفسها، وهنا كثيرا ما ساهم التقييد في مضاعفة "حدّة التعبير" دون وصول المحتوى إلى نسبة عالية من جمهور الزوّار المستهدفين شبكيا، غالبا لضعف البنى التحتية الشبكية في البلدان العربية. ورغم أنّ بعض أصحاب هذه المواقع يتحدّثون عن "اختراقهم" للعقبات والحظر والحرمان من الحقوق والحريات، إلاّ أنّ هذا يبقى نسبيّا محدودا، ولا يبدو أنّ الوضع سيتبدّل دون تأمين عدد من الشروط، منها (1) ألاّ تكون "حدّة التعبير" هي التعويض عن "تقييد الحريّة"، فهذا ما يصبّ في النهاية في صالح من يقيّدها، وقليلا ما يساهم في اختراق القيود بالقدر الكافي.. ومن الشروط (2) رفع مستوى التعاون الإعلامي من وراء حواجز الانتماءات والتيارات والأحزاب، داخل القطر الواحد وبما يتجاوز الحدود القطرية، وهو ما يحتاج إلى توفير الشرط الأول، على ألاّ يعني ذلك مطالبة أحد بالتخلّي عن قناعاته والتعبير عنها. ومن الشروط أيضا (3) العمل الفعّال لتكون حرية الإعلام الألكتروني كالإعلام عموما جزءا ثابتا محوريّا في منظومة الحقوق والواجبات المطلوبة مع ترسيخ سيادة القانون والقضاء وما ينبني على تطبيقها واحترامها في البلدان العربيّة.
2- لجوء السلطات في الإعلام الألكتروني إلى اصطناع ظاهرة شاذّة، من خلال أساليب مشابهة لِما لجأت إليه في عالم الفضائيات على وجه التخصيص، إذ نشهد في الحالتين تناقضا غير عادي بين (1) ما يسري من قوانين الحظر نظريا وممارسته تجاه الرأي الآخر المعارض على وجه التخصيص، ومعظمه تحت عنواني "القيم.. والأمن" و(2) ما انتشر من فضائيات تخرق تلك القوانين بوضوح، ولكن تتجنّب السلطات كليّا منعها من الوصول ببثّها إلى داخل الدولة المعنية كسواها، وهذا ما بات يسري على مواقع إعلامية كبيرة أيضا، وفي الحالتين تعمل تلك الفضائيات والمواقع باسم شركات خاصة، تنطلق من خارج الحدود، ولكنّها في واقعها المعروف ذات نفوذ ومكانة وتأثير في بلدها الأصلي.
إنّ القيود.. والازدواجية.. والانتقائية.. والعشوائية.. وغير ذلك من الإصابات المرضية للعلاقة بين الإعلام والسلطة، لم تعد مجرّد عقبة في وجه تطوير الإعلام بما في ذلك الإعلام الألكتروني العربي، إنّما أصبحت تمثّل وهماً كبيراً خطيرا بنتائجه، إذ تحسبه السلطات وسيلة للحفاظ على نفسها، ولم يعد يمكن في ظلّ المعطيات التقنية والسياسية الحالية، توظيفُ هذه الأساليب لتحقيق ذلك الغرض، إلاّ جزئيا أو لفترة زمنية محدودة، مع المخاطرة بتراكم الاحتقان الشعبي وانفجاره، فضلا عن أنّ حجر الحريات والحقوق عموما أصبح في مقدّمة عقبات التقدّم الحقيقي على مستوى الدولة والمجتمع، والسلطة والشعب، دون تمييز.
مدخل العقبات الذاتية
1- التوازن الضروري بين إعلام قائم على انتماء معيّن من الانتماءات المتعدّدة على مستوى التيّارات والأحزاب والجماعات، وبين "إعلام مهني"، دون أن يطغى أحد الجانبين على الآخر، فمستوى الأداء وكفاءته وجودته شرط للتعبير عن الانتماء المعني أيّا كان، وشرط ليتحوّل التعدّد إلى تنافس إيجابي، ويتحوّل الاختلاف إلى حوار مثمر، وهو ما يخدم في حصيلته سائر الأطراف، ويدعم في الوقت نفسه قضية الحريات والحقوق حيث تواجه عقبة سلوك السلطة ومحاولة احتكار الصوت الإعلامي.
2- يشكو الإعلاميّون المستقلّون من غلبة المحسوبية وبالتالي الفساد على عنصر الكفاءة في صناعة الإعلام وإدارته، وتتجه أصابع الاتّهام عادة إلى الدولة وسلطتها ووسائل الإعلام التابعة لها رسميا أو بحكم الواقع، وقليلا ما يُلاحظ أنّ هذه الظاهرة المرضية تنتشر بقدر معيّن لا بأس به، وإن اتخذت صورا ومستويات أخرى، في وسائل إعلام عديدة مستقلّة عن السلطات، وهو ما يسري في الإعلام الألكتروني وسواه، ولا يمكن دون معالجة الإصابة ذاتيّا أن يكتسب هذا الإعلام مصداقيّة كافية وأن يؤدّي الرسالة التي حملها في الأصل، وإن وجدت وسيلته الإقبال عليها فترة من الزمن.
3- كذلك فمشكلة حقوق النشر الفكرية التي استفحلت في عالم الإعلام الألكتروني أكثر ممّا كانت عليه أصلا في عالم المطبوعات، ليست مشكلة قانون ينظّم فحسب، قدر ما هي مشكلة سلوك فردي من جانب أهل الكلمة والقائمين على نشرها، وقد يُمكن تفسيره –دون القبول به- في الإعلام المطبوع، إنّما لا يمكن العثور على تفسير منطقي سوى الإصرار على سلوك مشين، عندما يتمّ نقل النصوص إلى مواقع عديدة، بدلا من وضع رابط لناشرها الأصلي، وهي عمليّة مكشوفة سريعا مع تطوّر تقنيات آليات البحث، كما أنّها ضارّة بالناقل أكثر من صاحب الحقّ المتضرّر، والأهم من ذلك في إطار الغرض من هذا الموضوع، أنّها ظاهرة تساهم إلى حدّ كبير في أن يكون الإعلام الألكتروني العربي مكرّرا لنفسه، حافلا بأسباب عدم الثقة بكثير من القائمين على مواقعه، ولا يمكن تصوّر تطويره بقفزات نوعيّة حاسمة في إطار هذه المعطيات دون معالجتها .
وعلى أيّ حال سيبقى مستقبل تطوير الإعلام الألكتروني العربي رهنا بثلاثة محاور رئيسية لها فروعها، وهي المهارات المهنية، وانتشار الشبكة شعبيا، وانضباط العلاقات بين أركان المجتمع من سلطات وهيئات غير رسمية وفعاليات شعبية على أرضية قويمة قائمة على الثوابت والحقوق والحريات وسيادة القانون والقضاء.
وكان من تأثير ذلك امتناع بعض هذه البلدان سنوات عديدة عن فتح أبواب إعلام ألكتروني داخل حدودها، إلى أن أصبح فتحها اضطراريا، ثمّ لجأت إلى محاولات تقييده في "الفضاء" الشبكي بأساليب تقنية ثمّ بأساليب "أمنية" معروفة، وأدّى ذلك بمجموعه إلى سلسلة من الظواهر السلبية، يكفي هنا التنويه باثنتين منها:
1- ظهور ما عرف بالمواقع الإعلامية للمعارضة، وبعضها فقط ما يمثّل بالفعل معارضة لها وزنها الواقعيّ داخل البلد، ولكنّها لا تستطيع أن ترقى بإعلامها مطبوعا أو ألكترونيا إلى مستوى التعبير من خلاله عن نفسها، وهنا كثيرا ما ساهم التقييد في مضاعفة "حدّة التعبير" دون وصول المحتوى إلى نسبة عالية من جمهور الزوّار المستهدفين شبكيا، غالبا لضعف البنى التحتية الشبكية في البلدان العربية. ورغم أنّ بعض أصحاب هذه المواقع يتحدّثون عن "اختراقهم" للعقبات والحظر والحرمان من الحقوق والحريات، إلاّ أنّ هذا يبقى نسبيّا محدودا، ولا يبدو أنّ الوضع سيتبدّل دون تأمين عدد من الشروط، منها (1) ألاّ تكون "حدّة التعبير" هي التعويض عن "تقييد الحريّة"، فهذا ما يصبّ في النهاية في صالح من يقيّدها، وقليلا ما يساهم في اختراق القيود بالقدر الكافي.. ومن الشروط (2) رفع مستوى التعاون الإعلامي من وراء حواجز الانتماءات والتيارات والأحزاب، داخل القطر الواحد وبما يتجاوز الحدود القطرية، وهو ما يحتاج إلى توفير الشرط الأول، على ألاّ يعني ذلك مطالبة أحد بالتخلّي عن قناعاته والتعبير عنها. ومن الشروط أيضا (3) العمل الفعّال لتكون حرية الإعلام الألكتروني كالإعلام عموما جزءا ثابتا محوريّا في منظومة الحقوق والواجبات المطلوبة مع ترسيخ سيادة القانون والقضاء وما ينبني على تطبيقها واحترامها في البلدان العربيّة.
2- لجوء السلطات في الإعلام الألكتروني إلى اصطناع ظاهرة شاذّة، من خلال أساليب مشابهة لِما لجأت إليه في عالم الفضائيات على وجه التخصيص، إذ نشهد في الحالتين تناقضا غير عادي بين (1) ما يسري من قوانين الحظر نظريا وممارسته تجاه الرأي الآخر المعارض على وجه التخصيص، ومعظمه تحت عنواني "القيم.. والأمن" و(2) ما انتشر من فضائيات تخرق تلك القوانين بوضوح، ولكن تتجنّب السلطات كليّا منعها من الوصول ببثّها إلى داخل الدولة المعنية كسواها، وهذا ما بات يسري على مواقع إعلامية كبيرة أيضا، وفي الحالتين تعمل تلك الفضائيات والمواقع باسم شركات خاصة، تنطلق من خارج الحدود، ولكنّها في واقعها المعروف ذات نفوذ ومكانة وتأثير في بلدها الأصلي.
إنّ القيود.. والازدواجية.. والانتقائية.. والعشوائية.. وغير ذلك من الإصابات المرضية للعلاقة بين الإعلام والسلطة، لم تعد مجرّد عقبة في وجه تطوير الإعلام بما في ذلك الإعلام الألكتروني العربي، إنّما أصبحت تمثّل وهماً كبيراً خطيرا بنتائجه، إذ تحسبه السلطات وسيلة للحفاظ على نفسها، ولم يعد يمكن في ظلّ المعطيات التقنية والسياسية الحالية، توظيفُ هذه الأساليب لتحقيق ذلك الغرض، إلاّ جزئيا أو لفترة زمنية محدودة، مع المخاطرة بتراكم الاحتقان الشعبي وانفجاره، فضلا عن أنّ حجر الحريات والحقوق عموما أصبح في مقدّمة عقبات التقدّم الحقيقي على مستوى الدولة والمجتمع، والسلطة والشعب، دون تمييز.
ربّما كان لبعض العقبات الأخرى كالتمويل، والإعلانات، والبنية التحتية الضرورية لانتشار التقنيات الشبكية، دوره في بقاء الإعلام الألكتروني العربي دون المستوى المنشود حتى الآن، رغم ارتقاء عدد من المواقع المعروفة إلى مكانة مؤثّرة في هذه الأثناء، ولكن أصبح التركيز على تلك العقبات في الحديث عن تطوير الإعلام، يشغل –دون إنكار ضرورته وأهميتها- عن تعامل تطويريّ إيجابي لا توجد عقبات خارجية في وجهه، مع عوامل أخرى ما زالت تساهم في عرقلة مسيرة الإعلام الألكتروني العربي، ومن ذلك على سبيل التنويه:
1- التوازن الضروري بين إعلام قائم على انتماء معيّن من الانتماءات المتعدّدة على مستوى التيّارات والأحزاب والجماعات، وبين "إعلام مهني"، دون أن يطغى أحد الجانبين على الآخر، فمستوى الأداء وكفاءته وجودته شرط للتعبير عن الانتماء المعني أيّا كان، وشرط ليتحوّل التعدّد إلى تنافس إيجابي، ويتحوّل الاختلاف إلى حوار مثمر، وهو ما يخدم في حصيلته سائر الأطراف، ويدعم في الوقت نفسه قضية الحريات والحقوق حيث تواجه عقبة سلوك السلطة ومحاولة احتكار الصوت الإعلامي.
2- يشكو الإعلاميّون المستقلّون من غلبة المحسوبية وبالتالي الفساد على عنصر الكفاءة في صناعة الإعلام وإدارته، وتتجه أصابع الاتّهام عادة إلى الدولة وسلطتها ووسائل الإعلام التابعة لها رسميا أو بحكم الواقع، وقليلا ما يُلاحظ أنّ هذه الظاهرة المرضية تنتشر بقدر معيّن لا بأس به، وإن اتخذت صورا ومستويات أخرى، في وسائل إعلام عديدة مستقلّة عن السلطات، وهو ما يسري في الإعلام الألكتروني وسواه، ولا يمكن دون معالجة الإصابة ذاتيّا أن يكتسب هذا الإعلام مصداقيّة كافية وأن يؤدّي الرسالة التي حملها في الأصل، وإن وجدت وسيلته الإقبال عليها فترة من الزمن.
3- كذلك فمشكلة حقوق النشر الفكرية التي استفحلت في عالم الإعلام الألكتروني أكثر ممّا كانت عليه أصلا في عالم المطبوعات، ليست مشكلة قانون ينظّم فحسب، قدر ما هي مشكلة سلوك فردي من جانب أهل الكلمة والقائمين على نشرها، وقد يُمكن تفسيره –دون القبول به- في الإعلام المطبوع، إنّما لا يمكن العثور على تفسير منطقي سوى الإصرار على سلوك مشين، عندما يتمّ نقل النصوص إلى مواقع عديدة، بدلا من وضع رابط لناشرها الأصلي، وهي عمليّة مكشوفة سريعا مع تطوّر تقنيات آليات البحث، كما أنّها ضارّة بالناقل أكثر من صاحب الحقّ المتضرّر، والأهم من ذلك في إطار الغرض من هذا الموضوع، أنّها ظاهرة تساهم إلى حدّ كبير في أن يكون الإعلام الألكتروني العربي مكرّرا لنفسه، حافلا بأسباب عدم الثقة بكثير من القائمين على مواقعه، ولا يمكن تصوّر تطويره بقفزات نوعيّة حاسمة في إطار هذه المعطيات دون معالجتها .